المتن :
فوائد معرفة المدني والمكي :
معرفة المكي والمدني نوع من أنواع علوم القرآن المهمة ، وذلك لأن فيها فوائد منها :
1- ظهور بلاغة القران في أعلى مراتبها ، حيث يخاطب كل قوم بما تقتضيه حالهم من قوة وشدة ، أو لين وسهولة .
2- ظهور حكمة التشريع في أسمى غاياته حيث يتدرج شيئا فشيئا بحسب الأهم على ما تقتضيه حال المخاطبين واستعدادهم للقبول والتنفيذ .
3- تربية الدعاة إلى الله تعالى ، وتوجيههم إلى أن يتبعوا ما سلكه القران في الأسلوب والموضوع ، من حيث المخاطبين ، بحيث يبدأ بالأهم فالأهم ، وتستعمل الشدة في موضعها والسهولة في موضعها .
4- تمييز الناسخ من المنسوخ فيما لو وردت آيتان مكية ومدنية ، يتحقق فيهما شروط النسخ ، فإن المدنية ناسخة للمكية ، لتأخر المدنية عنها .
شرح الشيخ :
1- ظهور بلاغة القران في أعلى مراتبها ، حيث يخاطب كل قوم بما تقتضيه حالهم من قوة وشدة ، أو لين وسهولة .
ولهذا فسر علماء البلاغة , ان البلاغة هي مطابقة الكلام بمقتضى الحال , هذه هي البلاغة , والفصاحة : موافقته لقواعد اللغة العربية
القرآن الكريم لا شك انه يأتي مطابقا لمقتضى الحال وذلك لمعرفة المكي والمدني ,
2- ظهور حكمة التشريع في أسمى غاياته حيث يتدرج شيئا فشيئا بحسب الأهم على ما تقتضيه حال المخاطبين واستعدادهم للقبول والتنفيذ .
وهذا من حكمة الله عز وجل لان الناس لو أتاهم الشرع جملة واحدة لشق عليهم ذلك فلا بد ان يأتيهم شيئا فشيئا , وهل الحكمة ان نبدأ بالأهم فالأهم او بالمهم دون الأهم ؟
الاول طبعا هو الحكمة , كذلك الاوامر نعطيها شيئا فشيئا وليس جملة , لو رجل ذهب الى قوم يدعوهم الى الله عز وجل ورأى ما هم عليه من البدع والخرافات , فأراد ان يتكلم بأشياء يطمئنون اليها اولا , مثل الصلاة والجنة .. حتى تلين قلوبهم . ام انه يبتدأ من الاول ويقول : ايها المبتدعون الضالون المخالفون ... ؟
طبعا الاول , انظر الى قوله تعالى :
-( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون )- [الأنعام/108]
ابدأ اذن بالشئ المتفق عليه اولا الذي ليس فيه معارضة , وافتح لهم ابواب العلم التي اعطاك الله , حتى يعرفوا انك رجل عالم , ويقبلوا منك .
3- تربية الدعاة إلى الله تعالى ، وتوجيههم إلى أن يتبعوا ما سلكه القران في الأسلوب والموضوع ، من حيث المخاطبين ، بحيث يبدأ بالأهم فالأهم ، وتستعمل الشدة في موضعها والسهولة في موضعها .
يقول تعالى :
-( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب )- [البقرة/269]
فالانسان الحكيم يعرف كيف يتصرف , انظر الى حال رسول الله صلى الله عليه وسلم , ينزل الجاهل منزلته , وما يظهر منه عناد منزلته , جاء رجل اعرابي احتاج الى قضاء الحاجة , فتنحى ناحية المسجد وجعل يبول , يظن ان المسجد كالخلاء او البر , فصاح به الناس وزجروه فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام , فلما قضى بوله , امر النبي صلى الله عليه وسلم ان يراق على بوله ماء , فزالت المفسدة من هذا البول بتطهيره , ثم دعى الرجل وقال ان هذه المساجد لا يصلح فيها شئ من القذارة , انما هي للتسبيح والتكبير او قراءة القرآن,
الاعرابي انشرح صدره من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد ضاق صدره من زجر الصحابة له , فظهر ما بالباطن على اللسان وقال :
اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا احدا
ضيق الرحمة الواسعة التي وسعت كل شي لان هؤلاء ضيقوا صدره , لكن الصحابة معذورون لان هذا منكر , الا ان الحكمة فيما فعل النبي عليه الصلاة والسلام , يقول العلماء انه صار هناك مفسدة :
لانه اما ان يكون كاشفا عورته لئلا يصيبه البول , وهذه مفسدة , واما ان يغطي عورته فتصيب ثيابه البول , وهذه مفسدة , واذا قطع بوله فهذا ضرر عليه , لو قام فتتسع رقعة النجاسة .
فانظر الى الحكمة النبوية التي كانت مطابقة لحال هذا الاعرابي ,
ام الموضع الثاني موضع الشدة : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجل يدعى عبد الله بن اللجبية على الصدقة , فلما رجع قال : هذا لكم وهذا لي .
غضب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب بالناس قال :
ما بال احدكم نستعمله فيرجع ويقول هذا لي وهذا لكم , فهلا جلس في بيت ابيه فينظر ايجى له ام له .
كلمات قوية لان المقام يقتضي ذلك
ولما رأى رجل عليه خاتم ذهب والذهب محرم , فأخذ الخاتم ونزعه ورمى به .
وهذا اسلوب شديد وقال : ايعمد احدكم الى جمرة فيضعها بيده .
اذن ارجو من اخواني الدعاة ان نستعمل هذا الاسلوب وان نتأنى ونصبر , نصبر على ما ينالنا من أذى ونصبر على ما كان من إخواننا المدعوين من مخالفة , لا يمكن ان تأتي الامور بين عشية وضحاها .
4- تمييز الناسخ من المنسوخ فيما لو وردت آيتان مكية ومدنية ، يتحقق فيهما شروط النسخ ، فإن المدنية ناسخة للمكية ، لتأخر المدنية عنها .
النسخ ثابت في الشريعة الاسلامية وفيما قبلها ايضا , اقرأ قوله تعالى :
-( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة )- [آل عمران/93]
-( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم )- [النساء/160]
-( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم )- [آل عمران/50]
فالنسخ اذن ثابت في الشريعة السماوية , لكن له شروط , من أهمها ان نعلم التاريخ , لان معنى النسخ ان الاول باطل وملغى , وتجد ان كثير من الماس اذا عجز احدهم عن الجمع بين آيتين يقول هذا منسوخ , وهذا خطأ خطير , لان قولك هذا منسوخ يتضمن الكذب على الله عز وجل انه نسخ هذا بهذا فأبطل الحكم الاول وأثبت الثاني .
يقول ابن القيم : ان النسخ لا يبلغ اكثر من عشر مواضع , مع انك لو اردت ان تنظر الى كلام كثير من العلماء لوجدت اشياء كثيرة , وذلك ان بعض الناس اذا عجز عن الجمع بين النصوص قال هذا منسوخ .