عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-07, 09:15 AM   #5
أم اليمان
~ ما كان لله يبقى ~
افتراضي

فصل


إذا عرفت هذه المقدمة فاللذة التامة والفرح والسرور وطيب العيش والنعيم إنما هو في معرفة الله وتوحيده والأنس به والشوق إلى لقائه واجتماع القلب والهم عليه فإن أنكد العيش عيش من قلبه مشتت وهمه مفرق فليس لقلبه مستقر يستقر عنده ولا حبيب يأوي إليه ويسكن إليه كما أفصح القائل عن ذلك بقوله
( وما ذاق طعم العيش من لم يكن له % حبيب إليه يطمئن ويسكن )
فالعيش الطيب والحياة النافعة وقرة العين في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها لم يسكن ولم يطمئن إلى شيء منها ولم تقر به عينه حتى يطمئن إلى إلهه وربه ووليه الذي ليس له من دونه ولي ولا شفيع ولا غنى له عنه طرفة عين كما قال القائل
( نقل فؤادك حيث . . شئت من الهوى % ما الحب إلا للحبيب الأول )
( كم منزل في الأرض يألفه الفتى % وحنينه أبدا لأول منزل )
فاحرص أن يكون همك واحدا وأن يكون هو الله وحده فهذا غاية سعادة العبد وصاحب هذه الحال في جنة معجلة قبل جنة الآخرة وفي نعيم عاجل كما قال بعض الواجدين إنه ليمر بالقلب أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب وقال آخر إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا وقال آخر مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب . . . ما فيها قيل له وما أطيب ما فيها قال معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه
وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم أهل الجنة إلا هذا ولهذا قال النبي حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة فأخبر أنه حبب إليه من الدنيا شيئان النساء والطيب ثم قال وجعلت قرة عيني في الصلاة
وقرة العين فوق المحبة فإنه ليس كل محبوب تقر به العين وإنما تقر العين بأعلى المحبوبات الذي يحب لذاته وليس ذلك إلا الله الذي لا إله إلا هو وكل ما سواه فإنما يحب تبعا لمحبته فيحب لأجله ولا يحب معه فإن الحب معه شرك والحب لأجله توحيد فالمشرك يتخذ . . . من دون الله أندادا يحبهم كحب الله والموحد إنما يحب من يحبه لله ويبغض من يبغضه في الله ويفعل ما يفعله لله ويترك ما يتركه لله ومدار الدين على هذه القواعد الأربعة وهي الحب والبغض ويترتب عليهما الفعل والترك والعطاء والمنع فمن استكمل أن يكون هذا كله لله استكمل الإيمان وما نقص منها أن يكون لله عاد ينقص إيمان العبد والمقصود أن ما تقر به العين أعلى من مجرد ما يحبه فالصلاة قرة عيون المحبين في هذه الدنيا لما فيها من مناجاة من لا تقر . . . العيون ولا تطمئن القلوب ولا تسكن النفوس إلا إليه والتنعم بذكره والتذلل والخضوع له والقرب منه ولا سيما في حال السجود وتلك الحال أقرب ما يكون العبد من ربه فيها ومن هذا قول النبي يا بلال أرحنا بالصلاة فأعلم بذلك أن راحته في الصلاة كما أخبر أن قرة عينه فيها فأين هذا من قول القائل نصلي ونستريح من الصلاة
فالمحب راحته وقرة عينه في الصلاة والغافل المعرض ليس له نصيب من ذلك بل الصلاة كبيرة شاقة عليه إذا قام فيها كأنه على الجمر حتى يتخلص منها وأحب الصلاة إليه أعجلها وأسرعها فإنه ليس له قرة عين فيها ولا لقلبه راحة بها والعبد إذا قرت عينه بشيء واستراح قلبه به فأشق ما عليه مفارقته والمتكلف الفارغ القلب من الله والدار الآخرة المبتلى بمحبة الدنيا أشق ما عليه الصلاة وأكره ما إليه طولها مع تفرغه وصحته وعدم اشتغاله
ومما ينبغي أن يعلم أن الصلاة التي تقر بها العين ويستريح بها القلب هي التي تجمع ستة مشاهد
المشهد الأول الإخلاص وهو أن يكون الحامل عليها والداعي إليها رغبة العبد في الله ومحبته له وطلب مرضاته والقرب منه والتودد إليه وامتثال أمره بحيث لا يكون الباعث له عليها حظا من حظوظ الدنيا ألبتة بل يأتي بها ابتغاء وجه ربه الأعلى محبة له وخوفا من عذابه ورجاء لمغفرته وثوابه
المشهد الثاني مشهد الصدق والنصح وهو أن يفرغ قلبه لله فيها ويستفرغ جهده في إقباله فيها على الله وجمع قلبه عليها وإيقاعها على أحسن الوجوه وأكملها ظاهرا وباطنا فإن الصلاة لها ظاهر وباطن فظاهرها الأفعال المشاهدة والأقوال المسموعة وباطنها الخشوع والمراقبة وتفريغ القلب لله والإقبال بكليته على الله فيها بحيث لا يلتفت قلبه عنه إلى غيره فهذا بمنزلة الروح لها والأفعال بمنزلة البدن فإذا خلت من الروح كانت كبدن لا روح فيه أفلا يستحي العبد أن يواجه سيده بمثل ذلك ولهذا تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني
والصلاة التي كمل ظاهرها وباطنها تصعد ولها نور وبرهان كنور الشمس حتى تعرض على الله فيرضاها ويقبلها وتقول حفظك الله كما حفظتني



توقيع أم اليمان
.....
قال نبينا -عليه الصلاة والسلام - : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يقول الله تبارك وتعالى : تُريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تُبَيِّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، وتنجينا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل . رواه مسلم .
.....
أم اليمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس