(( الرحمن - الرحيم ))
جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه
أولاً : المعنى اللغوي :
الرحمة : هي الرقة والتَّعَطُّف ، والاسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، و(( رحمن )) أشد مبالغة من (( رحيم ))
ثانيًا ورود الاسمين في القرآن الكريم :
ذُكر (( الرحمن )) في القرآن سبعًا وخمسين مرة ؛ منها قوله تعالى : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [ البقرة : 163 ] .
وأما اسمه (( الرحيم )) ، فقد ذُكر أكثر من مائة مرة ؛ منها : قوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ البقرة : 54 ]
معنى الاسمين في حق اللَّه تعالى :
الاسمان مشتقان من الرحمة ، و(( الرحمن )) أشد مبالغة من (( الرحيم )) .
وبينهما فروق:
الأول :
# أن اسم (( الرحمن )) : هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة. .
#الرحيم )) : هو ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة، واستدلوا بقوله تعالى : { ثُمَّ استوي عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ } [ الفرقان : 59 ] .
الثاني :
(( الرحمن )) دال على صفة ذاتية ، و(( الرحيم )) دال على صفة فعلية .
الثالث : أن (( الرحمن )) خاص الاسم عام المعنى ، و(( الرحيم )) عام الاسم خاص المعنى .
إذ أن (( الرحمن )) من الأسماء التي نُهِيَ عن التسمية بها لغير الله تبارك وتعالى ، كما قال عز وجل : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [ الإسراء : 11 ] ،
من آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين :
أولاً : التعرُّف على اللَّه برحمته والإيمان بها .
وسنحاول فيما يلي التعرض إلى جانبٍ من رحمة اللَّه عزَّ وجلَّ ، عسى أن ترق القلوبُ إلى خالقها وتشتاق النفوس إلى بارئها .
(1)- ربكم ذو رحمة واسعة :
قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] ، وقال تعالى إخبارًا عن حملة العرش ومن حوله أنهم يقولون : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } [ غافر
-(2) رحمة اللَّه تغلب غضبه :
قال تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 54 ] . قال ابن كثير في هذه الآية : أوجبها على نفسه الكريمة تفضلاً منه وإحسانًا وامتنانًا( ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن اللَّه لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه : إن رحمتي سبقت غضبي )) البخاري (9469)
(3)- إن اللَّه تبارك وتعالى بيده الرحمة وحده :
ومن رحمته : أن أحدًا من خلقه لا يستطيع أن يحجب رحمته أو منعها عن أحبابه ، قال تعالى : { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } [ فاطر : 2 ] .
(4)- اللَّه سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الأم بولدها :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسبي ، فإذا امرأة من السبي تبتغي - وفي رواية البخاري -: تسعى إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته . فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أترون هذه المرأة طارحة وَلَدَها في النار ؟ )) قلنا: لا واللَّه ! وهي تقدر على أن لا تطرحه . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( اللَّه أرحم بعباده من هذه بولدها )) البخاري (5999)
(5)- إن للَّه مائة رحمة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن للَّه مائة رحمة أنزل منها رحمةً واحدةً بين الجن والإنسِ والبهائمِ والهوامِّ ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحشُ على ولدها )) . وفي رواية : (( حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه وأخَّر اللَّه تسعًا وتسعين رحمة يرحمُ بها عباده يوم القيامة )) . وفي رواية : (( إن اللَّه خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة )) . وفي رواية : (( كل رحمةٍ طباق ما بين السماء والأرض ، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ))( البخاري (9469).
ثانيًا : فانظر إلى آثار رحمة اللَّه :
فمن ذلك :
-(1) خلق الإنسان :
. قال تعالى : { الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } [ الرحمن : 1 - 4 ] .
2- النبوة والرسالة رحمة :
{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ } [ هود : 28 ] .
(3)- إرسال النبيِّ صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ]
4- نزول القرآن :
قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [ النحل : 89 ] .
5- أن جعلك مسلمًا :
قال تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ].
-(6) ندائه في الثلث الأخير من الليل ليرحم عباده :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (( يتنزل ربنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلثُ الليل الآخرُ يقولُ : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ البخاري ( ج 11 / 6321)
(7)- تقرُّبُه إلى خَلْقِهِ :
(( قال اللَّه عز وجل : إذا تَقَرَّبَ العبدُ منِّي شِبْرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا ، وإذا تقرَّب مني ذراعًا تقربت منه باعًا أو بوعًا)
البخاري (13/7537)
-(8) ذكره لعباده الصالحين :
وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال اللَّه : يا ابن آدم ، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي ، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة ، أو في ملأ خير منهم ، وإن دنوتَ مني شبرًا ، دوتُ منك ذراعًا ، وإن دنوتَ مني ذراعًا دنوتُ منك باعًا ، وإن أتيتني تمشي ، أتيتك أهرول ))
-(9) صبر اللَّه جلال جلاله على الأذى من خلقه :
فسبحان اللَّه ما أحلمه ، وما أكرمه وما أرحمه ، يخلق ويُعْبَدُ غيرُه ، ويرزق ويُشكرُ سواه ، خيره إلى العباد نازل وشرهم إليه صاعد.
-(10) رحمته بالتائبين :
منها :
أولاً : يغفر الذنوب مهما عَظُمَت :
عن أنس رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال اللَّه تعالى : يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة ))
ثانيًا : ويبسط يده للتائبين ليلاً ونهارًا :
عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن اللَّه تعالى يبسط يده بالليل لتيوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم .
ثالثًا : ويفرح بتوبة عبده :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( للَّهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة )) . متفق عليه
|