عرض مشاركة واحدة
قديم 29-11-15, 11:51 PM   #12
إيمان السيد
طالبة بمعهد خديجة - رضي الله عنها -
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير الايه 75الى 86
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون "
هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب, أي: فلا تطمعوا في إيمانهم.
وأخلاقهم لا تقتضي الطمع فيهم, فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه, فيضعون له معاني, ما أرادها الله, ليوهموا الناس أنها من عند الله, وما هي من عند الله.

" وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون "
ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال " وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا " فأظهروا لهم الإيمان قولا بألسنتهم, ما ليس في قلوبهم.

" وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ " فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم قال بعضهم لبعض: " أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ " أي: أتظهرون لهم الإيمان وتخبروهم أنكم مثلهم, فيكون ذلك حجة لهم عليكم؟.
يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق, وما هم عليه باطل, فيحتجون عليكم بذلك عند ربهم.
" أَفَلَا تَعْقِلُونَ " أي: أفلا يكون لكم عقل, فتتركون ما هو حجة عليكم؟.
هذا يقوله بعضهم لبعض.

" أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون "
" أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ " فهم وإن أسروا ما يعتقدونه فيما بينهم, وزعموا أنهم بإسرارهم, لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين, فإن هذا غلط منهم وجهل كبير, فإن الله يعلم سرهم وعلنهم, فيظهر لعباده ما هم عليه.
" ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون "
" وَمِنْهُمْ " أي: من أهل الكتاب " أُمِّيُّونَ " أي: عوام, وليسوا من أهل العلم.
" لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ " أي: ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط, وليس عندهم خبر بما عند الأولين الذين يعلمون حق المعرفة حالهم, وهؤلاء, إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم.
فذكر في هذه الآيات علماءهم, وعوامهم, ومنافقيهم, ومن لم ينافق منهم, فالعلماء منهم, متمسكون بما هم عليه من الضلال.
والعوام مقلدون لهم, لا بصيرة عندهم فلا مطمع لكم في الطائفتين.

" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "
توعد تعالى المحرفين للكتاب, الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون " هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق, وإنما فعلوا ذلك مع علمهم " لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا " .
فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس, فظلموهم من وجهين: من جهة تلبيس دينهم عليهم, ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق, بل بأبطل الباطل, وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما.
ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال " فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ " أي: من التحريف والباطل " وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ " من الأموال.
والويل: شدة العذاب والحسرة, وفي ضمنها الوعيد الشديد.

وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني, وهو متناول لمن ترك سر تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه.
ومتناول لمن كتب كتابا بيده, مخالفا لكتاب الله, لينال به دنيا وقال: إنه من عند الله
ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة, لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله.

" وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "
ذكر أفعالهم القبيحة, ثم ذكر أنهم يزكون أنفسهم, ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله, والفوز بثوابه, وأنهم لم تمسهم النار إلا أياما معدودة, أي: قليلة تعد بالأصابع, فجمعوا بين الإساءة والأمن.
ولما كان هذا مجرد دعوى, رد الله تعالى عليهم فقال: " قُلْ " لهم, يا أيها الرسول " أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا " أي بالإيمان به وبرسله وبطاعته, فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل.
" أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " ؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم ومتوقف على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما.
إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا, فتكون دعواهم صحيحة.
وإما أن يكونوا متقولين عليه, فتكون كاذبة, فيكون أبلغ لخزيهم عذابهم.
وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا, لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء, حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم لنقضهم المواثيق.
فتعين بذلك, أنهم متقولون مختلقون, قائلون عليه ما لا يعلمون.

" بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "
ثم ذكر تعالى, حكما عاما لكل أحد, يدخل فيه بنو إسرائيل وغيرهم, وهو الحكم الذي لا حكم غيره, لا أمانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين فقال: " بَلَى " أي: ليس الأمر كما ذكرتم, فإنه قول لا حقيقة له.
ولكن " مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً " وهو نكرة في سياق الشرط, فيعم الشرك فما دونه.
والمراد به: - هنا - الشرك, بدليل قوله " وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ " أي: أحاطت بعاملها, فلم تدع له منفذا, وهذا لا يكون إلا الشرك, فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته.
" فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية, وهي حجة عليهم كما ترى, فإنها ظاهرة في الشرك, وهكذا كل مبطل يحتج بآية, أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه.
" والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "
" وَالَّذِينَ آمَنُوا " بالله وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر.
" وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " ولا تكون الأعمال صالحة إلا بشرطين: أن تكون خالصة لوجه الله, متبعا بها سنة رسوله.
فحاصل هاتين الآيتين, أن أهل النجاة والفوز, هم أهل الإيمان والعمل الصالح.
والهالكون أهل النار هم المشركون بالله, الكافرون به.
فهذه الشرائع من أصول الدين, التي أمر الله بها في كل شريعة, لاشتمالها على المصالح العامة, في كل زمان ومكان, فلا يدخلها نسخ, كأصل الدين.
ولهذا أمرنا بها في قوله " وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا " إلى آخر الآية.

" وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون "
فقوله " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ " هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به, استعصوا فلا يقبلونه إلا بالأيمان الغليظة, والعهود الموثقة.
" لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ " هذا أمر بعبادة الله وحده, ونهى عن الشرك به.
وهذا أصل الدين, فلا تقبل الأعمال كلها, إن لم يكن هذا أساسها, فهذا حق الله تعالى على عباده, ثم قال: " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " أي: أحسنوا بالوالدين إحسانا.
وهذا يعم كل إحسان, قولي, وفعلي, مما هو إحسان إليهم.
وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين, أو عدم الإحسان والإساءة.
لأن الواجب, الإحسان, والأمر بالشيء, نهي عن ضده.
وللإحسان ضدان: الإساءة, وهي أعظم جرما.
وترك الإحسان بدون إساءة, وهذا محرم, لكن لا يجب أن يلحق بالأول.
وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى, والمساكين.
وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعد, بل تكون بالحد, كما تقدم.
ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما فقال: " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف, ونهيهم عن المنكر, وتعليمهم العلم, وبذل السلام, والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب.
ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله, أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق, وهو الإحسان بالقول, فيكون في ضمن ذلك, النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار, ولهذا قال تعالى: " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " .
ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده, أن يكون الإنسان نزيها فى أقواله وأفعاله, غير فاحش ولا بذيء, ولا شاتم, ولا مخاصم.
بل يكون حسن الخلق, واسع الحلم, مجاملا لكل أحد, صبورا على ما يناله من أذى الخلق, امتثالا لأمر الله, ورجاء لثوابه.
ثم أمرهم بإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, لما تقدم أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة متضمنة للإحسان إلى العبيد.
ثم بعد هذا الأمر لكم, بهذه الأوامر الحسنة التي إذا نظر إليها البصير العاقل, عرف أن من إحسان الله على عباده, أن أمرهم بها,, وتفضل بها عليهم, وأخذ المواثيق عليكم " ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ " على وجه الإعراض.
وقوله " إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ " هذا استثناء, لئلا يوهم أنهم تولوا كلهم.
فأخبر أن قليلا منهم, عصمهم الله وثبتهم.

" وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون "
وهذا الفعل المذكور في هذه الآية, فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة.
وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين, وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية.
فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود, بنو قريظة, وبنو النضير, وبنو قينقاع.
فكل فرقة منهم, حالفت فرقة من أهل المدينة.
فكانوا إذا اقتتلوا, أعان اليهودي حليفه على مقاتليه, الذين تعينهم الفرقة الأخرى من اليهود, فيقتل اليهودي اليهودي, ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب.
ثم إذا وضعت الحرب أوزارها, وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا.
والأمور الثلاثة كلها, قد فرضت عليهم.
ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض, ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم, وإذا وجدوا أسيرا منهم, وجب عليهم فداؤه.

" ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون "
فعملوا بالأخير وتركوا الأولين, فأنكر الله عليهم ذلك فقال: " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ " وهو فداء الأسير " وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ " وهو القتل والإخراج.
وفيها دليل على أن الإيمان, يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي وأن المأمورات من الإيمان قال تعالى: " فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " وقد وقع ذلك.
فأخزاهم الله, وسلط رسوله عليهم, فقتل من قتل, وسبى من سبى منهم, وأجلى من أجلى.
" وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ " أي: أعظمه " وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " .

" أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "
ثم أخبر تعالى عن السبب الذي أوجب لهم الكفر ببعض الكتاب والإيمان ببعضه فقال: " أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ " توهموا أنهم إن لم يعينوا حلفاءهم حصل لهم عار فاختاروا النار على العار.
فلهذا قال: " فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ " بل: هو باق على شدته, ولا يحصل لهم راحة بوقت من الأوقات.
" وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ " أي: يدفع عنهم مكروه.



توقيع إيمان السيد

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان السيد ; 29-11-15 الساعة 11:56 PM
إيمان السيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس