عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-15, 08:22 AM   #15
حمد بن صالح المري
حفظه الله تعالى
 
تاريخ التسجيل: 24-10-2013
المشاركات: 24
حمد بن صالح المري is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اام جني مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله سؤالي بالنسبة للدرس الرابع ؛( بل على المرء أن يلبس حسب حاله من غنى أو فقر و بحسب بيئته ، فيقنع بالقليل عند الفقراء و يلبس ما يزينه و لا يشينه عند الأغنياء و هكذا )،
هل المقصود هنا ان يلبس لبسا امام الفقراء, ولبسا اخر امام الاغنياء.
ام يلبس علي حسب مستواة؟
وان كان المقصود الامر الثاني فلو كان غنيا للبس من انعم الثياب وافضلها, طيب هكذا هو في ترف؟؟ولن يلبس الخشن؟؟؟

سأطيل قليلاً لتتضح المسألة.

أولا: المقصود أن ينظر في الأمرين (حاله وبيئته) بالتوازي؛ وبطبيعة الحال سيتقلّب في معاشرته بين أغنياء وفقراء في منطقته ومناسباته ومسجده...إلخ، فيلبس:

1- ما يزينه ولا يشينه عند الغني.
2- ولا يكسر به قلبَ الفقير.

فإن دُعِيَ عند فقراء راعى حالَهم، وإن حضر عند أغنياء لبس ما لا يشينه عندهم.


ثانيا: التنعّمُ المذمومُ هو ما دخلَ في حدِّ الإسراف والتبذير، وما يقصدُه المتنعّمُ لذاته، لا لإظهار نعمة اللهِ.


ثالثا: إذا كان اللباس مقصوداً لغيرهِ؛ كانت العناية به واجبةً، فالمشتغل بالدعوة والتعليم في بيئةِ أصحابِ المال والمناصبِ= الأولى في حقّه أن لا يلبسَ ما يُزريهِ في أعينِهم، ويُنقِصُ من شأنه عندهم، بل يُزيّنُ ظاهرَهُ تنبيهاً لهم على أنّه غنيٌّ عمّا بأيديهم، فقيرٌ إلى اللهِ دون غيره، ولْيجعلْ فقرَهُ ومناجاته بينه وبين مولاه كما قال ابنُ علاّن الصديقي رحمهُ اللهُ.



رابعا: اللّباس الّذي يُزْري بِصاحِبِه هو ما يَتَضَمّنُ إظهارَ الزّهد وإظهارَ الفقر؛ وكأنّهُ لسانُ شَكْوى من اللهِ عَزّ وجلّ؛ ويُوجِبُ احتقارَ اللاّبِس، وكلّ ذلك مكروهٌ ومنهيٌّ عنه.
ومَنْ زعمَ أنّ ذلك يُخالِفُ الزهدَ فقد غَلِطَ غَلَطاً بيّناً، فليس الزهدُ بتحريم الحلال، ولا بتركهِ كما قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده).

فاللبس للتزيّن غرضٌ صحيح، قال تعالى: (لتركبوها وزينة)، وقال تعالى: (ولكم فيها جمال)، وفي الصحيح: (إن الله جميل يحبّ الجمال).

وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنّ ابن عباس رضي الله عنهما استدلّ بآية الأعراف (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا)، وذلك لمّا بعثه عليٌّ رضي الله عنه إلى الخوارج؛ فلبِس أفضلَ ثيابه، وتطيّب بأطيب طيبه، وركِب أحسن مراكبه، فخرج إليهم فوافقهم، فقالوا: يا ابن عبّاس!، بينا أنت خيرُ النّاس إذْ أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبِهم!؟ فتلا رضي الله عنه هذه الآية.
وثبت عنه بسندٍ صحيح أنه قال: "كُلْ ما شِئْتَ، والْبَسْ ما شِئْتَ؛ ما أخْطَأتْكَ اثنتان: سَرَفٌ ومخيلةٌ".
وأخرج الطبرانيُّ -بسندٍ رجاله رجال الصحيح- عن أبي يعفور قال: سمعت ابنَ عمرَ رضي الله عنهما يسأله رجلٌ: ما ألبسُ من الثّيابِ؟ قال: "ما لا يزدريك فيه السفهاء، ولا يعيبك به الحلماءُ".


خامسا: إذا كان في بيئةِ الفقراءِ والبسطاءِ لبسَ من لباسهِم، لئلا تنكسرَ قلوبُهم، ولئلا يفخرَ عليهم، وعليهِ حملَ العلماءُ قولَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ ترك اللباسَ تواضعاً للهِ وهو يقدرُ عليهِ دعاهُ اللهُ يومَ القيامةِ على رؤوس الخلائق حتى يُخيّرَهُ من أيِّ حُلل الإيمان شاءَ يلْبسُها)). أخرجهُ الترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ، فإذا تواضعَ وصارَ يلبسُ مثلَهم، استحقَّ هذا الثوابَ العظيم.

قال ابنُ بطّال: ((سُئل مالكٌ عن لباسِ الصوفِ الغليظِ، فقال: لا خيرَ فيه في الشهرةِ)).انتهى، أي: لا خيرَ فيه إن كان في لبسِهِ شُهرةٌ.


سادسا: المقصود بلبس الخشن أحياناً:

1- عدم الاعتياد على الترف وتكلّفه -كما هو مشاهد- والركون إليه على وجهٍ لا يستطيع المرء بعدها تركه والعدول عنه عند الحاجة.
2- وألا يقوده إلى الانشغال بالتنعّم ونسيان حقوق المنعم.
3- ألا يكون على وجه التبجّح والكبر.

قال ابن العربي: "والذي يضبط الباب ويحفظ قانونه: على المرء أن يأكل ما وجد طيبا كان أو قفاراً، ولا يتكلّف الطيّب، ويتخذه عادة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد، ويصبر إذا عدم، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها، ويشرب العسل إذا اتفق له، ويأكل اللحم إذا تيسّر، ولا يعتمده أصلاً، ولا يجعله دَيْدَناً، ومعيشة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة، وطريقة أصحابه بعده منقولة".انتهى.



إذا عرفْنا هذا فلابدّ للمرء من مخالطة الفقراء أحياناً، ولبس الخشونة في غير المواطن التي تشينه أحياناً ليعتاد عليها ولا ينكرها ولا ينشغل بضدّها على وجه مبالغ فيه.

- ومَن رأى بعض شبابنا في هذا الزمن= علم أهمية هذا الأدب، وإلى زمن قريب وأهلنا يذهبون بنا في الأسفار والبراري، ويُعلموننا الطبخ والغسيل وشيئاً من التعب في المأكل والمشرب، ووجدنا فائدة ذلك عندما صحبنا الرجال، واحتجنا لأنفسنا.

وبمجموع هذا كلّه يُفهم قول عمر رضي الله عنه (اخشوشنوا)، والله تعالى أعلم.

التعديل الأخير تم بواسطة حمد بن صالح المري ; 05-04-15 الساعة 08:42 AM
حمد بن صالح المري غير متواجد حالياً