عرض مشاركة واحدة
قديم 26-03-15, 12:42 AM   #5
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
افتراضي




[frame="10 10"]

✿ الدرس الرابع ✿

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد ،
يقول المصنف- رحمه الله- : هجر الترف :
و الهجر بمعنى الترك ، و الترف بمعنى سعة العيش ، يقولون هذا مترف يعني منعم ، و سيذكر المصنف هنا أدبا ينبغي لطالب العلم أن يتصف به .
قال- رحمه الله -: (لا تكثر من التنعم و الرفاهية ، فإن البذاذة من الإيمان كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم) قوله" و لا تكثر من التنعم و الرفاهية" ، التنعم التكلف و السرف في النعم و الاعتياد عليها و الرفاهية لين العيش و التوسع فيه و نحو ذلك من المعاني ؛ يقول : (لا تكثر من التنعم و الرفاهية فان البذاذة من الايمان) ، البذاذة فسرها الامام أحمد ببعض صورها فقال التواضع في اللباس ، و هذا لا يستلزم المذلة وإنما المقصود عدم التبجح باللباس و تكلفه. و العلماء يقولون البذاذة رقة الهيئة و ترك الترفه و ترك إدامة التزين و التنعم في البدن و الملبس ، و هذا لا ينافي و لا يعارض لبس الثياب النظيفة و لا التجمل في الأعياد و عند لقاء الضيوف و الأهل و إنما النهي منصب على أمرين :

- الأول : الاعتياد عليه بحيث لا يصبر المرء عنه و لا يستطيع غير هذه العيشة .
-الامر الثاني : ما كان على وجه المفاخرة و التبجح و نحو ذلك ، و إلا بالنسبة للتزين و التجمل فقد جاءت النصوص بإظهار نعمة الله على عبده ، قال رحمه الله : فإن البذاذة من الإيمان كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم ، يشير إلى حديث أبي أمامة و هو في السنن ، و هذا الحديث اختلف العلماء في صحته ، ابن عبد البر يضعفه و بعضهم يصححه ، قال :" و قال عمر رضي الله عنه : إياكم و زي العجم و تمعددوا و اخشوشنوا " تمعدد الشيء يعني غلُظ و قيل إن عيشة معد بن عدنان كانت خشنة فقيل تمعددوا ، و قول اخشوشنوا من الخشونة و هو أمر بلزوم الخشونة و الاعتياد عليها ، و هذا كله حتى يصبر الجسم و حتى يصير صلبا فإذا ما احتاج الرجل لنفسه وجد نفسه و استطاع الصبر و تحمل ذلك ، و أما أهل التنعم و الترف يكون ذلك شاقا عليهم و يركن للدنيا خوفا من انقطاع هذا اللذة و التنعم ، و حينئذ تتعلق قلوبهم بالدنيا الفانية و ينقطعون عن التهيؤ للاخرة بالعمل و المجاهدة ، و هذه كلها مفاسد عظيمة
- قال -رحمه الله- : (فالحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص و تحديد له ، بل هو وسيلة من وسائل التعبير عن الذات ) هذا صحيح ، فمن معايير الحكم و التقييم لدى كل ناظر من الوهلة الأولى لباس المرء و هيأته .
قال: ( فخذ من اللباس ما يزينك و لا يشينك و اجعل ملبسك و كيفية لبسك يلتقيان مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي .
و كان عمر يقول : أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب) و هذا البيان منه لدفع توهم ، لأن القارئ الذي يقرأ هذه الحلية قد يظن أن المراد لبس الثياب المرقعة و ترك التنعم و النظافة !... لا ...هذا ليس مرادا ، فالبذاذة و القناعة بالدون من الثياب لا تنافي النظافة التي أمرت بها الشريعة ؛ بل على المرء أن يلبس حسب حاله من غنى أو فقر و بحسب بيئته ، فيقنع بالقليل عند الفقراء و يلبس ما يزينه و لا يشينه عند الأغنياء و هكذا ، و على هذا حملوا فعل عمر رضي الله عنه ، كان يلبس لباسا عليه رقعة ، و قيل فعلها لحكمة ، خاف أن يقتدي به عماله بعد ذلك بالديْن أو بالأخذ من مال المسلمين ، و قول عمر "أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب "، يقصد بالقارئ أهل العلم لأن أهل القرآن قديما هم أهل العلم و المعرفة به ، و يحتمل أن المراد به أهل العبادة ، و المهم أن المراد بالتجمل هنا يعني في أعين الناس صيانة للعلم ؛ و الزهد ليس في لبس الخشن و ترك النظافة .
قال- رحمه الله- : (و اعلم الناس يصنفونك من لباسك ، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من الرصانة و التعقل و التمشيخ و الرهبنة و التصابي و حب الظهور ) الرصانة: تعني الثبات و عدم الطيش ،و التمشيخ: يعني الانتساب للمشيخة ، و الرهبنة: يعني الترهب و هو الانقطاع للعبادة ، و التصابي: تكلف الصبى .
قال -رحمه الله -: ( فإياك ثم إياك من لباس التصابي و اللباس الافرنجي الذي لا يخفى عليك حكمه ) لباس التصابي يعني بأن يتكلف كبير السن لباس الصبيان ، فيصبح كأنه صبي و يتصنع بأنه صغير سن في الهيئة و الشكل ؛ هذا كله من الأمور المعيبة الجالبة للازدراء ، و اللبس الافرنجي :يعني لباس أهل الإفرنج و المقصود ما كان من خصائصهم في اللبس بحيث يظن لابسه منهم ؛ ثم قال ( الذي لا يخفى عليك حكمه) حكمه التحريم ؛ قال : (و ليس معنى هذا أن تأتي بلباس مشوه ) المشوه بمعنى القبيح .
قال :( لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع) ، يعني باللباس الذي أمر به الشرع بلا إفراط و لا تفريط

قال- رحمه الله- :( الإعراض عن مجالس اللغو )
الإعراض من العرض و منه قوله تعالى :" خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين " يعني تول عنهم و أعطهم عرضك ، و مجالس اللغو سياتي بيانها في كلام المصنف .
قال -رحمه الله- :( ابتعد عن مجالس اللغو التي لا فائدة فيها )
اللغو: في الأصل يطلق على ما لا يعتد به لأنه كلام يقال بدون رويَّة و تفكر ، هذا في الأصل و لذلك صار يطلق على الكلام القبيح و أخلاط الكلام و ما لا يهتم به العاقل لكونه مما لا يعنيه ، فمجالس اللغو يكثر فيها الباطل ، فإن لم يخرج العبد منها بإثم و شر، كان عدم الفائدة أقل ما يجد من هذه المجالس فتضيع عليه الأوقات ويندم عليها .

قال -رحمه الله- :( و اعلم أنها تهتك أستار الأدب ، فإن فعلت ذلك فإن جنايتك على العلم و أهله عظيمة) هذا تشبيه بليغ من المؤلف ، كأن الأدب ستار يستر العيوب و الآفات و يتجمل به المرء ، فاذا جلس في مجالس اللغو هتك هذا الستار ، و ينكشف القبح و يكون جانيا على العلم و أهله بتصويرهم بهذه الصورة القبيحة لأنه يمثلهم!
- قال- رحمه الله -: (الإعراض عن الهيشات )
الهيشات: بمعنى الاختلاف و التنازع و الاضطراب و نحو ذلك مما ينتج عنه ، و قد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم " إياك و هيشات الأسواق " يعني الخصومات و الفتن التي تحدث في الأسواق ؛.
قال -رحمه الله- : (صن نفسك أيها الطالب من اللغط و الهيشات لأنها تشتمل على السب و الشتم و غير ذلك من الأخلاق القبيحة و هذا ينافي أدب الطلب
)

كلامه صحيح ، فالهيشات و مواطن الخصومة تجر المرء إلى السباب و الشتم و لا بد ، فيقع في المحظور ، و كونه يحضرها و لو لم يقع منه شيء كاف لسلب المروءة منه في أعين الناظرين و هي في الحقيقه أماكن غفلة فينبغي لطالب العلم أن يجتنبها .
قال- رحمه الله- :( التحلي بالرفق :
تجنب الكلمة الجافية في خطابك و اجعله لينا)
جافية: يعني غليظة التي فيها فظاظة .
قال :( و كذا تجنب الفعل الجافي حتى تتألف النفوس الناشزة )
الرفق و اللطف يألف الناس صاحبه ، و النفوس الناشزة يعني به المستعصية الجافية ، نفرت عن الحق و ثقل عليها ، و منه قوله تعالى في معنى النشوز هنا " و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا "
قال- رحمه الله- :( و الأدلة في ذلك كثيرة ، و كما يقولون الكلم اللين يغلب الحق البين) .

صدق -رحمه الله- فمن الأدلة على التحلي بالرفق قوله تعالى : " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" ، تأملوا المخاطب أشرف الخلق هم الرسل ، صادقون مصيبون للحق طُلب منهم هذا الرفق مع أكفر الخلق و أشدهم عنادا و عتوا و هو فرعون ، فلا نحن أفضل من موسى عليه السلام حتى نترك اللين و الرفق ، و لا المخاطبون بأخبث من فرعون ، و من الأدلة كذلك فعل النبي مع الأعرابي ، جاء فبال في المسجد و الصحابة ينظرون إليه ، فلما قاموا ينهرونه نهاهم النبي صلى الله و تركه حتى قضى حاجته ثم دعاه و بين له برفق و لين ، و لكم أن تتخيلوا لو فعل هذا الآن رجل مثله في مساجدنا وماذا سنفعل ، الله المستعان !!
قال -رحمه الله -: (فكن أيها الطالب رفيقا من غير ضعف عنيفا في مواضع العنف)
دفع توهما فاسدا و هذا من مميزات هذا الكتاب ، الوضوح و الدقة في العبارة و دفع ما قد يتوهم من الباطل ؛ فقوله: " من غير ضعف" دفع لما قد يتوهم أن الرفق يستلزم الضعف ، و هذا غير صحيح بل الرفق صفة محبوبة مرغب فيها و هي الأصل دائما و أما الضعف فهو ذلة و خسة و باعثها حظ النفس دائما و طلب منافع الدنيا ، و أما الذي يرفق و يلين فهمه قبول الناس للحق و انقيادهم لله و دخول محبة الله في قلوبهم هذا همه ، ثم قال المصنف :( و إذا دار الأمر بينهما فالأولى الرفق) .

الرفق هو الأصل ، و هو المقدم عند التردد و الاشتباه ، ففي بعض المواقف وهي قليلة تحتاج إلى الحزم و الشدة ، كمن عنده علم بالحكم الشرعي مع استعداد و قبول للحق ، هذا قد يكون أحيانا من المصلحة أن تشد عليه ، كما في قصة الثلاثة الذين خلفوا و قد يكون عالما بالحكم لكنه ضعيف الإيمان ، كما في قصة الشاب الذي جاء و استأذن الرسول صلى الله عليه و سلم في المعصية ، فقال له النبي :" هل ترضاه لأمك بعد أن دعاه و أجلسه عنده ، قال لا قال:" الناس لا يرضونه كذلك لأمهاتهم ، قال هل ترضاه لأختك؟" قال لا و هكذا بدأ يعدد عليه ثم مسح على صدره و قال اللهم ... إلى آخر الحديث .
و قد يكون كما في حديث ابن عباس في الصحيح رجل وضع في يده خاتما من ذهب فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم و طرحه و قال:" أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده ؟ !". لكن انظروا إلى الاستعداد الذي عند هذا الرجل ، لما ذهب النبي قال خذ الخاتم و انتفع به ، مع أن الانتفاع بالخاتم حلال ، يبيعه أو يهديه لاهله ، لكن الرجل قال :و الله لا آخذه و قد طرحه رسول الله ، يعني انظر إلى الحال ، لكن الأصل هو الرفق و اللين هذا هو الأصل و هذه هي القاعدة؛ متى ما اشتبه عليك الأمر فعليك بالرفق ، هذا من دقيق جمل المصنف .
قال- رحمه الله- : التأمل
التأمل: بمعنى التثبت في النظر مرة بعد مرة و تدبر الأمر و هي من الصفات المهمة التي تفتقد عندنا .
قال -رحمه الله- :( عليك بالتريث و التأني في كلامك و أفعالك) التريث :بمعنى التأني و البطء لحكمة التأمل ، (و تأمل عند الكلام بماذا تتكلم و ماهي عائدته) ، يعني انظر في عاقبة كلامك الذي ستقول هل سيعود بالخير أم غيره ، و قد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم " من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت " وهذا يقتضي من المتكلم أن ينظر في كلامه قبل أن يتكلم إن كان خيرا فليقله و إن استوى الطرفان أو لم يكن قطعا من الخير فاسكت .
قال -رحمه الله-: ( و تأمل عند المذاكرة (المناظرة) كيف تختار القالب المناسب للمعنى المراد)
هذا له فن مستقل وهو فن المناظرة لكن المقصود هنا الإشارة إلى أهمية اختيار اللفظ الحسن المؤدي للمقصود ، فكل مقصود ممكن تصل إليه بقالب حسن أو سيء ، و يمكن أن تصل له بطريق طويل أو قصير ، يمكن أن تصوره بتصوير سليم أو قبيح و هكذا ، فانظر إلى المناسب المؤدي للمعنى المراد.

ثم قال : (تأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل وجهين )
لأن بعض الأسئلة محتملة ، فتفهم منه معان و صاحب السؤال يريد معنى آخر ، فلا بد أن تتفهم السؤال و لا بأس أن تستفصل من السائل حتى تفهم السؤال على وجهه المرد .
قال- رحمه الله-( و أيضا تأمل كذلك عند الجواب) هذا في غاية الأهمية و إجادة هذا فن موهبة و مِن أتقن من يتقن هذا ابن تيمية -رحمه الله- في القيود و المحترزات و دقة الألفاظ التي يوردها في إجاباته لا ترى لها مثيلا ، و ذك فضل الله يؤتيه من يشاء
.
ثم قال- رحمه الله-: الثبات و التثبت
الثبات بمعنى الدوام و الاستقرار و الاستقامة على الشيء . و الثتبث تكلف ثبوت الشيء و صحة نسبته و صوابه .
قال : (عليك بالصبر و التباث في التلقي لا تمل و لا تضجر ، و اطو الساعات في التلقي عن الأشياخ و كذلك التثبت فيما يصل إليك من أخبار و فيما ينقل عنك من أحكام )
خلاصة هذا الأدب ثلاثة أمور :

أولا : الصبر و الثبات في الطلب فلا بد أن يكون الطالب صاحب ثبات و صبر ، لأن العلم شاق و طويل ، و قد قال تعالى " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " لذلك حين قيل للإمام مالك العلم سهل ، قال ليس في العلم شيء سهل!! ، و لذلك يحتاج طالب العلم أن يسأل الله التوفيق و الثبات و أن يزرقه الصبر و العلم ، إذن طالب العلم لا يكون كثير التنقل و الملل بل يصبر و يحتسب.
الأمر الثاني: الذي جاء في هذا الادب التثبت فيما يصل إليك من أخبار ؛ جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " ، و ما أحوجنا إلى هذا الأدب في هذا الزمان مع كثرة وسائل التواصل الاجتماعي" فيس بوك تويتر و غير ذلك ، ينقل فيها كل ساقط و لاقط و كلما جاء خبر تلقفه الناس ؛ و ما رأيت الناس أشد شغفا بالأخبار مثلهم في هذ الزمن مع أن أكثرهم لا يقدم في الأخبار و لا يؤخر ، يتعرض للفتن و السيل الجارف و ينقد الفكرة و نفسه ووقته و يتشتت همه فلا علما حفظ و لا ناسا علم و لم يشتغل فيما ينفعه و لا عبادة اجتهد فيها ، لذلك لا بد أن يتثبت الإنسان من الأخبار و لا ينقل كل خبر و لا يتعرض لها أصلا ، يكفي من الأخبار الخطوط العريضة ؛ و قد كان السلف يجمعون همهم على الأمور النافعة و يتركون أخبار الناس ؛ هذه فتن تأتي ثم تزول فإذا لم يشتغل العبد فيها بالأمر الصالح انكشفت و قد ضاع وقته و لم يحصل شيئا و لم ينفع أحدا لا نفسه ولا غيره .
الأمر الثالث : قال التثبت فيما ينقل عنك من أحكام ، فلا بد لطالب العلم أن يتأمل كلامه و أن يعرف كيف سينقل عنه و قد عرفنا بعض العلماء إذا أفتى سأل متلقي الفتوى ماذا فهمت من كلامي ، حتى يرى كيف سينقل كلامه هل على وجه صحيح أم غير ذلك .
و الله تعالى أعلم ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد .
[/frame]



الملفات المرفقة
نوع الملف: docx تفريغ الدرس الرابع من الحلية.docx‏ (170.3 كيلوبايت, المشاهدات 464)



توقيع صوفيا محمد
اللهم آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة

التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 01-04-15 الساعة 12:20 AM
صوفيا محمد غير متواجد حالياً