عرض مشاركة واحدة
قديم 23-06-12, 02:41 PM   #17
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي







أيام مضت وشهور انقضت وأقبلت الأيام المباركة تبشر بقدوم شهر القرآن، وبين يدي هذا القدوم يهل علينا شهر شعبان، مذكراً جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير و إحسان، شهر ذو مذاق خاص يغفل عنه كثير من الناس، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ َ))[سورة يونس: الآية 58].

قال بن حجر - رحمه الله - : "سمّي شعبان لتشغيلهم في طلب المياه أو الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام وقيل غير ذلك". (الفتح 4/251).

فهو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى: الموسم الختامي لصحائفنا وحصاد أعمالنا لسنة مضت، فبم سيُختم عامنا يا ترى؟ ثم ما الحال الذي سنلقى الله عليه وقت رفع الأعمال؟

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال:(ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) [رواه النسائي و حسنه الألباني].

إن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم: يقول المصطفى صلى الله عليه و سلم: (
افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم) [السلسلة الصحيحة].

> شهر فيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان، عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله: (في ليلة النصف من شعبان يغفر الله لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن) [صحيح الجامع].

هي منحة من الله لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى: (( ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)) [سورة الحشر: الآية 10].

قال بعض السلف: "أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو"، وهي منحة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، هي منحة لكل من سولت له نفسه التجرأ على الله بارتكاب معاصيه، هي منحة لكل مسلم قد وقع في خطأ فكل ابن آدم خطاء، وخير
الخطائين التوابين، هي منحة إذاً لإدراك ما فات وبدء صفحة جديدة مع رب الأرض و السموات.

> شهر شعبان هو شهر الهَدْي النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة والصيام والقيام؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان).



هذه الصورة مصغره ... نقره على هذا الشريط لعرض الصوره بالمقاس الحقيقي ... المقاس الحقيقي 567x425 .



ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان قال ابن رجب: "إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، قال ابن حجر: "في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان"، وقال الإمام الصنعاني: "وفيه دليل على أنه يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره"، وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شهري على غيري من الشهور: "أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده؛ وذلك يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض" اهـ.

و إذا كان شهر شعبان شهراً للصوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو شهرالنوافل والطاعات كلها، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الله تعالى قَالَ: ((من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر فيه، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعـطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ))، ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، فهو مضمار للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيئ شهر الفرقان.

قال أبو بكر البلخي: " شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع" وقال أيضا : "مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر" ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان.

ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا المر واضحاً ، قال سلمة بن كهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء ، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: ذا شهر القراء"؛

وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.

> شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه؛ نظرًا لوقوعه بين شهرين عظيمين:

قال أهل العلم: فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، وقد كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة، فهي دعوة لوقفة مع النفس، هل صرنا من الغافلين عن شهر شعبان وفضله؟ وهل أدركتنا الغفلة بمعناها المطلق؟هي وقفة تربوية نقيم فيها أنفسنا ومدى تملك الغفلة منا، و نعرض فيها أنفسنا على قوله تعالى:((ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا))، وقوله تعالى: ((واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ولا تكن من الغافلين))، وقوله تعالى: ((لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِك هُمْ الْغَافِلُونَ)).

> بدع شهر شعبان

ــ أن يصلى في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم، يكرر كل عام، فهذه المرتبة أشد ابتداعاً من المرتبة الثانية وأبعد عن السنة، وقد رويت صلاة هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة وموضوعة.


ــ صلاة البراءة : وهي تخصيص قيام ليلة النصف من شعبان وهي مائة ركعة.

ــ صلاة ست ركعات : بنية دفع البلاء وطول العمر والاستغناء عن الناس، قراءة سورة {يس} والدعاء في هذه الليلة بدعاء مخصوص بقولهم (( اللهم يا ذا المن، ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام .. )).

ــ اعتقادهم أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر .. قال الشقيري : "وهو باطل باتفاق المحققين من المحدثين".

ــ الأمر الخامس: أنه اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام.

وهذا باطل، فإن الليلة التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر.

ــ الأمر السادس: أن بعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على الفقراء ويسمونها عشيات الوالدين.

فاللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه و أرنا باطلا و ارزقنا اجتنابه واستعملنا بسنة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و ألحقنا به غير خزايا و لا نادمين و لا خارجين و لا فاسقين و لا مبدلين و لا مرتابين واجعلنا من الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

> و مضة
يقول الإمام ابن رجب رحمه الله:

°يا من فرط في الأوقات الشريفة و ضيعها و أودعها الأعمال السيئة و بئس ما استودعها.

مضى رجب و ما أحسنت فيــهوهذا شهر شعبان المبـــــــــــــارك
فيا من ضيع الأوقات جهـــلاًبحرمتهاأفق واحذر بـــــــــــــــــــــــــوارك
فسوف تفارق اللذات قســراًويخليال موت كرهاً منك دارك
تدارك مااستطعت من الخطايابتوبة مخلص واجعل مـــــــــــــدارك
على طلب السلامة من جحيــمفخير ذوي الجرائم من تـدارك

> و يقول رحمه الله:

°يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة، يامن دامت خسارته، قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح؟ من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.
أناس أعرضوا عنا بلا جرم و لا معـــــنى
أساؤا ظنهم فينا فهلا أحسنوا الظنـــــــــا
فإن عادوا لنا عدنا وإن خانوا فما خنا
فإن كانوا قد استغنوا فإنا عنهم أغنــا
> بيت القصيد

يا ذا الذي ماكفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبــــان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهمـــــا فلا تصيره أيضا شهــر عصيــــــــــــــــــان

واتل القرءان وسبح فيه مجتهــدا فإنه شهر تسبيح وقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرءان
فاحمل على جسد ترجو النجاة لــه فسوف تضرَم أجساد بنــــــــــــــيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلـف من بين أهل وجيران وإخـــوان

أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حيا فمـا أقرب القاصي من الدانـــي
ومعجب بثياب العيد يقطعه فأصبحت في غد أثواب أكفــــــــــــــــــــــــان
حتى متى يعمر الإنسان مسكنــــــه مصير مسكنه قــــبر إنســــــــــــــــــــــــان



> مسك الختام من حديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم

عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه) [صحيح الترغيب و الترهيب].





عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَطَّلِعُ اللهُ - جَلَّت قدرتُهُ - إلى خلقِهِ في ليلةِ النصفِ من شعبان، فيغفرُ للمؤمنينَ، ويُملي للكافرينَ، ويدعُ - أي: يترك - أهلَ الحقدِ بحقدِهِم حتى يدعُوه) [أخرجه البيهقي في بإسنادٍ حسن وقال الألباني صحيح لغيره].

فأفضلُ الأعمالِ عند اللهِ ربِّ العالمين وأفضلُ الخلقِ عند اللهِ جلَّ وعلا سلامةُ الصدرِ ومَنْ كان عن الغِلِّ والحسدِ مُنَزَّهًا، ومِنْ ذلك مُبَرَّئًا، وأمَّا مَنْ انطوى قلبُهُ على شيءٍ من ذلكَ فهو بِمَبْعَدَةٍ من المغفرةِ في ليلةِ النصفِ من شعبان مع عمومِ المغفرةِ لأهلِ الأرضِ، إلا للمشركِ الذي يشركُ باللهِ ربِّ العالمين مَعَهُ غَيرَهُ فإنَّ ذلك لا يُغْفَرُ بحالٍ من الأحوالِ لا دنيا ولا آخرة، إذا ما ماتَ على ذلكَ ولم يَتُبْ منه مُنِيبًا مُوَحِّدًا، وكذلك الذي انطوى قلبُهُ على الشحناءِ، على البغضاء، على الغِلِّ، على الحسد، فهذا متروكٌ مُهْمَلٌ، وهذا بِمَبْعَدَةٍ أنْ ينالَهُ شيءٌ مِنْ عمومِ المغفرةِ التي تتنزلُ على الخَلْقِ في ليلةِ النصفِ من شعبان.

ـ يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله:

"من الذنوب المانعة من المغفرة أيضا الشحناء، وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له لهوى نفسه، وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا)".

فأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم، أو تبديعهم وتضليلهم، ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه. وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.

والله أعلم.





توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس