عرض مشاركة واحدة
قديم 28-06-10, 02:41 PM   #19
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي الخلاف سنة كونية

الخلاف سنة كونية
والاعتصام فريضة شرعية

ينشأ الاختلاف الفكري من اختلاف الطبيعة والعقول البشرية, فهو من طبيعة البشر أو من لوازم طبيعتهم كما قال تعالى: "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: "قال الحسن البصري في رواية عنه: وللاختلاف خلقهم", أي: أن الله تعالى خلقنا للاختلاف كونا وقدرا, لا دينا وشرعا.
وقال ابن القيم رحمه الله: "ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه" (الصواعق المرسلة 2/519).
وقال العلامة صديق حسن خان رحمه الله: "كما أن الموت أمر طبيعي للحياة البشرية باعتبار الطبيعة الخاصة والعامة معا.. فكذلك الاختلاف طبيعي لعقول البشر باعتبار الطبيعة الخاصة والعامة, وإليه الإشارة في قوله تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)" (أبجد العلوم 213).
ولذلك لا يتصور البتة الاتفاق في كل مسألة مسألة, وكيف يتصور ذلك والخلاف حصل بين الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام, كما ورد في نصوص الكتاب والسنة.
قال ابن الوزير اليماني رحمه الله:
تسل عن الوفاق فربنا قد **** حكى بين الملائكة الخصاما
كذا الخضر المكرم والوجيه المـ **** كلم إذا ألم به لمـامـا
تكدر صفو جمعهما مرارا **** وعجل صاحب السر الصرما
ففارقه الكليم كليم قلب **** وقد ثنى على الخضر الملاما
فدلَّ على اتساع الأمر فيما الـ **** كرام فيه خالفت الكراما

(أنظر إيثار الحق على الخلق 199).
لكن تقرير هذا الأصل لا يعني بحال الاستسلام للخلاف, لأن الخلاف إذا كان سنة كونية, فإن الاعتصام فريضة شرعية كما قال تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ".
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "..ثم أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختلُّ نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام" تيسير الكريم الرحمن.
إذن فالاعتصام أمر الله جل وعلا به حتى نسعى بذلك إلى التخفيف من حدة الخلاف وتضييق دائرته والالتزام بآدابه بالتزام الإنصاف والعدل, والقيام على تأليف القلوب وجمع الكلمة على الحق, ووضع الخلافات في إطارها الشرعي, دون غلو منا أو تزيد, ودون تمييع أو تساهل, فنرفض خلاف التضاد الذي لم تدل عليه الأدلة الشرعية والقواعد المرعية - وإن كنا قد نعذر القائل به إذا كان أهلا للاجتهاد أو من تبعه صادقا-, ونقبل الخلاف المعتبر المنضبط بالضوابط المتينة العلمية, فتتسع له صدورنا كما وسع ذلك من سلفنا مع السعي إلى تضييقه هو بدوره قدر الامكان.
قال ابن القيم رحمه الله في معرض ذلك: "..ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه, وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة لم يكد يقع اختلاف, وإن وقع كان اختلافا لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة, فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة" الصواعق المرسلة 2/519.
إذن فاعتقاد حتمية الخلاف لا يعني الاسترسال فيه حتى يصير ديدن الإنسان الاحتجاج بمطلق الخلاف وهو أمر باطل.
فليس كل خلاف جاء معتبرا ****إلا خلاف له حظ من النظر
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له, ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله" جامع بيان العلم 2/922.
وقال الشاطبي رحمه الله: "وقد زاد الأمر قدر الكفاية حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة... فربما وقع الافتاء في المسألة بالمنع, فيقال لم تمنع؟ والمسألة مختلف فيها, فيجعل الخلاف حجة في الجواز بمجرد كونها مختلفا فيها" الموافقات 4/141. وقد بسطنا هذا المعنى الأخير في موضوع بعنوان: "الحجة في الدليل والإجماع.. لا في الاختلاف و النزاع" بمنتدى الفقه وأصوله.
أبو أويس الإدريسي




توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس