عرض مشاركة واحدة
قديم 04-01-10, 03:18 PM   #46
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
c5





حول قصة موسى عليه السلام


نحيا مع خطبة للشيخ محمد بن صالح العثيمين


طوَّفَ فيها بقلوبنا حول قصة نجاة موسى عليه


السلام وقومه الذين هم على الحق


الخطبة




الحمد الله الذي أعزَّ أولياءه بنصره، وأذل أعداءه بخذله، فنِعم المولى ونِعم النصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المصير، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:

... أيها الإخوة المسلمون، اتّقوا الله تعالى حق التقوى،
واعتصموا بالإسلام فهو العروة الوثقى، واتّقوا عذاب النار؛
فإن أجسامكم على النار لا تقوى. عباد الله،
اذكروا أيام الله لعلّكم تذكّرون وتعتبرون،
اذكروا أيام الله بنصر أنبيائه وأتباعهم لعلّكم تشكرون،
واذكروا أيام الله بخذل أعدائه ومَن والاهم لعلّكم تتقون،
واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده يوم القيام لعلّكم توقنون .





أيها الإخوة المسلمون، إن نصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان وأمة انتصارٌ للحق وذلٌّ للباطل، وأخذٌ للمتكبر ونعمة على المؤمنين إلى يوم القيامة؛ لأن كل مؤمن يُسَرُّ بذلك؛ لأن فيه نصر دين الله عزَّ وجل، وفي هذا الشهر - شهر المحرم - كانت نجاة موسى - عليه الصلاة والسلام - وقومه من فرعون وجنوده، لقد أرسله الله تعالى إلى فرعون بالآيات البيّنات والبرهان القاطع على نبوَّته، أرسله إلى فرعون الذي تكبَّر على الملإ وقال: "أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى" [النازعات: 24]،
فجاءه موسى بالآيات العظيمة ودعاه إلى توحيد الله تعالى، إلى خالق السماوات والأرض رب العالمين فقال فرعون مكابرًا ومنكرًا وجاحدًا: "وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ" [الشعراء: 23]،
أنكرَ الربَّ العظيم الذي قامت بأمره السماء والأرض، وفي كل شيء له آية تدلّ على وجوده وربوبيّته وعلمه وقدرته وحكمته، وأنه الرب الواحد الذي يجب إفراده بالعبادة كما هو منفردٌ بالخلق والتدبير،
فأجابه موسى - عليه الصلاة السلام - قائلاً:
"رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ" [الشعراء: 24]،


يعني: هذا رب العالمين وذلك أن في السماوات والأرض وما بينهما من الآيات ما يوجب الإيمان واليقين، فردَّ فرعون مقالةَ موسى ساخرًا به ومستهزئًا ومحتقرًا، "قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ" [الشعراء: 25]،


يقول هذا سخرية واستهزاءً فأجاب موسى - صلى الله عليه وسلم -
مُذكِّرًا لهم أصلهم وأنهم مخلوقون مربوبون وكما خُلقوا فهم صائرون إلى العدم طريقة آبائهم الأولين فقال:
"رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ" [الشعراء: 26]،


وحينئذٍ بُهت فرعون فلم يستطع أن يُجيب ولكنّه ادَّعى دعوى
الكاذب المغبون فقال:
"إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ" [الشعراء: 27]،


وهكذا يكون رد الخائب الخاسر الذي ليس عنده برهان أن يلجأ إلى الطعن
وإلى اللجاج وإلى الغضب، فطعن فرعون بالرسول وبِمَن أرسله
فأجابه موسى مُبيِّنًا مَن هو الأحق بوصف الجنون، أهو المؤمن بالله خالق السماوات والأرض ومالك المشرق والمغرب أم هو المنكر لذلك ؟
فقال موسى:
"رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ" [الشعراء: 28]،


ومَنْ الذي يملك المشرق والمغرب ؟ مَن الذي يملك الأفاق سوى الملك الخلاق، فلمّا عجز فرعون عن مقاومة الحق وأفحمه موسى بالحجة والبرهان لجأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبّرون من الإرهاب والوعيد فتوعَّد موسى بالاعتقال والسجن قائلاً: "لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ"
[الشعراء: 29]، وتأمّل لم يقل: لأسجننك، بل قال: "لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" إشارة إلى أن لديه مساجين كثيرين؛ ليزيد في إرهاب موسى حيث إن له من القوة والسلطان ما مكَّنه من سجن الناس الذين سيكون موسى من جملتهم على حدِّ تهديده، قال: "لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ"
[الشعراء: 29
ومازال موسى يأتي بالآيات واضحة وضوح النهار وفرعون يحاول بكل جهوده ودعاته أن يقضي عليها بالرد والكتمان حتى قال لموسى عليه الصلاة والسلام: "أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى"
[طه: 57-58]، أي: مكانًا مستويً لا يحجب عن الرؤية فيه وادٍ ولا جبل، فواعدهم موسى موعد الواثق بنصر الله وقال لهم: "مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى" [طه: 59]، و "يَوْمُ الزِّينَةِ" هو: يوم العيد، و"أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى" أي: في أول النهار؛ حتى لا يبغتهم الليل، فاجتمع الناس وأتى فرعون بكل ما يستطيع من كيد ومكر فقال لهم موسى: "وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا "







يــتـــبــــــــع



توقيع أم أبي تراب
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس