المقطتفات 
قَوْله : ( مَقْدَمه )
أَيْ زَمَن قُدُومه , وَلَمْ يُرِدْ شَهْر قُدُومه لِأَنَّ التَّارِيخ
إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ أَوَّل السَّنَة .
وَقَدْ أَبْدَى بَعْضهمْ لِلْبُدَاءَةِ بِالْهِجْرَةِ مُنَاسَبَة فَقَالَ :
كَانَتْ الْقَضَايَا الَّتِي اُتُّفِقَتْ لَهُ وَيُمْكِن أَنْ يُؤَرَّخ بِهَا
أَرْبَعَة : مَوْلِده وَمَبْعَثه وَهِجْرَته وَوَفَاته ,
فَرَجَحَ عِنْدهمْ جَعْلهَا مِنْ الْهِجْرَة
لِأَنَّ الْمَوْلِد وَالْمَبْعَث لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ النِّزَاع
فِي تَعْيِين السَّنَة , وَأَمَّا وَقْت الْوَفَاة فَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِمَا
تُوُقِّعَ بِذِكْرِهِ مِنْ الْأَسَف عَلَيْهِ , فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة ,
وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيع الْأَوَّل إِلَى الْمُحَرَّم لِأَنَّ اِبْتِدَاء
الْعَزْم عَلَى الْهِجْرَة كَانَ فِي الْمُحَرَّم ,
إِذْ الْبَيْعَة وَقَعَتْ فِي أَثْنَاء ذِي الْحِجَّة وَهِيَ مُقَدِّمَة الْهِجْرَة ,
فَكَانَ أَوَّل هِلَال اِسْتَهَلَّ بَعْد الْبَيْعَة وَالْعَزْم عَلَى
الْهِجْرَة هِلَال الْمُحَرَّم فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَل مُبْتَدَأ ,
وَهَذَا أَقْوَى مَا وَفَقْت عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَة الِابْتِدَاء بِالْمُحَرَّمِ .
وَذَكَرُوا فِي سَبَب عَمَل عُمَر التَّارِيخ أَشْيَاء :
مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن فِي
تَارِيخه وَمِنْ طَرِيقه الْحَاكِم مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ
" أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَر :
إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْك كُتُب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ ,
فَجَمَعَ عُمَر النَّاس , فَقَالَ بَعْضهمْ :
أَرِّخْ بِالْمَبْعَثِ , وَبَعْضهمْ أَرِّخْ بِالْهِجْرَةِ ,
فَقَالَ عُمَر : الْهِجْرَة فَرَّقَتْ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل فَأَرِّخُوا
بِهَا , وَذَلِكَ سَنَة سَبْع عَشْرَة .
فَلَمَّا اِتَّفَقُوا قَالَ بَعْضهمْ اِبْدَءُوا بِرَمَضَان
فَقَالَ عُمَر : بَلْ بِالْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ مُنْصَرَف النَّاس
مِنْ حَجّهمْ , فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ "
وَرَوَى أَحْمَد وَأَبُو عَرُوبَة فِي " الْأَوَائِل "
وَالْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب " وَالْحَاكِم
مِنْ طَرِيق مَيْمُون بْن مِهْرَانَ قَالَ
رُفِعَ لِعُمَر صَكَّ مَحِلّه شَعْبَان فَقَالَ :
أَيّ شَعْبَان ; الْمَاضِي أَوْ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ,
أَوْ الْآتِي ؟ ضَعُوا لِلنَّاسِ شَيْئًا يَعْرِفُونَهُ
فَذَكَرَ نَحْو الْأَوَّل
وَرَوَى اِبْن أَبِي خَيْمَة مِنْ طَرِيق اِبْن سِيرِينَ قَالَ
" قَدِمَ رَجُل مِنْ الْيَمَن فَقَالَ :
رَأَيْت بِالْيَمَنِ شَيْئًا يُسَمُّونَهُ التَّارِيخ يَكْتُبُونَهُ مِنْ
عَام كَذَا وَشَهْر كَذَا ,
فَقَالَ عُمَر : هَذَا حَسَن فَأَرِّخُوا ,
, فَقَالَ عُمَر :أَرِّخُوا مِنْ خُرُوجه مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة .
ثُمَّ قَالَ : بِأَيِّ شَهْر نَبْدَأ ؟
فَقَالَ قَوْم : مِنْ رَجَب , وَقَالَ قَائِل : مِنْ رَمَضَان ,
فَقَالَ عُثْمَان : أَرِّخُوا الْمُحَرَّم فَإِنَّهُ شَهْر حَرَام وَهُوَ أَوَّل السَّنَة وَمُنْصَرَف النَّاس مِنْ الْحَجّ ,
قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ سَنَة سَبْع عَشْرَة -
وَقِيلَ : سَنَة سِتّ عَشْرَة - فِي رَبِيع الْأَوَّل "
فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَجْمُوع هَذِهِ الْآثَار أَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِالْمُحَرَّمِ عُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ .
ا.هـ
يستخلص مما سبق
يــــــتـــ
ــبــــــــع