عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-09, 11:47 AM   #10
عبد السلام بن إبراهيم الحصين
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: 08-02-2007
المشاركات: 867
عبد السلام بن إبراهيم الحصين is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا أختي المباركة على إيراد هذه القصة، والتي تدل على أثر الدعاء في هداية الناس، وأثر الصبر وحسن التخطيط، وبذل الجهد والطاقة في دعوة الناس وإرشادهم إلى طريق الخير والهدى...
كما أشكر الأخت الفاضلة سارة بنت محمد على حرصها في معرفة الطريق الصحيح للدعوة، وعدم الوقوع في المحرمات لأجل دعوة الناس..
وأحب أن أبين رأيي في هذا الموضوع، فأقول:
الدعوة إلى الله عمل عظيم، وهي تحتاج إلى حكمة وموعظة حسنة، ومجادلة بالتي هي أحسن، وصبر على الأذى، وحلم في التعامل مع الخلق..
وهي منهج رباني إلهي بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وحمله من بعده الصحابة والتابعون..
والمتأمل في نصوص الشريعة من كتاب وسنة، ومن تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يلحظ أنها تنهى عن مشاركة أهل المنكر في فعلهم، أو الرضا به وموافقة أهله عليه، أو فعله لأجلهم، ويلحظ أيضًا أنها تجيز السكوت عن بعض المنكرات إذا كان من الممكن إزالتها بعد ذلك، وكان هناك منكر أعظم منها يراد إزالته..
يقول الله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون}.
أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية -والأمة له تبع- أن يعرض عن مجالس الخائضين في دين الله بالباطل، وأنه إذا نسي وقعد معهم فليبادر إلى الخروج وترك مجالستهم، وأن من اتقى الله تعالى وجلس معهم مع تقواه وعدم خوضه في هذه الأحاديث وكان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر، فليس عليه من حسابهم شيء، وأنه محسن بذلك الفعل لما يقع به من الوعظ وتخفيف الشر.
وقد زعم بعض أهل العلم أن قوله :{وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} منسوخ بقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}، والصواب عدم النسخ، وأن آية الأنعام محكمة، وأن المقصود بها النهي عن الجلوس مع عدم الإنكار، والنهي عن الجلوس بدون فائدة، مع وجود هذا المنكر فلا يحل لك الجلوس، أما إذا كان الجلوس بقصد النهي عن المنكر وتخفيف الشر فليس هذا من المشاركة في المنكر، بل من تغيير المنكر
يقول ابن سعدي في تفسيره:
{ فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم أو فاعل لمحرم؛ فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر الذي لا يقدر على إزالته، هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى بأن كان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم فيترتب على ذلك زواله وتخفيفه فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال:{وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون} أي ولكن ليذكرهم ويعظهم لعلهم يتقون الله تعالى، وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّر من الكلام ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى، وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره كان تركه هو الواجب لأنه إذا ناقض المقصود كان تركه مقصودا".
وقد روى الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة وجابر وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدارعليها الخمر)).
وهذا النهي لمن كان يجلس بلا إنكار، أو راض بفعلهم مقر لهم، أو لا يستطيع أن يغير، وليس في نيته تغييره، وأما إذا كان قصده بالجلوس إزالة المنكر، ولكن شيئًا فشيئًا فهذا لا بأس بجلوسه.
ولا يلزم من جلوسه بقصد إنكار المنكر أن يفعل فعلهم، فلا يجوز له أن يشرب، ولا يجوز للمرأة أن تكشف حجابها لأجل الدعوة، إلا في حالات خاصة، وهي الضرورة، فإن الضرورات تبيح المحظورات، وهذه لها تفصيل في غير هذا المكان.
وقد أخبر الله في كتابه أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه، وكان يقيم في مجلس آل فرعون، وقد مدحه الله تعالى على فعله وما قام به من جهود، ولم يذمه لمقامه بينهم.
فالذي يظهر لي والله أعلم أنه لا بأس بالجلوس في مجلس يشرب فيه الخمر إذا كان مقصود الجلوس الدعوة وتغيير المنكر، ويترتب على جلوسه إزالة هذا المنكر أو تخفيفه.
وهذه المسائل يختلف القول فيها بحسب النظر إلى ما يتحقق فيه المصلحة، أويندفع به من المفسدة.
والله أعلم..
عبد السلام بن إبراهيم الحصين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس