عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-09, 04:50 AM   #17
إشراف الأقسام العامة
|تواصي بالحق والصبر|
 
تاريخ التسجيل: 19-09-2006
المشاركات: 925
إشراف الأقسام العامة is on a distinguished road
افتراضي

وأما المرتبة الثانية؛ فهي: معرفة أحكام الصيام التي يلزم المسلم معرفتها ليكون صومه صحيحًا وعلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهنا نذكر أهم هذه الأحكام، فنقول:

المسألة الأولى: ثبوت الشهر.

يثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين:

الأول: رؤية هلال رمضان، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له)) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر، وفي لفظ: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

المسألة الثانية: الصيام قبل الشهر بيوم أو يومين.

لا يجوز صيام يومي ثمان وعشرين وتسع وعشرين؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومًا فليصمه)).

المسألة الثالثة: من يجب عليه الصوم؟

يجب الصوم على المسلم البالغ العاقل المقيم القادر السالم من الموانع.

فالمسلم يخرج الكافر؛ فلا يصح منه الصوم، حتى يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا أسلم وجب عليه الصوم وصح منه، وليس عليه قضاء ما تركه أثناء كفره؛ لأن الإسلام يجب ما كان قبله.

والبالغ هو الذي وصل سن البلوغ، وهو نبات شعر العانة حول القبل، أو إنزال المني باحتلام أو غيره، أو بلوغ خمس عشرة سنة، والمرأة تزيد أمرًا رابعًا، وهو الحيض، فمتى حاضت فقد بلغت، وجرى عليها قلم التكليف ولو لم تبلغ عشر سنين، وبهذا يخرج الصغير الذي لم يبلغ فلا يجب في حقه الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، لكن يبنغي لوليه أن يأمره بالصوم إذا أطاقه تمرينًا له على الطاعة ليألفها بعد بلوغه اقتداء بالسلف الصالح، فقد كان الصحابة يصومون أولادهم وهم صغار، ويذهبون إلى المسجد فيجعلون لهم اللعبة من العِهن –وهو الصوف أو نحوه-، فإذا بكوا من فقد الطعام أعطوهم اللعبة يتلهون بها.

والعاقل يخرج المجنون والمعتوه ممن لا يتجاوز عقله العمري سن الطفل، فلا يجب عليه الصوم، لكن المعتوه ينبغي حثه على الصوم وعدم التساهل معه فيه، ومثل المجنون الكبير الهرم، الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه، فلا يجب عليه الصيام ولا الإطعام؛ لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه، فأشبه الصبي قبل التمييز، فإن كان أحيانًا يهذي وأحيانا يميز، وجب عليه الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه.

والمقيم يخرج المسافر، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.

والقادر يخرج العاجز؛ كالكبير الذي لا يطيق الصوم، أو المريض الذي لا يرجى برؤه، فلا يجب عليه الصيام؛ لأنه لا يستطيعه، وقد قال الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقال: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}، لكن يجب عليه بدل الصيام الإطعام عن كل يوم مسكينًا؛ لما روى البخاري عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، قال: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكينًا.

وله في الإطعام ثلاث طرق:

الأولى: أن يصنع طعامًا فيدعو إليه المساكين بعدد الأيام التي أفطرها، وهكذا فعل أنس حين كبر، فكان يطعم كل يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا.

لكن هل يكفي وجبة واحدة؟ أو لا بد من وجبتين مشبعتين؟

ذهب بعض العلماء إلى أنه لا بد من وجبتين مشبعتين(انظر: أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات الصادر عن بيت الزكاة الكويتي (185)).

وظاهر صنيع الصحابة أنه يكفي وجبة واحدة مشبعة؛ فقد روى الدارقطني والبيهقي عن أنس أنه ضعف عن الصوم عامًا فصنع جفنة من طعام، ثم دعا بثلاثين مسكينًا فأشبعهم.

الثانية: أن يخرج مد بر، أو نصف صاع من غيره، والصاع يساوي كيلوين ونصف تقريبًا(انظر: أحكام القرآن للقرطبي (3/148)).

وذهب بعض العلماء إلى وجوب صاع.

الثالثة: أن يخرج قيمة الإطعام، بما يكفي مسكينًا، وذلك بالنظر إلى ما وجب عليه من المد، أو نصف الصاع، أو الصاع، على الخلاف فيه(انظر: المصدر السابق).

والسالم من الموانع يخرج من وجد فيه مانع؛ كالحائض والنفساء والمريض، وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله.

المسألة الرابعة: النية.

يشترط لصحة الصوم تبييت النية من الليل؛ لما روت حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له))، رواه الخمسة ومالك.

والنية أن يقصد صيام النهار غدًا من رمضان، وفي أي وقت وقعت النية أجزأت، ويجوز أن يأكل بعدها ويشرب ويفعل ما يشاء، وأما اعتقاد بعضهم أنه إذا نوى الإمساك فلا يجوز له أن يأكل أو يشرب فليس بصحيح؛ لأن الإمساك إنما يكون في وقته المحدود كما سيأتي بيانه، والنية المقصود بها تعيين نوع هذا الإمساك، فلا يلزم أن يصحبها الإمساك نفسه.

وبعض الناس يوسوس في النية، ويظن أنه لا بد أن يتحدث بها، ويحمله هذا الوسواس على فعل أمور منكرة، والنية أمرها يسير؛ فمعناها أن يستقر في قلبه أنه سيصوم غدًا من رمضان فقط.

وعلى هذا فلو دخل عليه الفجر، وهو لا يعلم أن غدًا من رمضان، ثم علم لم يجزئه الصوم؛ لأنه لم يبيت النية من الليل.

وأما صوم النفل فيجوز بنية من النهار قبل الزوال إذا كان لم يأكل شيئًا؛ لما في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذا يوم، فقال: ((هل عندكم من شيء؟)) قلنا: لا، قال: ((فإني إذا صائم؟)).

المسألة الخامسة: السحور.

عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تسحروا؛ فإن في السحور بركة)) متفق عليه.

البركة هي نزول الخير الإلهي في الشيء، وثبوته فيه، والزيادةُ في الخير والأجر، وفي كل ما يحتاجه العبد من منافع الدنيا والآخرة.

والسَّحور إنما يكون وقت السحر، قبيل أذان الفجر.

وإن من أعظم بركات السَّحور الاستجابةَ لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)} [سورة الأحزاب 33/71].

ومن بركاته أنه شعارُ المسلمين؛ فإن أهل الكتاب لا يتسحرون، وقد صح عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: ((فصْلُ ما بينَ صيامِنا وصيامِ أهلِ الكتاب أَكْلةُ السَّحَرِ)).

ومن بركاته حصولُ الخيريةِ، والمحافظةُ عليها، فعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر)) رواه أحمد، وفي إسناده سليمان بن أبي عثمان, قال أبو حاتم : مجهول.

ومن بركاته التقويةُ على طاعة الله، والإعانةُ على العبادةِ، والزيادةُ في النشاط، والرغبةُ في فعل الطاعة مرةً أخرى.

ومن بركاته أن الله وملائكته يُصلُّون على المتسحرين(رواه ابن حبان، والطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني).

ومن بركاته أنه في وقتٍ تتنزلُ فيه الرحمات، وينزِلُ الربُّ جلَّ وعلا فيه، مناديًا عباده هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له؟

المسألة السادسة: الإفطار.

عن ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم)) متفق عليه، وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) متفق عليه، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله عز وجل: إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا))، رواه أحمد والترمذي.

ويكون الإفطار على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء؛ لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء. رواه أحمد وأبو دواد والترمذي والحاكم.

ومعنى حسا حسوات من ماء: أي تجرع جرعة بعد جرعة.

ويستحب أن يقول عند الإفطار: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله(رواه أبو داود والدارقطني والحاكم)، ويدعو بما شاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن للصائم عند فطره دعوةً ما ترد))(رواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والطبراني في الدعاء، قال في الزوائد: إسناده صحيح، وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن، أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير، وأخرجه الحاكم في المستدرك).


المسألة السابعة: الإمساك عن المفطرات.


الصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس؛ لقوله
تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.

وهذه المفطرات على نوعين:

الأول: ما دل على كونه مفطرًا الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

الثاني: ما دل على كونه مفطرًا القياس.

أما الأول؛ فإن المفطرات التي دل عليها الكتاب والسنة والإجماع هي:

1- الأكل والشرب؛ لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}، فمن أكل أو شرب متعمدًا مختارًا ذاكرًا لصومه فقد فسد صومه؛ وهو آثم بذلك، ويجب عليه القضاء عند جمهور أهل العلم(قال في المغني (4/365): "لا نعلم في ذلك خلافًا")؛ لأن الصوم كان ثابتًا في الذمة فلا تبرأ منه إلا بأدائه، ولم يؤده فيبقى على ما كان عليه، وعليه التوبة والاستغفار، ومن أهل العلم من يرى أنه لا قضاء عليه؛ لأن الصيام في رمضان عبادة مؤقتة بوقت فإذا تركها فقد فات وقتها، وإنما يجب القضاء على من ترك بعذر، وهذا ليس معذورًا، ولا يعني هذا التسهيل عليه، بل هذا فيه عِظَمُ جُرْمِ ما فعل، وأنه لا ينفع فيه القضاء.

2- الجماع؛ لقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}، فأباح الجماع في الليل فقط، فدل على تحريمه بالنهار، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه: ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))، فمن جامع أهله في نهار رمضان فسد صومه، ووجب عليه الإمساك، ويقضي مكان هذا اليوم يومًا آخر، ويجب عليه أيضًا الكفارة بصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكينًا؛ لما في صحيح البخاري وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: ((وَلِمَ؟)) قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: ((فَأَعْتِقْ رَقَبَةً))، قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي، قَالَ: ((فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ))، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: ((فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا))، قَالَ: لَا أَجِدُ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ؟)) قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: ((تَصَدَّقْ بِهَذَا)) قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ!! فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، قَالَ: ((فَأَنْتُمْ إِذًا))، وأما المرأة فإن كانت مطاوعة له فيجب عليها مثل ما يجب عليه، وأما إن كانت مكرهة، ولم تستطع منعه فلا شيء عليها، وإنما عليها القضاء؛ لفساد صومها بالجماع.

3- الحيض والنفاس؛ ففي الصحيحين عن عائشة قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، ولما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم))، فمتى رأت الدم في نهار رمضان فسد صومها، ولو كان قبل غروب الشمس بقليل.
4- التقيؤ عمدًا، وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض))(رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، وابن حبان وابن خزيمة والحاكم، وفيه كلام كثير.).

5- الحجامة؛ لما روى أحمد وأبو داود عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم))، وقد وقع نزاع في الإفطار بها؛ لما روى البخاري وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم. ولهذا فالأولى ترك الحجامة في نهار رمضان.

6- دخول الماء إلى الجوف عن طريق الأنف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا))، رواه أحمد، وأصحاب السنن والحاكم.


وأما الثاني، وهو ما ثبت بالقياس؛ فهو كثير، نذكر منه ما تمس الحاجة إليه، وهو:

1- ما كان في معنى الأكل والشرب، مما يستغني به البدن عن الأكل والشرب، كالإبر المغذية، التي يكتفى بها عن الأكل والشرب، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم المعاصرين؛ لما في المغذي من معنى الأكل والشرب تمامًا، وأنه يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب.

2- حقن الدم في العروق؛ لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب، ويرى بعض العلماء أنه لا يفطر(انظر: ندوة روية إسلامية لبعض المشاكل الطبية، الدار البيضاء، نقلا عن فقه النوازل (2/300)).

3- بخاخ الربو، وفيه خلاف بين المعاصرين.

4- التخدير العام، وفيه خلاف بين المعاصرين.

5- الإبر العلاجية التي تكون في الوريد، فيها خلاف بين المعاصرين، فمنهم من يرى أنها غير مفطرة؛ لأنها ليست بغذاء، ولا يحصل بها للجسم استغناء عن الطعام والشراب، ومنهم من يرى أنها مفطرة؛ لأن الدواء مما يقوم به البدن ويصلح، والمقصود بالصوم هو الإمساك عما به قوام البدن.

6- الإبر العلاجية التي تكون في العضل، جمهور المعاصرين على أنها غير مفطرة؛ لأنه لا يصل منها إلى المعدة شيء، ويرى بعض العلماء أنها مفطرة؛ لأن العضل فيه عروق دقيقة توصل الدواء إلى المعدة.

7- التدخين، وقد اتفق العلماء المعاصرين على ذلك؛ لأنه محرم، ولأنه يحدث به للجسم ما يغنيه عن الطعام والشراب.

8- خروج المني دفقًا بلذة بتقبيل أو لمس أو استمناء، أو غير ذلك، وهذا ثبت التفطير به أخذًا من قوله في الحديث: ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))، وأعلى درجات الشهوة هي خروج المني، وأما التقبيل واللمس والمباشرة بدون إنزال فلا يفطر، وإن خرج منه مذي؛ لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه، وفي صحيح مسلم أن عمر بن أبي سلمة سأل النبي صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سل هذه))، يعني أم سلمة، فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك، لكن من كان يخشى على نفسه الوقوع في المحذور يجب عليه الكف عن ذلك؛ لأن ما أفضى إلى الحرام حرم فعله، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في المضمضة والاستنشاق خوفًا من تسرب الماء إلى الجوف، وكذا الاحتلام والإنزال بالتفكر المجرد لا يفطر؛ لأنه لا عمل له في ذلك، وإنما خرج بدون قصد منه ولا اختيار، ولأن الله عفا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم.

9- إخراج الدم بالفصد والتبرع؛ قياسًا على خروجه بالحجامة والحيض والنفاس؛ لأن خروج الدم من البدن فيه إضعاف البدن، ولهذا يحث المتبرع على أن يكون مفطرًا، ويعطى بعد التبرع مجموعة من السوائل؛ كالعصير؛ لتعويض النقص الحاصل بسبب فقد كميات من الدم.

المسألة الثامنة: شروط الفطر بالمفطرات السابقة.

يشترط لأن تكون الأمور السابقة مفطرة أن يفعلها الصائم عالمًا ذاكرًا مختارًا، ما عدا الحيض والنفاس؛ فإن وجوده مفسد للصوم مطلقًا.

الشرط الأول: العلم؛ أي أن يعلم أن هذا الفعل يفطر به الصائم؛ فإن كان جاهلا لم يفطر؛ لقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، والجهل على نوعين:
الأول: جهل بالحكم الشرعي، فلا يعلم أن هذا مفطر، كمن يشرب القهوة يظن أنها غير مفطرة، ولا بد من إمكانية صدق دعواه أنه جاهل، وإلا فلو بان من حاله عدم الجهل، ولم يتصور من مثله الجهل لم يقبل منه ذلك، الثاني: جهل بالوقت، مثل أن يظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل، ويكون قد طلع، أو يظن أن الشمس غربت، فيأكل، وهي لم تغرب، فلا شيء عليه؛ لما في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت هذه الآية: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عمدت إلى عقالين؛ أحدهما أسود والآخر أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، وجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت، فقال: ((إن وسادك إذن لعريض؛ إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل))، فقد أكل عدي بعد طلوع الفجر ولم يمسك حتى تبين الخيطان، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء؛ لأنه كان جاهلا بالحكم، وفي صحيح البخاري من حديث
أسماء بنت أبي بكر قالت: أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس، ولم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء.

الشرط الثاني: الذكر، أي أن يفعل المفطر وهو متذكر أنه صائم، فلو نسي أنه صائم فأكل أو شرب، أو جامع فلا شيء عليه؛ للآية السابقة، ولما في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه))، ومتى تذكر وجب الإمساك، ويجب على من حضر أن ينبهه؛ لقوله تعالى: {وتعاونوا على ا لبر والتقوى}.

الشرط الثالث: الاختيار؛ أي متناولا للمفطر باختياره وإرادته، وعلى هذا فلا فطر على من دخل إليه شيء بغير إرادته؛ كأن يرش الماء في وجهه فيدخل إلى جوفه بدون قصد منه ولا اختيار، أو يخرج إلى فمه شيء من القلس ثم يدخل بدون إرادة منه واختيار، أو يكرهه أحد بتهديد يضره فيخاف على نفسه أو ولده أو ماله، فيفطر فلا شيء عليه، ويتم صومه عند زوال الإكراه؛ لأن الله تعالى قال: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمانفإذا رفع الله حكم الكفر عمن أكره عليه فما دونه أولى، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).

المسألة التاسعة: الأعذار المبيحة للفطر.

من رحمة الله تعالى بعباده أن خفف عنهم عند وجود ما يشق عليهم في أداء العبادات، وقد ذكر الله ذلك نصًا في كتابه فقال: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، وهم كما يلي:

أولا: المريض ممن يرجو زوال مرضه، إذا كان الصوم يؤخر برءه، أو يشق عليه الصوم مع وجود المرض، أو لا بد له من تناول دواء يتوزع على ساعات اليوم بحيث لا يمكن نقله إلى الليل، فيسن له الفطر أخذًا برخصة الله تعالى؛ فإن كان الصوم يضره، بحيث يحدث فيه علة ربما تدوم معه، أو تؤدي إلى موته، أو تحدث له مريضًا جديدًا، أو نحو ذلك من أنواع الضرر حرم عليه الصوم؛ لأنه يوقع نفسه في الهلكة، وقد قال الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}.

ثانيًا: المسافر سفرًا يباح له فيه القصر، فإذا كان عليه فيه مشقة سن له الفطر؛ أخذًا برخصة الله تعالى، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس من البر الصيام في السفر))، وإن كان لا يشق عليه فإنه مخير بين الفطر والصوم؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صام وهو مسافر، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومون ويفطرون مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، ولم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.

ويجوز له الفطر ولو كان سفره وسط النهار، بعد أن بدأ يومه بالصوم؛ لدخوله تحت عموم الآية.

ثالثًا: المرأة الحامل أو المرضع، إذا خافت على نفسها، أو على ولدها، جاز لها الفطر، وتقضي مكان الأيام التي أفطرتها، وأما الإطعام فقد اختلف فيه، فأوجبه بعض أهل العلم على المرأة إذا خافت على ولدها.

المسألة العاشرة: من مات وعليه صوم.

من وجب عليه صوم من رمضان، إما لكونه مسافرًا، أو مريضًا، ثم لم يقض حتى مات، فلا يخلو من حالين:

الأول: ألا يتمكن من صيامها؛ لاتصال المرض، أو السفر، أو لغير ذلك من الأعذار، فليس عليه شيء؛ لأنه معذور في هذا الترك، ولم توجد حالة صالحة لثبوت حكم الصيام في حقه.

الثاني: أن يتمكن من الصيام، ولكنه يفرط ويقصر ويسوف حتى فجأه الأجل؛ فإنه يشرع لوليه أن يصوم عنه؛ لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه))، وهذا يشمل كل صوم واجب، ولو صام شخص غريب عنه أجزأ أيضًا؛ لأن المقصود أن يصام عنه، وأولى الناس به هم أقرباؤه، ، فإن لم يصم عنه أحد أطعم عن كل يوم مسكينًا من تركته، أو من متبرع.

التعديل الأخير تم بواسطة إشراف الأقسام العامة ; 07-09-09 الساعة 04:56 AM
إشراف الأقسام العامة غير متواجد حالياً