فـإرادة الله ـ سـبحانه تنقسـم إلـى قسـمين :
القســم الأول
إرادة كونيـة قدريـة
( كـن فيكـون )
وهـي المشـيئة ، ولا ملازمـة بينهـا وبيـن المحبــة والرضـا ـ أي محبـة الله ورضـا الله عنهـا ـ ،
بـل يدخــل فيهـا الكفــر والإيمـان ، ولا محيـص عنهـا
كقولـه تعالـى :
" فَمَـن يُـرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَـهُ يَشـرَح صَـدرَهُ لِلإِسـلامِ وَمَن يُـرِد أَن يُضِلَّـهُ يَجعَـل صَـدرَهُ ضَيِّقـًا حَرَجـًا " ( سورة الأنعام / آية : 125 )
فهـذه الآيـة تشمـل جميـع الخلـق ، فلابـد لكـل أحـد إمـا أن يشـرح الله صـدره للإسـلام ، وإمـا أن يجعـل صـدره ضيقـًا حرجـًا .
القســم الثانــي
إرادة دينيــة شـرعية
@ وهـي ـ مختصـة بمراضـي الله ومحابـه ، وعلـى مقتضاهـا أمــر عبـاده ونهاهـم ،
كقولـه تعالـى :
" يُرِيـدُ اللَّهُ لِيُبَيِّـنَ لَكُــم وَيَهدِيَكُـم سُـنَنَ الَّذِيـنَ مِـن قَبلِكُـم وَيَتُـوبَ عَلَيكُــم وَاللَّهُ عَلِيـمٌ حَكِيـمٌ " ( سورة النساء / آية : 26 )
وهـذه الإرادة تكـون فـي حـق المؤمـن الطائـع : فتجمـع الإرادة الكونيـة القدريـة ، والإرادة الدينيـة الشـرعية .
وتنفـرد الإرادة الكونيـة القدريـة فـي حـق الفاجـر العاصـي .
{ 200 سـؤال وجـواب فـي العقيـدة ( الحكمـي ) / ص : 84 0 }
# مثـال ثان :
أن يتوهـم واهـم تناقـض القـرآن وتكذيـب بعضهـم بعضـًا :
لقولـه تعالـى :
" إِنَّـكَ لاَ تَهـدِي مَـن أَحْبَبْـتَ " (سورة القصص / آية : 56 )
ولقولـه تعالـى : "
وَإِنَّـكَ لَتَهـدِي إلـى صِـرَاطٍ مُّسـتَقِيمٍ " (سورة الشورى / آية : 52 )
ففـي الآيتيـن موهـم تعـارض ، فيتبعـه مـن فـي قلبـه زيـغ ويظـن بينهمـا تناقضـًا وهـو النفـي
فـي الأولـى ، والإثبـات فـي الثانيـة!!!!
وأمـا الراسـخون فـي العلـم فيقولـون :
لا تناقـض فـي الآيتيـن :
= فالمـراد بالهدايــة فـي الآيــة الأولـى ----> هدايـة التوفيـق ,
وهـذه لا يملكهـا إلا الله وحـده ، فـلا يملكهـا الرسـول ولا غيـره .....
والمـراد بهـا فـي الآيـة الثانيـة ----> هدايـة الدَّلالـة ,
وهـذه تكـون من الله تعالـى ؛ ومن غيـره ..... فتكـون مـن الرسـل وورثتهـم مـن العلمـاء الربانييـن .
فيمـا يتعلـق برسـول الله
ـ صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ـ
قـد يتوهـم الواهـم مـا لا يليـق برسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
# مثـال ذلــك :
قولـه تعالـى لنبيــه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" فَـإِن كُنـتَ فـي شَـكٍّ مِّمَّـا أَنزَلنَـا إِلَيــكَ فاسـألِ الَّذِيـنَ يَقـرءُونَ الكِتَـابَ مِـن قَبلِـكَ لَقَـد جَـاءَكَ الحَـقُّ مِـن رَّبِّـكَ فَـلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ المُمتَرِيـنَ "
( سورة يونس/ آية : 94 )
ففـي الآيـة ما يوهـم وقـوع الشـك مـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيمـا أُنـزِلَ إليـه ، فيتبعـه مـن فـي قلبـه مـرض ؛ فيدَّعـي أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقـع منـه ذلـك ، فيطعـن فـي رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
ونـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم ليكـون الجميـع محكمـًا كالآتـي :
الراسـخون فـي العلـم يقولـون :
إن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يقـع منـه شَـكٌّ فيمـا أُنـزِلَ إليـه ، بـل هـو أعلـم النـاس بالقـرآن ، وأقواهـم يقينـًا كمـا قـال الله تعالـى فـي نفـس السـورة :
" قُــل يَا أَيُهَـا النَّـاسُ إِن كُنتُـم فـي شَـكٍ مِّـن دِينِـي فَـلاَ أَعبُـدُ الَّذِيـنَ تَعبُـدُونَ مِـن دُونِ اللَّهِ " ( سورة يونس / آية : 104 )
أي إن كنتـم فـي شـكٍّ ـ [ مـن دينـي ] ـ فأنـا علـى يقيـن منـه ، ولهـذا لا أعبـد الذيـن تعبـدون مـن دون الله ، بـل أكفـر بهـم وأعبـد الله .
ولا يلـزم مـن قولـه تعالـى :
" فَإِن كُنـتَ فـي شـكٍّ مِّمَّـا أَنزَلنَـا إِلَيـكَ " سورة يونس / آية : ( 94 ) ،
أن يكـون الشــكُّ جائـزًا علـى الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو واقعـًا منـه
ألا تـرى قولـه تعالـى :
" قُـل إِن كَـانَ للرَّحمَـنِ وَلَـدٌ فَأنَـا أَوَّلُ العَابِدِيـنَ " ( سورة الزخرف / آية : 81 )-
هـل يلـزم منـه أن يكـون الولـد جائـزًا علـى الله تعالـى أو حاصـلاً ؟ !
كـلا ؛ فهـذا لم يكـن حاصـلاً ، ولا جائـزًا على اللهِ تعالـى ، لقولـه تعالـى :
" وَمَا يَنبَغِـي لِلرَّحمَـنِ أَن يَتَّخِـذَ وَلَـدًا 0 إِن كُـلُّ مَـن فـي السَّـموَاتِ وَالأَرضِ إِلاَّ آتِـي الرَّحمَـنِ عَبـدًا " 0 ( سورة مريم / آية : 92 ، 93 )
ولا يلـزم مـن قولـه تعالـى :
" فَـلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ المُمتَرِيـنَ " { سورة البقرة / آية : 147 ، سورة يونس / آية : 94 }
أن يكـون الامتـراء ـ ( أي الشـك ) ـ واقعـًا من الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأن النهـي عـن الشـيء قـد يوجـه إلـى مـن لـم يقـع منـه ، ألا تـرى قولَـهُ تعالـى :
" وَلاَ يَصُدُّنَّـكَ عَـن آيَـاتِ اللَّهِ بَعـدَ إِذ أُنزِلَـتْ إِلَيـكَ وَادْعُ إِلَـى رَبِـكَ وَلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ المُشْـرِكِينَ " ( سورة القصص / آية : 87 )
ومـن المعلـوم أنهـم لـم يصـدُّوا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن آيـات الله ، وأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يقـع منـه شـرك .
والغـرض مـن توجيـه النهـي إلـى مَـنْ لا يقـع منـه : التنديـد بِمَـنْ وقـع منهـم ، والتحذيـر مـن منهاجهـم ، وبهـذا يـزول الاشـتباه ، وظَـنّ مـا لا يليـق بالرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
{ تفسـير القـرآن الكريـم / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 }
فـائــدة :
" إن كنـتَ فـي شـكٍّ " ؛ فـي لغـة العـرب : اسـتجازة العـرب قـول القائـل منهـم لابنـه " إن كنـتَ ابنـي فَبِرِّنـي " ، وهـو لا يشـك فـي أنـه ابنـه .
يُـــتْـــبـَــعُ