بقي علي ان اقول : ذكرنا في الآية الكريمة , قولان في الوقف على (الا الله ) او الوصل , وليس بين القرائتين اختلاف
فالذين وقفوا على (الا الله ) : قالوا ان التأويل هو علم حقائق هذه المشتبهات , ومآلها في المستقبل , وهذا لا يهم عند الله والذين واصلوا قالوا ان المراد بالتأويل التفسير ,
وان كان المراد بالتأويل هو التفسير : هل يعلمه الراسخون في العلم ؟ نعم ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : انا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله .
في الآية :
-( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين )- [الزخرف/81]
قال بعضهم : ان (إن ) بمعنى ( ما ) , اي ما كان للرحمن ولد , ولكن هذا خلاف ظاهرها , لان إن شرطية , معناها : ان كان للرحمن ولدفأنا اول العابدين لهذا الولد , فهذا تنديد للنصارى الذين يعبدون عيسى , فيقول ان كان للرحمن ولد فانا اسبقهم الى عبادته , لكن لم يكن للرحمن ولد , فلاحق لعيسى في العبادة .
أنواع التشابه في القرآن
التشابه الواقع في القرآن نوعان :
أحدهما : حقيقي وهو ما لا يمكن أن يعلمه البشر كحقائق صفات الله عز وجل ، فإننا وإن كنا نعلم معاني هذه الصفات ، لكننا لا ندرك حقائقها ، وكيفيتها
لقوله تعالى :
( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه: الآية 110)
وقوله تعالى :
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103)
حقائق الكتاب لا يمكن ادراكها , وهذا تشابه حقيقي , كل كان لا يمكن ان يدرك حقيقة صفة الله تعالى , وان ادعى انه يدرك فهو كاذب , ولهذا قال تعالى :
-( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما )- [طه/110]
وقال تعالى
(( لا تدركه الابصار وان رأته ))
لانه اعظم من ان تحيط به الابصار .
ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى :
(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5)
كيف استوى
قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وهذا النوع لا يسأل عن استكشافه لتعذر الوصول إليه .
هذا الرجل أتى الى الامام مالك في المسجد النبوي , وقال له :
يا ابا عبد الله , الرحمن على العرش استوى , كيف استوى
فاطرق مالك برأسه وجعل يتصبب عرقا , لشدة هذا السؤال , وفظاعته , ثم رفع راسه وقال :
الاستواء غير مجهول (يعني انه معلوم ) والكيف غير معقول ( اي لا يمكن ان ندركه بعقولنا ) والعمل به (اي الاستواء ) واجب , والسؤال عنه (يعني عن كيفية الاستواء ) بدعة .
وما اراك الا مبتدعا , ثم أمر به فأخرج من المسجد , اخرج من مسجد الرسول ليتقي الناس شره .
فتأمل صرامة الامام مالك رحمه الله , في مثل هذا الامر الفظيع . وهكذا ينبغي لنا ان نكون صارمين في كل من سأل مثل هذا السؤال , لو قال : كيف اصابع الله ؟
نقول : الاصابع معلومة والكيف مجهول, والايمان بها واجب والسؤال عنها بدعة .
لا يجوز ان نقول ان آيات الصفات من المتشابه , لكن اذا اطلق عليها المتشابه فاننا نقول : ان اراد بالتشابه خفاء المعنى فهذا غلط , لان معناها واضح ظاهر , وان اراد خفاء الحقائق فهذا صحيح .
(يجيب الشيخ على بعض الاسئلة )
المتن :
النوع الثاني : نسبي وهو ما يكون مشتبها على بعض الناس دون بعض ، فيكون معلوما للراسخين في العلم دون غيرهم ، وهذا النوع يسأل عن استكشافه وبيانه ؛ لإمكان الوصول إليه ، إذ لا يوجد في القرآن شئ لا يتبين معناه لأحد من الناس ،
قال الله تعالى : (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:138)
وقال : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(النحل: الآية 89) وقال : (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة:18)
وقال : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة:19)
وقال : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء:174) .
شرح الشيخ :
ذكرنا ان الاحكام والتشابه ثلاثة انواع :
الحكام العام والذي يوصف به جميع القرآن .
والثاني : التشابع العام الذي يوصف به جميع القرآن .
الثالث : الاحكام الخاص الذي يوصف به بعض القرآن والتشابه الخاص الذي يوصف به بعض القرآن ,
هذا التشابه ينقسم الى نوعين :
تشابه حقيقي : يشتبه على كل الناس , كحقائق صفات الله عز وجل , احوال اليوم الآخر ...
نحن نؤمن ان هذه الجبال العظيمة الشامخة تكون كثيبا مهيلا , انت لا تتصور كيف تكون بالضبط , نؤمن بان في الجنة فاكهة ونخلا ورمانا ولحم طير وعسلا ولبنا وخمرا وماء ... هل نعرف حقيقة ذلك ؟ لا
لان الله تعالى يقول :
-( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )- [السجدة/17]
ويقول في الحديث القدسي :
اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
هذا نقول انه متشابه تشابها حقيقيا . تشابه مطلق لا يمكن لأحد ان يعلم به .
النوع الثاني : تشابه نسبي وهذا هو الذي يكون عند كثير من الناس
التشابه النسبي هو ما يكون مشتبها على بعض الناس دون بعض , فيكون معلوما للراسخون في العلم دون غيرهم , وهذا النوع يسأل عن استكشافه وبيانه, اما الاول الحقيقي لا يسأل , السؤال عنه لغو , واذا كان سؤال دين فهو بدعة .
هذا النوع المشتبه على بعض الناس دون بعض , يسأل عنه ويستكشف حتى يتبين للانسان معناه , لإمكان الوصول إليه ، إذ لا يوجد في القرآن شئ لا يتبين معناه لأحد من الناس ،
الدليل قوله تعالى :
-( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين )- [آل عمران/138]
وهذا عام , وقال تعالى :
-( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )- [النحل/89]
فكل شي يحتاج الناس الى بيانه فانه في القرآن اما منصوص عليه واما مدلولا عليه بالاشارة ,
وقرأت لبعض العلماء المعاصرين انه كان في مطعم في احدى الدول الغربية واظنها باريس , والمطعم يعم الصالح والطالخ , وكان في هذا المطعم رجل من النصارى , ممن قرؤوا القرآن لكن لم ينتفعوا به , فأتى الى هذا العالم ليشبه عليه , وقال ان قرآنكم تبيان لكل شي , قال العالم : نعم هو تبيان لكل شئ , واذا بين يديه اشياء من المأكولات , فقال له النصراني : كيف نصنع هذا أرنيه في القرآن ,
فاستغرب الشيخ, سؤال ليس له وجه , هل القرآن نزل ليكون ارشادا للمطابخ ؟
لا , لاشك .
لكنه يريد ان يمتحن هذا الرجل ويشكك من حوله , فقال الشيخ : نعم يوجد في القرآن . فقال : اين هو ؟ فذهب به الى المطبخ , فقال لمن يعمل فيه : كيف صنعت هذا ؟
فأخبره , فقال : هكذا جاء في القرآن , قال الله تعالى :
(( فاسئلوا أهل الذكر ان كنت لا تعلمون ))
فما لم ينص عليه القرآن أرشدنا إليه كيف نتوصل اليه , فصار الآن مبينا او غير مبين ؟
نعم , لان الذي يرشدك الى الطريق الذي تصل به الى مقصودك قد تبين .
فبهت الذي كفر .
يتبع >>>>>>>>>>>