عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-09, 05:42 PM   #11
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
c8 تابع الشريط الثالث ........

المتن


التفسير


التفسير لغة : من الفسر ، وهو : الكشف عن المغطى .


وفي الاصطلاح . بيان معاني القرآن الكريم .


وتعلم التفسير واجب لقوله تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29) ولقوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24)


وجه الدلالة من الآية الأولى أن الله تعالى بين أن الحكمة من إنزال هذا القرآن المبارك ؛ أن يتدبر الناس آياته ، ويتعظوا بما فيها .


والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها ، فإذا لم يكن ذلك ، فاتت الحكمة من إنزال القرآن ، وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها .


ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه .


ووجه الدلالة من الآية الثانية أن الله تعالى وبخ أولئك الذين لا يتدبرون القرآن ، وأشار إلى أن ذلك من الإقفال على قلوبهم ، وعدم وصول الخير إليها .


وكان سلف الأمة على تلك الطريقة الواجبة ، يتعلمون القرآن ألفاظه ومعانيه ؛ لأنهم بذلك يتمكنون من العمل بالقرآن على مراد الله به فإن العمل بما لا يعرف معناه غير ممكن .


وقال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذي كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات ، لم يجاوزوها ، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا .


قال شيخ الإسلام ابن تيميه : والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ، ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم ، وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم . ويجب على أهل العلم أن يبينوه للناس عن طريق الكتابة أو المشافهة لقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ )(آل عمران: الآية 187) وتبيين الكتاب للناس شامل لتبيين ألفاظه ومعانيه ، فيكون تفسير القرآن ، مما أخذ الله العهد على أهل العلم ببيانه .


والغرض من تعلم التفسير هو الوصول إلى الغايات الحميدة والثمرات الجليلة ، وهي التصديق بأخباره والانتفاع بها وتطبيق أحكامه على الوجه الذي أراده الله ؛ ليعبد الله بها على بصيره .




شرح الشيخ :


التفسير : لغة من الفسر , وهو الكشف عن المغطى , ولذلك اذا كشف الانسان كمة انكشف ما تحتها , ويقال فسر ثوبه يعني : ابان ما تحته


في الاصطلاح : بيان معاني القرآن الكريم , فسر القرآن اي بين معناه , وبيان معاني القرآن واجب وتبينها واجب لان المقصود من انزاله هو فهم معناه والعمل به , واذا كنا لا نفهم المعنى صار القرآن بيننا كأنه عربي بين عجمي , لا يعرف معناه ولا المراد به , والانسان ول اراد ان يعمل بكتاب فقه من كتب الفقهاء فانه لا بد ان يعرف معناه . ولو ألقي اليه وهو يطلب علم الطب, كتاب فيه الطب وانواعه وما يتعلق به ولم يشرح له لم يستفد منه . اذن فلا بد من ان نفهم معنى القرآن . وهل فهم معنى القرآن صعب ؟ لا , قال تعالى :


-( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )- [القمر/17]


اي هل من متذكر ؟ وهلهنا للتشويق , لانهلما اخبر واكد انه يسره للذكر شوّق الى ادكاره وفهمه , فانت اذا اقبلت بصدق لتفهم معنى كلام ربك عز وجل , فانه لا بد ان ييسر لك , اما بفتح يفتحه الله عليك , واما بجلب عالم يبين لك معناه , واما بكتب تفسير توضح لك المعنى , لان الله تعالى أخبر واكد هذا الخبر بالآية الكريمة السابقة .


وتعلم التفسير واجب واستدل المؤلف بذلك , ولكن هل هو واجب عين , على كل واحد ؟


الجواب : اما ما يحتاجه الانسان فانه يجب عليه وجوب عين ان يفهم معناه واما ما لا يجب فان تعلمه فرض كفاية , اذا قام به احد سقط عن الباقي , واما ان يبقى المسلمون كلهم لا يفهمون معنى القرآن فهذا خطب عظيم , واننا لنأسف لقوم يعتنون غاية العناية بالحديث وليس في الحديث ايضا دراية بل هواية , في اسانيده واقسامه ورجاله وما أشبه ذلك . لكنك تجدهم في فقه الحديث ضعفاء , وفي تفسير القرآن أضعف وأضعف , وهذا لا شك انه حسن من وجه , لكنه فيه قصور عظيم , لانه كون الانسان يعتني هذه العناية التامة ويعرض عن القرآن ويقول في نفسه : القرآن والحمد لله ثابت ولا حاجة لان أبحث عن رجال سنده.... نقول نعم ولكن هل انت تفهم معناه ؟


كثير من هؤلاء لو عرضت عليهم آية ليست صعبة المعنى , عجز عنها ولم يعرفها ولا اعرابها ولا بلاغتها , وهذا قصور . وانا رأيي انه يجب ان نبدأ في طلب العلم بالقرآن , نفهم معناه ونعمل به , ثم بالسنة لان السنة تحتاج الى نظرين :


النظر الاول : ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم , فننظر في السند والرجال والاتصال وغير ذلك .


النظر الثاني : النظر في المعنى .


اذن علم التفسير واجب , لكن من كان يحتاج الى شئ معين منه فهو فرض عين عليه , مثل ان يكون رجلا عنده مال يريد ان يزكي , ويعطي الزكاة أهله , لا بد ان يفهم معنى الآية الكريمة :


-( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم )- [التوبة/60]


من أجل ان يقوم بما أوجب الله عليه , وهكذا


ايضا الوضوء :


-( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )- [المائدة/6]


لابد ان يعرف ما معنى الغسل , ما هو حد الوجه ؟ ويعرف غسل الرجلين , متى يكون واجبا ومتى يجوز المسح على الخفين ... وما أشبه ذلك .


اما ما عدا هذا فهو فرض كفاية , يجب على المسلمين عموما ان يقومون به , ان قام به احد يكتفى به , لكونه مأمونا موثوقا ومرجعا للمسلمين في التفسير ...


قال تعالى :


-( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب )- [ص/29]


يعني هذا كتاب وانما قدرنا هذا لان ما قبلها حروف هجائية , ليس لها محل من الاعراب , والقول الرجح ان هذه الحروف الهجائية ليس لها معنى في ذاتها , والقرآن نزل بلغة العرب والعرب لا يرون لهذه الحروف معنى , لكنها ليست لغو , لا , لها مغزى عميق بليغ , وهو ان هؤلاء العرب الذين هم أبسط الناس ركبوا كلامهم من هذه الحروف , وجاء القرآن بهذه الحروف , ومع ذلك أعجزهم , لا يستطيعون ان يؤلفوا مثله , هولو جاء بحروف جديدة لكان للعرب عذر ان لا يعارضوه, لكنه لم يأتي الا بالحروف التي هم يكونون كلامهم منها زلذلك لا تجد سورة مبدوءة بالحروف الهجائية الا وبعدها ذكر القرآن . هذا هو الغالب , وما ابرك من هذا القرآن ؟ لماكان المؤمنون يعملون به ظاهرا وباطنا , سرا وعلنا , عقيدة وعملا , وخلقا وأدبا , نالوا بركته وسادوا به العالم , وجاهدوا به أعداء الله . ولما تخلفوا عنه نزعت بركة القرآن منهم وصاروا يعظمون القرآن تعظيم طقوس , لا تعظيم عمل به , يكتبونه في الجدران وفي الاحراز والحجب , وما أشبه ذلك ....


تعظيم القرآن هو العمل به تصديقا بأخباره وعملا بأحكامه . ليدبروا آياته : كل الآيات سواء طالت ام قصرت , فمثلا يجب علينا ان نتدبر آية الدين في سورة البقرة , وهي أطول آية في القرآن , وكذلك قوله تعالى :


-( ثم نظر )- [المدثر/21]


وهي من الآيات القصار في القرآن . يجب ان نعرف من الذي نظر ؟ وهل نظر بفكره ام بعينه ؟ لا بد ان نعرف هذا , وقوله : وليتذكر أولوا الالباب .. أولوا العقول , يتعظون بالقرآن . ولذلك فاعلم انه اذا لم تتعظ بالقرآن فانه لا عقل لك .


لانه لا يتذكر بالقرآن الا اهل العقول . وقال تعالى :


-( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )- [محمد/24]


والاستعلام هنا للتوبيخ , (أم) هنا منقطعة , بمعنى بل أي :" بل على قلوب أقفالها " ووجه الدلالة من الآية الاولى ان الله تعالى بين ان الحكمة من انزال القرآن مبارك ان يتدبر الناس آياته ويتعظوا بما فيها , والتدبر والتأمل في الالفاظ , للوصول الى معانيها واذا لم يكن كذلك فاتت الحكمة من انزال القرآن , وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها , ولانه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه .


ووجه الدللالة من الآية الثانية ان الله تعالى وبخ أؤلئك الذين لا يتبرون القرآن واشار الى ذلك من الاقفال على قلوبهم وعدم وصول الخير اليهم .


وكان سلف الأمة على تلك الطريقة الواجبة ، يتعلمون القرآن ألفاظه ومعانيه ؛ لأنهم بذلك يتمكنون من العمل بالقرآن على مراد الله به فإن العمل بما لا يعرف معناه غير ممكن .


وقال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذي كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات ، لم يجاوزوها ، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا .


تعلموا القرآن اي ألفاظه والعلم يعني معانيه , والعمل اي العمل بما فيه .


قال شيخ الإسلام ابن تيميه : والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ، ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم ، وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم


وصدق رحمه الله , الانسان اذا قرأ كتابا لا بد ان يفهم معناه , ولا لم يستفد منه , لو قرأت كتابا بالنحو كالآجرومية مثلا , هل تستفيد منها بدون معرفة المعنى ؟ لا . فكيف بكلام الله عز وجل ؟


ويجب على أهل العلم أن يبينوه للناس عن طريق الكتابة أو المشافهة لقوله تعالى :


( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ )(آل عمران: الآية 187) وتبيين الكتاب للناس شامل لتبيين ألفاظه ومعانيه ، فيكون تفسير القرآن ، مما أخذ الله العهد على أهل العلم ببيانه .


اذن طريقة السلف في القرآن انهم يتعلمون ألفاظه , ومعانيه ويعملون به . اذا نزلت آيات في البيع تعلموها وعملوا بها


-( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )- [الجمعة/9]


أيظن الظان ان الصحابة يدعون الصلاة ويقبلون على البيع ؟


لا ابدا , بل هم عملوا بذلك , وهكذا بقية الآيات , حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم لما خاطب النساء وأمرهن بالصدقة وقال انكن أكثر أهل النار , ماذا فعلن ؟


صارت المرأة تأخذ قرطا من أذنها وخاتمها من اصبعها وتلقيه الى بلال رضي الله عنه .


قال :


والغرض من تعلم التفسير هو الوصول إلى الغايات الحميدة والثمرات الجليلة ، وهي التصديق بأخباره والانتفاع بها وتطبيق أحكامه على الوجه الذي أراده الله ؛ ليعبد الله بها على بصيره .


تصديق الاخبار : هذه من غايات علم التفسير , ان تصدق الخبر , وتمتثل للخبر لا مجرد ان تفهمه فقط .


مثلا اذا قال الله تعالى " ان الله كان سميعا بصيرا "هذا خبر ام امر ؟


خبر طبعا .. الانتفاع ليس مجرد ان تعلم ان الله سميع بصير , الانتفاع ان تخشى الله , فلا تقل ما يسمع منك ما لا يرضاه , ولا تفعل ما يبصره ويراه وهو لا يرضاه . انتبه لهذا


لما قص الله علينا قصص الانبياء السابقين قال :


-( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )- [يوسف/111]


عبرة ينتفع بها الانسان اذا كانت وعيدا , وينتفع بها ان كان بها فوائد وحكما , كما في قصة ذي القرنين وقصة أصحاب الكهف , وغيرها من القصص النافعة , كما قال تعالى :


-( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين )- [يوسف/3]
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً