تفريغ الدرس الخامس عشر:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين .
كنا أيها الأحبة في الكلام عن المرحلة الأولى من المراحل السبعة لطالب فهم القرآن وذكرنا أن الكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ على ثلاث مراحل:
منها كلمات ظاهرة واضحة بينة لا تحتاج إلى شرح وإيضاح .
ومنها كلماتٌ لا فيها ما هو بين وظاهرة ولكنها معاني أخري ومغازى ممكن أن يتأملها من نظر في كتب التفسير نظر في كتب اللغة ونحو ذلك ووقفنا عند هذه المرتبة وكنا قد ضربنا مثل في قوله سبحانه وتعالى ﴿
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾
[مريم:83]. في قوله سبحانه ﴿
تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ وهناك أمثلة كثيرة جداً على هذه المرتبة سيأتي بإذن الله شيءٌ منها وأريد أن أمر سريعاً على الكلمات التي سمعتم في الحلقة السابقة حتى لا يبقى الذهن مشدوداً معها وينتظم ما فيها من المعاني لأننا لا نستطيع أبداً أن نعرض لكل هذه الكلمات وبيانها ما فيها من المعاني وكيفية فهم هذه المعاني من كتاب الله عزّ وجلّ وكذلك من كلام المفسرين حولها، فالأمثلة التي قُرأت عليكم فيها ﴿
تَؤُزُهُم﴾﴿
حَرْثَكُم﴾ ﴿
شَدَدَنَا أَسْرَهُم﴾ ﴿
فَأَجَاءْهَا المَخَاضُ﴾ ولعل هذه الآية ﴿
فَأَجَاءْهَا المَخَاضُ﴾ أن نقف عندها وقفة طويلة بإذن الله سبحانه وتعالى لبيان دقة كلام السلف رحمهم الله في تفسيرهم لهذه الآيات.
أيضاً ﴿
كُوَّرَت﴾ ﴿
كُشِطَت﴾ ﴿
كَالدِهَان﴾:
لو تأمل الإنسان كلمة ﴿
كُوَّرَت﴾ في قوله سبحانه وتعالى ﴿
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ وفى الآية التي تليها ﴿
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾
[التكوير:1-2] فتأمل كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى ﴿
كُوِّرَتْ ﴾ ماذا تدل عليه؟
التكوير في أصل اللغة هو يدل على جعل الشيء مكوراً أي مدوراً؛ ولذا لما تقف على كلام السلف رحمهم وكذا على كلام من بعدهم من أهل العلم في التفسير يقولوا لك بأن المراد هنا أن الشمس وكذلك النجوم
أنها تلف الشمس والقمر تلف كما تلف العمامة ويقول بعضهم تكور كما تكور العمامة،
لكن لفظ كورت عندما تتأمل في كتب اللغة ستجد أن هذه اللفظة
تتدل على معنيين :وانظر في كتب أهل العلم ستجد أن هذين المعنيين ثابتين ظاهرين واضحين في كلامهم رحمهم الله
فالتكوير يدل بدءاً على اللف وعلى الضم وعلى التدوير ويدل أيضاً على اضمحلال النور الذي في الشيء المكور فيدل تارة على اللف والتدوير ويدل دلالة أخرى على اضمحلال النور والانطفاء ولهذه السطور التي كان فيها فالذي يعمل بالشمس والقمر في يوم القيامة أنها تلف وتدور كما تُدَوَّر العمامة وأيضاً يضمحل هذا النور شيئاً وشيئاً، شيئاًَ فشيئاًَ حتى تنطفئ ما في هذه الكواكب الشمس والقمر ينطفئ ما فيها من النور هذا الوجوه في معني كورت.
وكذلك في قوله سبحانه وتعالى ﴿
انْكَدَرَتْ﴾
الانكدار في أصل اللغة لو اطلعت عليه هو
السقوط بشدة، وقوة وأيضاً الانكدار يدل على ا
لاضمحلال ويدل على ذهاب الضوء شيئاً فشيئاً فهو سقوط شديد يصحبه ذهاب نور هذه النجوم واضمحلال هذه الإضاءة شيئاً فشيئاً حتى تنطفئ تماماً وهذا يدلك على أن الكون بعد أمر الله سبحانه وتعالى بالنفخة العظيمة نفخة الصعق والتي تتبعها النفخة الثانية والتي هي نفخة الموت وصعق الناس جميعاً عندنا فزع وعندنا صعق وهذه إن كانت نفخة واحدة أو كانتا نفختين (الأمر يسير خلاف بين أهل العلم) ولكن المقصود بعد نفخة الصعق وبعد موت الخلائق وبعد حدوث الأهوال في هذا الكون يصبح الكون كله من أوله إلى آخره مظلم شديد الظلمة جداً لا نور فيه ذهب نور الشمس وذهب نور القمر وذهب نور النجوم من أولها إلى آخرها فحصل في هذا الكون ظلمة شديدة قاتمة جداً ليس هناك من نور إلا نور جبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى ذهب كل نور على وجه هذه البسيطة فلم يبقَ إلا نور الله جلّ في علاه؛ ولذا كما في صحيح مسلم لما سأل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
سألوه عن أين يكون الناس حينما تبدل الأرض غير الأرض -حينما تتقلب هذه السماوات وتتبدل هذه الأرض ولا يبقي شيء حينما تتغير هذه الأكوان جميعاً من أولها إلى آخرها ثم يحصل فيها كما يحصل للأرض وكذلك والكون يحصل فيه هذا التغير الكبير الرهيب أين يكون الناس؟- (
قالوا يا رسول الله أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ؟ قال : في الظلمة دون الجسر) والحديث في صحيح مسلم قال:(
في الظلمة دون الجسر (قبل الجسر هناك ظلمة شديدة في الظلمة دون الجسر) فهذه الظلمة هي الي تقع في هذا الكون بعد حدوث هذه الآيات العظيمات من تكوير الشمس وانكدار النجوم وما يحصل بعد ذلك من الآيات هذا الكلام تأمله في كلام المفسرين ستجده ظاهراً بيناً واضحاً في الكتب التي ذكرت لك.
حتى في قوله سبحانه وتعالى في نفس السورة ﴿
كُشِطَتْ﴾ ﴿
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾
[التكوير:11] ما
معني الكشط؟
إذا تأملت معني الكشط في لغة العرب ستجد عجباًَ، الكشط جاء تفسيره في قوله سبحانه وتعالى وهذا من تفسير القرآن بالقرآن جاء تفسيره في قوله سبحانه وتعالى ﴿
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾
[الانبياء:104] كيف كطي السجل للكتب؟
طي السجل للكتب، كانوا في القديم يأتون بالجلد الذي يكون على ظهر الكتب يكون من جهة الأرض ثم يؤتى بالكتب إن كان مثل هذا الكتاب أو غيره يؤتى ويوضع هكذا عبارة عن أوراق ليس فيها جلادة فتطوى هكذا فتطوى الكتب بالسجل هكذا،﴿
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ السجل يطوي الأوراق، هكذا
فالله سبحانه وتعالى على جهة تليق بعظمته سبحانه وعلى صفة لا نعلمها ولا ندرك كيفيتها يطوي جلّ في علاه هذه السماوات السبع من أولها إلى آخرها يطويها طوياً بين لنا صفة هذا الطوي في قوله سبحانه وتعالى ﴿
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾
معنى كشطت في لغة العرب
أي كشعت وأزيلت كما يزال الجلد من على ظهر الكتاب وكما يزال جلد البعير من على لحمه، فالبعير إذا أرد العرب أن يسلخوه فإنهم يزيلون هذا الجلد من على اللحم ويسمون هذا الفعل كشطاً،
وهو يشبه السلخ الآن لعموم البهائم هذا السلخ الذي يقع للبهائم تسميه العرب إذا كان للبعير لأنه له صفة خاصة لرقة جلد البعير يسمونه كشطاً، فالله سبحانه وتعالى يكشط هذه السماء من على وجه هذا الكون فيطويها سبحانه وتعالى ﴿
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ وهذا هو بيان قول الله سبحانه وتعالى ﴿
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ فهذا الفعل وهذا المرحلة هي من أواخر ما يقع من حال السماء؛ لأن السماء تمر بمراحل عظيمة جداً في يوم القيامة بدءاً من الانفطار ﴿
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾
[الانفطار:1] في بداية الأمر الانفطار الذي هو بداية الانشقاق ثم بعد ذلك يقع الانشقاق ﴿
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾
[الانشقاق:1].
ثم بعد ذلك يحصل ما يلي ذلك حتى يقع ما قاله الله سبحانه وتعالى في سورة عمَّ ﴿
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاب﴾
[النبأ:19] أي أصبحت السماء كل السماء من أولها إلى آخرها أصبحت السماء كلها أبواب لأن الملائكة يتنزلون منها كما قال الله عزّ وجلّ ﴿
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ﴾ أي ينزل الغمام الأبيض فيُفَتِّح هذه السماء ﴿
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيل﴾
[الفرقان:25] بعد أن تكون أبواب يتنزل الملائكة من خلال هذه السماء ثم بعد ذلك يحصل طى السماء الذي أخبر الله عزّ وجلّ عنه في هذه السورة أو في السورة الأخرى هذا معنى لقوله سبحانه وتعالى ﴿
كُشِطَتْ﴾ في سورة التكوير .
كذلك لو تأملنا كلمة الدهان، الصمد،
الدهان فيه شيء من الزيت فحال السماء أنها تتغير هذه الزرقة أو هذا الصفاء الذي في السماء لا يبقى هكذا أبداً وإنما
يتقلب لون السماء فتصبح في لونها كالورد أي فيه شيء من الحمرة وهذه الحمرة ليست صافية لا وإنما صار فيها شيء من الدهن وتأمل قول الله عزّ وجلّ في سورة الرحمن ﴿
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾
[الرحمن:37] تأمل كلام المفسرين في هذه الآية بل تأمل كلام الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في ادراك معني ما يقع على السماء في ذلك اليوم العظيم.
ثم أيضاً،كذلك تأمل ما بعدها الصمد ما الذي يعنيه الصمد ؟
كلمة الصمد عندما تنظر في لغة العرب يقول لك الصمد
هو الذي لا جوف له هذا أصل الكلمة في لغة العرب كما قال ابن عباس وغيره من المفسرين الصمد هو الذي لا جوف له ما معني هذه الكلمة عندما نريد أن نفسر ﴿
اللَّهُ الصَّمَدُ﴾
[الاخلاص:2] سبحانه وتعالى هم يريدون بذلك الصمد الذي لا جوف له لأن
الذي لا جوف له لا يحتاج إلى غيره لا يحتاج إلى غذاء لا يحتاج إلى إخراج ونحو ذلك هذا فالعرب تطلق على الصمد نوع من الصمدية أنه لا يحتاج إلى غيره بل يحتاج غيره إليه فالله سبحانه وتعالى مستغني عن كل الخلق من أولهم إلى أخرهم لا حاجة له بأحد من الخلق كائناً من كان لا من الأنبياء ولا من الملائكة ولا من غيرهم من البشر أبداً وإنما الخلق كلهم من أولهم إلى أخرهم يحتاجون أن يصمدوا إليه سبحانه وتعالى ولذا قال هنا ﴿
اللَّهُ الصَّمَدُ﴾
أي أنه مستغني عن كل الخلق لا حاجة لأحد من الخلق عنده سبحانه وتعالى وإنما الخلق كلهم من أولهم إلى أخرهم يحتاجون إليه في كل أمورهم صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها يحتاجون إلى أن يصمدوا إليه سبحانه وتعالى هذا بعض معنى كلمة الصمد ولك أن تتأمل هذا المعنى جلي أيها المؤمن أيها المبارك في قوله سبحانه وتعالى ﴿
اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ لأن هذا المعنى إذا استقر في قلبك ستنسى كل المخلوقين وستتجه إلى رب الخلق سبحانه وتعالى وهذا هو الواجب عليك.
الواجب عليك أن تتعلق بإله السماوات والأرض، أن تتعلق بإله العرش جلّ في علاه أما التعلق بالخلق فهذا دليل على ضعف الإيمان وقلة اليقين في الخلق، فإذا كان الإنسان مؤمناً إيماناً يقينياً بربه سبحانه وتعالى إنما يصمد إلى إله واحد جلّ في علاه، أما البشر أما الناس فأولئك لا يصمد إليهم إلا من ضعفت صلته بالله سبحانه وتعالى قد تحتاج إلى صديق إلى زميل إلى حبيب إلى أخ في حاجة من الحاجات لا بأس وقد وقع ذلك من أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، ووقع من الأنبياء
ولكن ما الصمدية؟
هو اللجوء والتوكل وتوكيل الأمر إنما يكون إليه سبحانه وتعالى لا إلى غيره هذا الأمر في قوله سبحانه وتعالى : الصمد.
التغابن: تأمل كلمة التغابن في سورة التغابن .... عندما تشتري شيئاًَ قيمته ريال واحد فتذهب تشتريه بعشرة آلاف ريال أليس هذا غبن؟
شيء قيمته ريال تشتريه بعشرة آلاف ريال؟ شيء قيمته جنيه تشتريه بعشرة آلاف جنيه؟ شيء قيمته درهم تشتريه بعشرة آلاف درهم ؟ تصور أنك تشتري قلم أو تشتري مسواك أو تشتري شيء من الأشياء البسيطة جداً تريد أن تشتريه وكان من المفروض أن تشتريه بهذه القيمة الزهيدة البسيطة إذ أنت تدفع فيه مبلغاً وقدره، أضعاف مضاعفه لا حد لها، ماذا يحصل عندك؟ ألا يحصل في قلبك ندم شعور بالغبن أن هذا الذي باع لك قد ضحك عليك قد غبنك قد أخذ من حقك ؟ هذا الذي يحصل يوم القيامة، الذين ضيعوا حقوق الله عزّ وجلّ يشعرون بغبن شديد جداً ولذا سمى الله عزّ وجلّ هذا اليوم بيوم التغابن ولذا يبحث كل إنسان في يوم القيامة عن إنسان ظلمه هو في الحياة الدنيا يتمني أمنية أن يكون من الناس من لطمه أن يكون من الناس من سبه أن يكون من الناس من أخذ من ماله أن يكون من الناس من صدم سيارته عربيته وذهب ولم يصلحها له يتمنى أن إنسان مر على بيته فكسر زجاجة له يتمنى أن إنسان مر على أحد من أولاده فأخذ منه شيئاًَ يتمنى أنه صلى في المسجد ولم يجد حذاؤه بعد أن خرج من الصلاة يتمنى أمنية في يوم القيامة لما ؟ يبحث عن حسنات في يوم التغابن يريد أن يغبن ذلك الإنسان ليأخذ هو هذه الحسنات لأنه ظلمه في شيء من أموره.
فيوم القيامة يوم التغابن الناس يبحثون عمن غبنهم، ويغبن الآخر بأن له حسنات له صلاة ، له صيام ، له ، له ثم ما يدري إلا وقد جاءه الناس أعداداً كثيرة جاءه أقوام من الخلق كل منهم يطلبه في شيء من حقوقه هذا يأخذ منه لأجل أنه اعتدى عليه في ماله وذلك اعتدى عليه بلسانه وذلك اعتدى عليه بيده وذلك اعتدى في شيء من أموره فيجتمع هؤلاء جميعاً عليه فيأخذون من حسناته يأخذون من حسناته، فيكاد لا يبقى منه شيء هذا هو يوم التغابن وسميت سورة التغابن بهذا الاسم لأجل هذا الغرض ﴿
ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾
[التغابن: من الآية9] سمى يوم القيامة بيوم التغابن لأجل هذا سيحصل للناس غبن شديد جداً في يوم القيامة بسبب هذا الأمر وسيحصل لهم أيضاً غبن شديد أيضاً لأنهم قصروا في عبادة الله عزّ وجلّ وارتكبوا شيئا من نواهية سبحانه وتعالى.
كذلك كلمة رفرف، عبقري، أحقاباً، فرياً، جمالات صفر، عتياً ونحوها من الكلمات المذكورة لك أيها المبارك هذه الكلمات لعله يأتي أمثلة على بعض منها أما المرور عليها جميعاً فهذا لا يمكن أبداً، وأنا أتمنى لو كان هناك من الوقت ما نستطيع أن نبين به هذه الكلمات بل وغيرها أتمنى هذا، ما نبين به معاني هذه الكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ بل وغيرها أيضاً .... تكلمنا عنها كلاماً يوضح شيئاً مما جاء في كتاب الله أما الوقوف على كل المعاني فقد نعجز عنه ولكن خذ مثلاً سريعاً في قوله سبحانه وتعالى ﴿
رَفْرَف﴾ هذه الآية وردت في أي سورة؟
أجاب أحد الطلبة :
في سورة الرحمن.
أكمل الشيخ:
في سورة الرحمن يقول الله عزّ وجلّ ماذا؟
أكمل الشيخ:
﴿
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾
[الرحمن:76]
ما معني ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ ؟
عندما تنظر في كلام المفسرين رحمهم الله فيقول لك عندما تنظر في كلام ابن عباس مثلاً، أو في كلام سعيد بن جبير مثلاً، أو في كلام غيرهم من الأئمة أو في كلام المفسرين من المتأخرين يقول لك
الرفرف هي البساتين، الرفرف هي
أطراف القصور، الرفرف هي الحدائق التي تكون في القصور، الرفرف هي
الحدائق التي تكون في القصور الرفرف هي كذا فيذكر لك من هذا النوع من التفسير طبعاً قد تتعجب لما كلمة رفرف؟
هل رفرف حقيقة تدل على كلمة بستان؟ هل رفرف في اللغة معناها بستان؟ هل رفرف في اللغة معناها حديقة؟ هل رفرف في اللغة معناها الأشجار وأطراف الأشجار ونحو ذلك؟ لا
هل رفرف في اللغة
البساط وأطراف البسط، يعني الآن البساط يطلق عليه رفرف ونحو ذلك ؟ لا.
ولكن ارجع إلى أصل اللغة حتى تفهم كلامهم رحمهم الله لما تكلموا هؤلاء بهذا النوع من التفسير حتى تفهم الكلام ارجع إلى أصل اللغة: أصل الكلمة في لغة العرب ماذا تدل عليه؟ كلمة رفرف في أصل اللغة تدل على ماذا :تدل على نوع من التدلي، تدل على أن هناك شيء يكون طرفاً لشيء آخر كما تقول مثلاً حتى في استخدامنا المعتاد الآن السيارة أليس لها رفرف؟ ما هو الرفرف في السيارة هو الذي يكون في طرفها أليس كذلك ؟
البيت يقال له رفرفة ما معنى له رفرفة ؟ أي له شيء أيش ؟ متدلي الشباك له رفرفة ونحو ذلك هذه هي
الرفرفة في لغة العرب بقيت على معناها إلى زماننا هذا، الرفرفة والرفرف في لغة العرب
هو الشيء المتدلى هو الشيء يكون في أطراف شيء أصلى هو تابع له هذا هو الرفرف .
فعندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ يعني هم متكئين الآن في الجلسة اتكاء والاتكاء يكون بالميل على أحد الجانبين ونحو ذلك أي جلسة مريحة جداً ﴿
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ كيف متكئين على رفرف ؟ أي متكئين على أطراف لكن هذه الأطراف أطراف ماذا؟ هذه الأطراف تارة تكون أطراف القصور، ما هي أطراف القصور؟
هي البساتين هي الحدائق
فجاء ابن عباس انظر كيف قطع المسافة مباشرة ولكنه ليس رحمه الله ورضى الله عنه وعن أئمة المفسرين في ذات الوقت لم يحتاجوا إلى أن يبينوا لك أن معنى كلمة رفرف هي الطرف وأن القصر له رفرف وأن طرفه هو البستان هذا الكلام الطويل لا يحتاجون إليه يعني لو جاء بن عباس في زمنه وأراد أن يفسر القرآن فقال الكلام الذي قلته لكم الآن لقاموا من مجلسه رحمه الله وتركوه، كلامه معلوم عندهم فلا حاجة إلى تكراره فكلمة رفرف هي الطرف، طيب ابن عباس لما أراد أن يفسر قال لك
الطرف رفرف هو البستان.
قال
سعيد بن جبير رحمه
: الرفرف هو الحديقة،
قال لك الثالث الرفرف هو أطراف الأشجار، قال لك الرابع: الرفرف هو
أطراف البسط في الجنة، أنهم يجلسون على أطراف هذه البسط لأنهم ملتمين حلقات متكئين على تلك الأرائك، تلك الكراسي، تلك الأرائك متكئين عليها فكانت جلستهم على هذا النحو، وهذا معني قوله سبحانه وتعالى :﴿
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ﴾ فذكر لك الرفرف ليدلك على عظمة ما هو أجل من الرفرف إذا كان هذا هو الرفرف فما بالك بالأصل، بالقصرنفسه، هذه الحديقة فما بالك بمن كان داخل هذا المنزل العظيم الذي أعده الله عزّ وجلّ لأهل الجنان نسأل الله لنا ولكم من فضله .
أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن المرحلة الأولى بإذن الله سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين حياكم الله أيها الأخوة مرة أخرى :
كنا في الكلام عن المرتبة الثانية من مراتب الكلمات الواردة في كتاب الله عزّ وجلّ وهذا النوع من الكلمات هو الذي سنقف عنده طويلا بإذن الله جلّ وعلا بما نستطيع من الوقت سنقف عنده طويلاً لأنه بحاجة حقيقة كما يقولون في لغة العرب بحاجة أن يٌسَوَّر ما فيه
وكما قال ابن مسعود :"تأملوا القرآن وسوروا ما فيه فإن فيه علم الأولين والآخرين" أي سوروا ما فيه ابحثوا ما فيه فتشوا عما فيه .
هناك مرتبة ثالثة من الكلمات وهي الكلمات الغامضة :
قرأ أحد الطلبة :
المرتبة الثالثة: كلمات غامضة بالنسبة لكثير من الناس لا يدرك معناه إلا بمراجعة كتب التفسير واللغة مثل : ﴿
انكدرت﴾،﴿
مقمحون﴾،﴿
زرابي﴾،﴿
الوتين﴾،﴿
حمأة﴾،﴿
الترائب﴾،﴿
زنيم﴾،﴿
أبّ﴾،﴿
قضب﴾،﴿
أمشاج﴾،﴿
جد ربن﴾،﴿
سائحات﴾،﴿
لكنود﴾.
ومن هذه الكلمات بعد المراجعة ما يلحق بالمرتبة الأولى، ومنها ما يلحق بالثانية.
أكمل الشيخ:
أحسنت وبارك الله فيك ، هذه هي المراتب، بالنسبة للمرتبة الثالثة ذكر أنها بعد البيان وبعد الرجوع إلى كتب التفسير سيتبين إما أنها من النوع الأول واضحة وإما أنها من النوع الثاني فلا حاجة إلى الوقوف عندها لكن قبل أن ننتقل أريد أن أسأل هل هناك إشكال فيما تقدم؟
أجاب أحد الطلبة :
إن كانت هناك كلمة واضحة المعنى ظاهر ، ولكنها تحمل معنيين فإلام أرجع إلى السياق والسباق واللحاق، أما ماذا؟ مثل مثلاً كلمة ﴿
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾
[التكوير:17] أأرجع إلى اللحاق ﴿
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ معناها أقبل وأبر عند العرب فأرجع إلى كلمة ﴿
وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾
[التكوير:18] وأقول إذ﴿
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ أي أدبر أم آخذها على أقبل مثل مثلاً كلمة ﴿
قرء﴾ ﴿
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾
[البقرة: 228] فإلام أرجع؟
أكمل الشيخ:
بالنسبة للكلمات إذا احتملت أكثر من معنى فهذا سيكون راجع لاختلاف المفسرين والترجيح عند اختلاف المفسرين هي مرتبة عندنا من المراتب أظنها المرتبة السابعة أو السادسة عندنا في هذه المراحل وهو ما يتعلق بالمرجحات التي نستعين بها على ترجيح قول على قول عند اختلاف المفسرين، المفسرون في أغلب أقوالهم أنهم متفقون والخلاف في التفسير قليل خصوصاً الخلاف بين العلماء الأوائل رحمهم الله يعني عندما تنظر في طبقة الصحابة طبقة التابعين طبقة أتباع التابعين ومن بعدهم أيضاً بقليل هذه الطبقة الخلاف بينهم في تفسير كتاب الله عزّ وجلّ قليل ليس بالكثير كما نبه على ذلك شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله تعالى ونبه على ذلك جماعة كثيرة من أهل العلم وأشار إلى ذلك ابن جرير الطبري رحمه الله رحمة واسعة .
فالخلاف بين المفسرين خصوصاً من أهل العلم والتحقيق قليل ليس بالكثير وهذا من رحمة الله عزّ وجلّ بنا ولكن هناك مسائل اختلفوا فيها ما يسمى
باختلاف التضاد أما
اختلاف التنوع فهو يسير ليس هناك تعارض.
أما اختلاف التضاد والتعارض فهناك نعم آيات حصل فيها خلاف تعارض بين المفسرين بين أئمة المفسرين وهذا النوع من الخلاف نحتاج فيه إلى مرجحات إلى قرائن إلى قواعد نستطيع بعدها أن نأتي بعدها إلى هذا القول ونقول هذا القول راجح وإلى ذاك القول ونقول هذا القول مرجوح بقرائن كثيرة وهذه القرائن ليست واحدة ولا اثنتين ولا ثلاث بل هي تزيد على الثلاثين قرينة عندنا ما يقارب ثلاثين قرينة من خلالها من خلال النظر فيها والتأمل فيها نستطيع أن نرجح بين أقوال المفسرين ولكن هناك قرائن قوية جداً وهناك قرائن ضعيفة هناك قرائن كثيرة في الاستخدام وهناك قرائن قليلة الاستخدام من أهم القرائن في هذا الباب واستفدنا فيما سألت عنه بارك الله فيك فيما يتعلق بما يسمى
بلغة القرآن وهذه يستخدمها ابن عباس رضى الله عنه استخداماً كثيراً ويستخدمها أيضاً من جاء بعده ويستخدمها ابن جرير ويستخدمها أيضاً كذلك ابن كثير، ابن عطية ويستخدمها من أئمة أهل التفسير يستخدمها شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله، ويستخدمها ابن عاشور هؤلاء من أكابر أهل التفسير يستخدمون هذا النوع من الترجيح وهذا النوع من القرائن وهو ما يتعلق بلغة القرآن: تأتي إلى الكلمة، هذه الكلمة في كتب اللغة لها معني وفى كتاب الله سبحانه وتعالى إذا تكررت في كثير من المواطن لها معني تأمل هذه الكلمة في كتاب الله عزّ وجلّ لما تكررت في ثلاثين موطن في أربعين موطن في خمسين موطن لما تتأمل هذه المواطن جميعاً تجد أن هذه الكلمة في أحيان أنها تدور على معنى واحد فإذا جئت إلى موطن الخلاف عندئذٍ فهذا الموطن يكون في الأولى أنه تابع للمواطن إيش ؟ الثانية مثل لفظة الزينة مثلاً في كتاب الله عزّ وجلّ وجل الزينة في كتاب الله تارة تطلق ويراد بها الزينة الظاهرة وتارة تطلق ويراد بها الزينة الباطنة تارة تطلق ويراد بها الزينة الظاهرة وتارة تطلق ويراد بها الزينة الباطنة لكن لما تأتي في مواطن الخلاف مثلا في تفسير ابن عباس وكذلك ابن مسعود لمسألة الزينة التي يجب على المرأة أن تغطيها فالله سبحانه وتعالى أمر النساء بأن ماذا ؟ بألا يبدين زينتهن نهاهن أن تبدى المرأة زينتها هذا النهي الذي جاء في كتاب الله عزّ وجلّ نهى المرأة أن تبدى زينتها ﴿
وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾
[النور: 31] إلى آخر الآيات فهذا النهي جاء في كتاب الله عزّ وجلّ الزينة هنا التي نهيت المرأة عن إبدائها ما هي ؟ هل هي الزينة الظاهرة أو الزينة الباطنة ؟ التي نهيت عن إبدائها الزينة الظاهرة المراد بها ما يكون من الجسد الظاهر يعني المرأة تتغظى تتحجب تغطي وجهها تغطى يديها تغطي ما أمرت به ثم إذا خرجت في الشارع سيبقى من زينتها ظاهر بدنها سيبقى ما ينظر إليها يعلم أنها طويلة أنها ثمينة أنها قصيرة أنها نحيفة أنها كذا أنها كذا سيجد من مظهرها ما يعتبر زينة بالنسبة لها لكن هناك من الزينة ما لم تستطع المرأة أن تغطيه فلم تؤمر المرأة أن تضع حجاب عليها من أولها إلى آخرها هكذا لا يظهر شيئاً منها مطلقاً هذا لم يكلف الله عزّ وجلّ به المرأة مطلقاً ولم يأمر به الناس ولكن أمرهم أن يغطوا الزينة، فابن مسعود رحمه الله ورضى عنه لما نظر إلى هذه الآية في تفسيرها نظر إلى قوله سبحانه وتعالى ﴿
وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ ثم أخذ الزينة واختلف الأمر عنده هل الزينة هي الظاهرة أم الزينة الباطنة معنى هل الزينة الظاهرة التي ذكرت لكم أم الزينة الباطنة التي هي الوجه والكفان هل هي الزينة الظاهرة التي هي الوجه والكفان أم أنها الزينة الباطنة نظر إلى هذه وإلى تلك فابن مسعود لما نظر إلى الزينة التي نهيت المرأة أن تبديها في هذه الآية وحصل نوع من الاختلاف والمراد هنا أو هناك وكذلك ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين نظروا إلى الآيات الأخرى نظر ابن مسعود وما وافقه إلى الآيات الأخرى التي جاء فيها
لفظ الزينة في كتاب الله سبحانه وتعالى وهو ما يقارب تسع وعشرون كلمة لفظة الزينة وردت ما يقارب هذا التكرار في كتاب الله سبحانه وتعالى
وعندما تتأمل هذه الزينة ستجد أن لفظة الزينة في كتاب الله سبحانه وتعالى من أول القرآن إلى ختامته تكاد تقطع يقينا بأن هذه المواطن إنما يراد بها الزينة الظاهرة لا الزينة الباطنة تأمل هذا في زينة الأرض التي أخبر الله عزّ وجلّ عنها وكذلك في زينة السماء ﴿
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾
[الملك:5] زينة السماء الدنيا مصابيح زينة ظاهرة أو باطنة ؟ ظاهرة ، كذلك زينة الأرض زينة ﴿
وازَّينَت﴾ زينة ظاهرة أو باطنة ؟ زينة ظاهرة وهكذا خذ ما شئت ﴿
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[الكهف:46] زينة باطنة أو زينة ؟ زينة ظاهرة، فتأمل كلمة الزينة في كتاب الله عزّ وجلّ ستجد أن الزينة المراد أن الزينة المراد بها في كتاب الله عزّ وجلّ هي الزينة الظاهرة ، لا الزينة الباطنة فلما نحمل هذا الموطن الذي هو أصبح محل خلاف نحمله على المواطن الأخرى يتبين لنا أن المرأة نهيت هنا أن تبدي الزينة الظاهرة أو الباطنة ؟ الظاهرة فعندئذ نرجح بين كلام المفسرين في هذه المسألة بمثل هذا الترجيح كذلك فيما سألت عنه من الأمثلة في مسألة القرء ونحو ذلك هناك أمثلة القرء في كتاب الله القرء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القرء عند عامة العرب في أصل الكلام القرائن وغير ذلك ستجد أن هناك قرائن توضح لك المراد واضح الكلام .
بعد ذلك نقرأ في ما يتعلق بكيفية تدبر هذه الكلمات الواردة في كلام الله سبحانه وتعالى .
قرأ أحد الطلبة :
إذا تبين هذا سيبقى عندنا سؤال كبير وهو:
كيف يحصل للطالب فهم كتاب الله تعالى إلى معرفة دلالة الكلمة ؟
والجواب:
أن دلالة معرفة الكلمة يكون بعرض الكلمات التي تتدبر آياتها على المراتب الثلاث السابقة، ومعرفة درجتها من الوضوح والغموض فعندما تمر بكلمة في كتاب الله وتدرك أن فيها شيئاً من الغموض أو أنها توحي بأن البحث فيها قد يفيد في معرفة دلالة هذه الكلمة بشكل أكبر أوضح فعندها نرجع إلى المصادر التي تساعد في بيان هذه الدلالة إن وجدت.
وهذه المصادر كثيرة متنوعة لكن سأحصر البحث في مصادر محددة تغني الباحث في مراحلة الأولى.
فأقول: نحتاج لفهم كلمات الكتاب العزيز فهماً شبه تام إلى ثلاثة مراجع .
(أكمل الشيخ:
أرجو أن تتأمل كلمة شبة تام، لا نريد المعنى الكامل التام الكلي هذا قد يتيسر ولكن على الأقل يكون المعني شبه تام . )
أكمل الطالب:
إلى ثلاثة مراجع جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير وإلا فتفسير ابن كثير، تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، لسان العرب لابن منظور، أو القاموس المحيط للفيروزأبادي أما عن كيفية الاستفادة من هذه المصادر فعلى النحو التالي عندما نمر على كلمة في كتاب الله على الصفة السابقة فإننا نعود أولاً إلى تفسير ابن جرير أو ابن كثير مع تفسير التحرير والتنوير وسنجد أن المفسرين بالمأثور يأتون بكلام السلف في بيان المراد بهذه الكلمة فدقق النظر فيه ثم انظر لازماً تفسير التحرير والتنوير فقد يذكر من المعاني ما يوضح كلام السلف وهو ينبه إلى ما كان خافيا عليك منه وقد يضيف معاني صحيحة لم تأتي صريحة فيما سبق .
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، الآن نتكلم عن كيف يصل طالب العلم إلى فهم دلالة الكلمة الآن كأنما استوعبنا أن فهم دلالة الكلمة مهم جداً لفهم كلام الله سبحانه وتعالى يعني قبل التفسير نحتاج أن نفهم معني هذه الكلمة في كتاب الله سبحانه وتعالى لكن السؤال الوارد هنا
كيف سنصل إلى فهم دلالة الكلمة ؟
عندنا أشياء معينة على هذا الأمر، تمر بك الآية في كتاب الله سبحانه وتعالى وأنت بما آتاك الله من ما بقي لك من لسان العرب ومعرفة بهذه اللغة فأنت تعلم أن هذه الكلمة التي تمر عليك هي كلمة ظاهرة واضحة جداً ليس فيها ما يمكن أن يستنبط من المعاني ونحو ذلك بينما تمر عليك كلمة أخرى ستشعر أن من الممكن أن يخفى عليك شيء من معناها خذ مثلاً في قوله سبحانه وتعالى ﴿
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾
[الفلق:1] عندما تمر بك هذه الآية قل هل ممكن أن يرد في خاطرك أن فيها معنى لم تقف عليه، معناها ظاهر أليس كذلك؟ قل يعنى القول معروف هناك معنى ظاهر تستطيع أن تقول والله قد يمر عليك ألفاظ ونحو ذلك المعني فإنه معنى متداول معروف ظاهر بين أعوذ، الاستعاذة بنفسها أيضاً كذلك معلومة ولو رجعت إليها قد يزيد لك الأمر بياناً شيء ما لكن قل أعوذ برب الفلق كلمة رب أيضاً كذلك واضحة ظاهرة لكن برب الفلق، الفلق معنى الفلق عندك ظاهر بين تعلم أنت بما تعرف معنى كلمة إيش ؟ الفلق، الفَلَق مأخوذ من ماذا من الفَلْق، والفَلْق هو شيء من الكسر والتحطيم ونحو ذلك.
لكن هذه الكلمة ألا تشعر أنت أنك لو رجعت إلى كلام المفسرين وإلى كلام أيضاً كذلك أهل اللغة في تفسيرهم لكلمة الفلق ألا تشعر أنك قد تستفيد شيئاً بخفاء في معناه وإن كان هذا الخفاء قد يكون ليس تاماً فعند مرور هذه الآية ارجع إلى كلمة الفلق، وأنا أقول لك الآن ارجع إلى كلمة الفلق في كلام الصحابة وارجع إلى كلمة الفلق في كلام المفسرين وتأمل هذا ستجد تناسباً عظيماً جداً وعجيباً في كلمة الفلق وفى وجوب هذا الوصف أو في حصول هذا الوصف في كلام الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بعينها هذه السورة سميت سورة الفلق ثم جاءت الاستعاذة مبدأً باسم الرب سبحانه وتعالى برب الفلق فذكرت صفة أنه سبحانه وتعالى أنه ربٌ للفلق وهذه الصفة مناسبة لما نحن فيه من قضية الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى لكن هذه المناسبة لو وقفنا في بيانها قد يطول الأمر قليلاً ولا أريد ذلك أبداً لأنه قد يدخل علينا مجموعة من الحلقات التي نحن بأمس الحاجة إليها وإلا فالوقوف هنا جميل جداً فيما يتعلق بالربط بين دلالة الكلمة وبين السورة نحن نتكلم هنا عن الكلمات وعن دلالتها كلمة الفلق هنا لها علاقة وطيدة جداً بكون هذه السورة من سور الاستعاذة التي يتعوذ بها الإنسان لأن الله عزّ وجلّ جعل المعوذات ثلاثة قل هو الله أحد، وهذه هي التي يلجأ فيها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى ثم أمره بالاستعاذة بسورة الفلق التي هي تقيه من الشرور الظاهرة، ثم أمره سبحانه وتعالى بالاستعاذة بسورة الناس التي تخلصه وتقيه من الشرور الباطنة فتلك ﴿
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ ، والفلق عادة ما يكون أمراً خارجاً جاء ليكسر سواد محكم أحاط شيئاً من الأشياء فكذلك هذه السورة تكسر هذه الظلمة التي أحاطت بالإنسان وهذه الشرور التي غلفته .
بالنسبة لسورة الناس لا ﴿
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ ﴾ ماذا ؟ ﴿
الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ الوسوسة والخنوس هل تكون أمر خارجي يغلف أم أنها أمر باطني خفي ؟ أمر باطني خفي، فتلك سورة الناس تحميك من هذه الوساوس من هذا الخنوس الذي من الشيطان يخنس ويوسوس يأتيك تارة ويخنس تارة يوسوس ثم يخنس وهكذا في سورة الناس فكيف من شره فسورة الناس تقيك من شره هذه الوسوسة الخفية تقيك من شره سورة الفلق تقيك من الشرور الظاهرة التي تحيط بك من الناس سميت بالفلق لأنها تفلق هذه الشرور الظاهرة التي يجعلها الشيطان حول هذا الإنسان المقصود منه أن كلمة الفلق لها معني ولها دلالة ابحث عنه ستجد أنه هناك بالسورة التي تنزلت من أجل غرض محدد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمرك بالاستعاذة من الشيطان لسورة منها هذه السورة العظيمة.