عرض مشاركة واحدة
قديم 14-07-06, 02:11 AM   #3
طلب العلم
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 26-04-2006
المشاركات: 37
طلب العلم is on a distinguished road
افتراضي

وهذا سؤال آخر من أخت أخرى فاضلة :
جزاك الله خير فضيلة الشيخ السحيم... بس عندي بعض الاستفسارات... سمعت مرة من أحد الشيوخ، إن لا يجب النطق بالنية، يكتفي الفعل... مثلاً: نية الصوم، القيام للسحور... فهل الأفعال تكفي عن النية اللفظية؟؟ إذا كان لا.. فهل هناك صيغة محددة أو محببة للنية؟؟
و جزاك الله خير أخوي.. و جعله في ميزان حساناتك..

الجواب :
بارك الله فيك أختي الفاضلة
هذه مسألة مهمة فاتني التنبيه عليها فأقول: لا يجوز التـّـلفّـظ بالنية، إذ التـّـلفّـظ من محدثات الأمور
قال ابن عمر لما سَِمع رجلا عند إحرامه يقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة. فقال له: أتُعلّم الناس؟ أو ليس الله يعلم ما في نفسك؟

فلا يتلفّظ بالنية حتى عند إرادة الحج والعمرة فلا يقول عند إرادة عقد الإحرام: اللهم إني أريد الحج والعمرة. وإنما يُلبّي بالحج والعمرة معاً أو بأحدهما فيقول كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عمرة وحجة أو: لبيك عمرة وهذا ليس من التلفظ بالنية إنما هو بمنزلة التكبير عند دخول الصلاة.
وكذلك إذا أراد الصلاة فلا يقول – كما يقول بعض الجهلة: - اللهم إني أريد أصلي صلاة الظهر أربع ركعات. فإن هذا لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.
وكذا الأمر بالنسبة لسائر العبادات؛ لأن النيّة محلّها القلب. فيكفي فيها عقد العزم على الفعل.
كما أن نيّة تبييت الصيام من الليل لصوم الفريضة تكفي من أول شهر رمضان إلا أن يقطع النية بسفر أو فطر لمرض وعذر. ويكفي في النية العزم على الفعل فإنه إذا عزم على صيام يوم غد ثم صامه أجزأته النية التي عقدها بقلبه.
ويُقال نفس الكلام في نية الصلاة، ولكن لا بد من تعيين النيّة لتلك الصلاة هل هو يُريد صلاة الظهر أو العصر مثلاً وكذلك الوضوء، فإذا توضأ المسلم، وهو ينوي رفع الحدث ارتفع حدثه ولو اغتسل ونوى بالغسل اندراج الوضوء تحته أجزأه وهكذا.
فالنيّة محلّها القلب ولا يجوز التلفظ بها، بل التلفظ بها بدعة محدَثة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. والله أعلم


وهذا سؤال ثالث من أخت فاضلة ثالثة:
أول كلمة اقولها في هذه الزاوية ..أستاذي الحبيب ..جزاك الله خير الدنيا والآخرة ..وكتب لك بها الرضى والعافية والأجر في الدنيا والأخرة وسدد خطاك ..وحفظك وزادك من فضله في الدنيا والأخرة
الشيء الثاني ..ربي لا يحرمنا منك .. كيف أشكرك ..وكيف ارد الجميل ..كانت هذه الدروس ستفوتني ..لولا دعوتك المباركة ..الله يحفظك
عندي سؤال بعد أذنك
ألا تحتاج بعض الأعمال إلى إظهارها وعملها علنا أمام الخلق طمعا في اقتداء الناس بهذا العمل..كحفظ القرآن الكريم على سبيل المثال ..اتمنى أن اعرف الإجابة ..

الجواب :
بورك فيك واحسن الله إليك بل أنا أشكر استجابتك وحضورك وحيّاك الله أختاً لنا مشاركة ومُفيدة في الوقت نفسه
أخيّه:
الأصل في الأعمال الإخفاء (أن تُخفى) لقوله سبحانه: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ)
وفي حديث السبعة الذين يُظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظلّه قال صلى الله عليه وسلم فيهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه. متفق عليه.
وبوّب عليه الإمام البخاري: باب صدقة السر.
وعقد قبله باباً: باب صدقة العلانية، ثم ساق قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
وقد تقدّم أن إخفاء العمل الصالح أبلغ في الإخلاص وحال السلف يدل على ذلك، وسأذكر بعض الأمثلة بعد ذلك إن شاء الله
غير أنه إذا طمِع المسلم أو المسلمة في الاقتداء به بذلك العمل فله أن يُظهره شريطة أن يُجاهد نفسه، لأن الشيطان سيُدخل عليه الرياء. ومن هنا فقد أظهر الصحابة رضي الله عنهم بعض أعمالهم لما احتاجوا إلى ذلك
فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير رضي الله عنه أنه قال: كنا ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعّـر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذّن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَة) إلى آخر الآية: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) والآية التي في الحشر (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) تصدّق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال: ولو بشق تمرة. قال : فجاء رجل من الأنصار بِصُرّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة. الحديث.
فهذا الأنصاري قد جاء بِصُرّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت وكان هذا على مرأى ومسمع من الناس. فإذا اقتضت المصلحة إظهار العمل الصالح فإنه يُظهره لتلك المصلحة فحسب. والله أعلم .

كنتُ قد وعدت أن أسوق شيئا من أحوال السلف في إخفاء العمل وحرصهم على ذلك واجتهادهم فيه، وهذا أوان الشروع في المقصود:
لما رأى ابن عمر رجلاً يُصلي ويُتابع قال له: ما هذا ؟ قال: إني لم أصل البارحة، فقال ابن عمر: أتريد أن تخبرني الآن ! إنما هما ركعتان.
ولما قال سعيد بن جبير لأصحابه: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قال حصين بن عبد الرحمن: قلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت. فَذَكَرَ الحديث. رواه مسلم.
فقوله – رحمه الله –: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت، لينفي عن نفسه حبّ السمعة والشهرة، وليعلم جليسه أنه لم يكن في صلاة. وما ذلك إلا لحرصهم على الإخلاص.

وقد كان عمل الربيع بن خثيم كله سِـرّاً؛ إن كان ليجئ الرجـل وقد نَشَـرَ المصحف، فيغطيه بثوبه.

قال الأعمش: كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقـرأ في المصحف، فاستأذن عليه رجل فغطّى المصحف، وقال: لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة.

قال عبدة بن سليمان: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البِراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البِراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو مُلَثّمٌ وجهه بكمـه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: و أنت يا أبا عمرو! ممن يشنع علينا.

قال محمد بن القاسم: صحبت محمد بن أسلم أكثر من عشرين سنة لم أره يصلي حيث أراه ركعتين من التطوع إلا يوم الجمعة، وسمعته كذا وكذا مرة يحلف لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت خوفاً من الرياء، وكان يدخل بيتا له ويُغلق بابه، ولم أدرِ ما يصنع حتى سمعت ابناً لـه صغيرا يحكي بكاءه، فنهته أمُّه، فقلت لها: ما هذا؟ قالت: إن أبا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ ويبكي فيسمعه الصبي فيحكيه، وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل فلا يرى عليه أثر البكاء.

وكان أيوب السختياني في مجلس فجاءته عَبْرَة، فجعل يتمخّط ويقول: ما أشدّ الزكام.

هذا نزر يسير من حرصهم على إخفاء أعمالهم حتى لا يدخلها الرياء، ولا يجد الشيطان مدخلا إلى نفوسهم. فرحم الله سلف هذه الأمة ما أعظم فقههم وما أدق فهمهم.

فائــدة:
لقي رجل يحيى بن أكثم وهو يومئذ على قضاء القضاة فقال له: أصلح الله القاضي كم آكل؟
قال: فوق الجوع، ودون الشبع.
قال: فكم أضحك؟
قال: حتى يُسفر وجهك، ولا يعلوا صوتك.
قال: فكم أبكي؟
قال: لا تمل البكاء من خشية الله.
قال: فكم أخفي من عملي؟
قال: ما استطعت.
قال: فكم أظهر منه؟
قال: ما يقتدي بك الحريص على الخير، ويُؤمن عليك قول الناس.

وسألت أخت كريمة فاضلة، فقالت:
حديثين شيخنا الفاضل...هل يمكن أن نعلم مدى صحتهما بارك الله فيك: (نية المؤمن أبلغ من عمله ونية الفاجر شر من عمله)
وفي رواية (إن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته مالايعطيه على عمله) لأن النية لارياء فيها والعمل يخالطه الرياء.... وبارك الله فيكم
الجواب :
بورك فيك أختي الفاضلة، وشكر الله سعيك وحيّاك معنا وزادك الله فقهاً وحرصا على طواعية الله ورسوله

أما الحديث الأول فهو بلفظ: نية المؤمن خير من عمله ، وعمل المنافق خير من نيته ، وكل يعمل على نيته ، فإذا عمل المؤمن عملا ، ثار في قلبه نور.
فهو حديث ضعيف المعنى والمبنى
وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع برقم 5977
وقد تكون نيّة المؤمن خيرٌ من عمله كما تقدم في حديث: " إنما الدنيا لأربعة نفر "
وكما في قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى قد أوقع أجره على قدر نيته.
وفيه قصة، وذلك أن عبد الله بن ثابت كان قد تجهز للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات قالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً، فإنك كنت قد قضيت جهازك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أوقع أجره على قدر نيته. رواه الإمام أحمد وغيره، وهو حديث صحيح.
وقد يكون العمل أبلغ، خاصة إذا كان بعيداً عن أعين الناس ، أو كان نفعه مُتعدّياً.

وأما الرواية الثانية التي أشرتِ إليها
إن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته مالا يعطيه على عمله.
وهي بقية الحديث الأول، وأشار إلى ضعفها العجلوني في كشف الخفاء
ولم أرها في شيء من كتب السنة إلا في مسند الفردوس بلفظ: نية المؤمن خير من عمله وإن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله وذلك إن النية لا رياء فيها والعمل يخالطه الرياء. ولا يصح. والله أعلم.

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
طلب العلم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس