عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-08, 10:38 PM   #2
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
افتراضي

( 2 )




قد ذكرنا في ما تقدَّمَ نُتَفًا من مفسداتِ الصداقةِ ، التي تُدخِلُ على الصديقِ من صديقِه تُهَمةً ورَيبًا . ونحن نأتنِفُ ما ذكرنا ؛ إذْ كانَ هذا البابُ من القولِ ، لا يوقفُ منه على غايةٍ ، ولا يُنقطَعُ منه إلى نهايةٍ ، وكانَ في ذكرِ القليلِ بلاغٌ ومعتبَرٌ !


كما أنَّ حقًّا على الصديقِ أن ينفيَ عن صديقِه أسبابَ سوءِ الظنِّ ، وألا يجعلَه يقِفُ منه على ما يَريبُه في ودِّهِ لهُ ، فإنَّ من حقِّ ذلك الصديقِ ألا ينساقَ وراءَ أولِّ خاطرٍ ، ولا يجعلَ لسوءِ الظنِّ على نفسِه مدخلاً ، وأن يتخِذَ الإغضاءَ ، وصلاحَ الرأيِ شِعارًا ومذهبًا . فإذا أحسَّ من صديقِه جفوةً ، أو صدودًا ، أو رأى منه انقطاعًا في الاتِّصالِ ، وإبطاءً في الرسائلِ ، فلا يعجلنَّ على صديقِه بالتُّهَمةِ ، وليتبيَّنْ أن يحكمَ عليهِ قبلَ النظرِ ، والتماسِ العللِ ؛ فعسَى أن يكون ذلك لعذرٍ منه ، أو لفهمٍ معدولٍ عن وجهِ الحقِّ ؛ فكأيِّن من ظنينٍ على غيرِ سوءٍ ، ومتَّهمٍ في غيرِ ذنبٍ !

تأنَّ ، ولا تعجلْ بلومِكَ صاحبًا *** لعلَّ له عذرًا وأنت تلومُ

ومن ذلكَ أن يكونَ كلُّ كلامِه إياهُ كلامًا جافًّا باردًا . ولا ينبغي لفرْطِ الإدلالِ أن يحملَ الرجلَ على أن يكلَّمَ صديقَه كما يكلّمُ عدوَّه . على أنه لا ينبغي أيضًا أن يُبلِغُ في تكلُّفِ الكلامِ الحُلوِ ؛ فيعاملَ صديقَه معاملةَ الغريبِ ؛ ولكنْ بينَهما ؛ قالَ بعضُهم : ( حقُّ الصديقِ إذا دنا أن يُّرحَّبَ بهِ ، وإذا جلسَ أن يُّوسعَ له ) .

وقالَ الشاعرُ :

" كيفَ أصبحتَ " ، " كيفَ أمسيتَ " ممَّا *** يَزرعُ الودَّ في فؤادِ الكريمِ

ومنه أن يتركَ تعهُّدَه بالزيارةِ ، أو الرسالةِ ؛ فربّما انقضَى الشهرُ ، أو الشهرانِ ، ولم يلتقِ بهِ ، على قربِ الدارِ ، وتهيّؤ الأسبابِ ، وإسعادِ الزمانِ ، وفراغِ القلبِ من الأشغالِ . فإنَّ طولَ الانقطاعَ يُورثُ الجفاءَ ، ويُكدّرُ الصفاءَ ، ويخلقُ المودَّةَ . فإذا هما رجعَا إلى ما بقِيَ من الودِّ رجعا إلى ودِّ طارفٍ ، وصُحبةٍ مستحدَثةٍ !

تركُ التعهُّدِ للصديـ *** ـقِ يكونُ داعيةَ القطيعهْ

و :

ومَن لم يكن مُنصِفًا في الإخا *** ءِ ، إن زرتُّ زارَ ، وإن عُدتُّ عادا
أبيتُ عليهِ أشدَّ الإباءِ *** وإنْ كانَ أعلى قريشٍ عِمادا


على أنّ للزيارةِ مقدارًا لا يحسُن أن تتجاوزَه . فأما إذا كانت الصداقةُ بينهما مبرَمةً متينةً ، وكانَ كلُّ واحدٍ منهما من أخيهِ على ثقةٍ ، فلا يضرّهما أن يلتقِيا كلَّ ساعةٍ ، كما لا يضرّهما أن يطولَ فراقُهما ؛ قالَ أبو حاتمٍ : ( من صحَّحَ الحالَ بينه وبين أخيه ، وتعرَّى عن وجودِ الخللِ ، أحببتُ له الإكثارَ في الزيارةِ ، والإفراطَ في الاجتماعِ ) [ بتصرفٍ ] ، وتوفّيَ ابنٌ ليونسَ بنِ عُبيدٍ ، فقيلَ له : إن ابنَ عونٍ لم يأتِك ! فقال : إنا إذا وثِقنا بمودةِ أخينا ، لم يضرَّنا ألا يأتينا . وقالَ الأعمشُ : ( أدركتُ أقوامًا كانَ الرجلُ منهم لا يلقى أخاه شهرًا وشهرين ؛ فإذا لقيه لم يزده على " كيف أنت ؟ " ، و " كيف الحالُ ؟ " ، ولو سأله شطرَ مالِه لأعطاه . ثم أدركت أقوامًا لو غابَ أحدهم عن أخيه يومًا ، ثم لقِيه ، لسأله عن الدجاجة في البيتِ ، ولو سأله شطرَ حبّةً من مالِه لمنعه ! ) . أما ما جاءَ في الأثرِ : ( زُرْ غِبًّا تزددْ حبًّا ) ، فذلك في حقِّ من لم تستحكمْ بينك وبينَه عُرى المودةِ ، ولا بلغَ من نفسِك مبلغًا تُطَّرحُ معه الحشمةُ ، ويُرفعُ لهُ التكلُّفُ . وفي ذلك قولُه :

زُرْ قليلاً لمن يَّودّك غِبًّا *** فدوامُ الوِصالِ داعي المَلالِ


و :

أقللْ زيارتَك الصديـ *** ـقَ تكن كثوبٍ يستجِدّهْ
إنّ الصديقَ يغُمّهُ *** ألا يزال يراك عندهْ





للحديث بقية وهو للأستاذ أبو قصي
انتقيته ونقلته من ملتقى أهل اللغة :

http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=13

نفعني الله وإياكن .،



توقيع أم أســامة
:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »
سنن ابن ماجه .


قـال ابـن رجب ـ رحمـه الله ـ: «من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فـليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فليست الفضائل بكثـرة الأعمـال البدنية، لكن بكونها خالصة لله ـ عز وجل ـ صواباً على متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان بالله أعلم، وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحب وأرجى؛ فهو أفضل ممن ليس كذلك وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح».


" لا يعرف حقيقة الصبر إلا من ذاق مرارة التطبيق في العمل , ولا يشعر بأهمية الصبر إلا أهل التطبيق والامتثال والجهاد والتضحية "

:
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس