ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   فعـــاليات صــــ 1432 ــــيف هــ والاستعداد لشهر رمضان (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=561)
-   -   مجموعة مقالات وصوتيات للمشرف العام (الصوم) (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=29619)

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:07 AM

مجموعة مقالات وصوتيات للمشرف العام (الصوم)
 
لماذا الفرح برمضان؟
د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين، وبعد:
فكلما أقبل هذا الشهر الكريم المبارك المعظم تطلعت النفوس المؤمنة إلى لقائه، واستبشرت بمقدمه، وفرحت بقربه فرح الأبوين بمولودهما.
إن هذا الشهر نعمة إلهية عظيمة، ليس في الأجور الكثيرة التي أودعها الله فيه، ولا في العتق من النيران فحسب، بل لما اشتمل عليه من دروس عظيمة لا يقدرها حق قدرها إلا من عرف حكمة الصوم وفائدته، وآثاره على القلب والنفس والبدن، والمجتمع كله.
لقد أضاف الله الصيام إليه ثلاث إضافات:
الإضافة الأولى: ((كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))(متفق عليه).
الإضافة الثانية: ((لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به))(رواه البخاري عن أبي هريرة).
الإضافة الثالثة: ((كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي))(متفق عليه).
ففي الأولى فائدة الإضافة أن تضعيف الأجر في الصيام لا ينحصر في عدد، بل يضاعفه الله أضعافًا كثيرة بغير حصر عدد.
وفي الثانية فائدة الإضافة أن الصيام يكفر عن العبد المظالم التي عجزت سائر أعماله عن تكفيرها، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة(روى هذا المعنى عن سفيان بن عيينة البيهقي في السنن الكبرى وشعب الإيمان).
وفي الثالثة فائدة الإضافة أن سائر الأعمال للعباد، والصيام اختصه الله تعالى لنفسه من بين أعمال عباده، وجعله له.
وهذه الإضافة هي أوسع هذه الإضافات وأشملها؛ إذ الاستثناء فيها لم يتقدمه شيء خاص؛ إذ الأولى فيها تضعيف الأجر بغير عدد، وفي الثانية التكفير بالصوم، وأما الثالثة فليس فيها إلا أن أعمال العباد لهم بدون تخصيص هذه الإضافة بشيء، إلا الصوم فإنه لله.
فما ظنك بعمل أضافه الله إلى نفسه؟! إن فيه من الفوائد والبركات ما لا يمكن حصرها ولا عدها ولا إحصاؤها، كما أن أجره والتكفير به لا يمكن حصره ولا عده.
إن في الصوم تركَ شهوةٍ حاضرةٍ لموعِدِ غَيبٍ لم نره، لا نعلم عنه إلا أنَّا وُعِدْنا به، وفي هذا تصفية للقلب من التعلق بالدنيا وحظوظها، والتطلع إلى ذلك الغيب، الذي هو أفق واسع لا يُحد، وبهذا تتهاوى جميع لذائذ الدنيا تحت قدمي العبد الصادق الصابر؛ لما يرى من ذلك الأفق الفسيح، الذي لا يحول بينه وبين بلوغه إلا خروج هذه الروح من هذا الجسد الذي حلت فيه ابتلاء واختبارًا.
إن النفس الإنسانية مجبولة في الدنيا على حب الشهوات والتطلع إليها، وهذه الشهوات إنما وضعت في النفس لأن الحياة لا تقوم إلا بها، فالبدن لا قوام له إلا بالأكل والشرب، والمجتمع لا يمكن استمرار بقائه إلا بشهوة النكاح والجماع، فامتناع العبد عن هذه الشهوات التي بها قوام حياته طاعةً لله معناه أنه قادر على ترك الشهوات التي بها فساد بدنه وهلاك دنياه طاعة لله تعالى.
ولهذا لما سئل ذو النون المصري: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمرَّ عندك من الصَّبِر( الصبر دواء مر، وانظر الأثر في: لطائف المعارف لابن رجب).
فإذا كان الواحد منا يكره الفطر في رمضان، ولو أُكره عليه بالضرب والحبس ما فعل، إلا أن يضطر إلى ذلك اضطرارًا، فكيف نقع بعد ذلك فيما نهى عنه دائمًا؟!! وهو سبب فساد ديننا ودنيانا؛ من هضم حق الفقير والمسكين، والغيبة، والنميمة، والكذب، والغش، والخداع، والخيانة، والتباغض، والتحاسد، والتدابر، والهجر المذموم، والفواحش، والمشارب المحرمة، وغير ذلك من المعاصي التي ابتليت بها الأمة!!
إن رمضان شهر مدارسة القرآن وفهمه، والتعلق به علمًا وعملا، تلاوة وتدبرًا، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل القرآن في رمضان، ويعرضه كله فيه، ولهذا ينفتح للعباد من أسرار القرآن في شهر رمضان شيء كثير.
إن النفوس تقوى في رمضان على العمل ما لا تقوى في غيره، ويحصل لها من النشاط والإقبال على الخير شيء عجيب.
هذا غيض من فيض رمضان، ولهذا تفرح النفوس الصادقة المؤمنة بمقدمه؛ لما يحصل لها فيه من المواعظ والدروس والفوائد والبركات والخيرات والنشاط، ومن بغض المعاصي والمنكرات كبغضها للفطر في نهار رمضان.
اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه، ووفقنا للتزود من معين بركاته وخيراته.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:12 AM

نسائم الخيرات، وبشائر البركات



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُخرج صاحبها من الظلمات إلى النور، وتُنقذه من عبادة المخلوقات، والتعلِّق بالأموات والقبور، وتزحزحه عن النار، وتدخله الجنة يوم البعث والنشور.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هدى الله ببركة دعوته، وبما جاء به من البينات والهدى هدايةً جلَّت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارِفين، حتى حصل لأمَّته عمومًا، ولأهل العلم منهم خصوصًا من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسَُِّنن([1]) المستقيمة، ما لم يحصل لأمة من الأمم.
فصلى الله عليه صلاة دائمة باقية عدد ما خلق ربنا وذرى، وعلى آله وصحبه نجوم الهدى، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
نسائم الخيرات، وبشائر البركات.

فهذي نسائم الخيرات قد انتشرت، وبشائر البركات قد أقبلت، ومواسم العطايا والمنح قد أظلت.
قد دخل الشهر الذي تَشبَعُ فيه الأرواح، وإن جاعت البُطون، وتقوى فيه القلوب وإن ضعُفت الأجسام، وتسمو فيه النفوس وتعلو الهمم، وتهبِط اللذائذ، وتموت الشهوات.
قد جاء شهرُ المنافسةِ في الخيرات، والتسابق إلى الأعمالِ الصالحات، والتقربِ من رب الأرض والسموات، يشتري فيه المؤمنون أنفس ما يجدون، ويختارون لأنفسهم أرفع الأعمال وأزكاها، ويبادرون في مرضاة ربهم، ويبيعون الدنيا وحظوظَها بالفوزِ برحمة ربهم.
أُثامِنُ بالنفـسِ النفيـسةِ ربَّهـا وليس لهـا مِن الخلْقِ كُلِّهم ثمنُ
بها تُدرَكُ الأُخرى؛ فإن أنا بعتُهُا بشيءٍ من الـدُّنيا فذاكَ هو الغبنُ
لئن ذهَبَتْ نفسي بدُنْيا أصبْتُهُـا لقد ذَهبَتْ نفسي، وقدَ ذهَبَ الثمنُ
هذا الشهر الذي تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق أبواب النيران، وتُصفَّدُ الشياطين([2])، ترغيبًا لفعل الخيرات، وإعانةً للنفس على امتثال الأوامر، والمبادرة إلى فعل الطاعات، فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصِر.
هذا شهر الصوم، الذي يُقسم الحبيبُ صلى الله عليه وسلم على محبةِ ربه لآثاره فيقول: ((والذي نفسُ محمدٍ بيده لَخُلُوف فمِ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))([3]).
هذه الرائحة المنبعثة من الفم، عندما تخلو المعدةُ من الأكل، ينفُرُ الناس منها، ولا يُحِبُّون رائحتها، ولكنها عند الملكِ الكريم، البرِّ الرحيم أطيبُ من أطيب الطيب؛ لأنها ناشئةٌ عن طاعته، واتباع مرضاته.
والله إن الإنسان ليحتقر نفسه، أمام هذا الكرم والعطاء، وفتْحِ أبواب الخير، وغلْقِ أبواب الشر.
أنا العبدُ المسكين، الحقيرُ الضعيف، يحب الله أثر العبادة مني، حتى تكون أطيب من ريح المسك، وهو الذي فرضها علي، ويسَّرها لي، ثم يثيبني عليها أعظم الجزاء وأجزله؟؟!!
نعم يا أخي؛ إن الله يحب من عبده أن يتقرب إليه بما افترض عليه، وقد جاء في حديث الأولياء، عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))([4]).
مسكينٌ والله! هذا الذي يظنُّ أنَّ أهلَ الدنيا بما يقيمونَ في الأعوام من مهرجاناتٍ ومسابقاتٍ واحتفالاتٍ، ومتاجرات ومرابحات، يُعطون أكثرَ وأفضلَ مما يمنَحُ اللهُ.
هل يستوي عطاءُ من لا تنفدُ خزائنُهُ ولا تفنى، بمن قال خالقُهُ فيه {قلْ لو أنتُم تملِكُونَ خزائنَ رحمةِ ربي إذاً لأمسكتُم خشيةَ الإنفاقِ وكانَ الإنسانُ قَتُوراً}، ثم هو معَ ذلك تنفدُ خزائنُهُ وتبلى؟!
كأني بذلكَ المحرومِ؛ الذي طوتُه الأيامُ والليالي، وأسلمتْهُ إلى أجلِهِ المحتومِ، وقد رأى المتاجِرِين قد وزِّعتْ بينهم أرباحُهُم، ورُفِعتْ درجاتُهُم، يصيح بأعلى صوته: رب ارجعون؛ لعلِّي أعملُ صالحاً فيما تركت.
فيرتدُّ عليه الجوابُ أشدَّ مِن وقْعِ العذابِ: كلا؛ إنها كلمة هو قائلُهُا، ومن ورائهم برزخٌ إلى يومِ يُبعثون.
ليس للميتِ في قبرِه فِطْرٌ ولا أَضْحى ولا عَشْرُ
ناءٍ عن الأهلِ على قُربِهِ كذاكَ مَن مسْكَنُهُ القبرُ

([1]) قال في القاموس: سنن الطريق: مثلثة، وبضمتين: نهجه وجهته.

([2]) كما ثبت في الحديث المتفق عليه.

([3]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

([4]) رواه البخاري.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:13 AM

يتبع...
 
إليك يا أخي هذه الوقفات في بركات هذا الشهر وخيراته ونفحاته، لتشمر عن ساعد الجد في استثمار أوقاته وساعاته، ولتفوز فيه برضوان الله ومغفرته وجناته.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:15 AM

1- الصوم لي، وأنا أجزي به.

في الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)).
أوليست العبادات كلها لله؟ فلماذا اختص الله هذا العمل بالإضافة إليه؟
أوليس الله هو الذي يُجازي على الأعمال الصالحة؟ فلماذا أضاف الله جزاء الصوم له؟
إن الصوم عبادةُ السرِّ بين العبد وربه، لا يعلم أحدٌ من الناس بإمساكِكَ عن الطعام والشراب لأجلِ الله، إلا أن تُخبرهم بذلك، ومن يحولُ بينك وبين الأكل والشرب حين تُغلق الأبواب، وتُرخى الستور، وتخلُو بنفسك، حيث لا يراك أحد من الإنس؟
إنما الخوف من الله، والطمعُ في ثوابه، والرَّجَا بحسن لقائه هو الذي يحول بينك وبين الأكل والشرب.
الإخلاص؛ لُبُّ الأعمالِ وروحها، ومحرِّكُ الجوارحِ ومثيرها، ومقوي العزائمِ وممضيها، وله ثمراتٌ عظيمة في تيسير الأمور، وتذليل الصعاب، وإزاحة العقبات عن كثير من المشروعات التي يفعلها المسلم.
بالإخلاص تطمئن القلوب، وتهدأ النفوس، لأنها تعامل علام الغيوب، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والذي يعلم السر وأخفى {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً (9)} [سورة الإنسان 76/9].
قال أشعب بن جبير: لقيني رجل في بعض سِكَكِ المدينة، فقال لي: كم عيالُك؟ فأخبرته، فقال لي: قد أُمِرتُ أن أُجْرِيَ عليك وعلى عيالك ما كنتَ حيًا. فقلت: من أَمَرَك؟ قال: لا أُخبرك. قلت: إن هذا معروفٌ يُشكر. قال: الذي أمرني لم يُرِدْ شُكرك.
قال أشعب: فكنت آخُذُ ذلك المال، إلى أن توفي خالدُ بنُ عبدِ الله بنِ عمر بنِ عُثمان بن عفان، فحفلَ لهُ الناسُ، وشهِدُّت جنازته، فلقيني ذلك الرجل، فقال: يا أشعب! هذا والله صاحبك الذي كان يُجري عليك ما كنت أعطِيك.
وإذا أخلص العبد لله اجتباه ربه وهداه، وأحيى قلبه، وبارك في وقته، وصرَفَ عنه السوء والفحشاء، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)} [سورة يوسف 12/24].
أما الذين لم يُخلِصوا ففي قلوبهم وجلٌ واضطراب، وفي نفوسهم حيرةٌ وارتياب؛ لأنهم لا يُأمِّلون إلا عطاءَ مخلوقٍ مثلهم، في دنيا حقيرةٍ فانية، فيهوون كل ما يَسنَحُ لهم، ويتشبثونَ بكلِّ ما يهوون، كالغُصنِ الرَّطيب؛ أيُّ نسيم مرَّ به عطفَهُ وأماله.
هذا سر من أسرار الإضافة.
ومن جزاء الصوم ما رواه البخاري عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)).
هذا جزاءُ حبسِ النفس عن الماء وسائر الملاذِّ في الدنيا، طاعةً لله، بابُ الريان لمن عطِشوا في الدنيا قليلاً، ونهوا النفس عن أهوائها؛ فكان جزاؤهم من جنس عملهم، رِيٌّ يوم القيامة لا يعْطَشون بعده أبدًا.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))([1]).
كم من الذنوب التي أثقلت الكواهل، وأصدأت القلوب، وحالت بين النفوس وبين الرغبة في الخير، وصومُ رمضان يغفر الذنوب، ويصفي القلوب، ويزكي النفوس.
وليس هذا فحسب؛ بل الخير والبركة، والثواب والجزاء أعظم مما تتصور، وأكبر مما تتخيل، إنه من الله، عطاءٌ لا يعلمه أحد، ولا يستطيع أن يحيط بحقيقته أحد.

([1]) رواه البخاري.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:16 AM


2- الصبر العطاء الواسع العظيم.

الصبرُ مِن أعظم الأخلاق وأنفعِها، فبِه تنفتِح وجوهُ الآراء، وتُستدْفَعُ مكائدُ الأعداء؛ فإن من قلَّ صبرُه عزَبَ رأيُه، واشتدَّ جزَعُه، فصارَ صريعَ همومِه، وفريسةَ غُمومه.
وإنما يُطيقه أصحابُ الهممِ العالية، والنُّفوسِ الأبية الكريمة، الذين تربَّوا على سمو النفس، وشَرَف الْخُلُق.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ؛ فَقَالَ: ((مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ))([1]).
قال عمر بن الخطاب: )أفضلُ عيشٍ أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا(.
وقل من جَدَّ في أمرٍ يحاوله واستعمل الصبر إلا فاز بالظفر
وفي الصوم صبرٌ على طاعة الله، وصبرٌ عن معصية الله، وصبرٌ على قضاء الله وقدره، من الجوع والتعب والنصب.
فعبادةٌ واحدة تجتمع فيها أنواع الصبر الثلاثة، إنها والله عبادة عظيمة.
وما أحوج المسلم إلى الصبر في زمان تلونت فيه الشبهات، وتزينت فيه المنكرات، وتزخرفت الدنيا، وظن أهلها أنهم قادرون عليها.
ما أحوج المسلم إلى الصبر في زمنٍ تُسمَّى فيه الفواحش بغير أسمائها، وتُبرَزُ فيه الرذيلة بأبهى الصور وأجملها، ويُجلِبُ شياطينُ الجن والإنس بخيلهم ورجِلِهم في صدِّ الناس عن دين الله، وشَغْلِهم بما يصرفهم عن طاعة الله وعبادته.
ما أحوج المسلم إلى الصبر في زمنٍ تتقاذفُ أهلَهُ الشُّبهاتُ المضلة، والعقائدُ المنحرفة، وتُتبع فيه الآراءُ المجردةُ عن الأدلة، بغير سلطان من الله، ولا كتاب منير.
ما أحوج المسلم إلى الصبر في زمن يُتخذ فيه الهوى الإلهَ المعبود، والمالَ الهدف المنشود، واللذةَ الفانية الغايةَ المطلوبة، فتنتهك الحرمات، وتغتال الحريات، وتنسف المبادئ الشريفة، وتباع الأخلاق الفاضلة الكريمة، لأجل عرض من الدنيا زائل.
والصائم يصبر على الأذى من إخوانه؛ لأنه لا يقابل السيئة بمثلها، ولكنه يعفو ويصفح.
ويصبر على الأذى في سبيل الله، حين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبذل جهده لينقذ أمته مما هي فيه من ظلمات الجهل والمعاصي.
وكم في سبيل الدعوة إلى الله من الأذى، وكم في طريق الخير من الوصب والتعب، وكم يلقى الداعية المصلح من العنت والمشقة، وكل ذلك يهون في سبيل الله، ولطلب مرضاة الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)} [سورة التوبة 9/120].

([1]) متفق عليه.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:17 AM

3- صوم القلب.

القلب هو محلُّ السعادة والشقاء، والإيمانِ والكُفر، واليقينِ والشك، وإنما فُرضَ الصيامُ لأسرارٍ وحكم لا يُدركها من كان أكبرَ همه أن يمتلأ بطنُه بعد طولِ فراغ، وأن يُطفئ حرارة الجوع، وشدةَ العطش، عند مغيب الشمس، وذلك آخرُ عهده بالصوم.
إنما فُرض الصوم ليسُلَّ من الصدورِ سخائمها، وليرفع عن القلوب أوضارها، وليؤت النفوس زكاتها وتقواها.
بالصوم تنسدُّ مسالِكُ الأكل والشرب، ويفرَغُ القلب للتذكر والتدبر، والنظر والتأمل، فيرى حقيقة الدنيا، وحقارتَها، وقِلة شأنِها وهوانَها، وأنها مهما طالت فهي قصيرة، ومهما اتسعت فهي ضيقة، ومهما أعطت فهي عما قليل آخذة، وأنها تأخذ أكثر مما تعطي، وأن الله قد قسَّم فيها الأرزاق بحكمة وعدل، وبسط فيها من الخيرات ما يعين على الطاعة، ويباعد عن المعصية.
ويرى أن ما قُسِم له لم يكن ليخطئه، وما مُنِع عنه لم يكن ليصيبه.
ويرى أن الحسد إنما يأكل قلبه قبل أن يصيب المحسودين، وأن الغِلَّ يُفرِّق بين الإخوان، ويمزق الجسد الواحد، أشد مما يمزق الذئب الجائع بدن فريسته.
في الحديث الصحيح المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصيام جنة)).
والجنة هي الوقاية والستر؛ فالصائم الصادق قد ستر قلبه عن الأحقاد والضغائن، وحال الصومُ بينه وبين ما يُفسده من أمراض القلوب، التي تقتل صاحبها في الدنيا، قبل أن تقتله أمراض البدن؛ فصار يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وينصح لهم.
ألا يكفي ذمًا للملاحاة والتباغُضِ، والتقاطُعِ والتدابُر أنها قاطعةٌ للبر والصلة، ماحقةٌ للخير والبركة، مانعةٌ من وصولِ العمل إلى الله، ورفعه إليه؟! حتى حيل بيننا وبين معرفة ليلة القدر بسبب ملاحاة رجلين([1])!
كيف يصوم من أفطر قلبه على سيء الأعمال، وكريه الأخلاق، وانطوى صدره على الغش لإخوانه، وإلقاء العداوة بينهم، وإذكاء نيران الفرقة في صفوفهم؟
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله.

([1]) كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عبادة بن الصامت.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:19 AM

4- صوم اللسان.

إذا صام القلب عن الهموم والإرادات الفاسدة، صامت الجوارح عن الآثام والأعمال الباطلة، وأعظمُ الجوارح اللسان، فقلَّ أن تجد أحدًا من الناس يطيق أن يمسك لسانه، بل ما أكثر المتهاونين به، الخائضين به في كل حديث، والوالغين به في كل عِرض، المجادلين به في كل باطل.
في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتَله، فليقُل: إني امرؤ صائم)).
وفي تعويد اللسان على الإمساك عن اللغو والرفث، والصخب والجهل، والجدال([1])، خيرٌ عظيم، فإن مقْتَلَ الرجلِ بين فكيه، وكم جر اللسانُ صاحبَه إلى عورته وهو لا يشعر، وكم أكب من الناس على مناخرهم في نار جهنم.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ؟
قَالَ: ((لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ)).
ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ)) قَالَ: ثُمَّ تَلَا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يَعْمَلُونَ}
ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟))
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: ((رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ)).
ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟))
قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا)).
فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟!
فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))([2]).
قال بعض السلف: الغيبةُ تَخْرِقُ الصيام، والاستغفارُ يرقَعُه، فمن استطاع منكم أن لا يأتِيَ بصومٍ مُخَرَّقٍ فليفعل.
بل إنه ليُخشى على الصائم الذي أمسك عن الطعام والشراب، ولم يُمسك لسانه عما حرم الله أن يَمْقُته الله؛ فيُحبِطَ عمله، فيذهبُ جهده هباءً، ولا يكونُ حظُّه من الصوم إلا الجوعَ والعطش.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))([3]).
والزور في هذا الحديث هو الكذب، وفيه بيان لأولي النهى، وأصحاب العقول أن الله لم يشرع الصيام لنُحرم من الأكل والشرب ساعاتَ النهار، ولكنَّ المقصودَ أن نكسِر شهوات النفس، ونمسك عِنان اللسان عن تتبع العورات، والخوضِ بالباطل، ونحفظَ الجوارح عن ارتكاب ما حرم الله، {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [سورة الحـج 22/37].

([1]) ورد عند سعيد بن منصور من طريق سهيل ابن أبي صالح عن أبيه ((فلا يرفث، ولا يجادل)).

([2]) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد وابن ماجه،

([3]) رواه البخاري في كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور في الصوم.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:20 AM

5- السحور بركة!

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً))([1]).
البركة هي نزول الخير الإلهي في الشيء، وثبوته فيه، والزيادةُ في الخير والأجر، وفي كل ما يحتاجه العبد من منافع الدنيا والآخرة.
والسَّحور إنما يكون وقت السحر، قبيل أذان الفجر.
وإن من أعظم بركات السَّحور الاستجابةَ لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)} [سورة الأحزاب 33/71].
ومن بركاته أنه شعارُ المسلمين؛ فإن أهل الكتاب لا يتسحرون، وقد صح عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: ((فصْلُ ما بينَ صيامِنا وصيامِ أهلِ الكتاب أَكْلةُ السَّحَرِ)).
ومن بركاته حصولُ الخيريةِ، والمحافظةُ عليها، فعن سهلِ بنِ سعْدٍ الساعديِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْر، وأخَّروا السَّحُورَ))([2]).
ومن بركاته التقويةُ على طاعة الله، والإعانةُ على العبادةِ، والزيادةُ في النشاط، والرغبةُ في فعل الطاعة مرةً أخرى.
ومن بركاته أن الله وملائكته يُصلُّون على المتسحرين([3]).
ومن بركاته أنه في وقتٍ تتنزلُ فيه الرحمات، وينزِلُ الربُّ جلَّ وعلا فيه، مناديًا عباده هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له؟
فما أسعدكَ يا عبدَ الله، يا من أطعت الله واستجبت لأمره، تأكل الأكلة، تكون لك فيها كل هذه البركة!!

([1]) متفق عليه.

([2]) متفق عليه.

([3]) رواه ابن حبان، والطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:21 AM


6- القيام بين يدي الملك.

الصلاة هي قُرَّةُ عُيونِ المتقِينَ، وراحةُ قُلوبِ الموحِّدينَ، بِهَا تُزال الهموم، وتُبعثرُ الغُمومُ، وتُحطُّ الذنوبُ، حينَ يقِفُ العبدُ الحقيرُ بين يدي ربِّه وقْفةِ الذُّلِّ والانكسارِ والخُضوع، ساكنَ الجوارِح، حاضِرَ القلبِ، خاشِعَ البصرِ، يرجو رحمةَ ربِّه، ويحذرُ الآخرة.
قال بكْرُ الْمُزَنِي: مَنْ مِثْلُكَ يا ابنَ آدم؟! خُلِّيَ بينكَ وبين المحرابِ والماءِ، كُلَّما شِئت دخلْتَ على الله عزَّ وجل، ليس بينك وبينه تُرجُمَان([1]).
ما أجملها من لحظات، وما أطيبها من نفحات، وما أبركها من ساعات، تلك الساعة التي يُرفع فيها الحجابُ بينك أيها العبدُ الحقيرُ الفقيرُ، وبين الملك العظيم الغني الحميد.
ما أعظم تلكَ الساعةَ التي تُخاطِبُ فيها ربَّكَ، فيجيبُك، تقول: الحمد لله رب العالمين؛ فيقول الله: حَمِدَني عبدي، ثم تقول: الرحمنِ الرحيم، فيقول الله تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، ثم تقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، فيقول الله تعالى: مَجَّدَنِي عَبْدِي، أو فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، ثم تقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فيقول الله تعالى: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، ثم تقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فيقول الله تعالى: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ([2]).
لا والله الذي لا إله غيره، ما في الدنيا لحظةٌ أعظمَ من هذه اللحظة، ولا ساعةٌ أطيبَ من هذه الساعة، حين يُناجِي العبدُ ربَّه، فيجيبُه ربه ويُكلِّمه، ويردُّ عليه، ويستجيبُ دعاءه.
أخرج أبو نعيم في الحِلية([3]) عن ثورِ بن يزيدٍ قال: قرأتُ في بعضِ الكتب أنَّ عيسى عليه الصلاةُ والسلامُ قال: يا معْشَرَ الحواريين، كَلِّمُوا الله كثيرًا، وكلِّمُوا الناس قليلاً. قالوا: كيف نُكلِّمُ الله كثيرًا؟ قال: اخلوا بمناجاته، اخلوا بدعائه.
وصومُ رمضان قد قُرِن بالقيام، ولهذا شُرع فيه الاجتماع للصلاة النافلة، ما لم يُشرع في غيره؛ لتتقوى النفوسُ الضعيفةُ، ويسمعَ القرآنَ من لا يستطيع قراءتَهُ لوحْدِه.
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))([4])، أي تصديقًا بوعْدِ الله بالثوابِ عليه، وطلبًا للأجرِ، لا لقَصْدٍ آخرَ مِنْ رياءٍ ونحوِه.
فأيُّ نِعْمةٍ أجلُّ، وأيُّ عَطاءٍ أعظمُ من غُفرانِ الذُّنوب، وسَتْرِ العيوب؟!

([1]) جامع العلوم والحكم (83).

([2]) ثبت ذلك في صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة.

([3]) (2/229).

([4]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:22 AM


7- ليلةٌ خير من ألف شهر!

عطاءُ ربِّنا لا ينفَدْ، وخزائنُه لا تَفنى، وجودُه لا ينقَطِعْ، ومن جودِه وكرمِه، هذه الليلةُ التي نَزلَ فيها القرآن، وتتنزلُ فيها الملائكة الكرام، وفيها يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ حكيم، سلامٌ هي حتى مَطْلعِ الفجر، من فاز بها فقد حاز الخير كله، العملُ فيها خيرٌ من ألف شهر.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه)).
ألا يكون محرومًا من حُرِم هذا الخير؟!
أيُّ غَبْنٍ أعظمُ من أن يُدرك أحدَنَا رمضانُ ثم يخرج ولا يُغفرُ له؟!
أيُّ خيبةٍ أعظمُ من تلك الخيبة؟!
الصوم يَغفِرُ ما تَقدَّمَ من الذُّنوبِ، والقيامُ يغفِرُ ما تقدَّم من الذنوبِ، وقيامُ ليلةٍ واحدةٍ يغفِر ما تقدَّم من الذُّنوب، فهل بعد هذا الخير من خير؟!
وهل بعدَ فتح هذا البابِ العظيمِ من أبوابِ الغُفْران وتكفيرِ السيئات من عُذْرٍ لمعتذر؟!

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:22 AM


8- للصائم فرحتان؟!

بالصومِ يفرحُ المؤمنون حين تحينُ ساعةُ الإفطار، فيضعُ المؤمنُ التمرةَ في فيه لتُسكِتَ تلك الجوعةَ الثائرةَ في البطن، إنها لحظةٌ من لحظات التلذذ بالأكلِ، بعد مدةٍ من الامتناع عنه، والله يثيبُنا على ذلك، بل يعدُّه نبينا صلى الله عليه وسلم من الفرحِ المحمود، الذي يفرحُ به المؤمن، فما أعظم مِنَّة الله وفضلَه، حتى الأكلةُ التي ينتهي بها الصوم، وتختم بها العبادة، هي محبوبةٌ عند الله!!
نعم؛ لأن الصائم قد ترك شهواتِه في النهار تقربًا إلى الله، وطاعة له، وبادرَ إليها بالليل تقرُّبًا إلى الله، وطاعة له، فما تركها إلا بأمر ربه، ولا عاد إليها إلا بأمر به، فهو مطيعٌ في الحالين، مطيعٌ حين يُمسك، ومطيعٌ حين يأكل، ولهذا جاء في الأثر ((إن للصائم عند فطره دعوةً ما ترد))([1])، حيث تلتقي الطاعتان طاعةُ الإمساك وطاعةُ الأكل.
ثم الفرحةُ الثانيةُ العظيمة، حين يلقَى العبدُ ربَّه، في ذلك اليومِ العصيبِ، الذي تشيبُ لهوله الولدان؛ فيرى آثارَ الصيامِ ظاهرةً، وبركاتِه منتشرةً، فيُدخلُه الصيام من باب الريان، ويشفعُ له عند المليك الديان، فيفرح المؤمن بلقاءِ الله حين يرى عظيمَ الثواب، ووافر الجزاء، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [سورة يونس 10/58].

([1]) رواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والطبراني في الدعاء، قال في الزوائد: إسناده صحيح، وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن، أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير، وأخرجه الحاكم في المستدرك.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:23 AM

9- لعلكم تتقون.

التقوى خيرُ الزادِ، وخيرُ اللباس، وصيةُ الله للأولين والآخرين، وهي العُدَّةُ في الشدائد، والعون في الملمات، ومهبطُ الروح والطمأنينة، ومتنزل الصبرِ والسكينة.
ورمضانُ شهرُ التقوى، وقد صرَّح الله بالحكمة من فرض الصيامِ بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [سورة البقرة 2/183].
والتقوى هي: أن تعملَ بطاعةِ الله على نورٍ من الله ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصيةَ الله على نورٍ من الله تخافُ عقابَ الله، وإنما تكون بالعلم النافع، والعمل الصالح.
فإذا خرجت من رمضان، وقد فزت بالتقوى، فبالله عليك ماذا بقي من الخير ما حُزته؟! ومن البركات ما حصلتها؟! ولن يهلك من كانت التقوى زادَه، والله جل وعلا يقول {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً (72)} [سورة مريم 19/72]، ويقول {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17)} [سورة الليل 92/14-17].
أيها الإخوة، أما والله لو جلست أتحدث عن فضائل هذا الشهر وخيراته، وأسراره وبركاته، إلى بزوغ الفجر، ثم إلى مغيب شمسِ يومٍ آخر، ما وفيت فضائلَ الصومِ وشهرِه حقَّه، وكيف أوفي فضائلَ عملٍ أضافه الكريم إلى نفسه؟! وبركاتِ شهر نزل فيه أعظم حجج الله على خلقه؟ وفيه ليلة لا يماثلها ألف شهر؟!
والمحروم من حرم خيره، والسعيد من كفته الإشارة إلى فضله، ورضي بإضافة الجزاء إلى ربه، وشمر عن ساعد الجد لينجو بنفسه، ويزرع في يومه ما يلقاه غدًا في قبره، وبين يدي ربه.
اللهم إن في قلوبنا تفرقًا وشعثًا لا يَلمُّه إلا الإقبال عليك، وفي قلوبنا وحشةً لا يزيلها إلا الأنسُ بك في الخلوات، وفي قلوبنا حزَنًا لا يُذهبه إلا السرورُ بمعرفتك، وصدقُ معاملتك، وفي قلوبنا قلقًا لا يُسكِنُه إلا الاجتماعُ عليك، والفرارُ منك إليك، وفي قلوبنا نيرانَ حسراتٍ لا يطفئها إلا الرضا بأمرك ونهيك وقضائك، ومعانقةُ الصبر على ذلك إلى وقت لقائك، وفي قلوبنا فاقةً لا يسدُّها إلا محبتُك والإنابةُ إليك، ودوامُ ذكرك، وصدقُ الإخلاصِ لك، فاللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، حتى نلقاك بقلوب سليمة منيبة.
اللهم يا من عم جوده البر والفاجر، وفاض عطاؤه على المؤمن والكافر، ووسعت رحمته كل شيء، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، وقيوم السموات والأرض ومن فيهن، نسألك رحمة ترفع بها درجتنا، ومغفرة تمحو بها ذنوبنا، اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا فيه من عتقائك من النيران، فقد أسرتنا الذنوب، واستوحشت منا القلوب، واستولت علينا زخارف الدنيا، فشغلتنا عن الدار الآخرة.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد أن تنصر المستضعفين، وأن تدفع الكرب والضيق عن إخواننا المظلومين، وأن تشدد وطأتك على المعتدين الباغين، إنك أنت القوي العزيز.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم...

وكتبه عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:26 AM

لتحميل مادة

نسائم الخيرات، وبشائر البركات

(ملف وورد)


إشراف الأقسام العامة 07-09-09 02:31 AM

محاضرة صوتية
 
محاضرة

أجود ما يكون في رمضان

للاستماع :

[rplayer]http://www.t-elm.net/almoshref/upload/Ramadan.mp3[/rplayer]

للحفظ :[بالضغط بالزر الأيمن]

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 04:26 AM

فقه الصيام



د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن فقه الصيام على مرتبتين:

الأولى: معرفة حكمه وأسراره، وتحقيق مقاصده وأهدافه، وحصول نتائجه وحلول بركاته.

الثانية: معرفة أحكامه، وما يجب فيه وما يحرم.

وشهر رمضان منحة إلهية كريمة مباركة؛ لما أودع فيه من عبادة الصوم، ولما فيه من الخيرات الكثيرات، والمنح والهبات.

والصيام عبادة من أجل العبادات، ويدل على ذلك إضافة الله هذه العبادة إليه، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))( متفق عليه)، وفي رواية: ((لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به))( رواه البخاري عن أبي هريرة)، وفي رواية: ((كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي))(متفق عليه).

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 04:30 AM

أما المرتبة الأولى، وهي معرفة حكمه وأسراره؛ فإن أعظم حكمة في هذا الشهر الكريم المبارك أن يحصل للنفس غذاء روحاني يعينها على المبادرة إلى فعل الطاعات، والثبات على دين الله جل وعلا، ولهذا جعل الله التقوى أول حكمة في آيات الصيام، وآخرها.

وهذا إنما يكون بأمرين:

أحدهما: تفريغ ، والثاني: تعبئة.

أما التفريغ، فهو الإمساك عن الأكل والشرب، فإنه يعين على التفكر والتأمل، ويصون القلب عن وساوس الشيطان؛ لضيق مجاري الدم بقلة الأكل، إلا أن هذا الصيام لا بد أن يكون معه ستة أمور من جنسه، فيها تفريغ، وهي:

الأول: صيام القلب عن الشك والريبة، والشرك، وسيء الأخلاق، فيطمأن قلبه بالله جل وعلا، فلا يشك ولا يرتاب، ويتعلق بالله فلا ينظر إلى غيره، ويتطلع لأحد سواه، ويطهر قلبه من الغل والحسد والبغضاء.

الثاني: صيام العين: إن الصائم تصوم عينه فيغض بصره ويكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يُذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل(انظر: إحياء علوم الدين1/233) قال صلى الله عليه وسلم: ((النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله، فمن تركها خوفًا من الله آتاه الله عز وجل إيمانًا يجد حلاوته في قلبه))(رواه الحاكم في المستدرك (4/346، رقم 7875) من حديث حذيفة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه الطبراني ر(10/173، رقم 10362) من حديث عبد الله بن مسعود).

ألم تر أن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [سورة طـه 20/131]، فالصائم يمسك عينه عن هذا النظر الذي يملأ القلب بزينة الحياة الدنيا والتعلق بها، ويشغل الجوارح بطلبها، فإذا صامت عينه عن ذلك فرغ قلبه من التعلق بزخارف تتحول وتتبدل، ووجه نظره إلى ما هو خير وأبقى، واستعد لاستقبال ما يرد عليه من كلام الله وهداه، وذكره والانشغال به.


الثالث: صوم اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء، وإلزامه السكوت عما فيه مضرة، أو ما لا منفعة فيه، وقد قال سفيان: "الغيبة تفسد الصوم" رواه بشر بن الحارث عنه، وروى ليث عن مجاهد: "خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب"(إحياء علوم الدين (1/234))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم))(متفق عليه من حديث أبي هريرة)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ليس الصيام من الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث))(رواه البخاري (1770))، وقال أيضًا: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) (رواه البخاري من حديث أبي هريرة).

الرابع: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه؛ لأن كل ما حرُم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}، وقال عز وجل: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحتوقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140)} [سورة النساء 4/140](انظر: إحياء علوم الدين (1/235)).


والسمع بريد القلب، فمن حفظ سمعه فقد حفظ قلبه وروحه من أن يصل إليها ما يفسدها، وقد ورد أن ((الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع))، والألحان شراب الأرواح التي تسكر بها، وتطرب لها، وتنشغل بها عن سماع كلام الله والاستفادة منه.

الخامس: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الأكل الحرام وقت الإفطار، فلا معنى للصوم -وهو الكف عن الطعام الحلال- ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصرا ويهدم مصرا، فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته، لا بنوعه، فالصوم لتقليله، وتارك الاستكثار من الدواء خوفًا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهًا، والحرام سم مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله(انظر: إحياء علوم الدين (1/235)).

السادس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوفه، فما من وعاء أبغضُ إلى الله عز وجل من بطن ملئ من حلال، وكيف يُستفاد من الصوم قهرُ عدوِّ الله وكسرِ الشهوة إذا تداركَ الصائمُ عند فطره ما فاته ضَحوةَ نهارِه؟!! وربما يزيد عليه في ألوان الطعام، حتى جرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر، ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى؛ لتقوى النفس على التقوى، وإذا فرغت المعدة من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس، حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها، ثم أُطعمت من اللذات وأشبعت، زادت لذتها وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها، فلهذا ترى من بعض الناس في رمضان زيادة في الشر، وبعدًا عن الخير، وتفننًا في أنواع المعاصي؛ لما يفعلونه في ليلهم من ملأ البطون، وتلبية دواعي الشهوات، فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً، فلم ينتفع بصومه، بل إن من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه، وليبق لليله شيئًا من الضعف والجوع، حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء، ومن ملأ بطنه بأصواع من الطعام فهو عن ملكوت الله محجوب، وقد أوسع للشيطان مجراه، وفتح له الأبواب (انظر: إحياء علوم الدين (1/235)).

والمتأمل في عبادة الاعتكاف يجدها تعين الصائم على هذه الأمور كلها.

ثم بعد هذا التفريغ تكون الروح جاهزة لاستقبال ما يرد عليها من النور الإلهي، والفيض الرباني، فتشتاق بسببه إلى فعل الخيرات، وتنشغل به عن المحرمات.

فأول ذلك: الصلاة، وهي الصلة بين العبد وربه، وشهر رمضان شهر القيام، فالنفوس تتعلق
فيه بالصلاة، وتقبل عليها، وتمتلئ المساجد بالمصلين.

والصلاة لا تكون غذاء للروح حتى يخشع صاحبها فيها ويخضع، ويستحضر قلبه، وجميع جوارحه فيحضرها ذليلة بين يدي الله، فينكشف له في هذه الحال من عظمة الله وكبريائه، وقوته وجلاله، ما يصغر معه كل كبير في الدنيا، فينطق قلبه بالتكبير والتحميد والتسبيح والتهليل قبل أن ينطق لسانه، قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.

الثاني: قراءة القرآن، وهو الروح الذي أنزله الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، فلا حياة لأرواح بني آدم إلا به، فهو غذاؤها ودواؤها، وهو حياتها ونظامها، قال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}، وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً (82)} [سورة الإسراء 17/82]، وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة 2/185].

الثالث: مداومة الذكر، من التسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار؛ فإن الله مع عبده إذا ذكره، وهو يطرد الشيطان، ويحيي القلب ويغنيه، ويحط السيئات، ويزيل الوحشة بين العبد وربه، قال سليمان الخواص رحمه الله: "الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد, فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم, فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا"(نقله عنه ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/52)).

الرابع: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقًا مضطربًا بين الخوف والرجاء؛ إذ ليس يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين، أو يرد عليه فهو من الممقوتين، وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها، فقد روي عن الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون، فقال: "إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءتهأي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك، وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك!! فقال: "إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه"(انظر: إحياء علوم الدين (1/235- 236)).

وقيل لأبي مسلم الخولاني: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟! قال: "إن الخيل لا تجري الغايات وهن بُدَُّن(قال في القاموس: ككُتُب، ورُكَّع. هذا إذا أردت الجمع، أما المصدر فهو: بَدْنًا، وبَدانًا، وبَدانَةً)، إنما تجري وهن ضُمَّرٌ، ألا وإن أيامنا باقية جائية لها نعمل"(سير أعلام النبلاء (4/10)).

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 04:50 AM

وأما المرتبة الثانية؛ فهي: معرفة أحكام الصيام التي يلزم المسلم معرفتها ليكون صومه صحيحًا وعلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهنا نذكر أهم هذه الأحكام، فنقول:

المسألة الأولى: ثبوت الشهر.

يثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين:

الأول: رؤية هلال رمضان، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له)) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر، وفي لفظ: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

المسألة الثانية: الصيام قبل الشهر بيوم أو يومين.

لا يجوز صيام يومي ثمان وعشرين وتسع وعشرين؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومًا فليصمه)).

المسألة الثالثة: من يجب عليه الصوم؟

يجب الصوم على المسلم البالغ العاقل المقيم القادر السالم من الموانع.

فالمسلم يخرج الكافر؛ فلا يصح منه الصوم، حتى يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا أسلم وجب عليه الصوم وصح منه، وليس عليه قضاء ما تركه أثناء كفره؛ لأن الإسلام يجب ما كان قبله.

والبالغ هو الذي وصل سن البلوغ، وهو نبات شعر العانة حول القبل، أو إنزال المني باحتلام أو غيره، أو بلوغ خمس عشرة سنة، والمرأة تزيد أمرًا رابعًا، وهو الحيض، فمتى حاضت فقد بلغت، وجرى عليها قلم التكليف ولو لم تبلغ عشر سنين، وبهذا يخرج الصغير الذي لم يبلغ فلا يجب في حقه الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، لكن يبنغي لوليه أن يأمره بالصوم إذا أطاقه تمرينًا له على الطاعة ليألفها بعد بلوغه اقتداء بالسلف الصالح، فقد كان الصحابة يصومون أولادهم وهم صغار، ويذهبون إلى المسجد فيجعلون لهم اللعبة من العِهن –وهو الصوف أو نحوه-، فإذا بكوا من فقد الطعام أعطوهم اللعبة يتلهون بها.

والعاقل يخرج المجنون والمعتوه ممن لا يتجاوز عقله العمري سن الطفل، فلا يجب عليه الصوم، لكن المعتوه ينبغي حثه على الصوم وعدم التساهل معه فيه، ومثل المجنون الكبير الهرم، الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه، فلا يجب عليه الصيام ولا الإطعام؛ لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه، فأشبه الصبي قبل التمييز، فإن كان أحيانًا يهذي وأحيانا يميز، وجب عليه الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه.

والمقيم يخرج المسافر، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.

والقادر يخرج العاجز؛ كالكبير الذي لا يطيق الصوم، أو المريض الذي لا يرجى برؤه، فلا يجب عليه الصيام؛ لأنه لا يستطيعه، وقد قال الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقال: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}، لكن يجب عليه بدل الصيام الإطعام عن كل يوم مسكينًا؛ لما روى البخاري عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، قال: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكينًا.

وله في الإطعام ثلاث طرق:

الأولى: أن يصنع طعامًا فيدعو إليه المساكين بعدد الأيام التي أفطرها، وهكذا فعل أنس حين كبر، فكان يطعم كل يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا.

لكن هل يكفي وجبة واحدة؟ أو لا بد من وجبتين مشبعتين؟

ذهب بعض العلماء إلى أنه لا بد من وجبتين مشبعتين(انظر: أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات الصادر عن بيت الزكاة الكويتي (185)).

وظاهر صنيع الصحابة أنه يكفي وجبة واحدة مشبعة؛ فقد روى الدارقطني والبيهقي عن أنس أنه ضعف عن الصوم عامًا فصنع جفنة من طعام، ثم دعا بثلاثين مسكينًا فأشبعهم.

الثانية: أن يخرج مد بر، أو نصف صاع من غيره، والصاع يساوي كيلوين ونصف تقريبًا(انظر: أحكام القرآن للقرطبي (3/148)).

وذهب بعض العلماء إلى وجوب صاع.

الثالثة: أن يخرج قيمة الإطعام، بما يكفي مسكينًا، وذلك بالنظر إلى ما وجب عليه من المد، أو نصف الصاع، أو الصاع، على الخلاف فيه(انظر: المصدر السابق).

والسالم من الموانع يخرج من وجد فيه مانع؛ كالحائض والنفساء والمريض، وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله.

المسألة الرابعة: النية.

يشترط لصحة الصوم تبييت النية من الليل؛ لما روت حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له))، رواه الخمسة ومالك.

والنية أن يقصد صيام النهار غدًا من رمضان، وفي أي وقت وقعت النية أجزأت، ويجوز أن يأكل بعدها ويشرب ويفعل ما يشاء، وأما اعتقاد بعضهم أنه إذا نوى الإمساك فلا يجوز له أن يأكل أو يشرب فليس بصحيح؛ لأن الإمساك إنما يكون في وقته المحدود كما سيأتي بيانه، والنية المقصود بها تعيين نوع هذا الإمساك، فلا يلزم أن يصحبها الإمساك نفسه.

وبعض الناس يوسوس في النية، ويظن أنه لا بد أن يتحدث بها، ويحمله هذا الوسواس على فعل أمور منكرة، والنية أمرها يسير؛ فمعناها أن يستقر في قلبه أنه سيصوم غدًا من رمضان فقط.

وعلى هذا فلو دخل عليه الفجر، وهو لا يعلم أن غدًا من رمضان، ثم علم لم يجزئه الصوم؛ لأنه لم يبيت النية من الليل.

وأما صوم النفل فيجوز بنية من النهار قبل الزوال إذا كان لم يأكل شيئًا؛ لما في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذا يوم، فقال: ((هل عندكم من شيء؟)) قلنا: لا، قال: ((فإني إذا صائم؟)).

المسألة الخامسة: السحور.

عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تسحروا؛ فإن في السحور بركة)) متفق عليه.

البركة هي نزول الخير الإلهي في الشيء، وثبوته فيه، والزيادةُ في الخير والأجر، وفي كل ما يحتاجه العبد من منافع الدنيا والآخرة.

والسَّحور إنما يكون وقت السحر، قبيل أذان الفجر.

وإن من أعظم بركات السَّحور الاستجابةَ لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)} [سورة الأحزاب 33/71].

ومن بركاته أنه شعارُ المسلمين؛ فإن أهل الكتاب لا يتسحرون، وقد صح عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: ((فصْلُ ما بينَ صيامِنا وصيامِ أهلِ الكتاب أَكْلةُ السَّحَرِ)).

ومن بركاته حصولُ الخيريةِ، والمحافظةُ عليها، فعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر)) رواه أحمد، وفي إسناده سليمان بن أبي عثمان, قال أبو حاتم : مجهول.

ومن بركاته التقويةُ على طاعة الله، والإعانةُ على العبادةِ، والزيادةُ في النشاط، والرغبةُ في فعل الطاعة مرةً أخرى.

ومن بركاته أن الله وملائكته يُصلُّون على المتسحرين(رواه ابن حبان، والطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني).

ومن بركاته أنه في وقتٍ تتنزلُ فيه الرحمات، وينزِلُ الربُّ جلَّ وعلا فيه، مناديًا عباده هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له؟

المسألة السادسة: الإفطار.

عن ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم)) متفق عليه، وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) متفق عليه، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله عز وجل: إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا))، رواه أحمد والترمذي.

ويكون الإفطار على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء؛ لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء. رواه أحمد وأبو دواد والترمذي والحاكم.

ومعنى حسا حسوات من ماء: أي تجرع جرعة بعد جرعة.

ويستحب أن يقول عند الإفطار: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله(رواه أبو داود والدارقطني والحاكم)، ويدعو بما شاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن للصائم عند فطره دعوةً ما ترد))(رواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والطبراني في الدعاء، قال في الزوائد: إسناده صحيح، وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن، أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير، وأخرجه الحاكم في المستدرك).


المسألة السابعة: الإمساك عن المفطرات.


الصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس؛ لقوله
تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.

وهذه المفطرات على نوعين:

الأول: ما دل على كونه مفطرًا الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

الثاني: ما دل على كونه مفطرًا القياس.

أما الأول؛ فإن المفطرات التي دل عليها الكتاب والسنة والإجماع هي:

1- الأكل والشرب؛ لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}، فمن أكل أو شرب متعمدًا مختارًا ذاكرًا لصومه فقد فسد صومه؛ وهو آثم بذلك، ويجب عليه القضاء عند جمهور أهل العلم(قال في المغني (4/365): "لا نعلم في ذلك خلافًا")؛ لأن الصوم كان ثابتًا في الذمة فلا تبرأ منه إلا بأدائه، ولم يؤده فيبقى على ما كان عليه، وعليه التوبة والاستغفار، ومن أهل العلم من يرى أنه لا قضاء عليه؛ لأن الصيام في رمضان عبادة مؤقتة بوقت فإذا تركها فقد فات وقتها، وإنما يجب القضاء على من ترك بعذر، وهذا ليس معذورًا، ولا يعني هذا التسهيل عليه، بل هذا فيه عِظَمُ جُرْمِ ما فعل، وأنه لا ينفع فيه القضاء.

2- الجماع؛ لقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}، فأباح الجماع في الليل فقط، فدل على تحريمه بالنهار، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه: ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))، فمن جامع أهله في نهار رمضان فسد صومه، ووجب عليه الإمساك، ويقضي مكان هذا اليوم يومًا آخر، ويجب عليه أيضًا الكفارة بصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكينًا؛ لما في صحيح البخاري وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: ((وَلِمَ؟)) قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: ((فَأَعْتِقْ رَقَبَةً))، قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي، قَالَ: ((فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ))، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: ((فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا))، قَالَ: لَا أَجِدُ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ؟)) قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: ((تَصَدَّقْ بِهَذَا)) قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ!! فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، قَالَ: ((فَأَنْتُمْ إِذًا))، وأما المرأة فإن كانت مطاوعة له فيجب عليها مثل ما يجب عليه، وأما إن كانت مكرهة، ولم تستطع منعه فلا شيء عليها، وإنما عليها القضاء؛ لفساد صومها بالجماع.

3- الحيض والنفاس؛ ففي الصحيحين عن عائشة قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، ولما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم))، فمتى رأت الدم في نهار رمضان فسد صومها، ولو كان قبل غروب الشمس بقليل.
4- التقيؤ عمدًا، وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض))(رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، وابن حبان وابن خزيمة والحاكم، وفيه كلام كثير.).

5- الحجامة؛ لما روى أحمد وأبو داود عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم))، وقد وقع نزاع في الإفطار بها؛ لما روى البخاري وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم. ولهذا فالأولى ترك الحجامة في نهار رمضان.

6- دخول الماء إلى الجوف عن طريق الأنف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا))، رواه أحمد، وأصحاب السنن والحاكم.


وأما الثاني، وهو ما ثبت بالقياس؛ فهو كثير، نذكر منه ما تمس الحاجة إليه، وهو:

1- ما كان في معنى الأكل والشرب، مما يستغني به البدن عن الأكل والشرب، كالإبر المغذية، التي يكتفى بها عن الأكل والشرب، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم المعاصرين؛ لما في المغذي من معنى الأكل والشرب تمامًا، وأنه يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب.

2- حقن الدم في العروق؛ لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب، ويرى بعض العلماء أنه لا يفطر(انظر: ندوة روية إسلامية لبعض المشاكل الطبية، الدار البيضاء، نقلا عن فقه النوازل (2/300)).

3- بخاخ الربو، وفيه خلاف بين المعاصرين.

4- التخدير العام، وفيه خلاف بين المعاصرين.

5- الإبر العلاجية التي تكون في الوريد، فيها خلاف بين المعاصرين، فمنهم من يرى أنها غير مفطرة؛ لأنها ليست بغذاء، ولا يحصل بها للجسم استغناء عن الطعام والشراب، ومنهم من يرى أنها مفطرة؛ لأن الدواء مما يقوم به البدن ويصلح، والمقصود بالصوم هو الإمساك عما به قوام البدن.

6- الإبر العلاجية التي تكون في العضل، جمهور المعاصرين على أنها غير مفطرة؛ لأنه لا يصل منها إلى المعدة شيء، ويرى بعض العلماء أنها مفطرة؛ لأن العضل فيه عروق دقيقة توصل الدواء إلى المعدة.

7- التدخين، وقد اتفق العلماء المعاصرين على ذلك؛ لأنه محرم، ولأنه يحدث به للجسم ما يغنيه عن الطعام والشراب.

8- خروج المني دفقًا بلذة بتقبيل أو لمس أو استمناء، أو غير ذلك، وهذا ثبت التفطير به أخذًا من قوله في الحديث: ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))، وأعلى درجات الشهوة هي خروج المني، وأما التقبيل واللمس والمباشرة بدون إنزال فلا يفطر، وإن خرج منه مذي؛ لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه، وفي صحيح مسلم أن عمر بن أبي سلمة سأل النبي صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سل هذه))، يعني أم سلمة، فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك، لكن من كان يخشى على نفسه الوقوع في المحذور يجب عليه الكف عن ذلك؛ لأن ما أفضى إلى الحرام حرم فعله، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في المضمضة والاستنشاق خوفًا من تسرب الماء إلى الجوف، وكذا الاحتلام والإنزال بالتفكر المجرد لا يفطر؛ لأنه لا عمل له في ذلك، وإنما خرج بدون قصد منه ولا اختيار، ولأن الله عفا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم.

9- إخراج الدم بالفصد والتبرع؛ قياسًا على خروجه بالحجامة والحيض والنفاس؛ لأن خروج الدم من البدن فيه إضعاف البدن، ولهذا يحث المتبرع على أن يكون مفطرًا، ويعطى بعد التبرع مجموعة من السوائل؛ كالعصير؛ لتعويض النقص الحاصل بسبب فقد كميات من الدم.

المسألة الثامنة: شروط الفطر بالمفطرات السابقة.

يشترط لأن تكون الأمور السابقة مفطرة أن يفعلها الصائم عالمًا ذاكرًا مختارًا، ما عدا الحيض والنفاس؛ فإن وجوده مفسد للصوم مطلقًا.

الشرط الأول: العلم؛ أي أن يعلم أن هذا الفعل يفطر به الصائم؛ فإن كان جاهلا لم يفطر؛ لقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، والجهل على نوعين:
الأول: جهل بالحكم الشرعي، فلا يعلم أن هذا مفطر، كمن يشرب القهوة يظن أنها غير مفطرة، ولا بد من إمكانية صدق دعواه أنه جاهل، وإلا فلو بان من حاله عدم الجهل، ولم يتصور من مثله الجهل لم يقبل منه ذلك، الثاني: جهل بالوقت، مثل أن يظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل، ويكون قد طلع، أو يظن أن الشمس غربت، فيأكل، وهي لم تغرب، فلا شيء عليه؛ لما في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت هذه الآية: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عمدت إلى عقالين؛ أحدهما أسود والآخر أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، وجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت، فقال: ((إن وسادك إذن لعريض؛ إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل))، فقد أكل عدي بعد طلوع الفجر ولم يمسك حتى تبين الخيطان، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء؛ لأنه كان جاهلا بالحكم، وفي صحيح البخاري من حديث
أسماء بنت أبي بكر قالت: أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس، ولم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء.

الشرط الثاني: الذكر، أي أن يفعل المفطر وهو متذكر أنه صائم، فلو نسي أنه صائم فأكل أو شرب، أو جامع فلا شيء عليه؛ للآية السابقة، ولما في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه))، ومتى تذكر وجب الإمساك، ويجب على من حضر أن ينبهه؛ لقوله تعالى: {وتعاونوا على ا لبر والتقوى}.

الشرط الثالث: الاختيار؛ أي متناولا للمفطر باختياره وإرادته، وعلى هذا فلا فطر على من دخل إليه شيء بغير إرادته؛ كأن يرش الماء في وجهه فيدخل إلى جوفه بدون قصد منه ولا اختيار، أو يخرج إلى فمه شيء من القلس ثم يدخل بدون إرادة منه واختيار، أو يكرهه أحد بتهديد يضره فيخاف على نفسه أو ولده أو ماله، فيفطر فلا شيء عليه، ويتم صومه عند زوال الإكراه؛ لأن الله تعالى قال: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمانفإذا رفع الله حكم الكفر عمن أكره عليه فما دونه أولى، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).

المسألة التاسعة: الأعذار المبيحة للفطر.

من رحمة الله تعالى بعباده أن خفف عنهم عند وجود ما يشق عليهم في أداء العبادات، وقد ذكر الله ذلك نصًا في كتابه فقال: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، وهم كما يلي:

أولا: المريض ممن يرجو زوال مرضه، إذا كان الصوم يؤخر برءه، أو يشق عليه الصوم مع وجود المرض، أو لا بد له من تناول دواء يتوزع على ساعات اليوم بحيث لا يمكن نقله إلى الليل، فيسن له الفطر أخذًا برخصة الله تعالى؛ فإن كان الصوم يضره، بحيث يحدث فيه علة ربما تدوم معه، أو تؤدي إلى موته، أو تحدث له مريضًا جديدًا، أو نحو ذلك من أنواع الضرر حرم عليه الصوم؛ لأنه يوقع نفسه في الهلكة، وقد قال الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}.

ثانيًا: المسافر سفرًا يباح له فيه القصر، فإذا كان عليه فيه مشقة سن له الفطر؛ أخذًا برخصة الله تعالى، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس من البر الصيام في السفر))، وإن كان لا يشق عليه فإنه مخير بين الفطر والصوم؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صام وهو مسافر، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومون ويفطرون مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، ولم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.

ويجوز له الفطر ولو كان سفره وسط النهار، بعد أن بدأ يومه بالصوم؛ لدخوله تحت عموم الآية.

ثالثًا: المرأة الحامل أو المرضع، إذا خافت على نفسها، أو على ولدها، جاز لها الفطر، وتقضي مكان الأيام التي أفطرتها، وأما الإطعام فقد اختلف فيه، فأوجبه بعض أهل العلم على المرأة إذا خافت على ولدها.

المسألة العاشرة: من مات وعليه صوم.

من وجب عليه صوم من رمضان، إما لكونه مسافرًا، أو مريضًا، ثم لم يقض حتى مات، فلا يخلو من حالين:

الأول: ألا يتمكن من صيامها؛ لاتصال المرض، أو السفر، أو لغير ذلك من الأعذار، فليس عليه شيء؛ لأنه معذور في هذا الترك، ولم توجد حالة صالحة لثبوت حكم الصيام في حقه.

الثاني: أن يتمكن من الصيام، ولكنه يفرط ويقصر ويسوف حتى فجأه الأجل؛ فإنه يشرع لوليه أن يصوم عنه؛ لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه))، وهذا يشمل كل صوم واجب، ولو صام شخص غريب عنه أجزأ أيضًا؛ لأن المقصود أن يصام عنه، وأولى الناس به هم أقرباؤه، ، فإن لم يصم عنه أحد أطعم عن كل يوم مسكينًا من تركته، أو من متبرع.

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 05:04 AM

محاضرة

الصوم وغذاء الروح

للاستماع :




إشراف الأقسام العامة 07-09-09 05:06 AM

الصوم وغذاء الروح




الحمد لله خلق الكون بقدرته من العدم، وأضاء الكون بنوره فأشرقت له الظلم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن عبادة الصوم سر من الإسرار الإلهية، وحكمة بديعة من حكم التشريع، فلا عجب أن كان الركن الرابع من أركان الإسلام، والركن هو الجانب القوي الذي يبنى عليه الشيء، فالإسلام مبني على عبادة الصيام.
ما هو السر في الصيام حتى كان ركنًا من الأركان، وعبادة من العبادات التي يحبها الله، ويكثر من التقرب بها رسل الله وأنبياؤه وأولياؤه؟
لماذا كان النبي صلى الله عليه يتغير في رمضان؟ ويزداد في التقرب إلى الله وفعل الطاعات؟ ما الذي أحدثه الصوم فيه؟ وهل النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لم يخالط قلبه محبة غير الله يتأثر بالصيام إلى هذا الحد، فيحدث له هذا النشاط العجيب، غير المعتاد؟
ولماذا كان الصوم جنة؟ ولماذا رائحة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؟
ولماذا لما قال أحد أصحاب رسول الله له: يا رسول الله مرني بعمل، قال: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له))([1]).
لماذا كان للصائمين باب يقال له الريان، لا يدخل منه أحد غيرهم؟
لماذا كان الصوم لله، وهو يجزي به؟
هل هذا كله لأجل الإمساك فقط عن المفطرات من الأكل والشرب والشهوة؟
أيمكن لنا أن نفوز بفوائد الصيام بمجرد أن نفعل ذلك؟
كلا... إن هناك غذاء يحدثه الصوم في شهر رمضان، غذاء يخالف غذاء البدن، غذاء تحيى به الأرواح، وتصلح به الأمة، وتستقيم به الأحوال.
فما هي العلاقة بين الإمساك عن المفطرات من الطعام والشراب والشهوة، وبين بناء النفس، وغذاء الروح؟ ما هو هذا الغذاء, وما آثاره؟
لو نظرنا في حال النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، كيف كان يواصل الصيام، ولا يكتفي بالصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولما نهى أصحابه عن الوصال رحمة بهم، وخوفًا عليهم ألا يطيقوا القيام بالأعمال مع مواصلة الصيام، فقالوا له: إنك تواصل، قال لهم: ((وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟!! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ))([2]).
فقَوْله: ((يُطْعِمنِي وَيَسْقِينِ)) أَيْ يَشْغَلُنِي بِالتَّفَكُّرِ فِي عَظَمَته، وَالتَّمَلِّي بِمُشَاهَدَتِهِ، وَالتَّغَذِّي بِمَعَارِفِهِ، وَقُرَّة الْعَيْن بِمَحَبَّتِهِ، وَالِاسْتِغْرَاق فِي مُنَاجَاته، وَالْإِقْبَال عَلَيْهِ عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب، وهَذَا الْغِذَاءُ أَعْظَم مِنْ غِذَاء الْأَجْسَاد, وَمَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَتَجْرِبَةٍ يَعْلَمُ اِسْتِغْنَاءَ الْجِسْم بِغِذَاءِ الْقَلْب وَالرُّوح عَنْ كَثِير مِنْ الْغِذَاء الْجُسْمَانِيِّ وَلَا سِيَّمَا الْفَرَح الْمَسْرُور بِمَطْلُوبِهِ , الَّذِي قَرَّتْ عَيْنه بِمَحْبُوبِهِ([3]).
فهل تعجبون بعد ذلك إذا كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان يدارسه جبريل القرآن، ويقوم من الليل قيامًا لا يطيقه أحد، يفعل ذلك كله، وهو ممسك عن الطعام والشراب، فبدنه محروم من غذائه، لكن روحه تتغذى تغذية تقويه على فعل الطاعات، والجود بأنواع الخيرات.
ولقد كان من أصحابه من يواصل، ويفعل مع ذلك جميع العبادات، ويقوم بأداء سائر الحقوق، فهذا عبد الله بن الزبير يواصل خمسة عشر يومًا([4])، وهو الذي كان مضرب المثل في القيام، والجهاد في سبيل الله.
لقد أحدث الصوم له غذاء استغنى به عن غذاء البدن.

([1]) رواه: رواه النسائي (4/165، رقم 2220- 2223) قال في الفتح (4/104): بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه (8/211، 213، رقم 3425، 3426)؛ وابن خزيمة (3/194، رقم 1893)؛ والحاكم في المستدرك (1/582، رقم 1533) عن أبي أمامة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

([2]) رواه البخاري وغيره.

([3]) انظر: فتح الباري (4/208).

([4]) انظر: المصنف (2/496)؛ فتح الباري (4/204).

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 05:07 AM

ما هي الروح؟

الروح جسم مخلوق نورانى علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم([1]).
وقد جعلها اللَّهُ فِي الْأَجْسَامِ, فَأَحْيَاهَا بِها, وَعَلَّمَهَا وَأَقْدَرَهَا, وَبَنَى عَلَيْهَا الصِّفَاتِ الشَّرِيفَةَ, وَالْأَخْلَاقَ الْكَرِيمَةَ([2]).
فالمشاعر والأحاسيس، والحب والبغض، والإرادة والقصد، والأخلاق والطبائع كلها متعلقة بالروح.
وهذه الروح تسمى نفسًا، وقد سماها الله في كتابه كذلك، فقال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)} [سورة الزمر 39/42].
وقد أضاف الله هذه الروح إليه إضافة تشريف، فقال {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (9)} [سورة السجدة 32/7-9]
وهذه النفس لها أحوال وأحكام، ولها غذاء وليس غذاء الأرواح من جنس غذاء البدن، بل إن غذاء البدن إذا زاد عن حده أفسد الروح وأمرضها، وأدخل عليها من الفساد ما يكون فيه هلاكها.
وغذاؤها بالعلم النافع، وبالعمل به، فعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ))([3]).
فالنبي صلى الله عليه وسلم "شبه العلم والهدى الذي جاء به بالغيث، لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة والمنافع والأغذية والأدوية وسائر مصالح العباد،.. وشبه القلوب بالأراضي التي وقع عليها المطر لأنها المحل الذي يمسك الماء فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تعي العلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته"([4]).
وعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ)) قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الْعِلْمَ))([5]).
ومن غذاء الروح الرائحة الطيبة؛ ولهذا حبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا الطيب؛ لأن النفس ترتاح إلى الروائح الطيبة، ولها أثر في زيادة قوة البدن، ودفع التعب والكسل.
"وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه، والشياطين تنفر عنه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، وكل روح تميل إلى ما يناسبها؛ فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات"([6])
وإذا تغذت الروح بالعلم النافع، والعمل الصالح، فإن ذلك قد تظهر آثاره على البدن في الدنيا قبل الآخرة، فهذا نافع القارىء كان إذا تكلم يُشم من فيه رائحة المسك، فقيل له: كلما قعدت تتطيب؟!! فقال: ما أمس طيبًا، ولا أقربه، ولكن رأيت النبي في المنام وهو يقرأ في فمي، فمن ذلك الوقت يشم من فِيِّ هذه الرائحة([7]).
وهذا عبد الله بن غالب لما قتل في المعركة ودفن أصابوا من قبره رائحة المسك، قال: فرآه رجل من إخوانه في منامه، فقال: يا أبا فراس! ما صنعت؟ قال: خيرَ الصنيع، قال: إلام صرت؟ قال: إلى الجنة، قال: بم؟! قال: بحسن اليقين، وطول التهجد، وظمأ الهواجر، قال: فما هذه الرائحة الطيبة التي توجد من قبرك؟! قال: تلك رائحة التلاوة والظمأ، قال قلت: أوصني، قال: اكسب لنفسك خيرًا، لا تخرج عنك الليالي والأيام عُطلًا؛ فأنى رأيت الأبرار نالوا البر بالبر([8]).
حتى إن الناس فتنوا في قبره، فبعث إليه من سواه بالأرض([9]).
وإذا تغذت الروح بالأمور الخبيثة، وأعرضت عما فيه سعادتها وفلاحها، وتركت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد يظهر على البدن أثر ذلك، فذكر مسعدة في كتابه في الرؤيا عن ربيع بن الرقاشي قال أتاني رجلان فقعدا إلي فاغتابا رجلا فنهيتهما، فأتاني أحدهما بعدُ، فقال: إني رأيت في المنام كأن زنجيًا أتاني بطبق عليه جنبُ خنزير، لم أر لحمًا قطُّ أسمنَ منه، فقال لي: كل، فقلت: آكل لحم خنزير؟؟!! فتهددني، فأكلت، فأصبحت وقد تغيَّر فمي، فلم يزل يجد الريح في فمه شهرين([10]).
وقال القيرواني: أخبرني شيخ من أهل الفضل، قال: أخبرني فقيه، قال: كان عندنا رجل يكثر الصوم ويسرده، ولكنه كان يؤخر الفطر، فرأى في المنام كأن أسودين آخذين بضبعيه وثيابه إلى تنور محمى ليلقياه، قال: فقلت لهما: على ماذا؟! فقالا: على خلافك لسنة رسول الله، فإنه أمر بتعجيل الفطر وأنت تؤخره، قال فأصبح وجهه قد اسود من وهج النار فكان يمشي متبرقعًا في الناس([11])
فإذا داومت الروح على فعل الخيرات، ولم تزل مشتغلة بالطاعات فإن مستقرها بين يدي الله إذا فارقت البدن، فتحييه بالتحية الطيبة، عن جابر بن عبد الله قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: ((يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟)) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: ((أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟)) قَالَ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ، قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا..} الْآيَةَ([12])، وقال ابن القيم: "حدثني القاضي نور الدين بن الصائغ قال: كانت لي خالة، وكانت من الصالحات العابدات، قال: عدتها في مرض موتها، فقالت لي: الروح إذا قدمت على الله ووقفت بين يديه ما تكون تحيتها وقولها له؟ قال: فعظُمت علي مسألتها، وفكَّرتُ فيها، ثم قُلت: تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، قال: فلما توفيت رأيتها في المنام فقالت لي: جزاك الله خيرًا، لقد دُهشت فما أدري ما أقوله ثم ذكرت تلك الكلمة التي قلت لي فقلتها"([13]).

([1]) الروح لابن القيم (1/178).

([2]) أحكام القرآن لابن العربي (3/214).

([3]) رواه البخاري كتاب العلم، باب فضل من علِم وعلَّم، ومسلم

([4]) مفتاح دار السعادة (1/60).

([5]) متفق عليه.

([6]) زاد المعاد (4/257). وانظر: مقدمة ابن خلدون (302) حيث ذكر أثر فساد الهواء على الروح.

([7]) الروح (1/190).

([8]) حلية الأولياء (6/248).

([9]) انظر: شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (157).

([10]) الروح (1/190).

([11]) الروح (1/191).

([12]) رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمران، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه، ورواه ابن ماجه في المقدمة، وفي كتاب الجهاد. وقال في الزوائد: إسناده ضعيف، وابن حبان في صحيحه، (15/490، رقم 7022)، والحاكم في المستدرك (3/224، رقم 4914)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

([13]) الروح (1/188).

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 05:09 AM

غذاء الروح في رمضان

إن هذا الشهر المبارك الكريم هو أعظم موسم لغذاء الروح، وغذاؤها يكون بأمرين:
أحدهما: تفريغ ، والثاني: تعبئة.
أما التفريغ، فهو الإمساك عن الأكل والشرب، فإنه يعين على التفكر والتأمل، ويصون القلب عن وساوس الشيطان؛ لضيق مجاري الدم بقلة الأكل، إلا أن هذا الصيام لا بد أن يكون معه خمسة أمور من جنسه، فيها تفريغ، وهي:
الأول: صيام العين: إن الصائم تصوم عينه فيغض بصره ويكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل([1])، قال صلى الله عليه وسلم ((النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله، فمن تركها خوفًا من الله آتاه الله عز وجل إيمانًا يجد حلاوته في قلبه))([2]).
ألم تر أن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [سورة طـه 20/131]، فالصائم يمسك عينه عن هذا النظر الذي يملأ القلب بزينة الحياة الدنيا والتعلق بها، ويشغل الجوارح بطلبها، فإذا صامت عينه عن ذلك فرغ قلبه من التعلق بزخارف تتحول وتتبدل، ووجه نظره إلى ما هو خير وأبقى، واستعد لاستقبال ما يرد عليه من كلام الله وهداه، وذكره والانشغال به.
الثاني: صوم اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء وإلزامه السكوت عما فيه مضرة، أو ما لا منفعة فيه، وقد قال سفيان الغيبة تفسد الصوم رواه بشر بن الحارث عنه، وروى ليث عن مجاهد: خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب([3])، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم))([4])، وقال صلى الله عليه وسلم ((ليس الصيام من الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث))([5])، وقال أيضًا: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه؛ لأن كل ما حرُم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى {سماعون للكذب أكالون للسحت}، وقال عز وجل: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت}، وقال تعالى{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140)} [سورة النساء 4/140]([6]).
والسمع بريد القلب، فمن حفظ سمعه فقد حفظ قلبه وروحه من أن يصل إليها ما يفسدها، وقد ورد أن ((الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع))، والألحان شراب الأرواح التي تسكر بها، وتطرب لها، وتنشغل بها عن سماع كلام الله والاستفادة منه.
الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الأكل الحرام وقت الإفطار، فلا معنى للصوم -وهو الكف عن الطعام الحلال- ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصرا ويهدم مصرا، فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته، لا بنوعه، فالصوم لتقليله، وتارك الاستكثار من الدواء خوفًا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهًا، والحرام سم مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله([7]).
الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوفه، فما من وعاء أبغضُ إلى الله عز وجل من بطن ملئ من حلال، وكيف يُستفاد من الصوم قهرُ عدوِّ الله وكسرِ الشهوة إذا تداركَ الصائمُ عند فطره ما فاته ضَحوةَ نهارِه؟!! وربما يزيد عليه في ألوان الطعام، حتى جرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر، ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى، وإذا فرغت المعدة من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس، حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها، ثم أُطعمت من اللذات وأشبعت، زادت لذتها وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها، فلهذا ترى من بعض الناس في رمضان زيادة في الشر، وبعدًا عن الخير، وتفننًا في أنواع المعاصي؛ لما يفعلونه في ليلهم من ملأ البطون، وتلبية دواعي الشهوات، فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً، فلم ينتفع بصومه، بل إن من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه، وليبق لليله شيئًا من الضعف والجوع، حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء، ومن ملأ بطنه بأصواع من الطعام فهو عن ملكوت الله محجوب، وقد أوسع للشيطان مجراه، وفتح له الأبواب([8]).
والمتأمل في عبادة الاعتكاف يجدها تعين الصائم على هذه الأمور كلها.
ثم بعد هذا التفريغ تكون الروح جاهزة لاستقبال ما يرد عليها من النور الإلهي، والفيض الرباني، فتشتاق بسببه إلى فعل الخيرات، وتنشغل به عن المحرمات.
فأول ذلك: الصلاة، وهي الصلة بين العبد وربه، وشهر رمضان شهر القيام، فالنفوس تتعلق فيه بالصلاة، وتقبل عليها، وتمتلئ المساجد بالمصلين.
والصلاة لا تكون غذاء للروح حتى يخشع صاحبها فيها ويخضع، ويستحضر قلبه، وجميع جوارحه فيحضرها ذليلة بين يدي الله، فينكشف له في هذه الحال من عظمة الله وكبريائه، وقوته وجلاله، ما يصغر معه كل كبير في الدنيا، فينطق قلبه بالتكبير والتحميد والتسبيح والتهليل قبل أن ينطق لسانه، قال تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.
الثاني: قراءة القرآن، وهو الروح الذي أنزله الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، فلا حياة لأرواح بني آدم إلا به، فهو غذاؤها ودواؤها، وهو حياتها ونظامها، قال تعالى {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}، وقال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً (82)} [سورة الإسراء 17/82]، وقال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة 2/185]
الثالث: مداومة الذكر، من التسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار، فإن الله مع عبده إذا ذكره، وهو يطرد الشيطان، ويحيي القلب ويغنيه، ويحط السيئات، ويزيل الوحشة بين العبد وربه، قال سليمان الخواص رحمه الله: الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد , فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم , فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا([9]).
الرابع: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقًا مضطربًا بين الخوف والرجاء؛ إذ ليس يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين، أو يرد عليه فهو من الممقوتين، وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها، فقد روي عن الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون، فقال: "إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته" أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك، وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك، فقال: إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه([10]).
وقيل لأبي مسلم الخولاني: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟! قال: إن الخيل لا تجري الغايات وهن بُدَُّن([11])، إنما تجري وهن ضُمَّرٌ، إلا وإن أيامنا باقية جائية لها نعمل([12]).

([1]) إحياء علوم الدين (1/233).

([2]) رواه الحاكم في المستدرك (4/346، رقم 7875) من حديث حذيفة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه الطبراني (10/173، رقم 10362) من حديث عبد الله بن مسعود.

([3]) إحياء علوم الدين (1/234).

([4]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

([5]) رواه البخاري (1770).

([6]) إحياء علوم الدين (1/235).

([7]) إحياء علوم الدين (1/235).

([8]) إحياء علوم الدين (1/235).

([9]) نقله عنه ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/52).

([10]) إحياء علوم الدين (1/235- 236).

([11]) قال في القاموس: ككتب، وركع. هذا إذا أردت الجمع، أما المصدر فهو:

([12]) سير أعلام النبلاء (4/10).

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 05:15 AM

آثار غذاء الروح.

إن الروح إذا تغذت بتفريغ المفسدات، والتزود بهدى الله الذي أنزله لعباده، فإن لذلك آثارًا عظيمة على الجوارح، فتقبل على العبادة بنفس منشرحة، وترى فيها أنسها وراحتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)).
حتى إن الله تعالى يوكل بها من يوقظها إذا هي غفلت أو تكاسلت، كان العلاء بن زياد له وقت يقوم فيه، فقال لأهله تلك الليلة: إني أجد فترة، فإذا كان وقت كذا فأيقظوني، فلم يفعلوا، قال: فأتاني آت في منامي، فقال: قم يا علاء بن زياد اذكرِ الله يذكرْك، وأخذ بشعرات في مقدَّم رأسي، فقامت تلك الشعرات في مقدَّم رأسي، فلم تزل قائمة حتى مات، قال يحيى بن بسطام: فلقد غسلناه يوم مات وإنهن لقيام في رأسه([1]).
1- فالصوم يغذي في روحك محبة الصلاة؛ لأنها تصلك بالله، الذي أنعم عليك بجميع النعم، وهداك لهذا الدين القويم، ومن عليك بتعليمك القرآن العظيم، ولهذا ورد في الحديث ((أن شرف المؤمن قيامه بالليل))([2]).
2- ومن آثار غذاء الروح أن تجود النفس ببذل المحبوبات طاعة لله تعالى، فتنفق في سبيل الله، وتعطي المحرومين، وتواسي الفقراء والمعدمين، وهي ترجو الخلف من الله، كما قال تعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}.
3- ومن آثار غذاء الروح الانتصار على العدو، ونشر دين الله في الأرض، ولقد كان شهر رمضان شهر الانتصارات في تاريخ الأمة الإسلامية، بل إن فرضه كان قبل معركة بدر بشهر، ووقعت بدر في شهر رمضان من هذه السنة بعد أن فرض([3])، وكأنه والله أعلم مقدمة بين يدي النصر، ولتكون النفوس قد تربت على الطاعة والصبر، فمن أطاق حبس نفسه عن شهواتها وملاذها، وقهَر عدوه الذي يلازمه ليل ونهار، بل يجري منه مجرى الدم، استطاع مقابلة العدو الظاهر، الذي لا يراه إلا في ساحة المعركة.
وهذا العلاء الحضرمي أراد أن يلحق العدو في جزيرة يقال لها دارين، وليس معه سفن، فارتحل وارتحل معه جيشه، حتى إذا أتوا ساحل البحر اقتحموا على الصاهل والجامل، والشاحج والناهق، والراكب والراجل، ودعا ودعوا، وكان دعاؤه ودعاؤهم: يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا، فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعًا، يمشون على مثل رملة ميثاء، فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وإن ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر في بعض الحالات، فالتقوا بها عدوهم واقتتلوا قتالا شديدًا، ونصرهم الله، فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم حتى عبروا، وفي ذلك يقول عفيف بن المنذر:
ألم تر أن الله ذلل بحـــره وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا بأعجب من فلق البحار الأوائل([4]).
4- ومن آثار غذاء الروح أن تعف النفس عن مواقعة الشهوات، فالصيام يقوي الإرادة، ويدرب الصائم على أن يمتنع باختياره عن شهواته، فلا يكون عبدًا لشهوته، يلبي نداءها كلما نادته، ويطعمها كلما استطعمته.
ومن يطعم النفس ما تشتهي كمن يطعم النار جزل الحطب([5]).
5- والصوم يغذي في الروح الزهد في الدنيا والتعلق بالله والتوكل عليه، والرضا بما قسم، وعدم التعلق بالدنيا وحطامها، اجتمع بعض الزهاد، ومعهم سليمان الخواص، فتذاكروا الفقر والغنى، فقال بعضهم: الغني من كان له بيت يسكنه، وثوب يستره، وسداد من عيش يكفُّه عن فضول الدنيا، وقال بعضهم: الغني من لم يحتج إلى الناس، فقيل لسليمان: ما تقول أنت في ذلك؟ فبكى وقال: "رأيت جوامع الغنى في التوكل، ورأيت جوامع الفقر في القنوط، والغني حق الغني من أسكن الله في قلبه من غناه يقينًا، ومن معرفته توكلًا، ومن قسمته رضًا، فذلك الغني حق الغني وإن أمسى طاويًا وأصبح معوزًا" فبكي القوم من كلامه([6])
6- ومن آثار غذاء الروح حصول صفة الحياء، فإن الروح المتغذية بعبادة الصيام يحصل لها حياء عظيم من خالقها، إذ كيف تمتنع عما فيه حياتها طاعة له، ثم تقبل على ما فيه هلاكها، وهو ينظر إليها في كلا الحالين؟!! وكيف تقبل عليه في هذا الشهر ثم تنتكس على عقبيها بعده؟! وكيف تمسك عن الطعام وتفطر على لحوم إخوانها؟! وكيف تطيع في النهار وتعصي في الليل؟ ومن تخلق بخلق الحياء فقد فاز بأحسن الأخلاق، واكتسى أجمل الثياب، وتزود بأطيب الأزواد.
7- ومن آثار غذاء الروح التربي على التدرج في الأعمال، وأن يكون الانتقال من صغيرها إلى كبيرها، وأن يكون الإتقان فيها هو أول أركانها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، بعد أن تكون الروح قد أخذت قدرًا كافيًا من الغذاء، وتعودت على الجوع، فيكون الاجتهاد في العشر الأواخر ليختم المؤمن عبادته بمضاعفة عمله، وتوديع هذا الشهر بما يستحقه.
فتتعود النفس على إتقان أعمالها، وتحرص على إتيان البيوت من أبوابها، وتعلم العلم النافع من أهله، واتباع الوسائل الصحيحة لتعلمه، واستكمال الشروط اللازمة له، وفي ذلك حصول الفلاح في الدنيا والآخرة([7]).
8- ومن آثار غذاء الروح مراجعة أحوال العبد في دنياه، ماذا قدم؟ وماذا فعل؟ وبأي شيء سيقبل على الله، وهو الذي يقول {إلى ربك يومئذ المساق}، ويقول {إن إلى ربك الرجعى}.
9- ومن آثار غذاء الروح الترفع عن الوقوع في أموال الناس بالظلم والبغي والباطل، كما قال تعالى {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} [سورة البقرة 2/188].
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
وكتبه عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين

([1]) الروح لابن القيم (1/190).

([2]) رواه الشهاب في مسنده (رقم 151، 746) عن سهل بن سعد، وقال الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (ج1/ص34): "رواه الخطيب عن سهل بن سعد مرفوعا، وفي إسناده محمد بن حميد كذبه أبو زرعة، رواه عن زافر بن سليمان، وهو ضعيف، قال في اللآلىء: أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عيسى بن صبيح عن زافر وصححه، قال ابن حجر في الأمالي: تفرد به زافر وهو صدوق سيىء الحفظ كثير الوهم، وفي إسناده محمد بن عيينة وفيه مقال، فالصواب أن الحديث ضعيف لا كما جزم به الحاكم من كونه صحيحا، ولا كما جزم به ابن الجوزي من كونه موضوعا، وله شواهد ولكن بدون قوله واعلم" وقال أيضًا: "ورواه العقيلي عن أبي هريرة وهو موضوع".

([3]) انظر: البداية والنهاية (3/254- 255).

([4]) تاريخ الطبري (2/289- 290).

([5]) انظر: رمضان دروس وعبر (253).

([6]) المستطرف في كل فن مستظرف (307- 308).

([7]) انظر: رمضان موسم تعبئة ومراجعة ومواجهة (52).

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 05:44 AM

روابط مفيدة :
=======


ملف 1 :
أفلا يتدبرون القرآن؟!

عناصرالملف :
1- مقدمة.
2- هل هو من عند الله؟
3- في القرآن جميع العلوم النافعة.
4- كيفية التدبر ووسائله.
5- ثمرات التدبر
6- صوارف التدبر.
7- أيهما أفضل؟
8- الاقتصاد في قراءة القرآن.
9- من هم أهل القرآن؟
10- بأي شيء نبدأ؟

للتحميل (بالضغط بالزر الأيمن)


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


ملف 2 :
كيف نفهم القرآن الكريم؟

عناصرالملف :
1- لماذا الحديث عن فهم القرآن.
2- تيسير القرآن للعباد..
3- هل فهم القرآن وتدبره مقتصر على العلماء؟
4- الخطأ في فهم القرآن.
5- الاختلاف في الفهم والتفسير.
6- معالم ترشدك إلى الطريق الصحيح.


للتحميل (بالضغط بالزر الأيمن)


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

فتاوى :


سؤال عن قضاء الصيام

النفساء التي تفطر رمضان هل عليها صيام أم إطعام

سؤال خاص بالصيام والوقت؟

افيدونا فى رؤية هلال رمضان وشوال

بخاخ الربو ..

ما حكم بلع البلغم فى نهار رمضان؟

صيام ست من شوال

صيام الاثنين والخميس عاجل

الصيام في شعبان

الحيض بعد العصر

ارجوكم افيدونى سؤال فى الصيام

الصوم بعد نصف شعبان

إشراف الأقسام العامة 07-09-09 05:52 AM

في ختام رمضان: تأمل في بعض ثمراته وفوائده


د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين



الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
فنحن بحاجة إلى مراجعة دائمة، وتفقد لأحوال النفس، وهل حصل لها بعد هذه المرحلة الفاضلة من التعبد والتقرب تغيير؟؟!
وما من شك أن النفس في قصور دائم، والسعي إلى الكمال مطلوب، فإن لم نكن خرجنا بزيادة في إيماننا، وتقوى في جميع أحوالنا، وقرب من مولانا، يزيد عن السابق فلا أظن إلا أننا محرومون..
ظللت أتأمل:
هل لعمل الإنسان وطلبه تزكية النفس منتهى؟
وهل تختلف مرحلة التزكية، والوصول إلى أعلى درجاتها، عن مرحلة المحافظة على الموجود، وعدم الانتكاس مرة أخرى؟
إن النفس في علو ونزول، وكذا الإيمان في القلب يزيد وينقص، ويعلو ويخبو، والواجب أن نحافظ على علوه وزيادته.
أمران مهمان في حياة المسلم كان لهما حضور قوي في هذا الشهر:
الأول: الصلاة، وهي قرة عيون الموحدين، وأنس عباد الله المقربين، وراحة العباد الزاهدين.
الثاني: القرآن، كلام الله ووحيه، وحبله المتين، وصراطه المستقيم.
فهل أدركنا أثر الصلاة في حياتنا كلها، وفهمنا قوله تعالى: {
واستعينوا بالصبر والصلاة}؟؟!!
وهل عشنا مع كل كلمة في القرآن، وتلذذنا به، وتدبرناه حق تدبره، وتدارسنا معنى ألفاظه، ومقاصد كلماته؟؟!
هناك أمر مهم يجب أن نحس به بعد انتهاء هذا الشهر، وهو:
قرب الله!
تأمل قول الله تعالى في وسط آيات الصيام: {
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}، ولن أتحدث عن القرب، ولكن أدع الخيال يسبح في هذا القرب؛ فإن الحديث عنه قد يفسد معناه، ويحصره في أشياء معينة.
لو لم يكن في الصيام إلا أنه ينور القلب بقرب الله تعالى، ويشعره بالمحاسبة الدقيقة لجميع تصرفاته لكان ذلك كافيًا!
واستشعار قرب الله يحمل على التخلق بخلق الصدق، ومن كان صادقًا مع الله في عبادته، ومع نفسه في هدايتها وتزكيتها، وعدم تدسيتها، ومع الخلق في التعامل معهم؛ فإنه سيكون من الأبرار المنعمين في جنة الخلد، ((
وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا)).
أرأيت أخي الكريم لو أننا تخلقنا بخلق الصدق في جميع أمورنا، كيف ستكون أحوالنا؟؟!!
وتأمل آية أخرى، وهي قوله تعالى: {
هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم، فلا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى}، تأمل هذه الآية، واجمع بين علمه بنا من حين خلقنا من الأرض، ثم خلقنا في بطون أمهاتنا، ثم هو مع ذلك أعلم بمن هو المتقي، فلا حاجة إلى أن نخبر بما في نفوسنا!
إنه الأمر بغاية الاجتهاد، مع الخوف والطمع.
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين.


الساعة الآن 07:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .