ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   كوني داعية (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=757)
-   -   سلسلة مقالات الشيخ أبي أويس رشيد الإدريسي المغربي (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=34311)

رقية مبارك بوداني 20-03-10 08:30 PM

سلسلة مقالات الشيخ أبي أويس رشيد الإدريسي المغربي
 
http://sub3.rofof.com/img5/05jtfaq7.jpg

تحقق الأمن والأمان
ضرورة لإقامة العبودية للرحمن


"من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه"
"من استطال الطريق ضعف مشيه"
من المعلوم في الشريعة أن الأمن والأمان لا يتحققان, ولن يتحققا إلا بتحقيق الإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ".
قال السعدي في تفسيره للآية: "قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا" أي: يخلطوا "إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ" الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك، ولا بمعاص، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة. وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها. ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية، ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء". تيسير الكريم الرحمن.
وفي ذلك قال الشاعر:
الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا
وإذا كان الأمر كذلك, فكذلك لا سبيل لتحقيق الإيمان والعمل الصالح وعبادة الله جل وعلا إلا في ظل الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار.
وعليه كان الحفاظ على أمن المجتمعات من أجل مقاصد الشريعة, ومن أعظم مصالحها, بل هو رأسها وأساسها, لأن فقده عنوان الرزايا, ومفتاح البلايا, حيث يعم الاضطراب, وتشيع الفوضى, ويفتح باب الخوف والرعب, وتتمزق المجتمعات, وتضيع الطاعات, وتغيب شعائر رب الأرض والسماوات.
يقول الله تعالى: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ".
ومِن أظهر الآيات في هذا المعنى قوله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".
فجعل الله عز وجل تحقق الأمن والأمان سبيلا لإقامة عبادة الله وطاعته.
يقول السعدي رحمه الله عند تفسيره للآية: "فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله" تيسير الكريم الرحمن 3/375.
ومن ثم فيجب الحذر من زعزعة أمن المجتمعات, ومن ترويع المؤمنين والمؤمنات, واتخاذ طرائق للتغيير تخالف ما جاء في السنة والكتاب المستنير, سبلا طائشة, ومسالك عابثة, قائمة –حقا وصدقا- على المغالبة والتهور والاستعجال لا على الصبر والتأني والاعتدال, كل ذلك بدعوى ضيق الحال أو انتشار المنكرات, وشيوع المخالفات...
فنقول لمن قام وقعد, وأزبد وأرعد... ما هكذا الغيرة على المحرمات؟! وليس هذا طريق إصلاح المجتمعات؟! ومتى كان العنف يقيم أمر الديانات؟!
قال عليه الصلاة والسلام: "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق, ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف, وما لا يعطي على سواه" رواه مسلم.
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم قد مر على آل ياسر وهم يذوقون أشد العذاب على يد قريش ولم يقم بأي عمل ينتقم به مع إمكانه, ولكنه لم يرُدَّ على الأذى الذي تلقاه آل ياسر إلا بهذه الكلمات النيرات: "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة".
وليس في هذا خنوع أو ضعف, وإنما هي الحكمة والهداية والتعقل والرزانة, فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنكم لن تبلغوا هذا الأمر بالمغالبة" رواه أحمد وغيره, وانظر الصحيحة 4/1709.
إذن فعلى المسلم أن يصبر ويحتسب ويدعوا الله بالثبات إذا زادت غربة الإسلام, وأن يبتعد عن طرق التهييج والانتقام, مع الدعوة والنصح والبيان, والتوبة والاستغفار.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع وكَلَّ وناح كما ينوح أهل المصائب, وهو منهي عن هذا, بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام, وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأن العاقبة للتقوى وأن ما يصيبه فهو بذنوبه فليصبر, وإن وعد الله حق, وليستغفر لذنبه, وليسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار" الفتاوي 18/291.
فلنتواصى -يا رعاكم الله- بالصبر على البلاء, والثبات إذا وقع القضاء, ولنكن بشير خير, ولا نكونَنَّ نذير شر, ولنقل للمتشائمين بعد طول انتظار كما قال النبي العدنان عليه الصلاة والسلام لأصحابه الكرام حينما اشتكوا من كثرة البلاء وشدته: "والله ليتمن الله هذا الأمر... ولكنكم تستعجلون" صحيح سنن أبي داوود.
إنها صيحة نبوية توقظ العقول الغافلة, وتنبه القلوب الخاوية, امتدت منذ نحو خمسة عشر قرنا مضت إلى هذه اللحظة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, درسا تربويا, ومنهجا علميا, وطريقا نبويا, قائما على البرهان والدليل, يهدي من اتبعه سواء السبيل.
يقول العلامة السعدي رحمه الله: ".. العبد عبد مملوك تحت أوامر ربه ليس له من الأمر شيء (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً), فإذا تعجل الأمور التي يترتب عليها حكم شرعي قبل وجود أسبابها الصحيحة لم يفده شيئا وعوقب بنقيض قصده,.. ويقابل هذا الأصل أصل آخر, أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ولم يجد فقده" القواعد والأصول الجامعة 49-50.
ورحمة الله على أهل العلم لما قالوا:"من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه".
مع التنبيه أنه ليس في هذا الذي قُرر -لا من قريب ولا بعيد- تغييب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذلك لأن هذه الشعيرة العظيمة إذا لم تكن منضبطة بالضوابط الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة النبوية وما جاء عن السلف الصالح, فإنها وبال على الأمة, وباب فتنة على القائم به, وعلى المسلمين.
وها هم الخوارج والمعتزلة في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لما انطلقوا من منطلقات بدعية بعيدة عن النصوص الشرعية, والآثار الصحابية, ومراعاة المصالح المرعية, ودرء المفاسد الردية, نجم عن ذلك الفساد العريض, والتصدع الكبير في جسم الأمة, فسالت الدماء وهتكت الأعراض ونهبت الأموال وقتل النساء والأطفال.
كل ذلك تحت اسم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!.
يقول ابن خلدون رحمه الله: "ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء، فإن كثيرا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرقِ الدينِ يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء, داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه, والأمر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله فيكثر أتباعهم والمتشبثون بهم من الغوغاء والدهماء, ويُعَرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك وأكثرهم يهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين, لأن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم" المقدمة 157-158.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وفي الآية "عليكم أنفسكم" معنى آخر وهو: إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا, وإعراضه عما لا يعنيه كما قال صاحب الشريعة: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)...
وكذلك العمل فصاحبه إما معتد ظالم وإما سفيه عابث.
وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله, ويكون من باب الظلم والعدوان" الفتاوي 14/482.
فالحذر الحذر من بنيات الطريق, التي تشكك وتُخَذل عن السبيل القويم الذي هو على منهج السلف الصالح قائم, والذي اعتدل في سيره وتوسط في مشيه, فقد انحرف كثير ممن انحرف استئناسا بالتعدد, وتوحشا من التفرد, واستعجالا للوصول, وضعفا وانهزاما عن تحمل الطول, ورحمة الله على الفضيل ابن عياض حيث قال: "عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطرق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين", وصدق ابن القيم رحمه الله حيث قال: "من استطال الطريق ضعف مشيه" الفوائد 90.
أبو أويس الإدريسي
المصدر




أم سعد المغربية 20-03-10 10:26 PM

جزاك الله خيرا أختي الحبيبة أم حاتم على هذا الموضوع ،
وبارك الله في شيخنا الفاضل .

رقية مبارك بوداني 21-03-10 12:38 PM

العواطف العواصف
 
وجزاك خيرا منه أختي أم سعد المغربية
:icony6::):icony6:
بسم الله الرحمن الرحيم
العواطف العواصف
زمن االفتن والتغيرات العظيمة من أشد الأمور وقعا على الناس حتى يحتار الحليم في أمره، ويلتبس على العاقل شأنه، وذلك لعظم شأن النوازل والحوادث، حتى قيل: عند النوازل والمصائب تذهل النفوس عن النصوص.
لما كان الامر كذلك كان تكاتف المجتمع وتوحد كلمته على حبل الله من الأهمية بمكان، ذلك لأن التفرق والتشاحن في أوقات المحن والفتن يزيد في تصدع المجتمع وتناحر أهله.
ومن أعظم ما يحدث ذلك العاطفة المذمومة التي تحمل على الاستعجال وفساد التصور، فتنقلب العواطف عواصف.
فلا شك أن العاطفة الحية مطلوبة من المسلم إلا أنها يجب أن تكون تابعة للعلم والعقل السليم، فلو قدمنا العاطفة عليهما لحصل في طريقنا ومنهجنا الفساد العظيم.
فاقرأ قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ".
فانظر-أرشدك الله لطاعته - ماذا نتج عن تحكيم عواطفهم!! (تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ) فلم يثبت مع طالوت لما فصل بالجنود إلا فئة قليلة غلبت بإذن الله فئة كثيرة.
والمتأمل في التاريخ الإسلامي يجد أن هناك صفحات منه تعيد نفسها، وتتكرر أحداثها، ولكننا كثيرا ما نجهل التاريخ وأحداثه وإذا قرأناه لا نعي حقيقة دروسه، ومن الأمثلة على ذلك من المواقف السديدة والتصرفات الحكيمة التي ينبغي أن نستوعبها ونتأملها فيما يقع بنا من تغيرات وفتن مضلة، ما حصل من فتنة في زمن الحسن البصري رحمه الله، فنجده واسع الفقه ناظرا لمآلات الأفعال وحقائق الفتن غير محكم لعاطفته، فلم يفت بقتال بين المؤمنين ولم يأمر بنقض البيعة أو القول بالخروج على ولاة أمور المسلمين، وذلك أيام فتنة الحجاج وظلمه للناس، فلما استبطأ الناس والفقهاء الذين مع ابن الأشعث خروج الحسن البصري معه أرادوا اجباره على الخروج وحمله على قتال الحجاج.
قال ابن عون رحمه الله: "فنظرت إليه (أي إلى الحسن) بين الجسرين وعليه عمامة سوداء قال: فغفلوا عنه، فألقى نفسه في بعض تلك الأنهار حتى نجا منهم وكاد يهلك يومئذ".
ولما ذكر ابن سعد رحمه الله في الطبقات هذه الواقعة قال: "لما كانت الفتنة فتنة ابن الأشعث والحجاج بن يوسف انطلق عقبة بن عبد الغافر وأبو الجوزاء وعبد الله بن غالب في نفر من نظرائهم فدخلوا على الحسن فقالوا: يا أبا سعيد ما تقول في قتال هذا الطاغية (الحجاج) الذي سفك الدم الحرام وأخذ المال الحرام و...فعل وفعل؟ فقال الحسن: "أرى ألا تقاتلوه فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين" قال: فخرجوا من عندي وهم يقولون: نطيع هذا العلج! قال: وهم قوم عرب، قال: وخرجوا مع ابن الاشعث، قال: فقتلوا جميعا.
هكذا حال سلفنا الصالح عند حلول الفتن المضلات، وهكذا فقه الحسن البصري رحمه الله عند ظهور الشبهات فلم يقدم عاطفته على العلم، وصدق رحمه الله حيث قال: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".
فما أحوجنا إلى التأسي -في مثل ذلك خاصة - والاقتداء بهذا الإمام الذي قال عنه ابن سعد في الطبقات: "كان الحسن والله من رؤوس العلماء في الفتن والدماء".
أبوأويس الإدريسي

http://www.manzila.org/forum/index.p...17&#entry28217

رقية مبارك بوداني 23-03-10 10:10 PM

نظرات وقواعد لتصحيح "النقد" وتقويمه
 
نظرات وقواعد لتصحيح "النقد" وتقويمه

لا شك أن نقد الأقوال والأفعال والأحوال والرجال في حالة وجود الخلل والخطأ -بالضوابط الشرعية والقواعد العلمية- من الأصول الواضحة في الكتاب والسنة النبوية, ولا يُظنُّ فيمن شم رائحة العلم, وكان له حظ من الفقه والفهم أن يخالف في ذلك, ما دام القصد منه: الإصلاح والتبيين, والنصيحة والتقويم.
لكن كثيرا من الناس قد خرجوا عن جادة الوسطية والاعتدال في هذا المقام فلم يحققوا الإتزان في نقدهم فخرجوا إلى طرفي الإفراط أو التفريط مع أن "العدل واجب لكل أحد على كل أحد في جميع الأحوال, والظلم لا يباح منه شيء بحال حتى إن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يعدلوا على الكفار في قوله تعالى: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)" قاله ابن تيمية رحمه الله انظر المظالم المشتركة 26.
وعليه فيجب إقامة ذلك على ساق العلم و الدليل, والتقعيد والتأصيل، يقول تعالى: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً", مع إرادة وجه الله تعالى بذلك و الحذرمن اتباع الهوى فإن صاحبه كما قال شيخ الإسلام في منهاج السنة 5/256: "يعميه الهوى ويصمه, فلا يستحضر ما لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك, ولايطلبه ولايرضى لرضا الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-, ولا يغضب لغضب الله و رسوله -صلى الله عليه وسلم- بل يرضى إذا حصل ما يرضاه لهواه, ويغضب إذا حصل مايغضب له بهواه" غاية حاله محاكاة الذباب في تصيد الأوساخ واقتناص معاييب الآخرين.
قال ابن تيمية رحمه الله: "الجاهل بمنزلة الذباب الذي لا يقع إلا على العَقِير (الجريح), ولا يقع على الصحيح, والعاقل يزن الأمور جميعا هذا وهذا" منهاج السنة 6/150.
وصدق من قال:
شر الورى من يعيب الناس مشتغلا مثل الذباب يراعي موضع العلل
ومن أعظم أسباب ذلك المبالغة في المدح أو الذم, أو المجاوزة في البغض أو الحب.
قال الحسن البصري رحمه الله: "أحبوا هونا وابغضوا هونا، فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا, وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا" شرح السنة للبغوي 13/65.
قال بعضهم:
وأبغض إذا أبغضت مقاربا فإنك لا تدري متى أنت راجع
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا فإنك لا تدري متى أنت نازع
"فشدة البغض -إذن-, وكذا شدة الحب: مظنة الغلو والإسراف وترك الاعتدال والمجانبة عن سواء السبيل" فهم الملهم بشرح صحيح مسلم للعثماني 1/73 بتصرف يسير.
ولذلك كثيرا ما يلبس الشيطان على الناس في بابنا هذا بحيث يخرجون الفضيحة في قالب النصيحة, ويعيرون بقناع أنهم يحذرون.
يقول ابن رجب رحمه الله: "ومن أظهر التعيير: إظهار السوء وإشاعته في قالب النصح, وزعم أنه إنما يحمله على ذلك العيوب إما عامة أو خاصا, وكان في الباطن: إنما غرضه التعيير والأذى, فهو من إخوان المنافقين الذين ذمهم الله في كتابه" الفرق بين النصيحة والتعيير 35.
قال الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرض استماعه
ومن الأخطاء في باب النقد: التعميم بغير وجه حق, وهو من أكثر الأخطاء انتشارا بين الناس وله صور، منها:
- من يعمم الحكم على الأعمال مثلا بمجرد النظر إلى عمل واحد، وفي ذلك جور في الحكم!
- ومن الناس من يعمم الحكم على شخص بالنظر إلى مرحلة واحدة من مراحل حياته، ربما تغير عنها وفي ذلك تعد وظلم!
- ومن الناس من يعمم الحكم على طائفة من الناس من خلال النظر إلى حال شخص واحد أو أشخاص منها!.
وقد ذكر الغزالي رحمه الله في "الإحياء" قصة رمزية في خصوص ما نحن فيه تستحق التأمل مفادها: أن ثلاثة من العميان أدخِلوا على الفيل، وكانوا لم يروه من قبل فوضع أحدهم يده على رجله, ووضع الآخر يده على ذيله, ووضع الثالث يده على بطنه, فلما خرجوا سألوهم: ما الفيل؟
فقال الأول: الفيل كسارية المسجد.
وقال الآخر: الفيل كخرطوم طويل به شعر كثيف.
وقال الثالث: الفيل كالجبل العظيم الأملس!!
فأدخلوا مرة أخرى على الفيل، وأمسكوا بجميع أجزائه، وعندها ضحكوا من تعريفاتهم السابقة للفيل واستطاعوا أن يصفوه على حقيقته , انظر4/7.
..ومما ينبغي الحذر منه عند النقد نفور النفس، فهذه الأخيرة قد يعرض لها من المعارضات ما يخرجها عن حد الاعتدال، فيحصل لها شيء من النفور الذي يحصل معه نوع تشويش يذهب بلب صاحبه وصفاء ذهنه، مما يكون سببا في مجانبة الحق والصدور عنه.
ومما ينبغي الحذر منه عند النقد كذلك نفور النفس، فهذه الأخيرة قد يعرض لها من المعارضات ما يخرجها عن حد الاعتدال، فيحصل لها شيء من النفور الذي يحصل معه نوع تشويش يذهب بلب صاحبه وصفاء ذهنه، مما يكون سببا في مجانبة الحق والصدور عنه.
يقول ابن القيم رحمه الله: "..ومعلوم أن الرأي لا يتحقق إلا مع اعتدال المزاج" بدائع الفوائد 3/136.
وقال ابن عقيل رحمه الله كما في الواضح في أصول الفقه 1/528: "وإذا نفرت النفوس عميت القلوب، وخمدت الخواطر، وانسدت أبواب الفوائد", قلت: وينشؤ عن ذلك فساد التصور والقاعدة تقول: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره" فتنبه، فإن كل حكم حكم سواء كان نقدا أو غير ذلك، لا بد فيه من الاجتهاد في تحقيق مناطه "وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله, ومعناه: أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي, لكن يبقى النظر في تعيين محله" الموافقات 3/89-90.
فتصور المسائل تصورا تاما من كل وجه يظهرلك الصواب ويجنبك محاكاة الذباب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فهذه المسائل إذا تصورها الناس على وجهها تصورا تاما ظهر لهم الصواب, وقلت الأهواء والعصبيات, وعرفوا موارد النزاع" الفتاوي 12/13.
واعلم أن التصور المستقر في المدركات لم يكن إلهاما ولم يأت من فراغ, بل كان -ولا بد- له موارد خلصت إلى محل الإدراك كانت أساسا في إصدار الأحكام, ومن بين هذه الموارد الأخبار التي يتناقلها الناس فينبغي الوقوف عند حقيقتها, ومعرفة حال ناقليها فإن "آفة الأخبار رواتها" و" كم أشاع الناس عن الناس أمورا لا حقائق لها بالكلية" الرياض الناضرة 272.
فمتى كانت الأخبار صحيحة كانت الأحكام صائبة -مع مراعاة ما سبق ذكره-, ومتى كانت الأخبار باطلة كانت الأحكام خائبة, ومن تم احتاج كل ذي نظر دقيق عند النقد إلى التدقيق والتحقيق في كل خبر من كل طريق، "لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل, ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب.. فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق" المقدمة لابن خلدون 9-10.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "إن الذي يتصدى لضبط الوقائع من الأقوال والأفعال والرجال يلزمه التحري في النقل, فلا يجزم إلا بما يتحققه, ولا يكتفي بالقول الشائع" انظر ذيل التبر المسبوك للسخاوي.
كما ينبغي أن يتجنب الاعتماد في ذلك على الخبر المجمل فإن الإجمال "لا يسوغ فرض الاستدلال به" البرهان للجويني 1/356.
فالحذر الحذر من الظلم والاعتساف وتحلى أيها الناقد عند إصدار الأحكام والبيان بالعدل والانصاف "فإن الدنيا ظهر قلق, ومتاع خلق, وسراب مؤتلق, هذا يعد الجميل فيصرع, وهذا يؤم السراب فيخدع, وعند الله الملتقى والمجمع" ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب لذي الوزارتين 1/26.
أبو أويس الإدريسي



طالبة الرضوان 24-03-10 05:44 PM

موضوع راق لي .. جعلكِ الله مباركة أينما كنتِ يا أم حاتم ..
وجزى الله الشيخ خيراً ..

رقية مبارك بوداني 25-03-10 01:28 AM

مقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني المالكي رحمه الله
 

بارك الله فيك اختي طالبة الرضوان سعدت بمرورك العطر
:icony6::):icony6:
تعريف بكتاب ومؤلِّفه
مقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني
المالكي رحمه الله
ألف علماء السنة قديما وحديثا مؤلفات توضح عقيدة أهل السنة والحديث، منها ما هو مختصر، ومنها ما هو مطول، وكان من بين هذه المختصرات مقدمة الرسالة للإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي المولود سنة 310هـ، المتوفى سنة 386هـ على الصحيح عن 76 عاما رحمه الله تعالى.
قال عنه الإمام الذهبي رحمه: "الإمام العلامة القدوة الفقيه، عالم أهل المغرب، أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، ويقال له: مالك الصغير، وكان أحد من برَّز في العلم والعمل.
..وكان مع عظمته في العلم والعمل ذا برٍّ وإيثار وإنفاق على الطلبة وإحسان.
..وكان رحمه الله على طريقة السلف في الأصول لا يدري الكلام ولا يتأول فنسأل الله التوفيق" السير 17/10.
وهذه "الرسالة" جمع فيها الإمام رحمه الله بين الأصول والفروع وهذا الصنيع نادر في فعل المؤلفين وهو حسن، يجعل المشتغل في فقه العبادات والمعاملات على علم بأمر العقيدة والتوحيد.
وقد كانت أولَ مؤلفاته رحمه الله حتى قالوا: "هي باكورة السعد، وزبدة المذهب"، وقد كتبها استجابة لرغبة بلديه، مؤدب الصبية، ومعلمهم القرآن الكريم: أبي محفوظ محرز بن خلف البكري التونسي المالكي المتوفى 413هـ.
وقيل: بل إن الذي طلب منه تأليفها هو السبائي: إبراهيم بن محمد، والله أعلم.
وكيفما كان الحال فإن مقدمة رسالته على وجازتها وقلة ألفاظها فهي تبين بوضوح المعتقد السليم المطابق للفطرة المبني على نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في بيان حقيقة الإيمان وأركانه الستة وتقرير توحيد الله سبحانه في أسمائه وصفاته، كالاستواء وإثباتها على حقيقتها وتفويض كيفيتها إثباتا من غير تفويض للحقيقة، ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل فرحم الله هذا الحبر رحمة واسعة آمين.
قال الشيخ عبد الله كنون رحمه الله عن هذه المقدمة: "وهي عقيدة سلفية خالية من التأويل الذي يجنح إليه الأشاعرة" النبوغ المغربي 1/276.
ولأجل ذلك اختارها السلطان محمد بن عبد الله بن إسماعيل الحسيني العلوي رحمه الله المتوفى سنة 1204هـ كمقدمة لكتابه "طبق الأرطاب فيما اقتطفناه من مساند الأئمة وكتب مشاهير المالكية والحطاب" من منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية سنة 1420هـ/1999م.
حيث قال المحقق الدكتور عبد الله بن إدريس بن أبي بكر ميغا ص:156-157: "لما كان الإيمان الصادق الخالي من أي التواء لا يحتاج إلى مقدمات كلامية، أو محاورات فلسفية اختار(1) (أي السلطان) عقيدة الشيخ ابن أبي زيد القيرواني التي ابتدأ بها رسالته لأنها عقيدة سنية سلفية، وليجنب بها القارئ مشاكل المتكلمين ومزالق بعض الفلاسفة".
وقال الدكتور إبراهيم التهامي في كتابه جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة: "وكانت طريقته (أي: ابن أبي زيد) في العقائد هي طريقة السلف..، وبسبب عقيدته السلفية رُمي بالتشبيه كما يقول الإمام المقرّي في أزهار الرياض.." ص:135، وانظر الصفحات بعدها لبيان براءة الإمام مما رمي به، وانظر انتصار الحافظ ابن عبد البر له في الفواكه الدواني 1/46، وكذا مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام 5/182 حيث قال: "ولم يرد على ابن أبي زيد في قوله: (إن الله مستو على عرشه بذاته) إلا من كان من أتباع الجهمية النفاة، فزعم أن ما قاله ابن أبي زيد وأمثاله مخالف للعقل"، وقال: "إنهم لم يردوا عليه قوله لكونه مخالفا للكتاب والسنة ولكن لكونه مخالفا للعقل"!
وقد نظم هذه المقدمة الشيخ أحمد بن مشرف الأحسائي المالكي المتوفى سنة 1298هـ رحمه الله ومما قال فيها:
واترك ما أحدثه المحدثون فكم ضلالة تبعث والدين قد هجرا؟
إن الهدى ما هدى الهادي إليه وما به الكتاب كتاب الله قد أمرا
فلا مراء وما في الدين من جدل وهل يجادل إلا كل من كفرا
فهاك في مذهب الأسلاف قافية نظما بديعا وجيز اللفظ مختصرا
يحوي مهمات باب في العقيدة من رسالة ابن أبي زيد الذي اشتهرا
ولهذه المقدمة شروحات كثيرة إلا أن جلَّ الشروح المطبوعة كشرح زروق، والعدوي، وابن ناجي، وابن غنيم، وغيرهم رحمة الله عليهم خالفت ما كان عليه الإمام ابن أبي زيد رحمه الله من السير على طريقة السلف الصالح من نبذ الكلام والتأويل مع أن طريقة السلف هي الأعلم والأسلم والأحكم.
هذا باستثناء شرح الإمام القاضي أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المتوفى سنة 432هـ فهو في الجملة على طريقة السلف إلا ما كان من نزوع خفيف لمذهب الخلف في نحو مسألة الكسب، واستخدام طريقة المتكلمين واصطلاحاتهم أحيانا.
وهذا الأخير قيل هو أول شرح للمقدمة وقد بيعت أول نسخة منه بمائة مثقال ذهبا.
وقيل أول شروحها لتلميذه: أبي بكر محمد بن موهب المقبري المتوفى سنة 406هـ رحمه الله، وهو شرح أثري قرر فيه صاحبه عقيدة السلف كما في الصواعق المرسلة لابن القيم 2/258، إلا أن هذا الشرح قد فقد والعلم عند الله.
وقد نقل عن هذين الشرحين الإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية.
ومن الشروحات المعاصرة السنية اللطيفة لهذه المقدمة شرح "قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني" للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله.
وللتنبيه فإن هذه المقدمة قد نشرت مفردة باسم "العقيدة الإسلامية التي ينشأ عليها الصغار" باعتناء: عبد الفتاح أبو غدة.
إلا أن هذا المعتني رحمه الله وغفر له "قد تناولها بقلم غير قلم ابن أبي زيد، وبعقيدة تخالف عقيدته، فوظف التحريف بما سولت له نفسه في نص هذه العقيدة ومعناها (2) ففتح فيها ثلم، وغشاها من عقيدة التفويض والتحريف ما غشَّى، تفريطا في الحق وهو بين يديه، وتعديا على الخلق وهو بين أيديهم، فصار واجبا على من علم: كشف تلك الدسائس، ودفع هذا التعدي البائس، نصرة لعقيدة أهل السنة وأهلها وحماية لعقائدهم من دخولات المخالفين لها وليحذر المسلمون من تسليم أولادهم لمن يتمسح بمعتقدهم وحقيقته استدراجهم إلى فاسد مشربه، وفتح باب الأهواء والمشاقة في صفوفهم، نعوذ بالله من الهوى وأهله".
وبيان ذلك والكشف عنه انظره في "عقيدة السلف: مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة" للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله.
والله الهادي إلى سواء السبيل
.............................................................
1- كما جعلها رحمه الله مقدمة كتابه "الفتوحات الإلهية الكبرى في أحاديث خير البرية" للغرض نفسه كما صرح هو نفسه بذلك ص:3 حيث قال: "هذا الذي حملني على الاقتصار عليها وعدم الالتفات إلى غيرها".
2- وإن كان قد تورع في مقدمة الطبع فذكر أنه سيزيد ألفاظا!!
اعداد : أبو أويس الإدريسي


رقية مبارك بوداني 03-04-10 03:38 PM

التأصيل لدور الأخلاق الحسنة في الدعوة إلى الله تعالى
 

بسم الله الرحمن الرحيم

التأصيل لدور الأخلاق الحسنة في الدعوة إلى الله تعالى

إن إتمام مكارم الأخلاق وإشاعتها من مقاصد الدعوة إلى الله تعالى، فقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك من أهداف وغايات دعوته فقال: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" صحيح الجامع.
وهذا لأن لحسن الخلق أثرا بالغا في بناء المجتمعات وصفاء قلوب أهلها، ووجه ذلك أن أي مجتمع لا يستطيع أفراده أن يعيشوا سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة، فمتى فقدت تفكك أفراد المجتمع وتصارعوا، وأكل القوي منهم الضعيف، وفشا الظلم بينهم بشتى صوره وأشكاله، وحل بهم الانهيار والدمار.
وصدق شوقي إذ يقول:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأثما وعويلا
كما أن الخلق الحسن من أسباب تعمير الديار وزيادة الأعمار فعن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمرن الديار، ويزدن في الأعمار" صحيح الجامع.
وعليه اعتبر الخلق السيء من أدوإ الداء ففي أدب الدنيا والدين للماوردي قال الأحنف بن قيس رحمه الله: "ألا أخبركم بأدوإ الداء؟ قالوا: بلى، قال: الخلق الدني واللسان البذي".
ومما يجلي ذلك ويبينه أن نعلم أن خلق الإسلام الحياء كما في الحديث عن أنس وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه: "إن لكل دين خلقا، وإن خلق الإسلام الحياء" صحيح الجامع.
فجعل النبي صلى الله عليه و سلم أساس الأخلاق ومردها إلى خلق الحياء.
قال المناوي رحمه الله: "(وإن خلق الإسلام الحياء) أي: طبع هذا الدين وسجيته التي بها قوامه، أو مروءة هذا الدين التي بها جماله، الحياء فالحياء أصله من الحياة فإذا حيي القلب بالله تعالى ازداد منه حياة.. وذلك من قوة الإسلام لأن الإسلام تسليم النفس والدين وخضوعها وانقيادها، فلذلك صار الحياء خلقا للإسلام.. يعني الغالب على أهل كل دين سجية سوى الحياء، والغالب على أهل ديننا الحياء لأنه متمم لمكارم الأخلاق، وإنما بعث المصطفى لإتمامها ولما كان الإسلام أشرف الأديان أعطاه الله أسنى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء" فيض القدير 2/508.
وإذا فقد الناس هذا الخلق العظيم فشت فيهم الفضائح، وعمت القبائح، فتنهار الحضارات، ويحصل الدمار في المجتمعات.
ففي الحديث عن عبد الله بن مسعود قال عليه الصلاة والسلام: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري.
فإن "من لا يستحي لا يبالي من العار والمعاصي ما يأتي" التمهيد 9/236.
فالحياء خلق سني إذا تحلى المرء به انبعث إلى الفضائل، وأقصر عن الرذائل.
قال ابن حبان رحمه الله: "فالواجب على العاقل لزوم الحياء لأنه أصل العقل وبذر الخير، وتركه أصل الجهل وبذر الشر" روضة العقلاء 56.
وعليه فمما يجب أن يحرص عليه الداعية إلى الله عز وجل والذي حمل هم الإصلاح تحليه بالأخلاق الحسنة الجميلة، وتخليه عن الأخلاق السافلة القبيحة وذلك لأمرين اثنين:
أولهما: لما في ذلك من الأثر البالغ على المدعوين والمجتمع الذي يعيش فيه، فقد طبع الناس على حب حسن الخلق ولو كان من الكافرين، وعلى كراهية سوء الخلق والنفور من صاحبه كائنا من كان.
فلا يجد الإنسان مدخلا لقلوب الناس ولا سبيلا للاجتماع بهم والتآلف معهم إلا بالخلق الحسن.
فإذا تحلى به الداعية أضفى شعورا من الارتياح في نفوس المدعوين، وقبولا كبيرا لدعوته وبناء قويا لمجتمعه، فكم قبلت عند الناس من دعوة باطلة لتلبيس صاحبها بنعومة ألفاظه ورفقا في أفعاله، وكم ردت من دعوة صحيحة لجفاء صاحبها وسوء خلقه! فنشأ عن ذلك فساد الأفراد والمجتمعات فإن هذه الأخيرة لا تصلح بمجرد العقيدة –مع أنها أول ما يجب الدعوة إليه وهي أهم ما يحقق الصلاح والإصلاح إذا أقيمت علما وعملا ودعوة على حقيقتها دون مجرد صورتها فتنبه-، فالقصد الحديث عن عقيدة مجردة عن الخلق الحسن، فلا بد أن يواكب العقيدة خلق كريم يربط الناس ويشد ما بينهم.
ولذلك نجد شيخ الإسلام رحمه الله في عقيدته الواسطية التي ضمها أمات قضايا العقيدة عند أهل السنة والجماعة يقول: "ويدعون -أي: أهل السنة- إلى مكارم الأخلاق، ويعتقدون قول النبي صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا".
فإذا كانت العقيدة لبنات المجتمع فإن الخلق ملاطها.
وبعبارة أخرى فإن التوحيد والعبادة والدعوة المجردة عن الخلق لا تؤلف جماعة ولا تقيم مجتمعا سعيدا، فإذا كان الناس سينفضون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان فظا غليظا –وحاشاه من ذلك- فمن باب أولى أن ينفضوا عمن هو دونه، ولهذا جاء النص الشرعي محذرا المسلمين عامة والدعاة خاصة من مغبة سوء الخلق، لما يجر من فساد على الدعوة بخاصة والمجتمع بعامة.
قال تعالى محذرا الدعاة وفي مقدمتهم سيدهم عليه الصلاة والسلام من عاقبة سوء الخلق: "وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ" فإذا كان هذا الخطاب لرسول اله صلى الله عليه وسلم الذي هو سيد الموحدين، وسيد المتقين، والذي بلغ في تحقيق الأخلاق الحسنة القدح المعلى كما قال الله تعالى في حقه: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" فكيف بغيره؟! فهل من معتبر.
أما الأمر الثاني وهو: أن تحلي الداعية إلى الله تعالى بالخلق الحسن سبب عظيم لتأييد الله له ونصره، وهذا عامل قوي وأساس في باب الدعوة إلى الله وإصلاح المجتمعات كما لا يخفى على أرباب هذا الشأن، ومن الأدلة على ذلك حديث وصف خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبرها بنزول الوحي حيث قال: "لقد خشيت على نفسي، فقالت: كلا أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا -ثم ذكرت سبب ذلك بقولها-: والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: "قال العلماء: معنى كلام خديجة رضي الله عنها أنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشمائل، وذكرت ضروبا من ذلك، وفي هذا دلالة على أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب السلامة من مصارع السوء" شرح مسلم 2/202.
ومما يبين كذلك علاقة الدعوة إلى الله بالأخلاق الحسنة: أن الدعوة إلى أصول الحسنات تستلزم سائرها وهذه قاعدة مهمة يسترشد بها الداعية إلى ترتيب الأولويات في دعوته حتى لا يستنفذ جهده في الدعوة إلى كل جزئية من الدين على حساب غيرها (1).
ومعنى ذلك: أن دعوة الناس إلى الأحكام الكلية وأصول الخيرات والحسنات يدفعهم إلى امتثال سائرها إن كان أمرا، والكف عن سائرها إن كانت نهيا، ومن أصول الحسنات أصول الأخلاق كالصدق والعدل...
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "..جاء في الأثر (إن ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها) لاسيما أصول الحسنات التي تستلزم سائرها مثل الصدق فإنه أصل الخير" الفتاوي 15/246.
فتبين لنا من خلال ما قدمنا ما لمكارم الأخلاق من مكانة عظيمة ومنزلة عالية في الدين خاصة في باب الدعوة إلى الله عز وجل.
..........................
1- ولا يعني هذا عدم الدعوة إلى الأحكام الجزئية بل لا بد من الدعوة إليها وحث الناس على فعلها، وإنما المراد توجيه الجهد الأكبر للدعوة إلى الكليات التي تزكوا بها النفوس وتعلوا المجتمع بسببها الصبغة الإسلامية.
أبو أويس الإدريسي

http://www.manzila.org/forum/index.php?showtopic=3399

رقية مبارك بوداني 04-04-10 08:32 PM

إنما العلم أن تسمع بالرخصة عن ثقة, فأما التشدد فيحسنه كل أحد
 
إنما العلم أن تسمع بالرخصة عن ثقة, فأما التشدد فيحسنه كل أحد

قرر البعض أصل: التيسير في الفتوى, وجعلوا ذلك قاعدة مطردة, مستدلين بآيات وأحاديث وجملة من الآثار من ذلك ما أثِر عن سفيان الثوري رحمه الله قال: "إنما العلم أن تسمع بالرخصة عن ثقة, فأما التشدد فيحسنه كل أحد" جامع بيان العلم 255, صفة الفتوى لابن حمدان رحمه الله, شرح السنة للبغوي رحمه الله 1/290, آداب الفتوى للنووي رحمه الله 37.
فنقول بيانا لبطلان هذا الأصل: أن ما استدل به من الآيات والأحاديث مثل قوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر" ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن: "بعثت بالحنيفية السمحة" فلا يدل ذلك إلا على أن الشريعة في ذاتها -بعقائدها وأحكامها ومقاصدها وحدودها وتعزيراتها- هي يسر, ولا يلزم من ذلك تقرير أصل التيسير في الفتوى, لما يؤدي إليه ذلك من تتبع زلل العلماء, والأخذ بالرخص غير المشروعة, وإسقاط التكاليف, واتباع هوى النفوس, مع أن "المقصد الشرعي من وضع الشريعة هو إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا, كما هو عبد لله اضطرارا" الموافقات 2/128.
قال ابن حزم رحمه الله رادا على من قرر ذلك الأصل: "فإن احتج بقوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر" فقد علمنا أن كل ما ألزم الله تعالى فهو يسر بقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)" الأحكام 869.
إذن فمن الخطأ البين الاستدلال بيسر الشريعة على التيسير في الفتوى! وتؤكد لنا لغة العرب هذا الأمر حيث "اليسر" صفة لازمة للشريعة, ومقصد من مقاصدها التشريعية, و"التيسير" يُباينه فهو فعل من البشر فتنبه!
وأما قول عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين: "ما خُيّّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه".
فنقول: إن التخيير المذكور في الحديث حمل على أمور الدنيا لا الدين.
قال الحافظ في الفتح 6/713: "قوله: بين أمرين أي: من أمور الدنيا لأن أمور الدين لا إثم فيها...ووقوع التخيير بين ما فيه إثم وما لا إثم فيه من قبل المخلوقين واضح, وأما من قبل الله ففيه إشكال, لأن التخيير إنما يكون بين جائزين".
والكلام نفسه ذكره العلامة "العيني" في عمدة القاري عند شرحه لهذا الحديث.
وعلى القول بأن الحديث يشمل أمور الدين والدنيا كما جنح إليه محمد سعيد الباني في كتابه "عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق" متعقبا ابن حجر, والعيني رحمهما الله, انظر الصفحة 159-160.
فنقول على ذلك: إن الاختيار في أمر الدين واقع منه صلى الله عليه وسلم فيما خير فيه -كما هو ظاهر الحديث- وليس في كل ما أوحي إليه أو كُلف به هو وأمته, ومثال ذلك الاختلاف في صيغ الأذان والتشهد, ونحو ذلك مما دلت عليه الأحاديث الصحيحة.
أو نقول: أن هذا التخيير مقيد -كما في الحديث- بما لم يكن إثما, كأن يكون الأخذ بـ"الأيسر من أمور الدين مفضيا إلى الإثم إما بالتهاون عن الأداء بتاتا, وإما بالأداء على وجه غير صحيح بتخلل بطلان أو فساد، وإما بالأداء على وجه ناقص بتخلل ما يقتضي كراهة التحريم من إتيان أو ترك". عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق 160.
وبناء على ما سبق فإن لفظة "الرخصة" في كلام سفيان الثوري رحمه الله السالف الذكر ليس القصد منها الرخص المشروعة كقصر الصلاة في السفر, والإفطار فيه ونحو ذلك, لأن أمثالها: يسر من الله تعالى وليست تيسيرا من المفتي فتأمل فإن كلام سفيان رحمه الله على الأمر الثاني لا الأول.
كما أنه رحمه الله لا يقصد بذلك أهون أقوال العلماء في مسائل الخلاف, لأن تتبع ذلك منهي عنه إجماعا, كما حكاه غير واحد من أهل العلم كابن عبد البر رحمه الله في جامعه 2/91-92.
ومن ثم فقصد سفيان الثوري رحمه الله من الرخصة في كلامه ما قاله السبكي رحمه الله مُعرِّفا إياها: "الرخصة ما تغير من الحكم الشرعي لعذر إلى سهولة ويسر مع قيام السبب للحكم الأصلي كأكل الميتة للمضطر". رفع الحاجب 2/26.
وعليه فكلام سفيان رحمه الله مجاله أن يكون التيسير الذي حُكم به قد قرره إمام أو عالم مجتهد يصلح الاجتهاد من مثله بتطبيق أصول وقواعد الشرع ومنها قاعدة "المشقة تجلب التيسير", أو "الضرر يُزال" أو نحو ذلك من القواعد, فإذا كان الحكم اليسير جاء على اجتهاد صحيح على قواعد رفع الحرج فإن هذا يكون من الدين الذي هو أحب إلى الله جل وعلا من التشديد حيث ترْك الأخذ بالرخصة المأذون فيها -عند الحرج والعذر أو الضرورة- تشديد, والتشديد يحسنه كل أحد.
قال النووي رحمه الله: "وأما من صح قصده, فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها, لتخليص من ورطة يَمِين ونحوها, فذلك حسن جميل, وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان: "إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد" آداب الفتوى 37.
ولذلك كان من آداب المفتي أن لا يسد الطريق -ما استطاع- على المستفتي في التنفيذ في الحال الذي جعل الله له فيها مخرجا, فيما إذا كان هناك مخرج شرعي جائز مناسب.
وهذا الذي قصده الناظم بقوله في معرض الكلام عن آداب المفتي:
عاشِرُها إرشاد سائل إلى ** مُناسب له يكون بدلا
فقد أتى قوله جل وعلا ** (فاضرب به) دفعا لحنث نزل
التحفة الرضية3/653 مع شرحها.
ويقول ابن القيم رحمه الله: "لا يجوز للمفتي تتبع الحيلة المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه, فإن تتبع ذلك فسق, وحَرُم استفتاؤه, فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك بل استحب, وقد أرشد الله تعالى نبيَّه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثا فيضرب به المرأة ضربة واحدة، وأرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلالا إلى بيع التمر بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمرا آخر فيتخلص من الربا, فأحسن المخارج ما خلص من المآثم, وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم, أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم" إعلام الموقعين 4/222.
وفي سياق ذلك قال أبو بكر بن العربي رحمه الله: "إذا جاء السائل عن مسألة فوجدتم له مخلصا فيها فلا تسألوه عن شيء, وإن لم تجدوا له مخلصا فحينئذ اسألوه عن تصرف أحواله وأقواله ونيته، عسى أن يكون له مخلص" أحكام القرآن 4/163.
أبو أويس الإدريسي

رقية مبارك بوداني 07-04-10 02:01 AM

ترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور
 
ترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور

أفضل الطاعات والقربات: العمل على مرضاة الله جل علا في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت، فالأفضل في أوقات السحر مثلا: الاشتغال بالصلاة والقرآن، والدعاء، والذكر والاستغفار، والأفضل في وقت حضور الضيف: القيام بحقه، والاشتغال به عن الورد المستحب وهكذا دواليك.
فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته، وهذا هو حال أهل التعبد المطلق، انظر المدارج 1/100 فما بعدها.
إلا أنه في حالة ازدحام الطاعات، والتعارض -عند الفعل- بين القربات، يقدم الفاضل على المفضول والأهم على المهم لأن الأعمال تتفاوت في الرتب.
قال الألوسي رحمه الله في روح المعاني 1/119 عند قوله تعالى: "يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون": "وهذه الثلاثة متفاوتة الرتب، فرتب سبحانه وتعالى ذلك مقدما الأهم فالأهم، والألزم فالألزم".
ومن أمثلة ذلك تقديم العمل الذي تعدى نفعه على القاصر عند الازدحام.
قال الناظم:
والمتعدي عندهم من العمل أنمى من القاصر فضلا وأجل
متن الفوائد البهية 46.
بعث الحسن البصري رحمه الله قوما من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مروا ثابت البناني فخذوه معكم، فأتوا ثابتا فقال أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال: قولوا له يا أعمش أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة، فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه وذهب معهم. جامع العلوم والحكم 319.
وهذا الشأن يحتاج إلى معرفة بمراتب الطاعات وفقه في درجات القربات لأن "ترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور" قاله الغزالي رحمه الله في الإحياء 3/403.
قال ابن القيم رحمه الله في معرض ذلك: "وهذا موضع يحتاج إلى فضل فقه في الطريق، ومراتب الأعمال، وتقديم الأهم منها فالأهم" الفوائد.
مع العلم أن المرجع في معرفة الفاضل من المفضول، والأهم من المهم الكتاب والسنة أصالة ثم العقل السليم و اللغة العربية والقواعد الشرعية والضوابط المرعية .
قال الذهبي رحمه الله: "فضل الأعمال بعضها على بعض، إنما هو التوقيف، وورد في ذلك أحاديث عدة" السير 11/419.
أبو أويس الإدريسي


رقية مبارك بوداني 07-04-10 10:32 AM

الصدق مع الله في السرّ علامة كمال الإيمان
 
الصدق مع الله في السرّ علامة كمال الإيمان

"لا تكن وليا لله في العلانية عدوا له في السر"

العبد مأمور بصون نفسه في حالتي السرّ والعلانية، وإن كان صونها في حالة الخفاء هو أصل الأمر، لما لذلك من الشأن العظيم.
قال ابن رجب رحمه الله: " وفي الجملة فتقوى الله في السرّ هوعلامة كمال الإيمان" جامع العلوم والحكم.
فصلاح سر الإنسان هو ميزان إيمانه ومعيار استقامته حتى أن السلف رضوان الله عليهم كانوا يحرصون على صفاء حالة الخلوة أكثر من حالة الجلوة، فها هوالإمام ابن سيرين رحمه الله كان: "يضحك بين الناس وإذا خلى بالليل فكأنه قتل أهل قرية".
فالخلوات الخلوات فإن أكثر الناس "في خلوته على غير حالته في جلوته" كما قال الإمام ابن الجوزي.
أخرج الإمام ابن ماجة في سننه بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأعلمنَّ أقواما يوم القيامة يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباءا منثورا".. ثم قال لأصحابه: "وهم منكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها".
وقال أبوالدرداء رضي الله عنه: "ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهولا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين".
وقال سليمان التيمي رحمه الله: "إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته".
وقال وهب بن الورد رحمه الله: "إن الذنب في الخفاء له عاقبته في السر".
فعلى العبد أن يتقي ربه في حالتي الجهر والسر وأن يحذر من مغبة ذلك.
قال بلال بن سعد رحمه الله: "لا تكن وليا لله في العلانية عدوا له في السر".
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "والحذر الحذر من الذنوب، خصوصا ذنوب الخلوات فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه" صيد الخاطر.
فالواجب إذا أن ينهض العبد إلى إصلاح حالة سره خصوصا وإصلاح أمره عموما، فمن أصلح حال سره أحسن الله له حال علانيته.
قال ابن عون رحمه الله: "كان أهل الخير يكتب بعضهم إلى بعض بثلاث كلمات :
- إذا اشتغلت بآخرتك كفاك الله دنياك.
- وإذا أحسنت سرك أحسن الله علانيتك.
- وإذا أصلحت ما بينك وبين الله أصلح الله ما بينك وما بين الناس
".
وقال سليمان التيمي رحمه الله: "من أحسن لله سريرته فاح عبير مسكه في علانيته".
لذلك حمل جمع من السلف رفعة وعلو مكانة الأئمة الأعلام بين الناس على إحسانهم في حالة سرهم فأعلى الله شأنهم وقدرهم.
قال ابن المبارك رحمه الله: "إن الله عز وجل قد رفع مالك بن أنس وليس عنده كثير صلاة ولا صيام، وأرى ذلك أنه أصلح سره مع الله فرفع الله علانيته وقدره".
وقد ذكر عند الإمام أحمد فضل الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله فقال :"قد رفع الله ذكره وأحسب أنه لخبيئته في السر".
فما أحوجنا إلى إصلاح السر وإحسان الخلوة، وقد ذكر أهل العلم جملة من الأسباب لتحقق ذلك إن شاء الله تعالى منها:
1- الخلوة الإيمانية الأثرية بحيث يخلو الإنسان في المسجد أو في بيته يتلو كتاب الله ويذكر الله ويدعوه ويتضرع إليه وفق السنة، ففي هذا فضل عظيم كما في الحديث الصحيح حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم: "..ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".

قال مسروق رحمه الله: "لا بدَّ للعبد من مجالس الخلوة مع نفسه".

2- الحياء من الله واستحضار مراقبته.
قال ابن السماك رحمه الله:
يا مدمنا على الذنب أما تستحي........ والله في الخلـوة ثانيـك
غرك من ربك إمهـــــاله ........وستره طـول مساويك

وقال الإمام أحمد رحمه الله:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا......... تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

3- الدعــاء فإنه من أنفع الأدوية، فيدعوالعبد ربه جل وعلا بصلاح سره وعلانيته ويطلب المغفرة من ذنوب خلوته وجلوته.
فمن الأدعية المأثورة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، وما أنت أعلم به مني..".

رزقنا الله وإياكم الصدق مع الله في السر و العلانية.

أبو أويس الإدريسي




رقية مبارك بوداني 08-04-10 10:55 AM

فوائد قراءة تراجم الصالحين,والسلف الماضين
 
فوائد قراءة تراجم الصالحين,والسلف الماضين

تراجم السلف الصالحين, والعلماء العاملين, والفقهاء الماضين, من أعظم الوسائل التي تعين على السير قدما على طريق الاستقامة, وتبعث على غرس الفضائل في النفوس, وتدفعها إلى التأسي والاقتداء بالأخيار الذين أخذوا بالكتاب والسنة والآثار, كل ذلك لتسمو النفس إلى الدرجات العلية, وتندفع إلى المقامات السنية.
وقد ذكر أهل العلم جملة من الفوائد التي تستفاد من هذه التراجم والحكايات, حتى تكون سببا ليشمر المرء للعكوف لقراءتها, من ذلك:
علو الهمة وتباث القلب: قال أحد السلف: "الحكايات جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب أوليائه", وشاهده من كتاب الله تعالى قوله سبحانه: "وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ".
2- الاقتداء بالسلف والاستفادة والاعتبار بمواعظهم وأحوالهم: يقول ابن الجوزي رحمه الله: "..وعليكم بملاحظة سير السلف, ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم فالاستكثار من مطالعة كتبهم رأية لهم... ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب.
فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم, وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم, وغرائب علومهم, ما لا يعرفه من لم يطالع
" صيد الخاطر.
3- صلاح القلب: قال ابن الجوزي رحمه الله: "رأيت الاسشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين, لأنهم تناولوا مقصود النقل, وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها" صيد الخاطر.
4- معرفة الإنسان قدر نفسه: قال أحد العلماء: "إذا ذكر السلف افتضحنا", وفي صفة الصفوة قال حمدون القصار رحمه الله: "من نظر في سير السلف عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال".
وذكر عند مخلد بن الحسين رحمه الله أخلاق الصالحين فقال:
لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ........ ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
وقال ابن الجوزي رحمه الله في تلبيس إبليس: "ومن نظر في سير السلف من العلماء العاملين استحقر نفسه, فلم يتكبر".
محبة السلف والأئمة: لأن قراءة تراجمهم والوقوف عند أحوالهم تبعث على ذلك فطوبى لمن أحبهم في الله ولله جل وعلا, فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "المرء مع من أحب".
من الفوائد كذلك أن تجتمع عند المرء خلاصة التجارب وعصارة الأفكار, ويُطلع على عجائب الأمور وتقلبات الزمان.
قال بعضهم:
إذا علم العبد أخبار من مضى ........توهمته قد عاش من أول الدهر
وقال ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: "واعلم أن في ذكر السير والتاريخ فوائد كثيرة من أهمها أن يطلع بذلك على عجائب الأمور, وتقلبات الزمن وتصاريف القدر, وسماع الأخبار, فالنفس تجد راحة بسماع الأخبار".
من فوائد ذلك تنزل الرحمات حيث بذكر أحوال السلف والعلماء يحصل في النفوس من الحركة والرغبة إلى الخير واللذة والسرور, فإن هذه الأخيرة رحمة من الله جل وعلا يجعلها في قلوب المؤمنين.
قال ابن تيمية رحمه الله: "الله يعجل للمؤمنين من الرحمة في قلوبهم وغيرها بما يجدونه من حلاوة الإيمان ويذوقونه من طعمه وانشراح صدورهم للإسلام إلى غير ذلك من السرور وبالإيمان والعلم النافع والعمل الصالح" الإقتضاء 1/21.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة" التمهيد, ومقدمة صفة الصفوة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ".. فتارة يكون المعلوم محبوبا يلتذ بعلمه وذكره كما يلتذ المؤمنون لمعرفة الله وذكره، بل ويلتذون بذكر الأنبياء والصالحين، ولهذا يقال: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة, بما يحصل في النفوس من الحركة إلى محبة الخبر والرغبة فيه والفرح به والسرور واللذة" الصفدية 2/269.
أبو أويس الإدريسي



رقية مبارك بوداني 11-04-10 02:38 PM

هل الأخذ بظواهر النصوص الشرعية يعد ظاهرية وجمودا وسطحية وتحجرا؟
 
هل الأخذ بظواهر النصوص الشرعية يعد ظاهرية وجمودا وسطحية وتحجرا؟

يسم كثير من أهل الأهواء والبدع من العقلانيين والعلمانيين وغيرهم ممن لا فهم لهم دقيق أهل السنة -طعنا فيهم- بالظاهرية الجدد أو الحرفية في الفكر والنظر, لأجل تمسكهم بظواهر نصوص القرآن والسنة وجعل ذلك هو الأصل, وعدم أخذهم بروح النص كما زعموا!
ومن العجيب أن بعض من ينتسب إلى الدعوة يدعي أن هذا المسلك الذي سار عليه أهل السنة هو الذي ذمه العلماء على الظاهرية قديما!
وهذا من الخلط بين المفاهيم, ووضع بعضها موضع الآخر دون نظر وتدقيق, مما يدل على أن قائل ذلك: لا يعرف حقيقة مذهب الظاهرية، وما الذي رده العلماء عليهم؟, وما الذي ذموه في مسلكهم؟.
فنقول بيانا:
قرر العلماء رحمهم الله في هذا الصدد أن الأصل: هو الأخذ بظاهر النصوص إلا بقرائن ملزمة, قال ابن القيم رحمه الله: "الواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, وحمل كلام المكلف على ظاهره الذي هو ظاهره, وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب, ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك, ومدعي غير ذلك على المتكلم القاصد للبيان والتفهيم كاذب عليه" إعلام الموقعين 3/108-109.
وقال الشنقيطي رحمه الله: "قد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى يرد دليل شرعي صارف عنه, إلى المحتمل المرجوح وعلى هذا كل من تكلم في الأصول" أضواء البيان 7/443.
وبناء عليه فكل ما ورد عن الأئمة في عدم الأخذ بظواهر بعض النصوص فذلك لمعارض ظهر لهم فتنبه.
ومن أمثلة ذلك ما بينه الذهبي رحمه الله في السير حيث قال: "قال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث "البيعان بالخيار" فقال: يستتاب, فإن تاب وإلا ضربت عنقه. ثم قال أحمد: هو أورع وأقول بالحق من مالك.
قلت (أي: الذهبي): لو كان ورعا كما ينبغي لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث لأنه رآه منسوخا.." السير 7/142-143.
أما الظاهرية التي ذمها العلماء على أصحابها: أن يهجم المستدل على النصوص ويقطع بالحكم بها ببادئ النظر، اعتقادا منه أنه هو ظاهر النص ومقتضى اللغة دون طلب تفسير الصحابة والسلف, ودون مراعاة مقاصد الشرع ومحكماته.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "الاحتجاج بالظواهر مع الإعراض عن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طرق أهل البدع" الفتاوي 7/375.
ومن معالم الظاهرية المبتدعة- كذلك -: الجمود على ظاهر لفظ النص دون مراعاة المعنى المقصود منه وإبطال دليل القياس تعيينا, إلى غير ذلك. انظر إعلام الموقعين 1/344.
قال الشاطبي رحمه الله: "اتباع ظواهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصده ومعاقده والقطع بالحكم ببادئ الرأي والنظر الأول, وهو الذي نبه عليه قوله في الحديث: "يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم" ومعلوم أن هذا الرأي يصد عن اتباع الحق المحض ويضاد المشي على الصراط المستقيم, ومن هنا ذم بعض العلماء رأي داوود الظاهري وقالوا: إنها بدعة ظهرت بعد المائتين" الموافقات 4/179.
وقال أبو حيان الأندلسي: "محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه".
قال الشوكاني في البدر الطالع 2/290 معلقا على كلمة أبي حيان الأندلسي: "لقد صدق أبو حيان في مقاله, فمذهب الظاهر هو أول الفكر وآخر العمل عند من منح الانصاف, ولم يرد على فطرته ما يغيرها عن أصلها وليس هو مذهب داوود الظاهري وأتباعه فقط, بل مذهب أكابر العلماء المتقيدين بنصوص الشرع من عصر الصحابة إلى الآن, وداوود واحد منهم, وإنما اشتهر عنه الجمود في مسائل وقف فيها على الظاهر حيث لا ينبغي الوقوف وأهمل من أنواع القياس ما لا ينبغي لمنصف إهماله.
وبالجملة فمذهب الظاهر هو العمل بظاهر الكتاب والسنة بجميع الدلالات وطرح التعويل على محض الرأي الذي لا يرجع إليهما بوجه من وجوه الدلالة.
وأنت إذا أمعنت النظر في مقالات أكابر المجتهدين المشتغلين بالأدلة وجدتها من مذهب الظاهر بعينه, بل إذا رزقت الانصاف وعرفت العلوم الاجتهادية كما ينبغي, ونظرت في علوم الكتاب والسنة حق النظر كنت ظاهريا, أي: عاملا بظاهر الشرع منسوبا إليه لا إلى داوود الظاهري, فإن نسبتك ونسبته إلى الظاهر متفقة, وهذه النسبة هي مساوية للنسبة إلى الإيمان والإسلام, وإلى خاتم الرسل عليه أفضل الصلوات والتسليم, وإلى مذهب الظاهر بالمعنى الذي أوضحناه..."
اهـ.
وصفوة الكلام في هذا الباب, وفصل النزاع في قضية الأخذ بالظاهر التفريق بين ما يظهر للإنسان وبين ظاهر كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فالأول قد يكون متوهما.
قال شيخ الإسلام: "ولفظ الظاهر يراد به ما قد ظهر للإنسان, وقد يراد به ما يدل عليه اللفظ, فالأول يكن بحسب فهم الناس, وفي القرآن ما يخالف الفهم الفاسد شيء كثير" منهاج السنة 4/179.
وقال أيضا: "فكل ما بينه القرآن وأظهره فهو حق, بخلاف ما يظهر للإنسان بمعنى آخر غير نفس القرآن يسمى ظاهر القرآن, كاستدلالات أهل البدع من المرجئة والجهمية والخوارج والشيعة" الفتاوي 7/375.
أبو أويس الإدريسي

رقية مبارك بوداني 14-04-10 10:55 AM

من هم محارم المرأة الذين يجوز لهم الخلوة بها
 
من هم محارم المرأة الذين يجوز لهم الخلوة بها
والنظر إليها؟
لما بعد كثير من الناس عن تعاليم الإسلام وأحكام الدين, خاصة تلكم التي تحفظ الفروج والعورات, وتسد الذريعة إلى إختلاط الأنساب والمياه, وتحول دون ارتكاب المنكرات: وقع الناس في مستنقع الرذيلة والفاحشة وساعد على ذلك تمكن أعداء الإسلام من المرأة حتى أوقعوها في براثن الضياع وقلة الحياء بدعوى تحريرها, وهم في الواقع أرادوا أن يحرروها من دينها وحيائها وعفتها.
ومن هذه الأحكام الشرعية: معرفة المرأة لمحارمها من غيرهم حتى تحفظ نفسها ودينها فنقول وبالله التوفيق:
قال النووي رحمه الله:
عندما وجه إليه سؤال: ما حقيقة التي هي محرم له, وله النظر إليها والخلوة بها؟ فأجاب رحمه الله: "هي كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها. وقولنا (على التأبيد) إحتراز من أخت المرأة ونحوها (أي: عمتها وخالتها وبنتها إذا عَقَد على الأم ولم يدخل بها), وقولنا: (بسبب مباح) احتراز من الأم الموطوءة بشبهة وبنتها, فإنهما محرمتان على التأبيد لكن لا بسبب مباح, فإن وطء الشبهة لا يوصف بأنه مباح ولا حرام، لأنه ليس فعل مكلف لأن الغافل ليس مكلفا.
وقولنا: (لحرمتها) احتراز من الملاعنة فإنها محرمة على التأبيد بسبب مباح لكن لا لحرمتها بل عقوبة لهما والله أعلم
" الفتاوي المسمى بالمنثورات للنووي, المسألة 223.
قال تعالى: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء".
قال ابن كثر رحمه الله: " لِبُعُولَتِهِنَّ: أي لأزواجهن.
ومن قوله: أَوْ آبَائِهِنَّ... إلى آخر الآية: قال رحمه: كل هؤلاء محارم للمرأة يجوز للمرأة أن تظهر عليهم بزينتها من غير تبرج" تفسير ابن كثير 3/284.
وتفسير المحارم هم كالآتي:
أَوْ آبَائِهِنَّ: هو أبو المرأة.
أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ: هو أبو الزوج, والأجداد وإن عَلَو.
أَوْ أَبْنَائِهِنَّ: إبن المرأة وإن سفلوا, وكذلك أبناء البنات وإن سفلن.
أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ: ذكور أولاد الزوج, ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن سفلوا, من ذكران كانوا أو إناث.
أَوْ إِخْوَانِهِنَّ: أخو المرأة.
أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ: أبناء الأخ وإن سفلوا.
أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ: أبناء الأخت وإن سفلوا.
أَوْ نِسَائِهِنَّ: أي نساؤهن المسلمات ليس المشركات على الراجح.
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ: فيه قولان:
أـ المراد الإماء الكتابيات.
ب ـ المراد المملوك الرجل.
10ـ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ: قيل: الذين ليسوا بأكفاء وهم مع ذلك في عقولهم وَلَه, ولا همة لهم إلى النساء ولا يشتهونهن, وقيل: المغفل الذي لا شهوة له, وقيل: هو الأبله, وقيل: المخنث الذي لا يقوم ذكره, أما المخنث الذي يصف فلا يعد من غير أولي الإربة.
11ـ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء: يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن, فإذا كان الطفل صغيرا لا يفهم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء, فأما إن كان مراهقا أو قريبا من ذلك بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرق بين الشوهاء والحسناء فلا يمكن من الدخول على النساء.
يقال طفل: ما لم يراهق الحلُم, يظهروا: أي لم يبلغوا أن يطيقوا النساء.
فائدة:
هل يدخل العم والخال في المحارم؟
قال القرطبي:
الجمهور على أن الخال والعم كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم.
فائدة:
هل زوج البنت محرم لأمها؟
قال ابن كثير: جمهور العلماء على أن أم الزوجة تحرم بمجرد العقد.
فائدة:
هل زوج الأم يعد محرما لابنتها (الربيبة)؟
لا يعد زوج الأم من محارم ابنتها إلا إذا توفر شرطان كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: "التحريم جاء مشروطا بأمرين:
أـ أن تكون في الحجر.
ب ـ أن يكون الذي يريد التزويج قد دخل بالأم.
فلا تحرم بوجود أحد الشرطين".
وإلى هذا ذهب داوود بن علي وأصحابه, واختاره ابن حزم وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك رحمه الله, وقد استشكله الإمام بن تيمية وتوقف فيه.
وذهب الجمهور على أن الربيبة حرام, سواء كانت في حجر الرجل أو لم تكن في حجره. انظر تفسير ابن كثير وفتح الباري.

:icony6::icony6::icony6:
سؤال من طالب علم
الحمد لله،
جزاكم الله خيرا شيخنا أبا أويس وزادكم علما ونفع بكم.
في مسألة حرمة الربيبة، لو تزيدوا الشرط الأول بسطا بارك الله فيكم.
ما هو المعنى الفقهي للحجر؟ هل يشترط فيه العيش تحت سقف نفس البيت أم النفقة فقط ؟ وهل له متعلق بسن الربيبة أو بلوغها ؟

:icony6::icony6::icony6:
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان وجواب عن سؤال
يخص موضوع: "محارم المرأة"

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه وسلم.
ابتداء: إن الصدر لينشرح والقلب ليطرب عندما يرى المرء المسارعة من الطلاب والطالبات على العلم النافع وتحرير مسائله وتصورها فنسأل الله لنا ولكم التوفيق وأن يبارك في الجميع وأن يجعلنا من العاملين.
أما في خصوص السؤال الذي طرح: فننبه إلى أن القصد من بيان ذلك الموضوع هو الاختصار دون بسط ولا تأصيل لكن لما ورد السؤال فلا بأس بشيء من التفصيل.
فأقول: محارم المرأة هم الذين لا يحلون لها –أي يحرم عليهم نكاحها على وجه التأبيد كما مر معنا-، وهذه المحرمية قد تكون بسبب النسب، أو بسبب الرضاع أو بسبب المصاهرة.
أما بسبب النسب: كالآباء (آبائهن)، والأبناء (أبائهن)..، وهكذا دواليك.
أما بسبب الرضاع: كالأخ من الرضاع، أو الابن من الرضاع..، ولذا فقولنا: (مثلا) –فيما سبق-: ("أو إخوانهن": أخ المرأة)، يلحق به الأخ من الرضاع.. وهكذا، لأنه ما يحرم بسبب الرضاع كالمحرمية بسبب النسب.
قال الألوسي رحمه الله: "ثم إن المحرمية المبيحة لإبداء الزينة للمحارم كما تكون من جهة النسب، تكون من جهة الرضاع، فيجوز أن يبدين زينتهن لآبائهن أو أبنائهن من الرضاع" تفسير الألوسي 18/143.
أما بسبب المصاهرة فمثلا بالنسبة لزوجة الأب هو ابنه من غيرها (وهو المعبر عنه فيما سبق: "بأبناء بعولتهن").. وهكذا، انظر شرح المنتهى 3/7.
أما المعنى الفقهي للحجر في قوله تعالى: "اللائي في حجوركم": فـ "الحجر بالفتح والكسر، حضن الإنسان" تاج العروس 1/3658، وهو كناية عن البيت ولذلك قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (عن أبي عبيدة قوله: "اللائي في حجوركم" قال: "في بيوتكم") تفسير ابن كثير 1/623.
ومر معنا أن جمهور العلماء على أن الربيبة حرام ، سواء كانت في حجر الرجل أو لم تكن في حجره، وهو القول الصحيح، وتقييد الآية بـ"حجوركم" خرج مخرج الأغلب، والقاعدة كما في الأصول أن القيد إذا خرج مخرج الأغلب فلا مفهوم له.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 9/158: "التقييد بقوله: "في حجوركم" هل هو للغالب؟ أو يعتبر فيه مفهوم المخالفة؟ وقد ذهب الجمهور إلى الأول، وفيه خلاف قديم".
ومن ثم فعلى مذهب الجمهور فإن اشتراط العيش تحت سقف البيت كما ورد في السؤال غير وارد أصلا.
وقال القرطبي رحمه الله: "والربيبة: بنت امرأة الرجل من غيره، سميت بذلك لأنه يربيها في حجره، فهي مربوبة فعيلة بمعنى مفعولة، واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم وإن لم تكن الربيبة في حجره، وشذ بعض المتقدمين وأهل الظاهر فقالوا: لا تحرم عليه الربيبة إلا أن تكون في حجر المتزوج بأمها، فلو كانت في بلد آخر وفارق الأم بعد الدخول، فله أن يتزوج بها واحتجوا بالآية، فقالوا: حرم الله تعالى الربيبة بشرطين: أحدهما: أن تكون في حجر المتزوج بأمها، والثاني: الدخول بالأم، فإذا عدم أحد الشرطين لم يوجد التحريم واحتجوا بقوله عليه السلام: "لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي أنها ابنة أخي من الرضاعة"، فشرط الحجر.
ورووا عن علي بن أبي طالب إجازة ذلك، قال ابن المنذر و الطحاوي: "أما الحديث عن علي فلا يثبت لأن رواية إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس عن عليج، وإبراهيم هذا لا يعرفه أكثر أهل العلم، قد تلقوه بالدفع والخلاف قال أبو عبيد: ويدفعه قوله: "فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن" فعم ولم يقل: "اللائي في حجري"، ولكنه سوى بينهن في التحريم، قال الطحاوي: وإضافتهن إلى الحجور إنما ذلك فعلى الأغلب مما يكن عليه الربائب، لا أنهن لا يحرمن إذا لم يكن كذلك" الجامع لأحكام القرآن 5 /101.
أما اشتراط النفقة عليها (أي: الربيبة) فنقول: الآية السالفة تحتمل النفقة وعدمها، وما دام الأمر كذلك مع عدم التفصيل فالحكم: العموم أي: سواء كانت الربيبة تحت كفالة ونفقة زوج الأم أم لا بناء على القاعدة في الأصول: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ويصح به الاستدلال كما قال الشافعي رحمه الله.
قال صاحب المراقي:
ونزلنا ترك الاستفصال منزلة العموم في المقال
وفي "الفقه على المذاهب الأربعة" 4/38: "نساؤه (أي الرجل) المدخول بهن فيحرم عليه أن يتزوج بنت امرأته وهي ربيبته سواء كانت في كفالته أو لا
".
إذن فاشتراط النفقة أو عدمها غير مؤثر في الحكم، ولا يلزم من تربية الزوج لربيبته إذا رباها (هذا على أغلب عادات الناس) أن تكون في بيته أو أن ينفق عليها فتنبه.
والله أعلم.

http://www.manzila.org/forum/index.php?showtopic=3338





أم الهمام 17-04-10 01:04 AM

جزاك الله الفردوس الاعلى اختي الحبيبة عن جهودك وجعلهافي ميزان حسناتك ونفعك ونفع بك

رقية مبارك بوداني 17-04-10 11:27 PM

الحجة في الدليل والإجماع.. لا في الاختلاف و النزاع
 

جزاك الله خيرا اختي بديعة ، اسعدني مرورك العطر

الحجة في الدليل والإجماع.. لا في الاختلاف و النزاع

" ليس الاختلاف حجة, و بيان السنة حجة على المختلفين من الأولين و الآخرين"

من الأصول المعلومة و القواعد المقررة أن الحجة عند التنازع كتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم كما قال تعالى "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ".
عن ميمون بن مهران قال في معنى الآية: "إلى كتاب الله و الرد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قبض إلى سنته" الجامع لابن عبد البر بإسناد صحيح.
قا ل ابن القيم -رحمه الله- : " و لو لم يكن في كتاب الله و سنة رسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه و لم يكن كافيا لم يأمر بالرد إليه إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند التنازع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع". إعلام الموقعين 1/49.
و عليه فالواجب على المرء عند الاختلاف: النظر في الصحيح الراجح من ذلك فيلزمه و يتمسك به أو يتحرى الخروج من الخلاف في حالة الاشتباه.
يقول السبكي –رحمه الله- : "طريق الرشاد في الأمور التي اختلف العلماء في وجوبها أمران : إما أن يتحرى الخروج من الخلاف إن أمكن و إما أن ينظر ما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم فيتمسك به". نقلا عن الاختلاف و ما إليه 47.
و من ثم فمن الخطأ الجسيم الذي سار عليه كثير من الناس احتجاجهم بمطلق الخلاف عل سعة الأمر دون النظر في حقيقة هذا الخلاف و لا معرفة لقوته أو ضعفه...حيث ترتب عليه القول بعدم الإنكار لمسائل الخلاف مطلقا، و هذا سوء فهم لعدم التفريق بين مسائل الاجتهاد و مسائل الاختلاف.
فإن مسائل الاختلاف هي كل مسألة اختلف فيها العلماء سواء كان فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا أم لا.
أما مسائل الاجتهاد فهي ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا فيسوغ فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها.
مما يبين بيانا واضحا أن مسائل الاجتهاد هي من مسائل الخلاف لا العكس.
فأهل العلم عندما قرروا أنه " لا إنكار في مسائل الخلاف" قصدهم بذلك مسائل الاجتهاد لأنهم كما قرروا ذلك نصوا على أنه"لا اجتهاد مع النص" فتنبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :"وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل. أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً. وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء.
وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار.
أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها" بيان الدليل على بطلان التحليل (ص 210-211) باختصار.
وقال الشوكاني-رحمه الله-:"هذه المقالة –أي لا إنكار في مسائل الخلاف- قد صارت أعظم ذريعة إلى سدّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما بالمثابة التي عرفناك، والمنـزلة التي بيّناها لك، وقد وجب بإيجاب الله عز وجل، وبإيجاب رسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع، والنهي عما هو منكر من منكراته: ومعيار ذلك الكتاب والسنة، فعلى كل مسلم أن يأمر بما وجده فيهما أو في أحدهما معروفاً، وينهى عما هو فيهما أو في أحدهما منكراً.
وإن قال قائل من أهل العلم بما يخالف ذلك، فقوله منكر يجب إنكاره عليه أولاً، ثم على العامل به ثانياً.
وهذه الشريعة الشريفة التي أُمِرْنا بالأمر بمعروفها، والنهي عن منكرها، هي هذه الموجودة في الكتاب والسنة" السيل الجرّار المتدفق على حدائق الأزهار (4/588).
و لايعني هذا أن لا خلاف يسعنا و إنما الكلام عن مطلق الخلاف لا الخلاف الاجتهادي السائغ مع السعي فيه هو بدوره إلى تضييقه قدر الإمكان.
يقول الشافعي –رحمه الله- : "الاختلاف من وجهين : أحدهما محرم، و لا أقول ذلك في الآخر.
قال {أي محاوره}: فما الاختلاف المحرم؟.
قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصا بينا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.
و ما كان من ذلك يحتمل التأويل و يدرك قياسا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، و إن خالفه فيه غيره لم أقل : إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص" الرسالة 560.
و بناءا عليه فإن مجرد الاختلاف ليس من حجج الشرع و لا يعتد به كدليل عند العلماء لأنه ليس بتشريع.
قال الحافظ ابن عبد البر –رحمه الله- " الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له و لا معرفة عنده و لا حجة في قوله" جامع بيان العلم 2/89.
و قد قرر هذا الإمام الشاطبي –رحمه الله- حيث قال: "و قد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة، و وقع فيما تقدم و تأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف، فإن له نظرا آخر
".
إلى أن قال: "وهذا عين الخطأ على الشريعة، حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدا، و ما ليس بحجة حجة".
و نقل كلاما للخطابي –رحمه الله- حيث قال : " ليس الاختلاف حجة, و بيان السنة حجة على المختلفين من الأولين و الآخرين" الموافقات 4/141.
و من خلال ما سبق يتبين الخطأ الذي جرى عليه عمل بعض المشتغلين بالعلم من إيراد عموم مسائل الخلاف و حكايتها و سرد الأقوال فيها و نسبتها إلى أصحابها، و ربما ذكر أدلة كل مذهب دون تحقيق لذلك و من غير بيان للراجح من المرجوح و القوي من الضعيف، مع أن نوع ذاك الخلاف يستوجب ذلك.
فهذا العرض لمسائل الخلاف يجعل غير الفقيه في حيرة، و ربما ظن اشتباه الشرع و صعوبة درك الحق و طلبه.
فهذا الطريق لا يحصل بها بيان، بل هي إلى التعمية و توعير الطريق أقرب.
و قال الشاطبي –رحمه الله- :" و كلام الناس هنا كثير و حاصله معرفة مواقع الخلاف، لا حفظ مجرد الخلاف" الموافقات 4/162.
و قال ابن كثير – رحمه الله – عند كلامه عن آداب المجادلة:" فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تُنبِّه على الصَّحيح منها ، وتُبطل الباطل ، وتذكر فائِدة الخلاف وثمرته ؛ لئلاَّ يطول النزاع والخلاف فيما لا فائِدة تحته ، فيُشتغل به عن الأهم "( مقدمة التفسير )[1/10] .
أبو أويس الإدريسي

رقية مبارك بوداني 11-05-10 12:29 PM

غلط على الإمام مالك رحمه الله
 
غلط على الإمام مالك رحمه الله
الإمام يحرم المعازف ولا يبيحها


ما دام العلماء والأئمة وسائط للفهم عن الله جل وعلا وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فالواجب التثبت والتحري فيما ينسب إليهم وينقل عنهم من الأقوال والمذاهب والأحكام "فما أكثر ما يُحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له" قاله شيخ الإسلام رحمه الله، الفتاوى الكبرى 6/95، ومن ذلك ما نسب للإمام مالك رحمه الله من القول بإباحة الغناء والمعازف كما نقل ذلك الشوكاني رحمه الله فيما حكاه عن الروياني عن القفال: "أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف"!! إبطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع 24.
وهذا لا يصح عن الإمام مالك رحمه الله من وجوه:
أولا: أين إسناد هذه الرواية إلى مالك رحمه الله؟! وإن وجد فيا ترى ما صحته"؟!.
ثانيا: أن المنقول في كتب المالكية عن مالك رحمه الله خلاف ما نقله القفال وهو شافعي المذهب، ومن ذلك ما في المدونة 3/432: "كره مالك قراءة القرآن بالألحان فكيف لا يكره الغناء، وكره مالك أن يبيع الرجل الجارية ويشترط انها مغنية فهذا مما يدل على أنه يكره الغناء"اهـ والمقصود بالكراهة هنا الحرمة فتنبه.
ثالثا: أنه صح عن مالك رحمه الله خلاف ذلك ففي كتاب الأمر بالمعروف للخلال 32، وتلبيس إبليس لابن الجوزي 244 بالسند الصحيح عن إسحاق ابن عيسى الطباع -ثقة من رجال مسلم- قال: " سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفساق".
رابعا: لما نسب ابن المطهر الشيعي إلى أهل السنة القول بإباحة الملاهي والغناء كذبه شيخ الإسلام رحمه الله في رده عليه في منهاج السنة فقال: "هذا من الكذب على الأئمة الأربعة فإنهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه ولو أتلفها متلف عندهم لم يضمن صورة التالف بل يحرم عندهم اتخاذها"3/439.
أبو أويس الإدريسي



رقية مبارك بوداني 05-06-10 01:19 AM

من آثار الذنوب والمعاصي: ضعف الإدراك وفساد التصور
 


بسم الله الرحمن الرحيم|
من آثار الذنوب والمعاصي: ضعف الإدراك وفساد التصور

للمعاصي والذنوب من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.
لذلك كانت هي أصل البلاء والشر.
قال ابن القيم رحمه الله: "فكل نقص وبلاء, وشر في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب, ومخالفة أوامر الرب, فليس في العالم شر قط إلا والذنوب موجبتها" المدارج 1/424.
ومن ذلك: ضعف الإدراك وفساد التصور الذي ينتج عنه الحكم الباطل, فإن "الحكم على الشيء فرع عن تصوره
" مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله 6/295.
يقول ابن القيم رحمه الله: "فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبا على قلبه, وصدؤه بحسب غفلته, وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه, فيرى الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم, فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه, فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الرَّان فسد تصوره وإدراكه, فلا يقبل حقا ولا ينكر باطلا, وهذا أعظم عقوبات القلب, وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب, ويعميان بصره, قال تعالى: "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"" الوابل الصيب صحيحه.
وحقيقة ذلك "أن المعاصي تفسد العقل, فإن للعقل نورا, والمعصية تطفؤ نور العقل ولا بد, وإذا طفئ نوره ضعف ونقص" الداء والدواء.
ومن الصوارف عن الحق لفساد التصور: ضعف عقل الناظر في الحق.
والعقل محله القلب على الصحيح من قولي الفقهاء وهو مذهب الجمهور لقوله تعالى: "فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا".
وقال عمر رضي الله عنه في حق ابن عباس رضي الله عنهما: "ذالكم فتى الكهول, إن له لسانا سؤولا, وقلبا عقولا" رواه الحاكم في مستدركه.
وفي ذلك قال بعضهم:
محله القلب على المشهور **** للوحي وهو مذهب الجمهور
وفي الدماغ قال جل الحكما **** وبقولهم قال بعض العلما
وعليه ففساد العقل: فساد للقلب والبصيرة.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: "فمتى كان الناظر غير تام العقل كان أعمى البصيرة" الذريعة إلى مكارم الشريعة 263.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "كما أن الإنسان يغمض عينيه فلا يرى شيئا وإن لم يكن أعمى, فكذلك القلب بما غشاه من رين الذنوب لا يبصر الحق, وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر" الإيمان 29.
ولما كان العقل له تعلق بالدماغ والقلب معا, حيث يكون مبدأ الفكر والنظر في الدماغ, ومبدأ الإرادة والقصد في القلب فالمريد لا يكون مريدا إلا بعد تصور المراد, و"التصور محله الدماغ" انظر الفتاوي 9/304.
فلزم من ذلك أنه إذا فسد القلب والعقل بالذنوب والمعاصي، ضعف الإدراك وفسد التصور.
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن عقوباتها (أي: المعاصي) أنها تؤثر بخاصة في نقصان العقل, فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله, والآخر عاص, إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل, وفكره أصح ورأيه أسد, والصواب قرينه, ولهذا تجد خطاب القرآن إنما هو مع أولي العقول والألباب كقوله: (وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)..." الجواب الكافي 123.
أبو أويس الإدريسي

رقية مبارك بوداني 11-06-10 02:27 PM

الأسرة المسلمة والخوف من الفقر
 
http://www.manzila.org/forum/style_i...omen/nav_m.gif الأسرة المسلمة والخوف من الفقر

وقفات مع قوله تعالى:
"وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى"
"الأسرة المسلمة والخوف من الفقر
"

هذه الآية الكريمة من جملة آيات كثيرة في كتاب الله تعالى, تعالج مشكلة من المشكلات, وآفة من الآفات التي تعتري الأسرة المسلمة والمجتمع المؤمن ألا وهي: قضية الخوف من الفقر.
فأكثر الناس في وقتنا هذا في حالة قلق واضطراب وفزع مما سيكون في المستقبل, فنتج من جراء ذلك: الجري وراء الدنيا وتعلق القلوب بها, حتى أفضى بهم الأمر إلى الوقوع في المحرمات, فظهر الغش والتدليس, وأخذ أموال الناس بالباطل.., وأعظم ذلك وأشنعه: المعاملات الربوية التي شاعات وانتشرت نسأل الله العافية.
مع أن مفتاح الرزق حقيقة: الإقبال على طاعة الله تعالى, والصبر على عبادته سبحانه.
قال تعالى: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ".
قال السعدي رحمه الله في تفسيره: "أي: حث أهلك على الصلاة وأزعجهم إليها من فرض ونفل.
والأمر بالشيء أمر بجميع ما لا يتم إلا به, فيكون أمرا لتعليمهم ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها
" تيسير الكريم الرجمن 3/228.
وهذا الأمر بالصلاة راجع إلى امتثال قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ".
قال غير واحد من السلف في تفسيرها: "أي علموهم وأدبوهم".
وهذا الشطر من الآية يدل على أصل عظيم من أصول التربية عموما وتربية الأسرة خصوصا وهو: "التعليم".
وقال تعالى: "وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا": والاصطبار مرتبة من مراتب الصبر.
قال ابن القيم رحمه الله في المدارج: "والمصطبر: المكتسب الصبر المليء به".
قال السعدي رحمه الله: "(وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) أي: على الصلاة بإقامتها بحدودها وأركانها وخشوعها فإن ذلك مشقّّّّّّ على النفس.
ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك والصبر معها دائما
" تيسير الكريم الرحمن 3/228.
وورد تخصيص الصلاة في الآية بالذكر دون سائر الطاعات لأن "العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع" تيسير الكريم الرحمن 3/228.
وجاء الجمع بين الصلاة والصبر لأنهما عون على المضي في الطريق إلى الله تعالى كما قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
وقال ابن كثير رحمه الله في معنى قوله اصطبر عليها: "واصطبر (أي: يا رَبَّ البيت) أنت على فعلها" تفسير القرآن 3/1879.
وهذا بيان لأصل ثان من أصول التربية ألا وهو "القدوة" فها هو النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح المشهور يكون في خدمة أهله فإذا سمع النداء فزع إلى الصلاة كأنه لا يعرفهم ولا يعرفونه.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية. الجامع لأحكام القرآن 11/233.
وقال تعالى: "لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ".
قال ابن كثير رحمه الله: "أي إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب كما قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)..".
إذن فمفتاح الرزق الحقيقي طاعته تعالى وعبادته والإيمان به، هذا مع الأخذ بالأسباب الشرعية والتوكل على رب البرية، فإن التوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم والأخذ بالأسباب من سنته.
قال تعالى: "فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ".
وقال عليه الصلاة والسلام: "يقول الله تعالى: يابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنا وأسد فقرك, وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك" صحيح سنن الترمذي.
وقال ثابت رحمه الله: "كانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة". تفسير ابن كثير.
وقال تعالى: "وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى".
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "في الدنيا والآخرة (للتقوى) التي هي فعل المأمور وترك المنهي" تيسير الكريم الرحمن 3/228.
فدلَّ ذلك على أن العاقبة الحسنى لأهل التقوى والصلاة والصبر ويؤكده قوله جل وعلا: "وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ".

أبو أويس الإدريسي.


رقية مبارك بوداني 28-06-10 02:41 PM

الخلاف سنة كونية
 
الخلاف سنة كونية
والاعتصام فريضة شرعية

ينشأ الاختلاف الفكري من اختلاف الطبيعة والعقول البشرية, فهو من طبيعة البشر أو من لوازم طبيعتهم كما قال تعالى: "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: "قال الحسن البصري في رواية عنه: وللاختلاف خلقهم", أي: أن الله تعالى خلقنا للاختلاف كونا وقدرا, لا دينا وشرعا.
وقال ابن القيم رحمه الله: "ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه" (الصواعق المرسلة 2/519).
وقال العلامة صديق حسن خان رحمه الله: "كما أن الموت أمر طبيعي للحياة البشرية باعتبار الطبيعة الخاصة والعامة معا.. فكذلك الاختلاف طبيعي لعقول البشر باعتبار الطبيعة الخاصة والعامة, وإليه الإشارة في قوله تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)" (أبجد العلوم 213).
ولذلك لا يتصور البتة الاتفاق في كل مسألة مسألة, وكيف يتصور ذلك والخلاف حصل بين الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام, كما ورد في نصوص الكتاب والسنة.
قال ابن الوزير اليماني رحمه الله:
تسل عن الوفاق فربنا قد **** حكى بين الملائكة الخصاما
كذا الخضر المكرم والوجيه المـ **** كلم إذا ألم به لمـامـا
تكدر صفو جمعهما مرارا **** وعجل صاحب السر الصرما
ففارقه الكليم كليم قلب **** وقد ثنى على الخضر الملاما
فدلَّ على اتساع الأمر فيما الـ **** كرام فيه خالفت الكراما

(أنظر إيثار الحق على الخلق 199).
لكن تقرير هذا الأصل لا يعني بحال الاستسلام للخلاف, لأن الخلاف إذا كان سنة كونية, فإن الاعتصام فريضة شرعية كما قال تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ".
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "..ثم أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختلُّ نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام" تيسير الكريم الرحمن.
إذن فالاعتصام أمر الله جل وعلا به حتى نسعى بذلك إلى التخفيف من حدة الخلاف وتضييق دائرته والالتزام بآدابه بالتزام الإنصاف والعدل, والقيام على تأليف القلوب وجمع الكلمة على الحق, ووضع الخلافات في إطارها الشرعي, دون غلو منا أو تزيد, ودون تمييع أو تساهل, فنرفض خلاف التضاد الذي لم تدل عليه الأدلة الشرعية والقواعد المرعية - وإن كنا قد نعذر القائل به إذا كان أهلا للاجتهاد أو من تبعه صادقا-, ونقبل الخلاف المعتبر المنضبط بالضوابط المتينة العلمية, فتتسع له صدورنا كما وسع ذلك من سلفنا مع السعي إلى تضييقه هو بدوره قدر الامكان.
قال ابن القيم رحمه الله في معرض ذلك: "..ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه, وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة لم يكد يقع اختلاف, وإن وقع كان اختلافا لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة, فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة" الصواعق المرسلة 2/519.
إذن فاعتقاد حتمية الخلاف لا يعني الاسترسال فيه حتى يصير ديدن الإنسان الاحتجاج بمطلق الخلاف وهو أمر باطل.
فليس كل خلاف جاء معتبرا ****إلا خلاف له حظ من النظر
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له, ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله" جامع بيان العلم 2/922.
وقال الشاطبي رحمه الله: "وقد زاد الأمر قدر الكفاية حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة... فربما وقع الافتاء في المسألة بالمنع, فيقال لم تمنع؟ والمسألة مختلف فيها, فيجعل الخلاف حجة في الجواز بمجرد كونها مختلفا فيها" الموافقات 4/141. وقد بسطنا هذا المعنى الأخير في موضوع بعنوان: "الحجة في الدليل والإجماع.. لا في الاختلاف و النزاع" بمنتدى الفقه وأصوله.
أبو أويس الإدريسي


رقية مبارك بوداني 07-07-10 07:36 PM

بيان الباطل والإنكار على من وقع فيه: رحمة وإحسان, لا تشفي وانتقام
 
بيان الباطل والإنكار على من وقع فيه: رحمة وإحسان, لا تشفي وانتقام

من الأصول المقررة عند أهل السنة: أن الرد على أهل الأهواء, وبيان الباطل والإنكار على من وقع فيه -لمن تأهل لذلك وأحسنه- من أهم المهمات وأعظم الواجبات.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "واشتد نكير السلف والأئمة للبدعة, وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض, وحذروا فتنهم أشد التحذير وبالغوا في ذلك بما لم يبالغوا في إنكار الفواحش والظلم والعدوان, إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد" المدارج 1/327.
وقال المروذي رحمه الله: "قلت لأبي عبد الله, يعني: إمامنا (الإمام أحمد): ترى للرجل أن يشتغل بالصوم والصلاة ويسكت عن الكلام في أهل البدع؟ فكلح في وجهه وقال: إذا هو صام وصلى واعتزل الناس, أليس إنما هو لنفسه؟ قلت: بلى. قال: فإذا تكلم كان له ولغيره, يتكلم أفضل" طبقات الحنابلة 2/216.
لكن مما ينبغي الحذر منه في هذا المقام: التعدي ومجاوزة الحد المشروع عند بيان الباطل والإنكار على أهله.
قال تعالى: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".
يقول شيخ الإسلام رحمه الله في معرض ذكره لفوائد قوله تعالى: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتهم": "ألا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم أو نهيهم أو هجرهم أو عقوبتهم... فإن كثيرا من الآمرين الناهين قد يتعدى حدود الله إما بجهل وإما بظلم, وهذا باب يجب التثبت فيه وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين", ثم قال: "وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين الأمة وعلمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل... كما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة, وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته,... وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا)" الفتاوي 14/481-483.
وها هو الإمام الذهبي رحمه الله يبين أن بغض المبتدعة أدى بالبعض إلى تجاوز طريقة السلف والخروج عن العدل فقال في ترجمة يحيى بن عمار رحمه الله: "وكان متحرقا على المبتدعة والجهمية, بحيث يؤول به ذلك إلى تجاوز طريقة السلف وقد جعل الله لكل شيء قدرا" تهذيب السير 3/1231.
وذكر أيضا في ترجمة ابن منده رحمه الله: "أنه نهى عن الدخول على بعض من وقع في مخالفة مذهب السلف في أمور تخص الاعتقاد، وقال (أي: ابن منده): "على الداخل عليهم أحرج أن يدخل مجلسنا أو يسمع منا, أو يروي عنا, فإن فعل فليس هو منا في حِلّ".
وعلق الذهبي على ذلك فقال: "قلت: ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه إلى الغضب والحدَّة, فيقع في الهجران المحرم, وربما أفضى ذلك إلى التكفير والسعي في الدم" السير.
وعليه فليس من العدل ولا من المروءة أن يستغل المتبع لطريقة السلف الصالح, ومنهج أهل السنة والحديث تبديع العلماء المعتد بهم لشخص وتحذيرهم منه ومن كلامه, فيفرِّغ أحقاده الشخصية, ويلبسها ثوب الحرص على السنة, والنقمة على البدعة, مستجيبا لدعاوي الهوى التي تحركه فيتجاوز الحدود الشرعية وطريقة السلف المرعية.
يقول ابن تيمية رحمه الله عن المبتدع: "يُبيَّن أمره للناس ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله...وهذا كله ينبغي أن يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله تعالى, لا لهوى الشخص مع الإنسان, مثل أن تكون بينهما عداوة دنيوية, أو تحاسد, أو تباغض, أو تنازع على الرئاسة, فيتكلم بمساويه مظهرا للنصح, وقصده في الباطن الغض من الشخص واستيفاؤه منه, فهذا من عمل الشيطان" الفتاوي 28/221.
وفي تعليله رحمه الله للقول بهجر المبتدع الداعي لبدعته والتغليظ في ذمه يقول: "والمقصود بذلك ردعه, وردع أمثاله, للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام" منهاج السنة 5/239.
أبو أويس الإدريسي



رقية مبارك بوداني 08-02-11 12:30 PM

مفهوم لفظة "الكراهة" التي جرت على لسان الأئمة

مما غلط فيه كثير من الناس حتى بعض الخواص من أهل العلم حمل لفظة الكراهة التي جرت على لسان سلفنا الصالح على ما هو مصطلح عليه عند المتأخرين, حيث قرر المتأخرون من الأصوليين والفقهاء على أن الكراهة أو المكروه هو: "ما طلب الشارع تركه طلبا غير جازم" تقريب الوصول إلى علم الاصول لابن جزي 212, وهو: "ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله" نهاية السول للأسنوي 1/64 مع شرح البدخشي.
وهذا المعنى حادث لا ينبغي حمل كلام أئمة السلف الذي وردت فيه هذه اللفظة عليه بلا قرينة قوية, حيث غلب على السلف الصالح استعمال لفظة الكراهة بمعنى التحريم من باب الورع, وهذا كما قال مالك رحمه الله في كثير من أجوبته: أكره هذا, وهو حرام, وكذا أحمد رحمه الله قال في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه, ومذهبه تحريمه, إلى غير ذلك, انظر إعلام الموقعين 1/39.
وقد اقتدوا في ذلك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث استعملت هذه اللفظة فيهما على معنى التحريم.
قال ابن القيم: "وقد قال تعالى عقب ذكر ما حَرَّمَه من المحرمات من عند قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) إلى قوله: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) إلى قوله: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) إلى قوله:( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى) إلى قوله: ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقّ) إلى قوله: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ) إلى قوله: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) إلى آخر الآيات, ثم قال: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوها).
وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال, وإضاعة المال, وكثرة السؤال)" إعلام الموقعين 1/40.
قال الرازي رحمه الله: "وأما المكروه فيُقال بالاشتراك على أحد أمور ثلاثة:
أحدهما: ما نُهي عنه نهي تنزيه: وهو الذي أشعر فاعله بأن تركه خير من فعله, وإن لم يكن على فعله عقاب.
وثانيها: المحظور، وكثيرا ما يقول الشافعي رحمه الله: أكره كذا وهو يريد به التحريم.
وثالثها: ترك الأوْلى: كترك صلاة الضحى ويسمى ذلك مكروها لا لنهي ورد عن الترك بل لكثرة الفضل في فعلها" المحصول 1/104, وانظر الإحياء 2/51.
وعليه قال ابن القيم رحمه الله: "وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك, حيث توَرَّع الأئمة عن اطلاق لفظ التحريم, وأطلقوا لفظ الكراهة فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة, ثم سهل عليهم لفظ الكراهة, وخفت مؤنته عليهم, فحمله بعضهم على التنزيه, وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى, وهذا كثير جدا في تصرفاتهم فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة" إعلام الموقعين 1/39.
أبو أويس الإدريسي

موقع منزلة المرأة في الإسلام

رقية مبارك بوداني 08-02-11 02:10 PM

طلب المؤهل لتلقي الأحكام والفتاوى

الناظر في عالم الفتيا وحال المستفتين يجد خلطا عجيبا, وجهلا عريضا حتى صار الناس يتلقون الأحكام الشرعية عمن هب ودب, ويسألون من يجدونه أمامهم مغترين تارة بالشكل, وتارة بالمنصب, وتارة بالتشدق في الكلام ونحو ذلك.
مع أن الذمة لا تبرأ إلا بسؤال من يعتبر في الشريعة جوابه, ومن يقبل في ميزان العلم كلامُه كما قال تعالى: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ".
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "..وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهي له أن يتصدى لذلك" تيسير الكريم الرحمن.
وكان محمد بن سيرين رحمه الله تعالى يقول: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" مقدمة صحيح مسلم 1/84 شرحه للنووي.
فالمستفتي يجب عليه أن لا يستفتي إلا من غلب على ظنه أنه أهل لذلك, ويُنْظَر في ذلك إلى جهتي العلم والعدالة، حيث يشتهر المفتي والمسؤول بذلك عند طلاب العلم وأربابه, فإن الشهرة تغني عن التتبع.
قال صاحب المراقي:
من لم يكن بالعلم والعدل اشتهر **** أو حصل القطع فالاستفتا انحظر
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله عند شرحه لهذا البيت: "يعني أن من لم يشتهر بالعلم والدين والورع، ولم يحصل لمن أراد أن يستفتيه قطع بذلك, أو ظن (أي: غلبته) فإنه لا يجوز له أن يستفتيه ولو استفتاه ما جاز له العمل بفتواه" نثر الورود 2/644.
وتُعلم تلك الصفات في المفتي بما يراه المستفتي من انتصابه للفتيا, واحترام الناس له وأخذهم عنه أو يخبر عدل عنه.انظر روضة الناظر 3/1021.
ومما يزيد الأمر تقريرا وتأكيدا أن العلماء قرروا أن المرء الذي لم يعرف بالعلم ولا بالجهل كذلك لا يجوز استفتاؤه أيضا.
قال الآمدي رحمه الله في معرص ذلك: "والحق امتناعه على مذهب الجمهور، وذلك لأنه لا نأمن أن يكون حال المسؤول كحال السائل في العامية المانعة من قبول القول، ولا يخفى أن احتمال العامية قائم بل أرجح من احتمال صفة العلم والاجتهاد, نظرا إلى أن الأصل عدم ذلك" الإحكام 4/300.
إذن فليحرص المرء على طلب المؤهل لتلقي الأحكام والفتاوي فليست أهلية الفتوى بمجرد المنصب والولاية كما يظن البعض.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالما مجتهدا عالما مجتهدا, ولو كان الكلام في العلم والدين بالولاية والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين" الفتاوي 27/299.
وليست أهلية الإفتاء بالشكل كذلك.
قال ابن القيم رحمه الله في معرض الكلام عن ذلك: "..وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل لا بالفضل, وبالمناصب لا بالأهلية, قد غرَّهم عكوف من لا علم عندهم عليهم, ومسارعة أجهل منهم إليهم, تعج منهم الحقوق إلى الله عجيجا, وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجا, فمن أقدم بالجرأة على ما ليس بأهل من فتيا أو قضاء أو تدريس استحق اسم الذم, ولم يحل قبول فتياه ولا قضائه, هذا حكم دين الإسلام" إعلام الموقعين 4/208.
كذلك لا يجوز استفتاء المتعصب للهوى والمقلد الأعمى لخروجهما عن زمرة العلم وأهله.
قال ابن القيم رحمه الله: "قال الشافعي رحمه الله: أجمع المسلمون على أنه من استبانت له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.
قال أبو عمر وغيره من العلماء: أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم وأن العلم معرفة الحق بدليله. وهذا كما قال أبو عمر رحمه الله, فإن الناس لا يختلفون أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل, وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد, فقد تضمن هذان الإجماعان إخراج المتعصب بالهوى والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء" إعلام الموقعين 2/7.
وكذلك من عرف بالجهل فلا يجوز استفتاؤه وهو أمر مجمع عليه كما حكى ذلك الغزالي رحمه الله في المستصفى 2/290, وابن القيم في إعلام الموقعين 4/203, في آخرين.
كما أنه لا يجوز استفتاء من عرف بالتساهل دون اتباع نصوص الكتاب والسنة.
قال النووي رحمه الله: "يحرم التساهل في الفتوى, ومن عرف به حَرُم استفتاؤه" المجموع شرح المهذب 1/79.
قال السمعاني الكبير رحمه الله: "المفتي من استكمل فيه ثلاث شرائط: الإجتهاد, والعدالة, والكف عن الرخص والتساهل, وللمتساهل حالتان:
إحداهما: أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام, ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر, فهذا مقصر في حق الإجتهاد, ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز أن يُسْتفت.
والثانية: أن يتساهل في طلب الرخص وتأول السنة, فهذا متجوز في دينه وهو آثم من الأول" التقرير والتحبير لابن أمير الحاج 3/341.
أبو أويس الإدريسي

رقية مبارك بوداني 09-02-11 11:33 PM

يا غافلا عن الموت

الموت لا يقرع بابا، ولا يهاب حجابا، ولا يقبل بديلا، ولا يأخذ كفيلا، ولا يرحم صغيرا، ولا يوقر كبيرا.
الموت كما قال القرطبي رحمه الله: هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع، والكأس التي طعمها أكره وأبشع.
فإن أمرا يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر العظيم، والخطب الجسيم، ولذا على المرء أن يضع الموت نصب عينيه، ولا يغفل عنه، ولا يلتفت عنه يمنة ولا يسرة.
فإذا كان الموت مصيبة كما قال تعالى: "فأصابتكم مصيبة الموت" فإن الأعظم منه مصيبة: الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وقلة التفكر فيه، وترك العمل له.
والموت كما قال العلماء فيما نقله عنهم السيوطي رحمه الله في رسالته "بشرى الكئيب بلقاء الحبيب": "ليس بعدم محض، ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، وتبدل حال، وانتقال من دار إلى دار".
وقد اجتمع في الموت ما لم يجتمع في غيره:
هو حق لا ريب فيه ولا شك، كما قال تعالى: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"، وقال تعالى: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" وقال تعالى: " كُلُّ مَن عَلَيْهَا فَان وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"، وقال تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ".
وقد قُررت هذه الحقيقة في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بطريقة القياس الأولوي، من ذلك قوله تعالى: "كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" فكما أننا لا نشك في العمل الذي هو بمثابة الموت فلا شك في الموت الأكبر.
وسن لنا النبي صلى الله عليه وسلم عند الاضطجاع على الفراش أن نقول: "باسمك اللهم أموت وأحيا" وعند الإستيقاظ أن نقول: "الحمد الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور" كل ذلك قياسا للموت الأكبر على النوم الذي لا نشك فيه والذي هو بمثابة الموت الأصغر، وما ذاك إلا للدلالة على أننا سنموت كما ننام وسنبعث كما نستيقظ.
وقته مجهول قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت".
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: "أي ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر أو بر أو سهل أو جبل".
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفاتح الغيب خمس لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما يكون ببطن الأرحام إلا الله، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم أحد متى يجيء المطر ثم تلا الآية".
ومما يستأنس به في هذا الباب ما جاء في مدارك التنزيل للنسفي رحمه الله أن أبا جعفر المنصور رأى في المنام ملك الموت فسأله عن أجله فأشار إليه الملك إلى الخمس، فقام أبو جعفر فزعا خائفا، فنادى الحرس فقال: علي بأبي حنيفة فجاء الإمام رحمه الله، فحكى له أبو جعفر ما رأى يريد تعبيرها ومعرفة أجله، فقال له أبو حنيفة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين يقول لك "أي الملك" خمس لا يعلمها إلا الله".
وقوعه قريب ثبت في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا طويلا في الأرض وقال هذا الإنسان ثم خط خطا قريبا منه وقال هذا أجله، ثم خط خطا بعيدا فقال: هذا أمله، فبينما هو في أمله إذ جاءه الأقرب (أي: الأجل) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك".
فمن اعتبر الساعة التي تأتي من أجله فما نزل الموت منزلته.
ولأجل أهميته حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من ذكره كما في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أكثروا ذكر هادم (هاذم) اللذات الموت".
فالهادم: بالدال المهملة هو الذي يزيل الشيء من أصله ولا يبقي له أثرا، وهذا هو حقيقة الموت حيث يقطع الحياة ولا يبقي لها أثرا.
أما الهاذم: بدال معجمة هو الذي يفرق الشيء وهذا هو الموت كذلك حيث يفرق الحياة عن البدن.
والسبب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا بالإكثار من ذكر الموت أنه حياة للقلب كذكر الرب جل وعلا، فقد أمرنا بالإكثار من أمرين من ذكر الله عز وجل ومن ذكر الموت، لأن كلا منهما يرقق القلب ويجعل الإنسان ينيب إلى الرب ويتعلق به، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يُذِّكر أصحابه بالموت - وفي ذلك تذكير لنا- في كل ليلة قبيل الفجر، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: "يا أيها الناس أذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه" أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه وأقره عليه الذهبي.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أكيس الناس وأكرمهم أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال رجل من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله؟ فقال: أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة" رواه ابن ماجة وغيره وسنده جيد كما قال العراقي في تخريج الإحياء.
وللإكثار من ذكر الموت فوائد منها:
ـ تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة.
قال الدقاق: "من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة".
ـ المكثر من ذكر الموت لا يفرح بموجود ولا يحزن على مفقود.
قال التيمي: "شيئان قطعا عني لذات الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى"
ـ الإكثار من ذكر الموت سبب لقصر الأمل،

فهذا معروف الكرخي قدم أحد الناس ليصلي بهم صلاة الظهر، فقال الرجل: لو صليت بكم صلاة الظهر لا أصلي بكم صلاة العصر، فجذبه معروف وقال له: نعوذ بالله هذا طول أمل.
ـ ذكر الموت هو في حد ذاته موعظة،

فمن لم يتعظ به فلا موعظة له كما قال القرطبي، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يجمع العلماء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة.

أبو أويس الإدريسي رحمه الله حيا وميتا وعامله بلطفه الخفي.

رقية مبارك بوداني 12-02-11 01:38 AM

القبر أول منازل الآخرة

عن هانئ مولى عثمان قال: "كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له تُذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه" صحيح سنن الترمذي.
القبر واحد القبور في الكثرة وأقبر في القلة كما ذكره القرطبي في التذكرة.
واختلف في أول من سن القبر: فقيل الغراب، وقيل بنو إسرائيل وليس بشيء كما في التذكرة.
وفي قول هانئ: "كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى" دليل على مشروعية زيارة القبور، وذلك للاتعاظ وتذكر الموت والآخرة، ففي صحيح سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال: "استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت ربي أن أزورها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت".
وفي صحيح سنن أبي داوود كذلك قال عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها تذكرة".
ومما علَّمنا إياه نبينا عليه الصلاة والسلام عند زيارة القبور قولنا: "السلام عليكم دار قوم مسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".
وفي لفظ "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، إنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية".
ومع أن الموت أمر مقطوع به مجمع عليه بين الناس إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام علقه بالمشيئة كما هو ظاهر الحديث، وقد خرج ذلك على مخارج:
أولا: أن معنى ذلك: كما شاء الله، ذكره الداوودي رحمه الله.
ثانيا: إن ذلك من باب الامتثال لا غير لأمر الله تعالى القائل: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ" وعليه فقولنا: (إنا إن شاء الله بكم لاحقون) على سبيل التحقيق لا التعليق.
ثالثا: أن قولنا إنا إن شاء الله بكم لاحقون هذا على الموافاة على الإيمان أي: إن شاء الله سنموت على الإيمان. انظر العلم الهيب في شرح الكلم الطيب للعيني.
والقصد أن زيارة القبور من الأمور المشروعة إذا كانت لتذكر الآخرة والموت والدعاء للنفس وللأموات بالصفح والرحمة دون شد الرحال إليها ودون قول السوء ويستوي في ذلك الرجال والنساء على الصحيح من قولي الفقهاء في حقهن إلا أنهن يمنعن من الإكثار لقوله عليه الصلاة والسلام:" لعن الله زوارات القبور" صحيح كما في الإرواء.
أما إذا قصدت المقبرة للتوسل بالمقبور إلى الله تعالى فهذه زيارة بدعية، أما إذا دُعِي المقبور نفسُه، فيطلب منه مثلا: دفع الضر، وجلب النفع.. فهذه زيارة شركية.
قال الحكمي رحمه الله:
ثم الزيارة على أقسام ... ثلاثة يا أمة الإسلام
فإن نوى الزائر فيما أضمره ... في نفسه تذكرة 0بالآخره
ثم الدعا له وللأموات ... بالعفو والصفح عن الزلات
ولم يكن شد الرحال نحوها ... ولم يقل هجرا كقول السفها
فتلك سنة أتت صريحه ... في السنن المثبتة الصحيحه
أو قصد الدعاء والتوسلا ... بهم إلى الرحمن جل وعلا
فبدعة محدثة ضلاله ... بعيدة عن هدي ذي الرسالة
وإن دعا المقبور نفسه فقد ... أشرك بالله العظيم وجحد
لن يقبل الله تعالى منه ... صرفا ولا عدلا فيعفو عنه
إذ كل ذنب موشك الغفران ... إلا اتخاذ الند للرحمن


قال هانئ: (فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟) أي: تبكي من ذكر القبر، قال المبارك فوري في تحفة الأحوذي: "ولا تبكي: أي: لا تبكي خوفا من دخول النار واشتياقا إلى الجنة".
وهذا دليل على أن الخوف له أسباب يختلف الناس فيها بحسب تعلق قلوبهم بها فمن الناس من يتأثر أكثر بالقبر إذا ذكر، ومنهم بالجنة والنار، ومنهم إذا تذكر الختام، ومنهم إذا استحضر الوقوف بين يدي الله.. انظر مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة" وذلك لأن الآخرة منازل كثيرة منها العرض يوم القيامة، ومنها الوقوف عند الميزان، ومنها المرور على الصراط ثم الجنة أو النار، لكن أول هذه المنازل القبر كما يعد القبر هو آخر منازل الدنيا، ولذلك سمي البرزخ كما قال المبارك فوري رحمه الله.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: "فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه"، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه" والمنظر: هو الموضع، وقوله: قط، أي: أبدا، وأفظع منه أي: أشد فظاعة.
وهذا المقطع دليل على إثبات عذاب القبر فهو حق لا ريب فيه ولا شك.
قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى".
ذكر ابن القيم في الفوائد أن المعيشة الضنك أكثر ما جاء في تفسيرها أنها عذاب القبر، ونقل ذلك عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم.
وقال تعالى عن آل فرعون: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ".
استدل أهل السنة بهذه الآية على إثبات عذاب القبر وهذا الإمام البخاري رحمه الله قد ذكر الآية في صحيحه في كتاب الجنائز تحت باب: ما جاء في عذاب القبر.
وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة عند هذه الآية: "الآية دليل على إثبات عذاب القبر".
وقال تعالى: "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" وهي دليل بدورها على إثبات عذاب القبر كما أثر عن عبد بن عباس رضي الله عنهما.
وفي الصحيحين من حديث البراء بن عازب المشهور أن المرء يوضع في قبره فيتولى عنه أصحابه، فيسمع قرع نعالهم، فيأتيه الملكان فيقعدانه ويسألانه: من ربك، وما دينك، ومن النبي الذي بعث فيكم، فأما المؤمن فيثبته الله ويجيب الجواب الصواب، فيفسح له في قبره كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "سبعون ذراعا"، وفي رواية "مد البصر"، أما الكافر فيقول لا أدري، فيقولان له: لا دريت، ولا تليت، فيضرب بمطرقة من حديد عند أذنه فيصيح صيحة يسمعها كل من على الأرض إلا الجن والإنس.
ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعوذ من عذاب القبر كما في الحديث الصحيح، بل صح عنه أنه أمر بالتعوذ من عذاب القبر.
وقال شارح الطحاوية: "إن الأحاديث في عذاب القبر وفتنته متواترة".
وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة: "الإيمان بعذاب القبر وفتنته واجب والتصديق به أمر لازم حسب ما أخبر به الصادق صلى الله عليه سلم".
وليعلم أن الأسباب الجالبة لعذاب القبر مجملة ومفصلة كما بسطها ابن القيم في كتابه الروح، أما المجملة فالجهل بالله تعالى، وإضاعة أمره، وعدم اجتناب نهيه، فإن الله تعالى لا يعذب نفسا طائعة له مطمئنة لذكره....
أما المفصلة: فالذنوب والمعاصي كالغيبة، والنميمة، والكذب، وقول الزور، والقول على الله بغير علم، والدعوة إلى البدعة، وأكل الربا، والزنا، وشرب الخمر، وعدم التنزه من البول.. وهكذا.
فعلى العبد أن يكثر من ذكر القبر فهو أول منازل الآخرة، وفي ذلك صحة للقلب وزكاة للنفس ورحمة في القبر.
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "من أكثر من ذكر القبر كان له روضة من رياض الجنة، ومن غفل عنه كان له حفرة من حفر النار".
وقال محمد بن السماك ونظر يوما إلى مقبرة: "لا يغرنكم سكون هذه القبور فما أكثر المغمومين فيها، ولا يغرنكم استواء هذه القبور فما أشد تفاوتهم فيها".


أبو أويس الإدريسي

ام قدامة السلفية 19-02-11 03:15 AM

السلام عليكم جزاك الله خيرا
ما احوج امتنا لمعرفة حكم الشرع زمن الفتن اعجبني هذا الموضوع كثيرا
اللهم اجعل بلدنا امنا وجميع المسلمين وكد اعداء المسلمين بارك الله فيك ام حاتم الاثرية

ام قدامة السلفية 19-02-11 03:17 AM

اللهم اجعل بلدنا امنا وجنبن الفتن ماظهر منها وما بطن

ام قدامة السلفية 19-02-11 03:24 AM

السلام عليكم جزى الله خيرا هذا الشيخ الكريم وجزاك اخية

ذرة بنقابي 03-04-11 03:01 AM

جزاك الله خيرا أختي أم حاتم
لي راجعة ان شاء الرحمان لقراءة الموضوع بتمعن
بارك الله في مشيخنا الكرام
الحمد لله يسر الله لنا اللإنتفاع بعلمهم رغم كيد الكائدين

ام حسنى 21-10-14 04:37 AM

جزاك الله خيرا أختي الحبيبة أم حاتم على هذا الموضوع ،
وبارك الله في شيخنا الفاضل .

أم موسى و هارون 09-11-14 06:58 PM

بارك الله فيكم,


الساعة الآن 07:19 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .