- 2 - كتاب الصلاة من "المختصر من الممتع شرح زاد المستقنع" (كاملة الكواري)
كِتَابُ الصَّلاةِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسَلِمٍ مُكَلَّفٍ،إِلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَيَقْضِي مَنْ زَالَ عَقَلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ وَنَحَوِهِ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا كَافِرٍ، فَإِنْ صَلَّى فَمُسْلِمٌ حُكْمًا، ويُؤْمَرُ بِهَا صَغِيرٌ لِسَبْعٍ، ويُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، فَإِنْ بَلَغَ فيِ أَثْنَائِهَا، أَوَ بَعْدَهَا فيِ وَقْتِها أَعَادَ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا إِلَّا لِناوِي الجَمْعِ، وَلِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا الَّذِي يُحصِّلُه قَرِيبًا. _________________________________ قوله: «تجب» والمراد بالوجوب هنا:الفريضة «على كل مسلم»؛ فالكافر لا تجب عليه، فلا يُلْزم بها حال كفره ولا يلزمه قضاؤها بعد إسلامه،ويحاسب عليها في الآخرة «مكلف» أي بالغ عاقل «لا حائضًا ونفساء» فلا تجب عليهما الصلاة. قوله: «ويقضي من زال عقله بنوم» وفي العبارة شيء من التساهل؛ لأن النائِمَ ليس زائِلَ العقل، بل مغطّى عقله وفاقد لإحساسه الظاهري «أو إغماء» هو التطبيق على العقل، فلا يكون عنده إحساس إطلاقًا، فلو أيقظته لم يستيقظ فذلك يقضي الصلاة. والراجح أنه لا يقضى مطلقًا؛ لأن قياسه على النائم ليس بصحيح، فالنائم يستيقظ إذا أوقظ، وأما المغمى عليه فإنه لا يشعر([1]). ولو زال أيضًا بـ«سكر أو نحوه» كالبنج والدواء. والذي يترجح عندي أنه إن زال عقله بفعله فعليه القضاء، وإن كان بغير اختياره فلا قضاء عليه([2]). قوله: «ولا تصح من مجنون»([3]) ومثله الهرم الذي لا يعقل «ولا كافر»، سواء أكان أصليًّا أم مرتدًّا. قوله: «فإن صلى فمسلم حكمًا» أي: نحكم بإسلامه حكمًا لا حقيقة، حتى وإن لم ينو الإسلام بما فعله، فنطالبه بلوازم الإسلام، فيرث أقاربه المسلمين ويرثونه. قوله: «ويؤمر بها» مبني للمجهول؛ لأن الآمر لا يتعين، فكل من له الإمرة على هذا الصبي فإنه يأمره بالصلاة؛ كالأب والأم والجد. وقوله: «صغير لسبع» أي: لتمامه لا لبلوغها، وكذا نأمره بلوازم الصلاة من الطهارة وغيرها من الواجبات، ويستلزم تعليمه ذلك «ويضرب»مثل «يؤمر». وقوله: «عليها» أي على الصلاة ليفعلها، ولا يكون ذلك إلا بالترك، والضرب باليد أو الثوب أو العصا، أو غير ذلك، ويشترط ألا يكون ضربًا مبرحًا. قوله: «فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها أعاد» أي أثناء الصلاة أو بعد انتهائها لكن في وقتها. والراجح أنه لا يعيد الصوم والصلاة؛ لأنه صام وصلى على الوجه الذي أمر به، فسقط عنه الطلب بالفعل([4]). قوله: «ويحرم تأخيرها عن وقتها» أي المختار حرمة تأخيرها بالكلية أو تأخير بعضها بحيث يؤخر الصلاة، حتى إذا لم يبق إلا مقدار ركعة صلى، ولكن لا يحرم «لناوِي الجمعِ»؛ وذلك لأنه إذا جاز الجمع بين الصلاتين صار وَقْتُهُمَا وقتًا واحدًا، وكذا «لمشتغل بشرطها الذي يُحَصِّلُهُ قريبًا» كخياطة ثوب انشق وليس له غيره، ومثله لو وصل إلى الماء عند غروب الشمس، فإن اشتغل باستخراجه غربت الشمس فله أن يؤخرها عن وقتها، وإن كان يحتاج إلى حفر البئر وهو بعيد فلا يؤخرها. والصواب أنه لا يجوزأن يؤخرها عن وقتها مطلقًا، وأنه إذا خاف خروج الوقت صلى على حاله([5]). _________________________________ ([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/222)، وما رجحه الشيخ هو اختيار الشيخ تقي الدين. انظر الإنصاف (1/389). ([2]) وهو ما تئول إليه عدة أقوال في الإنصاف (1/389-390). ([3]) ولا تجب عليه، ولا يقضي إذا أفاق، إلا أن يفيق في وقتها، والأبله الذي لا يفيق كالمجنون. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (1/414). ([4]) والإعادة هي المذهب، كما في كشاف القناع (1/226)، والذي رجحه الشيخ تخريج لأبي الخطاب واختاره الشيخ تقي الدين وغيره. انظر الإنصاف (1/397). ([5]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/226-227)، وروى في الإنصاف (1/399) عن الشيخ تقي الدين وابن المنجا وغيرهما أن في جواز التأخير لأجل الاشتغال بالشروط نظرًا. __________________ |
وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كَفَرَ، وَكَذَا تَارِكُهَا تَهَاوُنًا وَدَعَاهُ إِمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ فَأَصَرَّ وَضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ عَنْهَا، وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا فِيِهمَا.
_________________________________ قوله: «ومن جحد وجوبها كفر» أي: وجوب الصلاة المجمع على وجوبها، وهي: الصلوات الخمس والجمعة، واستثنى العلماء منه ما إذا كان حديث عهد بكفر وجحد وجوبها، فإنه لا يكفر، لكن يُبَيَّن له الحق. قوله: «وكذا تاركها تهاونًا، ودعاه إمام أو نائبه فأصر وضاق وقت الثانية عنها» أي إذا تركها تهاونًا وكسلًا مع إقراره بفرضيتها فإنه كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة، ولكن بشرطين: أن يدعوه«إمام أو نائبه» إلى فعلها، وأن يضيق «وقت الثانية عنها»، وعليه فإذا ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها فإنه لا يكفر، سواء كانت تجمع إلى الثانية أو لا تجمع، وعلى هذا فمذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه أنه لا يمكن أن يحكم بكفر أحد ترك الصلاة في زماننا؛ لأنه لم يدعه الإمام ولم نتحقق أنه تركها كسلًا؛ إذ قد يكون معذورًا. وأما تضايق وقت الثانية دون الأولى؛ فلأنه قد يظن جواز الجمع من غير عذر؛ فلاحتمال هذا الظن لا نحكم بكفره. قوله: «ولا يقتل» التارك والجاحد «حتى يستتاب»ويستتيبه من له الأمر، فيقول له: تب إلى الله وصل ثلاثة أيام، ويُعلم أنه لو مات قبل الثلاثة أيام فإنه كافر، ويستتاب «ثلاثًا فيهما»أي: في الجحود والترك، فإن تاب وإلا قتلناه. __________________ |
بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ هُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ عَلَى الرِّجَالِ المُقِيمِينَ لِلصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَةِ،وَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا، وَتَحْرُمُ أُجْرَتُهُمَا، لَا رَزْقٍ مِنْ بَيْتِ المَالِ لِعَدَمِ مُتَطَوِّعٍ، وَيَكُونُ المُؤَذِّنُ صَيِّتًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْوَقْتِ. فَإِنْ تَشَاحَّ فِيهِ اثْنَانِ قُدِّمَ أَفضَلُهُمَا فِيهِ، ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ، ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الجِيرَانُ، ثُمَّ قُرْعَةٌ. _________________________________ قوله: «هما فرضا كفاية» هذا بيان لحكمهما، وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين. قوله: «على الرجال» أي البالغين، فخرج بذلك الصغار والإناث، فلا يجب عليهم، والمذهب كراهة الأذان والإقامة للنساء. قوله: «المقيمين»فالمسافرون لا أذان عليهم واجب، ولا إقامة، ولكن يسن، والصواب وجوبه على المقيمين والمسافرين([1]). قوله: «للصلوات الخمس المكتوبة» أي المفروضة دون المنذورة -ومنها الجمعة- «المؤداة» خرج بهذا المقضية([2])، والصواب وجوبهما للصلوات الخمس المؤداة والمقضية([3]). قوله: «يقاتل أهل بلد تركوهما» ويقاتلهم الإمام إلى أن يؤذنوا([4]). قوله: «وتحرم أجرتهما» أي: أن يُستأجر شخص يؤذن أو يقيم، أما الجعالة: بأن يقال: من أذن في هذا المسجد فله كذا وكذا بدون عقد وإلزام، فهذه جائزة؛ لأنه لا إلزام فيها، فهي كالمكافأة. قوله: «لا رزق من بيت المال» أي: لا دفع رزق، فلا يحرم أن يعطى المؤذن والمقيم عطاء من بيت المال، وهو ما يعرف في وقتنا بالراتب. قوله: «لعدم متطوع» هذا شرط لأخذ الرزق، فإن وجد متطوع أهل فلا يجوز أن يعطى من بيت المال. قوله: «ويكون»أي يستحب أن يكون «المؤذن صيتًا» أي قوي الصوت، أو حسن الصوت، وكلاهما مستحبان «أمينًا» أي: عدلًا «عالمًا بالوقت ليتحرَّاه»فيؤذن في أوله. قوله: «فإن تشاح فيه اثنان»أي: تزاحما فيه، وهذا في مسجد لم يتعين له مؤذن، فإن تعيَّن بقي الأمر على ما كان عليه. وقوله: «قدم أفضلهما فيه» أي: في الأذان من حسن الصوت والأداء والأمانة والعلم بالوقت، «ثم أفضلهما في دينه وعقله» حسن الترتيب، فيستطيع أن يرتب نفسه، ويجاري الناس بتحملهم في أذاهم «ثم من يختاره الجيران» أي: أهل الحي، «ثم قرعة» هذا إذا تعادلت جميع الصفات. _________________________________ ([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/232)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/407). ([2]) قال ابن قاسم النجدي في حاشية الروض المربع (1/431): «فلا يشرع الأذان ولا الإقامة لمنذورة ولا مقضية ولا نافلة ولا جنازة ولا عيد؛ لأن المقصود منهما الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة على الأعيان والقيام إليها». ([3]) المذهب أنهما مسنونان للمقضية، كما في كشاف القناع (1/232)، وما صوبه الشيخ قول، كما في الإنصاف (1/408). ([4]) قال أبو بطين في حاشية الروض المربع (1/82): «وظاهره أنهم إذا تركوا أحدهما لا يقاتلون. صرح به نصر الله». __________________ |
وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ جُمْلَةً يُرَتِّلُهَا عَلَى عُلْوٍ، مُتَطَهِّرًا، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، جَاعِلًا إِصْبَعَيْهِ فيِ أذُنَيْهِ، غَيْرَ مُسْتَدِيرٍ، مُلْتَفِتًا فيِ الحَيْعَلَةِ يِمِينًا وَشِمَالًا، قَائِلًا بَعْدَهُمَا فيِ أَذَانِ الصُّبْحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ. وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ يَحْدُرُهَا، وَيُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ فيِ مَكَانِهِ إَنْ سَهُلَ. وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّبَا، مِنْ عَدْلٍ، وَلَوْ مُلَحِّنًا أَوْ مَلْحُونًا، وَيُجْزِئُ مِنْ مُمَيِّزٍ، وَيُبْطِلُهُمَا فَصْلٌ كَثِيرٌ، وَيَسِيرٌ مُحَرَّمٌ..
_________________________________ قوله: «وهو خمس عشرة جملة يرتلها على علو» فالتكبير في أوله أربع، والشهادتان أربع، والحيعلتان أربع، والتكبير في آخره مرتان، والتوحيد واحدة، وهذا أول الشروط في الأذان: ألا ينقص عن خمس عشرة جملة. وقوله: «يرتلها على علو» أي: يقولها جملة جملة، وهذا هو الأفضل، ويكون الأذان على شيء عال، في حال كونه «متطهِّرًا» أي: من الحدث الأكبر والأصغر، وهو سنة، ولكن يُكْرَه أذان الجنب دون أذان المحدث حدثًا أصغر، وفي حال كونه «مستقبل القبلة» قال صاحب الفروع: وهو متوجه في كل طاعة إلا بدليل، و«جاعلًا إصبعيه في أذنيه»أي السبابتين «غير مستدير» أي: لا يستدير بأن يمشي فلا يزيل قدميه في منارة ولا غيرها. قوله: «ملتفتًا في الحيعلة يمينًا وشمالًا» الحيعلة: أي: قول حي على الصلاة، وهي مصدر مصنوع، ومثله: بسملة وحوقلة وحمدلة، فيلتفت يمينًا لحَيِّ على الصلاة وشِمَالًا لحي على الفلاح في المرتين جميعًا. قوله: «قائلًا بعدهما» أي بعد الحيعلتين: «في أذان الصبح»أي الأذان الذي سببه طلوع الفجر «الصلاة خير من النوم، مرتين». قوله: «وهي» أي: الإقامة «إحدى عشرة»جملة «يحدرها»أي: يسرع فيها، فلا يرتلها، وكانت إحدى عشرة؛ لأن التكبير في أولها مرتان، والتشهد للتوحيد والرسالة مرتين، والحيعلة مرتين، و(قد قامت الصلاة) مرتين، والتكبير مرتين، والتوحيد مرة. قوله: «ويقيم من أذن استحبابًا في مكانه إن سهل» أي: مكان أذانه إن سهل، فإن صعب كما لو كان في منارة فإنه يقيم حيث تَيَسَّرَ، وفي وقتنا الحاضر يمكن لمن أذن أن يقيم في مكانه بواسطة المكبر. قوله: «ولا يصح» الأذان «إلا مرتبًا»والترتيب: أن يبدأ بالتكبير ثم التشهد ثم الحيعلة ثم التكبير ثم التوحيد فلو نكس لم يجزئ، ولا يصح كذلك إلا «متواليًا» بحيث لا يفصل بعضه عن بعض، ولا يصح إلا «من عدل» فلابد أن يكون مسلمًا عدلًا، ولو أذن المعلن بفسقه فإنه لا يصح أذانه، «ولو مُلَحِّنا» الملحن: المطرب به؛ أي: يؤذن على سبيل التطريب به، كأنما يجر ألفاظ أغنية فإنه يجزئ لكنه يكره، «أو ملحونًا» الملحون: هو الذي يقع فيه اللحن؛ أي: مخالفة القواعد العربية فيصح مع الكراهة، فإن كان يتغير به المعنى فلا يصح معه الأذان. قوله:«ويجزئ» الأذان «من مميز» والمميز من بلغ سبعًا إلى البلوغ. قوله:«ويبطلهما» أي الأذان والإقامة «فصل كثير» فلو كبر أربع تكبيرات، ثم انصرف وتوضأ، ثم أتى، فإن الأذان لا يصح، بل يجب أن يبتدأه من جديد، ويبطلهما أيضًا «يسير محرم»أما إذا كان يسيرًا مباحًا، كما لو سأله سائل وهو يؤذن: أين فلان؟ فقال: ذهب، فهذا يسير مباح، فلا يبطله. |
وَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ الْوَقْتِ، إِلَّا الفَجْرَ بَعْدَ اللَّيْلِ، وَيُسَنُّ جُلُوسُهُ بَعْدَ أَذَانِ المَغْرِبِ يَسِيرًا، وَمَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ أَذَّنَ لِلْأُولَى، ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ، وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مُتَابَعَتُهُ سِرًّا، وَحَوْقَلَتُهُ فِي الحَيْعَلَةِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ: «اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ».
_________________________________ قوله: «ولا يجزئ قبل الوقت» ويسن أول الوقت. قوله: «إلا الفجر بعد نصف الليل» فيصح الأذان، وإن لم يؤذن في الوقت، وعلى هذا؛ فلو أن المؤذنين أذنوا في الساعة الثانية عشرة، ولما طلع الفجر لم يؤذنوا فهذا يجزئ. والقول الثالث أنه لا يصح لصلاة الفجر؛ ولو كان فيه من يؤذن بعد الفجر، وأن الأذان الذي يكون في آخر الليل ليس للفجر، ولكنه لإيقاظ النوم من أجل أن يتأَهَّبُوا لصلاة الفجر، ويختموا صلاة الليل بالوتر، وهذا القول أصلح([1]). قوله: «ويسن جلوسه بعد أذان المغرب يسيرًا» بحيث يفصل بين الأذان والصلاة. قوله: «ومن جمع»ويتصور بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وسيأتي بيان سبب الجمع«أو قضى فوائت أذن للأولى، ثم أقام لكل فريضة»أي يؤذن مرة واحدة ويقيم لكل فريضة. قوله: «ويسن لسامعه متابعته سرًّا»لسامعه يشمل الذكر والأنثى، والنداء الأول والثاني، ولو كان المؤذنون يختلفون فيجيب الأول ويجيب الثاني، ولكن لو صلى ثم سمع مؤذنًا بعد الصلاة فلا يجيب؛ لأنه غير مدعو بهذا الأذان فلا يتابعه، فإن رآه ولم يسمعه، فلا تسن المتابعة. قوله: «وحوقلته في الحيعلة» هذان مصدران مصنوعان ومنحوتان؛ فالحوقلة مصنوعة من «لا حول ولا قوة إلا بالله»، والحيعلة من «حي على الصلاة» «حي على الفلاح» فتقول إذا قال المؤذن: «حي على الصلاة»: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: «حي على الفلاح» لا حول ولا قوة إلا بالله. قوله: «الدعوة التامة»هي الأذان؛ ووصفها بالتامة؛ لاشتمالها على تعظيم الله وتوحيده، والشهادة بالرسالة، والدعوة إلى الخير. «والصلاة القائمة» أي: ورب هذه الصلاة القائمة، والمشار إليه ما تصوره الإنسان في ذهنه، والقائمة: التي ستقام فهي قائمة باعتبار ما سيكون. «آت محمدًا الوسيلة والفضيلة» آت: بمعنى أعْطِ، والوسيلة: دَرَجَة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، قال صلى الله عليه وسلم: «وأرجو أن أكون أنا هو»، والفضيلة: هي المنقبة العالية التي لا يشاركه فيها أحد. «وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته» ابعثه يوم القيامة في مقام محمود الذي وعدته، وهو يشمل كل مواقف القيامة، وأخص ذلك الشفاعة العظمى. _________________________________ ([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/242)، والقول الذي رآه الشيخ أصله هو رواية، كما في الإنصاف (1/420). _________________________________ |
بَابُ شُرُوطِ الصَّلاةِ شُرُوطُهَا قَبْلَهَا: مِنْهَا: الْوَقْتُ، وَالطّهَارَةُ مِنَ الحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَوَقْتُ الظّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ فَيْئَهُ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ، إِلّا فيِ شِدَّةِ حَرٍّ وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ غَيْمٍ لِمَن يُصَلِي جَمَاعَةً، وَيَلِيهِ وَقْتُ الْعَصْرِ إِلَى مَصِيرِ الْفَيْءِ مِثْلَيْهِ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَالضَّرُورَةُ إِلَى غُرُوبِهَا، وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا، وَيَلِيهِ وَقْتُ المَغْرِبِ إِلَى مَغِيبِ الحُمْرَةِ، وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا إِلَّا لَيَلةَ جَمْعٍ، لِمَن قَصَدَهَا مُحْرِمًا، وَيَلِيهِ وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ الثَّانِي، وَهُوَ البَيَاضُ المُعْتَرِضُ، وَتَأْخِيرُهَا إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ إِنْ سَهُلَ، وَيَلِيهِ وَقْتُ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ. _________________________________ قوله: «شروطها قبلها» أي: الشروط الواجبة قبلها، والتي لا تصح إلا بها. قوله: «منها الوقت» والإسلام والعقل والتمييز، والتعبير بالوقت فيه تساهل؛ لأن الوقت ليس بشرط، بل الشرط دخول الوقت؛ لأننا لو قلنا: إن الشرط هو الوقت لزم ألا تصح قبله ولا بعده، ومعلوم أنها تصح بعد الوقت، وإن كان الصحيح أنها لا تصح بعد الوقت إذا لم يكن هناك عذر([1]). قوله: «الطهارة من الحدث والنجس»أي النجس في الثوب والبقعة والبدن. قوله: «فوقتُ الظهْرِ مِنَ الزّوَالِ»أي: ميل الشمس إلى المغرب «إلى مُسَاوَاةِ الشيء فيئه» أي: ظله «بعد فيء الزوال»أي: أن الظـل الذي زالت عليه الشمس لا يحسب، وذلك أن الشمس إذا طلعت صار للشاخص ظل نحو المغرب – والشاخص الشيء المرتفع- ثم لا يزال هذا الظل ينقص بقدر ارتفاع الشمس في الأفق حتى يتوقف عن النقص، فإذا توقف عن النقص، ثم زاد بعد توقف النقص - ولو شعرة واحدة - فهذا هو الزوال. قوله: «وتعجيلها أفضل» أي: تعجيل صلاة الظهر أفضل «إلا في شدة الحر» فالأفضل تأخيرها «ولو صلى وحده»([2]) وقال بعض العلماء: إنما الإبراد لمن يصلي جماعة، ويجوز أيضًا التأخير لمن صلى في بيته. قوله: «أو مع غيم لمن يصلي جماعة»فإذا كان غيم فإنه يسن تأخيرها لمن يصلي جماعة في المسجد؛ لأجل أن يخرج الناس إلى صلاة الظهر والعصر خروجًا واحدًا. والصواب عدم استثناء هذه الصورة، وأن صلاة الظهر يسن تقديمها إلا في شدة الحر فقط، وما عدا ذلك فالأفضل أن تكون في أول الوقت([3]). قوله: «ويليه وقت العصر»فلا فاصل بين الوقتين ولا اشتراك بين الوقتين. قوله: «إلى مصير الفيء مثليه بعد فيء الزوال» قلنا: إن فيء الزوال لا يحسب، فنبدأ منه، فإذا صار الظل طول الشاخص فهذا نهاية وقت الظهر ودخول وقت العصر، وإذا كان طول الشاخص مرتين: فهو نهاية وقت العصر، فالظهر من فيء الزوال إلى مثله، والعصر إلى مثليه، فالظهر أطول بكثير؛ لأن الظل في آخر النهار أسرع، وكلما دنت الشمس إلى الغروب كان الظل أسرع. قوله: «والضرورة إلى غروبها»أي: يمتد وقت الضرورة إلى غروب الشمس. قوله: «ويسن تعجيلها» أي يسن في صلاة العصر تعجيلها. قوله: «ويليه المغرب إلى مغيب الحمرة» أي: يلي وقت العصر بدون فاصل وبدون اشتراك بينهما في الوقت، فوقت المغرب من مغيب الشمس إلى مغيب الحمرة في السماء، فإذا غابت الحمرة لا البياض، فإنه يخرج وقت المغرب، ويدخل وقت العشاء. قوله: «ويسن تعجيلها إلا ليلة الجمع» أي: يسن تعجيل صلاة المغرب إلا ليلة الجمع وهو اسم مزدلفة، وذلك «لمن قصدها محرمًا» فالحاج إذا دفع من عرفة فإنه لا يصلي في عرفة ولا في الطريق على وجه الاستحباب، بل يصلِّي في مزدلفة. قوله: «ويليه وقت العشاء»أي: يلي وقت المغرب وقت العشاء«إلى الفجر الثاني؛ وهو البياض المعترض» في الأفق من الشمال إلى الجنوب، والفجر الأول يخرج قبل الثاني بنحو ساعة أو ساعة إلا ربعًا أو قريبًا من ذلك، وهو ممتد لا معترض، أي: ممتد طولًا من الشرق إلى الغرب، وهو يكون نورًا لمدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نورًا وإضاءة، والفجر الثاني متصل بالأفق؛ ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق، بينه وبين الأفق ظلمة. «ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس» فيكون من طلوع الفجر، وظاهر كلامه: أن تأخير صلاة العشاء إلى بعد منتصف الليل جائز؛ لأنه لم يقل: إنه وقت ضرورة، والمذهب تحريم تأخيرها بعد ثلث الليل بلا عذر؛ لأنه وقت ضرورة. قوله: «وتعجيلها أفضل» مطلقًا أي صيفًا وشتاءً([4])«وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهل» فإن شق فتعجل في أول الوقت. _________________________________ ([1]) المذهب أنها تصح فيقضيها، كما في كشاف القناع (1/260)، وما صححه الشيخ هو اختيار الشيخ تقي الدين، كما في الإنصاف (1/443)، قال: «واختار الشيخ تقي الدين أن تارك الصلاة عمدًا إذا تاب لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع». ([2]) ليس المراد أنه يترك الجماعة ويصلي وحده؛ إذ لا يترك واجب لمسنون، وإنما مرادهم العذر لمرض ونحوه. من حاشية أبي بطين (1/88). ([3]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/251)، وما صوبه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/431). ([4]) ويجب التأخير لتعلم فاتحة أو ذكر واجب أمكنه تعلمه في الوقت، وكذا لو أمره والده بالتأخير؛ لأن طاعة الوالد ألزم من الصلاة أول الوقت؛ لأنه سنة وطاعته واجبة. انظر: الروض المربع مع حاشية أبي بطين (1/89). |
وَتُدْرَكُ الصَّلَاةُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي وَقْتِهَا، وَلَا يُصَلِّي قَبْلَ غَلَبةِ ظَنِّهِ بِدُخُولِ وَقْتِهَا، إِمَّا بِاجْتِهَادِهِ أَوْ خَبَرِ ثِقَةٍ مُتَيَقِّنٍ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَبَانَ قَبْلَهُ فَنَفْلٌ وَإِلَّا فَفَرْضٌ، وِإِنْ أَدْرَكَ مُكَلِّفٌ مِنْ وَقْتِها قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ ثُمَّ زَالَ تَكْلِيفُهُ، أَوْ حَاضَتْ، ثُمَّ كُلِّفَ وَطَهُرَتْ قَضَوْهَا، وَمَنْ صَارَ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لَزِمَتْهُ، وَمَا يُجْمَعُ إِلَيْهَا قَبْلَهَا، وَيَجِبُ فَوْرًا قَضَاءُ الْفَوَائِتِ مُرَتّبًا، وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِنِسْيَانِهِ، وَبِخَشْيَةِ خُرُوجِ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْحاضِرَةِ.
_________________________________ قوله: «وتدرك الصلاة بتكبيرة الإحرام في وقتها» سواء من أول الوقت أو من آخر الوقت؛ فلو أن امرأة أدركت مقدار تكبيرة الإحرام من صلاة المغرب، ثم أتاها الحيض فيجب عليها إذا طهرت أن تصلي المغرب، ولو كانت حائضًا ثم طهرت قبل خروج الوقت بقدر تكبيرة الإحرام فإن الصلاة تلزمها، والصحيح أنه لا تدرك الصلاة إلا بإدراك ركعة([1]). ويُثَابُمن أدْرَكَ مقدار تكبيرة الإحرام ثواب من أدرك جميع الصلاة، وتكون الصلاة في حقه أداء، لكنه لا يجوز أن يؤخرها أو بعضها عن وقتها ويأثم، لكنه مع ذلك أدركها. وقوله: «بتكبيرة الإحرام في وقتها» يشمل وقت الضرورة ووقت الاختيار، وليس عندنا صلاة لها وقتان إلا صلاة العصر والعشاء. قوله:«ولا يصل قبل غلبة ظنه بدخول وقتها»فإذا تيقن فيصلي؛ كأن كان الجو صحوًا وشاهد غروب الشمس فيصلي المغرب، وإذا كانت السماء مغيمة ولم يشاهد الشمس، ولكن غلب على ظنه أنها قد غابت فيصلي، ولا يصلي مع الشك ولا يصلي مع غلبة الظن بعدم دخول الوقت. قوله: «إما باجتهاد أو خبر ثقة متيقن» الطرق التي يحصل بها غلبة الظن: الاجتهاد، لكن بشرط أن يكون المجتهد عنده أداة الاجتهاد بأن يكون عالمًا، وخبر ثقة متيقن ولو امرأة، كرجل أخبرك عن يقين بأن الوقت دخل، بأن قال: رأيت الشمس غربت أو قال: رأيت الفجر قد طلع، فإن أخبرك عن اجتهاد أو عن غلبة ظن فإنك لا تعمل بقوله. قوله: «فإن أحرم باجتهاد فبان قبله فنفل وإلا ففرض» أحرم أي: دخل في الصلاة، فإن كان الإحرام قبل وقتها فنفل إن لم يكن وقت نهي،وقوله: «وإلا ففرض» أي: وإلا يتبين قبله ففرض. ولم يقل بيقين؛ لأنه إذا أحرم بيقين لا يمكن أن يتبين أنه قبل الوقت. قوله: «وإن أدرك مكلف» وهو البالغ العاقل «من وقتها قدر التحريمة» أي تكبيرة الإحرام «ثم زال تكليفه» بأن جُنَّ بعد العقل أو أغمي عليه «أو حاضت» أي: المرأة «ثم كلف وطهرت قَضَوْها» أي: تلك الصلاة. قوله: «ومن صار أهلًا لوجوبها» أهلية الوجوب تكون بالتكليف وزوال المانع؛ فيصير أهلًا لوجوبها إذا بلغ قبل خروج الوقت، وإذا عقل قبل خروج الوقت، وزال المانع، مثل: إذا طهرت قبل خروج الوقت. قوله: «قبل خروج وقتها لزمه» تلك الصلاة التي أدرك من وقتها قدر التحريمة، ولزمه أيضًا «ما يجمع إليها قبلها» فمثلًا: إذا أدرك من صلاة العصر قدر التحريمة لزمته صلاة العصر، ولزمته صلاة الظهر أيضًا. وقوله: «ويجب فورًا قضاء الفوائت» سميناه قضاء؛ لأنه بعد الوقت، وفائتة؛ لأنها خرج وقتها قبل فعلها فتكون فائتة، لا فرق بين أن يدعها عمدًا بلا عذر أو يدعها لعذر. والقول الثاني في المسألة: أنه إذا فاتت العبادة المؤقتة عن وقتها لعذر قُضِيَتْ، وإن فاتت لغير عذر فلا قضاء([2]). قوله: «مرتبًا» أي: يبدأ بها بالترتيب «ويسقط الترتيب بنسيانه وبخشية خروج وقت اختيار الحاضرة» فلو كان عليه خمس فرائض تبتدئ من الظهر، فنسي فبدأ بالفجر مع أنها هي الأخيرة فقضاؤه صحيح؛ لأنه نسي، ولو ذكر أن عليه فائتة، وقد بقي على أن يكون ظل كل شيء مثليه ما لا يتسع للفائتة والحاضرة فيقدم الحاضرة. _________________________________ ([1]) المذهب هو ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/257)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/439). ([2]) المذهب أنه يقضيها، كما في كشاف القناع (1/260)، والقول الثاني هو اختيار الشيخ تقي الدين، كما في الإنصاف (1/443)، قال: «واختار الشيخ تقي الدين أن تارك الصلاة عمدًا إذا تاب لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع». |
وَمِنْهَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَيَجِبُ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَعَوْرَةُ رَجُلٍ، وَأَمَةٍ، وَأُمِّ وَلَدٍ، وَمُعْتَقٍ بَعْضُهَا مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ، وَكُلُّ الحُرَّةِ عَوْرَةٌ إِلَّا وَجْهَهَا، وَتُسْتَحَبُّ صَلَاتُهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَيُجْزِئُ سَتْرُ عَوْرَتِه فِي النَّفْلِ، وَمَعَ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فِي الْفَرْضِ، وَصَلَاتُهَا فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمَلْحَفَةٍ، وَيُجْزِئُ سَتْرُ عَوْرَتِهَا.
وَمَنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَفَحُشَ، أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، أَوْ نَجِسٍ أَعَادَ، لَا مَنْ حُبِسَ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ، وَمَنْ وَجَدَ كِفَايةَ عَوْرَتِهِ سَتَرَهَا، وَإِلَّا.. فَالْفَرْجَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا فَالدُّبُرَ، وَإِنْ أُعِيرَ سُتْرَةً لَزِمَهُ قَبُولُها. _________________________________ قوله: «ومنها» أي: من شروط الصلاة، والستر: بمعنى التغطية، والعورة: ما يسوء الإنسان إخراجه والنظر إليه. قوله: «فيجب» ستر العورة، «بما لا يصف البشرة»أي: يشترط للساتر ألا يصف البشرة، أي لا يبين العضو. قوله: «وعورة رجل وأمة وأم ولد ومعتق بعضها من السرة إلى الركبة» العورة ثلاثة أقسام: مخففة: وهي عورة الذكر من سبع إلى عشر سنوات وهي الفرجان فقط. مغلظة: وهي عورة الحرة البالغة، فكلها عورة إلا وجهها، فإنه ليس بعورة في الصلاة. متوسطة: ما سوى ذلك، وحدها ما بين السُّرّة والركبة، ويدخل فيها الذكر من عشر سنوات فصاعدًا، والحرة دون البلوغ، والأَمَة ولو بالغة. وأم الولد: هي الأَمَة التي أتت من سيدها بولد، وهي رقيقة حتى يموت سيدها ثم تعتق، وحكمها حكم الأمة أي: عورتها من السرة للركبة. قوله: «ومعتق بعضها» أي: نصفها حر ونصفها رقيق، أما المكاتب فهو عبد ما بقي عليه درهم. قوله: «وكل الحرة عورة إلا وجهها» أي: في الصلاة فليس بعورة. وأنا أقلد شيخ الإسلام في أن الحرة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها، وهو الوجه والكفان والقدمان([1]). قوله: «وتستحب صلاته في ثوبين» أي: ينبغي للإنسان أن يصلي في ثوبين؛ لأنهما أستر، ومن الثوبين الإزار والرداء. قوله: «ويجزئ ستر عورته في النفل» أي: عورة الرجل، وهي ما بين السرة والركبة، إلا من سبع إلى عشر فهي الفرجان، القبل والدبر، فيكفي ستر العورة، أما الزيادة فهو سنة([2]). «ومع أحد عاتقيه في الفرض» والعاتق: هو موضع الرداء من الرقبة، فالرداء يكون ما بين الكتف والعنق، ففي الفريضة لابد أن تضيف لستر العورة ستر أحد العاتقين الأيمن أو الأيسر، ولو بما يصف البشرة. قوله: «وصلاتها في درع وخمار وملحفة» أي صلاة المرأة في درع وهو القميص السابغ الذي يصل إلى القدمين، والخمار: ما يُلَفّ على الرأس، والملحفة: ما يُلَفّ على الجسم كله؛ كالعباءة، والجلباب، وما أشبههما، فيُسَنُّ للمرأة أن تصلي في هذه الأثواب الثلاثة: درع، وخمار، وملحفة. قوله: «ويجزئ ستر عورتها»ولو بثوب واحد، فلو تَلَفْلَفَتِالمرأة بثوب يستر رأسها وكفّيْهَا وقدميها وبقية بدنها، ولا يخرج منه إلا الوجه أجزأ . قوله: «ومن انكشف»أي: زال الستر عن «بعض عورته»ويشمل السوأة وغيرها مما قلنا إنه عورة«وفحش» أي: غلظ وعظم، ويرجع فيه إلى العرف، فإن فحش ولكنه في زمن يسير، كما لو هبت ريح، بحيث انكشف ثم ستره في الحال لم تبطل، وذلك بلا تعمد، ولو تعمد لم تصح صلاته، سواء كان الانكشاف يسيرًا أو فاحشًا. قوله: «أو صلى في ثوب محرم عليه» -لكسبه كأن يكون مغصوبًا أو لعينه كأن يكون حريرًا لرجل- لم تصح صلاته. قوله:«أو نجس»أي: المتنجس نجاسة لا يُعْفَى عنها. وقوله: «أعاد» مطلقًا، سواء كان عالمًا أو جاهلًا أو ناسيًا أو ذاكرًا أو واجدًا أو عادمًا. قوله: «لا من حُبس في محل نجس»فلا يعيد إذالم يتمكن من الخروج إلى محل طاهر؛ فإن كانت النجاسة يابسة صلى كالعادة، وإن كانت رطبة صلى قاعدًا على قدميه بالإيماء. قوله: «ومن وجد كفاية عورته سترها» أي وجوبًا. قوله: «وإلا فالفرجين»أي وإن لم يجد كفايتها فليستر الفرجين. قوله: «فإن لم يكفهما فالدبر»أي: يستر الدبر؛ لأن القبل إذا انضم عليه ستره. قوله: «وإن أعير سترة لزمه قبولها»؛ لأنه قادر على ستر عورته بلا ضرر فيه، بخلاف الهبة للمنة، ولا يلزمه استعارتها، والقول الراجح في هذه المسألة أنه يلزمه تحصيل السترة بكل وسيلة ليس فيها ضـرر ولا منة؛ سواء ببيع أو باستعارة أو باستيهاب أو بقبول هبة، أو ما أشبه ذلك([3]). _________________________________ ([1]) المذهب أنها كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، كما في كشاف القناع (1/266)، وصوب في الإنصاف (1/453) رأي شيخ الإسلام. ([2]) وقوله: «في النفل» ظاهره ولو فرض كفاية، قال الخلوتي: ولعل مثله النذر واليمين. من حاشية أبي بطين (1/92). ([3]) ما ذكره المصنف هو المذهب، كما في كشاف القناع (1/272)، وقال في الإنصاف (1/464): «قوله: (وإن بذلت له سترة لزمه قبولها إذا كانت عارية)؛ وهو المذهب، وعليه الجمهور، وقطع به أكثرهم، وقيل: لا يلزمه. فائدتان: إحداهما: لو وهبت له سترة لم يلزمه قبولها على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وهو ظاهر كلام المصنف هنا، وقيل: يلزمه، وهو ظاهر كلام أبي الخطاب. الثانية: يلزمه تحصيل السترة بقيمة المثل، والزيادة هنا على قيمة المثل، مثل الزيادة في ماء الوضوء على ما تقدم في باب التيمم». |
وَيُصَلِّي الْعَارِي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ؛ اسْتِحْبَابًا فِيهِمَا، وَيَكُونُ إِمَامُهُمْ وَسْطَهُمْ وَيُصَلِّي كُلُّ نَوْعٍ وَحْدَهُ، فَإِنْ شَقَّ صَلَّى الرِّجَالُ وَاسْتَدْبَرَهُمُ النِّسَاءُ ثُمَّ عَكَسُوا، فَإِن وَجَدَ سُتْرَةً قَرِيبَةً فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ سَتَرَ وَبَنَى وَإِلَّا ابْتَدَأَ.
_________________________________ قوله: «ويصلي العاري قاعدًا بالإيماء» ولو كان قادرًا على القيام؛ لأنه أستر لعورته، وقال بعض أهل العلم: إن كان حوله أحد صلى قاعدًا، وإن لم يكن حوله أحد أو في ظلمة أو حوله شخص لا يبصر فإنه يصلي قائمًا؛ لأنه لا عذر له، وهذا القول أقرب الأقوال إلى الحق([1]). قوله: «استحبابًا فيهما» أي: أننا نستحب له ذلك في القعود والإيماء استحبابًا. قوله: «ويكون إمامهم وسْطهم»([2])؛أي: إمام العراة يكون بينهم وجوبًا، فلا يتقدم، ويُصَلُّون قُعُودًا على المذهب استحبابًا، ويومِئون بالرُّكُوع والسجود استحبابًا أيضًا، ويستثنى ما إذا كانوا في ظلمة أو لا يبصرون، فإن إمامهم يتقدم عليهم كالعادة. قوله: «ويصلي كل نوع وحده»فإذا اجتمع رجال ونساء عراة، فلا يصلون جميعًا، بل يصلي كل نوع وحده. قوله: «فإن شق» بحيث لا يمكن أن يصلي كل نوع وحده «صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم عكسوا» أي: إذا لم يكن مكان صلوا جميعًا لكن يصلي الرجال وحدهم وتلقيهم النساء ظهورهن، فتكون ظهور النساء إلى القبلة، ثم بعد ذلك يصلي النساء جماعة استحبابًا؛ لأن الجماعة على النساء غير واجبة، فيصلي النساء ويستدبرهن الرجال، فتكون ظهور الرجال نحو القبلة. قوله: «فإن وجد سترة قريبة في أثناء الصلاة ستر وبنى، وإلا ابتدأ»إن وجد الذي يصلي عريانًا في أثناء الصلاة سترة؛ فإن كانت قريبة -أي: لم يطل الفصل- أخذها وستر وبنى على صلاته، وإن كانت بعيدة فإنه يقطع صلاته، ويبتدئ الصلاة من جديد. _________________________________ ([1]) المذهب أن العاري يستحب له أن يصلي قاعدًا، كما ذكره المصنف، وكما في كشاف القناع (1/272)، وما رآه الشيخ أقرب الأقوال إلى الحق هو مقتضى ما حكاه الشيرازي وجهًا في المنفرد: أنه يصلي قائمًا بخلاف من يصلي جماعة؛ قال: بناء على أن الستر كان لمعنى في غير العورة، وهو عن أعين الناس. انظر الإنصاف (1/465). ([2]) ذكروا أن الفرق بين وسط بالسكون أو بالتحريك أن ما يصلح فيه لفظ بين يكون بالتسكين، وما لا يصلح فيه يكون بالتحريك. من حاشية أبي بطين (1/94). |
وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّدْلُ، وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَتَغْطِيَةُوَجْهِهِ،وَاللِّثَامُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْفِهِ، وَكَفُّ كُمِّهِ وَلَفُّهُ، وَشَدُّ وَسَطِهِ كَزُنَّارٍ، وَتَحْرُمُ الخُيَلَاءُ فِي ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ، وَالتَّصْوِيرُ، وَاسْتِعْمَالُهُ.
_________________________________ قوله: «ويكره في الصلاة السدل»وهو أن يطرح الرداء على كتفيه، ولا يرد طرفه على الآخر، لكن إذا كان مما يلبس هكذا كالعباءة فلا بأس به. قوله: «اشتمال الصماء» أي لُبسة الصماء بأن يضطبع بثوب ليس عليه غيره؛ أي: يكون عليه ثوب واسع إزار ورداء ثم يضطبع فيه –على المذهب- والاضطباع: أن يخرج كتفه الأيمن ويجعل طرف الرداء على الكتف الأيسر. قوله: «وتغطية وجهه» أي: يكره أن يغطي الإنسان وجهه وهو يصلي، وكذا يكره «اللثام على فمه وأنفه»أي بأن يضع الغُترة أو العمامة أو الشماغ على فمه أو على أنفه، ويستثنى منه ما لو كان للحاجة كزكام معه حساسية. قوله: «وكف كمه ولفه»؛ أي: يكره أن يكف الإنسان كمه في الصلاة بأن يجذبه حتى يرتفع، أو يلفه بأن يطويه حتى يرتفع. قوله: «وشد وسطه كزنار» أي: يكره أيضًا للإنسان أن يشد وسطه بأن يربط على بطنه حبلًا أو سيرًا أو ما أشبه ذلك([1])؛ لكن ليس مطلقًا، بل بما يشبه الزنار وهو: سير معروف عند النصارى يشدون به أوساطهم. قوله: «وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره»فالخيلاء أن الإنسان يجد في نفسه شيئًا من التعاظم على الغير، وكذا يحرم «التصوير» أي على صورة الحيوان، ويحرم كذلك«استعماله» يعني استعمال المصوَّر هذا حرام إن استعمله على سبيل التعظيم، سواء كان مجسمًا أو ملونًا، فإن اتخذه على سبيل الإهانة، مثل أن يجعلها فراشًا أو مخدة أو وسادة فلا يحرم، فإن اتخذها لا لتعظيم ولا امتهان، فهذا يحرم على الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر. والأورع الأحوط ألا تستعمل الصُّور ولو على سبيل الامتهان كالفراش والمخدَّة([2]). _________________________________ ([1]) وذلك في الصلاة أو في غيرها. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (1/514). ([2]) جواز استعمالها مخدًّا وافتراشها بلا كراهة هو المذهب كما في كشاف القناع (1/353)، وباب الورع مفتوح. |
وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَنْسُوجٍ أَوْ مُمَوَّهٍ بِذَهَبٍ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ، وَثِيَابُ حَرِيرٍ وَمَا هُوَ أَكْثَرُهُ ظُهُورًا عَلَى الذّكُورِ، لَا إِذَا اسْتَوَيَا، وَلِضَرُورَةٍ، أَوْ حِكَّةٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ قَمْلٍ، أَوْ جَرَبٍ، أَوْ حَشْوًا، أَوْ كَانَ عَلَمًا أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَمَا دُونَ، أَوْرِقَاعًا، أَوْ لَبِنَةَ جَيْبٍ وسُجُفَ فِرَاءٍ، ويُكْرَهُ المُعَصْفَرُ وَالمُزَعْفَرُ لِلرِّجَالِ.
_________________________________ قوله: «على الذكور» يعني يحرم على الذكر استعمال منسوج بذهب أو مموه به، والمنسوج بذهب هو أن يكون فيه خيوط من الذهب تنسج، سواء كانت هذه الخيوط على جميع الثوب أو في جانب منه؛ كالطوق مثلًا أو طرف الكُمّ أو في أي موضع، ولباس الخالص من الذهب بالنسبة للرجل من باب أولى؛ كخاتم من ذهب أو قلادة. وقوله: «مموه بذهب قبل استحالته» المطلي بالذهب حرام على الرجل، إلا إذا استحال هذا الذهب وتغير لونُه، وصار لو عرض على النار لم يحصل منه شيء، فهذا لا بأس به([1]). وقوله: «ثياب حرير» أي الحرير الطبيعي دون الصناعي. وقوله: «وما هو أكثره ظهورًا» أي: يحرم ثوب يكون الحرير أكثره ظهورًا على الذكور، ولو كان الحرير أقل فليس بحرام، مثل أن يكون فيه الحرير خطوطًا إذا نسبناها إلى ما معه من القطن أو الصوف وجدنا أنها الثلث، فالثوب حينئذ حلال اعتبارًا بالأكثر، فإن تساويا فليس بحرام أيضًا. قوله: «ولضرورة» هذا عائد على الحرير أي: أو لبسه لضرورة، ومن الضرورة ألا يكون عنده ثوب غيره، ومن الضرورة أيضًا أن يكون عليه ثوب، ولكنه احتاج إلى لبسه لدفع البرد. قوله: «أو حكة» أي: أنه إذا كان فيه حكة جاز لبسه الحرير، وكذا لو كان به «مرض» لا يشفى منه إلا إذا لبس الحرير، أو لبسه يهوِّن المرض عليه، والمرجع في ذلك إلى الأطباء. قوله: «أو قمل» يقرص الإنسان ويتعبه، والحرير لليونته ونظافته ونعومته يطرد القمل؛ لأنه أكثر ما يكون مع الوسخ، وكذا لو كان به «جرب» ولو بلا حاجة. قوله: «أو حشوًا» أي: يجوز أن يلبس الإنسان ثوبًا محشوًّا بالحرير، «أو كان عَلَمًا» والعلم معناه: الخط يطرز به الثوب، فإن كان فيه خط من الحرير فهو جائز، لكن بشرط ذكره أن يكون العلم «أربع أصابع فما دون» بأصابع إنسان متوسط وهذا يرجع فيه إلى الوسط. ومراده في قوله سابقًا: «وما هو أكثره ظهورًا» إذا كان الثوب مشجَّرًا، أو إذا كان فيه أعلام أقل من أربعة أصابع، أما إذا كان علمًا متصلًا فإن الجائز ما كان أربعةأصابع فما دونها. قوله: «أو رقاعًا أو لبنة جيب»الرقاع: جمع رقعة، أي: لو رقع الثوب بالحرير، فإنه يجوز بقيد أن يكون أربعة أصابع فما دون، وكذلك «لبنة الجيب» والجيب هو الذي يدخل معه الرأس، و«لبنة» هي: ما يوضع من حرير على هذا الطوق. قوله: «وسجف فراء» الفراء: جمع فروة، وهي مفتوحة من الأمام، و«سجفها»أطرافها؛ فهذا لا بأس به، لكن بشرط أن يكون أربعة أصابع فما دون. قوله: «ويكره المعصفر والمزعفر للرجال» والمزعفر – وهو المصبوغ بالزعفران- والمعصفر -وهو المصبوغ بالعصفر- يكرهان كراهة تنزيه، فالفقهاء المتأخرون إذا قالوا: يكره؛ فالمراد كراهة التنـزيه. _________________________________ ([1]) التمويه أن يُماع الذهب والفضة، ثم يُغمس فيه الإناء أو نحوه فيكتسب منه لونه، والتطعيم أن يجعل الذهب أو الفضة قطعًا بقدر حفر في الإناء ونحوه وتوضع فيها، والطلاء جعلها كالشريط ليجعلا في شبه حجارة تجعل في الإناء ونحوه ويضرب عليه حتى يلصق به. انظر: حاشية أبي بطين (1/25). |
وَمِنْهَا: اجْتِنَابُ النَّجَاسَاتِ، فَمَنْ حَمَلَ نَجَاسَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا، أَوْ لَاقَاهَا بِثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِه لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ طَيَّنَ أَرْضًا نَجِسَةً، أَوْ فَرَشَهَا طَاهِرًا كُرِهَ وَصَحَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ بِطَرْفِ مُصَلًّى مُتَّصِلٍ بِهِ صَحَّتْ إِنْ لَمْ يَنْجَرَّ بِمَشْيِهِ، وَمَنْ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَجَهِلَ كَوْنَهَا فِيهَا لَمْ يُعِدْ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا لَكِنْ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا أَعَادَ، وَمَنْ جُبِرَ عَظْمُهُ بِنَجِسٍ لَمْ يَجِبْ قَلْعُهُ مَعَ الضَّرَرِ، وَمَا سَقَطَ مِنْهُ مِنْ عُضْوٍ، أَوْ سِنٍّ فَطَاهِرٌ.
_________________________________ قوله: «ومنها اجتناب النجاسات» وهذا في البدن والثوب والبقعة، وقوله: «فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها»كمن تلَطّخَ ثوبه بنجاسة فهذا حامل لها في الواقع؛ وكذا لو جعل النجاسة في قارورة في جيبه، كَمَنْ أَرَاد أن يُحَلِّلَ البراز أو البول([1]). قوله: «أو لاقاها» أي: لاقى النجاسة، وإن لم يحملها كمن استند إلى جدار نجس. قوله: «بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته» فإن مس ثوبه شيئًا نجسًا، لكن بدون اعتماد عليه فلا يضر. قوله: «وإن طين أرضًا نجسة»أي: كساها بالطين وإن سُمِّتت أو زُفّتَت فمثله «أو فرشها طاهرًا»-أي: فرش عليها شيئًا طاهرًا مثل: ثوب أو سجادة- وصلى على هذا الطين الذين كُسِيَتْ به هذه الأرض وهذا الفُرُش«كره وصحت» فصلاته تصح لعدم مباشرته النجاسة، وتكره لاعتماده على ما لا تصح الصلاة عليه. والصحيح: أنها لا تكره؛ لأنه صلى على شيء طاهر يحول بينه وبين النجاسة ([2]). قوله: «وإن كانت»النجاسة«بطرف مصلى متصل به صحت» كرجل صلّى على سجادة وطرفها نجس، وهذا الطرف متصل بالذي يصلي عليه، ولكنه لا يباشر النجاسة ولا يلاقيها؛ فصلاته صحيحة «إن لم ينجر بمشيه» أي إذا كانت النجاسة متصلة بشيء متعلق بهذا الرجل، فإن كانت تنجر بمشيه لم تصح صلاته؛ كرجل ربط حبلًا بيده أو ببطنه وربطه في رقبة كلب صغير، فهذا الرجل صلاته لا تصح؛ لأنه إذا مشى انجرَّ الكلب، فهو مستتبع للنجاسة الآن. وإن كانت لا تنجر صحت صلاته كرجل ربط حبلًا بحجر كبير متلوث بالنجاسة وربط الحبل بيده أو على بطنه، فصلاته صحيحة؛ لأن الحجر الكبير لا تنجر بمشيه. قوله: «ومن رأى عليه نجاسة بعد صلاته، وجهل كونها فيها لم يعد، وإن علم أنها كانت فيها لكن نسيها أو جهلها أعاد» أي: لا يدري أصابته وهو في الصلاة، أو بعد أن صلى، فلا إعادة عليه. قوله: «ومن جبر عظمه بنجس لم يجب قلعه مع الضرر»كرجل انكسر عظمه فكسروا عظم كلب وجبروا به عظم الرجل فلا يجوز أن يصلي؛ لأنه حامل للنجاسة، فإن كان بحيث إذا قلعه تضرر وعاد الكسر، وربما لا يجبر فلا يجب قلعه؛ فإن كان قد غطاه اللحم لم يجب التيمم؛ لأنه غير ظاهر، وإن كان لم يغطه وجب التيمم؛ لأن النجاسة ظاهرة، هذا هو المذهب، والصحيح أنه لا يجب التيمم([3]). قوله: «وما سقط منه»أي من الإنسان«من عضو»كإصبع أو ذراعأو ساق«أو سن فطاهر»إن أعاده في الحال، فلا يلزمه أن يزيله إذا أراد الصلاة. _________________________________ ([1]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته (1/532): «أي ولو كانت النجاسة مسدودة في القارورة، وهي ما يقر فيها الشراب ونحوه، أو يختص بالزجاج، فإذا حمل نجاسة بقارورة لم تصح صلاته لحمله النجاسة في غير معدنها، أشبه ما لو حملها في كمه، أو حمل آجرة باطنها نجس، أو بيضة فيها فرخ ميت، أو بيضة مذرة، أو عنقودًا من عنب حباته مستحيلة خمرًا، لم تصح صلاته، وصوبه في تصحيح الفروع، وقيل: تصح وفاقًا، للعفو عن نجاسة الباطن». ([2]) المذهب أنها تُكْرَه، كما في كشاف القناع (1/290)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/484). ([3]) المذهب أنه يجب التيمم، كما في كشاف القناع (1/292)، وما صححه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (1/489). |
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي مَقْبَرَةٍ، وَحُشٍّ، وَحَمَّامٍ، وَأَعْطَانٍ إِبِلٍ، وَمَغْصُوبٍ، وَأَسْطِحَتِهَا، وَتَصِحُّ إِلَيْهَا، وَلَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ وَلَا فَوْقَهَا، وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ بِاسْتِقْبَالِ شَاخِصٍ مِنْهَا.
_________________________________ قوله: «ولا تصح الصلاة في مقبرة» بتثليث الباء([1])«وحش» وهو المكان الذي يتخلى فيه الإنسان من البول أو الغائط «وحمام» وهو المغتسل، «وأعطان الإبل» جمع عطن، وهو ما تقيم فيه وتأوى إليه، سواء كانت مبنية بجدران أو محوطة بقوس أو أشجار أو ما أشبه ذلك([2])، «ومغصوب» فلو غصب إنسان من آخر أرضًا وصلى بها فصلاته لا تصح، والصحيح أنها تصح في المكان المغصوب مع الإثم([3]). قوله: «وأسطحتها» يعني لا تصح في أسطحة هذه الأماكن. قوله: «وتصح إليها» أي: تصح الصلاة إذا كانت هذه الأماكن في قبلتك، قالوا: وتكره إذا لم يكن هناك حائل ولو كمؤخرة الرَّحْل، ومؤخرة الرحل يكون نصف متر في نصف متر. قوله:«ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها» أي لا تصح داخلها ولا على سطحها، وأما النذر المقيد في الكعبة فيصح فيها وعليها، مثل: أن يقول: لله عليَّ نذر أن أصلِّي ركعتين في الكعبة، فتصح في الكعبة. والصحيح في هذه المسألة أن الصلاة في الكعبة صحيحة فرضًا ونفلًا([4]). قوله: «وتصح النافلة باستقبال شاخص منها»([5]) لابد أن يكون بين يديه شيء شاخص حتى في النافلة، والشاخص: الشيء القائم المتصل بالكعبة المبني فيها، وعلى هذا فلو صلى إلى جهة الباب وهو مفتوح، وهو داخل الكعبة لا تصح؛ فإن وضع لبنة أو لبنتين بين يديه لا تصح أيضًا؛ لأنها ليست منها، وليست متصلة، والمذهب صحة الصلاة فيها. _________________________________ ([1]) قال في الاختيارات: المطبوع مع الفتاوى الكبرى (5/327): «ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها، والنهي عن ذلك إنما هو سدًّا لذريعة الشرك، وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة؛ لأنه لا يتناول اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدًا. وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور، وهو الصواب؛ والمقبرة كل ما قُبِرَ فيه. لا أنه جمع قبر. وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه». ([2]) وأما ما تبيت فيه الإبل أو تُنَاخ فيه لعلفها فلا يمتنع من الصلاة فيه؛ لأنه ليس بعطن. من حاشية أبي بطين (1/101). ([3]) المذهب أنها لا تصح، كما في كشاف القناع (1/295)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/491). ([4]) المذهب عدم الصحة، كما في كشاف القناع (1/299)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (1/496). ([5]) إذا كانت النافلة مما شرع لها الجماعة وكان فعلها داخلها مما تفوت به الجماعة وخارجها لا كان فعلها خارجها أفضل، وهذا مبني على قاعدة مهمة، وهي أن المحافظة على فضيلة متعلقة بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها، ومن هنا فُضِّلَ النفل في البيت لما فيه من الإخلاص والبعد من الرياء على النفل بالمسجد مع شرفه، وفضل الرمل مع بعده عن البيت على القرب بلا رمل. من حاشية أبي بطين (1/102). |
وَمِنْهَا: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ إِلَّا لِعَاجِزٍ، وَمُتَنَفِّلٍ رَاكِبٍ سَائِرٍ فِي سَفَرٍ، وَيَلْزَمُهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا، وَمَاشٍ يَلَزَمُهُ الِافْتِتَاحُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إِلَيْهَا، وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ مِنَ الْقِبْلَةِ إِصَابَةُ عَيْنِهَا، وَمَنْ بَعُدَ جِهَتُهَا، فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِيَقِينٍ، أَوْ وَجَدَ مَحَارِيبَ إِسْلَامِيَّةً عَمِل بِهَا.
وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا فِي السَّفَرِ بِالْقُطْبِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَنَازِلِهِمَا، وَإِنِ اجْتَهَدَ مُجْتَهِدَانِ فَاخْتَلَفَا جِهَةً، لَمْ يَتبعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَيَتْبِعُ المُقَلِّدُ أَوْثَقَهُمَا عِنْدَهُ. وَمَنْ صَلّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ قَضَى إِنْ وَجَدَ مَنْ يُقَلّدُهُ، وَيَجْتَهِدُ العَارِفُ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ لِكُلّ صَلَاةٍ، وَيُصَلّي بِالثّانِي، وَلَا يَقْضِي مَا صَلّى بِالْأوَّلِ. _________________________________ قوله:«ومنها استقبال القبلة»أي: من شروط الصلاة استقبال الكعبة. قوله: «فلا تصح» الصلاة «بدونه» أي: استقبال القبلة «إلا لعاجز» مثل: أن يكون مريضًا لا يستطيع الحركة وليس عنده أحد يوجهه إلى القبلة، وكذا حال اشتداد الحرب، فيسقط استقبال القبلة، ومثل ذلك لو هرب الإنسان من عدو أو سيل أو حريق أو ما أشبه ذلك، وكذا يسقط استقبالها عن «متنفل راكب سائر في سفر»فخرج المفترض والماشي والمقيم ومن هو في حضر. قوله: «ويلزمه»أي الراكب «افتتاح الصلاة إليها»أي: إلى الكعبة، ثم بعد ذلك يكون حيث كان وجهه([1]). قوله: «وماش» معطوف على «راكب» يعني ويسقط استقبال القبلة عن متنفِّل مسافر يمشي على قدميه. قوله: «ويلزمه»أي: الماشي: «الافتتاح والركوع والسجود إليها» أي: إلى القبلة، أما الراكب فلا يلزمه ركوع ولا سجود، وإنما يومئ إيماء، والصحيح أننا وإن جوَّزْنا للماشي التنفّلَ فإنه لا يلزمه الركوع والسجود إلى القبلة؛ لأن في ذلك مشقة عليه([2]).. قوله:«وفرض من قرب من القبلة إصابة عينها»أي يلزم من قرب من القبلة استقبال عين الكعبة، والقرب؛ أي من أمكنه مشاهدة الكعبة ففرضه استقبال عين الكعبة. وظاهر كلامهم أن المراد الإمكان الحسِّيّ، وأنه إذا أمكنه المشاهدة حسًّا وجب عليه إصابة العين، وعلى هذا فمن كان في صحن المسجد، فاستقبال عين الكعبة عليه فرض. وقوله: «من بَعُدَ، جِهَتُهَا» أي: من بعد عن الكعبة بحيث لا يمكنه المشاهدة، فعليه إصابة الجهة. قوله: «فإن أخبره ثقة بيقين»أي يستدل على القبلة بمشاهدتها، أو بخبر ثقة لكن عن يقين؛ فلو أخبره ثقة بيقين -أي عن مشاهدة- رجل أو امرأة -ولا يشترط التعدد- أن هذه هي القبلة لزم الأخذ بقوله، فلو أخبره الثقة عن اجتهاد فإنه لا يُعْمَل بقوله وهو المذهب([3])، والصواب: أنه لو أخبره ثقة، سواء أخبره عن يقين أو عن اجتهاد فإنه يعمل بقوله([4]). قوله:«أو وجد محاريب إسلامية»يستدل على القبلة بالمحاريب الإسلامية، ولو كانت غير إسلامية فلا يُعمل بها. قوله: «ويستدل عليها في السفر بالقطب»وهذا دليل آفاقي، أي: دليل في الأفق، والقطب: نجم خفي جدًّا من جهة الشمال الشرقي بالنسبة للقصيم، قال العلماء: لا يراه إلا حديد البصر في غير ليالي القمر إذا كانت السماء صافية، لكن له جار بَيِّن واضِح، استَدَلّوا به عليه وهو الجَدي. قوله: «والشمس والقمر»أي: الشمس والقمر يُسْتَدَل بهما على القبلة. قوله: «ومنازلهما» أي: منازل الشمس والقمر، وهذه لا يعرفها إلا من تمرَّسَ وصار في البر، وليس حوله أنوار كهرباء بحيث يعرف هذه النجوم([5]). قوله: «وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة»المجتهد في جهة القبلة هو: الذي يعرف أدلتها. والمقلد: فرضه التقليد، ولكن سبق أنه لابد أن يكون المقلد يخبر عن يقين على المذهب ([6]).. قوله:«لم يتبع أحدهما الآخر» فلا يجوز أن يتبع أحدهما الآخر، حتى ولو كان أعلم منه وأعرف، ما دام خالفه. قوله: «ويتبع المقلد أوثقهما عنده» إذا اجتهد مجتهدان إلى القبلة وعندهما مقلد فيتبع أوثقهما، فإن تبع غير الأوثق مع وجود الأوثق فصلاته باطلة. قوله: «ومن صلى بغير اجتهاد»إن كان يحسنه «ولا تقليد» إن كان لا يحسنه «قضى إن وجد من يقلده»؛ لأنه لم يأت بما يجب عليه، فكان بذلك مفرطًا؛ فيقضي ولو أصاب وهو المذهب؛ فإن لم يجد من يقلده وتحرى فإنه لا تلزمه الإعادة. قوله: «ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة»العارف بأدلة القبلة هو: المجتهد؛ فإذا اجتهد مثلًا لصلاة الظهر، وتبين له أن القبلة أمامه ووضع العلامة على القبلة وصلى فصلاته صحيحة، فإذا جاء العصر لا يعتمد على الاجتهاد الأول، ويجب أن يعيد الاجتهاد مرة ثانية.والصواب أنه لا يلزمه أن يجتهد لكل صلاة ما لم يكن هناك سبب، مثل أن يطرأ عليه شك في الاجتهاد الأول، فحينئذ يعيد النظر([7]). قوله: «ويصلي»أي: المجتهد «بالثاني» أي: بالاجتهاد الثاني «ولا يقضي ما صلى بالأول» أي: إذا تبين له خطؤه. _________________________________ ([1]) قال في الروض المربع بحاشية أبي بطين (1/102): «وراكب المحفة الواسعة والسفينة والراحلة الواقفة يلزمه الاستقبال في كل صلاته»، قال أبو بطين في الحاشية: «إلا ملاحًا فلا يلزمه استقبال القبلة لانفراده بتدبيرها». ([2]) المذهب أنه يلزمه ذلك، كما في كشاف القناع (1/304)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/4). ([3]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/170). ([4]) وما صوبه قول ذكره في الإنصاف (2/10). ([5]) قال في الروض المربع: «ويستحب تعلم أدلة القبلة والوقت» قال ابن قاسم النجدي في حاشيته عليه (1/560): «وذهب إلى وجوبه على المسافر طائفة، قال في شرح الهداية: وهو متجه، ويحتمل ألا يجب فإن التباس جهة القبلة مما يندر، والمكلف إنما يتعين عليه ما يعم مسيس الحاجة إليه لا ما يندر». ([6]) سبق بيان هذا قريبًا. ([7]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/174). |
وَمِنْهَا النِّيَّةُ، فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ عَيْنَ صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْضِ، وَالْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءِ، وَالنَّفْلِ، وَالْإِعَادَةِ نِيَّتَهُنَّ، وَيَنْوِي مَعَ التَّحْرِيمَةِ، وَلَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا بِزَمَنٍ يَسيرٍ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ قَطَعَهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَدَّدَ بَطَلَتْ، وَإِذَا شَكَّ فِيهَا اسْتَأنَفَ. وَإِنْ قَلَبَ مُنْفَرِدٌ فَرْضَهُ نَفْلًا فِي وَقْتِهِ المُتَّسَعِ جَازَ، وَإِنِ انْتَقَلَ بِنِيَّةٍ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ بَطَلَا.
_________________________________ قوله: «ومنها» الشرط التاسع والأخير من شروط الصلاة: النية، والثمانية السابقة هي: الإسلام، والعقل، والتمييز، ودخول الوقت، وستر العورة، والطهارة من الحدث، واجتناب النجاسة، واستقبال القبلة. قوله: «فيجب»على من أراد الصلاة أن ينوي عينها إذا كانت معينة، فلو أراد أن يصلي الظهر فيجب أن ينوي صلاة الظهر، أو أراد أن يصلي الوتر فيجب أن ينوي صلاة الوتر؛ فلو نوى فرض هذا الوقت أو الصلاة مطلقًا فصلاته لم تسقط الفرض على المذهب ويؤجر عليها، فإن كانت غير معينة؛ كالنفل المطلق فينوي أنه يريد أن يصلي فقط بدون تعيين. والذي يترجح عندي القول بأنه لا يُشْتَرَطُ التعيين فيهما، وأن الوقت هو الذي يعين الصلاة، وأنه يصح أن يصلي أربعًا بنية ما يجب عليه وإن لم يعينه([1]). قوله: «ولا يشترط في الفرض»أي: لا يُشْتَرط في الفرض نية الفرض، كمن نوى صلاة الظهر لا يشترط أن ينوي أنها فرض، وكذا لا يشترط نية «الأداء والقضاء»وهو الذي فعل بعد وقته المحدد له شرعًا كصلاة الظهر، إذا نام عنها حتى دخل وقت العصر، وكذا لا يشترط نية «النفل»المطلق أو المعين «والإعادة» وهي ما فعل في وقته مرة ثانية، سواء كان لبطلان الأولى أو لغير بطلانها؛ فلا يشترط نية ما مضى اكتفاء بالتعيين. قوله: «وينوي مع التحريمة»محل النية عند الصلاة أن تكون مقارنة للتحريمة، فإذا أراد أن يكبر كَبَّر، وهو ينوي في نفس التكبير أنها صلاة الظهر أو المغرب أو العشاء([2]). قوله: «وله تقديمها بزمن يسير في الوقت» فلو نوى الصلاة قبل دخول وقتها ولو بزمن يسير، ثم دخل الوقت وصلى بلا نية فصلاته غير صحيحة. قوله: «فإن قطعها»أي النية([3])«في أثناء الصلاة أو تردد»أي: تردد في القطع، مثاله: أن يسمع قارعًا يقرع الباب، فَيَتَرَدَّد أأقطع الصلاة أم أستمر؟ فإن الصلاة تبطل؛ لأن استمرار العزم شرط على المذهب([4]). وقال بعض أهل العلم: إنها لا تبطل بالتردد؛ وذلك لأن الأصل بقاء النية، والتردد هذا لا يبطلها، وهذا القول هو الصحيح ([5]). قوله: «وإذا شك فيها استأنف» أي: هل نوى أو لم ينو، أو شك هل نوى الصلاة المعينة أو لم ينوها ؟ فإنه يستأنفها. حكم الانتقال من نية إلى نية: قوله: «وإن قلب منفرد»فرضه «نفلًا في وقته المتسع جاز، وإن انتقل بنية فرض إلى فرض بطلا» كمن شرع يصلي العصر، ثم ذكر أنه صلى الظهر على غير وضوء، فنوى أنها الظهر فلا تصح صلاة العصر ولا صلاة الظهر، ولو انتقل من فرض إلى فرض بتحريمه، كأن ينتقل من العصر ويكبر للظهر؛ فتبطل صلاة العصر وتصح الظهر. وقوله: «بطلا» تسامح وتغليب، والصواب أن يقول: بطلت الأولى، ولم تنعقد الثانية. _________________________________ ([1]) المذهب وجوب التعيين، كما في شرح منتهى الإرادات (1/176)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/19). ([2]) والتلفظ بالنية ليس بشرط، قاله في الروض المربع، قال ابن قاسم النجدي في حاشيته (1/565): «أي فيستحب، والمنصوص عن أحمد وغيره خلافه، بل ذكر شيخ الإسلام أن التلفظ بها بدعة، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولم ينقل عنه مسلم ولا عن أصحابه أنه تلفَّظَ قبل التكبير بلفظ النية، لا سرًّا ولا جهرًا ولا أمر بذلك؛ فلما لم ينقله أحد علم قطعًا أنه لم يكن، وقال: اتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها ولا تكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديبه، وكذا بقية العبادات، والجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه، لاسيما إذا آذى به أو كرره، والجهر بها منهي عنه عند الشافعي وسائر أئمة الإسلام، وفاعله مسيئ، وإن اعتقده دينًا خرج عن إجماع المسلمين، ويجب نهيه، وبعض المتأخرين خرج وجهًا من مذهب الشافعي، وغلطه جماهير أصحاب الشافعي، قال الشافعي: إن الصلاة لابد من النطق في أولها، فظن الغالط أنه أراد النطق بالنية، وإنما أراد التكبير، وقال ابن القيم: لم يكن صلى الله عليه وسلم هو ولا أصحابه يقولون: نويت... إلى آخره، ولم يرد عنهم حرف واحد في ذلك، وفي الإقناع: والتلفظ بها بدعة»، وانظر: الإقناع بشرحه كشاف القناع (1/87). ([3]) كأن يقصد خلاص خصم. انظر: حاشية أبي بطين (1/105). ([4]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/176). ([5]) وهو وجه كما في الإنصاف (2/24). |
وَتَجِبُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَالِائْتِمَامِ، وَإِنْ نَوَى المُنْفَرِدُ الِائْتِمَامَ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا، كَنِيَّةِ إِمَامَتِهِ فَرْضًا، وَإِنِ انْفَرَدَ مُؤْتَمٌّ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَأمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إِمَامِهِ؛ فَلَا اسْتِخْلَافَ، وَإِنْ أَحْرَمَ إِمَامُ الْحيِّ بِمَنْ أَحْرَمَ بِهِمْ نَائِبُهُ وَعَادَ النَّائِبُ مُؤْتَمًّا صَحَّ.
_________________________________ قوله: «وتجب نية الإمامة والائتمام» أي: يجب أن ينوي الإمام الإمامة، والمأموم الائتمام. وهو شرط لصحة الصلاة على المذهب، فلو أتى شخص إلى إنسان يصلي فاقتدى به ونوى الائتمام به، وهذا الذي يصلي لم يعلم بأن أحدًا يصلي وراءه، وأنه إمام له فالمذهب أن صلاة الإمام جماعة لا تصح؛ لأنه لم ينو، والمأموم لا تصح صلاته أصلًا؛ لأنه نوى الائتمام بمن لم يكن إمامًا له. والقول الثاني في المسألة: أنه يصح أن يأتم الإنسان بشخص لم ينو الإمامة وهو أصح([1]). قوله: «وإن نوى المنفرد الائتمام لم تصح»كمن ابتدأ صلاته منفردًا، ثم حضرت جماعة فصلوا جماعة، فانتقل من انفراده إلى الائتمام بالإمام الذي حضر، فإن صلاته على المذهب لا تصح([2]). والقول الثاني أنه يصح أن ينوي المنفرد الائتمام، وهو الصحيح([3]). قوله: «كنية إمامته فرضًا» أي: كما لا يصح أن ينتقل المنفرد إلى إمامة في صلاة الفرض بأن صلى منفردًا؛ ثم حضر شخص أو أكثر، فقالوا: صل بنا، فنوى أن يكون إمامًا لهم. وعلم من قوله أنه لو انتقل المنفرد إلى الإمام في نفل فإن صلاته تصح، والمذهب عدم الصحة في الفرض والنَّفْل. قوله: «وإن انفرد مؤتم بلا عذر بَطَلَتْ» فإذا دخل المأموم مع الإمام في الصلاة، ثم طرأ عليه أن ينفرد فانفرد، وأتم صلاته منفردًا وانصرف؛ فإن كان لعذر كتطويل الإمام زائدًا على السنة فصحيح، وإن كان لغير عذر فغير صحيح. وصلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، ولهذا يتحمل الإمام عن المأموم أشياء كثيرة، منها: التشهد الأول إذا قام الإمام عنه ناسيًا، ومنها سترة الإمام سترة للمأموم، ولذلك «تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام» ولا يستثنى من ذلك شيء إلا إذا صلى الإمام محدثًا، ونسي أو جهل ولم يعلم بالحدث، أو لم يذكر الحدث إلا بعد السلام، فيلزمه الإعادة، ولا يلزم المأموم الإعادة. وقوله: «فلا استخلاف» أي: فلا يستخلف الإمام من يتم بهم الصلاة بعد بطلان الصلاة؛ فإن أحس بالحدث مثلًا واستخلف قبل أن تبطل صلاته فهذا جائز، وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو المشهور من المذهب([4])، والقول الثاني في المذهب أنه يستخلف، وأن صلاة المأموم لا تبطل بصلاة الإمام([5]). وإذا انتقل الإنسان من إمامة إلى ائتمام صَحَّت صلاته في صور؛ منها: «إن أحرم»شخص بقوم نائبًا عن«إمام الحي» أي الراتب الذي تخلف، ثم حضر إمام الحي فتَقَدَّم إلى المحراب فنائبه يتأخر إن وجد مكانًا في الصف؛ وإلا بقي عن يمين الإمام؛ فهنا ينتقل الإمام النائب من إمامة إلى ائتمام وهذا جائز. _________________________________ ([1]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/178)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/28). ([2]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/179). ([3]) وهو رواية، كما في الإنصاف (2/29). ([4]) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/181). ([5]) انظر: الإنصاف (2/33). |
بَابُ صِفَةِ الصَّلاةِ يُسَنُّ الْقِيَامُ عِنْدَ (قَدْ) مِنْ إِقَامَتِهَا، وَتَسْوِيَةُ الصَّفِّ، وَيَقُولُ: «اللهُ أَكْبَرُ» رَافِعًا يَدَيْهِ، مَضْمُومَتَي الْأَصَابِعِ، مَمْدُودَةً حَذْوَ مِنْكَبَيْهِ كَالسُّجُودِ، ويُسْمِعُ الإِمَامُ مَنْ خَلْفَهُ كَقِرَاءَتِهِ فِي أُولَيَيْ غَيرِ الظّهْرَيْنِ، وَغَيْرَهُ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَقْبِضُ كُوعَ يُسْرَاهُ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَيَنْظُرُ مَسْجِدَهُ، ثمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ يَسْتَعِيذُ وَيُبَسْمِلُ، سِرًّا، وَلَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ. _________________________________ صفة الصلاة: أي الكيفية التي تكون عليها. قوله: «يسن»للمأموم «القيام عند (قد) من إقامتها» أي إذا قال المقيم: «قد قامت الصلاة». هذا إذا رأوا الإمام، فإن لم يروه انتظروا حتى يروا الإمام، ويسن أيضًا «تسوية الصف» بحيث لا يتقدم أحد على أحد، والمعتبر المناكب في أعلى البدن والأكعب في أسفل البدن، والقول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف، وأن الجماعة إذا لم يسووا الصف فهم آثمون ([1]). قوله: «ويقول»المصلي بلسانه لا بقلبه: «الله أكبر» وهذا ركن لا تنعقد الصلاة بدونه، ولو قال: «الله الأجل، أو الله أجل، أو الله أعظم» أو ما شابه ذلك فإنه لا يجزئ. قوله: «رافعًا يديه» أي: يقول ذلك في حال رفع يديه حذاء كتفيه([2])«مضمومتي الأصابع» يعني يضم بعضها إلى بعض «ممدودة» غير مقبوضة «حذو منكبيه» هما الكتفان، فيكون منتهى الرفع إلى الكتفين؛ «كالسجود»أي: كما يفعل في السجود إذا سجد؛ فإنه يجعل يديه حذو منكبيه. قوله: «ويُسمع الإمام من خلفه» فإن كان من خلفه واحدًا فالصوت الخفي يكفي، وإن كان من خلفه جمعًا فيستحب رفع الصوت، وإذا كان لا يسمع صوته من وراءه استعان بمبلّغ يبلغ عنه. قوله: «كقراءته في أوليي غير الظهرين» أي كما يسمع القراءة في أوليي غير الظهرين، وهما الظهر والعصر. قوله: «وغيره نفسه» أي: ويسمع المأموم والمنفرد نفسه؛ يعني يتكلم وينطق بحيث يسمع نفسه، فإن أبان الحروف بدون أن يسمع نفسه لم تصح قراءته وتكبيره وفي التكبير لا تنعقد صلاته، ويشترط لوجوب إسماع نفسه ألا يكون هناك مانع من الإسماع، فلو كان يصلي وحوله أصوات مرتفعة فيكفي أن ينطق بحيث يسمع نفسه لولا المانع. قوله: «ثم يقبض كوع يسراه» أي: بعد التكبير ورفع اليدين يقبض كوع يسراه من حين أن ينزلهما من الرفع، بحيث تكون يده اليمنى واليسرى «تحت سرته، وينظر»أي الإمام والمأموم والمنفرد «مسجده» أي موضع سجوده. قوله: «ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك»وهاتان الجملتان جامعتان للتنـزيه والإثبات، «وتبارك اسمك»اسم مفرد مضاف فيشمل كل اسم من أسماء الله، «وتعالى جَدّك» تعالى: أي ارتفع ارتفاعًا معنويًّا، والجد بمعنى العظمة، «ولا إله غيرك» هذه هي كلمة التوحيد التي أرسل بها جميع الرسل. ولا يُستفتح في صلاة الجنازة على المشهور من المذهب. قوله: «ثم يستعيذ»وفائدة الاستعاذة: ليكون الشيطان بعيدًا عن قلب المرء،«ثم يبسمل» أي: يقول: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}«سرًّا»يعني إذا كانت الصلاة جهرًا. «وليست»البسملة«من الفاتحة». _________________________________ ([1]) المذهب أنه يسن، كما في شرح منتهى الإرادات (1/182-183)، وما رجحه الشيخ هو اختيار الشيخ تقي الدين، كما في الإنصاف (2/39). ([2]) المراد باليدين هما الكفان؛ فلو قطعت يده من الكوع رفع الساعد ومن المرفق رفع العضد. انظر: حاشية أبي بطين (1/109). |
ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، فَإِنْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ، أَوْ سُكُوتٍ غَيْرِ مَشْرُوعَيْنِ وَطَالَ، أَوْ تَرَكَ مِنْهَا تَشْدِيدَةً، أَوْ حَرْفًا، أَوْ تَرْتِيبًا لَزِمَ غَيْرَ مَأمُومٍ إِعَادَتُهَا، وَيَجْهَرُ الْكُلّ بِآمِينَ في الجَهْرِيَّةِ، ثُمَّ يَقْرَأ بَعْدَهَا سُورَةً تَكُونُ فَي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ المُفَصَّلِ، وَفِي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ وَفِي الْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ، وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِقِرَاءَةٍ خَارِجَةٍ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ.
_________________________________ قوله: «ثم يقرأ الفاتحة» سُمِّيَتْ فاتحة؛ لأنه افتتح بها المصحف في الكتابة، ولأنها تفتح بها الصلاة في القراءة، ولابد أن يقرأها كاملة مرتَّبَةً بآياتها وكلماتها وحروفها وحركاتها، فلو قرأ ست آيات منها لم تصح، ولو أسقط «الضالين» أو أسقط حرفًا لم تصح، ولو أخلف الحركات فإنها لا تصح إن كان اللحن يحيل المعنى، وإلا صحت، ولا يجوز أن يتعمد اللحن وإن كان لا يحيل المعنى. قوله: «فإن قطعها بذكر» بأن قال:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَيِن} ثم جعل يثني على الله سبحانه وتعالى: سبحان الله والحمد لله... ثم قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}فهذا غير مشروع، وكذا لو قطعها بـ«سكوت» وذلك إذا طال أحدهما، فيجب عليه الإعادة، ذلك إذا كان الذكر أو السكوت «غير المشروعين» فإن كانا مشروعين، كما لو قطعها ليسأل الله أن يكون من الذين أنعم الله عليهم، أو سكت لاستماع قراءة إمامه، وكان يعلم أن إمامه يسكت قبل الركوع سكوتًا يتمكن معه أن يكملها فإن هذا مشروع لا يضر ولو طال. قوله: «أو ترك منها تشديدة» كترك تشديدة الباء من قوله: «رب العالمين» وإنما لم يصح؛ لأن الحرف المشدد عن حرفين، فإذا ترك التشديد أنقص حرفًا. قوله: «أو حرفًا» وهذا يقع كثيرًا من الذين يدغمون بسبب إسراعهم في القراءة فلا تصح. قوله: «أو ترتيبًا» أي أخل بترتيبها، فإنها لا تصح. قوله: «لزم غيرَ مأموم إعادتها»أي لزمت إعادتها على غير مأموم؛ لأن قراءة الفاتحة في حق المأموم ليست بواجبة، فلو تركها المأموم عمدًا لم يلزمه إعادتها، أما المنفرد فيعيدها من أولها إن فعله متعمدًا([1])، ويبني إن لم يكن عن تعمد. فإن أبدل الضاد في قوله: {وَلَا الضَّالِّينَ} بالظاء، فالمشهور من المذهب أنها تصح. قوله: «ويجهر الكل بآمين في الجهرية» أي المنفرد، والمأموم والإمام بالجهرية، ومعنى آمين:اللهم استجب، قال الفقهاء: فإن شدد الميم بطلت الصلاة؛ لأن معناها حينئذ «قاصدين»([2]). وقوله: «ثم يقرأ بعدها» أي بعد الفاتحة، فلا تُشرع القراءة قبل الفاتحة، فلو نسي وقرأ السورة قبل الفاتحة أعادها بعد الفاتحة. قوله:«سورة» أي لا بعض السورة، ولا آيات من أثناء السورة، والذي نرى أنه لا بأس أن يقرأ الإنسان آية من سورة في الفريضة وفي النافلة([3]). قوله: «تكون في الصبح من طوال المفصل» أي تكون السورة في صلاة الصبح من طِوال المفصل، والمفصل ثلاثة أقسام: من {ق} إلى {عم} طوال، ومن {عم} إلى (الضحى) أوساط، ومن (الضحى) إلى آخره قصار، وسمي مفصلًا لكثره فواصله، لأن سوره قصيرة. قوله:«وفي المغرب من قصاره»هذا هو الأفضل، «وفي الباقي من أوساطه». وقوله: «لا تصح الصلاة» عام يشمل الفريضة والنافلة «بقراءة خارجة عن مصحف عثمان»ومصحف عثمان - رضي الله عنه - هو الذي جمع الناس عليه في خلافته، وقد نقل إلينا نقلًا متواترًا، لكن هناك قراءات خارجة عن هذا المصحف، وهي قراءات صحيحة ثابتة عمن قرأ بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها تعتبر عند القراء اصطلاحًا شاذة، وإن كانت صحيحة. _________________________________ ([1]) كذا قال في الروض المربع: «إعادة الفاتحة فيستأنفها إن تعمد»، قال أبو بطين في حاشيته عليه (1/112): «قوله: (إن تعمد... إلخ) مفهومه أنه إذا لم يتعمد لم يعد، وهذا صحيح فيما إذا رجع إلى قطع الموالاة في الفاتحة، وأما إذا رجع إلى ترك التشديد أو حرف فلا يصح؛ فإنه لا فرق بين ترك ذلك عمدًا أو غيره، وعلى كل حال في هذا القيد احتمال يجب تمييزه، وهو أن يقال: إن كان من جهة قطع الموالاة في قراءة الفاتحة نظرنا؛ إن كان القطع عمدًا أعادها، وإلا لم يعدها وبنى، وأما إذا كان ترك تشديدة أو حرفًا أعاد الفاتحة بكل حال إن فاتت الموالاة، وإلا أعاد الكلمة، والله أعلم». ([2]) كذا نص في المنتهى بحاشية ابن قائد (1/210)، قال أبو بطين في حاشية الروض المربع (1/112): «مع أنه في شرح الشذور لابن هشام حكى ذلك لغة فيها عن بعضهم». ([3]) المندوب على المذهب سورة كاملة، كما في شرح منتهى الإرادات (1/191)، وفي كشاف القناع أنه تجزئ آية، قال: «إلا أن الإمام أحمد استحب أن تكون الآية طويلة كآية الدين وآية الكرسي»، قال: «والظاهر عدم إجزاء آية لا تستقل بمعنى أو حكم؛ نحو: «ثم نظر»، «مدهامتان». انظر: كشاف القناع (1/342). |
ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا، رَافِعًا يَدَيْهِ، وَيَضَعُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفْرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ مُسْتَوِيًا ظَهْرُهُ، وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ قَائِلًا إِمَامًا وَمُنْفَرِدًا: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَبَعْدَ قِيَامِهِمَا: [رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ] وَمَأمُومٌ في رَفْعِهِ: [رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ ] فَقَطْ، ثُمَّ يَخِرُّ مُكَبِّرًا سَاجِدًا عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: رِجْلَيْهِ، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَبْهَتِهِ مَعَ أَنْفِهِ، وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ لَيْسَ مِنْ أَعْضَاءِ سُجُودِهِ.
_________________________________ قوله: «ثم يركع» الركوع هو الانحناء في الظهر«مكبرًا»؛ أي: بعد القراءة يركع مكبرًا في حال هُويه إلى الركوع، فلا يبدأ قبله ولا يؤخره حتى يصل إلى الركوع، ويكون «رافعًا يديه» مع ابتداء الركوع «ويضعهما»أي كفيه «على ركبتيه» معتمدًا عليهما، وليس مجرد لمس، بحيث تكونا «مفرجتي الأصابع» يعني لا مضمومة، بل مفرجة كأنه قابض ركبتيه، ويكون المصلي «مستويًا ظهره» والاستواء يشمل استواء الظهر في المد واستواءه في العلو والنـزول، يعني لا يقوس ظهره ولا يهصره حتى ينـزل وسطه، ولا ينـزل مقدم ظهره، بل يكون ظهره مستويًا. والمشهور من المذهب: أنه ينحني بحيث يمكن أن يمس ركبتيه بيديه إذا كان وسطًا، يعني إذا كانت يداه ليستا طويلتين ولا قصيرتين. قوله: «ويقول»في ركوعه«سبحان ربي العظيم» ومعنى التسبيح: التنـزيه، والعظيم أي في ذاته وصفاته([1])، وظاهر قول المؤلف: أنه لا يزيد عليها شيئًا؛ فلا يقول على المشهور من المذهب: «وبحمده» ([2])، ولكن المشروع أن يقولها أحيانًا؛ لأن ذلك قد جاءت به السنة([3]). قوله: «ثم يرفع رأسه» أي وظهره -والرفع من الركوع ركن- «قائلًا إمامًا ومنفردًا: سمع الله لمن حمده» فلا يقال قبل الرفع ولا يؤخر لما بعده. قوله: «وبعد قيامهما»أي الإمام والمنفرد يقولان:«ربنا ولك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد»، ويقول «مأموم» في حال الرفع: ربنا ولك الحمد «فقط» فلا يزيد على ذلك، والصحيح أنه يزيد ما جاءت به السنة([4]). وقوله:«ثم يخر»ولا يرفع يديه«مكبرًا ساجدًا على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه»وأفادنا المؤلف بالنص الصريح أن الركبتين مقدمتان على اليدين في السجود. ويسجد على الأرض «ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده» كثوب وغترة ومشلح، وما كان من جنس الأرض، وما كان من غير جنسها؛ فهو عام، لكن لابد أن يكون طاهرًا، ولا يجوز أن يسجد على حائل من أعضاء السجود؛ بأن يضع جبهته على كفيه مثلًا، أو يضع يديه بعضهما على بعض. فإن رفع عضوًا من أعضائه حال سجوده يدًا أو رجلًا أو نحوهما فإن كان في جميع حال السجود فسجوده لا يصح، وإن كان في أثناء السجودفالعبرة بالأعم والأكثر، فإذا كان الأعم والأكثر أنه ساجد على الأعضاء السبعة أجزأه، وعلى هذا فيكون الاحتياط: ألا يرفع شيئًا، وليصبر حتى لو أصابته حكة في يده مثلًا، أو في فخذه، أو في رجله فليصبر حتى يقوم من السجود. ومن عجز عن السجود بالجبهة لم يلزمه بغيرها، فإذا كان يستطيع أن يومئ بحيث يكون إلى السجود التام أقرب منه إلى الجلوس التام فهذا لا يلزمه أن يسجد ببقية الأعضاء، فيدنو من الأرض بقدر ما يمكنه ثم يضع يديه. _________________________________ ([1]) قال في الإقناع بشرحه كشاف القناع (1/350): «وإذا رفع رأسه من الركوع فذكر أنه لم يسبح في ركوعه لم يعد إلى الركوع إذا ذكره بعد اعتداله؛ فإن عاد إليه فقد زاد ركوعًا تبطل به الصلاة بعمده؛ فإن فعله ناسيًا أو جاهلًا لم تبطل ويسجد للسهو» قال في كشاف القناع بعده: «أي وجوبًا؛ لأنه زيادة فعلية». ([2]) انظر: كشاف القناع (1/347)؛ حيث قال: «والأفضل الاقتصار عليها من غير زيادة: «وبحمده»، وهو المذكور في مطالب أولي النهى (1/445)، ولكنه قال في شرح منتهى الإرادات (1/194): «والأفضل عدم الزيادة عليه؛ فإن زاد: «وبحمده» فلا بأس». ([3]) وهو رواية، كما في الإنصاف (2/60). ([4]) المذهب ألا يزيد عليه، كما في شرح منتهى الإرادات (1/196)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/64) أنه يزيد: «ملء السماء... إلى آخره». |
وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى».
_________________________________ قوله: «ويجافي»المصلي الساجد«عضديه عن جنبيه»يعني يبعدهما حتى لو شاءت أن تمر البهيمة -وهي صغار الغنم- من تحته لمرَّت من شدة مجافاته، ويستثنى من ذلك ما إذا كان في الجماعة وخشي أن يؤذي جاره فإنه لا يستحب له. ويجافي أيضًا «بطنه عن فخذيه»أي: يرفعه عن فخذيه، وكذلك أيضًا يرفع الفخذين عن الساقين. «ويفرق ركبتيه» أي: لا يضم ركبتيه بعضهما إلى بعض، وكذلك يفرق رجليه؛ لأن القدمين تابعتين للساقين والركبتين، فإذا كان السنة تفريق الركبتين، فلتكن السنة أيضًا تفريق القدمين، والذي يظهر من السنة أن القدمين تكونان مرصوصتين ([1]) ،وإذا طال السجود فإنه يعتمد على فخذيه إذا شق عليه طول السجود. قوله: «ويقول سبحان ربي الأعلى» أي: حال السجود يقول ذلك. _________________________________ ([1]) نص في كشاف القناع (1/353) على أنه يفرق بين ركبتيه ورجليه. |
ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا، ويَجْلِسُ مُفْتَرِشًا يُسْرَاهُ نَاصِبًا يُمْنَاهُ، ويَقُولُ: «رَبِّ اغْفِر لِي»، وَيَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأولَى، ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا نَاهِضًا عَلَى صُدُورِ قَدَميْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيهِ إِنْ سَهُلَ، وَيُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ، مَا عَدَا التَّحْرِيمَةَ وَالِاسْتِفْتَاحَ وَالتَّعَوُّذَ، وَتَجْدِيدَ النِّيَّةِ.
_________________________________ قوله: «ثم يرفع رأسه»وما يتبعه من اليدين«مكبرًا» ويكون التكبير في حال الرفع([1])«ويجلس»أي بعد السجدة الأولى«مفترشًا يسراه» أي: يضعها تحته مفترشًا لها لا جالسًا على عقبيه، وعليه، فيكون ظهرها إلى الأرض وبطنها إلى أعلى، ويكون «ناصبًا يمناه» أي جاعلها منتصبة، والمراد: القدم، وحينئذ لابد أن يخرجها من يمينه، فتكون الرجل اليمنى مخرجة من اليمين، واليسرى مفترشة، أي أنه يجلـس بين السجدتين هكذا، لا يجلس متورِّكًا. قوله: «ويقول رب اغفر لي» الواجب مرة، والكمال ثلاث، والصحيح أنه يقول كل ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: «رب اغفرلي وارحمني وعافني واهدني وارزقني» أو اجبرني مكان ارزقني، وإن شاء جمع بينهما؛ لأن المقام مقام دعاء([2]). قوله: «ويسجد الثانية كالأولى» أي: في القول والفعل «ثم يرفع»من السجدة الثانيةولا يجلس للاستراحة«مكبرًا ناهضًا على صدور قدميه معتمدًا على ركبتيه إن سهل» أي: وإن لم يسهل عليه فإنه يعتمد على الأرض، ويبدأ بالنهوض من السجود بالجبهة والأنف، ثم باليدين فيضعهما على الركبتين، ثم ينهض على صدور القدمين. قوله: «ويصلي»الركعة«الثانية كذلك» أي كالأولى يعني في القيام والركوع والسجود والجلوس وما يقال فيها. قوله: «ما عدا التحريمة» أي: تكبيرة الإحرام؛ لأن التحريمة تفتح بها الصلاة، وقد استفتحت، بل لو كبر ناويًا التحريمة بطلت صلاته، وما عدا «الاستفتاح» فلا يسن في الركعة الثانية، وما عدا «التعوذ» فإنه يشرع في الأولى ولا يشرع في الثانية؛ لأن قراءة الصلاة واحدة،فإن الصلاة عبادة واحدة من أولها إلى آخرها، فإذا تعوذت لأول مرة كفى، والأمر في هذا سهل؛ يعني لو قيل: إنه يخير لتكافؤ الأدلة لكان له وجه، فنقول: إن استعذت بالله من الشيطان الرجيم فحسن، وإن لم تستعذ اكتفاء بالأول أجزأ أيضًا([3]). فإذا لم يتعوذ في الأولى فيتعوذ في الثانية، مثل أن يدرك الإمام راكعًا فإنه سوف يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يكبر للركوع ويركع، وتكون القراءة في الركعة الثانية، وحينئذ يتعوذ. قوله: «وتجديد النية» فلا يأتي بنية جديدة بخلاف الركعة الأولى، فلو نوى الدخول بنية جديدة في الركعة الثانية لبطلت الأولى؛ لأن لازم تجديد النية في الركعة الثانية قطع النية في الركعة الأولى. _________________________________ ([1]) أي يكون ابتداؤه مع ابتدائه، وانتهاؤه مع انتهائه، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/57). ([2]) ما صححه الشيخ لا يكره على الصحيح من المذهب، وقيل: يستحب في الفرض والنفل، انظر: كشاف القناع (1/354)، الإنصاف (2/71). ([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/356)، وما ذكره الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/74). |
ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، وَيَدَاهُ عَلَى فَخِذَيْهِ يَقْبِضُ خِنْصَرَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَبِنْصَرَهَا، وَيُحَلِّقُ إِبْهَامَهَا مَعَ الْوُسْطَى وَيُشِيرُ بِسَبَّابَتِهَا فِي تَشَهُّدِهِ، ويَبْسُطُ الْيُسْرَى، ويَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ)، ثُمَّ يَقُولُ: الَلَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَيَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَفِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَيَدْعُو بِمَا وَرَدَ.
_________________________________ قوله: «ثم»بعد أن يصلي الثانية بركوعها وسجودها وقيامها وقعودها«يجلس مفترشًا» وهذا الجلوس للتشهد إما الأول وإما الأخير، وفي هذا الجلوس تكون «يداه على فخذيه» ولا يقدمهما حتى تكونا على الركبة([1]). قوله: «يقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها، ويحلق إبهامها مع الوسطى»الخنصر: الإصبع الأصغر، والبنصر: الذي يليه، والوسطى: هي التي تلي البنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى: وتبقى السبابة مفتوحة لا يضمها. قوله: «ويشير بسبابتها» وسُمِّيَت سبابة؛ لأن الإنسان يشير بها عند السب، وتسمى أيضًا سباحة؛ لأنه يسبح بها الله - عز وجل - لأنه يشير بها عند تسبيح الله؛ فإذا قلت التحيات لله، تشير. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، تشير. السلام علينا وعلى عباد الله،تشير. أشهد أن لا اله إلا الله، تشير، هذه أربع مرات في التشهد الأول([2])، اللهم صل، خمس؛ لأن اللهم أصلها الله. اللهم بارك، ستٌّ. أعوذ بالله من عذاب جهنم، سبعٌ. وكذلك يشير بها عند الدعاء، فكلما دعوت حَرِّك إشارة إلى علو المدعو سُبْحَانَهُ وتعالى. قوله: «ويبسط اليسرى» يعنى أصابعها على الفخد الأيسر. قوله: «ويقول: التحيات لله...» يقول بلسانه متدبرًا ذلك بقلبه، والتحيات: جمع تحية وهي التعظيم، «والصلوات» أي الخمس أو الرحمة أو العبادات كلها أو الأدعية، «والطيبات» أي: الأعمال الصالحة، وقوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله» المراد بالسلام: اسم الله عز وجل، و«ورحمة» معطوفة على «السلام» يعني ورحمة الله عليك «وبركاته»جمع بركة، وهي الخير الكثير الثابت، والبركة هي: النماء والزيادة في كل شيء من الخير، و«السلام علينا» أي على جميع الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة «وعلى عباد الله الصالحين» جمع صالح، و هو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق عباده. قوله: «أشهد أن لا إله إلا الله»([3]) أي أخبر بأني قاطع بالوحدانية، «وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» المرسل إلى كافة الناس. قوله: «هذا» -من قوله: «التحيات» إلى قوله: «وأن محمدًا عبده ورسوله» هو «التشهد الأول». قوله: «اللهم»معناها: يا الله «صل على محمد» الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء. لكن الصحيح في الصلاة من الله أن الصلاة أخص من الرحمة، ولذا أجمع المسلمون عل جواز الدعاء بالرحمة لكل مؤمن، واختلفوا: هل يصلي على غير الأنبياء. قوله: «وبارك» أي: أنزل عليه البركة. قوله: «إنك حميد مجيد»«حميد» فعيل بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول، فهو حامد ومحمود، حامد لعباده وأوليائه الذين قاموا بأمره، ومحمود يحمد الله - عز وجل - على ماله من صفات الكمال، وجزيل الإنعام، وأما «المجيد» فهي فعيل بمعنى فاعل أي: ذو المجد، والمجد هو العظمة وكمال السلطان. قوله: «ويستعيذ» أي: يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، والعياذ: هو الالتجاء أو الاعتصام من مكروه. قوله: «من عذاب جهنم» أي العذاب الحاصل منها أو فيها؛ أي يستعيذ بالله من فعل الأسباب المؤدية إلى عذاب جهنم أو من عقوبة جهنم إذا فعل الأسباب التي توجب ذلك. قوله: «ومن عذاب القبر» أي: من عذاب البرزخ الذي بين موته وبين قيام الساعة. قوله: «وفتنة المحيا والممات» أي: اختبار المرء في دينه في حياته وفي مماته، وفتنة الحياة تدور على شيئين: شبهات وشهوات، وفتنة الممات قيل: سؤال الملكين، وقيل: ما يكون عند الموت في آخر الحياة. قوله: «وفتنة المسيح الدجال»سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح الأرض بسرعة سيره فيها، أو لأنه كان ممسوح العين، وفتنته: أن الله تعالى جعل معه جنة ونارًا بحسب رؤيا العين، لكن جنته نار، وناره جنة، من أطاعه أدخله هذه الجنة فيما يرى الناس، ولكنها نار محرقة والعياذ بالله، ومن عصاه أدخله النار فيما يراه الناس، ولكنها جنة وماء عذب طيب. قوله:«ويدعو بما ورد»فينبغي أن يبدأ الإنسان بما ورد؛ ومما ورد في هذا [اللهم أعِنِّي على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك] ثم يتخير من الدعاء ما شاء، ولا يدعو بشيء من أمور الدنيا، مثل أن يقول: اللهم ارزقني بيتًا واسعًا، أو اللهم ارزقني زوجة جميلة أو ما أشبه ذلك؛ حتى قال الأصحاب: لو دعا بشيء مما يتعلق بأمور الدنيا بطلت صلاته، والصحيح أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلق بأمور الدنيا([4]). _________________________________ ([1]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته على الروض المربع (2/63): «اليمنى على الفخذ اليمنى، باسطًا ذراعه على فخذه، ولا يجافيها، فيكون حد مرفقه عند آخر فخذه، واليسرى على الفخذ اليسرى، ممدودة، وأطراف الأصابع على الركب». ([2]) قال أبو بطين محشِّيًا على قوله في الروض المربع (1/117): (ويشير بسبابتهامن غير تحريك في تشهده ودعائه في الصلاة وغيرها عند ذكر الله تعالى): «قوله: (عند ذكر الله) انظر هل المراد عند ذكر لفظة الله وعند كل لفظ دل على الله حتى اللهم والضمائر، فليراجع، ثم رأيت ابن نصر الله أفصح عن المسألة في شرحه على الفروع: أي عند لفظ الله، وتبعه الشيخ م ص في شرحه، ومقتضى ذلك أن يشير بها في تشهده أربع مرات؛ لأن فيه ذكر الله أربع مرات». ([3]) قال أبو بطين (1/118): «ويشترط موالاته وذكر العاطف بين الشهادتين، ولفظ أشهد، ورعاية حروفه وتشديداته والإعراب؛ لئلا يخل بالمعنى وإسماع نفسه» اهـ شرح كفاية. ([4]) المذهب أن صلاته تبطل إذا دعا بذلك، كما في كشاف القناع (1/361)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/82). |
ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ في ثُلَاثِيَّةٍ، أَوْ رُبَاعِيَّةٍ، نَهَضَ مُكَبِّرًا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَصَلَّى مَا بَقِيَ كَالثَّانِيَةِ بِالحَمْدِ فَقَطْ، وَالمَرْأَةُ مِثْلَهُ. لَكِنْ تَضُمُّ نَفْسَهَا وَتَسْدِلُ رِجْلَيْهَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا.
_________________________________ قوله:«ثم يسلم»أي: بعد التشهد والدعاء «عن يمينه» فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، ولا يزيد: وبركاته، وعن يساره فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، وإنما يسلم على الجماعة إذا كان معه جماعة، وإذا لم يكن معه جماعة فالسلام على الملائكة الذين عن يمينه وشماله، وإذا سلم الإنسان مع الجماعة، فلا يجب على الجماعة أن يردوا عليه. قوله: «وإن كان في ثلاثية»مثل المغرب«أو رباعية» مثل الظهر والعصر والعشاء «نهض مكبرًا» ويكون التكبير في حال النهوض «بعد التشهد الأول» وقد سبق بيانه، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يرفع يديه؛ لأنه لم يقل ويرفع يديه، وهذا هو المشهور من المذهب([1])، ولكن الصحيح أنه يرفع يديه([2]). قوله: «وصلى ما بقي كـ»الركعة «الثانية بالحمد فقط» أي: فليس فيه تكبيرة إحرام ولا استفتاح ولا تعوذ ولا تجديد نية، ويقتصر فيهما على الحمد، ويسر فيهما بالقراءة. فإذا أتى بما بقي: إما ركعة إن كانت الصلاة ثلاثية، وإما ركعتين إن كانت رباعية«يجلس في تشهده الأخير متوركًا»بأن يُخْرج الرِّجْل اليسرى من الجانب الأيمن ويجلس على مقعدته على الأرض، وتكون الرجل اليمنى منصوبة. قوله: «والمرأة مثله» أي: مثل الرجل «لكن تضم نفسها» فالمرأة لا تجافي، بل تضم نفسها، فإذا سجدت تجعل بطنها على الفخذين، وفخذيها على ساقيها، وإذا ركعت تضم يديها، والقول الراجح أن المرأة تصنع كما يصنع الرجل في كل شيء، فترفع يديها وتجافي، وتمد الظهر في حال الركوع وترفع بطنها عن الفخذين،والفخذين عن الساقين في حال السجود([3]). قوله:«وتسدل رجليها في جانب يمينها» الرَّجُلُ يُسَنُّ له الافتراش أو التورُّك، أما هي فتسدل الرجلين بجانب اليمين في الجلوس بين السجدتين وفي التشهُّدَيْن. _________________________________ ([1]) انظر: كشاف القناع (1/363). ([2]) وهو رواية، اختارها المجد والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق وابن عبدوس، انظر: كشاف القناع (1/363). ([3]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/364)، وقال في الإنصاف (2/90): «والمرأة كالرجل في ذلك؛ إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود، وكذا في بقية الصلاة بلا نزاع». |
فَصْل وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ الْتِفَاتُهُ، وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ، وَإِقْعَاؤُهُ، وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِدًا، وَعَبَثُهُ، وَتَخَصُّرُهُ وَتَرَوُّحُهُ، وَفَرْقَعَةُ أَصَابِعِهِ، وَتَشْبِيكُهَا، وَأَنْ يَكُونَ حَاقِنًا، أَوْ بحَضْرَةِ طَعَامٍ يَشْتَهِيهِ، وَتَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ، لَا جَمْعُ سُوَرٍ فِي فَرْضٍ كَنَفْلٍ، وَلَهُ رَدُّ المَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَدُّ الْآيِ، وَالْفَتْحُ عَلَى إِمَامِهِ، وَلُبْسُ الثَّوْبِ، وَقَتْلُ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، وَقَمْلٍ، فَإِنْ أَطَالَ الْفِعْلَ عُرْفًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا تَفْرِيقٍ بَطَلَتْ، وَلَوْ سَهْوًا. _________________________________ قوله:«ويكره في الصلاة التفاته» ولكن إذا كان لحاجة فلا بأس، ويُكْرَه أيضًا «رفع بصره إلى السماء» وهو يصلي، سواء في حال القراءة أو في حال ركوعه، أو في حال الرفع من الركوع، أو في أي حال من الأحوال، ويكره«تغميض عينيه وإقعاؤه» أي في الجلوس، وله عند أصحابنا صور: أن يجعل قدميه ظهورهما نحو الأرض، ثم يجلس على عقبيه، أو ينصب قدميه ويجلس على عقبيه، أو ينصب فخذيه وساقيه ويجلس على عقبيه، لا سيما إن اعتمد بيديه على الأرض، وهذا هو المعروف من الإقعاء في اللغة العربية. قوله: «وافترش ذراعيه ساجدًا» أي: يُكْرَه أن يفترش ذراعيه حال السجود، ولو افترشهما جالسًا فهو أشد كراهة، إلا أن الفقهاء قالوا: إذا طال السجود وشق عليه فله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه. وكذا يكره «عبثه» أي: عبث المصلي «وتخصره» أي وضع يده على خاصرته وهي: المستدق من البطن الذي فوق الورك أي وسط الإنسان، ويُكره أيضًا «تروحه» أي: أن يروح على نفسه بالمروحة([1])، وأما التروُّح الذي هو المراوحة بين القدمين بحيث يعتمد على رجل أحيانًا وعلى رجل أخرى أحيانًا فهذا لا بأس به، لا سيما إذا طال وقوف الإنسان، ولكن بدون أن يُقَدِّم إحدى الرِّجْلَيْنِ على الثانية. قوله: «وفرقعة أصابعه» أي ويُكْرَه أيضًا فرقعة أصابعه، ويكره أيضًا «تشبيكهما» وهو إدخال بعضها في بعض في حال الصلاة، وأما بعد الصلاة فلا يكره شيء من ذلك، لا الفرقعة ولا التشبيك. قوله: «وأن يكون حاقنًا» أي: يكره أن يصلي وهو حاقن؛ وهو المحتاج إلى التبول([2])، «أو بحضرة طعام يشتهيه» أي بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، وينبغي أن يزاد شرط: وهو أن يكون قادرًا على تناوله حسًّا وشرعًا؛ فإن لم يحضر الطعام، ولكنه جائع فلا يؤخر الصلاة، ولو كان الطعام حاضرًا ولكنه شبعان لا يهتم به فلْيُصَلّ، ولا كراهة في حقه، وكذلك لو حضر الطعام، لكنه ممنوع منه شرعًا كصائم أو حسًّا كطعام حارٍّ لا يستطيع أن يتناوله([3]). قوله: «وتكرار الفاتحة» أي: ويكره تكرار الفاتحة مرتين أو أكثر. قوله: «لا جمع سور في فرض كنفل» أي لا يكره أن يقرأ سورتين –أي ما عدا الفاتحة- فأكثر سواء كان في الفرض أو النفل. قوله: «وله»أي يباح للمصلي«رد المار» ويشمل الآدمي وغير الآدمي، ومن تبطل الصلاة بمروره ومن لا تبطل الصلاة بمروره، والمذهب أنه يُسَنُّ للمصلي الرد، فإن أبى فليدفعه بشدة، ويستثنى من ذلك المار إذا كان محتاجًا أو كان بمكة أو غلبه المار، وعلى القول الراجح يفرق بين الفرض والنَّفل، فإذا كانت الصلاة فريضة، ومر من يقطعها وجب رده؛ لأن الفريضة إذا شرع فيها حرم أن يقطعها، إلا لضرورة، وإلا لم يجب رده([4]). قوله: «بين يديه» أي: بمقدار ثلاثة أذرع من قدمي المصلي، وقيل ما بين رجليه وموضع سجوده، وهو أقرب الأقوال ([5]) . وللمصلي أيضًا «عد الآي» والتسبيح وتكبيرات العيد بأصابعه، «والفتح على إمامه» إذا أُرْتِجَ عليه أو غلط، ولا يفتح على غير إمامه، فإن فعل لم تبطل، وله «لبس الثوب ولف العمامة» لو أنها انحلت،«وقتل حية وعقرب وقمل» القملة: حشرة صغيرة تتولد داخل الثياب، وتقرص الجلد وتمتص الدم، وتشغل الإنسان، فله أن يقتلها، ودمها ليس نجسًا؛ لأنه لا يسيل. قوله: «فإن أطال الفعل عرفًا»العرف: بمعنى العادة، وهو ما اعتاده الناس وألفوه. قوله: «من غير ضرورة» أي: من غير أن يكون مضطرًا إلى الإطالة، مثل أن يهاجمه سبع، فإن لم يعالجه ويدافعه أكله، أو حية إن لم يدافعها لدغته، أو عقرب كذلك، فهذا الفعل ضرورة. قوله: «ولا تفريق» بمعنى: أنه يكون متواليًا. فشروط بطلان الصلاة بالحركة ثلاثة: الإطالة، وألا تكون لضرورة، وأن تكون متوالية، أي: بغير تفريق. قوله: «ولو سهوًا» أي: ولو كان الفعل سهوًا، فلو فرضنا أن شخصًا نسي أنه في صلاة فصار يتحرك ويكتب، ويعد الدراهم ويتسوك، ويفعل أفعالًا كثيرة، فإن الصلاة تبطل. _________________________________ ([1]) ولا يكره للحاجة كغم شديد من حر، ما لم يكثر من التروّح فيبطل الصلاة، وكذا كل فعل من غير جنس الصلاة إذا طال عرفًا أبطلها إجماعًا. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/92). ([2]) وكذا كل ما يمنع كمال الصلاة؛ كاحتباس غائط أو ريح وحر وبرد وجوع وعطش مفرط؛ لأنه يمنع الخشوع، وسواء خاف فوت الجماعة أو لا، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/97). ([3]) ومن أتى بالصلاة على وجه مكروه استحب له أن يأتي بها على وجه غير مكروه ما دام وقتها باقيًا؛ لأن الإعادة مشروعة للخلل في الأولى، انظر: الإقناع بشرحه كشاف القناع (1/374). ([4]) المذهب أنه يسن رد مار بين يديه بدفعه بلا عنف، آدميًّا كان أو غيره، فرضًا كانت الصلاة أو نفلًا، انظر: كشاف القناع (1/375)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/94). ([5]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/376). |
وَيُبَاحُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا، وَإذَا نَابَهُ شَيْءٌ سَبَّحَ رَجُلٌ، وَصَفَّقَتِ امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأخْرَىَ، وَيَبْصُقُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ يَسَارِهِ، وَفِي المَسْجِدِ فِي ثَوْبِهِ، وتُسَنُّ صَلَاتُهُ إلَى سُتْرَةٍ قَائِمَةٍكَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ شَاخِصًا فَإِلَى خَطّ، وتَبْطُلُ بِمُرُورِ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ فَقَطْ، ولَهُ التَّعَوُّذُ عِنْدَ آيَةِ وَعِيدٍ، وَالسُّؤَالُ عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ، وَلَوْ فِي فَرْضٍ.
_________________________________ قوله: «ويباح قراءة أواخر السور وأوساطها» أي: أنه ليس بممنوع «وإذا نابه» أي عرض للمصلي «شيء»أي شيء يكون، سواء كان مما يتعلق بالصلاة، كما إذا أخطأ إمامه أو مما يتعلق بأمر خارج، كما لو قرع عليه شخص الباب وهو يصلي؛ فإنه يسبح الرجل فيقول: سبحان الله، ولا تبطل إن كثر، وتصفق المرأة «ببطن كفها على ظهر الأخرى» أي تضرب بطن كفها على ظهر الأخرى([1])، وتبطل الصلاة إن كثر. وقوله:«يبصق في الصلاة» أي: إذا احتاج للبصاق فيبصق «عن يساره»ولا يبصق عن يمينه ولا أمام وجهه، ولو كان «في المسجد» فيبصق «في ثوبه» فلا يبصق في المسجد. قوله:«وتسن صلاته»أي صلاة المصلي «إلى سترة» إلا أن المأموم تكون سترة إمامه سترة له، حضرًا أو سفرًا، ولو لم يخش مارًّا. قوله: «قائمة كمؤخرة الرحل» يعني منصوبة، ومؤخرة الرحل: خشبة توضع فوق الرحل إذا ركب الراكب استند عليها، وهي حوالي ثلثي ذراع أو ذراع إلا ربعًا وما أشبهها، ورحل البعير هو: ما يشد على ظهره. قوله:«فإن لم يجد شاخصًا» أي: شيئًا قائمًا يكون له شخص «فإلى خط» إن كانت الأرض مفروشة بالرمل أو بالحصباء، فيكون الخط له أثر، وقد يقال: يجزئ خط التلوين عن الخط الذي له أثر. قوله: «وتبطل»الصلاة النافلة والفريضة «بمرور كلب»أي: عبور الكلب من يمين المصلي إلى يساره، ومن يساره إلى يمينه، وأما صعود الكلب بين يدي المصلي فلا يبطلها، ولو فرضنا أن كلبًا أمامك فإن صلاتك لا تبطل، لكن لو مر بطلت. ولا تبطل بمرور حمار ولا بعير ولا فرس ولا شاة ولا خنـزير، وهنا لم يقيسوا الخنـزير على الكلب، وفي باب النجاسة قاسوه. بحيث يكون الكلب «أسود بهيم»، أي: خالص لا يخالط سواده لون آخر. قوله: «فقط»؛ أي: لا غير؛ فيخرج الكلب الأحمر والأبيض، وتخرج المرأة والحمار، وهذا هو المشهور من المذهب. وقوله: «يقطع» واضح أنه يبطل. قوله: «له» الضمير يعود على المصلي. قوله: «التعوذ» هو اللجوء إلى الله عز وجل. قوله: «عند آية وعيد» أي: إذا مر بآية وعيد، فله أن يقول: أعوذ بالله من ذلك. قوله: «والسؤال عند آية رحمة» أي: فيسأل الرحمة، مثاله: مر ذكر الجنة، يقول: اللهم إني أسألك الجنة، وله أن يسأله من فضله، ولو مر ثناء على الأنبياء أو الأولياء أو ما أشبه ذلك؛ فله أن يقول: أسأل الله من فضله، أو أسأل الله أن يجعلنا منهم، أو ما أشبه ذلك. قوله: «ولو في فرض» لأن هذا لا يعدو أن يكون دعاء، والصلاة فيها دعاء. ولو قرأ القارئ:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِىَ المَوْتَى} ونحوها، فله أن يقول: بلى. _________________________________ ([1]) أو ظهرها، أو ضرب ظهر كف على بطن الأخرى، بإمام وجوبًا، وبمستأذن استحبابًا، وكذا أعمى خشيت وقوعه في محذور ونحو ذلك، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/111). |
فَصْل أَرْكَانُهَا: الْقِيَامُ وَالتَّحْرِيمَةُ وَالْفَاتِحَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالسُّجُودُ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الْكُلِّ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَجَلْسَتُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ. _________________________________ قوله: «أركانها» وهي لا تسقط عمدًا ولا سهوًا: - «القيام» وحده ما لم يصر راكعًا، وإذا كان لا يتمكن من القيام إلا بالاعتماد جاز له أن يعتمد، وإن كان يتمكن بدون اعتماد لم يجز أن يعتمد، إلا إذا كان اعتمادًا خفيفًا فلا بأس به، وضابطه: إن كان بحيث لو أزيل ما استند إليه سقط فهذا غير خفيف، وإن كان لوأزيل لم يسقط فهو خفيف. «والتحريمة» أي: تكبيرة الإحرام، «والفاتحة» أي: في الفرض والنفل، ويتحملها الإمام عن المأموم، «والركوع» في كل ركعة، «والاعتدال عنه» والاعتدال لا يكون إلا بعد القيام التام؛ ويُسْتَثْنَى من هذا: الركوع الثاني وما بعده في صلاة الكسوف، فإنه سنة، كما يستثنى أيضًا العاجز، «والسجود على الأعضاء السبعة والاعتدال عنه والجلوس بين السجدتين»؛ ولا يتصور جلوس بين السجدتين إلا باعتدال من السجود، «والطمأنينة في الكل» أي: في كل ما سبق من الأركان الفعلية، والاطمئنان معناه: الاستقرار، ولهذا قالوا: إن الطمأنينة هي: السكون وإن قل، حتى وإن لم يتمكن من الذكر الواجب، وهذا هو المذهب. قوله: «والتشهد الأخير وجلسته» أي: من أركان الصلاة، وجلسته أيضًا ركن، وأضاف الجلسة إلى التشهد ليفهم منه أن التشهد لابد أن يكون في نفس الجلسة. قوله: «والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه» أي: في التشهُّد الأخير لا في التشهد الأول، وأما الصلاة على الآل فسنة، والقول الراجح أن الصلاة على النبي e سنة وليست بواجب ولا ركن،وأن الإنسان لو تعَمَّد تركها فصلاته صحيحة([1]). قوله: «والترتيب» أي: بين أركان الصلاة؛ قيام، ثم ركوع، ثم رفع منه، ثم سجود... قوله: «والتسليم» أي يقول: «السلام عليكم ورحمة الله»، ومشهور المذهب: أن كلتا التسليمتين ركن في الفرض وفي النفل. _________________________________ ([1]) المذهب أنها ركن، كما في كشاف القناع (1/388)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/113). |
وَوَاجِبَاتُهَا: التَّكْبِيرُ غَيْرُ التَّحْرِيمَةِ، وَالتَّسْمِيعُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَتَسْبِيحَتَا الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وسُؤَالُ المَغْفِرَةِ مَرَّةً مَرَّةً، وَيُسَنُّ ثَلَاثًا، وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَجَلْسَتُهُ، وَمَا عَدَا الشَّرَائِطَ، وَالْأَرْكَانَ، وَالْوَاجِبَاتِ المَذْكُورَةَ سُنَّةٌ، أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ الْبَاقِي، وَمَا عَدَا ذَلِكَ سُنَنٌ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ. لَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِتَرْكِهِ، وإِنْ سَجَدَ فَلَا بَأسَ.
_________________________________ قوله: «واجباتها» أي: واجبات الصلاة، وتسقط بالسهو، ويجبرها سجود السهو: «التكبير غير التحريمة» لأن التحريمة سبق أنها ركن؛ ويدخل بذلك التكبير للركوع وللسجود وللرفع منه... والتكبيرات الزوائد في صلاة العيد والاستسقاء سنة، وتكبيرات الجنازة أركان، وتكبيرة الركوع لمن أدرك الإمام راكعًا سنة. قوله: «والتسميع» أي: قول الإمام والمنفرد: «سمع الله لمن حمده»، «والتحميد» للإمام والمأموم والمنفرد. ومحل التكبير والتسميع والتحميد ما بين الركنين في الانتقال، فما كان للركوع فما بين القيام والركوع، وما كان للسجود فما بين القيام والسجود، ولو بدأ به قبله أو كمله بعده لم يجزئ؛ لأنه أتى بذكر في غير موضعه. قوله: «وتسبيحتا الركوع والسجود»وهما: سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى. قوله: «وسؤال المغفرة» أي: سؤال المصلي المغفرة بأن يقول: «رب اغفر لي» فلو قال: اللهم اغفر لي، فإنه لا يجزئه، ويكون «مرة مرة» أي: مرة في كل جلسة، «ويسن» أن يكرر سؤال المغفرة ثلاث مرات. قوله: «والتشهد الأول، وجلسته»بفتح الجيم، فلو تشهد وهو قائم أو ساجد فلا يجزئ. قوله: «وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة» فلا تبطل الصلاة بتركها. قوله: «فمن ترك شرطًا لغير عذر»بطلت صلاته، ولعذر لم تبطل «غير النية فإنها لا تسقط بحال»؛لأن النية محلها القلب ولا يمكن العجز عنها، ولو نسي فنوى العصر لصلاة الظهر لا تصح؛ لأنه ترك التعيين، فعين خلاف فرض الوقت فلا تصح؛ لأن النية لا تسقط بحال. قوله:«أو تعمد ترك ركن»كأن يتعمد ترك الركوع «أو واجب بطلت صلاته»، ولو أنه ندم وهو ساجد، ثم قام وأتى بالركوع فلا ينفعه، ولو ترك التشهد الأول متعمدًا حتى قام، ثم ندم ورجع فتبطل صلاته. قوله: «بخلاف الباقي» أي: بعد الشروط والأركان والواجبات، فإن الصلاة لا تبطل بتركه، ولو كان عمدًا؛ لأنها سنن مكملة للصلاة. قوله: «وما عدا ذلك سنن أقوال»أي: يسن قولها؛ كالاستفتاح والبسملة والتعوذ، وسنن «وأفعال»أي: يسن فعلها. قوله: «لا يشرع»تشمل الواجب والمستحب، فالواجب يقال له مشروع، والمستحب يقال له مشروع، فلا يجب ولا يسن «السجود لتركه» كرجل ترك رفع اليدين عند الركوع فلا يشرع أن يسجد؛ لأنه سنة؛ «وإن سجد فلا بأس». ومن جملة المسنونات في الصلاة الخشوع؛ أي: حضور القلب، وسكون الأطراف، ولا شك أنه من كمال الصلاة، وأن الصلاة بدونه كالجسد بلا روح. |
بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ يُشْرَعُ لِزِيَادَةٍ، وَنَقْصٍ، وَشَكٍّ، لَا فِي عَمْدٍ فِي الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ، فَمَتَى زَادَ فِعْلًا مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا عَمْدًا بَطَلَتْ، وَسَهْوًا يَسْجُدُ لَهُ، وَإِنْ زَادَ رَكْعَةً فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا سَجَدَ، وَإِنْ عَلِمَ فِيهَا جَلَسَ فِي الحَالِ فَتَشَهَّدَ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ، وَسَجَدَ وسَلّمَ، وَإِنْ سَبَّحَ بِهِ ثِقَتَانِ فَأصَرَّ وَلَمْ يَجْزِمْ بِصَوَابِ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ تَبِعَهُ عَالِمًا لَا جَاهِلًا أوْ نَاسِيًا، وَلَا مَنْ فَارَقَهُ. _________________________________ قوله: «يشرع»أي يجب تارة ويسن أخرى لشيء من ثلاثة: «لزيادة، ونقص، وشك» أي: بسبب زيادة أو نقص أو شك، ولكن في الجملة لا في كل صورة، ولا يشرع «في عمد». قوله: «في الفرض والنافلة» أي: يشرع إما وجوبًا أو استحبابًا في صلاة الفرض وفي صلاة النفل؛ سوى صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر([1]). قوله: «متى زاد فعلًا من جنس الصلاة» احتراز، مما لو زاد قولًا أو فعلًا من غير جنس الصلاة. قوله: «قيامًا» أي: في محل القعود،«أو قعودًا» أي: في محل القيام، «أو ركوعًا» أي: في غير محله،«أو سجودًا» أي: في غير محله، أما لو زاد فعلًا غير هذه الأفعال الأربعة، كرفع اليدين – مثلًا - في غير مواضع الرفع، فإنه لا تبطل الصلاة بعمده، ولا يجب السجود لسهوه. قوله: «وسهوًا يسجد له» أي: ومتى زاد قيامًا أو قعودًا أو ركوعًا أو سجودًا سهوًا يسجد له. قوله: «وإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها»أي من الصلاة «سجد» كرجل سلم من الصلاة ثم ذكر أنه صلى خمسًا، فإنه يسجد للسهو وجوبًا. قوله: «إن علم فيها» أي في الركعة التي زادها «جلس في الحال» أي: في حال علمه، ولا يتأخر حتى لو ذكر في أثناء الركوع أن هذه الركعة خامسة يجلس. قوله: «فتشهد إن لم يكن تشهد» أي: أنه إذا علم الزيادة فجلس فإنه يقرأ التشهد، إلا أن يكون قد تشهد قبل أن يقوم للزيادة. قوله: «وسجد وسلم» لتكمل صلاته، والقول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن السجود للزيادة يكون بعد السلام([2]). قوله: «وإن سبح به» أي قال «سبحان الله» تنبيهًا «ثقتان»أو أكثر ولو امرأتان، فإن جزم بصواب نفسه فيأخذ به ولا يرجع إلى قولهما، وإن جزم بصوابهما، أو غلب على ظنه صوابهما، أو غلب على ظنه خطؤهما، أو تساوى عنده الأمران فإنه يأخذ بقولهما على المذهب؛ فإن «أصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته»ولو سبح به رجل واحد فقط أو مجهولان فلا يلزمه الرجوع. قوله: «وصلاة من تبعه عالمًا لا جاهلًا أو ناسيًا ولا من فارقه»تبطل صلاة الإمام إذا سبح به ثقتان، ولم يجزم بصواب نفسه ولم يرجع إلى قولهما، لكن بالنسبة للمأمومين الآخرين، فإن كان عندهم علم كما عند المنبهين وجب عليهم أن يفارقوا الإمام، فإن لم يفارقوه وتابعوه نظرنا، فإن كان ذلك نسيانًا فلا شيء عليهم، وعليهم سجود السهو إذا كان فاتهم شيء من الصلاة، وإن كان جهلًا بأنها زائدة أو جهلًا بالحكم، فإذا تبعه المأموم جاهلًا فإن صلاته صحيحة من أجل العذر. وفهمنا من قوله: «ولا من فارقه» أنه لا يجلس فينتظر الإمام؛ لأنه يرى أن صلاة الإمام باطلة، ولا يمكن متابعته في صلاة باطلة. _________________________________ ([1]) فلا سجود للسهو فيها وفاقًا، فأما صلاة الجنازة فلأنها لا سجود في صلبها، ففي جبرها أولى، وأما سجود التلاوة والشكر فإنه لو شرع كان الجبر زائدًا على الأصل، وأما سجود السهو فلأنه يفضي إلى التسلسل، وحكاه إسحاق وغيره إجماعًا، وسواء كان السهو قبل السلام أو بعده، ولو سها بعد سجود السهو وقبل السلام لم يشرع له السجود، وكذا حديث النفس ولو طال، لعدم إمكان التحرز منه، فعفي عنه، ولما ثبت: «إن الله تجاوز عن هذه الأمة ما حدَّثَت به أنفسها»، وسوى نظر إلى شيء فلا يشرع له السجود؛ لأن الشرع لم يرد به، ولا يشرع سجود السهو في صلاة خوف، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/139). ([2]) ما ذكره المصنف هو ما نص عليه في كشاف القناع (1/395)، وما رجحه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/154). |
وَعَمَلٌ مُسْتَكْثَرٌ عَادَةً مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا، عَمْدُهُ وسَهْوُهُ، ولَا يُشْرَعُ لِيَسِيرِهِ سُجُودٌ، وَلَا تَبْطُلُ بِيَسِيرِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ سَهْوًا، وَلَا نَفْلٌ بِيَسِيرِ شُرْبٍ عَمْدًا، وَإِنْ أَتَى بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ كَقِراءَةٍ فِي سُجُودٍ، وَتَشَهُّدٍ فِي قِيَامٍ، وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَمْ يَجِبْ لَهُ سُجُودٌ، بَلْ يُشْرَعُ.
_________________________________ قوله:«وعمل مستكثر عادة»أي: محكوم بكثرته في عادة الناس، فلا يتقيد بثلاث حركات. قوله: «من غير جنس الصلاة» أي لغير ضرورة؛ لأنه إذا كان لضرورة فإنه لا يبطل الصلاة ولو كثر، واحترز مما لو كان من جنس الصلاة، فإن الكثير والقليل من جنس الصلاة إن تعمده بطلت، وإن لم يتعمده سجد لسهوه. قوله: «يبطلها عمده وسهوه» فلو غفل الإنسان غفلة كاملة في الصلاة، وتحرك حركات كثيرة فتبطل الصلاة. قوله: «ولا يشرع ليسيره سجود» أي يسير عمل من غير جنسها. قوله: «لا تبطل» أي الصلاة فرضًا ونفلًا «بيسير أكل أو شرب سهوًا» لكن لو كان كثيرًا تبطل به الصلاة، ولو كان ساهيًا([1]). قوله: «ولا نفل بيسير شرب عمدًا» أي: ولا يبطل النفل؛ كالراتبة والوتر وصلاة الليل بيسير شرب عمدًا. قوله: «إن أتى»أي: المصلي«بقول مشروع» سواء كان مشروعًا على سبيل الوجوب؛ كالتسبيح وقراءة الفاتحة، أو على سبيل الاستحباب كقراءة السورة. قوله: «في غير موضعه» أي إن أتى في غير موضع القول المشروع بالقول المشروع «كقراءة في سجود» أي مع الإتيان بسبحان ربي الأعلى، وكذلك القراءة في الركوع وهما غير مشروعين، بل منهي عنهما، ولكن الصلاة لا تبطل. وكذا لو أتى بـ«تشهد في قيام وقراءة سورة في الأخيرتين» أي الركعتين الأخيرتين فلا تشرع فيهما القراءة بغير الفاتحة على المشهور من المذهب. قوله: «لم تبطل» حتى وإن قرأ في الركوع وإن قرأ في السجود؛ لأنه قول مشروع في الجملة في الصلاة، لكنه في غير هذا الموضع. _________________________________ ([1]) ويبطل الفرض بيسير الأكل والشرب عمدًا، قال أبو بطين في حاشيته (1/134): «تتمة: لا تبطل الصلاة بترك لقمة في فمه لم يمضغها ولم يبتلعها حتى فرغ من الصلاة، ويكره ذلك؛ فإن لاكها أي ولم يبتلعها فهو كالعمل إن كثر أبطل، وإلا فلا، ذكره في الكافي والرعاية» اهـ. |
وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِهَا عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا أَتَمَّهَا وَسَجَدَ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ، أَوْ تَكَلَّمَ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا بَطَلَتْ كَكَلَامِهِ فِي صُلْبِهَا، وَلِمَصْلَحَتِهَا إِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ تَبْطُلْ. وَقَهْقَهَةٌ كَكَلَامٍ، وَإِنْ نَفَخَ أَوِ انْتَحَبَ مِنْ غَيرِ خَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ تَنَحْنَحَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَبانَ حَرْفَانِ بَطَلَتْ. |
وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا، فَذَكَرهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى بَطَلَتِ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا، وَقَبْلَهُ يَعُودُ وجُوبًا فَيَأْتِي بِهِ، وَبِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَكَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ.
_________________________________ قوله: «ومن ترك ركنًا» فإن كان تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، سواء تركها عمدًا أو سهوًا([1])، وإن كان غير التحريمة «فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها»أي صارت لغوًا، وتقوم التي بعدها مقامها، هذا إذا ذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى فلا يرجع؛ لأنه شرع في ركن مقصود من الركعة التي تليها، والقول الصحيح أنها لا تبطل الركعة التي ترك منها إلا إذا وصل إلى محله في الركعة الثانية([2]). قوله: «وقبله يعود وجوبًا فيأتي به وبما بعده» أي: إذا ذكر الركن المتروك قبل شروعه في قراءة الركعة التي تلي المتروك منها، فإنه يعود إلى الركن المتروك، فيأتي به وبما بعده. قوله: «وإن علم» بالركن المتروك «بعد السلام»أي بعد أن سلم «فكترك ركعة كاملة»أي: فكأنه سلم عن نقص ركعة، فيأتي بركعة كاملة، ثم يتشهد ويسجد للسهو ويسلم، والقول الصحيح أنه لا يأتي بركعة كاملة؛ وإنما يأتي بما ترك فقط وبما بعده([3]). _________________________________ ([1]) وكذا النية على القول بركنيتها، وغيرهما من الأركان يجب تداركه، ولا يغني عنه سجود السهو، لتوقف وجود الماهية عليه، وإنما يشرع السجود للسهو. انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/161). ([2]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في كشاف القناع (1/403)، وما صححه الشيخ وجه، كما في الإنصاف (2/139). ([3]) المذهب أنه كترك ركعة كاملة، كما في كشاف القناع (1/403)، وما صححه الشيخ قاله ابن تميم وابن حمدان قالا: «ويحتمل أن يأتي بالركن وبما بعده»، قال في الإنصاف (2/142): «وهو أحسن إن شاء الله تعالى». |
وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا، فَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا كُرِهَ رُجُوعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَصِبْ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ حَرُمَ الرُّجُوعُ، وَعَلَيْهِ السُّجُودُ لِلْكُلِّ، وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَِد الرَّكَعَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ فَكَتَرْكِهِ، وَلَا يَسْجُدُ لِشَكِّهِ فِي تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ زِيَادَةٍ، وَلَا سُجُودَ عَلَى مَأمُومٍ إلّا تَبَعًا لِإِمَامِهِ، وَسُجُودُ السَّهْوِ لمَا يبْطُلُ عَمْدُه وَاجِبٌ، وَتبْطُلُ بِتَرْكِ سُجُودِ أَفَضَلِيَّتِه قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ نَسِيَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ إِنْ قَرُبَ زَمَنُهُ، وَمنْ سَهَا مِرَارًا كَفَاهُ سَجْدَتَانِ.
_________________________________ إذا أنقص واجبًا ناسيًا كالتشهد الأول ونهض، فلا يخلو من ثلاثة أحوال: الحال الأولى: أن يذكره قبل أن ينهض، أي قبل أن تفارق فخذاه ساقيه، أي: لمّا تهيَّأَ للقيام ذَكَر أن هذا محل التشهد الأول، ففي هذه الحال يجلس ويتشهد، وليس عليه شيء. الحال الثانية: أن يذكره بعد الوصول إلى الركن الذي يليه؛ مثل: أن يذكر بعد أن يسْتَتِمَّ قائمًا، لكن قبل أن يشرع في القراءة، فهنا يكره له أن يرجع، فإن لم يصل إلى الركن فإنه يرجع، ولو كان إلى القيام أقرب. الحال الثالثة: أن يذكره بعد الشروع في قراءة الركعة الأخرى فيحرم الرجوع. قوله: «وعليه السجود للكل» أي: في كل الأحوال الثلاثة: إذا نهض ولم يستتم قائمًا، وإذا استتم قائمًا ولم يقرأ، وإذا شرع في القراءة فعليه السجود. فإذا ذكر قبل أن ينهض، أي: تأهب للقيام، ولكن قبل أن ينهض وتفارق فخذاه ساقيه، فإنه يستقر ولا يجب عليه السجود في هذه الحال. وما ذُكِرَ في التشهُّدِ الأول يجري على من ترك واجبًا آخر، مثل: التسبيح في الركوع والسجود. قوله: «ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل» أي: شك: هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ فيجعلها ثلاثًا؛ لأن الناقص هو المتيقّن، ولا فرق بين أن يكون لديه ترجيح أو لا، هذا هو المذهب([1])، لكن الذي نقول به أنه إذا شك في عدد الركعات، فإن غلب على ظنه أحد الاحتمالين عمل به وبنى عليه وسجد سجدتين بعد السلام، وإن لم يترجح عنده أحد الاحتمالين أخذ بالأقل وبنى عليه وسجد([2]). قوله: «وإن شك في ترك ركن فَكَتَرْكِهِ» أي لو شك: هل فعل الركن أو تركه؟ كان حكمه حكم من تركه؛ فلو قام إلى الركعة الثانية، فشك: هل سجد مرتين أو مرة واحدة؟ فإن شرع في القراءة فلا يرجع، وقبل الشروع يرجع، وعلى القول الراجح يرجع مطلقًا ما لم يصل إلى موضعه من الركعة التالية([3])، فيرجع ويجلس ثم يسجد ثم يقوم؛ لأن الشك في ترك الركن كالترك. قوله: «ولا يسجد لشكه في ترك واجب» أي: لو شك في ترك الواجب بعد أن فارق محله. قوله: «أو زيادة» أي: لو شك هل زاد في صلاته أو لم يزد؟ فلا سجود عليه. فإن تيَقَّنَ وهو في التشهد الأخير أنه صلى خمسًا، فهنا يجب عليه السجود للسهو، وكذلك إذا شك في الزيادة حين فعلها؛ أي: شك وهو في الرابعة، هل هذه خامسة أو رابعة؟ فيجب عليه أن يسجد للسهو؛ لأنه أدى جزءًا من صلاته مترددًا في كونه منها، بخلاف ما إذا شك في الخامسة وهو في التشهد الأخير، فإن الركعة انتهت على أنها الرابعة بلا تردد، وإنما طرأ عليه الشك بعد مفارقة محلها، فليس عليه سجود. قوله: «ولا سجود على مأموم إلا تبعًا لإمامه» أي: أن المأموم لا يلزمه سجود السهو إلا تبعًا لإمامه فيجب عليه، سواء سها أو لم يسه، فإذا سجد الإمام وجب على المأموم أن يتابعه. قوله: «وسجود السهو لما يبطل عمده واجب» مثلًا: لو تركت قول: «رب اغفر لي» بين السجدتين وجب عليك سجود السهو؛ لأنك لو تعمدت الترك لبطلت صلاتك، والصحيح أنه إذا تركه نسيانًا يسن له السجود؛ لأنه قول مشروع فيجبره بسجود السهو، ولا يكون سجود السهو واجبًا؛ لأن الأصل الذي وجب له السجود ليس بواجب، فلا يكون الفرع واجبًا؛ فإذا ترك الإنسان سهوًا سنة من عادته أن يأتي بها فسجود السهو لها سنة، أما لو ترك السنة عمدًا فهنا لا يشرع له السجود لعدم وجود السبب وهو السهو([4]) . ولو أتى بقول مشروع في غير موضعه كأن يقرأ وهو جالس ناسيًا، لا يجب عليه السجود؛ لأنه لو تعمد أن يقرأ وهو جالس لم تبطل صلاته. قوله: «وتبطل بترك سجود أفضليته قبل السلام فقط». كون السجود قبل السلام أو بعده على سبيل الأفضلية وليس على سبيل الوجوب، ولو سجد قبل السلام فيما موضعه بعد السلام فلا إثم عليه، ولو فعل العكس فلا إثم عليه، والأفضل: أن يسجد قبل السلام، إلا إذا سلم قبل إتمام الصلاة، فالأفضل: أن يسجد بعد السلام. والصلاة تبطل إذا ترك السجود الذي محله قبل السلام؛ لأنه واجب في الصلاة؛ لأنه قبل الخروج منها، ولا تبطل إذا ترك السجود الذي محله بعد السلام؛ لأنه واجب لها؛ لأنه بعد الخروج منها، والذي تبطل به الصلاة إذا تعمد تركه هو ما كان واجبًا في الصلاة، لا ما كان واجبًا لها، ولهذا لو ترك التشهد الأول عمدًا بطلت صلاته. وخرج بقوله: «فقط» ما أفضليته بعد السلام، فلا تبطل الصلاة بتركه. قوله: «وإن نسيه»أي: السجود الذي قبل السلام«وسلم، سجد إن قرب زمنه»([5]) فإن بعُد سقط وصلاته صحيحة. قوله: «ومن سها مرارًا كفاه سجدتان»؛ لأن السجدتين تجبران كل ما فات. _________________________________ ([1]) انظر: كشاف القناع (1/406). ([2]) ذكر في الإنصاف (2/146) الرواية الثانية عن الإمام، أنه متى شك في عدد الركعات بنى على غالب ظنه، قال: «واختاره الشيخ تقي الدين». ([3]) سبق قريبًا أن هذا اختيار الشيخ. ([4]) المذهب أنه واجب، كما في كشاف القناع (1/408-409)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/153). ([5]) عرفًا ولو انحرف عن القبلة وتكلم لما تقدم، ولما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: «سجد بعد السلام والكلام»، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/175). |
بَابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ آكَدُهَا كُسُوفٌ ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ ثُمَّ تَرَاوِيحُ، ثُمَّ وِتْرٌ يُفْعَلُ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَأَقَلّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلّا فِي آخِرِهَا، وَبِتِسْعٍ يَجْلِسُ عَقِبَ الثَّامِنَةِ وَيَتَشَهَّدُ، وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثُ رَكْعَاتٍ بِسَلَامَيْنِ، يَقْرَأ فِي الْأولَىبـ«سَبِّحْ»، وفي الثَّانِيَةِ بـ«الكَافِرُونَ»، وفِي الثَّالِثَةِ بـ«الْإِخْلَاص». _________________________________ «صلاة التطوع» أي: الصلاة التي تكون تطوعًا؛ أي: نافلة. قوله: «آكدها كسوف ثم استسقاء»فهو يليه في الآكدية«ثم تراويح ثم وتر»فَقَدَّمَ التراويح على الوتر، ما أراه إن الوتر مقدم عليها وعلى الاستسقاء؛ لأن الوتر أمرَ به ودَاوَم عليه النبي e، حتى قال بعض أهل العلم: إن الوتر واجب([1]). قوله: «يفعل بين صلاة العشاء والفجر»أي الوتر وقته بين صلاة العشاء والفجر، وسواء صلى العشاء في وقتها أو صلاها مجموعة إلى المغرب تقديمًا، فإن وقت الوتر يدخل من حين أن يصلي العشاء. قوله: «وأقله ركعة»يعني: أقل الوتر ركعة، وقوله: «مثنى مثنى»أي: يصليها اثنتين اثنتين. قوله: «وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين» أي: أدنى الكمال في الوتر أن يصلي ركعتين ويسلم، ثم يأتي بواحدة ويسلم. _________________________________ ([1]) هي كما رتبها المصنف على المذهب، كما في كشاف القناع (1/414)، وتقديم الوتر قول ذكره في الإنصاف (2/166). |
وَيَقْنُتُ فِيهَا بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»، وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ. وَيُكْرَهُ قُنُوتُهُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ، إِلّا أَنْ تَنْزِلَ بِالمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ غَيْرَ الطّاعُونِ، فَيَقْنُتُ الْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ
_________________________________ قوله: «ويقنت فيها» أي: في الثالثة «بعد الركوع» ظاهر كلام المؤلف: أنه لا يشرع القنوت قبل الركوع، ولكن المشهور من المذهب: أنه يجوز القنوت قبل الركوع وبعد القراءة؛ فإذا انتهى من قراءاته قنت ثم ركع. قوله: «اللهم اهدني فيمن هديت»،الهداية هنا يراد بها: هداية الإرشاد وهداية التوفيق، فهداية الإرشاد: التي ضدها الضلال، وهداية التوفيق: التي ضدها الغي، «وعافني فيمن عافيت» والمعافاة: المراد بها المعافاة في الدين والدنيا، فتشمل الأمرين أن يعافيك من أسقام الدين، وهي أمراض القلوب، ويعافيك من أمراض الأبدان، وهي اعتلال صحة البدن، «وتَوَلّنِي فيمن توليت» أي اجعلني قريبًا منك، كما يقال ولي فلان فلانًا، واعتن بي فكن لي وليًّا، وناصرًا ومعينًا لي في أموري، فيشمل الأمرين، «وبارك لي فيما أعطيت» أي: أنزل البركة لي فيما أعطيتني من المال، والعلم، والجاه، والولد، ومن كل ما أعطيتني، «وقِنِي شر ما قضيت» والمراد: قضاؤه الذي هو مقضيه؛ لأن قضاء الله هو فعله، وإن كان شرًّا لكنه في الحقيقة خير؛ لأنه لا يراد إلا لحكمة عظيمة، «إنك تقضي ولا يُقْضَى عليك» فالله - سبحانه وتعالى - يقضي بما أراد، ولا أحد يقضي على الله ويحكم عليه، «إنه لا يذل من واليت» أي: ولاية خاصة، «ولا يعز من عاديت» أي: لا يَغلب من عاديته بل هو ذليل؛ لأن من والاه الله فهو منصور، «تباركت ربنا» معنى التبارك في الله - عز وجل -: أنه - سبحانه وتعالى - منزل البركة، وأن بذكره تحصل البركة، وباسمه تحصل البركة، «تعاليت» من التعالي وهو العلو، «أعوذ برضاك من سخطك» هذا من باب التوسل برضا الله أن يعيذك من سخطه، فأنت الآن استنجدت من الشيء بضده، فجعلت الرضا وسيلة تتخلص به من السخط، «وبعفوك من عقوبتك»وفي الحديث: «وبمعافاتك من عقوبتك»،والمعافاة هي: أن يعافيك الله من كل بلية في الدين أو في الدنيا، «وبك منك»لايمكن أن تستعيذ من الله إلا بالله؛ إذ لا أحد يعيذك من الله إلا الله، فهو الذي يعيذني مما أراد بي من سوء، «لا نحصي ثناء عليك»أي: لا ندركه، ولا نبلغه، ولا نصل إليه، والثناء هو: تكرار الوصف بالكمال. قوله: «اللهم صلّ على محمد»أي: يختم الدعاء بالصلاة على النبي r؛ لأن ذلك من أسباب الإجابة، «وعلى آل محمد»واقتصر الأكثرون على الصلاة عليه. قوله: «ويمسح وجهه بيديه»إذا فرغ من دعائه هنا وخارج الصلاة، والأقرب أنه ليس بسنة؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة([1]). قوله: «ويكره قنوته»أي المصلي «في غير الوتر»كالفرائض والرواتب والنوافل الأخرى؛ «إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة» هي: الشديدة من شدائد الدهر، أما إن نزلت بالكفار نازلة فذلك مما يُشكر الله عليه، وليس مما يُدعى برفعه. قوله: «غير الطاعون» الطاعون: وباء معروف فتَّاك مُعْدٍ، إذا نزل بأرض فإنه لا يجوز الذهاب إليها، ولا يجوز الخروج منها فرارًا منه، ولا يدعى برفعه، وعُلّل ذلك: بأنه شهادة. قوله: «فيقنت الإمام في الفرائض» أي استحبابًا، ويقنت بدعاء مناسب للنازلة في جميع الفرائض إلا الجمعة. _________________________________ ([1]) ذكر المسح في كشاف القناع (1/420)، وذكر في الإنصاف (2/173) رواية أنه يكره. |
وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً، تُفْعَلُ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ الْوِتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي رَمَضَانَ، وِيُوتِرُ الُمتَهَجِّدُ بَعْدَهُ، فَإِنْ تَبِعَ إِمَامَهُ شَفَعَهُ بِرَكْعَةٍ، وَيُكْرَهُ التّنَفّلُ بَيْنَهَا، لَا التَّعْقِيبُ فِي جَمَاعَةٍ.
_________________________________ قوله: «والتراويح عشرون» والتراويح سنة مؤكدة؛ لأنها من قيام رمضان، وإذا أضفنا إليها أدنى الكمال في الوتر تكون ثلاثًا وعشرين، فهذا قيام رمضان، والصحيح في هذه المسألة أن السنة في التراويح أن تكون إحدى عشرة ركعة، يصلي عشرًا شفعًا وواحدة وترًا([1]). قوله: «تفعل في جماعة» أي: تُصَلى في جماعة، فإن صلاها الإنسان منفردًا في بيته لم يدرك السنة. قوله: «مع الوتر» أي: أنهم يوترون معها «بعد» صلاة «العشاء» وسنتها؛ فلو صلّوا التراويح بين المغرب والعشاء لم يدركوا السنة. قوله: «ويوتر المتهجد بعده» أي: بعد تهجده؛ فلا يوتر مع الإمام. قوله: «فإن تبع إمامه شفعه بركعة» وهذا هو الطريق الآخر للمتهجد، فيتابع إمامه في الوتر، ويشفعه بركعة؛ لتكون آخر صلاته بالليل وترًا. قوله: «ويُكْرَه التنفل بينها» أي بين التراويح، ولا يكره«التعقيب في جماعة» بعد التراويح مع الوتر، ومعنى التعقيب: أن يصلي بعدها وبعد الوِتْرِ في جماعة، وظاهر كلامه: ولو في المسجد. _________________________________ ([1]) المذهب أنها عشرون، كما في كشاف القناع (1/425)، وقال في الإنصاف (2/180) بعد ذكر الأقوال في عددها: «وقال الشيخ تقي الدين: كل ذلك أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة حسن، كما نص عليه أحمد؛ لعدم التوقيت فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره». |
ثُمَّ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُمَا آكَدُهَا، وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ، وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَأَفْضَلُهَا ثُلُثُ اللَّيْلِ بَعْدَ نِصْفِهِ، وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ كَالظّهْرِ فَلَا بَأْسَ، وَأَجْرُ صَلَاةِ قَاعِدٍ عَلَى نِصْفِ أَجْرِ صَلَاةِ قَائِمٍ.
_________________________________ قوله: «ثم السنن» أي: بعد التراويح، السنن الراتبة وهي الدائمة المستمرة([1]). قوله: «وركعتان قبل الفجر وهما آكدها» أي: آكد هذه الرواتب. قوله: «ومن فاته شيء منها»أي من الرواتب«سنّ له قضاؤه». وصلاة التطوع نوعان: نوع مطلق، ونوع مقيد؛ فالمقيد أفضل في الوقت الذي قيد به أو في الحال الذي قيد بها؛ كتحيَّة المسجد وسنة الوضوء، وهذا أفضل من صلاة الليل. أما المطلق: ففي الليل أفضل منه في النهار، ويُسَنُّ الإكثار منه كل وقت. قوله: «وأفضلها» أي: صلاة الليل «ثلث الليل بعد نصفه» أي: أنك تقسم الليل أنصافًا، ثم تقوم في الثلث من النصف الثاني، وفي آخر الليل تنام، و يبتدئ النصف من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. قوله: «وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى» يعني: اثنتين اثنتين، فلا يصلي أربعًا جميعًا، وإنما يصلي اثنتين اثنتين. قوله: «وإن تطوع»؛ أي: المصلي في النهار لا في الليل. قوله: «كالظهر»؛أي: بتشهّدَيْنِ؛ تشهد أول وتشهد ثانٍ. قوله: «وأجر صلاة قاعد على نصف أجر صلاة قائم» أي: تصح صلاة القاعد؛ لكنها على النصف من أجر صلاة القائم، والمراد هنا في النّفلِ، فإن كان قاعدًا لعذر وكان من عادته أن يصلي قائمًا فإن له الأجر كاملًا. _________________________________ ([1]) ويُكْرَه تركها، وتسقط عدالة من داوم عليها ويأثم، فترد شهادته عند أحمد والشافعي، ويدل على قلة دينه، ويجوز لزوجة وعبد وأجير وولد فعلها مع الفريضة، ولا يجوز منعهم، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/211). |
وَتُسَنُّ صَلَاةُ الضُّحَى، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ، وَوَقْتُهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ النَّهْيِ إِلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ، يُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالمُسْتَمِعِ دُونَ السَّامِعِ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ القَارِئُ لَمْ يَسْجُدْ.
_________________________________ «صلاة الضحى» سنة غير راتبة يعني: يفعلها أحيانًا وأحيانًا لا يفعلها، «وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان» ركعات بأربع تسليمات،«ووقتها من خروج وقت النهي»وهو من طلوع الشمس، إلى أن ترتفع قيد رمح، أي: بعين الرائي، وبالدقائق المعروفة حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله ربع ساعة؛ لأنه أحوط. وقوله: «إلى قبيل»تصغير قبل «وقت الزوال»أي: قبل زوال الشمس بزمن قليل حوالي عشر دقائق؛ لأن ما قبيل الزوال وقت نهي ينهى عن الصلاة فيه. قوله: «وسجود التلاوة صلاة» أي: أن حكمه حكم الصلاة فتعتبر له الطهارة من الحدث، والطهارة من النجاسة في البدن والثوب والمكان واستقبال القبلة وستر العورة، وكل ما يشترط لصلاة النافلة. قوله: «يسن للقارئ» فسجود التلاوة ليس بواجب، ويسن أيضًا «والمستمع»وهو الذي ينصت للقارئ ويتابعه في الاستماع «دون السامع» وهو الذي يسمع الشيء دون أن ينصت إليه. قوله: «وإن لم يسجد القارئ لم يسجد» المستمع. |
وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، فِي الحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ، وَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ، وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمَ وَلَا يَتَشَهَّدُ، وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ قِرَاءَةُ سَجْدَةٍ فِي صَلَاةِ سِرٍّ وَسُجُودُهُ فِيهَا، وَيَلْزَمُ المَأْمُومُ مُتَابَعَتَهُ فِي غَيْرِهَا، وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ، وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ غَيرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ.
_________________________________ قوله: «وهو» أي: سجود التلاوة «أربع عشر سجدة» أي: آيات السجود التي في القرآن أربع عشرة سجدة فقط،لا تزيد ولا تنقص([1])، «في الحج منها اثنتان». قوله: «ويكبر إذا سجد وإذا رفع»يكبر إذا سجد؛ لأنها صلاة وتحريمها التكبير. قوله: «ويجلس»أي: وجوبًا، لكنه جلوس لا ذكر فيه إلا شيئًا واحدًا، وهو أن «يسلم» مرة عن يمينه «ولا يتشهد». قوله: «ويكره للإمام قراءة سجدة في صلاة سر وسجوده فيها»؛لأنه إن سجد شوش على من خلفه. قوله: «ويلزم المأموم متابعته» أي: يلزم المأموم إذا سجد إمامه أن يتابعه«في غيرها» أي: في غير صلاة السر وهي صلاة الجهر، وعلم من كلامه - رحمه الله - أنه لا يلزمه متابعة الإمام في صلاة السر؛ بل هو مُخَير في المتابعة. قوله: «ويستحب» في غير الصلاة «سجود الشكر» والشكر في الأصل هو: الاعتراف بالنعم باللسان، والإقرار بها بالقلب، والقيام بطاعة المنعم بالجوارح. قوله: «عند تجدد النعم» أي: عند النعمة الجديدة، احترازًا من النعمة المستمرة؛ كسلامة السمع وسلامة البصر وسلامة النطق. قوله: «واندفاع النِّقَم» التي وجد سببها فسلم منها؛ كإنسان سقط في بئر فخرج سالمًا، وسجود الشكر؛ كسجود التلاوة أي أن يكبر إذا سجد وإذا رفع ويجلس ويسلم. قوله: «وتبطل به» أي: بسجود الشكر» صلاة غير جاهل وناس» أي: من سجد سجدة الشكر عالمًا بالحكم ذاكرًا له فإن صلاته تبطل. _________________________________ ([1]) وكلها مجمع عليها ما عدا ثانية الحج والمفصل، انظر: حاشية ابن قاسم النجدي (2/237). |
وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ: مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الثّانِي إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَمِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِهَا، وَإِذَا شَرَعَتْ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ، وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ فِيهَا، وَفِي الْأوْقَاتِ الثّلَاثَةِ فِعْلُ رَكْعَتَي طَوَافٍ وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ، وَيَحْرُمُ تَطَوّعٌ بِغَيْرِهَا فِي شَيءٍ مِنَ الْأوْقَاتِ الخَمْسَةِ حَتَّى مَا لَهُ سَبَبٌ.
_________________________________ قوله: «وأوقات النهي خمسة» بالبسط وثلاثة بالاختصار:«من طلوع الفجر الثاني»احترازًا من الفجر الأول، إلى أن تطلع الشمس أي: يتبين قرصها؛ فلا تصح صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتا الفجر،«ومن طلوعها حتى ترتفع قِيد رمح، وعند قيامها»أي: منتهى ارتفاع الشمس في الأفق «حتى تزول»، «ومن صلاة العصر([1]) إلى غروبها»أي إلى شروعها في الغروب، «وإذا شرعت فيه حتى يتم» أي: في الغروب حتى يتم. قوله: «ويجوز قضاء الفرائض فيها»أي: في هذه الأوقات. قوله: «وفي الأوقات الثلاثة» يعني بها: القصيرة التي ذكرت في حديث عقبة بن عامر: وهي: «من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» فيجوز فيها «فعل ركعتي طواف»، ومفهومه أن الوقتين الآخرين لا يجوز فيهما فعل ركعتي الطواف، ولكن هذا ليس مرادًا، فالمفهوم هنا مفهوم أولوية لا مفهوم مخالفة؛ لأنه إذا جازت صلاة ركعتي الطواف في الأوقات الثلاثة القصيرة، وهي أغلظ تحريمًا من الأوقات الطويلة، ففي الأوقات الطويلة من باب أولى. قوله: «وإعادة جماعة» أي: أنه يجوز في هذه الأوقات الثلاثة، وغيرها من باب أولى إعادة جماعة أقِيمَتْ وهو بالمسجد، ويجوز أيضًا على المذهب: سنة الظهر التي بعدها إذا جُمِعت مع العصر. ومن دخل يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يصلي ركعتين خفيفتين ولو كان عند قيام الشمس، وصلاة الجنازة تُفْعَل في أوقات النهي الطويلة؛ كما لو صلينا العصر وحضرت جنازة فإننا نصلي عليها. قوله: «ويحرم تطوع بغيرها» أي: بغير المتقدمات «حتى ما له سبب» أي: لا يجوز التطوع في هذه الأوقات حتى الذي له سبب، والقول الصحيح في هذه المسألة أن ما له سبب يجوز فعله في أوقات النهي كلها الطويلة والقصيرة([2]). _________________________________ ([1]) والاعتبار بالفراغ منها لا بالشروع فيها؛ قال ابن قاسم النجدي (2/247): «فمن لم يصل العصر أبيح له التنفل وإن صلى غيره، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، وكذا لو أحرم بها ثم قلبها نفلًا أو قطعها لعذر لم يمنع من التطوع حتى يصليها، ومن صلاها فليس له التنفل ولو صلى وحده، لحديث أبي سعيد وغيره». ([2]) المذهب أنه لا يجوز، كما في كشاف القناع (1/452)، وما صححه الشيخ رواية، كما في الإنصاف (2/208). |
بَابُ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ تَلْزَمُ الرِّجَالَ لِلصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَلَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ، وَتُسْتَحَبُّ صَلَاةُ أَهْلِ الثَّغْرِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ. وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِم فِي المَسْجِدِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ الجَمَاعَةُ إِلَّا بِحُضُورِهِ، ثُمَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ جَمَاعَةً، ثُمَّ المَسْجِدِالعَتِيقِ، وَأَبْعَدُ أَوْلَى مِنْ أَقْرَبَ. _________________________________ وقوله: «تلزم الرجال للصلوات الخمس»فيخرج النساء والعبيد. قوله: «ولا شرط»؛أي: ليست صلاة الجماعة شرطًا في صحة الصلاة. قوله: «وله فعلها في بيته» أي: يجوز أن يصلي الجماعة في بيته ويدع المسجد، والقول الصحيح أنه يجب أن تكون في المسجد، وأنها لو أقيمت في غير المسجد لم يحصل بإقامتها سقوط الإثم، بل هم آثمون، وإن كان القول الراجح أنها تصح([1]). قوله: «تستحب صلاة أهل الثغر في مسجد واحد» أهل الثغر: هم الذين يقيمون على حدود البلاد الإسلامية يحمونها من الكفار، فالأفضل لهم أن يصلوا في مسجد واحد. قوله: «والأفضل لغيرهم في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره»أي إذا كان هناك مسجد قائم يصلي فيه الناس، لكن فيه رجل إن حضر وصار إمامًا أقيمت الجماعة، وإن لم يحضر تفرق الناس، فالأفضل لهذا الرجل أن يصلي في هذا المسجد من أجل عمارته؛ لأنه لو لم يحضر لتعطل المسجد. قوله: «ثم ما كان أكثر جماعة»أي: لو قدر أن هناك مسجدين أحدهما أكثر جماعة من الآخر، فالأفضل أن يذهب إلى الأكثر جماعة. قوله: «ثم المسجد العتيق»المسجد العتيق أولى من الجديد؛ لأن الطاعة فيه أقدم فكان أولى. قوله: «وأبعد أولى من أقرب» أي: إذا كان حولك مسجدان أحدهما أبعد من الثاني، فالأفضل الأبعد. _________________________________ ([1]) المذهب أنه له فعلها في بيته، كما في كشاف القناع (1/456)، وما صححه الشيخ قول ذكره في الإنصاف (2/213-214). |
الساعة الآن 12:47 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .