أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة
أسماء الله الثابتة في القرآن والسنة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد .. إن من مقامات الدين الرفيعة ومنازله العالية العظيمة العلم بكمال الرب الكريم وما يجب له من صفاته العظيمة وأسمائه الحسني الكريمة الواردة في كتابه وسنة رسوله والتي أثني بها علي نفسه وأثني بها عليه عبده ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم بل إن هذا العلم بها والإيمان أصل من أصول الدين وركن من أركان التوحيد وأساس من أسس العقيدة ولهذا ندب الله سبحانه عباده وحثهم ورغبهم في مواطن كثيرة من القرآن الكريم تعلم أسماء الرب وصفاته ومعرفة صحيحة سليمة دون ميل بها عن وجهها أو صرف لها عن مقصودها بتحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل. ومذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب يقوم علي أصلين عظيمين وأساسين متينين هما" الإثبات بلا تمثيل والتنزيه بلا تعطيل بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير والواجب علينا الوقوف في هذا الباب العظيم مع نصوص الكتاب والسنة دون زيادة أو نقصان بل يؤمن بما ورد فيها. وبدوري أنا سأتناول كتاب الأسماء الحسني الثابتة في الكتاب والسنة للدكتور محمود عبد الرزاق الرضواني محاولة تقريبها بأبسط صورة للطالب فقد أمرنا الله عز وجل في غير موضع من كتابه أن ندعوه بأسمائه الحسنى فقال(1) (وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:180]. (2)قال: (قُل ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء:110] . ولنسأل بداية عدة أسئلة كي تبين الأمر جلياً س1 ما هي الأسماء الحسنى التي ندعو الله بها ؟ س2"كيف ظهرت الأسماء المشهورة التي يعرفها ملايين المسلمين حتى الآن ؟" س3"هل هذه الأسماء سمى الله نفسه بها أو سماه رسوله صلى الله عليه وسلم ؟[/COLOR]• س" ماهو المتفق علي ثبوته من الأسماء الحسني؟ ج"إن المتفق علي ثبوته وصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإشارة إلى العدد تسعة وتسعين الذي ورد عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) . مسألة" هل ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه عين الأسماء الحسني التسعة والتسعين أو سردها في نص واحد؟ ج"لا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عين الأسماء الحسنى التسعة والتسعين أو سردها في نص واحد، وهذا أمر لا يخفى على العلماء الراسخين قديما وحديثا والمحدثين منهم خصوصا][/ |
[مسألة" كيف ظهرت الأسماء التي يحفظها الناس منذ أكثر من ألف عام؟ في نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الثالث الهجري حاول ثلاثة من رواة الحديث جمعها باجتهادهم. (1)إما استنباطا من القرآن والسنة (2)أو نقلا عن اجتهاد الآخرين في زمانهم. \ س" من هم هؤلاء العلماء الثلاثة ومن أشهرهم؟ ( الأول" )منهم وهو أشهرهم وأسبقهم الوليد بن مسلم مولى بني أمية (ت:195هـ) وهو عند علماء الجرح والتعديل كثير التدليس في الحديث. (الثاني )"هو عبد الملك الصنعاني وهو عندهم ممن لا يجوز الاحتجاج بروايته لأنه ينفرد بالموضوعات. ( الثالث )فهو عبد العزيز بن الحصين وهو ضعيف ذاهب الحديث كما قال الإمام مسلم. هؤلاء الثلاثة اجتهدوا وجمع كل منهم قرابة التسعة والتسعين اسما ثم فسر بها الحديث المجمل في الصحيحين. • س" ماهو الإحصاء الذي اشتهر بين الناس ؟ ما جمعه الوليد بن مسلم هو الذي اشتهر بين الناس منذ أكثر من ألف عام فقد جمع ثمانية وتسعين اسما بالإضافة إلى لفظ الجلالة. س " كيف اشتهرت هذه الأسماء التي اجتهد الوليد بن مسلم في جمعها ؟ ج" الوليد في أغلب الأحيان عندما يحدث الناس بحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه - والذي يشير إجمالا إلى إحصاء تسعة وتسعين اسما – ثم يتبعه في أغلب الأحيان بذكر هذه الأسماء التي توصل إليها كتفسير شخصي منه للحديث، وقد نُقِلت عنه مدرجة مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أو بمعنى آخر ألحقت أو ألصقت بالحديث النبوي، وظن أغلب الناس بعد ذلك أنها نص من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فحفظوها وانتشرت بين العامة والخاصة حتى الآن • اتفق الحفاظ من أئمة الحديث على أن الأسماء المشهورة لم يرد في تعيينها حديث صحيح الخلاصة"أن هذه الأسماء التي يحفظها الناس ليست نصا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي ملحقة أو ملصقة أو كما قال المحدثون مدرجة مع قوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا )، وهذا أمر قد يكون غريبا على عامة الناس لكنه لا يخفى على أهل العلم والمعرفة بحديثه صلى الله عليه وسلم] |
[أقوال العلماء حول سرد الأسماء الحسني هل هي من إدراج الرواه أم من كلام النبي صلي الله ليه وسلم؟] قال العلامة ابن حجر: (لتحقيق أن سردها من إدراج الرواة) [بلوغ المرام 346] وقال الأمير الصنعاني: (اتفق الحفاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة) [سبل السلام 4/108. وقال ابن تيمية : عن رواية الترمذي وابن ماجه: (وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كل منهما من كلام بعض السلف) [دقائق التفسير 2/473]، وقال أيضا: (لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديث ثان أضعف من هذا رواه ابن ماجه، وقد روي في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف) [الفتاوى الكبرى 1/217] . وقال ابن الوزير اليماني: (تمييز التسعة والتسعين يحتاج إلى نص متفق على صحته أو توفيق رباني، وقد عدم النص المتفق على صحته في تعيينها، فينبغي في تعيين ما تعين منها الرجوع إلى ما ورد في كتاب الله بنصه، أو ما ورد في المتفق على صحته من الحديث) [العواصم 7/228]،. • أجمع علماء أهل السنة على أن الأسماء الحسنى توقيفية اتفق علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم أنه يجب الوقوف على ما جاء في الكتاب وصحيح السنة بذكر أسماء الله نصا دون زيادة أو نقصان؛ لأن أسماء الله الحسنى توقيفية لا مجال للعقل فيها؛ فالعقل لا يمكنه بمفرده أن يتعرف على أسماء الله التي تليق بجلاله، ولا يمكنه أيضا إدراك ما يستحقه الرب عز وجل من صفات الكمال والجمال؛ فتسمية رب العزة والجلال بما لم يسم به نفسه قول على الله بلا علم، وهو أمر حرمه الله عز وجل على عباده] |
وقال الإمام النووي: (أسماء الله توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح" الإمام السيوطي: (اعلم أن أسماء الله تعالى توقيفية بمعنى أنه لا يجوز أن يطلق اسم ما لم يأذن له الشرع وإن كان الشرع قد ورد بإطلاق ما يرادفه) [شرح سنن ابن ماجة275]. والأقوال في ذلك كثيرة يعز إحصاؤها وكلها تدل على أن عقيدة أهل السنة والجماعة مبنية على أن الأسماء الحسنى توقيفية، وأنه لابد في كل اسم من دليل نصي صحيح يُذكر فيه الاسم بلفظه. دورنا تجاه الأسماء1_ الإحصاء ثم2_ الحفظ 3_والدعاء وليس الاشتقاق والإنشاء كيف نتعرف على أسماء الله الحسنى من الكتاب والسنة ؟ قال ابن الوزير اليماني: (تمييز التسعة والتسعين يحتاج إلى نص متفق على صحته أو توفيق رباني، وقد عدم النص المتفق على صحته في تعيينها، فينبغي في تعيين ما تعين منها الرجوع إلى ما ورد في كتاب الله بنصه أو ما ورد في المتفق على صحته من الحديث) [العواصم 7/228]، والرجوع إلى ما أشار إليه ابن الوزير مسألة أكبر من طاقة فرد وأوسع من دائرة مجد، لأن الشرط الأول والأساسي في إحصاء الأسماء هو فحص جميع النصوص القرآنية وجميع ما ورد في السنة النبوية مما وصل إلينا في المكتبة الإسلامية، وهذا الأمر يتطلب استقصاء شاملا لكل اسم ورد في القرآن، وكذلك كل نص ثبت في السنة، ويلزم من هذا بالضرورة فرز عشرات الآلاف من الأحاديث النبوية وقراءتها كلمة كلمة للوصول إلى اسم واحد، وهذا في العادة خارج عن قدرة البشر المحدودة وأيامهم المعدودة، ولذلك لم يقم أحد من أهل العلم سلفا وخلفا بتتبع الأسماء حصرا، وإنما كان كل منهم يجمع ما استطاع باجتهاده |
الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة بأدلتها التفصيلية:1 -الرَّحْمَنُ 2-الرَّحِيمُ: قال تعالى: (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [فصلت:2]،. 3-المَلِك 4-القُدُّوسُ 5-السَّلامُ 6-المُؤْمِنُ 7-المُهَيْمِنُ 8-العَزِيزُ 9-الجَبَّارُ 10-المُتَكَبِّرُ: (هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الحشر:23]. 11-الخَالِقُ 12-البَارِئُ 13-المُصَوِّرُ: (هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ) [الحشر:24]، 14. -الأَوَّلُ 15-الآخِرُ 16-الظَّاهِرُ 17-البَاطِنُ: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد:3]، 18-السَّمِيعُ 19-البَصِيرُ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11]. 20-المَوْلَى 21-النَّصِيرُ: (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج: 78]،. 22-العفو 23-القَدِيرُُ: (فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) [النساء:149]. 24-اللطيف 25-الخَبِير: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ) [الملك:14]،. 26-الوِتْرُ: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعا: (وَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ) [مسلم 2677]، . 27- الجَمِيلُ: حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مرفوعا: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)[مسلم:91]، 28- الحَيِيُّ 29-السِّتيرُ حديث يَعْلَى بن أمية رضي الله عنه مرفوعا: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ) [صحيح أبي داود:3387]، 30- الكَبِيرُ 31- المُتَعَالُ، قال تعالى: (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ) [الرعد:9] ، 32- الوَاحِد ُ33- القَهَّارُ، قال تعالى: (قُل اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار ُ) [الرعد:16]، 34- الحَقُّ 35- المُبِينُ، قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ) [النور:25]، 36- القَوِيُِّ، قال: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [هود:66]، 37- المَتِينُ،قال تعالى: (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58]، 38-الحَيُّ 39-القَيُّومُ:(اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة:255] ، 40-العَلِيُّ 41-العَظِيمُ،قال تعالى: (وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ) [البقرة:255]، 42-الشَّكُورُ 43-الحَلِيمُ،قال تعالى: (وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) [التغابن:17]، 44-الوَاسِعُ 45-العَلِيمُ،قال تعالى: (إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:115]، 46-التَّوابُ 47-الحَكِيمُ،قال تعالى: (وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيم [النور:10] ، 48-الغَنِيُّ 49-الكَريمُ،قال تعالى: ((وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) ) [النمل:40] ، 50-الأَحَدُ 51-الصَُّمَدُ، قال تعالى: (قُل هُوَ اللهُ أَحَد اللهُ الصَّمَدُ)،] |
القَرِيبُ 53-المُجيبُ، قال تعالى: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) [هود:61]،
54-الغَفُورُ 55-الوَدودُ،قال تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُود) [البروج:14/15]، 56-الوَلِيُّ 57-الحَميدُ، قال تعالى: (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28]، 58-الحَفيظُ، قال تعالى: (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سبأ:21]، 59-المَجيدُ،قال تعالى: (ذُو العَرْشِ المَجِيدُ) [البروج:15]، 60-الفَتَّاحُ، قال تعالى: (وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيم ُ) [سبأ:26]، 61-الشَّهيدُ،قال تعالى: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [سبأ:47]، 62-المُقَدِّمُ 63-المُؤِّخرُ:حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مرفوعا: (أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ) [البخاري1069]، 64-المَلِيكُ 65-المَقْتَدِرُ،قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر) [القمر:55]، 66-المُسَعِّرُ 67-القَابِضُ 68-البَاسِطُ 69-الرَّازِقُ،حديث أَنَسٍ رضي الله عنه مرفوعا: (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ) [صحيح الجامع 1846]، 70-القَاهِرُ، قوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) [الأنعام:18]، 71 -الديَّانُ: حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ مرفوعا: (يَحْشُرُ اللهُ الْعِبَادَ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ) [البخاري 6/2719]، 72-الشَّاكِرُ، قال تعالى: (وَكَانَ اللهُ شَاكِراً عَلِيماً) [النساء:147]، 73-المَنَانُ: حديث أَنَسِ رضي الله عنه مرفوعا وفيه: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ) [صحيح أبي داود:1325]، 74-القَادِرُ،قوله تعالى: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ) [المرسلات:23]، 75-الخَلاَّقُ، قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيم ُ) [الحجر:86]، 76-المَالِكُ،حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعا: (لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللهُ عَزَّ وَجَل) [مسلم:2143] ، 77-الرَّزَّاقُ، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58] ، 78-الوَكيلُ،قال تعالى: (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173] ، 79-الرَّقيبُ،قال تعالى: (وَكَانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) [الأحزاب:52]، 80-المُحْسِنُ:حديث شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعا: (إن الله محسن يحب الإحسان) [صحيح الجامع 1824]، 81-الحَسيبُ،قال تعالى: (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حسِيباً) [النساء:86]، 82 -الشَّافِي: حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها مرفوعا: (اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي) [البخاري:5351]، 83-الرِّفيقُ: حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها مرفوعا: (رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ) [البخاري:5901]، 84-المُعْطي: حديث مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ رضي الله عنه مرفوعا: (وَاللهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ) [البخاري:2948] ، 85-المُقيتُ:قوله تعالى: (وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) [النساء:85]، 86-السَّيِّدُ: حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه مرفوعا: (السَّيِّدُ الله) [صحيح أبي داود:4021]، 87-الطَّيِّبُ:حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعا: (إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا) [مسلم:8330]، 88-الحَكَمُ:حديث شُرَيْحٍ بن هَانِئٍ رضي الله عنه مرفوعا: (إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ) [صحيح أبي داود:4145]، 89-الأَكْرَمُ، قال تعالى: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ) [العلق:3]، 90-البَرُّ،قال تعالى: (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[/COLOR] [الطور:28]، 91-الغَفَّارُ قال تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [ص:66]، 92-الرَّءوفُ،قال تعالى: (وَأَنَّ اللهَ رءوف رَحِيم ٌ) [النور20]، 93-الوَهَّابُ،قال تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) [ص:9]، 94-الجَوَادُ:حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعا: (إن الله عز وجل جواد يحب الجود) [صحيح الجامع:1744] 95-السُّبوحُ:حديث عَائِشَةَ مرفوعا: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ) [مسلم:487]، 96-الوَارِثُ:قوله: (وَإِنَّا لنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُون) [الحجر:23]، 97-الرَّبُّ،قال تعالى: (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس:58]، 98-الأعْلى،قال تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) [الأعلى:1]، 99-الإِلَهُ،قال تعالى: (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لا إِلهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [البقرة:163] []] |
فضائل الأسماء الحسنى )) - أولاً : (( الأسماء الحسنى من أعظم أسباب دخول الجنة )) : لمن عرفها وآمن بها وأدَّى حقَّها . فعن أبي هريرة (( رضي اللَّه عنه )) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (( لله تسعةٌ وتسعون اسمًا مائة إلاَّ واحدة لا يحفظها أحدٌ إلا دخل الجنة )) . وفي رواية : (( من أحصاها دخل الجنة ))( .( البخاري (2736، 6410) ثانيًا : الأسماء الحسنى تعرِّفك باللَّه عزَّ وجلَّ : عن أبي بن كعب رضي اللَّه عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (رواه أحمد .) ثالثًا : معرفة الأسماء الحسنى أصل عبادة الله تبارك وتعالى قال أبو القاسم التيمي الأصبهاني في بيان أهمية معرفة الأسماء الحُسنى : قال بعض العلماء : أول فرض فرضه اللهُ على خلقه معرفته ، فإذا عرَفه الناس عبدوه ، وقال تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } [ محمد : 19 ] . رابعًا : الأسماء الحسنى أعظم الأسباب لإجابة الدعاء : قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل اللَّه بأسمائه الحُسنى ويتوسل إليه بها ، فكان يقول : (( أسألك بكل اسم هو لك ، سمَّيت به نفسك ، أو علَّمته أحدًا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي ... بالاسم الذي إذا سُئِل به أعطى ، وإذا دُعي به أجاب )) . وفي رواية فقال : (( والذي نفسي بيده ، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِي به أجاب ، وإذا سُئِل به أعطى . والسلسلة الصحيحة (199) . خامسًا : إن اللَّه يحب من أحب أسماءَه الحسنى : عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سَريَّة ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم بـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ )) فسألوه ، فقال : (( لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحبُّ أن أقرأ بها )) . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أخبروه أن الله يحبه )) وصحيح جامع الترمذي (2323) . سادسًا: دعاء اللَّه بأسمائه الحسنى أعظم أسباب تفريج الكروب وزوال الهموم: عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما أصاب أحدًا قط همٌ ولا حزنٌ ، فقال : اللهمَّ إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أَمتك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكُمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤُك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميَّت به نفسك ، أو علَّمته أحدًا من خلقِك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيبِ عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب اللَّه همَّه وحزنه وأبدل مكانه فرحًا )) . فقيل : يا رسول اللَّه ، أفلا نتعلمها ؟ فقال : (( بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها )) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول : لا إله إلا اللَّه العظيمُ الحليمُ ، لا إله إلا الله ربُّ السماواتِ والأرضِ ورب العَرشِ العظيم( ( ) رواه البخاري (11/145) مع الفتح سابعًا : الأسماء الحسنى أصل كل شيء : قال تعالى : { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } [ الحديد : 3 ] . وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( اللهم أنت الأول ، فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شي( أخرجه مسلم (2713) من حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه . ثامنًا: معرفة اللَّه بأسمائه وصفاته هي أصل خشيته تبارك وتعالى: إن العلم بأسماء الله جل ثناؤه وصفاته ومعرفة معانيها يُحْدِثُ خشية ورهبة في قلب العبد ، فمن كان بالله أعرف فهو منه أخوف ، ومن كان به أعلم كان على شريعته أقوم ، قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] . تاسعًا : من عرف الأسماء الحسنى كما ينبغي فقد عرف كلَّ شيء فمن عرف ربه بالغِنى ، عرف نفسه بالفقر . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [ فاطر : 15 ] . ومن عرف ربه بالبقاء عرف نفسه بالفناء . قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26، 27 ] . ومن عرف اللَّه بالعلم ، عرف نفسه بالجهل ، قال تعالى : { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 216 ] . وحين ركب الخضر مع موسى عليهما السلام السفينة ، نظر إلى عصفور قد نقر في البحر نقرة أو نقرتين ، فقال الخضر لموسى (( عليهما السلام )) : (( ما علمي وعلمك من علم اللَّه إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر )البخاري (7425- 4727) عاشرًا : حسن الظن( ) باللَّه عز وجل : ويُعد حسن الظن باللَّه تعالى ثمرة للفضيلة السابقة . فمن عرف غِنى الله وفقر خلقه ، وقدرة اللَّه وعجز خلقه ، وقوة اللَّه وضعف خلقه ، عرف مقدار افتقار الخلق لغنى الله ، وضعفهم لقوته ، وتواضعهم لعظمته ، وذلتهم لعزته ، تبارك وتعالى . الحادية عشرة : لا يضر مع اسم اللَّه شيء : فعن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه قال : سمعت رسول اللَّه ( عليه الصلاة والسلام ) يقول : (( ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ، ومساء كل ليلة : بسم اللَّه الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ، ثلاث مرات فيضره شيء صحيح سنن ابن ماجه (3120) الثانية عشرة : الأسماء الحسنى وأثرها في الحلال والحرام : ولم تقتصر فضائل الأسماء الحسنى وبركتها على حياة القلوب وتفريج الكروب ، بل وكذلك كان لها أعظم الأثر في الفقه ، فترى أن ذكر اسم اللَّه على شيء قد يفرق بين الحلال والحرام . فأحلّ اللَّهُ عز وجل الذبيحة التي ذُكِر اسمُه عليها ، بل وأمر بالأكل منها . قال تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } [ الأنعام : 118 ] . وعاتب من لا يأكل مما ذكر اسم اللَّه عليه ، قال تعالى : { وَمَا لَكُمْ أَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 119 ] . وعن عدي بن حاتم قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت : أُرسِلُ كلابي المعلمة ؟ قال : (( إذا أرسلتَ كلابَك المعلمةَ وذكرتَ اسم اللَّه فأمسكن فكُل ). وقد نهى عن أكل اللحم أو الصيد الذي لم يُذكر اسمُ اللَّه عليه ، قال تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] . الثالثة عشرة : العلم بأسماء اللَّه الحسنى أعظم العلوم وأشرفها : إن أشرف العلوم هي العلوم الشرعية ، وأشرف العلوم الشرعية هو العلم بأسماء اللَّه الحسنى ، وصفاته العُلى ؛ لتعلقها بأشرف من يمكن التعلم عنه ؛ وهو اللَّه سبحانه وتعالى الرابعة عشرة : بركة الأسماء الحسنى في المعيشة : قال تعالى : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن : 78 ] . ومن بركة الأسماء الحسنى أن الشيطان لا يقرب ما ذُكر عليه اسمُ الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء )( مسلم (2018) الخامسة عشرة : بركة الأسماء الحسنى تلحق الذرية : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ابن عباس رضي اللَّه عنهما : (( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال : بسم اللَّه ، اللهمَّ جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يُقَدَّر بينهما ولدُ في ذلك لم يضره شيطان أبدًا )) البخاري (7396) السادسة عشرة : أسماء اللَّه أعظم أسباب شفاء : فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، أشتكيت ؟ قال : (( نعم )) . قال : (( بسم اللَّه أرقيك ، من كل شيءٍ يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد ، اللَّه يَشْفِيك ، بسم اللَّه أرقيك ))( ) . البخاري (7396) السابعة عشرة : النجاة من الوسوسة : فمن عرف الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى ثبت إيمانه وصدق يقينه ، فكان لمجاهدة الشيطان أشد وعلى دفع الوساوس أقوى . فعن أبي زميل قال : سألت ابن عباس ، فقلت : ما شيءٌ أجد في صدري؟ قال : ما هو ؟ قلت : واللَّه ما أتكلم به ، قال : فقال لي أشيءٌ من شك ؟ قال : وضحك ، قال : ما نجا من ذلك أحد . قال حتى أنزل الله عز وجل : { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ } الآية [ يونس : 94 ] ، قال : فقال لي : (( إذا وجدت في نفسك شيئًا ، فقُل : { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الحديد : 3 ] ))( ) . وحسن إسناده الألباني في صحيح سنن أبي داود (4262) . من أحصاها دخل الجنة : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة ))( ) . فما هو معنى الإحصاء( ) ؟ قيل في معنى الإحصاء عدة أقوال ؛ منها : الأول : أن يَعُدَّها حتى يستوفيها حفظًا ويدعو ربه بها ، ويثني عليه بجميعها ؛ كقوله تعالى : { وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } [ الجن : 28 الثاني : أن يكون المراد بالإحصاء (( الإطاقة )) . كقوله تعالى : { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ } [ المزمل : 20 ] . فيكون المعنى : أن يطيق الأسماء الحسنى ويُحسِن المراعاة لها وأن يعمل بمقتضاها ، وأن يعتبرها فيُلزم نفسَه بواجبها . الثالث : أن يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة : فيكون معناه أن من عرفها ، وعقل معانيها ، وآمن بها دخل الجنة وهو مأخوذ من الحصاة وهي العقل ، والعرب تقول : فلان ذو حصاة أي ذو عقل ومعرفة بالأمور( ) . الرابع : قال القرطبي : المرجو من كرم اللَّه تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على أحد هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة . وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصديقيين وأصحاب اليمين . |
(( الرحمن - الرحيم )) جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه أولاً : المعنى اللغوي : الرحمة : هي الرقة والتَّعَطُّف ، والاسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، و(( رحمن )) أشد مبالغة من (( رحيم )) ثانيًا ورود الاسمين في القرآن الكريم : ذُكر (( الرحمن )) في القرآن سبعًا وخمسين مرة ؛ منها قوله تعالى : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [ البقرة : 163 ] . وأما اسمه (( الرحيم )) ، فقد ذُكر أكثر من مائة مرة ؛ منها : قوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ البقرة : 54 ] معنى الاسمين في حق اللَّه تعالى : الاسمان مشتقان من الرحمة ، و(( الرحمن )) أشد مبالغة من (( الرحيم )) . وبينهما فروق: الأول : # أن اسم (( الرحمن )) : هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة. . #الرحيم )) : هو ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة، واستدلوا بقوله تعالى : { ثُمَّ استوي عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ } [ الفرقان : 59 ] . الثاني : (( الرحمن )) دال على صفة ذاتية ، و(( الرحيم )) دال على صفة فعلية . الثالث : أن (( الرحمن )) خاص الاسم عام المعنى ، و(( الرحيم )) عام الاسم خاص المعنى . إذ أن (( الرحمن )) من الأسماء التي نُهِيَ عن التسمية بها لغير الله تبارك وتعالى ، كما قال عز وجل : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [ الإسراء : 11 ] ، من آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين : أولاً : التعرُّف على اللَّه برحمته والإيمان بها . وسنحاول فيما يلي التعرض إلى جانبٍ من رحمة اللَّه عزَّ وجلَّ ، عسى أن ترق القلوبُ إلى خالقها وتشتاق النفوس إلى بارئها . (1)- ربكم ذو رحمة واسعة : قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] ، وقال تعالى إخبارًا عن حملة العرش ومن حوله أنهم يقولون : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } [ غافر -(2) رحمة اللَّه تغلب غضبه : قال تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 54 ] . قال ابن كثير في هذه الآية : أوجبها على نفسه الكريمة تفضلاً منه وإحسانًا وامتنانًا( ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن اللَّه لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه : إن رحمتي سبقت غضبي )) البخاري (9469) (3)- إن اللَّه تبارك وتعالى بيده الرحمة وحده : ومن رحمته : أن أحدًا من خلقه لا يستطيع أن يحجب رحمته أو منعها عن أحبابه ، قال تعالى : { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } [ فاطر : 2 ] . (4)- اللَّه سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الأم بولدها : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسبي ، فإذا امرأة من السبي تبتغي - وفي رواية البخاري -: تسعى إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته . فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أترون هذه المرأة طارحة وَلَدَها في النار ؟ )) قلنا: لا واللَّه ! وهي تقدر على أن لا تطرحه . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( اللَّه أرحم بعباده من هذه بولدها )) البخاري (5999) (5)- إن للَّه مائة رحمة : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن للَّه مائة رحمة أنزل منها رحمةً واحدةً بين الجن والإنسِ والبهائمِ والهوامِّ ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحشُ على ولدها )) . وفي رواية : (( حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه وأخَّر اللَّه تسعًا وتسعين رحمة يرحمُ بها عباده يوم القيامة )) . وفي رواية : (( إن اللَّه خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة )) . وفي رواية : (( كل رحمةٍ طباق ما بين السماء والأرض ، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ))( البخاري (9469). ثانيًا : فانظر إلى آثار رحمة اللَّه : فمن ذلك : -(1) خلق الإنسان : . قال تعالى : { الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } [ الرحمن : 1 - 4 ] . 2- النبوة والرسالة رحمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ } [ هود : 28 ] . (3)- إرسال النبيِّ صلى الله عليه وسلم : قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] 4- نزول القرآن : قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [ النحل : 89 ] . 5- أن جعلك مسلمًا : قال تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ]. -(6) ندائه في الثلث الأخير من الليل ليرحم عباده : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (( يتنزل ربنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلثُ الليل الآخرُ يقولُ : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ البخاري ( ج 11 / 6321) (7)- تقرُّبُه إلى خَلْقِهِ : (( قال اللَّه عز وجل : إذا تَقَرَّبَ العبدُ منِّي شِبْرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا ، وإذا تقرَّب مني ذراعًا تقربت منه باعًا أو بوعًا) البخاري (13/7537) -(8) ذكره لعباده الصالحين : وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال اللَّه : يا ابن آدم ، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي ، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة ، أو في ملأ خير منهم ، وإن دنوتَ مني شبرًا ، دوتُ منك ذراعًا ، وإن دنوتَ مني ذراعًا دنوتُ منك باعًا ، وإن أتيتني تمشي ، أتيتك أهرول )) -(9) صبر اللَّه جلال جلاله على الأذى من خلقه : فسبحان اللَّه ما أحلمه ، وما أكرمه وما أرحمه ، يخلق ويُعْبَدُ غيرُه ، ويرزق ويُشكرُ سواه ، خيره إلى العباد نازل وشرهم إليه صاعد. -(10) رحمته بالتائبين : منها : أولاً : يغفر الذنوب مهما عَظُمَت : عن أنس رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال اللَّه تعالى : يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة )) ثانيًا : ويبسط يده للتائبين ليلاً ونهارًا : عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن اللَّه تعالى يبسط يده بالليل لتيوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم . ثالثًا : ويفرح بتوبة عبده : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( للَّهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة )) . متفق عليه |
ثالثًا : ويفرح بتوبة عبده
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( للَّهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة )) . متفق عليه .رابعًا : ويبدل السيئات حسنات : قال تعالى : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [ الفرقان : 70 ] . -(11) صَلاتُه جل جلاله على المؤمنين : قال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } [ الأحزاب : 43 ] . 12- مضاعفة الحسنات والأجور : (( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيبٍ ولا يقبل اللَّه إلا الطيب ، فإن اللَّه يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل البخاري ومسلم 13- رحمة اللَّه تبارك وتعالى بقلوب عباده :فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وانظر صحيح ابن ماجه (3092. 14- الجنة من رحمة اللَّه عز وجل : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تحاجَّت الجنة والنار ، فقالت النار : أُوثِرْتُ بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاءُ الناس وسقطُهم ، قال اللَّه تبارك وتعالى للجنة : أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنتِ عذابٌ أعذِّبُ بك من أشاء من عبادي )) رواه البخاري (8/595) رقم الحديث 4850 . 15- دخول الجنة برحمة اللَّه عز وجل :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يدخل أحدًا الجنة عمله )) . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (( ولا أنا ، إلا أن يتغمدني اللَّه بمغفرة منه ورحمة 16- شفاعة أرحم الراحمين في أهل النار : قال تعالى : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } شفاعته عز وجل في الموحدين : عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشفاعة الطويل : (( ثم يقال : ادعوا الصديقين فيشفعون ، ثم يقال : ادعوا الأنبياء ، قال : فيجيء النبيُّ ومعه العِصابة ، والنبي ومعه الخمسةُ والستة ، والنبي وليس معه أحد ، ثم يقال : ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا ، وقال : فإذا فعلت الشهداء ذلك . قال : يقول الله عز وجل : أنا أرحم الراحمين ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي من كان لا يُشْرِك بي شيئًا )) . قال : (( فيدخلون الجنة ... صحيح : أخرجه أحمد ( ج 1/15) (17)- رحمته بالنمل ، سبحان اللَّه وبحمده : عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قَرَصَتْ نملةُ نبيًا من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأُحْرقت ، فأوحى اللَّه إليه : (( أنْ قَرَصَتْك نملة أحرقت أمةً من الأمم تُسبح اللَّه ))( ) . وفي رواية : (( فأوحى اللَّه إليه : فهلا نملةً واحدةً البخاري ( ج 6/3319 ثالثاً: : ليس كمثله شيء في رحمته :[/COLOR ]وذلك من عدة أوجه : أولاً : رحمة الخلق مخلوقة فتوجد بوجودهم وتفنى بفنائهم ، أما رحمة اللَّه عز وجل فإنها صفة ذاتية له لا تفنى ولا تبيد ، قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26، 27 ] . ثانيًا : رحمة الخلق قليلة محدودة ، أما رحمة اللَّه فقد وسعت كل شيء ، فكلٌ يرحم بقدر قدرته ، فالناس يرحمون في حالٍ دون آخر ، فيرحمون القريب دون الغريب ، ويرحمون الحبيب دون العدو ، أما رحمة اللَّه عز وجل فقد عمَّت الخلق جميعًا ، قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف : 156 رابعًا : لا تقنطوا من رحمة اللَّه : قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر : 53 ] |
خامسًا : من أسباب الحرمان من رحمة اللَّه تبارك وتعالى : فبالرغم من سعة رحمة اللَّه وعظمتها ، إلاَّ أن هناك من الناس من حرموا أنفسهم منها بذنوبهم ، وسنذكر فيما يلي جانبًا منهم : أولاً : من لا يَرحم لا يُرحم : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يرحم اللَّه من لا يرحم الناس ثانيًا : تعذيب الناس : فعن ابن مسعود البدري رضي الله عنه قال : كنت أضرب غلامًا لي بالسوط ، فسمعت صوتًا من خلفِي : (( اعْلَمْ أبا مسعود أن اللَّهَ أقدرُ عليك منك على هذا الغلام )) . فقلت : لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا . وفي رواية : فقلت : يا رسول اللَّه ، هو حرٌ لوجه اللَّه ، فقال : (( أما لو لَمْ تَفْعَل لَلَفَحَتْكَ النارُ أو لَمَسَّتْكَ النارُ ))( ) . ثالثًا : تعذيب الحيوانات : فقد حرَّم اللَّه تعذيب الحيوان والحشرات ، ويعاقب من فعل ذلك رابعًا : الاختلاف والفرقة : سادسًا : من أسباب رحمة اللَّه لخلقه : 1- طاعة اللَّه ورسوله : قال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ آل عمران : 132 ] 2- الإحسان :قال اللَّه تبارك وتعالى : { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] 3- تقوى اللَّه تبارك وتعالى :قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 156 ] . 5- التماس مرضاة اللَّه :عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن العبد ليلتمسُ مرضاةَ اللَّه ، ولا يزالُ بذلك ، فيقول اللَّهُ عزَّ وجلَّ لجبريل : إن فلانًا عبدي يلتمس أن يرضيني ، ألا وإن رحمتي عليه ، فيقول جبريل : رحمة اللَّه على فلان ، ويقولها حملة العرش ، ويقولها من حولهم حتى يقولها أهل السماواتِ السبعِ ، ثم تَهبِطُ له إلى الأرض ))( - الصبر على الابتلاء : قال تعالى : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 155- 157 ] . - رحمة الناس : فعن عبد اللَّه بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر : (( ارحموا تُرْحَمُوا ، واغفروا يَغْفِر اللَّهُ لكم ))( سابعًا : دعاء اللَّه باسميه (( الرحمن ، الرحيم )) : 1- دعاء الثناء والحمد : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال اللَّه تعالى : (( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال اللَّه تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم . قال اللَّه : أثنى عليَّ عبدى . 2- ومن ذلك أيضًا دعاء المسألة والطلب : قال ابن كثير : قال ابن المبارك : الرحمن إذا سُئِل أعطى ، والرحيم إذا لم يُسأل يغضب ، وهذا كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من لم يسأل اللَّهَ يغضب عليه ))( ) |
الملك ـ المليك ـ مالك الملك * المعنى اللغوي: المُلك: معروف وهو يذكر ويؤنث كالسلطان، ومُلك الله تعالى وملكوته سلطانه وعظمته وعزته. والمَلك والمَلِك والمَليك والمالك: ذو الملك. قال بعض أهل اللغة: المَلك والمُلك والمِلك: احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به. وقال آخرين: هو القدرة على التصرف. وتملّكه: أي ملكه قهرًا، وأملكه الشيء وملَّكه إياه تمليكًا جعله مِلكًا له، وأملكوه: زوجوه، شبه الزوج بملك عليها في سياستها. والملكوت مختص بِملِكِ الله تعالى وهو مصدر مَلَكَ أدخلت فيه التاء نحو جبروت ورهبوت ورحموت، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}. وملكت العجين: شددت عجنه أي: قوي عليه فأجاد عجنه. المعنى في حق الله تعالى: الملك: هو النافذ الآمر في ملكه إذ كل ملك ينفذ أمره في ملكه أو تصرفه فيما يملك والله عزّ وجل هو مالك المالكين كلهم والمالكون إنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهة الله تعالى فهو ـ جلّ وعلا ـ الذي ملكهم قال ابن جرير: الملك الذي لا ملك فوقه ولا شيء إلا دونه. قال ابن كثير: الملك هو المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة وهذا كله يدل على ثبوت الملكية المطلقة لله ـ عزّ وجل ـ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ونحو ذلك. هذا يدل على ملك الله العظيم الشاسع وقدرته التامة في ملكه وأنه لا يعجزه شيء ـ جلّ وعلا ـ. |
وروده في القرآن الكريم:
ورد {الملك} في القرآن خمس مرات منها قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (114) سورة طـه وقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ} (23) سورة الحشر وقوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ} (2) سورة الناس وورود المالك مرتين، في قوله تعالى: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) سورة الفاتحة {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} (26) سورة آل عمران وأمّا المليك فلم يرد إلاّ مرة واحدة في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (54ـ55) سورة القمر أيهما أبلغ الملك أو المالك؟ قال الشوكاني: وقد اختلف العلماء أيهما أبلغ ملك أو مالك؟ فقيل إن مَلِك أعم وأبلغ، إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملك، ولأنّ أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك. (قاله أبو عبيد والمبرّد ورجحه الزمخشري). وقيل مالك أبلغ لأنه يكون مالكًا للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ في مدح الخالق من ملك، وملك أبلغ ف مدح المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مالكًا كان ملكًا. واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي. ثم قال الشوكاني: ((والحق أنَّ لكلِّّ واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر، فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية، فالمالك أقوى من الملك من الملك في بعض الأمور، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور، والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته والمالك صفة لفعله. عدم جواز التسمية بملك الملوك: وقد ورد في ذلك الحديث المتفق عليه حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: (( أخنع اسم عند الله ـ وقال سفيان بن مرّة: أخنع الأسماء عند الله ـ رجلٌ تسمّى بملك الأملاك)) وفي رواية: ((أخنى الأسماء يوم القيامة ..)). قال سفيان: يقول غيره ـ أي غير أبي الزناد ـ تفسيره: شاهان شاه. ومعنى أخنع: أوضع اسم وأذلّه. قال أبو عبيد: الخانع الذليل، وخنع الرجل ذل. قال ابن بطّال: وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشدّ ذُلاً. ومعنى أخنى: أي أفحش اسم من الخنا وهو الفحش في القول. وجاء في رواية مسلم: ((أغيظُ رَجُلٍ على الله يوم القيامة وأخبثه وأغيظه عليه)). قال ابن حجر: واستدلّ بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا اسم لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه مثل خالق الخلق وأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير الأمراء. وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ((اشتد غَضَبُ اللهِ على من زَعَمَ أنه ملك الأملاك لا ملك إلا الله)). قال المناوي في شرحه: ((أي من تسمى بذلك ودعي به وإن لم يعتقده فإنه لا ملك في الحقيقة إلا الله، وغيره وإن سمي ملكًا أو ملكًا فإنما اشتدّ غضبه عليه لمنازعته لله في ربوبيته وألوهيته، فهو حقيق بأن يمقته عليه فيهينه غاية الهوان ويذلّه غاية الذل ويجعله تحت أقدام خلقه لجرأته وعدم حيائه في تشبهه به في الاسم الذي لا ينبغي إلاّ له، فهو ملك الملوك وحده حاك الحكّام وحده، فهو الذي يحكم عليهم كلهم لا غيره)). وقال ابن القيّم رحمه الله: ولمّا كان المُلكُ الحق لله وحده، ولا مَلِكَ على الحقيقة سواه، كان أخنع اسم وأوضعه عند الله، وأغضبه له اسم (شاهان شاه) أي: ملكُ الملوك، وسلطان السلاطين، فإنّ ذلك ليس لأحد غير الله، فتسميةُ غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يحب الباطل. وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا (قاضي القضاة) وقال: ليس قاضي القضاة إلاّ من يقضي الحق وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون |
الملك الحقيقي لله وحده ـ وهو المستحق له وحده ؟؟ معنى مالك الملك أي الذي كان ملكه عن استحقاق ، وعلة استحقاق الملك أمران : الأول صناعة الشيء وإنشائه وإيجاده واختراعه ، فالمخترع يأخذ براءة الاختراع ، والمؤلف يأخذ حق التأليف والطبع ، وفي صحيح البخاري أن عُمَر بن الخطاب قال : { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لهُ } وَيُرْوَى ذلك أيضا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ . وإذا كان ملوك الدنيا لا يمكن لأحدهم أن يؤسس ملكه ويصنعه بمفرده ، فلا بد له من ظهير معين سواء من أهله وقرابته ، أو حزبه وجماعته ، أو عشيرته وقبيلته ، فمن الذي ساعد الحق في إنشاء الملك ؟ ومن الذي عاونه علي إنشاء الخلق ، ومن الذي أمسك السماء أن تقع على الأرض ؟ من الذي كان مع الحق عند إنشاء الخلق ؟ {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُداً}. وعند البخاري من حديث عَمرانَ بن حُصينٍ أن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : (كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ ، وكان عرشه على الماء ، ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ ، وكتب في الذكر كل شيء) . وما أحسن التعبير عن الملكية المطلقة بالتفصيل الذي ورد في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { طه مَا أَنزَلنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى إِلا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ العُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِن تَجْهَرْ بِالقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الحُسْنَى}. أما العلة الثانية لاستحقاق الملك : فهي دوام الحياة فدوام الحياة يوجب انتقال الملكية وثبوت التملك ، ومعلوم أن كل من علي الأرض زائل فان ، كما قال تعالى : ({كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام } {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إِليْنَا تُرْجَعُون َ} ، وإذا كانت الحياة وصف ذاته والإحياء وصف فعله ، فإن الملك بالضرورة لمالكه : {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفي عَلى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لمَنِ المُلكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ} {وَلا يَحْسَبَنَّ الذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلهِ هُوَ خَيْراً لهُمْ بَل هُوَ شَرٌّ لهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، فالملك لله في المبتدا عند إنشاء الخلق فلم يكن أحد سواه ؟ والملك لله في المنتهى عند زوال الأرض لأنه لن يبقى من الملوك سواه ؟ فلا خالق إلا الله ولا مدبر للكون سواه ، ومن ثم فإنه المنفرد بالملك هو الله ، فالمَلك هو المتصرف بالأمر والنهي في مملكته وهو القائم بسياسة خلقه إلي غايتهم ، وملكه هو الحق الدائم له بحق دوام الحياة ، ولما كان الحق سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ، فإنه إلزاما ينفرد بالملك والتقدير ، وينفرد بأنه المالك المستحق للملك آثار الإيمان بهذه الأسماء (الملك، المالك، المليك): 1ـ إثباتها أسماء لله ـ عزّ وجل ـ. 2ـ إثبات ما دلّت عليه من الصفّات كصفة الملك والحياة والقدرة والعلم والقوة والمشيئة والجود والكرم والرزق ونحو ذلك فهي صفات عديدة جدًا تلزم لهذه الأسماء. 3ـ دعاء الله ـ عزّ وجل ـ بهذه الأسماء، كما سبق سواء دعاء المسألة أو دعاء العبادة أيضًا. 4ـ من يريد أن يملك شيئًا يسأل الملك الذي بيده ملكوت كل شيء، فالملك الحقيقي إنما هو لله وحده لا يشاركه فيه أحد وكل من يملك شيئًا فإنما هو بتمليك الله له الله ـ عزّ وجل ـ هو الذي ملكه هذا الشيء. 5ـ الابتعاد عن التسمية بملك الملوك ـ كما ورد في المسألة في الأعلى ـ. 6ـ من آثار هذا الاسم التعبّد لله بمقتضاه وأنّ يؤمن بأن الله هو الملك يرجوه ويخافه فيجتمع له الخوف والرجاء لأن الله ـ عزّ وجل ـ هو الملك الذي بيده مقاليد كل شيء إن شاء أعطاك الجنة وإن شاء منعك منها فلذلك يكون قلبك معلقًا به ـ جلّ وعلا ـ خوفًا رجاء فلا تحب إلا لله ولا تبغض إلاّ لله ولا توالي إلا لله ولا تعادي إلا لله لأن الملك الحق لله وحده لا مَلِك على الحقيقة سواه. 7ـ الله ـ جلّ وعلا ـ هو الذي له الملك المطلق الكامل التام وهذا من رحمة الله للخلق أنه سبحانه هو الملك الوحيد يوم القيامة لأنه هو الذي يحسب بالعدل لا يظلم ولا يجوز ـ جلّ وعلا ـ كما قال سبحانه: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا |
القدوس: المعني اللغوي: له معنيان في اللغة: الأول أن القدوس فعول من القدس أي الطهارة قال تعالي( نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}. قال الزجّاج: معنى نقدس لك أي: نطهر أنفسنا لك. ولهذا قيل بيت المقدِس أي: البيت المطهر أو المكان الذي يُتطهر به من الذنوب. وقال ابن القيم هذا لس بشيء والصواب أن المعنى نقدسك وننزهك عما لا يليق بك. هذا قول جمهور أهل التفسير. قال: وقال بعضهم: نعظمك ونمجدك. قال أبو صالح. وقال مجاهد: نعظمك ونكبرك. وقال بعضهم: ننزهك عن السوء فلا ننسبه إليك. الثاني: أن القدس بركة، والأرض المقدسة أي المباركة، وهو قول قتادة وذهب إليه ابن الأعرابي، ويقويه أنَّ الله تعالى قد بيّن أن الأرض المقدسة مباركة وذلك في قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} وقوله سبحانه: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} وهي الأرض المقدسة.معنى الاسم في حق الله تعالى قال قتادة: القدوس أي: المبارك. وعن ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} : ((ونحن نسبح بحمدك: ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك ونصلي لك، ونقدس لك ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس، ومما أضاف إليك أهل الكفر بك). وقال البيهقي: (القدوس) هو الطاهر من العيوب المنزه عن الأولاد والأنداد، وهذه صفة يستحقها بذاته. وقال الغزالي: هو المنزه عن كل وصف يدركه حس، أو يتصوره خيال، أو يسبق إليه وهم، أو يختلج به ضمير، أو يقضي به تفكير. وقال ابن كثير في معنى القدوس: أي المنزه عن النقائص الموصوف بصفات الكمال. وقال الألوسي: (القدوس) البليغ في النزاهة عمّا يوجب نقصًا، أو الذي له الكمال في كل وصف اختص به، أو الذي لا يحد ولا يتصور |
[ورود الاسم في القرآن الكريم ورد هذا الاسم في القرآن الكريم مرتين .. مرة في سورة الحشر وهو قوله سبحانه: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} (23) سورة الحشر ومرة في مطلع سورة الجمعة وهو قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (1) سورة الجمعة آثار الإيمان بهذا الاسم .. #تقديس الله سبحانه وتعالى وتنزيهه عن النقائص وأنه موصوف بكل كمال، وصفات الكمال هي ما وصف به نفسه سبحانه في كتابه أو ما وصف به رسوله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ. 2ـ وكما أنه منزه عن النقائص في صفاته وأسمائه الحسنى، فهو أيضًا منزه عن النقص في اقواله وأفعاله. فقوله الصدق وخبره الحق، قال سبحانه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}وفعله منزه عن الخطأ والنسيان وغيرها من الآفات، قال سبحانه:{[وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}وقال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ*فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[]أي تعالى وتقدس وتنزه عن أن يخلق شيئًا عبثًا أو سفهًا. 3ـ تحريك محبة الله عز وجل في القلوب. 4ـ كان النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يكثر من ذكر هذا الاسم في ركوعه وسجوده. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ كان يقول في ركوعه وسجوده : ((سبّوح قدوس رب الملائكة والروح))أخرجه مسلم. وكان يسبح الله به بعد فراغه من الوتر كما جاء في حديث أبي بن كعب قال: ((كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات)) إسناده صحيح. أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن أبي شيبة. أن اسم الله القدوس من معانية المبارك نتحرى البركة لننال أوفر قسط منها. ـ بعض الناس يظن أن البركة هي الكثرة فقط .. إذا كان الأمر كذلك فقارون هو أكثر الناس بركة !! ولكن البركة هي المنفعة الحاصلة من الشيء فكلما زادت المنفعة وطالت مدتها كانت أبرك فقد يبارك الله في الشيء القليل ويجعل فيه الخير الكثير. والبركة تكون في الأعمال والأرزاق والأبناء والأهل وتكون في الصحة تجد الشخص مرقع الثياب وهو في طمأنينة وراحة نفسية وانشراح مما وضع الله له من البركة. وقد تجد شخص غني دائم العبوس مقبوض اليد مما محق الله له من البركة. وقد تجد الرجل عنده المائة والمائتين يتصدق منها ويصرف على أهله مما وضع الله له من البركة. ومن الناس عنده ألوف مؤلفة يأتي آخر الشهر مثقل بالديون. وتجد الشخص عنده الأولاد يحسده الآخرون عليهم وهو يتمنى أن يكون مقطوع الذرية مما يدخل عليه من شقائهم وعقوقهم. وترى الآخر عنده الولد الواحد البار قد جعله الله قرة عيننه وبهجة نفسه مما وضع الله له فيه من البركة. تنبيه:البركة لا تجوز لشخص أن يعتقدها في حجر ولا شجر ولا إنس ولا جن بل لا تكون إلا من الله سبحانه وتعالى فهو يبارك من يشاء |
تابع آثار الإيمان بهذا الاسم الكريم:1
- القدسية التامة لله من جميع الوجوه : فهو القدوس في أسماء وصفاته وأفعاله ، فأسماؤه كلها حُسنى لا شرّ فيها وصفاته كلها عليا لا نقص فيها وأفعاله كلها حكمة وعزة لا خلل فيها . فإن الله تبارك وتعالى هو القدوس من كل النقائص والعيوب منزه عن كل الآفات فمن ذلك على سبيل المثال : أولاً : تقدَّس أن يكون له شريك : قال تعالى : { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } [ البقرة : 255 ] ، وقال تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }. ثانيًا : تقدَّس أن يكون له زوجة أو ولد : أخبر تعالى عن الجن أنهم قالوا : { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَخَّذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا } [ الجن : 3 ] . وقال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } . ثالثًا : تقدَّس عن الموت ، والنوم : قال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ } . وقال تعالى : { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ))(. * * * رابعًا : تقدَّس عن الظلم : قال تعالى في الحديث القدسي : (( يا عبادي ، إني حرمتُ الظلم على نفسي وجعلتُه بينكم محرمًا فلا تظالموا ))( ) . وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } . وذلك مع قدرته على خلقه فهو خالقهم ومالكهم ، ولذلك فقد ورد اسم (( القدوس )) مرتين في القرآن اقترن فيهما باسمه الملك جل جلاله . خامسًا : تقدَّس عن الكذب : فقوله الصدق وخبره الحق ، قال سبحانه : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } [ النساء : 87 ] ، وقال تعالى : { وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } [ النساء : 122 ] . سادسًا : تقدَّس عن الضلال والنسيان : أخبر تعالى عن نبيه موسى أنه قال : { لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى } [ طه : 52 ]. سابعًا : تقدَّس عن الفقر والبخل - جل جلاله وتقدست أسماؤه : قال تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } . وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سَحَّاء الليل والنهار ، وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق الله السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده ))( ) . ثامنًا : تقدَّس عن الفناء : قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26، 27 ] . تاسعًا : تقدَّس عن الشبيه والمثيل : قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] ، فلم يُقدِّس اللهَ من شبهه بخلقه أو نفي عنه أسماءه وصفاته فكلاهما على ضلال مبين. ولو استقصينا أوجه التقديس لله عز وجل ما استطعنا أبدًا ولا أحصيناها؛ لأنها لا نهاية لها وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا أُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك )) ( ). 2- ليس كمثله شيء في قدسيته : فسبحان الله الملك القدوس عن كل نقص وعيب ، ومن قدسيته أنه ليس كمثله شيءٌ فيها ، وذلك لأسباب كثيرة منها . أولاً : قدسية الله تامة وكاملة ، وقدسية الخلق ناقصة : فإن قدسية الخلق وطهارتهم إنما تكون في حالٍ دون حال ، وفي جهة دون أخرى ، وعلى كل حال ومهما بلغت درجة كمال المخلوق ، فهي قدسية تناسب المخلوق الضعيف الناقص . فقد يتطهر العبد وقت العبادة في الصلاة أو غيرها ولكنه لا يملك هذا في جماعه لزوجته أو حال قضائه لحاجته . وقد يطهر نفسه بالطاعة والعبادة ولكنه يتدنس مرة أخرى بالمعصية والذنوب ، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( كل ابن آدم خطائين وخير الخطائين التوابون ( وقد يقدس العبد نفسه بألا يذلها للناس ويتعفف عما في أيديهم ، ولكنه سيظل دائمًا أبدًا محتاجًا إلى الله فقيرًا لغناه ذليلاً لعزته . أما الله جل جلاله فهو القدوس من جميع الوجوه منزه عن كل نقص من جميع الجهات مُبرأ من كل عيبٍ . ثانيًا : قدسية الله دائمة ، وقدسية الخلق مؤقتة : فقدسية الخلق لها بداية ولها نهاية فوجودهم سبقه العدم ، ويلحقه الفناء قال تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } [ الإنسان : 1 ] ، وقال تعالى لنبيه زكرياء : { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } [ مريم : 9 ] . فقد سَبق قدسيةَ الخلق عدمُهم ، وقد كان قبل كمالهم نقصُهم ويلحق بكل ذلك فناؤهم فقدسية الخلق محدودة بالوقت والحال . فعن ميسر بن جحاش القرشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بزق يومًا في كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال : (( قال الله تعالى : يا ابن آدم ، أنَّى تُعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعَدَلْتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التَّراقي قلت : أتصدق وأنَّى أوان الصدقة ))( ) . ويُروَى أن أحد الملوك كان ماشيًا في موكبه فرأى رجلاً جالسًا تحت شجرة ، فلما مرَّ عليه لم يقم الرجل ولم يعظمه ، فقال له أو لا تعرفني ؟ قال : بل أعرفك : (( أوَّلُك نطفة قذرة ، وآخرك جيفة مزرة ، وأنت بين ذلك تحمل في بطنك العذرة( ) )) . أمَّا قدسية الله جل جلاله فهي قدسية دائمة فلم يسبق وجودها عدم ، ولا دنس ولا يلحقها نقص ولا خلل وليس لها نهاية ولا فناء . 2- التقديس الحق لله تبارك وتعالى يكون بشرعه : كما قال تعالى عن الملائكة في قولهم : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } [ البقرة : 30 ] ، فالتقديس لله وتقديس الله بمعنى واحد ، وأفضل ما يمكن تقديس الله به هو عبادته بما جاء في شرعه من كتابه وسنة رسوله بالعقائد ويُروَى أن أحد الملوك كان ماشيًا في موكبه فرأى رجلاً جالسًا تحت شجرة ، فلما مرَّ عليه لم يقم الرجل ولم يعظمه ، فقال له أو لا تعرفني ؟ قال : بل أعرفك : (( أوَّلُك نطفة قذرة ، وآخرك جيفة مزرة ، وأنت بين ذلك تحمل في بطنك العذرة( ) )) . أمَّا قدسية الله جل جلاله فهي قدسية دائمة فلم يسبق وجودها عدم ، ولا دنس ولا يلحقها نقص ولا خلل وليس لها نهاية ولا فناء . الصحيحة والأقوال الطيبة والأعمال الصالحة ، وهذا ما ارتضاه الله لنفسه من خلقه ، ومن ذلك : 1- تقديس الله بالتوحيد والإيمان الصحيح : فأعظم ما يُقَدِّس العبادُ به ربهم هو الإيمان والتوحيد ونفي الشركاء عنه والأنداد وتنزيهه عن كل نقص وعيبٍ نسبه إليه الكافرون والمشركون ، لذلك حين سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنوب قال : (( أن تجعل للَّه ندًا وهو خلقك ))( ) ، ولأن الشرك هو أعظم السبِّ لله جل جلاله وتقدست أسماؤه فقد قال تعالى في الحديث القدسي : (( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي ، فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أولُ الخلق بأهون عليَّ من إعادته وأما شتمه إياي ، فقوله : اتخذ الله ولدًا ، وأنا الأحدُ الصمد ، لم ألد ولم أولد ، ولم يكن لي كفوًا أحد ))( ). ومن أجل ذلك كان أعظم الأعمال وأفضلها هو الإيمان بالله . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل أيُّ العمل أفضل ؟ فقال : (( إيمانٌ بالله ورسوله ... (. 2- تقديس الله بالقلوب : فإن اللَّه ينظر إلى القلوب فلا بد من تطهيرها لتليق بنظر اللَّه إليها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن اللَّه لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ))( ) . وفي رواية لمسلم أيضًا زاد فيها : (( ... وأعمالكم )) . فمن ذلك حسنُ الظن بالله تعالى وحبُّه وخشيتُه والتوكل عليه وحب النبي صلى الله عليه وسلم وحب المؤمنين في الله تبارك وتعالى وتطهير القلوب من النفاق والرياء والشهوات المحرمة ليسلم القلب لتقديس الله عز وجل ، فقد قال الله تعالى : { يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } . 3- تقديس الله بالأعمال : كالطهارة : وهي تقديس البدن ليليق بعبادة الله وتلاوة كلامه المقدَّس والوقوف بين يديه في الصلاة . والصلاة : فإن العبد يقدس الله فيها بالتسبيح والتكبير والتعظيم ، وكذلك بالركوع والسجود . ولذلك فإن الصلاة تطهر العبد من |
دنس المعاصي والذنوب من جهتين : الأولى : أنها سبب لطهارته من ذنوبه السابقة . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء )) . قالوا : لا يبقى من درنه . قال : (( فذلك مثل الصلوات" الثانية : النهي عن الخبائث فيما يعرض له . قال تعالى : { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } [ العنكبوت : 45 ] . والزكاة : بأن يطيب ما ينفق في سبيل الله ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا ))( ) . وهي كذلك تطهير للنفس من الخبائث ، قال تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [ التوبة : 103 ] . وقد كانت عائشة رضي الله عنها تطيب الصدقة وتعطرها قبل أن تعطيها السائل وتقول : (( إنها لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل )) . دعاء الله باسمه القدوس : 1- فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم الاسم في ركوعه وسجوده ، وهو دعاء ثناء وحمد . فعن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده : (( سُبُّوح قدوسٌ رب الملائكة والروح ))( ) . 2- ذكر الله وتسبيحه به بعد الوتر : فقد كان النبيُّ يسبح اللهَ به بعد فراغه من صلاة الوتر كما جاء في حديث أُبي بن كعب قال : (( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى ، وقل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد ، فإذا سلم قال : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات )) |
السلام جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : #السلام والسلامة : البراءة، وتسلم منه : تبرأ. #قال ابن العربي : السلامة العافية. وقوله تعالى : وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (الفرقان: من الآية63) معناه تسلماً وبراءة، #السلام في الأصل : السلامة، يقال: سلم يسلم سلاماً وسلامة. #منه قيل للجنة : دار السلام لأنها دار السلام من الآفات. وقوله تعالي : وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (طـه: من الآية47) معناه أن من اتبع هدى الله سلم من عذابه وسخطه. #وقال الرازي : وأيضاً الصواب من القول سمي سلاماً،. قال تعالى : وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً وذلك لسلامته من العيب والإثم #وإذا قال المسلم للمسلم : السلام عليكم، فكأنه يخبره بالسلامة من جانبه ويؤمنه ن شره وغائلته، وأنه سلم له لا حرب عليه. وروده في القرآن الكريم : ورد مرة واحدة في قوله تعالى : هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ (الحشر: من الآية23). معنى الاسم في حق الله تعالى : قال ابن كثير : السلام أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله وقال الألوسي في تفسيره : السلام ذو السلامة من كل نقص وآفة وقال البيهقي : السلام هو الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة، وهذه صفة يستحقها بذاته. وقيل : هو الذي سلم المؤمنون من عقوبته وقال القرطبي : (السلام) أي : ذو السلامة من النقائص. ونقل عن ابن العربي قوله : اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن معنى قولنا في الله (السلام) النسبة، تقديره ذو السلامة. ثم اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال : الأول : معناه الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص. الثاني : معناه ذو السلام، أي المسلم على عباده في الجنة، كما قال تعالى : سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (يّـس:58) . الثالث : أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه. قلت ـ أي القرطبي ـ : وهذا قول الخطابي وعليه والذي قبله يكون صفة فعل، وعلى أنه البرئ من العيوب والنقائص يكون صفة ذات وقيل السلام معناه المسلم لعباده |
آثار الإيمان بهذا الاسم :
1-الله سبحانه وتعالى هو (السلام أي : السالم من كل نقص وآفة وعيب، فمعناه قريب من القدوس. وقيل إن القدوس : إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر، والسلام : إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل، فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب تزول سلامته ولا يبقى سليماً 2-الله سبحانه هو المسلم على عباده وأوليائه في الجنة. قال تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ (إبراهيم: من الآية23) . وقال تعالي : تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (الأحزاب:44) ، وقال تعالى : سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (يّـس:58) . 3-والله تعالى هو المسلم على أنبيائه ورسله، لإيمانهم وإحسانهم وطاعتهم له وتتحملهم في سبيله أعظم الشدائد، فيؤمنهم في الآخرة فلا يخافون ولا يفزعون. قال تعالي : وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (الصافات:181) . قال سبحانه : قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (النمل: من الآية59) قال الخطابي : أخبرني أحمد بن إبراهيم بن مالك حدثنا موسى بن إسحاق الأنصاري عن صدفة بن الفضل قال سمعت سفيان بن عيينة يقول : أوحش ما تكون الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد فيرى نفسه مما كان، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. قال : فأكرم الله فيها يحيى فخصه بالسلام فقال : وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (مريم:15) كأنه " وجه الدلالة: أشار إلى أن الله جل وعلا سلم يحيى من شر هذه المواطن الثلاثة وأمنه من خوفها أخرجه الخطابي في شأن الدعاءص42 وسنده صحيح #"وكذا عباده المؤمنين فإن الملائكة تسلم عليهم عند قبض أرواحهم وتطمئنهم وتؤمنهم. قال تعالى : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل:32) فالملائكة تبشرهم بالفوز بالجنة والنجاة من عقاب الله والنار. 4-الأمر بإفشاء هذا الاسم وأنه سبب في دخول الجنة : وقد ورد الأمر من النبي بإفشاء السلام بين المسلمين: كما جاء في حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله : (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)" مسلم 54" قال النووي : "وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف. وقال : والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض وإظهار شعارهم المميز لهم عن غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة للنفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين( شرح مسلم للنووي 2*36) #وإفشاء السلام من شعائر الإسلام العظيمة التي يتهاون فيها كثير من المسلمين وهي من أوائل ما دعا إليه النبي عندما وصل إلى المدينة: فعن عبد الله بن سلام قال: أول ما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأملت وجهه واستثبته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب. قال : وكان أول ما سمعت من كلامه أن قال : (أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) "صحيحه ابن ماجة1334" 5-لا يقال السلام على الله : جاء ذلك في حديث عبد الله بن مسعود قال : كنا نصلي خلف النبي فنقول : السلام على الله. فقال النبي : (إن الله هو السلام ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) متفق عليه وجاء في حديث أنس قال : قال جبريل للنبي : إن الله يقرئ خديجة السلام. يعني فأخبرها. قالت : إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته) "أخرجه النسائي في فضائل الصحابة" قال العلماء : في هذه القصة دليل على وفور فقهها لأنها لم تقل (وعليه السلام) كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد (السلام على الله) فنهاهم النبي فعرفت خديجة رضي الله عنها لصحة فهمها أن الله لا يرد عليه السلام كما يرد على المخلوقين لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى. |
المؤمن
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : وله معنيان في اللغة : الأول : التصديق. قال الزجاج : أصل الإيمان التصديق والثقة. وقال الله تعالي : وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِن لَنَا"يوسف: من الآية17" أي : لفرط محبتك ليوسف لا تصدقنا الثاني : الأمان الذي هو ضد الإخافة: قال تعالى : وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (قريش: من الآية4) . وروده في القرآن الكريم : ورد في آية واحدة هي قوله تعالى : السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ "الحشر:23". معنى الاسم في حق الله تعالى : قال الضحاك عن ابن عباس : (المؤمن) أي : أمِنَ خلقه من أن يظلمهم. وقال الألوسي : (المؤمن) قيل : المصدق لنفسه ولرسله عليهم السلام فيما بلغوه عنه سبحانه إما بالقول أو بخلق المعجزة، أو واهب عباده الأمن من الفزع الأكبر أو مؤمنهم منه إما بخلق الطمأنينة في قلوبهم أو بإخبارهم أن لا خوف عليهم. وقيل : مؤمن الخلق من ظلمه. وقال : ثعلب : المصدق للمؤمنين في أنهم آمنوا. وقال السعدي : (المؤمن) الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال والجمال، الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات والبراهين، وصدق رسله بكل آية وبرهان ويدل على صدقهم وصحة ما جاءوا به. آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-إن الله سبحانه وتعالى هو المؤمن الموحد لنفسه، وقد أخبر عن وحدانية نفسه في قوله تعالى : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ (آل عمران: من الآية18) . #وأخبر تعالى أنه سيري خلقه علامات وحدانيته ودلائل إلهيته وعظمته، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصلت:53) . 2-إنه سبحانه صدق أنبياءه بإظهار الآيات الباهرة على أيديهم التي تبين للناس أنهم صادقون في ادعائهم أنهم رسل الله ولتحملهم على الدخول في دين الله، قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران: 49) . وقال : وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (آل عمران: 50) 3-إنه تعالى يصدق عباده ما وعدهم به من النصر في الدنيا والتمكين الأرض ومن الثواب في الآخرة، ويصدق الكفار ما أوعدهم من العقاب والخذلان في الدنيا والآخرة، قال تعالى : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور:55) . 4-إنه يأمن عذابه من لا يستحقه، ويهب الأمن لعباده المؤمنين يوم القيامة، قال تعالى : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام:82) . وقال تعالى : لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ (الأنبياء: من الآية103) . وقال تعالى : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (النمل:89) . (5) وأما المؤمن فقد وجب عليه أن يأمن المؤمنون شره وغوائله. فقد قال : (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ، قيل : من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه)( أي شروره)" البخاري 6016" |
المهيمن جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : #قال بعضهم معناه الأمين، وهو من آمن غيره من الخوف، وأصله أأمن فهم مؤأمن بهمزتين قلت الهمزة الثانية ياء كراهة اجتماعهما فصار مؤيمن، ثم صيرت الأولى هاء كما قالوا هراق وأراق. وقيل : إن (المهيمن) الرقيب الحافظ. وقيل : إنه الشاهد وروده في القرآن العظيم:ورد الاسم مرة واحدة في قوله تعالى : الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ (الحشر: من الآية23). وذكر الله معناه في قوله تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ (المائدة: من الآية48) معنى الاسم في حق الله تعالى : قال ابن جرير : وقوله المهيمن اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: # المهيمن) الشهيد، قاله مجاهد وقتادة وغيرهم. # وقال ابن كثير : قال ابن عباس وغير واحد أي : الشاهد على خلقه بأعمالهم، بمعنى هو رقيب عليهم كقوله : وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (المجادلة: من الآية6) ، وقوله : ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (يونس: من الآية46) ، وقوله : أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ (الرعد: من الآية33) # وقال الحليمى : (المهيمن) . *لا ينقص للمطيعين يوم الحساب من طاعاتهم شيئاً فلا يثيبهم عليه، لأن الثواب لا يعجزه،. * ولا هو مستكره عليه فيحتاج إلى كتمان بعض الأعمال أو جحدها. *وليس ببخيل فيحمله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها، * ولا يلحقه نقص بما يثيب فيحبس بعضه، لأنه ليس منتفعاً بملكه حتى إذ نفع غيره به زال انتفاعه بنفسه. وقال السعدي : (المهيمن) المطلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علماً. آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-إن الله سبحانه وتعالى هو الشاهد على خلقه بما يصدر منهم من قول أو فعل، لا يغيب عنه من أفعالهم شيء، وله الكمال في هذا فلا يضل ولا ينسى ولا يغفل : وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (البقرة: من الآية74) 2-جعل الله تعالى كلامه المنزل على خاتم أنبيائه ورسله مهيمناً على ما قبله من الكتب، فقال سبحانه : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ (المائدة: من الآية48) . قال ابن الحصار : ومعنى قوله تعالى : وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ أي : عالٍ، وعلوه على سائر كتب الله، وإن كان الكل كلام الله تعالى بأمور: أحدها : بما رد عليها من السور، فقد جاء في حديث الصحيح أن نبينا خص بسورة الحمد وخواتيم سورة البقرة. والأمر الثاني : أن جعله الله قرآناً عربياً مبيناً، وكل نبي قد بين لقومه بلسانهم ـ كما أخبر الله تعالى ـ ولكن للسان العرب مزية في البيان. والثالث : أن جعل نظمه وأسلوبه معجزاً، وإن كان الإعجاز في سائر الكتب المنزلة من عند الله سبحانه، من حيث الإخبار عن المغيبات، والإعلام بالأحكام المحكمات، وسنن الله المشروعات، وغير ذلك، وليس فيها نظم وأسلوب خارج عن المعهود. فكان أعلى منها بهذه المعاني ، لهذا المعنى الإشارة بقوله الحق : وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف:4) _________________________________________ |
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ارجوا من الاخت الفاضله (بدايه مشرقه) التثيبت للاهميه الموضوع وجزاكى الله خير يتبع إن شاء الله |
العزيز
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : العز في الأصل القوة والشدة والغلبة، والعز والعزة : الرفعة والامتناع. قال تعالي: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ (المنافقون: من الآية8) أي : وله العزة والغلبة. ورجل عزيز : منيع لا يغلب ولا يقهر. ويقال : عزني فلان على الأمر : إذا غلبني عليه كقوله تعالى : وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (صّ: من الآية23) ، وقوله تعالى : فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ (يّـس: من الآية14) أي شددنا وقوينا. وعز الشيء يعز فهو عزيز قل حتى ما كاد يوجد يعني أصبح نادراً وروده في القرآن العظيم : ذكر (العزيز) في القرآن اثنتين وتسعين مرة منها : قوله تعالى : وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة: من الآية260). وقوله تعالى : وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (آل عمران: من الآية4). وقوله تعالى : وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الشعراء) وقد تكررت مراراً. وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (فاطر: من الآية28) . معنى الاسم في حق الله تعالى : قال قتادة : العزيز أي : في نقمته إذا انتقم. وقال ابن كثير : (العزيز) أي : الذي قد عز كل شيء فقهره وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه. وقال القرطبي : العزيز معناه المنيع الذي لا ينال ولا يغالب. وقيل : (العزيز) الذي لا مثل بيانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (الشورى: من الآية11 وقال الحليمي : (العزيز) ومعناه الذي لا يوصل إليه، ولا يمكن إدخال مكروه عليه. فإن (العزيز) في "لسان العرب" هو من : العزة والصلابة. وقال السعدي : (العزيز) الذي له العزة كلها : عزة القوة، وعزة الغلبة، وعزة الامتناع، فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات وقهر جميع الموجودات، دانت له الخليقة وخضعت لعظمته. وعلى هذا فيكون معنى الاسم على أربعة أوجه : -(العزيز) : هو المنيع الذي لا يرام جنبه. -(العزيز) : هو القاهر الذي لا يغلب ولا يقهر. -(العزيز) : هو القوي الشديد. -(العزيز) : بمعنى نفاسة القدر، وأنه سبحانه لا يعادله شيء، ولا مثل له ولا نظير. آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى من أسمائه العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر، يعطي المسلم شجاعة وثقة كبيرة به، لأن معناه أن ربه لا يمانع ولا يرد أمره وأنه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن وإن شاءوا. والناظر في قصص الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلوات والتسليم يرى ذلك واضحاً جلياً، فمثلاً في قصة موسى عليه السلام حاول فرعون أن يمنع خروج هذا الصبي إلى الدنيا بأن أمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل لأنه علم أنه سيخرج فيهم نبي ينتزع منه ملكه، ولكن يأبى الله العزيز إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فولد موسى عليه الصلاة والسلام، وكان أن تربى موسى عليه الصلاة والسلام، وكان أن تربى موسى في قصر فرعون وفي بيته وتحت رعايته، ولما حاول أن يقتله أهلكه الله هو وقائده هامان وجنوده أجمعين. وهكذا الأمر أيضاً بالنسبة ليوسف عليه السلام فقد أراد إخوته قتله في أول الأمر ولم يكن لهم سبيل إلى قتله لأن الله تعالى كان يريد منه أمراً لابد من إمضائه وإتمامه من الإيحاء إليه بالنبوة ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها فصرفهم الله عنه بمقالة "روبيل" فيه وإشارته عليه بأن يلقوه في غيابة الجب ـ وهو أسفله( ولما حاول اليهود قتل عيسى عليه السلام رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً. وهكذا الأمر بالنسبة لنبينا محمد فقد مكر به كفار قريش ليقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه من بلدته، وحاولوا أن يصدوا الناس عن الإيمان به وبدعوته، وحاربوه، وألبوا عليه القبائل، وحرضوا عليه اليهود والمنافقين في المدينة، ولكن ذلك كله لم يمنع الإسلام من الانتشار في أرض الجزيرة العربية، والسيطرة عليها، وظهور الغلبة والتمكين في الأرض للإسلام والمسلمين ولله الأمر من قبل ومن وبعد. 2-إن العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله. قال تعالى : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران:26) . فمن طلب العز فليطلبه من رب العزة كما قال تعالى : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً (فاطر: من الآية10) ، أي : من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فإنه يحصل له مقصوده لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعاً. وبذلك تعلم ضلال من بحث عن العزة عند غير الله تعالى، وبغير طاعته والتزام نهج المؤمنين، فعادى رب العزة وشريعته، وحارب حزبه المؤمنين ووالى أعداء الله من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم ظناً منه أن هذا هو سبيل العزة وطريقها، قال تعالى منكراً عليهم : الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (النساء:139) ومع عظم الطاعة تزداد العزة، فأعز الناس هم الأنبياء ثم الذين يلونهم من المؤمنين المتبعين لهم. -من أسباب العزة العفو والتواضع : عن أبي هريرة عن رسول الله قال : (ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) فمن عفا عن شيء مع قدرته على الانتقام، عظم في القلوب في الدنيا، أو في الآخرة بأن يعظم ثوابه فيهما، ومن تواضع رجاء التقرب إلى الله دون غرض غيره، رفعه الله عند الناس وأجل مكانه. 5-سمى الله تبارك وتعالى كتابه (العزيز) في قوله سبحانه : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت:41-42) . فكلامه تعالى عزيز محكم لا يتطرق إليه الباطل. |
الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : جبر الرجل على الأمر يجبره جبراً وجبوراً وأجبره : أكرهه عليه. والجبر خلاف الكسر جبر العظيم يجبره جبراً والجبر أن تُغني الرجل من الفقر، أو يجبر عظمه من الكسر، وتجبر النبت والشجر : اخضر وأورق. و(الجبار) : العظيم القوي الطويل. قال الله تعالى : إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ (المائدة: من الآية22). قال اللحياني : أراد الطول والقوة والعظم. قال الأزهري : كأنه ذهب به إلى الجبار من النخيل، وهو الطويل الذي فات يد المتناول. ونخلة جبارة أي : عظيمة سمينة. وتجبر الرجل إذا تكبر، قال تعالى : وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (مريم: من الآية32) أي : متكبراً على عبادة الله تعالي: وروده في القرآن الكريم : ورد هذا الاسم في القرآن مرة واحدة في قوله تعالى : الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ (الحشر: من الآية23). معنى الاسم في حق الله تعالى : قال الطبري : (الجبار) : يعني المصلح أمور خلقه المصرفهم فيما فيه صلاحهم وقال قتادة : جبر خلقه على ما يشاء من أمره. وقال الخطابي : (الجبار) هو الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه، يقال : جبره السلطان وأجبره بالألف. ويقال : هو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق. ويقال : بل الجبار العالي فوق خلقه من قولهم : تجبر النبات إذا علا واكتهل، ويقال للنخلة التي لا تنالها اليد طولاً .. الجبارة. وقال السعدي : (الجبار) : هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به ولجأ إليها. فيكون معنى الجبار على وجوه : 1-(الجبار) : هو العالي على خلقه، وفعال من أبنية المبالغة. 2-(الجبار) : هو المصلح للأمور من جبر الكسر إذا أصلحه وجبر الفقير إذا أغناه. 3-(الجبار) : هو القاهر خلقه على ما أراد من أمر أو نهي. كما قال تعالى لنبيه وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ (قّ: من الآية45) أي : لست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى ولم تكلف بذلك. وعلى المعنى الأول يكون من صفات الذات وعلى المعنى الثاني والثالث يكون من صفات الفعل. |
آثار الإيمان بهذا الاسم :
1-‘ن الله تعالى هو الجبار الذي له العلو على خلقه، علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر والجبر لا يدنو منه الخلق إلا بأمره، ولا يشفعون أو يتكلمون إلا من بعد إذنه، لن يبلغوا ضره فيضروه، ولن يبلغوا نفعه فينفعوه. 2-جبر الله تعالى خلقه على ما أراد أن يكونوا عليها من خلق، لا يمتنع عليه شيء منهم أبداً إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (يّـس:82) . وقال تعالى : أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (آل عمران:83) . وقال تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف:54) . ، وقال تعالى : ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (فصلت:12) أي : استجيبا لأمري، وانفعلا لفعلي، طائعتين أو مكرهتين. 3-والله سبحنه وتعالى جبر خلقه أيضاً على ما شاء من أمر أو نهي، بمعنى أنه شرع لهم من الدين ما ارتضاه هو، كما قال : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) (المائدة:1) . فشرع لهم من الشرائع ما شاء، وأمرهم باتباعها ونهاهم عن العدول عنها، فمن أطاع فله الجنة ومن عصى فله النار. ولم يجبر أحداً من خلقه على إيمان أو كفر، بل لهم المشيئة في ذلك. كما قال سبحانه : وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف: من الآية29) . وقال تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (الشمس:7-10) ، وهم مع ذلك لا يخرجون عن مشيئته. ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً، ولم يجعل لهم اختياراً كما قال سبحانه : أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً (الرعد: من الآية31) وقال : وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا (السجدة: من الآية13) -الجبروت لله وحده وقد مدح الله بهذا الاسم نفسه وأما في حق الخلق فهو مذموم فما الفرق ؟ أنه سبحانه :قهر الجبابرة بجبروته وعلاهم بعظمته لا يجرى عليه حكم حاكم فيجب عليه انقياده، ولا يتوجه عليه أمر آمر فيلزمه امتثاله، أمر غير مأمور، قاهر غير مقهور لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء:23) . وأما الخلق فهم موصوفون: بصفات النقص مقهورون مجبورون تؤذيهم البقة وتأكلهم الدودة، وتشوشهم الذبابة، أسير جوعه وصريع شبعه ومن تكون هذه صفته كيف يليق به التكبر والتجبر؟ وقد أنكرت الرسل على أقوامها صفة التجبر والتكبر في الأرض بغير الحق كما قال تعالى عن هود عليه السلام أنه قال لقومه : وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (الشعراء:130) ، إلى أن قال : إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (الشعراء:135) ، ولكنهم عاندوا واتبعوا أمر جبابرتهم فهلكوا أجمعين. قال تعالى : وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (هود:59) ، وقد كان التجبر سبباً للطبع على قلوبهم فلم تعرف معروفاً ولم تنكر منكراً : كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (غافر: من الآية35) . وقد توعد الله سبحانه الجبابرة بالعذاب والنكال، توعدهم بجهنم وبئس المهاد، قال تعالى : وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (إبراهيم:15-17) . وقال النبي : (يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول : إني وكلت بثلاثة : بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله آخر، وبالمصورين -الأرض كلها خبزة بيد الجبار سبحانه وتعالى يوم القيامة : عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة ...) -وكان النبي يدعو بين السجدتين فيقول : (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني. فكان يدعو بما دل عليه اسم (الجبار) جل وعلا. وكان يعظم ربه أيضاً بهذا الاسم في الصلاة في الركوع والسجود كما جاء في حديث عوف بن مالك الأشجعي أنه كان يقول في ركوعه : (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) وفي سجوده مثل ذلك. __________________ |
المتكبر ــ الكبير جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : يقال كبر بالضم .. يكبر أي : عظم فهم كبير. قال ابن سيده : الكبر : نقيض الصغر، وكبر الأمر : جعله كبيراً، واستكبره رآه كبيراً كقوله تعالى : فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ (يوسف: من الآية31) أي : أعظمنه. والتكبير: التعظيم، والكبر : الرقعة في الشرف، والكبرياء : الملك، كقوله تعالى : وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ (يونس: من الآية78) والكبرياء أيضاً : العظمة والتجبر. ورود الاسمين في القرآن الكريم : سمى الله سبحانه وتعالى نفسه بـ (المتكبر) في آية واحدة من القرآن الكريم في قوله الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ (الحشر: من الآية23). وأما اسمه (الكبير) فقد ورد في ستة مواضع من القرآن الكريم: منها قوله تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (الرعد:9) . وقوله : وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (الحج: من الآية62) . وقد جاء مقترناً باسمه (العلي) و (المتعال). معنى الاسمين في حق الله تعالى : قال قتادة :(المتكبر) أي : تكبر عن كل شيء . قال الخطابي : هو المتعالي عن صفات الخلق، ويقال : هو الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة . وقال القرطبي (المتكبر) : الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله. وقيل : (المتكبر): عن كل سوء، المتعظم عنا لا يليق به من صفات الحدث والذم. وأصل الكبر والكبرياء الامتناع: ما قاله العلماء في معنى اسمه (الكبير): # مشابه لما ذكرنا من معنى (المتكبر). #قال : ابن جرير : (الكبير) يعني العظيم الذي كل شيء دونه ولا شيء أعظم من #وقال الخطابي : (الكبير) هو الموصوف بالجلال وكبر الشأن فصغر دون جلاله كل كبير، ويقال : هو الذي كبر عن شبه المخلوقين: وعلى هذا يكون معنى (المتكبر) و (الكبير) : 1-الذي تكبر عن كل سوء وشر وظلم. 2-الذي تكبر وتعالى عن صفات الخلق فلا شيء مثله. 3-الذي كبر وعظم فكل شيء دون جلاله صغير وحقير. 4-الذي له الكبرياء في السموات والأرض، أي : السلطان والعظمة. آثار الإيمان بهذين الاسمين : -(1)إن الله أكبر من كل شيء، وأكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته وأكبر من أن يحيط به علماً. قال تعالى : وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (طـه: من الآية110)، فالله جلت عظمته أكبر من أن تعرف كيفية ذاته أو صفاته ولذلك نهينا عن التفكير في الله لأننا لن ندرك ذلك يعقولنا الصغيرة القاصرة المحدودة، فقد قال : (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله عز وجل) وقد وقع الفلاسفة في ذلك وحاولوا أن يدركوا كيفية وماهية ربهم بعقولهم فتاهوا وضلوا ضلالاً بعيداً ولم يجنوا سوى الحيرة والتخبط والتناقض فيما سطروه من الأقوال والمعتقدات. فمن أراد معرفي ربه وصفاته فعليه بطريق الرسول لأنه أعلم الخلق بالله وصفاته، فعليه أُنزل الكتاب العزيز الذي لا تكاد الآية منه تخلو من صفة الله سبحانه سواء كانت ذاتية أو فعلية أو اسم من أسمائه الحسنى، وعليه أيضاً أُنزلت السنة الشارحة والمفضلة للكتاب، فطريقه هو الطريق الأسلم ومنهجه هو المنهج الأقوم، فمن اتبعه كان من الناجين، ولذلك بين في الحديث الصحيح أن الفرقة الناجية هي ما كان عليه هو وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين في المعتقد والعبادة والسلوك. (2)إن التكبر لا يليق إلا به سبحانه وتعالى، فصفة السيد التكبر والترفع وأما العبد فصفته التذلل والخضوع والخضوع. وقد توعد الله سبحانه المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة، قال تعالى : فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الأقحاف: من الآية20) . وقال : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (الزمر:60) . واستكبارهم هذا : هو رفضهم الانقياد لله ولأوامره ورفضهم عبادة ربهم كما قال تعالى : إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (الصافات:35) ، فرفضوا الإذعان لكلمة التوحيد. وقوله سبحانه : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (الجاثـية:31). يبين أنهم رفضوا الحق الذي جاءت به الرسل وردوه ولم يقبلوه. وقوله سبحانه : قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (الشعراء:111) يبين أنهم احتقروا أتباع الرسل لكونهم من ضعفة الناس وفقرائهم فلم يدخلوا في جماعتهم ولم يشاركوهم في الإيمان بما جاءت به الرسل وكان الكبر سبباً للطبع على قلوبهم لفم تعد تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً. قال تعالى : كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (غافر: من الآية35) . فالحاصل أن الكبر كان سبباً في هلاك الأمم السابقة: بل كان السبب في هلاك إبليس عليه لعنة الله وطره من رحمة الله أنه أبى أن يسجد لآدم عليه السلام واستكبر على أمر ربه سبحانه، قال تعالى : فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة: من الآية34) . (3)-والكبر يمنع أيضاً من طلب العلم والسؤال عنه، لأن المتكبر يترفع عن الجلوس بين يدي العالم للتعلم ويرى أن في ذلك مهانة له، ويؤثر البقاء على جهله، فيجمع بين الكبر والجهل، بل قد يجادل ويناقش ويخوض في المسائل بدون علم حتى لا يقال أنه لا يعلم فيصغر عند الناس، قال تعالى ذكره : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (الحج:8-9) أي : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم صحيح ولا نقل صحيح بل بمجرد الرأي والهوى وإذا دعي إلى الحق ثنى عطفه أي : لوي رقبته مستكبراً عما يدعى إليه من الحق كقوله تعالى : وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ (لقمان: من الآية18) فأخبر الله تعالى أن له في الدنيا الخزي وهو الإهانة والذل لأنه استكبر عن آيات الله فجوزى بنقيض قصده وله في الآخرة عذاب النار المحرقة. ونحوه قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر:56) وقد ذم السلف الكبر في العلم فمن أقوالهم : (4)من أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن خالط الأنذال حقر، ومن جالس العلماء وقر. وقال إبراهيم بن الأشعث : سألت الفضيل بن عياض عن التواضع فقال : أن تخضع للحق وتنقاد له ممن سمعته ولو كان أجهل الناس لزمك أن تقبله منه. وقال سعيد بن جبير : لا يزال الرجل عالماً ما تعلم فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون. ونبي الله موسى عليه السلام لم تمنعه منزلة النبوة من أن يطلب العلم ممن هو دونه فقال للخضر عليه السلام : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (الكهف: من الآية66) . ولم يزل علماء السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم. قال الحميدي وهو تلميذ الشافعي : صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه المسائل وكان يستفيد مني الحديث. وقال أحمد بن حنبل : قال لنا الشافعي أنتم أعلم بالحديث مني فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى آخذ به. |
الخالق ــ الخلاق جل جلاله وتقدست أسماؤه ا المعنى اللغوي : اعلم أن الخلق في كلام العرب على وجهين : أحدهما : الإنشاء على مثال أبدعه لم يسبق إليه أحدثه بعد إذ لم يكن. والآخر : التقدير، وخلق الأديم بخلقه خلقاً : قدره لما يريد قبل القطع وقاسه ليقطع منه مزادة أو قربة أو خفاً. فقمن الأول قوله تعالى : يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ (الزمر: من الآية6) أي يخلقكم نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً. ومن الثاني قوله تعالى : وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً (العنكبوت: من الآية17) أي : تقدرونه وتهيئونه، وهو كذب كقوله تعالى : إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ (صّ: من الآية7 وروده في القرآن الكريم : ورد اسم (الخالق) في أحد عشر موضعاً في القرآن منها : [u]قوله تعالى :[/ U]هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّر (الحشر: من الآية24). وقوله تعالى : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (المؤمنون: من الآية14). وقوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (الواقعة:58-59). وغيرها من الآيات. وجاء الاسم بصيغة المبالغة مرتين في قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (الحجر:86) ، وقوله سبحانه : بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (يّـس: من الآية81). |
المعنى في حق الله تبارك وتعالى : الخلق كما بينا يراد به الإيجاد والإبداع تارة، والتقدير تارة أخرى. فمن الآيات التي تدل على المعنى الأول قوله تعالى : (1) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (يّـس:71) . (2)قوله تعالى : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (القمر:49) . (3)قوله تعالى : وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (الفرقان: من الآية2) (4) قوله تعالى : كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (الأنبياء: من الآية104) فلا يليق بلفظ الخلق هنا إلا الإيجاد. وقوله تعالى : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (لقمان: من الآية11) مثلها أيضاً في المعنى، بل قد جاءت بعض الآيات ذكر فيها الخلق مقروناً باليد كقوله تعالى : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (صّ: من الآية75) . قال ابن جرير في تفسيرها : "قال الله لإبليس إذ لم يسجد لآدم وخالف أمره : يا إبليس ما منعك أن تسجد ، يقول : أي شيء منعك من السجود لما خلقت بيدي، يقول : لخلق يدي، يخبر تعالى ذكره بذلك أنه خلق آدم بيديه كما حدثنا ابن المثنى قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة قال أخبرني عبيد المكتب قال سمعت مجاهداً يحدث عن ابن عمر قال : ("خلق الله بيده : العرش وعدن والقلم وآدم ثم قال لكل شيء : كن فكان)( جامع البيان(23*119) قال في تفسير قوله تعالى : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ قال يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين، ثم قال لأن العرب تسمي كل صانع خالقا. وقال الخطابي : (الخالق) : هو المبدع للخلق والمخترع له على غير مثال سبق. قال سبحانه : هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (فاطر: من الآية3). فأما في نعوت الآدميين فمعنى الخلق التقدير كقوله عز وجل : أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (آل عمران: من الآية49. وقال الزجاج : فالخلق في اسم الله تعالى هو ابتداء تقدير النشء، فالله خالقها ومنشئها وهو متممها ومدبرها فتبارك الله أحسن الخالقين. وقال الحليمي : قال الله عز وجل : هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (فاطر: من الآية3) . ومعناه الذي صنف المبدعات، وجعل لكل صنف منها قدراً، فوجد فيها الصغير والكبير والطويل والقصير، والإنسان والبهيم والدابة والطائر والحيوان والموات، ولا شك في أن الاعتراف بالإبداع يقتضي الاعتراف بالخلق، إذ كان الخلق هيئة الإبداع فلا يغني أحدهما عن الآخر. وقال : (الخلاق) ومعناه : الخلق خلقاً بعد خلق |
البارئ جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : قال ابن الأعرابي : برئ إذا تخلص، وبرئ إذا تنزه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر، ومنه قوله تعالى : بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (التوبة: من الآية1) أي : إعذار وإنذار. وأصبح بارئاً من مرضه وبريئاً كقولك صحيحاً وصحاحاً، وقد أبرأه الله من مرضه إبراءً. وقال الأخفش : يقال برئت العود وبروته إذا قطعته وبريت القلم بغير همز إذا قطعته وأصلحته. والبرية : الخلق وأصلها الهمز وقد تركت العرب همزها. وقال الفراء : وإذا أخذت البرية من البري وهو التراب فأصلها غير الهمز. وقد وردت في القرآن كقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (البينة:7) . وروده في القرآن الكريم : ورد الاسم ثلاث مرات في القرآن: مرة في قوله تعالى : هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ (الحشر: من الآية24). ومرتين في قوله تعالى : فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ (البقرة: من الآية54) . المعنى في حق الله تعالى : قال ابن جرير : (البارئ) الذي برأ الخلق فأوجدهم بقدرته. وقال الزجاج : (البارئ) يقال برأ الله الخلق فهو يبرؤهم برءاً : إذا فطرهم. والبرء : خلق على صفة، فكل مبروء مخلوق، وليس كل مخلوق مبروءاً وذلك لأن البرء من تبرئة الشيء من الشيء من قولهم : برأت من المرض، وبرئت من الدين أبرأ منه، فيعض الخلق إذا فصل من بعض سمي فاعله بارئاً. وقال الشوكاني : البارئ الخالق، وقيل إن (البارئ) هو : المبدع المحدث. وقال الخطابي : البارئ هو الخالق. ثم قال : إلا أن لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من الخلق وقلما يستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال فيقال : برأ الله السماء كما يقال : برأ الله الإنسان وبرأ النسم . وقال ابن كثير : الخلق هو التقدير، والبرء هو الفري وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئاً ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل. وقال الحليمي رحمه الله : وهذا الاسم يحتمل معنيين: أحدهما : الموجد لما كان في معلومه من أصناف الخلائق. وهذا هو الذي يشير إليه عز وجل : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا (الحديد: من الآية22) ولاشك أن إثبات الإبداع والاعتراف به للباري عز وجل ليس يكون على أنه أبدع بغتة من غير علم سبق له بما هو مبدعه، لكن على أنه كان عالماً بما أبدع قبل أن يبدع، فكما وجب له عند الإبداع اسم البديع، وجب له اسم (البارئ). والآخر : أن المراد بالبارئ قال الأعيان، أي : أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء، ثم خلق منها الأجسام المختلفة. كما قال عز وجل : وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء: من الآية30) ، وقال : إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ( ويمكن أن نخلص القول في معنى (البارئ) على وجوه : 1-أن (البارئ) هو الموحد والمبدع، من برأ الله الخلق إذا خلقهم، وبهذا يكون الاسم مشابهاً ومرادفاً لـ (الخالق). 2-(البارئ) هو الذي فصل بعض الخلق عن بعض، أي : ميز بعضه عن بعض، وأن أصله من البرء الذي هو القطع والفصل. 3-أن (البارئ) يدل على أنه تعالى خلق الإنسان من التراب كما قال : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ (طـه: من الآية55) ، وأن أصله من البرئ وهو التراب(. 4-وهناك معنى رابع ذكره الزمخشري فقال : (البارئ) هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت : مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (الملك: من الآية3)) أي : خلقهم خلقاً مستوياً ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا نقص ولا عيب ولا خلل، أبرياء من ذلك كله. |
المصور
جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : الصور بالتحريك : الميل، ورجل أصور أي مائل، وصرت إلى الشيء وأصرته ـ بالتحريك ـ إذا أملته إليك. كقوله تعالى : فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ (البقرة: من الآية260) أي أملهن واجمعهن إليك، وتصورت الشيء توهمت صورته لي، والتصاوير : التماثيل، وصورة الأمر كذا وكذا أي صفته. وضربه فتصور أي سقط ورود الاسم بالكتاب العزيز : ورد الاسم مرة واحدة في قوله تعالى : هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ (الحشر: من الآية24) . وجاء بصيغة الفعل مرات كقوله تعالى : هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ (آل عمران: من الآية6). وقوله عز وجل : وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ (لأعراف: من الآية11) ، وقوله سبحانه : وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (التغابن: من الآية3) . المعنى في حق الله تعالى : قال ابن جرير : المصور خلقه كيف شاء وكيف يشاء. وقال في تفسير قوله تعالى : الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار:7-8) أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء، إما إلى صورة حسنة وإما إلى صورة قبيحة أو إلى صورة بعض قراباته. وقال الزجاج : المصور هو مفعل من الصورة وهو تعالى مصور كل صورة لا على مثال احتذاء ولا رسم ارتسمه تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وقال ابن كثير: في معنى قوله تعالى : الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ (الحشر: من الآية24) : أي الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار كقوله تعالى : فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار:8) ولهذا قال المصور): أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها فقال : وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (غافر: من الآية64) . وقال : التصور .. التخطيط والتشكيل، ثم قال : وخلق الله جل وعلا الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خلق : جعله علقة ثم مضغة ثم صورة وهو التشكيل الذي به يكون ذا صورة وهيئة يعرف بها ويتميز بها عن غيره بسماتها : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (المؤمنون: من الآية14) وبهذا يكون معنى (المصور) : 1-أن (المصور) : هو الذي أمال خلقه وعدلهم إلى الأشكال والهيئات التي توافق تقديره وعلمه ورحمته والتي تتناسب مع مصالح الخلق ومنافعهم، وأن أصل (المصور) من الصور وهو الإمالة. 2-أن (المصور) هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، وهيئات متباينة، من الطول والقصر، والحسن والقبح، والذكورة والأنوثة، كل واحد بصورته الخاصة |
آثار الإيمان بهذا الإيمان : (الخالق ـ الخلاق ـ البارئ ـ المصور) : 1 (1)-أخبر تعالى عن نفسه أنه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، قال تعالى : قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (الرعد: من الآية16) وقال سبحانه : هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (فاطر: من الآية3) . فكل ما سوى الله مخلوق محدث، كائن بعد أن لم يكن، وكل المخلوقات سبقها العدم كما قال عز وجل : هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (الإنسان:1) . وهذا قول الرسل جميعاً وأتباعهم، وخالف في ذلك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته وإن لم يكن معدوماً أصلاً، بل لم يزل ولا يزال، ولكن الكتاب يرد ذلك ويرفضه (2)-أن الله سبحانه لم يزل خالقاً كيف شاء ومتى شاء ولا يزال، لقوله سبحانه : كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ (آل عمران: من الآية47) . وقوله : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (القصص: من الآية68) ، وقوله سبحانه: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (البروج:15-16). وليس بعد خلق الخلق استفاد اسم (الخالق)، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم (الباري)، وذلك من كماله، ولا يجوز أن يكون فاقداً لهذا الكمال، أو معطلاً عنه في وقت من الأوقات، قال تعالى : أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (النحل:17) (3)-إن الله تعالى ذكره خالق كل شيء. قال تعالى : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (غافر:62). ومن جملة مخلوقاته العباد وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يدل هذا على أن العبد ليس بفاعل على الحقيقة ولا مريد ولا مختار، بل هو فاعل لفعله حقيقة، وأن إضافة الفعل إليه إضافة حق، وأنه يستوجب عليه المدح والذم والثواب والعقاب، ولكن لا يدل هذا أنه واقع بغير مشيئة الله وقدرته. والدليل على أن أفعال العباد مخلوقة قوله تعالى : وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (الصافات:96) فأفعالهم لله تعالى خلق ولهم كسب، ولا ينسب شيء من الخلق لغير الله تعالى، فيكون شريكاً ونداً مساوياً له في نسبة الفعل إليه، وقد نهى الله سبحانه عن ذلك بقوله : فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة: من الآية22) ، وقد وقع في ذلك القدرية نفاة القدر، الذين جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى، ولهذا كانوا "مجوس هذه الأمة" بل أردأ من المجوس من حيث إن المجوس أثبتوا خالقين، خالقاً للخير وخالقاً للشر، وأما هؤلاء فقد أشركوا جميع العباد فى الخلق فقالوا هم يخلقون أفعالهم، وخالفوا بذلك الكتاب والسنة وأهل الحق (4)-خلق الله عظيم محكم فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلاً عن أن يخلق أفضل منه، قال سبحانه وتعالى : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (لقمان:11) ، وفي الآية تحدٍ لجميع الخلق من الجن والإنس وغيرهم. وقد أثبت الله عجزهم عن خلق خلقٍ ضعيف حقير كالذباب مثلاً ولو اجتمعوا على ذلك وتعاونوا عليه، قال عز وجل : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج:73-74). 0(5) 5-ولذلك حرم الله على عباده أن يصوروا الصور ذات الأرواح لما فيها من مضاهاة لخلق الله، أي تشبيه ما يصنعونه ويصورونه من الصور بما يصنعه ويصوره الله كما جاء في رواية مسلم : "الذين يشبهون بخلق الله وقد وردت أحاديث كثيرة في توعد المصورين بأشد العذاب كقوله : "إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون" وقوله : "إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم"، وهو أمر تعجيز ويستفاد منه صفة تعذيب المصور وهو أن يكلف نفخ الروح في الصورة التي صورها وهو لا يقدر على ذلك فيستمر تعذيبه. قاله الحافظ( وجاء في الحديث القدسي قوله تعالى : (ومن أظلم ممن ذهب ـ أي قصد ـ يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة) فتحداهم الخالق سبحانه وتعالى بأن يخلقوا ذرة وهي النملة الصغيرة، ثم زاد في التحدي بأن طلب منهم أن يخلقوا حبة أو شعيرة وهو من الجماد الذي لا حركة فيه نسبياً إذا ما قيس بالنسبة للنمل الذي يتحرك. وقد قسم النووي رحمه الله المصورين إلى ثلاثة أقسام : أ-من فعل الصورة لتعبد وهو صانع الأصنام ونحوها فهذا كافر وهو أشدهم عذاباً. ب-من فعل الصورة وقصد مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك، فهذا كافر له من أشد العذاب ما للكفار ويزيد عذابه قبح كفره. ج-من لم يقصد بالصورة العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب ذنب كبير ولا يكفر كسائر المعاصي. (6)-وجود هذا الخلق العظيم المحيط بنا من كل ناحية دليل على قدرة الخالق وعلى عظمته وكماله، فالإنسان يعجز في كثير من الأحيان عن معرفة جوانب كثيرة من الأرض التي يعيش عليها، مع أنها صغيرة جداً إذا ما قيست بالنسبة لبقية الكون الفسيح المليء بملايين النجوم المضيئة والشموس والأقمار والتي يعجز عن حصرها أو عدها، وهذا كله في السماء الدنيا، التي فوقها ست سماوات طباق، بعضها فوق بعض وفوقهن جميعاً الكرسي، ومن عظمة خلق هذا الكرسي واتساعه أنه يستوعب السماوات السبع والأرض جميعاً، قال تعالى : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (البقرة: من الآية255) والعرش أعظم من ذلك والخالق سبحانه فوق العرش، وهو جلت عظمته أكبر من كل شيء وأعظم. وبذلك تعلم أن خلق الإنسان ضعيف جداً، إذا ما قرون بالسماوات السبع والكرسي والعرش كما قال تعالى : لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (غافر:57) ، وقال تعالى : أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (النازعـات:27-29) . (7)-وأخيراً يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى ما خلق هذا الخلق العظيم لهواً ولعباً، ولا خلقه عبثاً وإنما خلقه لغاية عظيمة. قال تعالى : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (المؤمنون:115-116) أي : أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا حكمة لنا فيكم، فتعالى الله أي تقدس وتنزه عن ذلك، ثم ذكر العرش لأنه سقف جميع المخلوقات وقال عز وجل : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (الأنبياء:16-18) . قال ابن كثير : يخبر الله تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق ـ أي بالعدل ـ ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لعباً وأبان تعالى عن هذه الغاية العظيمة بقوله : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (الذاريات:56-57). |
الرازق ــ الرزاق جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : الرزق ما ينتفع به، يقال : رزق الخلق رزقاً ورزقاً، فالرزق بفتح الراء هو المصدر الحقيقي، والرزق بكسر الراء الاسم ويجوز أن يوضع موضع المصدر، والجمع أرزاق، والرزاق من أبنية المبالغة ورود الاسمين في القرآن الكريم : ورد الاسم مفرداً مرة واحدة في قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (الذاريات:58) . وورد بصيغة الجمع خمس مرات منها قوله تعالى : وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (المائدة: من الآية114) ، وقوله تعالى : وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (الجمعة: من الآية11) وقوله سبحانه : وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سـبأ: من الآية39). معنى الاسمين في حق الله تعالى : قال ابن جرير : هو الرازق خلقه المتكفل بأقواتهم قال الخطابي : هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يختص بذلك مؤمناً دون كافر، ولا ولياً دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيل له، ولا متكسب فيه، كما يسوقه إلى الجلد القوي ذي المرة السوي، قال سبحانه : وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (العنكبوت:60) . وقوله تعالى : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (هود: من الآية6) ( وقال الحليمي في معنى : (الرازق) : المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواماً إلا به، والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم، لئلا تتنغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم ولا يفقدوها أصلاً لفقدهم إياه. وقال في معنى (الرازق) : وهو الرازق رزقاً بعد رزق، والمكثر الموسع له قال ابن الأثير : (الرزاق) : وهو الذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم). وقال السعدي : (الرزاق) لجميع عباده فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ورزقه لعباده نوعان : 1-رزق عام شمل البر والفاجر، والأولين والآخرين وهو رزق الأبدان. 2-ورزق خاص وهو رزق القلوب، وتغذيتها بالعلم والإيمان. والرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدين، وهذا خاص بالمؤمنين على مراتبهم منه بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته |
آثار الإيمان بهذين الاسمين : 1-إن المتفرد بالرزق هو الله وحده لا شريك له، وقال عز وجل : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (فاطر:3) . وقال سبحانه : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (سـبأ:24) ينبه الله عباده إلى الاستدلال على توحيده وإفراده بالعبادة، أنه سبحانه هو المستقل بالخلق والرزق لا يشاركه أحد في ذلك، وإذا كان كذلك، فليفرد بالعبادة ولا يشرك به غيره من الأصنام والأنداد، ولهذا قال تعالى بعد ذلك : لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي : كيف تصرفون بعد هذا البيان عن عبادة الله وحده. 2-إن الله عز وجل متكفل برزق من في السماوات والأرض، قال سبحانه : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (هود: من الآية6). وقال تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ (العنكبوت: من الآية60) ، قال ابن كثير أي : لا تطيق جمعه ولا تحصيله، ولا تدخر شيئاً لغد، اللَّهُ يَرْزُقُهَا أي : يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر قرار الأرض والطير في الهواء، والحيتان في الماء( ). 3-قال القرطبي : والفرق بين القوت والرزق: أن القوت ما به قوام البنية مما يؤكل ويقع به الاغتذاء. والرزق كل ما يدخل تحت ملك العبد : مما يؤكل ومما لا يؤكل، وهو مراتب أعلاها ما يغذي. وقد حصر رسول الله وجوه الانتفاع في الرزق في قوله : (يقول ابن آدم مالي مالي !! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذاك فذاهب وتاركه للناس) مسلم(2959) 4-وكل ذلك بلا ثقل ولا كلفة ولا مشقة، قال الطحاوي رحمه الله : (رازق بلا مؤنة) بل لو سألوه جميعاً فأعطاهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئاً، كما جاء في قوله تعالى في الحديث القدسي : (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) (. ( مسلم (2577) 5-إن الله سبحانه لم يختص برزقه من آمن في الحياة الدنيا، وإنما كان الرزق في الدنيا للجميع، للمؤمنين والكافرين، وهذا من عظيم لطفه سبحانه كما قال : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (الشورى:19) . وعن أبي موسى الأشعري قال قال النبي : (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ، ثم يعافيهم ويرزقهم) (البخاري 6099 ) ومعناه : أن الله سبحانه واسع الحلم حتى مع الكافر الذي ينسب له الولد فهو يعافيه ويرزقه. 6-إن الله سبحانه متحكم في أرزاق عباده فيجعل من يشاء غنياً كثير الزرق، ويقتر على آخرين، وله في ذلك حكم بالغة. قال تعالى : وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ (النحل: من الآية71) . وقال سبحانه : إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (الإسراء:30). قال ابن كثير أي : خبير بصير بمن يستحق الفقر(فمن العباد من لا يصلح حاله إلى بالغنى فإن أصابه الفقر فسد حاله ، ومنهم العكس. وقال ابن كثير في معنى قوله تعالى : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ (الشورى:من الآية 27) : ولو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشراً وبطراً، ثم قال تعالى : وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (الشورى:من الآية 27) وهكذا كقوله سبحانه : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر:21). [u]7-كثرة الرزق في الدنيا لا تدل على محبة الله تعالى، ولكن الكفار لجهلهم ظنوا ذلك، وقد قال تعالى عنهم : [/ U]وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (سـبأ: 35-37) . فظن الكفار والمترفون أن كثرة الأموال والأولاد دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ثم يعذبهم في الآخرة، وقد رد الله هذا بقوله : أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (المؤمنون:55-56) . ثم قال تعالى : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى أي : ليست كثرة الأموال والأولاد هي التي تقرب من الله أو تبعد، إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً أي : إنما يقرب من الله الإيمان به، وعمل البر والصالحات . وهذا كقوله : (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وفي رواية : (ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). مسلم (2564) وبين الله تعالى أنهم يرضون بالحياة الدنيا وأرزاقها ويطمئنون إليها ويفرحون بها لأنهم لا يرجون بعثاً ولا حساباً، غافلين عن الآخرة وأهوالها. قال سبحانه : إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (يونس:7-8) ، وقال سبحانه : اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (الرعد:26) ولم يعلموا أن الدنيا عند الله لا تزن شيئاً كما جاء في حديث سهل ابن سعد قال : قال رسول الله : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء). ولذلك فإن الله يعطيها لمن يحب ولمن لا يحب فليس كثرة الرزق دليلاً على الكرامة ولا قلته دليلاً على الإهانة : فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (الفجر:15-16). |
8-إن تقوى الله وطاعته سبب عظيم للرزق والبركة فيه
. قال سبحانه عن أهل الكتاب : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإنجيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ (المائدة: من الآية66) . وقال تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (لأعراف: من الآية96) . وقال جل شأنه : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: من الآية2 ، من الآية3) أي : من جهة لا تخطر بباله ، وقال سبحانه : وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (الجـن:16) ، وتأذن بالزيادة لمن شكر : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: من الآية7) . 9-والعكس صحيح أيضاً فإن المعصية تنقص الرزق والبركة، لأن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته،. قال سبحانه : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم:41) ، قيل : الفساد في البر القحط وقلة النبات وذهاب البركة، والفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم. وقيل : هو كساد الأسعار وقلة المعاش. 10-أعظم رزق يرزق الله به عباده هو الجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين وخلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكل رزق يعد الله به عباده الصالحين في القرآن فغالباً ما يراد به الجنة: كقوله تعالى : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (سـبأ:4) ،. وقوله تعالى : وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (الحج:58) . وقوله سبحانه وتعالى : وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (الطلاق: من الآية11) ، فهو أحسن الرزق وأكمله وأفضله وأكرمه، لا ينقطع ولا يزول : إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (صّ:54) . الله ارزقنا جنتك ورضوانك وأنت خير الرازقين |
الغافر ــ الغفور ــ الغفار
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : أصل الغفر التغطية والستر، غفر الله له ذنوبه أي : سترها، وكذا غفر الشيب بالخضاب وأغفره أي : ستره، والمغفرة : التغطية. ورود الأسماء في القرآن الكريم : سمى الله نفسه بالغفور: في إحدى وتسعين آية. وأما اسمه (الغفار): فقد جاء في حمس آيات. فعلم أن ورود (الغفور) في القرآن الكريم أكثر بكثير من (الغفار) و (الغفار) أبلغ من (الغفور) وكلاهما من أبنية المبالغة. وقال سبحانه : نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الحجر:49) وقوله سبحانه : فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (نوح:10) معنى الاسم في حق الله تعالى :قال الزجاج : ومعنى الغفر في حق الله سبحانه هو الذي يستر ذنوب عباده ويغطيهم بستره وقال الخطابي : فالغفار الستار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته، ومعنى الستر في هذا : أنه لا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم وقال الحليمي : (الغافر) هو الذي يستر على المذنب، ولا يؤاخذه فيشهره ويفضحه. (الغافر) : وهو المبالغ في الستر، فلا يشهر المذنب لا في الدنيا ولا في الآخرة. (الغفور) : وهو الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده، ويزيد عفوه على مؤاخذته وقال السعدي : (العفور ـ الغفور ـ الغفار) : الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال تعالى : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (طـه:82). آثار الإيمان بهذه الأسماء : 1-وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه غفار للذنوب والخطايا والسيئات لصغيرها وكبيرها، وحتى الشرك إذا تاب منه الإنسان واستغفر ربه، قبل الله توبته وغفر له ذنبه. قال تعالى : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) . وقال تعالى : وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء:110) . فمهما عظمت ذنوب هذا الإنسان فإن مغفرة الله ورحمته أعظم من ذنوبه التي ارتكبها. قال تعالى : إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (النجم: من الآية32) . وقد تكفل الله سبحانه بالمغفرة من تاب وآمن، قال تعالى : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (طـه:82). بل من فضله وجوده وكرمه أن تعهد بأن يبدلا سيئات المذنبين إلى حسنات، قال تعالى عن التائبين : فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان: من الآية70) . 2-ولكن لا يجوز للمسلم أن يسرف في الخطايا والمعاصي والفواحش بحجة أن الله غفور رحيم، فالمغفرة إنما تكون للتائبين الأوابين. قال تعالى : إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (الإسراء: من الآية25) . وقال سبحانه : إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (النمل:11) . فاشترط تبدل الحال من عمل المعاصي والسيئات إلى عمل الصالحات والحسنات لكي تتحقق المغفرة والرحمة,. وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ (النساء: من الآية48 ، 116) يبين أن المقيم على الشرك حتى الوفاة لا غفران له لأنه لم يبدل حسناً بعد سوء، وكذا قوله تعالى عن المنافقين : سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (المنافقون: من الآية6) لأنهم لم يخلصوا دينهم لله ولم يصلحوا من أحوالهم. وأما إذا حصل ذلك فإن المغفرة تحصل لهم مع المؤمنين. قال تعالى : إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (النساء:146) . فلابد من الأخذ بالأسباب المؤدية إلى المغفرة، وأما إن مات وهو مقيم على الكبائر من غير أن يتوب فإن مذهب أهل السنة والجماعة أنه ليس له عهد عند الله بالمغفرة والرحمة، بل إن شاء غفر له وعفا عنه بفضله. كما قال عز وجل : وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (النساء: من الآية48 ، 116) ، وإن شاء عذبه في النار بعدله، ثم يخرجه منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يدخله الجنة، وذلك للموحدين خاصة. 3-اتصاف الله سبحانه وتعالى بأنه (غفار) للذنوب والسيئات، فضل من الله ورحمة عظيمة للعباد، لأنه غني عن العالمين، لا ينتفع بالمغفرة لهم، لأنه سبحانه لا يضره كفرهم أصلاً، ولا يغفر لهم خوفاً منهم أيضاً، لأنه قوي عزيز، قد قهر كل شيء وغلبه ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد نبه الله عباده إلى هذا الأمر في القرآن الكريم عدة مرات، باقتران اسمه (الغفور) مع (العزيز) كقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (فاطر: من الآية28) . وقوله تعالى : خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (الزمر:5) ، فمع عزته وقهره إلا إنه غفور رحيم. الفرق بين العفو والغفران : قال بعض العلماء : إن الغفران ستر لا يقع معه عقاب. والعفو :إنما يكون بعد وجود عذاب وعتاب |
يتبع بأذن الله,,,,
|
القاهر ــ القهار
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : القهر الغلبة والأخذ من فوق، وقهر يقهره قهراً : غلبه، وتقول أخذتهم قهراً، أي: من غير رضاهم، وأقهر الرجال : صار أصحابه مقهورين وقال الزجاج : القهر في وضع العربية : الرياضة والتذليل، يقال : قهر فلان الناقة: إذا راضها وذللها وروده في القرآن العظيم : (القهار) فعال، مبالغة من (القاهر) فيقتضي تكثير القهر، وقد ورد الاسم (القاهر) في الكتاب العزيز مرتين : 1-في قوله تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (الأنعام:18) 2- قوله تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً (الأنعام: من الآية61). و (القهار) ورد ست مرات: منها1- قوله تعالى : قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (الرعد: من الآية16) 2- وقوله تعالى " لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (غافر: من الآية16) . معنى الاسمين في حق الله تعالى : قال ابن جرير : (القاهر) المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم، وإنما قال فوق عباده لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر شيئاً أن يكون مستعليا عليه، فمعنى الكلام إذاً : والله الغالب عباده المذلل لهم، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه وقال ابن كثير : وهو (القاهر) فوق عباده أي : هو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه وقال الخطابي : (القهار) : هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة وقهر الخلق كلهم بالموت وقال الزجاج : والله تعالى قهر المعاندين بما أقام من الآيات والدلالات على وحدانيته وقهر جبابرة خلقه بعز سلطانه وقهر الخلق كلهم بالموت وقال الحليمي : (قاهر) معناه : إنه يدبر خلقه خلقه بما يريد، فيقع في ذلك ما يشق ويثقل ويغم ويحزن، ويكون منه سلب الحياة أو نقص الجوارح، فلا يستطيع أحد رد تدبيره، والخروج من تقديره. وقيل في (القهار) : أن يقهر ولا يقهر بحال آثار الإيمان بهذين الاسمين : 1-إن القهار على الحقيقة هو الله وحده سبحانه، هو قهر وغلب عباده أجمعين، حتى إن أعتى الخلق يتضاءل ويتلاشى أمام قهر الله وجبروته، فها هو الموت الذي كتبه على عباده، لا يستطيع الخلق رده أو دفعه عن أنفسهم، ولو أوتوا من القوة والجبروت ما أوتوا، وقد ذكر الله الموت قريباً من وصفه بـ (القاهر) ليذكرهم بشيء قد قهرهم به أجمعين وذلك في قوله : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (الأنعام:61-62). ومما قهرهم به أيضاً : الأمراض والمصائب والنكبات التي لا يملكون ردها عن أنفسهم. وما أحسن قول من قال : القهار الذي طاحت عند صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين، قال تعالى : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (غافر: من الآية16) فأين الجبابرة والأكاسرة ؟ عند ظهور هذا الخطاب وأين الأنبياء والمرسلون، والملائكة المقربون في هذا العتاب، وأين أهل الضلال والإلحاد، والتوحيد والإرشاد، وأين آدم وذريته، وأين إبليس وشيعته، وكأنهم بادوا وانقضوا زهقت النفوس، وتبددت الأرواح وتلفت الأجسام والأشباح، وتفرقت الأوصال، وبقي الموجود الذي لم يزل ولا يزال 2-وأما صفة القهر في الخلق، فغالباً ما تكون مذمومة لقيامها على الظلم والطغيان، والتسلط على الضعفاء والفقراء كما قال فرعون لعنه الله : سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (الأعراف: من الآية127) ، وقال تعالى : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (الضحى:9) أي : لا تسلط عليه بالظلم وادفع إليه حقه، وخص اليتيم لأنه لا ناصر له غير الله تعالى :، فغلظ في أمره بتغليظ العقوبة على ظالمه، وقوله : وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (الضحى:10) أي لا تزجره ولا تغلظ له القول. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى:11) قال القرطبي : وهذه هي النعمة العظمى، وهي ما من الله عليه من الرسالة والنبوة والخلة والمحبة والعلم والحكمة، فأوجب عليه أن يظهر ذلك ويشيعه ويحدث به، ويعلم الجاهل غير ممتن عليه ولا متطاول ولا قاهر له. وكذلك قال معاوية بن الحكم السلمي : "فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني" الحديث أخرجه مسلم وقرئ فلا تقهر بالكاف وهي قراءة عبد الله بن مسعود، قال الكسائي : كهره وقهره بمعنى. 3-قوله تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ (الأنعام: من الآية61) يستفاد منه صفة العلو لله سبحانه على عباده، سواء علو المكانة والرتبة، أو علو المكان والجهة، وقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة عليه ـ أي الثاني ـ كقوله تعالى : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طـه:5) وقوله : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ (الملك: من الآية16) 4-أنه سبحانه هو الذي قهر الخلق جميعاً على ما أراد. 5-إن الله هو القهار المستحق للعبادة والألوهية، وما سواه من الألهة فإنما هي مخلوقات عاجزة مقهورة، لا تملك أن ترد الضر عن نفسها فكيف تقهر غيرها، وبهذا جادل نبي الله يوسف عليه السلام صاحبه في السجن فقال : يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (يوسف:39) فبين لهم أن آلهتهم متعددة متفرقة، والعابد لها متحير أيها يرضي، وأيها مسخرة ومقهورة لله وفي قبضته، وليس لها من الألوهية إلا الاسم الذي أعطى لها زوراً وبهتاناً دون حجة ولا برهان : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ (يوسف: من الآية40). |
الوهاب جل جلاله وتقدست أسماؤهالمعنى اللغوي :
قال ابن سيده : وهب الله الشيء يهبه وهباً ووهباً بالتحريك، ووهبت له هبة وموهبة ووهباً إذا أعطيته. ورجل واهب ووهاب ووهوب ووهابة أي : كثير الهبة لأمواله. والهبة : العطية الخالية من الأعواض والأغراض. والوهاب مبالغة على وزن فعال وروده في الكتاب العزيز : ورد الاسم ثلاث مرات في القرآن الكريم، مرة في سورة آل عمران في قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (آل عمران:8) ، ومرتين في سورة ص في قوله تعالى : أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (صّ:9) ، وقوله : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (صّ:35) معنى الاسم في حق الله سبحانه : قال ابن جرير في تفسير قوله : إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ يعني إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد للثبات على دينك وتصديق كتابك ورسلك. وقال : الوهاب : لمن يشاء من خلقه، ما يشاء من ملك وسلطان ونبوة. وقال : إنك وهاب ما تشاء لمن تشاء، بيدك خزائن كل شيء تفتح من ذلك ما أردت لمن أردت وقال الخطابي : (الوهاب) : هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استثابةأي : من غير طلب للثواب من أحد. وقال الحليمي : (الوهاب) : هو المتفضل بالعطايا المنعم بها لا عن استحقاق عليه وقال النسفي : (الوهاب) : الكثير المواهب المصيب بها مواقعها الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته. آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-إن الوهاب هو الله وحده، بيده خزائن كل شيء، الذي له ملك السموات والأرض ومن فيهن قال تعالى : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى:50) قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء. ثم قال : فجعل الناس أربعة أقسام منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه النوعين ذكوراً وإناثاً، ومنهم من يمنعه هذا وذاك فيجعله عقيماً لا نسل له ولا ولد له، (إنه عليم) أي : بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، (قدير) أي : على ما يشاء من تفاوت الناس في ذلك فالله سبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء؛ لأنه مالك المالك، وأما العباد فإنهم ملك لله سبحانه، والعبد لا يملك أن يهب شيئاً على الحقيقة. قال تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ (النحل: من الآية75) . 2-الفرق بين هبة الخالق والمخلوق : قال الخطابي رحمه الله : "فكل من وهب شيئاً من عرض الدنيا لصاحبه فهو واهب، ولا يستحق أن يسمى وهاباً إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكثرت نوافله ودامت، والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حالٍ دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاءً لسقيم، ولا ولداً لعقيم، ولا هدىً لضال، ولا عافيةً لذي بلاء، والله الوهاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده، فدامت مواهبه واتصلت مننه وعوائده" وأكثر الخلق إنما يهبون من أجل عوض ينالونه، كأن يهب لأجل يمدح بين الناس، أو يهب من أجل الثواب في الآخرة 3-النبوة والكتاب هبة من الله يختص بها من يشاء من عباده، وقد أنكر أقوام الرسل هذا الأمر فحكى الله عن قوم صالح عليه السلام أنهم قالوا : أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (القمر:25) . وقال سبحانه عن كفار قريش : أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (صّ:8-9). يقول ابن جرير رحمه الله : "يقول تعالى ذكره .. أم عند هؤلاء المشركين المنكرين وحي الله إلى محمد خزائن رحمة ربك يعني مفاتيح رحمة ربك يا محمد، العزيز في سلطانه، الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من ملك وسلطان ونبوة، فيمنعونك يا محمد ما من الله به عليك من الكرامة، وفضلك به من الرسالة". وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ (العنكبوت: من الآية27). وقال عن موسى عليه الصلاة والسلام : فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (الشعراء: من الآية21). وقال سبحانه : وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (مريم:53) 4-الملك والسلطان هبة من الله سبحانه : وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: من الآية247). وقال سبحانه : أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (النساء:53-54) وهذا استفهام إنكار أي : ليس لهم نصيب من الملك بله الله وحده هو المالك الذي يهب ما يشاء لمن يشاء. وقد دعا سليمان عليه الصلاة والسلام ربه : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (صّ:35) ، دعاه أن يهبه ملكاً لا يكون لأحد من بعده فاستجاب الوهاب سبحانه له : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (صّ:36-39). سخر الله له الريح التي تجري بأمره حيث أراد أي : تحمله حيث شاء، والشياطين التي تعمل له ما يشاء من تماثيل ومحاريب وقصور وقدور وجفان، ويغوصون في البحار يستخرجون له اللآلئ. فياله من ملك عظيم يعجز أعظم البشر مالاً وسلطاناً أن يهب شيئاً منه، هَذَا عَطَاؤُنَا (صّ: من الآية39) هذه هبة الله لمن يريد من خلقه . 5-الذرية هبة من الله أيضاً. قال جل ذكره : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى:50) وقد مر قريباً كلام ابن كثير عليها. وقد وهب الله سبحانه بعض الأنبياء الذرية بعد كبر السن ووهن العظم. قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (ابراهيم:39). وكذا زكريا عليه السلام وهبه الله الولد بعد ما طعن في السن وشاخ، وكانت امرأته عاقراً أيضاً كما بين الله ذلك في مطلع سورة مريم، لكن ذلك لم يمنع زكريا عليه السلام من الطمع في هبة الله الوهاب، فدعا ربه : رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (آل عمران: من الآية38) فاستجاب الله دعاءه : فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (الأنبياء:90) أي : شفى امرأته من العقم، فحملت بيحيى عليه السلام فسبحان الكريم الوهاب. |
العليم ــ العالم ــ العلام
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : العلم : نقيض الجهل، علم علماً وعلم هو نفسه ورجل عالم وعليم من قوم علماء، وعلام وعلامة إذا بالغت في وصفه بالعلم، أي : عالم جداً. وعلمت الشيء : عرفته وخبرته، وعلم بالشيء : شعر به. والعليم على وزن فعيل من أبنية المبالغة(. ورود الأسماء في القرآن الكريم : ورد اسمه (العليم) في مائة وسبعة وخمسين موضعاً من الكتاب منها : قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (البقرة:32) وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (آل عمران: من الآية154) وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (المائدة: من الآية97) بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل: من الآية28) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنبياء:4) يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (الروم: من الآية54) وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً (النساء: من الآية70) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (يّـس:38) أما (العالم) فقد ورد هذا الاسم في القرآن ثلاث عشرة مرة منها : وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (الأنعام: من الآية73) ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة: من الآية94). عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (الرعد:9) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (التغابن:18) أما (العلام) فقد ورد هذا الاسم في أربعة مواضع وهي : قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (المائدة: من الآية109) تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (المائدة: من الآية116) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (التوبة:78) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (سـبأ:48) المعنى في حق الله تعالى : قال ابن جرير : إنك أنت يا ربنا العليم من غير تعليم بجميع ما قد كان وما هو كائن، والعالم للغيوب دون جميع خلقك. وقال : أن الله ذو علم بكل ما أخفته صدور خلقه من إيمان وكفر، وحق وباطل، وخير وشر، وما تستجنه مما لم تجنه بعد(. وقال الخطابي : هو العالم بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق، كقوله تعالى : فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (لقمان: من الآية23) ، وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم ولذلك قال سبحانه : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف: من الآية76) (، قال ابن منظور رحمه الله : فهو الله العالم بما كان وما يكون قبل كونه، وربما يكون ولما يكن بعد قبل أن يكون، لم يزل عالماً ولا يزال عالماً بما كان وما يكون ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وأهرها، دقيقها وجليلها، على أتم الإمكان(. وقال السعدي : وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء(. |
الفتاح
جل جلاله وتقدست أسماؤهالمعنى اللغوي : الفتح نقيض الإغلاق، والفتح : النصر، والاستفتاح طلب النصر ومنه قوله تعالى : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ (الأنفال: من الآية19) . وقال الأزهري (الفتح) : أن تحكم بين قوم يختصمون إليك كما قال سبحانه مخبراً عن شعيب : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (الأعراف: من الآية89) أي : اقض بيننا. والفتاحة والفتاحة : أن تحكم بين خصمين، والفتاح من أبنية المبالغة ورود الاسم في القرآن العظيم : ورد الاسم مفرداً مرة واحدة في قوله تعالى : قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (سـبأ:26) . وورد بصيغة الجمع مرة واحدة أيضاً في قوله عز وجل : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (الأعراف: من الآية89) . معنى الاسم في حق الله تعالى : قال قتادة رحمه الله : افتح بيننا وبين قومنا بالحق : اقضي بيننا وبين قومنا بالحق. وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية السابقة : احكم بيننا وبينهم بحكمك الحق الذي لا جور فيه ولا ظلم، ولكنه عدل وحق. وأن خير الفاتحين يعني : خير الحاكمين وقال في موضع آخر : وهو الفتاح العليم : القاضى العليم بالقضاء بين خلقه، لأنه لا تخفى عنه خافية ولا يحتاج إلى شهود تعرفه المحق من المبطل وقال الزجاج : والله تعالى ذكره فتح بين الحق والباطل فأوضح الحق وبينه وأدحض الباطل وأبطله، فهو الفتاح). وقال الخطابي رحمه الله (الفتاح) : هو الحاكم بين عباده وقال وقد يكون معنى (الفتاح) أيضاً الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده، ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم ويفتح قلوبهم، وعيون بصائرهم ليبصروا الحق، ويكون الفاتح أيضاً بمعنى الناصر كقوله سبحانه : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ (الأنفال: من الآية19)( وعلى هذا يكون معنى الاسم : 1-(الفتاح) : الحاكم الذي يقضي بين عباده بالحق والعدل، بأحكامه الشرعية والقدرية. 2-أنه يفتح لهم أبواب الرحمة والرزق وما انغلق عليهم من الأمور. 3-أنه بمعنى الناصر لعباده المؤمنين، وللمظلوم على الظالم، وهذا يعود إلى الأول. آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-الله سبحانه هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة بالقسط والعدل، يفتح بينهم في الدنيا بالحق بما أرسل من الرسل، وأنزل من الكتب. يقول القرطبي رحمه الله في هذا الاسم : ويتضمن من الصفات كل ما لا يتم الحكم إلا به، فيدل صريحاً على إقامة الخلق وحفظهم في الجملة، لئلا يستأصل المقتدرون المستضعفين في الحال. ويدل على الجزاء العدل على أعمال الجوارح والقلوب في المآل، ويتضمن ذلك أحكاماً وأحوالاً لا تنضبط بالحد، ولا تحصى بالعد. وهذا الاسم يختص بالفصل والقضاء بين العباد بالقسط والعدل، وقد حكم الله بين عباده في الدنيا بما أنزل من كتابه، وبين من سنة رسوله، وكل حاكم إما أن يحكم بحكم الله تعالى أو بغيره، فإن حكم بحكم الله فأجره على الله، والحاكم في الحقيقة هو الله تعالى، وإن حكم بغير حكم الله فليس بحاكم إنما هو ظالم : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة: من الآية45). 2-ذكرنا أن الله سبحانه يحكم بين عباده في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويفتح بينهم بالحق والعدل، وقد توجهت الرسل إلى الله الفتاح سبحانه أن يفتح بينهم وبين أقوامهم المعاندين فيما حصل بينهم من الخصومة والجدال. قال نوح عليه السلام : قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الشعراء:117-118) . وقال شعيب عليه الصلاة والسلام : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (الأعراف: من الآية89). وقال تعالى : وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (إبراهيم:15) وقد استجاب الله سبحانه لرسله ولدعاتهم ففتح بينهم وبين أقوامهم بالحق، فنجى الرسل وأتباعهم وأهلك المعاندين المعرضين عن الإيمان بآيات الله وهذا من الحكم بينهم في الحياة الدنيا. وكذا يوم القيامة فإن الله سبحانه هو الفتاح الذي يحكم بين عباده فيما كانوا يختلفون فيه في الدنيا. قال سبحانه : قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (سـبأ:26) ففي ذلك اليوم يقضي الله سبحانه ويفصل بين العباد، فيتبين الضال من المهتدي، وهو سبحانه لا يحتاج إلى شهود ليفتح بين خلقه، لأنه لا تخفى عليه خافية وما كان غائباً عما حدث في الدنيا : فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (الأعراف:7) ، وقال سبحانه : وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (يونس:61) (. وقد سمى الله يوم القيامة بيوم الفتح في قوله سبحانه وتعالى : قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (السجدة:29) . 4-إن الله سبحانه منفرد بعلم مفاتح الغيب التي ذكرها في قوله تعالى : وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ (الأنعام: من الآية59) . وقد عددها في قوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان:34) . قال القرطبي : مفاتح جمع مفتح هذه اللغة الفصيحة ويقال مفتاح، ويجمع مفاتيح، المفتح عبارة عن كل ما يحل غلقاً محسوساً كان كالقفل على البيت، أو معقولاً كالنظر، ثم قال : وهو في الآية استعارة على التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب عن الإنسان. ولذلك قال بعضهم : هو مأخوذ من قول الناس افتح عليّ كذا أي : اعطني أو علمني ما أتوصل إليه به، فالله تعالى عنده علم الغيب وبيده الطرق الموصلة إليه لا يملكها إلا هو فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه ومن شاء حجبه عنها حجبه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله بدليل قوله تعالى : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ (آل عمران: من الآية179) ، وقوله تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (الجـن:26-27)). وقال في الأسنى : والفتح في اللغة حل ما استغلق من المحسوسات والمعقولات، والله سبحانه هو (الفتاح) لذلك، فيفتح ما تغلق على العباد من أسبابهم، فيغني فقيراً، ويفرج عن مكروب، ويسهل مطلباً وكل ذلك يسمى فتحاً، لأن الفقير المتغلق عليه باب رزقه، فيفتح بالغنى، وكذلك المتحاكمان إلى الحاكم، يتغلق عليهما وجه الحكم فيفتحه الحاكم عليهما، ولذلك سمي الحاكم فتاحاً لأنه يحل ما استغلق من الخصوم، تقول : افتح بيننا، أي احكم، ومنه قول شعيب : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ أي : احكم، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ أي : الحاكمين 5-إن الفتح والنصر من الله سبحانه فهو يفتح على من يشاء ويخذل من يشاء، وقد نسب الله الفتوح لنفسه، لينبه عباده على طلب لنفسه، لينبه عباده على طلب النصر والفتح منه لا من غيره، وأن يعملوا بطاعته وينالوا مرضاته، ليفتح عليهم وينصرهم على أعدائهم. قال تعالى : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (الفتح:1) وهو خطاب لرسوله الأمين . وقال جل ثناؤه : فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ (المائدة: من الآية52) ، وقال سبحانه : وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (الصف:13) 6-إن الله بيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض، قال سبحانه : لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الشورى:12) ، فما يفتحه من الخير للناس لا يملك أحد أن يغلقه عنهم، وما يغلقه لا يملك أحد أن يفتحه عليهم كما قال جل وعلا : مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (فاطر:2) فلو فتح الله المطر على الناس فمن ذا الذي يحبسه عنهم، حتى لو أدى المطر إلى إغراقهم وإهلاكهم مثلما حدث لقوم نوح عليه السلام، فقد وصلت فقد وصلت المياه إلى رؤوس الجبال، فما استطاعوا أن يردوها عن أنفسهم، ولو حبس عن عباده القطر والنبات سنين طويلة لما استطاعوا أيضاً أن يفتحوا ما أغلقه الله سبحانه : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ (يونس: من الآية107). 7-وقد يفتح الله سبحانه أنواع النعيم والخيرات على الناس استدراجاً لهم، إذا تركوا ما أمروا به، ووقعوا فيما نهوا عنه كما قال سبحانه : فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (الأنعام:44). 8-ومما يفتحه الله على من يشاء من عباده الحكمة والعلم والفقه في الدين، ويكون ذلك بحسب التقوى والإخلاص والصدق، ولذا تجد أن فهم السلف أعمق وعلمهم أو سع ممن جاء بعدهم : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (البقرة: من الآية282) ، وقال تعالى : أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (الزمر:22) ، قال القرطبي : وهذا الفتح والشرح ليس له حد، وقد أخذ كل مؤمن منه بحظ، ففاز الأنبياء بالقسم الأعلى، ثم من بعدهم الأولياء، ثم العلماء، ثم عوام المؤمنين، ولم يخيب الله منه سوى الكافرين. وكان النبي يقول لأصحابه : (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل اللهم باعدني من الشيطان). |
الساعة الآن 10:16 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .