أم الخطاب78
08-01-09, 06:41 AM
علم الفقه
هذا علم شرعي شريف، إذا نظرنا إليه من حيث سعته وشهرته كان أوسع العلوم الشريعة مجالاً، وأكثرها شهرة وانتشاراً. إنه علم الفقه.. وكفى به علماً أساسياً مهما.
تعريف علم الفقه:
وإذا بحثنا عن تعريف دقيق لعلم الفقه نجد أن ثمة له تعاريف كثيرة، منها القديم الذي يدخل مع الفقه غيره، وذلك قبل تمايز العلوم الشرعية واستقلالها عن بعضها البعض، ومنها ما هو من اختيار الفقهاء اللاحقين للأولين.
عرف الإمام الشافعي الفقه بأنه: العلم بالأحكام الشريعة العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
وعرفه ابن خلدون في مقدمته بقوله: الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والإباحة والندب والكراهة، وهي منتقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشرع لمعرفتها من الأدلة.
وإذن فالفقه هو الطريق لمعرفة الحلال لاتباعه والعمل به، والحرام لتجنبه والحذر منه، وذلك ابتغاء مرضاة الله فيكون بذلك العلم العملي الذي يحتاجه كل مسلم ومسلمة في كل فعل وترك في حياتهما.
شمول الأحكام الفقهية:
وبنظرة فاحصة نستطيع أن نلم بشمولية الفقه الإسلامي، من حيث إنه ينظم علاقة الفرد بربه سبحانه، وعلاقته بمجتمعه، ويسعى لتأمين مصالح الأمة ودفع المضار عنها بكل يسر وسهولة وواقعية وإنسانية. ويشهد لذلك كله أحكام الفقه الإسلامي التي تضم الأقسام التالية:
1) العبادات: وهي التي تبين للمسلم كيف يتعبد الله سبحانه ويؤدي حقه عليه على الوجه الذي ارتضاه له.
ومن أبحاثها: الطهارة الشاملة للوضوء والغسل والتيمم وأحكام المياه والأواني والنجاسات.
ومن أحكامها الصلاة وكيفيتها وأركانها وسننها ومكروهاتها ومبطلاتها، وما كان منها مفروضاً وما كان منها مسنونا،ً وما كان منها جماعة وما كان إفراداً.
ومن أبحاثها الصيام والزكاة والحج، وما يتعلق بكل منها من أركان ومستحبات ومحظورات ومكروهات.
ومن أبحاث العبادة أيضاً النذر واليمين، وكيفيةُ سؤال الله من فضله الغيث بصلاة الاستسقاء، وكيفية توديع الميت والدعاء له بصلاة الجنازة، وكيفيةُ استقبال الأعياد الشرعية وإظهار الفرحة بصلاة العيد. وبيانُ فضل الله على المسافر والمريض حيث خفف عنهما بعض العبادات وشرع لهما بعض الرخص الشرعية تيسيراً وتسهيلاً.
2) المعاملات المدنية: وهي ما يشمل البيع وأنواعه المباحة أو المحظورة، والإجارة وشروطها، والرهن الذي يستوثق به صاحب الحق لحقه، والكفالة بنوعيها المالي والبدني، والشركة ولها أنواع وضوابط، والمزارعة والمساقاة مما يتعلق بشئون الزراعة، وإحياء الأرض الموات لاستثمارها، وما يباحُ من الصرف واستبدال النقود، وتحريم الربا وأنواعه، والجعالةَ التي تكون تبرعاً من المالك لمن يجد له ماله، ونحو ذلك مما ينظم العلاقة بين الفرد والآخرين في معاملاته المدنية التي تعرف اليوم بالقانون المدني.
3) الأحوال الشخصية: التي من خلالها تتكون الأسرة.
وهذه الطائفة من أحكام الفقه الإسلامي تشمل أحكام الخطبة والزواج، وحقوق كل من الزوجين على الآخر، وأحكام النسب والنفقة والميراث، وتشمل أحكام الطلاق والخلع والعدة واللعان والظهار، وكل واحدة من هذه المسائل لها تفريعات عديدة مهمة.
4) الأحكام الجنائية: وهي تضم بين جنباتها الحدود الشرعية والعقوبات الزاجرة لكل من يتعرض لأرواح الناس أو أعراضهم أو أموالهم، أو يروع الآمنين، أو يريد الفساد في الأرض، أو يسعى في هدم الدين.
ومنها أحكام حد السرقة، وحد القصاص، وحد الزنا، وحد الخمر، وحد الردة، وأحكام التعزير، وأحكام الديات ونحو ذلك.
ويسميها الناس اليوم بقانون العقوبات.
5) الأحكام القضائية: وهي التي من خلالها يحكم القاضي في المنازعات، وبها تسير الدعاوى في المحاكم.
ومن أحكامها الفقهية: أحكام الشهادة، واليمين، والبينات والإقرار والقرائن، وآداب القاضي، ومتى يحكم ومتى لا يحكم.
وفي الحقيقة فإنها جزء أصيل من علم الفقه الإسلامي، ما زال المسلمون يفتخرون به على مر العصور لدقته ونزاهته.
6) الأحكام المتعلقة بالإمامة والخلافة وقيام الدولة المسلمة ، وطريقة المبايعة بين الشعب المسلم وحاكمه، وحقوق المواطن والحاكم وواجباتهما.
وهي ما تعرف بالأحكام الدستورية.
7) الأحكام الدولية : التي تنظم الصلة بين دولة المسلمين والدول الأخرى، وحقوق الرعايا غير المسلمين في بلاد المسلمين، وتنظيم حالتي السلم والحرب بين المسلمين والآخرين، وأحكام الجهاد المشروع لحماية الدين والدولة في الإسلام، وأحكام نشر الدعوة الإسلامية بين أهل الأرض ونحو ذلك.
هذه الأحكام الفقهية العظيمة الشاملة لم تنشأ من فراغ، ولم تتكون بلا جهد ودأب، بل إن العلماء المسلمين كان لهم في هذا المجال قصب السبق الذي حازوه عن جدارة واستحقاق.
نشأة علم الفقه:
لقد نشأ الفقه الإسلامي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يتلقى الآيات عن ربه سبحانه بما فيها من أوامر له وللمسلمين تتعلق بعباداتهم ومعاملاتهم وسائر شئون حياتهم وما يحتاجون إليه من أحكام شرعية عملية واعتقادية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين هذه الأحكام للناس، ويشرح تفاصليها، ويطبقها أمام الناس، كما كان يتابع فعل الصحابة لها.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليه للتعلم والاستفتاء، وفصل المنازعات والقضاء، حتى أدى الرسالة وبلغ الأمانة كاملة تامة.
وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام كان الصحابة يلجؤون إلى أهل الفتيا منهم، الذين يسمون القُرّاء، فكان القراء يرجعون إلى كتاب الله، فإن وجدوا فيه الحكم أخذوا به ووقفوا عنده، وإلا لجأوا إلى السنة النبوية ليلتزموا بها إن عثروا على مبتغاهم.
فإن كانت الواقعة والمسألة جديدة ولم يجدوا لها حكماً لافي الكتاب ولا في السنة لجأوا إلى الاجتهاد، وأول ما ينظرون إلى ما يشابه هذه المسألة أو يماثلها، فيقيسونها عليها في الحكم، أو يستنبطون لها حكماً حسبما تقتضيه القواعد العامة للشريعة، فإن اتفقت كلمتهم في النتيجة كان ذلك إجماعا،ً وإلا كان قولاً للصحابي ومذهباً له.
المذاهب الفقهية الأولى:
وقد عرف في ذلك العصر مذهب ابن مسعود، ومذهب ابن عمر، ومذهب عائشة، وهي عبارة عن فتاواهم فيما جد من حوادث.
وقد أضاف فقهاء التابعين من بعد الصحابة اجتهاداتهم الخاصة أيضاً، وظهر فيهم فقهاء أعلام من منتصف القرن الأول إلى مطلع القرن الثاني للهجرة، لعل أشهرهم فقهاء المدينة السبعة وهم: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد وأبو بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله وكان غيرَهم كثيرُُ في الكوفة والبصرة ومكة ودمشق ومصر. ولعل استعراض أسمائهم يطول.
إلا أننا ننوه إلى أن أواخر هذا العصر شهد ظهور مدرستين رئيسيتين للفقه هما مدرسة الحديث في الحجاز ومدرسة الرأي في العراق.
المذاهب الفقهية الأربعة الباقية:
ولم يكد يمر القرن الهجري الثاني حتى قد شهد بروز عدد ضخم من العلماء المتخصصين في الفقه، لهم مناهج واضحة، وتلاميذ مجدون وقد جمعت آراء معظمهم ودونت ونقحت.
وكان من أبرزهم الأئمة الأربعة في الفقه الذين لا تزال مذاهبهم متوارثة بين المسلمين إلى اليوم وهم:
1) الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ويسمى مذهبه المذهب الحنفي، وقد عاش الإمام رحمه الله ما بين عامي 80 ـ150، وكان إمام مدرسة الرأي في العراق. ومن أشهر تلاميذه قاضي القضاة أبو يوسف والإمام محمد بن الحسن الشيباني والإمام زفر بن الهذيل..
ويعتبر مذهبه الآن أكثر المذاهب انتشاراً في الدنيا بين المسلمين.
ومن أهم كتب مذهبه: كتب ظاهر الرواية الستة، وكتب النوادر للإمام محمد بن الحسن، وكتاب الكافي للحاكم الشهيد، وكتاب المبسوط للسرخسي، وكتاب بدائع الصنائع للكاساني، وكتاب حاشية ابن عابدين المسماة رد المحتار على الدر المختار وغير ذلك.
2) الإمام مالك بن أنس، ويسمى مذهبه المذهب المالكي، وقد عاش الإمام مالك رحمه الله ما بين عامي 93-179هـ ، ويعتمد في مذهبه ـ إضافة إلى الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة من الكتاب والسنة والقياس وإجماع الصحابة ـ يعتمد على عمل أهل المدينة والاستصلاح.
وأشهر تلاميذه عبد الرحمن بن القاسم المصري، وعبد الله بن وهب، وأشهب ابن عبد العزيز، وعبد الله بن عبد الحكم.
ومذهبه الآن ينتشر في أقطار المغرب العربي وأفريقية والخليج العربي.
ومن كتب مذهبه: الموطأ للإمام مالك، والمدونة لسحنون، وبداية المجتهد لابن رشد، والذخيرة للقرافي، ومواهب الجليل للحطاب، وحاشية الدسوقي.
3) الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الذي عاش رحمه الله ما بين 150ـ204هـ وكان من شيوخه الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي.
وأتباعه يسمون بأتباع المذهب الشافعي أو الشافعية،وهم منتشرون الآن في مصر والعراق والشام وأندونوسيا.
وأشهر تلامذة الشافعي الإمام البويطي يوسف بن يحيى والإمام إسماعيل بن يحيى المزني والإمام الربيع بن سليمان المرادي وحرملة بن يحيى.
وله كتب كثيرة أهمها (الأم) و(الرسالة)، ومن أشر كتب مذهبه إضافة إلى كتب الشافعي نفسه كتاب( فتح العزيز شرح الوجيز) للرافعي، و(روضة الطالبين )و(المجموع) للنووي، و(المهذب) و(التنبيه) للشيرازي، و(تحفة المحتاج) لابن حجر الهيتمي.
4) الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الذي عاش رحمه الله ما بين 164ـ241هـ ويقال لأتباع مذهبه الحنابلة.
وهم منتشرون في نجد وبعض بلدان الخليج العربي وفي مصر وغير ذلك.
وأهم تلاميذه صالح ابن الإمام أحمد، وابنه الآخر عبد الله وأبو بكر الاثرم والمروذي وأحمد بن محمد بن الحجاج وإبراهيم الحربي.
وأهم كتب مذهبه (مختصر الخرقي)، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه (المغني) وكتاب (كشاف القناع) للبهوتي، و(الفروع) لابن مفلح، و(الروض المربع) للحجاوي.
هذه أهم مذاهب الفقه الإسلامي الذي يعتبر علماً من أهم العلوم الشرعية الشريفة الواسعة.
هذا علم شرعي شريف، إذا نظرنا إليه من حيث سعته وشهرته كان أوسع العلوم الشريعة مجالاً، وأكثرها شهرة وانتشاراً. إنه علم الفقه.. وكفى به علماً أساسياً مهما.
تعريف علم الفقه:
وإذا بحثنا عن تعريف دقيق لعلم الفقه نجد أن ثمة له تعاريف كثيرة، منها القديم الذي يدخل مع الفقه غيره، وذلك قبل تمايز العلوم الشرعية واستقلالها عن بعضها البعض، ومنها ما هو من اختيار الفقهاء اللاحقين للأولين.
عرف الإمام الشافعي الفقه بأنه: العلم بالأحكام الشريعة العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
وعرفه ابن خلدون في مقدمته بقوله: الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والإباحة والندب والكراهة، وهي منتقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشرع لمعرفتها من الأدلة.
وإذن فالفقه هو الطريق لمعرفة الحلال لاتباعه والعمل به، والحرام لتجنبه والحذر منه، وذلك ابتغاء مرضاة الله فيكون بذلك العلم العملي الذي يحتاجه كل مسلم ومسلمة في كل فعل وترك في حياتهما.
شمول الأحكام الفقهية:
وبنظرة فاحصة نستطيع أن نلم بشمولية الفقه الإسلامي، من حيث إنه ينظم علاقة الفرد بربه سبحانه، وعلاقته بمجتمعه، ويسعى لتأمين مصالح الأمة ودفع المضار عنها بكل يسر وسهولة وواقعية وإنسانية. ويشهد لذلك كله أحكام الفقه الإسلامي التي تضم الأقسام التالية:
1) العبادات: وهي التي تبين للمسلم كيف يتعبد الله سبحانه ويؤدي حقه عليه على الوجه الذي ارتضاه له.
ومن أبحاثها: الطهارة الشاملة للوضوء والغسل والتيمم وأحكام المياه والأواني والنجاسات.
ومن أحكامها الصلاة وكيفيتها وأركانها وسننها ومكروهاتها ومبطلاتها، وما كان منها مفروضاً وما كان منها مسنونا،ً وما كان منها جماعة وما كان إفراداً.
ومن أبحاثها الصيام والزكاة والحج، وما يتعلق بكل منها من أركان ومستحبات ومحظورات ومكروهات.
ومن أبحاث العبادة أيضاً النذر واليمين، وكيفيةُ سؤال الله من فضله الغيث بصلاة الاستسقاء، وكيفية توديع الميت والدعاء له بصلاة الجنازة، وكيفيةُ استقبال الأعياد الشرعية وإظهار الفرحة بصلاة العيد. وبيانُ فضل الله على المسافر والمريض حيث خفف عنهما بعض العبادات وشرع لهما بعض الرخص الشرعية تيسيراً وتسهيلاً.
2) المعاملات المدنية: وهي ما يشمل البيع وأنواعه المباحة أو المحظورة، والإجارة وشروطها، والرهن الذي يستوثق به صاحب الحق لحقه، والكفالة بنوعيها المالي والبدني، والشركة ولها أنواع وضوابط، والمزارعة والمساقاة مما يتعلق بشئون الزراعة، وإحياء الأرض الموات لاستثمارها، وما يباحُ من الصرف واستبدال النقود، وتحريم الربا وأنواعه، والجعالةَ التي تكون تبرعاً من المالك لمن يجد له ماله، ونحو ذلك مما ينظم العلاقة بين الفرد والآخرين في معاملاته المدنية التي تعرف اليوم بالقانون المدني.
3) الأحوال الشخصية: التي من خلالها تتكون الأسرة.
وهذه الطائفة من أحكام الفقه الإسلامي تشمل أحكام الخطبة والزواج، وحقوق كل من الزوجين على الآخر، وأحكام النسب والنفقة والميراث، وتشمل أحكام الطلاق والخلع والعدة واللعان والظهار، وكل واحدة من هذه المسائل لها تفريعات عديدة مهمة.
4) الأحكام الجنائية: وهي تضم بين جنباتها الحدود الشرعية والعقوبات الزاجرة لكل من يتعرض لأرواح الناس أو أعراضهم أو أموالهم، أو يروع الآمنين، أو يريد الفساد في الأرض، أو يسعى في هدم الدين.
ومنها أحكام حد السرقة، وحد القصاص، وحد الزنا، وحد الخمر، وحد الردة، وأحكام التعزير، وأحكام الديات ونحو ذلك.
ويسميها الناس اليوم بقانون العقوبات.
5) الأحكام القضائية: وهي التي من خلالها يحكم القاضي في المنازعات، وبها تسير الدعاوى في المحاكم.
ومن أحكامها الفقهية: أحكام الشهادة، واليمين، والبينات والإقرار والقرائن، وآداب القاضي، ومتى يحكم ومتى لا يحكم.
وفي الحقيقة فإنها جزء أصيل من علم الفقه الإسلامي، ما زال المسلمون يفتخرون به على مر العصور لدقته ونزاهته.
6) الأحكام المتعلقة بالإمامة والخلافة وقيام الدولة المسلمة ، وطريقة المبايعة بين الشعب المسلم وحاكمه، وحقوق المواطن والحاكم وواجباتهما.
وهي ما تعرف بالأحكام الدستورية.
7) الأحكام الدولية : التي تنظم الصلة بين دولة المسلمين والدول الأخرى، وحقوق الرعايا غير المسلمين في بلاد المسلمين، وتنظيم حالتي السلم والحرب بين المسلمين والآخرين، وأحكام الجهاد المشروع لحماية الدين والدولة في الإسلام، وأحكام نشر الدعوة الإسلامية بين أهل الأرض ونحو ذلك.
هذه الأحكام الفقهية العظيمة الشاملة لم تنشأ من فراغ، ولم تتكون بلا جهد ودأب، بل إن العلماء المسلمين كان لهم في هذا المجال قصب السبق الذي حازوه عن جدارة واستحقاق.
نشأة علم الفقه:
لقد نشأ الفقه الإسلامي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يتلقى الآيات عن ربه سبحانه بما فيها من أوامر له وللمسلمين تتعلق بعباداتهم ومعاملاتهم وسائر شئون حياتهم وما يحتاجون إليه من أحكام شرعية عملية واعتقادية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين هذه الأحكام للناس، ويشرح تفاصليها، ويطبقها أمام الناس، كما كان يتابع فعل الصحابة لها.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إليه للتعلم والاستفتاء، وفصل المنازعات والقضاء، حتى أدى الرسالة وبلغ الأمانة كاملة تامة.
وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام كان الصحابة يلجؤون إلى أهل الفتيا منهم، الذين يسمون القُرّاء، فكان القراء يرجعون إلى كتاب الله، فإن وجدوا فيه الحكم أخذوا به ووقفوا عنده، وإلا لجأوا إلى السنة النبوية ليلتزموا بها إن عثروا على مبتغاهم.
فإن كانت الواقعة والمسألة جديدة ولم يجدوا لها حكماً لافي الكتاب ولا في السنة لجأوا إلى الاجتهاد، وأول ما ينظرون إلى ما يشابه هذه المسألة أو يماثلها، فيقيسونها عليها في الحكم، أو يستنبطون لها حكماً حسبما تقتضيه القواعد العامة للشريعة، فإن اتفقت كلمتهم في النتيجة كان ذلك إجماعا،ً وإلا كان قولاً للصحابي ومذهباً له.
المذاهب الفقهية الأولى:
وقد عرف في ذلك العصر مذهب ابن مسعود، ومذهب ابن عمر، ومذهب عائشة، وهي عبارة عن فتاواهم فيما جد من حوادث.
وقد أضاف فقهاء التابعين من بعد الصحابة اجتهاداتهم الخاصة أيضاً، وظهر فيهم فقهاء أعلام من منتصف القرن الأول إلى مطلع القرن الثاني للهجرة، لعل أشهرهم فقهاء المدينة السبعة وهم: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد وأبو بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله وكان غيرَهم كثيرُُ في الكوفة والبصرة ومكة ودمشق ومصر. ولعل استعراض أسمائهم يطول.
إلا أننا ننوه إلى أن أواخر هذا العصر شهد ظهور مدرستين رئيسيتين للفقه هما مدرسة الحديث في الحجاز ومدرسة الرأي في العراق.
المذاهب الفقهية الأربعة الباقية:
ولم يكد يمر القرن الهجري الثاني حتى قد شهد بروز عدد ضخم من العلماء المتخصصين في الفقه، لهم مناهج واضحة، وتلاميذ مجدون وقد جمعت آراء معظمهم ودونت ونقحت.
وكان من أبرزهم الأئمة الأربعة في الفقه الذين لا تزال مذاهبهم متوارثة بين المسلمين إلى اليوم وهم:
1) الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ويسمى مذهبه المذهب الحنفي، وقد عاش الإمام رحمه الله ما بين عامي 80 ـ150، وكان إمام مدرسة الرأي في العراق. ومن أشهر تلاميذه قاضي القضاة أبو يوسف والإمام محمد بن الحسن الشيباني والإمام زفر بن الهذيل..
ويعتبر مذهبه الآن أكثر المذاهب انتشاراً في الدنيا بين المسلمين.
ومن أهم كتب مذهبه: كتب ظاهر الرواية الستة، وكتب النوادر للإمام محمد بن الحسن، وكتاب الكافي للحاكم الشهيد، وكتاب المبسوط للسرخسي، وكتاب بدائع الصنائع للكاساني، وكتاب حاشية ابن عابدين المسماة رد المحتار على الدر المختار وغير ذلك.
2) الإمام مالك بن أنس، ويسمى مذهبه المذهب المالكي، وقد عاش الإمام مالك رحمه الله ما بين عامي 93-179هـ ، ويعتمد في مذهبه ـ إضافة إلى الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة من الكتاب والسنة والقياس وإجماع الصحابة ـ يعتمد على عمل أهل المدينة والاستصلاح.
وأشهر تلاميذه عبد الرحمن بن القاسم المصري، وعبد الله بن وهب، وأشهب ابن عبد العزيز، وعبد الله بن عبد الحكم.
ومذهبه الآن ينتشر في أقطار المغرب العربي وأفريقية والخليج العربي.
ومن كتب مذهبه: الموطأ للإمام مالك، والمدونة لسحنون، وبداية المجتهد لابن رشد، والذخيرة للقرافي، ومواهب الجليل للحطاب، وحاشية الدسوقي.
3) الإمام محمد بن إدريس الشافعي، الذي عاش رحمه الله ما بين 150ـ204هـ وكان من شيوخه الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي.
وأتباعه يسمون بأتباع المذهب الشافعي أو الشافعية،وهم منتشرون الآن في مصر والعراق والشام وأندونوسيا.
وأشهر تلامذة الشافعي الإمام البويطي يوسف بن يحيى والإمام إسماعيل بن يحيى المزني والإمام الربيع بن سليمان المرادي وحرملة بن يحيى.
وله كتب كثيرة أهمها (الأم) و(الرسالة)، ومن أشر كتب مذهبه إضافة إلى كتب الشافعي نفسه كتاب( فتح العزيز شرح الوجيز) للرافعي، و(روضة الطالبين )و(المجموع) للنووي، و(المهذب) و(التنبيه) للشيرازي، و(تحفة المحتاج) لابن حجر الهيتمي.
4) الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الذي عاش رحمه الله ما بين 164ـ241هـ ويقال لأتباع مذهبه الحنابلة.
وهم منتشرون في نجد وبعض بلدان الخليج العربي وفي مصر وغير ذلك.
وأهم تلاميذه صالح ابن الإمام أحمد، وابنه الآخر عبد الله وأبو بكر الاثرم والمروذي وأحمد بن محمد بن الحجاج وإبراهيم الحربي.
وأهم كتب مذهبه (مختصر الخرقي)، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه (المغني) وكتاب (كشاف القناع) للبهوتي، و(الفروع) لابن مفلح، و(الروض المربع) للحجاوي.
هذه أهم مذاهب الفقه الإسلامي الذي يعتبر علماً من أهم العلوم الشرعية الشريفة الواسعة.