مشاهدة النسخة كاملة : صفحة الدروس المفرغة لدورة روائع البيان في تفسير القرآن
سهام الليل
20-10-08, 08:34 PM
(هذه المادة لم تراجع من قبل الشيخ)
الدرس الأول .. مجموعة المهاجرات
الحياة في ضوء القرآن
الحمد لله الرحيم الرحمن ، الحمد لله الكريم المنان ، الحمد لله العظيم كل يوم في شأن ، الحمد لله على جلاله ، الحمد لله على كماله ، الحمد لله على جماله ، الحمد لله على رحمته ، الحمد لله على نعمته ، الحمد لله على واسع فضله وعظيم مننه / الحمد لله على جنته ، الحمد لله على ناره
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا،
والحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله أن جعلنا مسلمين ،والحمد لله الذي أكرمنا وكنا من أمة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ..
سنتدارس أمورا ً هي أهم ما يكون لكل مسلم من دون استثناء ، سواء كان صغيرا أ م كبيرا، ذكرا أم أنثى ،سواء كان عالما أو غير عالم ، سواء مهتما بأمور دينه أم غير مهتما بأمور دينه ، لأن الكلام كله من أوله إلى آخره سيدور عن كتاب الله عز وجل ، عن آياته ، عن هذا النور الذي أنزله سبحانه ، بل عن هذا الروح الذي جعله الله عز وجل حياة للقلوب كما أنه الروح حياة للبدن .
الكلام عن كتاب الله عز وجل عن هذا الكلام التي تكلم به الله جلا في علا وهو مستو على عرشه ،فأسمعه أعظم ملك ، وأنزله على أعظم ملك على أعظم رسول فبلغه إلى أعظم امة ، هذه الأمة المحمدية صلى الله وسلم على نبيها .
هذه الدروس ، أحببنا أن تعنون بعنوان
<<هو روائع البيان في بدائع القران . >>
لأن هذا القران من أوله إلى آخره بديع ، هذا القران رائع ، هذا القران عظيم ، هذا القران هو كلام الرحمن سبحانه وتعالى
نريد أن نعيش معه في هذه الدروس المباركة ..
نريد أن نصفه في هذه الحياة ..
والهدف من هذه الدروس والحلقات نريد أن نحصره في ثلاثة أمور::
- نريد أن ندرك ما فهموم الحياة في كتاب الله عز وجل ؟
القران حين بين أمر هذه الحياة بينها وشرحها وفصلها ولم يجعلها غامضة على كل مستمع إلى كتاب الله عز وجل ، لا وألف لا ، إنما بين وأظهر وأوضح لهذا المخلوق المكلف لهذا الإنسان الذي أعطاه الله هذا العقل ؛ بين له .. ماذا تعني هذه الحياة ؟..ما مفهوم هذه الحياة في كتاب الله عز وجل ؟،،
الحياة في هذا القران إما حياة اسمها دنيا وإما حياة اسمها أخرى ، وبين هذه الحياة الدنيا لها شأن، وهذه الحياة الآخرة لها شأن ، وهذه
الحياة لبرزخيه لها شان ولكن القران لم يبين ما يجري فيها أي في هذه الحياة البرزخية إلا الشيء اليسير ،
وأما ما يتعلق بالحياة الأولى الدنيا فبينه أعظم بيان ،
وأما ما يتعلق بالحياة الآخرة فبينه أيضا أعظم بيان .
- نريد أن ندرك ما مفهوم الحياة في كتاب الله عز وجل ؟ ..
إذا أدركنا هذا وبان للمرء ، ماذا تعني له هذه الحياة في هذه الحياة الدنيا وما الذي سينتقل له أيضا بعد الممات ؟
نريد أن ننتقل بعد ذلك إلى الهدف الآخر وهو كيف نعيش مع القران ؟ ..
هذه أمنية لكل مسلم على وجه هذه البسيطة يريد أن يعيش مع كتاب الله عز وجل يريد أن يكون هذا القران محيطا به في كل مكان
في ليله ونهاره في بيته مع أولاده ، مع أصحابه، مع جيرانه ، مع الناس جميعا .
كيف يكون الإنسان المسلم عائشا مع كتاب الله عز وجل ؟ ،
كيف يشعر أنه مصحف يمشي على الأرض كما كان حال السلف الأوائل كيف يكونوا كما قالت عائشة في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المخرج في الصحيحين : " كان خلقه القران " ؟
//وخلقه القران ؛ ليست خاصة بالخلق الذي يتعامل به المرء مع الإنسان ممن يقابله من الناس لا ، وإنما خلقه عام لـ كل شي ، مع الكل .
مع الله عز وجل بدءاً ، ثم مع نفسه ثانيا ، ثم مع الناس من حوله ثالثا .
إذن لابد أن ندرك كيف يمكن لنا جميعا أن نعيش مع كتاب الله عز وجل
و أن نكون ربانيين في هذه الحياة الدنيا ..
عندما ينظر إليك المرء وأنت تمشي على رجليك ، أو تتكلم بلسانك ، أو تسمع بأذنيك ،أو تدخل مكانا ،أو تخرج من مكان فإنه ينظر إلى رجل يعرف كيف طبق كتاب الله عز وجل في كل أموره ، سنكون نحن مثالا لكلام الله عز وجل ،ولكتاب الله العظيم في كل الأمور من أولها لآخرها
من كان مثالا لكتاب الله عز وجل والله يا أحبتي انه يسير وليس بالعسير، فان الله عز وجل جعل هذا الدين هو الحنفية السمحة أمره يسير ،وسهل وليس بالعسير ؛ و لكنه يحتاج إلى قلب يقظ
إلى قلب يستعد لأن يفتح هذا الفؤاد ليتنقى نور القران ، ليدخل هذا الروح إلى هذا الفؤاد ، فقط
فقط بهذا الشرط تستطيع أن تعيش مع القران وتستطيع أن تكون أنت واحدا ممن تمثل القران في هديه وخلقه .
الأمر الثالث الذي نريده من هذه الدروس :
هو أن نريد في نهاية المطاف أن نبني بيتا في أرض القران .
ما أجمل هذا البيت الذي يُبني على بساط من كتاب الله عز وجل ، سـيكون عماده كله من أوله إلى أخره من القران
إذ نظرت إلى أساسه، إلى قواعده فإذا هي من القران ، إذا نظرت إلى ما فوق ذلك من ميده و أعمدته ونحو ذلك فإذا هي أيضا من القران ،
فإذا نظرت إلى جدرانه ، إلى أحجاره ،إلى طوبه وإذا بهذه الأحجار والى هذا الطوب قد أخذ من سور القران ، وإذا نظرت إلى دهانه ونحو ذلك وان هذا قد احذ من كتاب الله عز وجل القران لبنة من سورة البقرة ولبنة من سورة آل عمران ، … ولبنة من سورة الأنعام ، ولبنة من سورة المائدة ، ولبنة... ولبنة …..
فإذا أنت قد شيدت بيتا عماده كتاب الله عز وجل ..
هذا الذي نريده من هذه الدروس المباركة في نهاية المطاف .
وهناك أمور لابد أن تدركها حتى تحقق هذا الأمر العظيم ، لابد أن تدرك إن هذا الأمر ليس بالأمر الهين وإنما هو أمر جليل ، هو أمر جميل ،ومكسب عظيم لك في الحياة الدنيا ولك أيضا في تلك الحياة الباقية ..
إذا تكلمنا عن هذه الأهداف .. ،، سننطلق بعد ذلك بعد أن اتضح لنا الأمر جليا .. ننتقل إلى قضية مهمة :
هي بالنسبة لكثير من الناس في سبب عدم إدراك أهمية الحياة تحت كتاب الله عز وجل والعيش في ظل هذا القران بل سبب عدم كيف يعيش مع القران وان كان مدركا لأهمية العيش
وان كان مدركا بأهمية الحياة تحت كتاب الله عز وجل ،هذا الأمر انه لم يدرك من يخاطب القران .
هذا القران له خطاب ،، تارة يخاطب المؤمنين وتارة لا يخاطب المؤمنين ـوإنما يخاطب الكافرين وتارة لا يخاطب الكافرين الذين يشركون بالله عز وجل ، وإنما يخاطب الملحدين الذين لا يؤمنون بوجود الله عز وجل .
وتارة يخاطب أنواعا من الناس ليس بالمؤمن ولا بالكافر و لا بالملحد وإنما هو مزيج من هؤلاء جميعا ، لا يرده عن الإيمان بالقران إلا الطغيان ، إلا الهوى الذي سيطر على هذا الفؤاد .
فإذن خطاب القران تختلف !
طريقته في الحجاج والنقاش تختلف ..
فـــسورة تحاور الكافرين الذين يجعلون مع الله إلها آخر .
وسورة أخرى تحاور الملحدين الذين ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى .
وسورة ثالثة تتكلم عمن يؤمن بـ هذا جميعا ؛ و لكن يغلبه الهوى والرغبة واللذة والشهوة فتصده عن دين الله عز وجل ..
وسورة رابعة تخاطب المؤمنين الذين يؤمنون بالله عز وجل
ولكن وازع النفس الشهوانية ترده حينا عن دين الله وعما يجب عليهم في حق الله سبحانه وتعالى ، فتردهم شيئا عن دين الله ، فيأتي القران فيأخذهم رويدا رويدا إلى أن يردهم إلى سراط الله المستقيم .
إذن لابد أن ندرك معاني خطاب القران الكريم ، وإلى من يوجه القران في هذه الآيات خطابه ، وأيضا لابد أن نحدد نحن هنا الخطاب لمن ؟
الخطاب في بداية الأمر بالنسبة لهذه الحلقات المباركات ليس إلى طلاب العلم من مبدئها ؛
إنما هي موجهة لعموم المسلين الذين لهم اهتمام بعلوم الشرع إن كانوا يريدوا أن يفهموا كلام الله ، يريدوا أن يفرح بالتلذذ بقراءة كتاب الله عز وجل ، هذا الذي هو له الخطاب الآن .
فـلا بد إذن أن ندرك طبيعة الخطاب التي نعيشها نحن في أوائل هذه الدروس المباركات بإذن الله .
فإذا أدركنا ذلك سننتقل إلى الكلام عن قواعد خمس ؛ هذه القواعد لك حق أن تسمي هذه القواعد بأنها كبرى ،، لابد وأن يدركها من يريد أن يعيش مع القران ،
لابد أن يدركها من يريد أن يبني بيتا في رياض القران .
بعده سننطلق في أفق كتاب الله عز وجل وسيكون هذا المسير بإذنه تعالى على مستويين :
المستوى الأول :
فهو لعموم المسلمين ، الذين لهم حق على طلبة العلم وعلى أهل العلم أن يبينوا لهم ما في كتاب الله عز وجل ما فيه من الإعجاز والبيان و الأوامر والنواهي …وما فيه من أنواع السعادة لمن اقترب من هذا القران العظيم .
وهذا الأمر سيكون على مراحل ثلاث :
سنأتي بذكرها بإذن الله ،
ثم ننتقل بعد ذلك إلى الأمر الآخر وهو من أهم ما يكون من المستوى الثاني :
وهو الذي ما يتعلق بالكلام مع طلبة العلم وكيف يستفيدوا من كتاب الله سبحانه وتعالي ، كيف يدركوا معاني هذا القران إدراكا تاما كاملا
فان كثيرا من طلبة العلم عندما يقرءوا كتاب الله سبحانه وتعالى فإنه يقرؤه ولا يدرك تمام المعنى وإن أدرك أدرك شيئا من المعنى ، وستأتي أمثله كثيرة على هذا .
لذا قل تعظيم القران في قلوب كثير من الخلق ، بل في قلوب كثير من طلبة العلم ،يقرأ القران دون أن يستشعر ما هو القران ومن الذي تكلم بالقران وعما ذا يتكلم القران ، ودون أن يدرك وجه الإعجاز العظيم في البيان الذي نزل به القران .
القران في سوره القصيرة قبل الكبيرة معجز في كل أحواله ، عظيم في كل بيانه . وإذا نريد أن نعيش في أغلب هذه الحلقات مع السور القصار لا مع السور الطوال .
فان الله عز وجل حينما انزل القران انزله بدءا بقصار السور لا بطوالها ، وهذه السور القصار هي التي ربت محمد صلى الله عليه وسلم .
هي التي قال الله عز وجل عنها : " ووجدك ضالا فهدى " والخطاب لأشرف الخلق صلوات ربي وسلامه عليه >>> " ووجدك ضالا
فــ ـــ هدى "
انظر إلى النقلة ! النقلة تخص محمد عليه الصلاة والسلام هذا النبي العظيم ، الكريم ، هذا النبي الذي لا أحد مثله في أمره من أوله لآخره ، قد غلب الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، و تقدم عليهم في أنواع الشرف وأنواع الرفعة ، والعظمة ، وكل شأن من شئونه ومع هذا يقول الله عز وجل عنه في سورة قصيرة من كتابه يقرأها كل الناس من أولهم إلى آخرهم إلا اقل القليل منهم ،
يقول عنه: " ووجدك ضالا فهدى "
انظر أيها المؤمن ، انظر كيف يخاطب الله عز وجل حبيبه صل الله عليه وسلم ،،،
فيقول عنه "ووجد ك ضالا "، فاختار الله هذه العبارة ،هذه الكلمة لم ؟
ليقول لنا أيها الناس :
إذا كان هذا حال نبيكم ورسولكم وحال أبا القاسم صل الله عليه وسلم فكيف بكم انتم إذا ابتعدتم عن كتاب الله عز وجل ؟؟
إذا كان هذا حال نبيكم ، إذا كان هو حال اشرف خلق الله فـ كيف بحال الناس من بعده الذين ابتعدوا عن كتاب الله عز وجل .
"ووجدك ضالا فهدى" فهداك الله إلى القران لان القران فيه الهداية التامة .
كان صلى الله عليه وسلم لم تأتيه الهداية الكاملة قبل نزول القران مع انه كان لم يسجد لوثن أو يتقرب إلى صنم أبداً ، وإنما كان الاهتداء الكامل بكتاب الله عز وجل ولذا جاء هذا التعبير العظيم من الرب الرحيم
" ووجدك ضالا فـهدى " لنستشعر جميعا أيها المؤمنون في كل زمان ومكان أننا بدون كلام الله عز وجل في ضلالة ،و أنه لا هداية إلا إذا اقتربنا من كتابه سبحانه وتعالى هذه نوع من أنواع الحقائق المبينة في كتاب الله عز وجل أشد البيان
إذا أدركنا هذه الحقائق وأدركنا المستوى الأول الذي يخاطب به عموم المسلمين : >عند إذٍ ســ نستطيع أن ننتقل بإذن الله تعالى إلى الدرجة الأخرى وهي درجة عظيمة شريفه ليست بالهينة أبدا ، لا ينالها إلا أولياء الله ولا يستحقها إلا من كان من عباد الله المقربين وهي المستوى الثاني : والذي سمي بالمراحل السبعة لطالب فهم القران..
وإذا انتهينا بإذن الله من هذه المراحل سبعه و أدركناها أشد الإدراك وأوضحه ، وهي ليست بالعسيرة وإن كانت أيضا ليست باليسيرة ..
إذا أدركنا ذلك بإذن الله تعالى سنجد الفرق الشاسع بين أن نقرأ كلام الله عز وجل كما نقرؤه الآن ، أو كما يقرؤه كثير من المسلمين الآن وبين أن نقرؤه قراءة نستشعر معها عظمة هذا القران .
هذه هي ما نستطيع أن نسميها بالخطة العامة ، نريد أن نسير عليها جلا في علاه في هذه الدروس المباركة .
وأسأل الله أن يجعلنا من أهل القران الذين هم أهله وخاصته ، وان يرزقنا وإياكم فهم كتاب الله عز وجل ، ونسأله تعالى من دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه حينما قال له :،، اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل "
و نسأل الله عز وجل لنا جميعا أن يفقهنا في الدين وأن يعلمنا التأويل
الذي هو تأويل حقائق هذا الكتاب العظيم.
هذا هو المقصود وهذه هي الطريقة أيضا هي الأهداف من إقامة هذه الدروس بإذن الله جلا في علاه .
عندما نريد أن نبدأ سنبدأ- بإعانة من المولى - في الكلام عن الأهداف.
لأنه ؛ إذا أدركنا ما لهدف الذي نتطلبه ،وما الهدف الذي نريده !
عند إذٍ بإذن الله ستعلو الهمم وتصعد وسننشط إلى أن نتحمل شيئا من التعب في إدراك هذه الحقائق الكبيرة .
نريد أن نتكلم عن الأهداف وأشرت سابقا ؛ أن سبب العناية بالأهداف ؛
هي أن تعلو همة الإنسان وان يتحرك فؤاده إلى أن يتحمل شيئا من طلب العلم اليسير في إدراك حقائق هذا الكتاب العظيم .
وهذا الكلام وأعيد وأؤكد ليس لمسلم دون مسلم ولا لرجل دون امرأة ولا لعالم دون جاهل ولا لصغير دون كبير ، بل هو لعموم المسلمين عامة ، وكلنا ولا شك سنسأل يوم القيامة عن كتاب ربنا ماذا فعلنا اتجاهه ؟
….
إذن هذه الأهداف نريدها أن تحرك همتك :
- أننا نريد أن ندرك ما مفهوم الحياة في القران ؟..
أيها المؤمن / المؤمنة / نحن نعيش و هذه الحياة التي نعيش فيها لها مفهوم في كتاب الله عز وجل
سؤال يوجه إلى كل إنسان
فهل من الممكن أن نعيش حياة في ضوء القران أو لا يمكن ؟؟
الجواب الذي لا شك فيه ! من الممكن أن نعيش حياتنا في ضوء القران .
لا يقول إنسان أنه المستحيل في هذا الزمان أن يعيش إنسان تحت ظلال القران ، بل قد شاهدنا في هذه الحياة الدنيا بعينينا وسمعنا بأذنينا من عاش مع القران ، ورأيناه ورأينا النور يخرج من وجهه .
فليس بعجب فإن القران تنزل إلى كل الخلق من حين أن تنزل على محمد صل الله عليه وسلم في الغار إلى أن يقبض على وجه هذه البسيطة.
نماذج مع من عاش حياته في ضوء القران ، وما أجل من عاش حياته في ضوء القران ، وهو يسيرة سهله لطيفه ، سعيدة إلى غاية ما تكون السعادة ، لكن يأتي الشيطان الذي يريد أن يحول بينك وبين نور الرحمن الذي هو هذا القران
فإذن قبل ذلك حتى نستطيع أن نزيح الشيطان ، دعنا نأخذ في هذه الأهداف
نريد أن نعيش مع القران ،، هذا القران تكلم عن الحياة الدنيا، وتكلم عن الحياة الآخرة .
إعجب أيها المؤمن ، يا من تتلو كتاب الله عز وجل ،أن الله سبحانه وتعالى ذكر الحياة الدنيا في كتابه 111 مرة وذكر الحياة الآخرة 111
تساوى ذكر الحياة الدنيا مع ذكر الحياة الآخرة .
وهذا سر من أسرار هذا الكتاب العظيم ، فـــعدد ذكر الحياة الدنيا في هذا الكتاب هي نفسها عدد ذكر الحياة الآخرة في هذا الكتاب ؛ هذا أمر نستطيع أن نقول عنه انه مقصود وذلك ليبين للمسلم أن الحياة الدنيا وإن كانت قليلة فانية حقيرة ، إلا أنها أيضا لابد من العناية بها لأنك مكلف فيها ،وان تقيم فيها لأنه أمرك الله عز وجل به في كتابه ، أن
وليخبرك أن هذه حياه وهذه حياه .
وذكر لك الحياة الآخرة بنفس العدد ليخبرك أيضا أن تلك حياة وهذه حياة واعمل لهذه كما تعمل لتك ، ولكن أقدر لكل قدرها ،
هذا فيمن يتعلق بالحياة الدنيا والحياة الآخرة . سيد لنا على قضيه مهمة ؛
عندما نقرأ عن الحياة الدنيا عن حياتك ؛ عن ذهابك ، عن مجيئك ، عن شربك، عن كلامك ،عن استماعك ،عن مخالطتك الناس ،عن شراءك ،عن بيعك ، وعن ما يتعلق بك ، وعن كل شي من شئون حياتك ، كيف تتعامل مع نفسك ، مع أولادك ، مع الناس من حولك ، مع زوجك ، وكيف تتعاملوا مع الكفار ممن كفروا بحق الله عز وجل ،وأنكروا عظمة الله جلا في علاه ، فـأنزلت الآيات العظيمات لكي تبين لك ما يتعلق بهذه الحياة الدنيا وكيف تعيش فيها بهذا العدد الكبير .
ثم جاء بعد ذلك ما يتعلق بالحياة الآخرة ،فبينت لك عظم الجزاء في تلك الدار العظيمة.
وستلحظ فيما نتكلم عن الدارين أن الله عز وجل كرر كثيرا وأبدى وأعاد وثنى أيما تثنيه في الكلام عن الأهوال ما بين بعث الأرواح إلى أن ينقسم الناس إلى فريقين ، هذه المرحلة من الحياة الآخرة من حين أن يبعث الخلق إلى أن ينقسم الناس إلى أصحاب جنه وإلى أصحاب جحيم ،
هذه المسألة أطال هذا القران الكلام عنها كثيرا جدا .
ولعلك أن تعجب إن قلت لك إن الكلام عن هذه المرحلة ( عن الدار الآخرة ) قبل أن يدخل ناس الجنة ، وقبل أن يدخل ناس النار ، هذه المرحلة الكلام فيها أعظم وأكثر وأكبر وأجل من الكلام عن الجنة .
وتأمل هذا في جزء عمَّ ، وجزء تبارك ..
في جزء عمَّ لا تكاد تخلو سورة من الإشارة عن اليوم الآخرة إلا القليل منها ،في جزء تبارك أيضا كذلك .
بينما تبحث بحثا في الكلام عن الجنة والنار ، وتريد أن تضع نسبتك بين الكلام عن الجنة والنار وبين الكلام عن دار الأهوال ، ما يتعلق باليوم الآخر ، ستجد الكلام عن الهول العظيم في اليوم الآخر تجد الكلام أكبر بكثير من الكلام عن الجنة والنار .
وسيأتي سبب ذلك ..
وأنا أكرر لك هذه الحقائق من كلام الله عز وجل لأني أريد في نهاية الأمر عندما تقرأ كلام الله ؛أن تنتبه إلى ما كرر الله في كتابه .
لا أريد أن يمر أمر تكرر مرة واحدة في القران كأمر تكرر في القران مئيناً ومئيناً ، إذا جاء مرتين أو ثلاثة ،أو أربعة، أو خمسة ليست كالمسألة ولا كالقضية التي يأتي بالكلام عنها في القران بالمئة والمئتين وثلاث مئة وأكثر من ذلك ، لهذه درجة وتلك درجة .
ولذا جاء الكلام عن الحياة الدنيا والآخرة كثير في كتاب الله عز وجل وذكر الله لهاتين الحياتين وصفين :
فذكر للحياة الدنيا وصفا وهي أنها حياة فانية ، حياة يحق لنا أن نصفها بأنها متاع وأنها قليلة زائلة .
وذكر وصفا عظيما للحياة الآخرة وهو البقاء والاستقرار والقرار والثبوت والأمدي الدائم ،والخلود.
هي قضية ظاهرة في كتاب الله عز وجل
لم؟
لك حق أن تسأل ..
لم ذكر كثيرا في كتاب الله عز وجل أن الكلام عن الآخرة أنها باقية ، دائمة ، سرمدية ، خالدة أبد الدهر ، وأن الكلام عن الحياة الدنيا أنها يسيرة ، فانية ، زائلة مدتها قليلة إذا ما قرنت بالحياة الآخرة ؟.
الدنيا دار عمل ،والآخرة دار جزاء وثواب .
ما لذي يترتب على هذا ؟
1- أن أمر الدنيا أمرها يسير ،وأن الآخرة أمرها عظيم .
2- أن الدنيا دار عمل وأنها فانية وليست بدائمة ، والآخرة دار جزاء
هل سأعمل مدة طويلة جدا أو سأعمل مده يسيرة قصيرة نوعا ما ؟
هذه هي الحقيقة إذا استقر في قلبك أيها المؤمن .
مثلا أقوم واتعب وأقوم للصلاة فجرا وغيري في فراشه ....
سيكون هذا الأمر فترة من حياتك يسيرة ثم ينقضي إلى الثواب ...
هذه هي الحقائق التي أراد القران منها أن تستقر في قلوبنا جميعا .
عندما ترى في الحياة الدنيا من هو قد سعد في حياته الفانية هذه فلا يصلي مطلقا ، ويأكل من أنواع الحرام ما شاء ، يكسب من أنواع المال
ما شاء من دون قيد ، يستلذ بأنواع هذه اللذائذ في هذه الحياة الدنيا ؛ عندما تنظر إليه يسير بالشارع بسيارة فاخرة ، يدخل منزلا فاخرا ، .... يفعل من الحرام ما شاء ، تنظر إليه وهو في هذه اللذائد ثم يأتي في بالك القران ؛ كلام القران أن متاع هذه الدنيا حياة متاع يسيرة ، ما لذي سيستقر في قلبك ماذا يأتيك ؟
ما لنتيجة التي تخرج بها بعد هذا التحليل عن الحياة الدنيا في كتاب الله عز وجل ؟
من الطبيعي جدا أن يأتيك ردة الفعل أن هذا متع نفسه بحياة يسيرة فانية ،بينما أنا أحاول أن أبني حياتي المستقرة الدائمة .
عند إذٍ هل سيخالجك شيء من الندم على عدم التلذذ في هذه الحياة الدنيا ، أو شيئا من الحسرة أن أتعبت نفسك في طاعة الله عز وجل وفي الابتعاد عن نواهيه ؟
لا ، لا يأتيك لأنك تنظر إلي حياة أبدية ، سرمدية .
هذا الأمر الذي أراد القران أن يستقر في قلوب المسلمين على جهة العموم .
لذا قال في بعض الآيات ، الأنبياء يخاطبون أقوامهم يبينون لهم هذه الحقائق ، يصرخ بها النبي صل الله عليه وسلم صراخا عندما يقول لهم :
"يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار "*وهذه الحقيقة وقد تكررت في القران كثيراً ، إذا استقرت في قلبونا جميعنا واستقرت في قلوب المسلمين هانت الدنيا وما فيها من لذائد ، وعظمت الآخرة ، وما نتكبد في هذه الحياة الدنيا من أجلها ، هان علينا كثيرا .
وذا أحببت أن نتكلم عن هذه الحياة الدنيا ، وتلك الحياة الآخرة ، وأن نتكلم عن هذه الحقيقة العظيمة .
لذا يوم نظر رسول الله صل الله عليه وسلم إلى هذه الحقائق العظيمة في كتاب الله عز وجل ، جاءت الأحاديث العظيمة في بيان هذا الأمر المهم الجليل .
: عند الترمذي بإسناد صحيح أن النبي صل الله عليه وسلم قال :
(لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء )صححه الترمذي رحمه الله .
يقول فيه النبي صل الله عليه وسلم
وهو يخاطب المؤمنين ويبين لغير المؤمنين هذه الحقيقة الكبيرة ..
"لو الدنيا تعدل ........."
هذا الأمر ممن أخذه صل الله عليه وسلم ، أخذه من أي الآيات ؟
أخذه من الآيات التي تكلمت عن الحياة الدنيا ، اتضح أنها ليست بشي .
جاء هذا الوصف البليغ منه صل الله عليه وسلم ، كل الدنيا لا تعادل عند الله جناح بعوضة.
لوعر ض عليك تشتري جناح بعوضه بمبلغ هل تشتريه ؟ هل يشتري جناح البعوضة بأية مبلغ ؟
لا ، أبداً (هذه الدنيا عند الله لا تستحق قرشا واحدا )
أن هذه الدنيا من أولها لآخرها في ميزان الله عز وجل ما تعدل ولا فلسا واحدا .
كيف الأمر ؟؟ ،،
لو كانت تعدل جناح بعوضه ( ما سقى كافر منها شربة ماء ).......
الكافر يشرب الماء بل هو يشرب أعظم من الماء ، ومن أنواع الملذات والنعم ، ويأكل ما طاب له ؛ لأن الدنيا هينة يسيرة لا ينظر الله لها إنما ينظر إلى تلك الدار العظيمة ( الآخرة ).
إذن القضية هي أن يدرك مامعنى الحياة في كتاب الله عز وجل ؟ ،،
مثل آخر في
قول صلى الله عليه وسلم : ـــ ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم واحد )
أن تزول الدنيا بجبالها بذهبها بكل ما فيها زوال الدنيا من أولها وإلى آخرها ،أهون عند الله من دم مسلم واحد // الـ مسلم أعظم من الدنيا كلها.
وأنت مسلم ألا تفخر بهذا ؟ ألا تسعد بهذا ؟
عندما تدرك الحقيقة الكبرى في كلام من الله عز وجل وفي كلام رسوله صل الله عليه وسلم تعتز بأنك مسلم وأنك عند الله أغلى من هذا .
بل ثبت عن عمر رضي الله عنه ، أنه مر بالكعبة فرآها ، فقال :
(إن حرمتك عند الله عظيمه ، ولكن حرمة المؤمن أعظم عند الله منك )
أنت عظيم عند الله عز وجل ، أنت عزيز عند الله عز وجل انت كبير ،، أدرك هذا أيها المؤمن ، عظّم منة الله عليك ؛أن جعلك مسلما ثم جزاء هذه النعمة من الله عز وجل أن تتوجه إلى كلامه الله عز وجل
فــ تقبل على هذا الكتاب دراسة وتدبرا وفهما .
وصل الله وسلم على نبينا محمد
ا. هـ
.
أم الشهداء
20-10-08, 08:46 PM
ما شاء الله
جهد رائع غاليتي سهام الليل :)
جعله المولى ثقيلاً في ميزان حسناتكِ .. :icony6:
أم جهاد وأحمد
20-10-08, 09:40 PM
ثبت الله اجوركن طالبات المجموعة الاولى عامة
وبارك الله فيك سهام الليل خصوصا
نفعنا الله تعالى بهذا الصرح المفيد
أم الشهداء
24-10-08, 01:39 PM
التفكر في آيات الله و نعمه - العيش مع القرآن
فيدلك هذا التفكر على كيفية الارتقاء إلى درجة الإيمان العالية بالله سبحانه و تعالى و الاطمئنان الكامل بشرعه الذي نزله على نبيه صلى الله عليه و سلم.
هذا في أهل الإيمان، أما أهل الكفران فالقضية في شأنهم تختلف جدا، فإن الله عز و جل خلق لهم أيضا أعين يبصرون بها و خلق لهم أيضا أسماعا يسمعون بها ، و خلق لهم عقولا يحللون بها الأمور و يدركون بها ما ... هذه الحياة الدنيا من أولها إلى آخرها، و لكن هل نفعتهم هذه العقول؟ هل نفعتهم هذه الأسماع؟ هل نفعتهم هذه الأبصار؟ لا،أبدا لم يحصل لهذا الكافر أن انتفع بهذه الجوارح، و لقد بين الله عز و جل ذلك في آيات كثيرة مم كتابه سبحانه و تعالى ، و جعل يؤكد هذه الحقيقة التي ... تعيش في حياتك و قد سخرت لك المخلوقات من أولها إلى آخرها لتستعين بها على إدراك هذه الحقيقة الكبرى هي أن الله عز و جل هو الذي خلق و هو الذي دبر و هو الذي شرع و هو الذي أمر و هو الذي نهى سبحانه و تعالى، فتعيش و كأنك تدرك إدراكا كاملا تاما بأنك تسير بنور من الله عز وجل في حياتك الدنيا و ستسير بنور من الله عز وجل على الصراط المستقيم و ستسير بإذن الله جل و علا في الارتقاء للدرجات العالية في الجنان.
أما الطرف الآخر فعلى الضد من ذلك، لكي تدرك نعمة الله عز و جل عليك لا بد أن تدرك ما في الطرف الآخر من الضلال و العمى و البعد عن الهدى و الوقوع في الشقاء.
هل منكم من يتذكر آية من كتاب الله عز و جل تبين لنا ما فيه الكافر من البعد عن النور ، و ما فيه الكافر من القرب من الشقاء؟ ذكر الله عز وجل ذلك في آيات كثيرة، ووصف هؤلاء الكافرين بأوصاف لكي تدرك عظم نعمة الله عز وجل عليك بالهداية.
نريد آية تبين لنا هكذا المفهوم من كتاب الله سبحانه و تعالى .- قال الله عز و جل في سورة الأعراف: (( و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون))
- أحسنت، بارك الله فيك. نعم، هذه الآية العظيمة التي بين الله عز وجل فيها حال المخالفين، حال الناكصين، حال البعيدين عن كتاب الله عز و جل ، فيا أيها المؤمن، عندما ترى كافرا أنعم الله عز و جل عليه بأنواع من النعم الكثيرة في هذه الحياة الدنيا، نعما قد تكون في الهيئة ، في الجمال ، في اللون، في المنظر، في القوة، نعما قد تكون راجعة إلى المال، إلى الغنى، إلى الثراء، نعما قد تكون راجعة إلى الصحة، إلى العافية، إلى قلة الأمراض، ، نعما راجعة إلى أشياء كثيرة في هذه الحياة الدنيا ، فلا تحزن على ما فاتك من هذه النعم، و لا تظن أن الله قد نسيك من نعمه و أنعم بها على هذا الكافر، لا أيها المؤمن، فإن الله عز و جل بين لك حقيقة هذا الكافر في هذه الحياة الدنيا بمثل هذه الآية العظيمة.
تأمل معي قول الله تعالى " و لقد ذرأنا" أي خلقنا، و ذرأ الله أي برأ هذه المخلوقات حين خلقها و قدر لها أن ترمى في نار جهنم، و لك أن تتأمل بداية هذه الآية العظيمة فهم خلقوا حين خلقوا ليكونوا من أهل جهنم، و هذا ليس من ظلم الله عز و جل لهم، بل هم الذي ظلموا أنفسهم.
لأنهم رأو النور فأعرضوا عنه، و رأوا الظلمة و طريق الشيطان فاختاروه، و لهذا قال الله و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس، ما صفتهم؟ قال لهم قلوب لا يفقهون بها.
فعندما ترى قلب هذا الكافر، قد يكون لم يعتريه شيء من الأمراض أبدا، و لكن المرض الأعظم و البلاء الأكبر و الأدهى و الأمر هو مستقر في قلبه، لأن الله عز و جل قد وصف هذا القلب بأنه لا يفقه، و أي داء أعظم من كونه لا يفقه، و معنى لا يفقه أي لا يفهم ، لا يعلم ، لا يدرك، لا يفهم شيئا يستفيد منه في حياة عظيمة هو مقبل عليها، أي لا يفهمون شيئا ينفعهم في الحياة العظيمة الباقية، ثم وصف الله عز وجل أعينهم فقال و لهم أعين، هذه الأعين قد كون صحيحة، قوية حادة، مبصرة، و قد تكون أيضا جميلة، و نقية، و لكن في حقيقة الأمر هم لا يبصرون بها، فإياك إياك أيها المؤمن أن يضعف إيمانك فتتمنى عينا كعين هذا الكافر، الذي و إن كنت تراه على أحسن حال إلا أنه في الحقيقة أعمى، لا يبصر أبدا، هو يرى الآن، يمشي على رجليه و يرى طريقه أمامه فكيف لا يبصر بها؟ لا يبصر بها حقيقة الحياة الدنيا على وجهها الذي خلقها الله عز و جل عليه و لا يدرك الحقيقة الآخرة العظيمة على وجهها الذي خلقها الله عز و جل عليه و من لا يدرك هذه الحقائق في الدنيا أو في الآخرة هو في حقيقة الأمر لا يبصر و إن كان يرى أحدّ نظر و يبصر أشد إبصار و لكنه -و الله- في حقيقة الأمر أعمى لأن الحقيقة الكبرى لم يرها و لم يبصرها، و ما فائدة أن يعيش دهرا من زمنه حياة قل إنه عاش ستين عاما، سبعين، ثمانين، مائة، مائة و عشرين، مائتين، ثلاثمائة سنة، قل ألف سنة، عاشها و هو في أتم صحة و عافية، ثم ماذا؟ إنها حياة انتهت بعد ألف سنة، ثم بدأت حياة لا تنتهي و بدأت أمور لا تنقضي أبدا، و لذا كانت هذه الحياة مهما امتدت السنوات فيها قليلة، و كانت تلك الحياة لا تنتهي أبدا و لا تنقضي طويلة مستقرة دائما. و لذا انظر إلى هذه الدنيا بهذا المنظار أيها المؤمن ، نعم ، بمنظار القرآن لأن القرآن بينه أشد بيان، فإن لم تنظر إلى الحياة الدنيا و إلى الحياة الآخرة بمنظار القرآن لن نهنأ في حياتك و لن تسعد في أمورك و لن تستقر في قلبك، و لا أيضا مع خلق الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا لأنك ستكون منجذبا تارة إلى إيمانك الذي في قلبك، و تارة ستجذبك الأهواء إلى هذه الحياة الدنيا و ما فيها من الزينة، و لذا تكون في حالة صعبة من الحوار و النقاش بين النفس الأمارة بالسوء و النفس الأمارة التي تأمرك بالإيمان و طاعة الرحمن فتكون بين قلبك حين يبصر و حين يرى الهدى و بين قلبك حين يعمى و حين يقع في الشقاء . و لذا إن أردت أن تسعد و أن تعيش حياة هانئة دائمة مستقرة سعيدة ثابتة على أمر لا ينقلب و لا يتغير لا في حياتك الدنيا و لا في قبرك بعد أن تموت ولا أيضا بعد أن تبعث من قبرك ، إن أردت أن تعيش حياة هانئة سعيدة ، فهذه هي حياة القرآن التي لا تتغير و لا تتقلب و لا تتبدل ، ليس فيها ما يدعوك إلى الخوف و ليس فيها ما يدعوك إلى الوجل و ليس فيها ما يدعوك إلى انتظار المجهول ، فليس في كتاب الله عز وجل ولا فيمن استدل بكتاب الله عز وجل على هذه الحياة بأنواعها الثلاثة ، ليس فيها مجهول و إنما فيها أمر مبصر ظاهر واضح كالشمس في رابعة النهار، و لذا هنا قال "لهم أعين لا يبصرون بها " ثم قال "و لهم آذان لا يسمعون بها " هم يسمعون الآن الكلام، بل قد يكون سمعهم أصح من سمعنا نحن ، و لكن مع ذلك قال الله عز وجل " لا يسمعون بها" عجبا، كيف لا يسمعون بها؟، هم يسمعون يا رب الآن و يدركون بها أنواعا من الكلام كثيرة يسمعون بها ما يشاءون من الكلام بينهم و بين الناس ، و يسمعون بها أنواعا من الخنا و أنواعا من الغناء و أنوعا من الأباطيل و الكلام الفارغ فكيف لا يسمعون؟ نعم، لا يسمعون كلاما ينفعهم يكون داخلا في قلوبهم، فإن السمع إنما هو في كتاب الله عز و جل على نوعين، سمع بطرف الجارحة، هذا لا قيمة له و لا معنى له لأنه قليل ثم يفنى، و أما السمع النافع فهو السمع الذي يكون في القلب فإن للمؤمن سمعا في جارحته و سمعا في قلبه، فإن استمع بجارحته ثم استمع بقلبه نفعه السماع، و إن استمع بجارحته دون أن يدخل هذا المسموع إلى داخل القلب لم ينفعه السماع. و لذا قال هنا لهم آذان و لكن لا يسمعون بها .
إذن ما حقيقة هذا الكافر؟ حقيقته أنه إنسان ليس له قلب و حقيقته أنه إنسان ليس له بصر و حقيقته أنه إنسان ليس له سمع . و لك أن تتأمل إنسانا يسير على هذه البسيطة و سيسير على الصراط بما وصفه الله عز و جل و بما وصفه رسوله صلى الله عليه و سلم ، و سيسير من فوق جهنم التي ملئت بالمراصد " إن جهنم كانت مرصادا" ، سيسير على هذا كله من دون أن يكون له بصر و لا يكون له سمع . تأمل إنسانا هذا حاله ، أيسرك أن تكون على مثل حاله؟ لا أظن ذلك أبدا ، نعم لا أظن ذلك أبدا، فإذن أريد منك شيئا واحد ا أيها المؤمن، لا أريد مرة من المرات إذا أدركت حقيقة الحياة في القرآن ...
الحياة في القرآن أن يقع في قلبك ضعفاً وانهزاماً عندما ترى كافراً قد أنعم الله في الحياة الدنيا بأنواعاً من النعم , بل عندما ترى كافراً من الكفار فينبغي لك أن تسعد وأن تحمد وأن ترتفع بإيمانك فتحمد لله عز وجل كثيراً كثيراً كثيراً أن جعلك مسلما , وتسعد بهذا الإسلام لأن الله حرمه فلان وأتاه إياك فإن لم تسعد بالقرآن وتعتز بدينك أقوى وأتم ماتكون العزة فإنما ذلك لمرضاً في قلبك وقلة في فهمك وضعفاً في إدراكك لحقائق القرآن , هذا هو الأمر الأول فيما يتعلق بالحياة في القرءان أريد أن ننتقل بعد ذلك إلى مسألة توضح هذا الأمر جلياً , وهي ما يتعلق بمثال على حياة في ضوء القرءان وعلى مثالاً على حياة في ضلال الشيطان , كيف يكون هذا الأمر ؟
الله عز وجل بين لنا ذلك أشد البيان , نأخذ مثالاً ذكره الله عز وجل لرجل من الرجال , أتاه الله سبحانه وتعالى أنواعاً من النعم الكثيرة , ثم نظر إليه الناس , فلما نظروا إليه منهم من نظرا إليه بنظرة دنيوية بحته , ومنهم من نظر إليه نظرة شفافة يدرك معها حقيقة الدنيا وحقيقة الأخرة ولذا هل تذكرون مثلاً في كتابه الله عز وجل ضربه الله سبحانه وتعالى لرجل نظر الناس إليه نظرين , نظراً لأهل الجهل ونظراً أخر لأهل الإيمان ؟
مثال من القرءان : مثل قارون :
ذكر الله عز وجل عبره لمن لم يعتبر فقال الله تعالى : ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ )
تأمل هذا المثل أيه المؤمن , هذا رجل أوتي من أنواع النعيم ما أوتي , مفاتح خزائنه فقط لا يستطيع العصبة من الرجال أن يحملوها !
لا أريد أن أتكلم عن قارون , لا ! وأنما أريد أن أتكلم عن من نظر على قارون .
هذا ليس لنا فيه الآن كبير علاقة , وأإنما كلامنا فيمن نظرا إلى قارون .
أما الفئة الأولى : لما نظرت إلى قارون , ماذا قالت ؟
(يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) شوفوا النظرة ! هؤلاء هل عاشوا في ضوء القرآن ؟ في نور القرآن ؟ أبداً ..
وأنما هؤلاء عمين عن نور الله عز وجل .
أما الفئة الأخرى : التي نظرت بنور القرآن بنور وحي الرحمن , فماذا قالت ؟
قالت صراحة ,( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) عرفوا الحقيقة !
عرفوا حقيقة هذه الحياة , فماذا قالوا ؟قالوا مباشرةً وهم يتكلمون عما استقرت عليه الأمور في قلوبهم وفي أفئدتهم , تكلم الإيمان من داخل قلوبهم من دون تردد ولا وجل ولا نظرة إلى هذه الحياة الحقيرة الفانية فقالوا كلاماً عظيماً ( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ )
" فاصل "
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
حياكم الله أيه الأحبة في مجلساً من مجالس القرءان , كنا تكلمنا عن الهدف الأول وما يتعلق به , وهو أننا نريد من هذه الدروس أن نعيش في حياة القرءان وقد ذكرت لكم أن هذه الحياة يسيره سهلة ليست بلعسيرة ليست حياة عبارة عن مثاليات عظيمة وكبيرة ..لا !
وأنما هي حياة يسيره من الممكن أن يعيشها أي مؤمن .
ننتقل بعد ذلك إلى الحياة الأخرى التي نريد أن نقف عليها في هذه الدروس , عندنا هدف نريد نحققه من خلال هذه الحلقات وهو ما نستطيع أن نسميه , بـ : نريد أن نعيش مع القرءان .
إذا كانت هذه حياة القرءان , فكيف نعيش مع القرءان؟ فهذا هو الهدف الثاني :
الهدف الأول تكلمنا عنه , نريد أن نبني على الهدف الأول هدفاً ثانياً وهو : كيف نعيش مع القرءان ؟
الحياة مع القرآن لها طعم ولذة يتمناها كل مسلم وكل مؤمن يتمناها بدليل أن الإنسان عندما يتلوا و يقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم , يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بصعوبات كثيرة جداً في حياته , تأمل حياته صلوات ربي وسلامه عليه , هل عاش حياة رغيدة هانئة , حياة ملأها اللذات , ملأها الشهوات , ملأها كل ما يتمناه صلوات ربي وسلامه عليه ؟
إذا أراد شيئاً حظر أمامه , إذا تمنى شيئاً وجده ؟ وإذا اشتهى من الطعام أنواعاً تيسرت له ؟ وإذا اشتهى أنواعاً من الشراب تيسرت له ؟
أبداً ..
وأنما عاش صلى الله عليه وسلم في حياة توصف بأنها حياة المساكين , حياة يجد فيها شيئاً من قوته ,شيئاً مما يحتاجه تارةً يجد طعاماً و إياماً لا يجد طعاماً , تارةً يجد أنواعاً من الأكل وفي أياماً أخرى لا يجد إلا الأسودين التمر والماء .. تارة ً يجد من ينصره وتارةً لا يجد من ينصره !
تارةً يكون منتصر اً صلوات ربي وسلامه عليه داخلاً فاتحاً وعاش قبل ذلك مراراً مطروداً .
يضرب بالحجارة صلى الله عليه وسلم فعاش أنواًعاً من الحياة , فهذه الحياة التي عاشها صلى الله عليه وسلم من حين البعثة إلى حين أن توفي صلوات ربي وسلامه عليه , هل كانت حياة سعيدة هنيئة ؟ حياة يتمناها كل مسلم كل مؤمن أم لا ؟
بلى , كلنا نتمنى أن نعيش كما عاش الرسول صلى الله عليه وسلم , كلنا نتمنى أن نسعد كما سعد صلى الله عليه وسلم وكان سعيداً في حياته .
كلنا نتمنى أن نخطوا على إثر خطواته , صلوات ربي وسلامه عليه , هل هذا من الممكن ؟ قطعاً أيضاً من الممكن .
لما ؟!
لأن هناك من سار على خطواته وأقتفى أثره صلوات ربي وسلامه عليه , أليس هناك من يقال له أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ؟
هؤلاء الأربعة ألم يكونوا على خطى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ بلى !
بقية العشرة أصحاب الشجرة , بقية الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين السلف الصالح , جماعة كثيرة من أهل العلم والفضل إلى زماننا هذا عاشوا في نور القرءان , وعاشوا في حياة القرآن فهذا ممكن أن يعيش الإنسان وممكن أن يناله وممكن أن يظفر به .كيف يكون هذا ؟
الذي نريده ونتمناه إذا كان ممكناً ينبغى أن نعرف ما الأدوات التي من خلالها نستطيع أن نعيش مثل ما عاشوا وأن نسعد كما سعدوا وأن نظفر بما ظفروا .لأنهم عملوا لأمر جليل عظيم تعبوا في هذه الحياة الدنيا بقدر ما أعطاهم الله عز وجل من السعادة فيها وادخروا للحياة لأخرة أنواعاً من السعادة الكاملة التامة , كيف فعل القرءان بهم هذا ؟
إنما اهتدى النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق بالقرءان .
كيف حصل هذا من القرءان ؟
هذا الذي نريد نبين أنه هدفاً لنا من هذه الدروس المباركة , من أهدافنا في هذه الدروس أن نتعلم كيف نعيش مع القرءان ؟ كيف نعيش مع كتاب الله عز وجل ؟ هناك آية وصفة هذا الإنسان عندما يتلى عليه آيات الرحمن عندما يتنزل القرءان ويدخل القلب , هناك آية وصفت هذا الإنسان في موقفه من كتاب الله عز وجل بل آيات كثيرة , نريد منها شيئاً , حتى نقف على مثلاً واحد ثم نتكلم عن هذا المثل ونبين كيف يكون الأنسان في حقيقته عائشاً مع كتابه الله عز وجل , أحد يذكر لنا آية في هذا الشان ؟ بينت لنا كيف يعيش الإنسان مع القرآن ؟
قال الله تعالى :
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) .
دعني أنا وإياك ومع بقية الأحبة و بقية الأخوة المستمعين نقف مع أوائل هذه الآيات , أنظر ماذا يقول الله عز وجل وتأمل بماذا يخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ( الله نزل أحسن الحديث ) من الذي أنزل ؟ هو من ؟ هو الله .
فهذا الكلام هو كلام الله وأريد أن تكون هذه الحقيقة مستقرة استقراراً تاماً كاملاً في كل قلب من دون استثناء يجب أن تعرف يقيناً أن هذا الكلام ليس كلامي أنا ولا كلامك أنت وأنما هو كلام جبار السموات والأرض , سبحانه وتعالى تكلم به ليخرجك من الظلمات إلى النور , ليهديك من الضلال إلى الحق , يجب أن تعلم هذا يقيناً ولذا قال في أول الآية التي تلاها الأخ يا بارك الله فيه وقد أحسن باختيار هذه الآية , (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ) فقد نزل هذا الكتاب من العلو !
علو الجبار سبحانه وتعالى , نزل سبحانه وتعالى إلى الناس .
فقال الله{ نزل أحسن الحديث } هذا الكتاب أحسن الكتب وأحسن الكلام , وأجمل كلام وأعظم كلام , أصفاه الله عز وجل ليجعله منزلا على محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغه إلى أمته , فله منة عظيمة سبحانه وتعالى علينا نحن أن جعلنا من أمة القرآن , غيرنا هل هن من امة القرآن ؟ لأ . من قبلنا كانوا من أي أمة ؟ من امة التوراة والإنجيل والزبور , من امة صحب إبراهيم وموسى , أما نحن فمن امة القرآن , أليست هذه منة علينا جميعا ؟ بل هي منة أيها المؤمن لو أدركت هذا لعلمت عظم منة الله عز وجل عليك أن جعلك من امة محمد صلى الله عليه وسلم .
تصور يا أخي أنك لست من امة محمد صلى الله عليه وسلم , وأن الذي انزل عليك هو كتاب التوراة أو الإنجيل , هل كان هذا كذاك ؟؟؟ أبدا , أبدا ليس هذا كذاك .
التقيت مرة برجل نصراني لا يؤمن بالإسلام , وإنما يخبر عن نفسه انه نصراني ولكنه يقول أنه موحد , نصراني لكنه موحد أي لا يؤمن بالتثليث , فناقشته وحاورته لعله ينتقل من النصرانية إلى الإسلام , فكان مما قلا بعد ان تكلمت معه قلت : أريد أن أصل أنا وإياك إلى حقيقية ثابتة استطيع أن انتقل بعد ذلك من خلالها إلى الحجة التي تليها ثم التي تليها حتى نصل إلى حقائق يجب علي وعليك أن نصير إليها , فقلت له وكنت أظن إنني بحاجة أن ابدأ في قضية الوجود , وان الله سبحانه موجود وانه واحد ثم انه لابد أن يهدي الخلق بكتاب ويرسل إليهم الرسل فقطع علي الأمر مباشرة قال :
يا أخي أنا بقولك أمر (وكان من بلاد الشام) أنا }أؤمن بأن هذا القرآن هذا الكتاب هو من عند الله عز وجل , قلت : عجبا لك , ليش تؤمن هذا الإيمان ؟؟؟ قال : بأقول لك شي احجب من هذا , والله ما نمت ليلة واحده حتى أقرا وجه من القرآن !!! قلت : ليش ؟ قال : يا أخي هذا الكتاب عجيب غريب , عندما تقرأه كأنك تقرا تحفة أدبية رائعة , تقرا كلام عالي ليس ككلامنا نحن ,, أنا عندي نسخ كثيرة من الإنجيل من أكثر من 3 سنوات ما فتح الإنجيل ولا قرأت فيه صفحة واحدة , أما كتابكم هذا القرآن فو الله ما أذكر أني منذ عرفت القرآن استمعت إليه مرة , كنت أنا في شركة فصلوا وأخذ الإمام يقرأ , فقلت : ايش هذا الكلام ؟ فطلبت نسخة منه قال لي واحد : لأ أنت كافر ما نعطيك نسخة , فقلت : بأحصل عليه بأحصل عليه بالطيب بالغصب بآخذ نسخة من هذا الكتاب , هذا الكتاب مو خاص فيكم هذا لكل الناس ,, يقول : حصلت نسخة من القرآن بالفعل , و والله من حين حصلت عليها وأنا أقرأ هذا القرآن كل ليلة قبل أن أنام ...
ليش ؟؟ أدرك حقيقة القرآن .
يقول : قرانا كتب كثيرة ما وجدنا مثل هذا الكتاب , اطلعنا على كتب أدباء ما لهم حد ما اطلعنا على مثل هذا الكلام الذي في القرآن ..
ويحكي لي مرة يقول : جاءنا مسلم وكنا في عزاء فقلنا للمسلم : لعلك تقرأ علينا شيء من القرآن , يقول : فأخذ يقرأ وكانت زوجتني حاضرة لا تدري ماذا يقرأ هذا الشخص , فلما دخلنا فيقول : قلت لها : استمعتي للكلام ؟ قالت : قالت أي , لكن هذا المسلم ايش كان بيقرأ , قلت : ليش تسألي ؟ قالت : الكلام غريب جدا , أسلوبه راقي جدا , القصص اللي بيحكيها رائع وأسلوب العرض رائع , الكلام اللي بيأمر فيه وبيقوله كلام حلو جدا الحوار الذي بنفس الكلام عجيب جدا حوار يشدك مالك مخرج منه .. , فيقول : وأخذت تتكلم وأنا ساكت تركتها تتكلم عن هذا الآيات اليسيرة اللي سمعتها , فلما انتهت قلت : هذا هو القرآن . قالت : القرآن اللي عند المسلمين !!!!هذا هو ؟؟؟ قلت : نعم هذا القرآن اللي عند المسلمين , قالت : سبحان الله ايش هذا ...
إذا أنا أريدك أيها المؤمن أن نعيش مع القرآن أن تدرك عظمة هذا القرآن , ولهذا هنا قال الله عز وجل { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } متشابه , تدري ليش متشابه أيها المؤمن ؟ القرآن جاء بحقائق ليست كثيرة جدا لكنها واضحة معروفة محصورة , فهو متشابه , تأتيك حقيقة التوحيد مثلا فترد عليك في سورة الإخلاص { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد } طيب جاءنا في سورة الإخلاص الكلام عن التوحيد , يأتيك التوحيد مرة أخرى لكن بصفة ثانية , مثاني , بطريقة أخرى , تقرا مثلا { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون } فهناك الكلام عن توحيد الله عز وجل , هنا الكلام عن نفي الشريك مع الله عز وجل , ثم تأتي إلى سورة ثالثة تتكلم عن التوحيد كذلك لكنها بصورة أخرى , بأسلوب ثالث ورابع وخامس , يأتي الكلام عن التوحيد في قضايا كثيرة في كتاب الله عز وجل , من جهات كثيرة جدا يأتي الكلام عن التوحيد , بل في فاتحة الكتاب يأتي الكلام عن التوحيد بدا فيقول الله عز وجل { الحمد لله رب العالمين } قضية الربوبية والتوحيد .. فيأتي الكلام عن المسألة الواحدة متشابه من جهات كثيرة جدا , يأتي الكلام مثلا عن الإحسان لليتيم والمسكين والضعيف في كتاب الله عز وجل تأتي من جهات كثيرة متنوعة لا حد لها , فيأتيك مثلا يقول لك مثلا في سورة الماعون , ما أولها { أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم *) انظر قليلا , أرأيت الذي يكذب بالدين , الكلام الآن في سورة الماعون عن ماذا ؟ عن الماعون , عن الإحسان إلى الناس , عن إعطائهم ما يحتاجون إليه مما هو زائد عن حاجتك , فضلة لا تحتاج إليها الآن ويحتاج إليها غيرك , فماذا تفعل ؟ ما الذي يجب عليك أن تفعله في مثل هذه المواقف ؟ لما أراد الله عز وجل أن يتكلم مع المسلمين في حقيقة ما يجب عليهم تجاه غيرهم ممن حولهم من الجيران والأهل والأصحاب والأحباب , شف البداية كيف جاءت ؟ أرأيت الذي يكذب بالدين ... الكلام عن ماذا ؟ عن التكذيب بيوم الدين يوم القيامة , شف كيف البدأ الشديد الصعب العسر , من هو هذا يارب الذي يكذب بيوم الدين ؟ قال { فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين } وش معنى يحض ؟ يحث . فالكلام لما أردا ان يتكلم عن إطعام المسكين وعن رحمة باليتيم بدأ بالبداية القوية { أرأيت الذي يكذب بالدين* فذلك الذي يدع اليتيم } وهذا متشابه مثاني , وتأتيك في آية أخرى { فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة *} تكلم عن الإطعام في يوم الجوع { يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة } إذ كان يتيم قريب لك أو مسكين بلغ من الأرض إلى أن وصل إلى التراب .
فانظر إلى كونه متشابه , يعرض القضية الواحدة من جهات متنوعة جدا , لأنه يريد من المؤمن أن يتصف بها اتصافا كاملا تماما , فإن لم تدخل عليه من هذه الجهة دخلت عليه من الجهة الأخرى , فغن لم تأتيه من باب مكارم الأخلاق جاءته من باب الوعد , عن لم تأتيه من باب الوعد جاءته من باب الوعيد , وهكذا { متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } هذا هو موقف المؤمن الذي يريد ان يعيش مع القرآن , إذا أردت أن تكون عائشا مع القرآن , أنت في طور حياة كلها من القرآن كما وصف الله عز وجل { تقشعر منه جلود الذي يخشون ربهم } فعند تلاوة آيات الكتاب يكون عندك ماذا ؟ الجلد فيه قشعريرة مع آيات الكتاب , فيه خوف , لما تسمع هذه الآيات والمتكلم بها هو الله عز وجل { تقشعر منه جلود الذي يخشون ربهم } طيب إذا اقشعرت لأنه جاءت آيات الوعيد الشديد بذكر النار , بذكر الأهوال والعذاب الشديد , بعد ذلك ماذا يكون من حال هذا المؤمن { ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } انظر في الآولى ذكر الجلود فقط القشعريرة الخاصة بالجلود , أما بالنسبة ليونة القلب مع آيات الرجاء فجاء الكلام عنه { ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } الآيات التي فيها رجاء , فيها وعد برحمة الله عز وجل , وبجنته سبحانه وتعالى { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد } انظر إلى هذه الحقيقة الجميلة في هذه الآية , هذا هو هدى الله , { ذلك هدى الله } أي الذين تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله عز وجل , وتقشعر وتفرح وتحزن للوعد والوعيد هؤلاء الذين هداهم الله { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده } أما الفئة الأخرى من الناس ما صفتهم وما حالهم ؟ قال الله عز وجل في هذه الآية { ومن يضلل الله فماله من هاد } إذا
هما طريقان ما للمرء غيرهما ***** فنظر لنفسك ماذا أنت تختار
نعم أيها المؤمن أنظر لنفسك ماذا أنت تختار , أسال الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من أهل هداه وأن لا يجعلنا من أهل الضلالة , برحمته وتوفيقه وتسديده , اللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا , وقلبا خاشعا وإيمانا كاملا , ولسانا ذاكرا , وعينا من خشية الله دامعة , اللهم جميعا نسألك الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ...
أم الشهداء
24-10-08, 03:54 PM
كيف نبني بيتا في أرض القرآن
الحمد لله رب العلمين والحمد لله الرحمن الرحيم والحمد لله مالك يوم الدين والحمد لله الذي إياه نعبد وبه وعليه وحده نستعين ثم أصلي واسلم على حبيبنا ونبينا ومصطفى ربنا محمد صلي الله عليه وسلم وعلى أله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
تكلمنا في الحلقة السابقة عن الحياة في ضوء القرآن ثم عن العيش مع القرآن وكيف يكون الإنسان عائشا مع كتاب ربه سبحانه وتعالى ونريد الآن أن ننتقل إلى الهدف الثالث وهو هدف مهم جدا بل هو من الأهداف التي كانت هذه الدروس من أجلها وكان المقصود من إقامتها أن نستطيع أن نبني بيتا في أرض القرآن الهدف الثالث هو نريد أن نبني بيتا في أرض القرآن هذه العبارة المقصود منها أن يكون لنا حياة وعيشا وبناء في رياض كتاب الله سبحانه وتعالى كيف يكون هذا نعم أيها المؤمن حياتك من الممكن من أولها إلى أخرها من حين أن تستيقظ في الصباح الباكر إلى أن تنام بل من بعد أن تنام وإلى أن تستيقظ من نومك من الممكن جدا أن تكون مع القران من أولها إلى أخرها لما وكيف إذا بنيت بيتك على أرض القران وإذ استعنت في بناء هذا البيت بالقران وإذ أخذت في بناء هذا البيت بأدوات تستلهمها من القران
نريد هذا كله نريد أن تكون الأرض من كتاب الله عز وجل قطعة من نور هذا القران الذي أنزله الله عز وجل على هذه الأرض ونريد أيضا عندما نهم في البناء ونشرع في تشييد هذا البيت المبارك نريد أيضا أن نستعين على هذا البناء وفي تشييده بكتاب الله عز وجل فقواعده كلها من أولها إلى أخرها من الممكن جدا أيها المؤمن أن نأخذها من القران وكذلك إذا أردنا أن نأخذ شيئا مما يتعلق بهذا البناء ولنضرب مثلا على ذلك بأحجاره وطوبه بملاطه أي بالخلطة وكذلك ما يتعلق بدهانه بزخارفه بتزويقاته كلها من أولها إلى أخرها أيها المؤمن الممكن أن تكون مع كتاب الله عز وجل نعم
تصور هذا البيت قد بني في أرض القرآن وقد شيد من القران وقد جمل وحسن من القرآن أيضا وهذا من الممكن كيف ؟ هذا الذي نريد في الهدف الثالث أن نطمع إليه ثم من خلال الوسائل المقررة في هذه الدروس أن نصل إليه أريدك أن تطمع في هذا وأن تعلم أنه من الممكن تماما أن تشيد بناءا كاملا تاما رفيعا شريفا جميلا حسنا أبيضا ولكنه من القرآن كيف هذا سنأتي به بإذن الله فيما نستكمل من الدروس
ولكن دعني اضرب لك أمثلة أيها المؤمن أيها المبارك يا قارئ القران دعني أضرب لك أمثلة لهذا البناء جاء في كتاب الله عز وجل بل كان القران هو الذي يهدي محمد صلى الله عليه وسلم في تشييد بناء هذه الأمة من أولها إلى أخرها نحن لا نستطيع أن نشيد بناء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من أولها إلى أخرها إنما كان هذا على يده صلوات ربي وسلامه عليه لكن من الممكن أن نساهم في تجديد بناء الأمة من الممكن أن نساهم في إصلاح الخلل والخطأ الذي يوجد حينا في بعض جدران ومنافذ بنيان هذه الأمة في هذا البنيان العظيم هناك ولا شك أمور لا نرتضيها ولا نفرح بها ونتمنى أن تزول هناك أنواع من الإعطاب أنواع من الخلل أنواع من الكسور أنواع من الشروخ في هذا الجدار العظيم في جدار هذا البنيان المشيد في بنيان أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا أردنا أن نساهم في تصحيح وفي تقويم هذا البنيان عند إذ يجب أن نكون أداة صحيحة سليمة في الوقوف على تصحيح الأخطاء وهذا لا يكون إلا من كتاب الله عز وجل
نأخذ أمثلة لننظر كيف ساهم هذا القرآن بل كيف أمر هذا القرآن نبي الهدي صلى الله عليه وسلم لتشييد هذا البنيان خذ أول قاعدة أمر بها القران في توجهه الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وأريد منك أن تكون متفتح الذهن جدا في تصور هذه الأوامر من القرآن حينما تنزلت على خير البشر صلى الله عليه وسلم محمد صلوات ربي وسلامه عليه لما تنزل عليه القران كان قبله كما ذكرنا لك (ووجدك ضالا فهدى) بعيدا عن نور القرآن لما تنزل عليه القرآن أمره أن يبدأ في تشييد هذا البنيان العظيم بنيان أمة محمد صلى الله عليه وسلم فما هي الأوامر الأولى التي جاءت من القرآن على هذا النبي الكريم لتشييد هذا البنيان ما هي ؟ انظر إلي أول سورة تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم وهي تعتبر اللبنة الأولى في تشييد هذا البنيان العظيم الذي هو أعظم بناء شيده نبي صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين لكل نبي بنيان لكل نبي أمة دعاهم إلى الحق منهم من أجاب ومنهم من رد ورفض وأمة محمد صلى الله عليه وسلم دعاها نبيها فاستجاب منها أمم وبقي أيضا أمم لم تجب ومن أجب بين لهم صلى الله عليه وسلم هذا البنيان العظيم فما هي اللبنة الأولي التي وضعها القرآن لتشييد بنيان أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي أول سورة تنزلت على هذا النبي الكريم :هي سورة العلق نعلم جميعا أن سورة العلق هي أول سورة تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم على الصحيح من أقوال أهل العلم لنقرأ أوائل سورة العلق لندرك كيف كانت أول لبنه في هذا البنيان العظيم ( اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق*اقرأ وربك الأكرم*الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم )
انظر أيها المؤمن أيها المبارك يا من استمعت إلى هذه الآيات العظيمات وانظر إلى أوائل الأوامر التي جاءت في هذه السورة ولك أن تتخيل أن هذه أول أية سمعها محمد صلى الله عليه وسلم وكأنها أول أيه تستمع أليها أنت من كتاب الله عز وجل لو كنت قبل ذلك لم تستمع إلى شيء من كتاب الله مطلقا ثم استمعت إلى أية إلى ماذا ستستمع ، ستستمع إلى قول الجبار سبحانه اقرأ باسم ربك الذي خلق فما هو أول أمر أمر به محمد صلى الله عليه وسلم ، أمر باقرأ والمقصود هنا بالنسبة لاقرأ تحصيل العلم لان القراءة وسيلة لتحصيل العلم فأول ما أمر به محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن وهو أول لبنة وضعت في تشييد هذا البنيان العظيم تشييد بناء أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو العلم فأعظم قاعدة وأكبر ما عندنا في هذه الأمة هو ما يتعلق بمسألة العلم وإذا جاء الأمر أولا فيها أقرأ باسم ربك الذي خلق اقرأ أي حصل العلم وأي علم أي العلم النافع
كيف أدركنا أنه العلم النافع لا غيره أدركناه بقوله سبحانه وتعالى بعده مباشرة ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) الباء هذه تسمى باء الاستعانة باسم ربك الذي خلق فأمر أن يستعين باسم الذي خلق أي باسم الله عز وجل على ماذا على تحصيل العلم والذي يستعين باسم الله سبحانه وتعالى العظيم على تحصيل العلم حيث يحصل علم ليس له نفع هل سيحصل علم ليس له جدوى ليس من وراءه فائدة لا وإنما سيحصل العلم الذي له فائدة عظيمة وجدوى كبيرة سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة
ولذا هكذا كان بداية تشييد هذا البنيان العظيم فأول ما ينبغي لكل من أراد أن يبني بيتا عظيما جميلا حسنا في هذه الحياة الدنيا من كتاب الله أول ما ينبغي عليه أن يبدأ بالعلم وبدون العلم لن يستطيع أن يبني بيتا على طريقة وهدى وخطى وأثر هذا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه
نعم لا يمكن وهذا مثال نضرب لك الآن كيف نبني بيتا من القرآن فهذا هو المثل الأول إذا أردت أن تبني بيتا من القرآن عماده هو كتاب الله عز وجل ولا يكون بنيانا حسنا ------- خطأ في صوت الشريط من الدقيقة الثانية عشر وعشر ثواني إلى الدقيقة الثانية عشر وستة وخمسين ثانية --------- أن تشيد بناء في أرض القرآن فلابد لك بهذا العلم نعم أيها المؤمن لابد لك أن تبدأ بالعلم
ولذا انظر إلى هذا التكرار العجيب إلى تكرار الله سبحانه وتعالي لمسألة العلم في هذه الآيات التي هي أول ما تنزل ، وأنا لا أريد أن ينقطع ذهنك عن تصور المسألة كما هي النبي صلى الله عليه وسلم ما كان استمع أية قبل ذلك مطلقا ما استمع إلى كلام الله سبحانه وتعالى هذا هو أدب ، ما تنزلت عليه ولا آية ما استمع إلى شيء أبدا وينزل عليه مباشرة أول ما ينزل اقرأ باسم ربك الذي خلق أي تعلم العلم الذي يكون فيه الاستعانة بالله سبحانه وتعالي علم يكون نافع لك في دنياك وأخراك اقرأ باسم ربك الذي خلق ثم ماذا (خلق الإنسان من علق) بيان القدرة الإلهية العظيم ثم ماذا بعدها (اقرأ وربك الأكرم) عاد لمسألة القراءة وربك الأكرم أي إذا استعنت بالله عز وجل فإن كرم الله سبحانه وتعالى سيفيض عليك أنواع من العلوم النافعة الكثيرة فإذا استعنت بالله فبكرم الله سبحانه وتعالى سيكون سببا في تناول أنواع من العلوم كثيرة لا حصر لها ببركة هذا القرآن العظيم وببركة الاستعانة بالله سبحانه وتعالى
ولذا قال بن القيم رحمة الله كلمة عظيمة جليلة قال من فعل طاعة من الطاعات ولم يجد لهذه الطاعة أثر في قلبه وفي نفسه فليراجع نفسه فإن الله كريم شوف العبارة فإن الله كريم ، إذا فعلت طاعة وكنت مخلصا فيها ومقبلا على الله عز وجل فإنه لابد أن يثيبك الله سبحانه وتعالى أمر أخر وطاعة أخرى ولذة ثالثة وطاعة رابعة لان الله كريم ،
فهنا من أقبل على العلم مستعينا بالله فإن الله كريم (اقرأ وربك الأكرم) أي لا تخشى أن الله سيتخلى عنك سيبخل عليك لا سيمن عليك لا وإنما سيكرمك إذا أقبلت عليه وتعلمت العلم النافع مستعينا به سبحانه وتعالى (اقرأ وربك الأكرم*الذي علم بالقلم ) شوف كرر أيضا مرة ثانية مسألة العلم فكلمة القراءة مرتين وكلمة العلم مرتين فمسألة العلم والقراءة تكررت أربع مرات وهي أوائل ما تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهذا يفيدك أهمية العلم في تحقيق ما تتمناه من العيش في رياض القرآن ( اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق*اقرأ وربك الأكرم*الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم ( وأعظم ما علم الله الإنسان هو القرآن
وهذه حقيقة إذا أردت أن تعيش في أرض القرآن وأن تشييد بناءك في ضوء القرآن فلا بد أن يكون بدأ بالعلم وسيأتي الكلام عن هذا تفصيلا بإذن الله سبحانه وتعالى ولكن أردت أن أضرب لك مثلا إذا أخذنا فإن القرآن لما تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أراد منه أن يدرك هذه الحقيقة العظيمة وأنه لا يمكن أن يبني بناء مستقيما مشيدا عظيما إلا بالعلم ولذا نزلت السورة بداية ، بعد ذلك ننتقل إلى رسالة أخري وهي مهمة جدا في هذا الأمر ، ما السورة التي تنزلت بعد سورة العلق وأنا الآن أعيد واكرر أن مقصودي كيف نبني بيتا في أرض القرآن فإذا أردت أن تبني بيتا في أرض القرآن لابد من العلم وبدون العلم أنت لا تستطيع ولن تستطيع ولن يستطيع أحد من الناس أن يبني بيتا في أرض القرآن ، ما هي السورة الثانية التي تنزلت بعد سورة العلق ؟ هي سورة المدثر على خلاف بين المفسرين ولكن جمهور المفسرين على أن السورة الثانية التي تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم هي سورة المدثر من يقرأ لنا أوائل سورة المدثر حتى نقف على الحقيقة الكبرى الثانية في هذا الأمر الجليل ؟
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ، بسم الله الرحمن الرحيم ( يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهّر * والرّجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر )
أحسنت وبارك الله فيك ونفع الله بك
انظر إلى ثاني سورة تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم وأنا لا أريد أن أبدأ أن تنقطع حبال أوصالك في الكلام والتفكر مع هذه الآيات لان هذا الأمر إذا انقطع لن تستفيد شيء نريد أن نعيش وكأن هذه السورة لم يتنزل قبلها إلا سورة واحدة هي سورة العلق فأمرت بالعلم قبلا والآن تأمر بأمر في أخر وهو ما يتعلق ، لما تعلمت يجب عليك بعد ذلك وينبغي لك أيها المؤمن أن تنطلق في الدعوة إلى الله عز وجل أن تنطلق في أرض الله الواسعة فتبلغ دين الله عز وجل وتبلغ ما أمرك الله به سبحانه وتعالي وأنت تتبع نهج الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في أمرهم الناس ونهيهم الناس أمرهم بما أمر الله به ونهيهم عما نهى الله عنه ، ( يا أيها المدثر) كيف ( يا أيها المدثر)؟ هل الإدثار هو أن يأخذ الإنسان لحاف فيلتحف به ويجمع نفسه عليه فيدثر ، يلتحف بهذا اللحاف وكأنه خائف من شيء أو قد جاءه شيء أرده فعندئذ يدثر بهذا خوفا مما قد أحاط به فجاء الخطاب من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في أوائل ما تنزل ( يا أيها المدثر) لم يأتي الخطاب يا محمد ولا يا أيها الرسول وإنما جاء ( يا أيها المدثر) ، فاصل قصير أيها الأحبة ثم نعود إلى الكلام عن سورة المدثر .
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله ، مرحبا بكم أيها الإخوة الأحبة مرة أخرى ، ونحن نتكلم عن سورة المدثر في كيفية أن هذه السورة كانت هي اللبنة الثانية في بناء هذه الأمة العظيمة التي شيد محمد صلى الله عليه وسلم وكان الراعي في هذا البنيان هو القرآن العظيم فتنزلت هذه السورة على هذا النبي العظيم ليبدأ في تشييد هذا البنيات الكبير الهائل الذي هو أعظم بنيان مر على مر تاريخ البشرية ، ولم يمر على تاريخ البشرية أعظم من هذا البنيات ويستحيل هذا في كل الوجوه وعلى كل الأصعدة فإذا ( يا أيها المدثر) هي اللبنة الثانية التي تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ماذا فيها من الأوامر ؟ وما الذي جاء فيها حتى تكون بهذه المنزلة العظيمة أن تكون ثاني سورة تنزلت عليه صلوات ربي وسلامه عليه ، استمع إلى هذه السورة واستمع مع فهم آياتها ستلحظ أن هناك شيء تنزلت من أجله فالله عز وجل يقول في أولها يا أيها المدثر * قم فأنذر) وصفة المدثر هنا كأنما جاءت لذكر عتاب يسير من الله عز وجل إلى هذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي تنزل عليه الوحي العظيم فشق عليه الأمر في بدايته مشقة كبيرة جدا ولك أن تتصور أن إنسان من البشر بلحمة وعظامه ودمه يتنزل عليه أمر من جبار السموات والأرض ويوصل هذا الأمر جبريل عليه السلام وهو أعظم ملائكة الله سبحانه وتعالى والأمر شديد وليس بالهين ولذا لما تنزلت هذه الآيات وتدثر النبي صلى الله عليه وسلم تنزلت عليه مباشر لا لست أنت يا محمد ولا أنتم أيضا يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أتباعه ، لستم أنتم الذين تتدثرون وتختبئون خلف اللحاف وتتركون دعوة الناس لا أنتم تخرجون تبلغون رسالات الله سبحانه وتعالى كما أمركم الله عز وجل
ولذا جاء هذا الوصف فيه عتاب يسير ( يا أيها المدثر) هذه الصفة ليست لك ولا تناسبك أنت الذي يناسبك (قم فأنذر) ولك أنت أن تتأمل كلمة قم قبل فأنذر لا يكون الإنذار وأنت جالس لا وإنما الإنذار ينبغي أن يكون وأنت قائم واقف مستعد لتبليغ دعوة الله عز وجل ولذا قبل الإنذار أمره بالقيام فقال (قم فأنذر * وربك فكبر) هو الآن يريد أن ينذر فما علاقة وربك فكبر ؟ العلاقة هنا أيها المؤمن أن الذي لا يعلم أن الله أكبر من كل شيء وأن الله أعظم من كل شيء وأن الله أجل من كل شيء وأن الله رفيق بكل شيء ، لا يمكن أن يبلغ رسالات الله سبحانه وتعالى لان الخلق لن يتركوه ، أنت تريد أن تسد بين ضلال الناس بين شهواتهم بين لذاتهم بين ظلمهم بين طغيانهم بين كل ما هم فيه من المعاصي والشرور التي يرغب فيها الشيطان تريد أن تجعل سدا منيعا وفاصلا عظيما بين هؤلاء الناس وبين هذه الشهوات التي ملئت قلوبهم و لذا ستواجه معضلة كبيرة جدا, و هي ماذا هي هناك طواغيت في الأرض, و هناك ناس سيصدونك عن هذه الدعوة, و يجابهونك مجابهة شديدة, فإن لم تكن مكبرا لله عز و جل معظما لشأنه سبحانه و تعالى لن تستطيع أن تصمد في مسيرك لهذه الدعوة و في تبليغك لرسالات الله و إذا قال (وربك فكبر) ليكن الله أكير من كل شيء في قلبك, ليكن الله أعظم من كل شيء في قلبك, ليكن الله أجل من كل شيء في قلبك لا تخف أحد فالله معك. لا تنتظر من أحد عطاء و الله معك لا تنتظر من أحد رجاء و الله عز و جل هو الذي معك لا تنتظر من أحد حماية و الله عز و جل هو حاميك و لا تنتظر من أحد يعينك و الله عز و جل هو المعين سبحانه و تعالى و هذا هو معناه أن التعلق الكامل بالله و لا يعني أن تترك السنن الكونية التي أمرك الله عز و جل بها لا و لكن التعلق أولا و بدأ إنما يكون بالكبير المتعال يسبحانه و تعالى
و لذا قال (وربك فكبر وثيابك فطَهر) أنظر إلى هذا الأمر الجميل للداعية في مبدأ حياته الدعوية. (وثيابك فطَهر) و الثياب هنا ليس المقصود بها الملابس هذه و فقط, لا, و إنما الثياب شاملة لكل ما يحيط بالإنسان، بمعنى أنه أمره ثوبك و الثياب فطهر, جاءت عند أنواع المفسرين بأنواع عديدة منهم من يقول و ثيابك أي طهر نفسك من الشرك هذا كلام جملة من المفسرين, منهم من يقول و ثيابك فطهر أي طهر لسانك من بذيء الكلام , ومنهم من يقول و ثيابك فطهر أي طهر قلبك من الغش و الحقد و الحسد و نحو ذلك, ومنهم من يقول و ثيابك فطهر أي طهر ملابسك من القاذورات و النجاسات و نحو ذلك و منهم و منهم و منهم من يقول و كل هذا صحيح فالواجب على الداعية إذا أراد إن يقوم فيبلغ رسالات الله فالواجب عليه أن يطهر نفسه قبل أن ينتقل إلى تطهير الخلق من بعد ذلك إذا أراد أن يطهر الناس فيجب عليه أن يبدأ بتطهير نفسه من الأنجاس. يطهرها من كل دنس، يطهرها من كل نجس فلا يبقي في داخله شيء من هذه الأنجاس فلا يبقي على ظاهره شيء من هذه الأنجاس، هذا لابد قبل أن ينتقل إلى الدعوة لله عز وجل، أما إذا دخل في سبيل الدعوة و هو إلى الآن متلطخا بهذه النجاسات, متلبسا بهذه القاذورات, لن يستطيع أن يبلغ, و لن يقبل منه الناس و إن بلغ
و لذا كان الواجب على الداعية أن يطهر نفسه قبل إن ينتقل إلى تطهير غيره و ثيابك فطهر يجب أن تطهر نفسك بدأ من الشرك, من التعلق بغير الله, من الظن بالله ظن السوء من صرف عبادة إلى غير الله سبحانه و تعالى من دعاء غير الله, من الذبح لغير الله, من الطواف بغير الكعبة من و من أشياء كثيرة جدا يجب أن تطهر نفسك أيضا من الكذب من الغش من الحسد من الحقد من السب من اللعن من الشتم من أنواع الكلام السيئ البذيء. يجب أن تطهر نفسك أيها المؤمن أيضا من ثناء الخلا، الفحش, الغيبة النميمة و أنواع كثيرة جدا من أنواع ما حرم الله عز و جل عليك و من أنواع ما هي من سيء الأخلاق. يجب عليك أن تطهر ملابسك, بدنك تطهره من القاذورات والنجاسات الداعية يجب أن يكون نظيفا حتى في بدنه, نظيفا حتى في شعره و هيئته, نظيفا حتى في ما أمره الله عز و جل في سنن الفطرة, نظيفا حتى في ملابسه الداعية لا يجب أن تكون ملابسه متسخة, قذرة و نحو ذلك عليها نجاسات عليها قاذورات لا إنما كله من أوله إلى آخره إن نظرت إليه من الداخل فإذا هو ابيض نظيف وإن نظرت إليه من الجانب فإذا هو ابيض نظيف و إن نظرت إليه من الجانب الآخر فإذا هو أبيض نظيف , فإذا نظرت إليه من أمامه من خلفه من تحته من فوقه من كل جهاته إذا هو كالمرآة في نظافته من كل شيء لا يجد عليه أحد مدخلا أبدا فإن أراد أن يقدح في دعوته لن يستطيع إلا بالكذب و البهتان إما أن يجد عليه مدخلا فلن يجد و لذا أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم في بداية الدعوة أن يكون كذلك.
(وثيابك فطَهر) ثم (والرجز فاهجر) كل من كان من قبيل الرجس كل ما كان من قبيل القبح و السوء هذه التماثيل هذه الأصنام هذه الأحجار هذا التعظيم لهذه المخلوقات الضعيفة التي لا تنفع و لا تدفع لا ينبغي أن يكون في قلب المؤمن وفي قلب المسلم أدنى تعظيم لهذه الأحجار التي يصنع الإنسان منها بيده أشكال و ألوانا من المخلوقات ثم يعظمها و يقدسها و يجلها و قد تقع في قلبه في محل عظيم . (والرجز فاهجر) أي ابتعد عنه ابتعادا كاملا هذه الأوامر في الدعوة في بدايته و أنا أعيد و أكد أن هذا مثل ليس هذا تفسير للسورة لا و إنما هذا مثل أذكره لك الآن لتعلم كيف من أراد أن يشيد بناء القرآن على أرض القرآن بأدوات القرآن هذه هي طريقة القرآن ثاني سورة ثاني لبنة في هذا البناء هي سورة المدثر تنزلت لمن أراد أن يبلغ دين الله عز و جل كيف يكون حاله كيف يجب أن يكون وصفه كيف يجب أن يكون باطنه و ظاهره .
بعد ذلك انتقل إلى المثال الثالث وإن كان الكلام عن سورة المدثر حقيقة ينبغي أن يكون طويلا وينبغي أيضا أن يكون جميلا وينبغي كذلك أن يكون مبسوطا لان في هذه السورة من أنواع العبر و العظات ما الله به عليم ولكن نرجئ هذا بإذن الله عز وجل إلى حلقات أخرى أو إلى درس آخر من الممكن أن يتكلم فيه الإنسان ويعرض فيه بعض بدائع هذه السورة العظيمة.
المثل الثالث الذي معنا و الذي بني من خلاله هذا القرآن هذه الأمة المحمدية على يد محمد صلى الله عليه وسلم هي سورة المزمل شوف هذه السور تعتبر من قصار السور من جزء تبارك و عمّ سور يقرأها الناس كثيرا و يعرفها عموم المسلمين و هي التي شيدت هذا البناء العظيم فما الأمر الذي جاء في هذه السورة؟ و بماذا تكلمت هذه السورة؟ عن ماذا كانت تتحدث هي تتحدث عن البناء الثالث, عن اللبنة الثالثة وعن القاعدة العظيمة التي لابد من وجودها إذا أراد الإنسان أيضا مرة رابعة و خامسة و سادسة إذا أراد الإنسان أن يبني بيتا في أرض القرآن.
نريد من يقرأ لنا أوائل سورة المزمل حتى نتكلم عن اللبنة الثالثة كمثل من أمثلة هذا البناء العظيم: "يا أَيها المزمل * قم الليل إِلا قليلا* نصفه أو انقص منه قليلا* أَو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" أحسنت وبارك الله فيك ونفع الله بك ، هذه اللبنة الثالثة من هذا البنيان العظيم جاءت حين تنزلت عليه صلى الله عليه وسلم لتدله على أمر يستعين به على هذه الحياة بكل أمورها ألان نبينا صلي الله عليه وسلم أمر بالعلم وحصل العلم الذي استعان على تحصيله بالله عز وجل ، وهذا كان في سورة العلق وهذه هي اللبنة الأولى اللبنة الثالثة هي هذه السورة العظيمة التي أمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بـ ( ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا ) قيام الليل عبارة عن ماذا؟ قيام الليل عبارة عن عبادة فهو بدأ أمر بالعلم حتى يسير في طريقه وهو مبصر
ثم ثانيا أمر بماذا ؟ بتبليغ هذا العلم فإذا سار في طريق تبليغ العلم فعندئذ ستواجهه صعوبات كثيرة في هذا الطريق ، هذا الطريق طريق شائك طريق صعب طريق فيه عسر طريق ستواجهك أمامك مصاعب لا حد لها ولا نهاية لأولها ولا آخرها ، ولذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه أنه قال (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل , يبتلى المرء على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ) فإذن أنظر لتربية القرآن لمحمد صلى الله عليه وسلم أمر بالعلم ثم أمر بالدعوة فإذا أراد أن يبلغ الدعوة ستواجهه صعوبات كبيرة وعظيمة جدا فهو بحاجة إلى زاد يستعين به على هذا الطريق وبحاجة إلى أمور تغذي هذا الجسد وتغذي هذا الروح في هذا الطريق العظيم الطويل الذي يحتف به ما يحتف من أنواع الصعوبات ما هو هذا الغذاء وما هو هذا الزاد ؟
هو زاد العبادة هو غذاء طاعة الرب سبحانه وتعالى التي من أعظمها أن تصف قدميك في آخر الليل لله سبحانه وتعالى والناس لا يرونك ولا أحد يعلم عنك فتصف هاتين القدمين ثم تكبر قائلا الله أكبر وتشرع في صلاة الليل بينك وبين خالقك لا يعلم عنك أحد من الناس أبدا هذا الزاد هذا الغذاء هذا هو الذي يكفل لك أن تسير في طريق الدعوة ويكفل لك أن تسير في طريق العلم من دون أن تنقطع ومن دون أن تتعب ومن دون أن يعتريك ما يعتريك في أثناء الطريق فتترك الطريق وتذهب يمنة ويسرة تاركا طريق الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم نعم لم هذا أيها المؤمن؟ لم هذا أيها المبارك ؟ لأنك الآن ستسير على هذا الطريق الذي ذكرت لك أنه فيه عسر وأنت بحاجة إلى زاد في سيرك على هذا الطريق هذا الزاد ليس من الطعام والشراب وإنما هو من طاعة الله سبحانه وتعالى وبالأخص من أنوع الطاعة طاعة واحدة وهي ما يسمى بالعبادة التي يطلق عليها عند اصطلاح بعض أهل العلم ( العبادة المحضة ) لأن العبادة الواسعة في مفهومها الشامل تشمل كل أنواع الطاعات والعبادات من دون استثناء ولكن المراد هنا هو الطاعة المحضة أو العبادة المحضة التي يكون فيها سر بينك وبين خالقك سبحنه وتعالى أنت بحاجة الآن أن تقوم الليل ولذا أمر الله عز وجل نبيه بقيام الليل في أوائل الدعوة قبل الأمر بالصيام صيام رمضان تأخر إنما جاء في الهجرة قبل الأمر بالزكاة قبل الأمر بالحج قبل النهي عن شرب الخمر قبل النهي عن الزنا قبل النهي عن أنواع الشرور الكثيرة جدا التي جاء بها الله عز وجل وتنزلت على نبيه صلوات ربي وسلامه عليه تأمل كل هذه الشرور , لم ينهى عنها إلا متأخرا وكل هذه الأمور العظيمة التي هي أركان الدين لم يؤمر بها أيضا إلا متأخرا قياسا بالأمر بقيام الليل لم هذا؟ لأنك يا أخي المؤمن يا أخي المبارك عندما تريد أن تسير إلى الله عز وجل في طريق الدعوة بحاجة إلى غذاء بحاجة إلى زاد هذا الزاد لا يمكن أن يكون من إلا نوع واحد وهو من عبادة محضة التي تصلك مباشرة مع خفاء بالله سبحانه وحده
ولذا من سلك هذا الطريق واحتاط لنفسه بهذه العبادات استطاع أن يسير من دون تعب ولا كد ولا انقطاع .
أما من أراد أن يشغل نفسه من أوله يومه إلى آخره بالدعوة المجردة مثلا أو لطلب العلم المجرد مثلا فإنه لن يستطيع أن يصل إلى درب الأنبياء ولن يسلك طريقهم ولن يصل مواصلهم ولن يبلغ شأوهم أبدا لأنهم إنما بلغوا هم هذه المنازل وكذلك بلغ أتباعهم من الصحابة والسلف الصالح هذه المنازل بزاد بطعام بشراب هذا الزاد وهذا الطعام وهذا الشراب هو العبادة المحضة التي تكون سرا بينك وبين الله عز وجل والتي جاء الأمر فيها في هذه السورة ذاكرا وهي اللبنة الثالثة في بناء في تشييد هذا البناء العظيم ولذا جاء الأمر بالعبادة المحضة هنا (يا أيّها المزّمّل *قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرءان ترتيلا ) شوف ترتيلا القرآن ما يقرأ في هذه الساعات العظيمة في أخر الليل قرأه هكذا ؟وإنما يرتل (ورتل القرآن ترتيلا ) لم هذا كله ؟
قال الله عز وجل( إنا) تدل على التعليل لما قبلها ما علة هذا كله قال الله عز وجل (إنا سنلقي ) تأمل كلمة الإلقاء والإلقاء لا يكون إلا في شيء فيه شده فيه قوه قال (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) صفته أنه ثقيل كبير عظيم شديد يحتاج أن تستعد له وأن تتهيأ له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيح (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق )والرفق هو أن تستعين في مسيرك في طلب العلم وتستعين في مسيرك إلى الدعوة تستعين بالعبادة التي بينك وبين الله عز وجل قيام الليل قيام خاص بينك وبين الله سبحانه وتعالي لا يدري عنها أحد أمور خاصة لا يدري عنها إلا الله سبحانه وتعالى
أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلني وإياكم جميعا من أهل القرآن وخاصته اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل اللهم اجمعنا جميعا في الفردوس الأعلى من الجنة اللهم اجمعنا جميعا في الفردوس الأعلى من الجنة يا ذا الجلال والإكرام اللهم في جوار ورفقة حبيبك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم
أقف إلى هذا الحد ونواصل بإذن الله في الحلقات القادمة وصلوات ربي وسلامه على أشرف خلقه وعلى أتباعه وعلى أله وأصحابه وأنا معهم برحمته وجوده وكرمه .
أم الشهداء
27-10-08, 06:27 PM
القواعد الخمسة الكبرى لفهم القرآن
الحمد لله الذي علم القرآن ، الحمد لله الذي خلق الإنسان ، علمه البيان ، و الصلاة و السلام على نبينا و حبيبنا و مصطفى ربنا محمد صلوات ربي و سلامه عليه.
في هذه الحلقة المباركة نواصل الكلام عن روائع البيان في بدائع القرآن و في هذا اليوم سيكون الحديث عن مسألتين مهمتين أما الأولى فهي :
الخطاب لمن؟
أي الخطاب في هذه الدروس التي أرجو من الله عز و جل أن يجعلها مباركة علينا و عليكم و على جميع المسلمين .
الخطاب لمن؟
و تحديد الخطاب هي طريقة قرآنية ربانية محمدية سلفية علمية جاءت في كتاب الله عز وجل ظاهرة بينة واضحة.
وجاءت في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أيضا ظاهرة واضحة,
وجاءت في طرائق أهل العلم من ذاك الوقت ، من وقت الأسلاف رضوان الله عليهم أجمعين إلى وقتنا هذا.
فلابد قبل أن ندأ أن نحدد : الخطاب لمن ؟
لأن الخطاب يختلف
فإن كان الكلام عن عموم المسلمين فلهم خطاب
وإن كان الكلام عن أهل العلم أو مع أهل العلم وطلبة العلم فلهم خطاب
وإن كان الكلام أيضا مع غير المسلمين فلهم خطاب آخر..
ولذا لابد أن نحدد الخطاب في هذه الدروس يكون لمن ؟
بدءا سيكون الخطاب لعموم المسلمين ممن لهم شيء من الاهتمام بالعلوم الشرعية .
وهو مسلم يقرأ كتاب الله عز وجل ، له رغبة أن يفهم هذا القرآن ، له رغبة أن يستشعر عظمة هذا القرآن ، له رغبة أن يعيش مع القرآن ، له رغبة أن يبكي مع القرآن ، له رغبة أن يفرح ويسر بل ويضحك مع كتاب الله عز وجل.
هذا الخطاب في بادئ الأمر لهذا النوع من المسلمين ممن لم يهجر كتاب الله عز وجل بمعانيه وتدبر آياته.
فمن كان هاجرا للألفاظ فالخطاب هنا ليس له أبدا ، وإنما له خطاب آخر ، لأن هذا قد يقال عنه إنه ليس بحاجة إلى كلمات تقال له وإنما هو بحاجة إلى قارعة تقرعه أو طامة تطم عليه ، إذ كيف يكون مسلما مدركا إن هذا القرآن تنزل من الله عز وجل ثم مع هذا كله يهجر ألفاظ كتاب الله عز وجل و لا يتلو و لا مجرد حروف آيات القرآن ، هذا عجب من العجب بل هو والله ضرب من الجنون لا بعده جنون ، ولذا لن يكون الكلام مع هذا وأمثاله ممن هجر حروف القرآن وألفاظه وإنما سيكون الكلام عمن أقبل على قراءة القرآن ، ممن جعل له وردا من كتاب الله عز وجل يتلوه آناءا من النهار وآناءا من الليل ، في أطراف النهار وفي أطراف الليل يتلو شيئا من آيات الكتاب العظيم .. ولكنه مع هذا لايستشعر عظمة هذا القرآن ، فسيكون الكلام مع مثل هذا ،
ثم بعد ذلك بإذن الله جل وعلا إذا انتهى الحديث عن هذا الموضوع وانتهى الكلام عن مثل هذا الصنف من الناس ننتقل بعد ذلك إلى ما أسميناه المستوى الثاني
وهو الكلام مع طلبة العلم على مستوى يكون فيه شيء من ذكر قواعد أهل العلم الكبار في هذا الباب .
وهذه مرحلة أخرى سنأتي عليها بإذن المولى..
ولكن الخطاب الآن لعموم المسلمين ممن لهم عناية بكتاب الله عز وجل تلاوة وشيئا من الحفظ وشيئا من الاهتمام بهذا القرآن العظيم.
يريد أن يتعلم هو كتاب الله ، يريد أن يعلمه أبناءه ، يريد أن يعلمه أهل بيته ، الخطاب لهؤلاء ويجب أن نعلم علما ظاهرا بينا أن الخطاب هنا لهذا النوع من الناس حتى لا يجنح الذهن إلى سؤال كبير :
لِمََ لمْ نقل هذا ؟ و لِمََ لمْ نذكر هذا ؟ و لِمََ لمْ نوسع في الاستدلال على ذاك ؟ و لِمََ نذكر قاعدة ولم نأت بكلام أهل العلم في تأصيل هذه القاعدة ؟
هذا المكان ، وهذا الدرس الآن ليس هذا موطنه وإنما موطنه فيما نستكمل بإذن المولى جل في علاه ، إذا تبين هذا فاعلم أن هذه الطريقة كما سبق طريقة قرآنية ، وطريقة نبوية ، فإن الله عز وجل خاطب الكفار بنوع من الخطاب.. وخاطب أيضا كذلك أهل الإيمان ممن هم في أعلى درجات الإيمان بنوع من الخطاب ، وخاطب من دونهم من عامة المؤمنين بنوع من الخطاب ، فتنويع الخطاب إذن لا تثريب على أحد من أهل العلم فيه مطلقا ,بل هو المطلوب من كل إنسان:
أن يخاطب كل فئة بما يناسبها وأن يخاطب كل أناس بما يعقلون " حدثوا الناس بما يعقلون ، أتريدون أن يكَذَّبَ الله ورسوله ؟ " لا نريد ذلك.
ولذا كان الخطاب هنا لعموم المسلمين.
إذا كان الخطاب كذلك فما الذي نريده من هؤلاء ؟
و ماالذي نطمع أن نوصله إليهم, المراد هنا أن نوصل فهم القرآن علي جهة العموم, أن يتلو آيات الكتاب فعند مايتلوها يكون هناك وجل في القلب وقعشريرة في الجلد وحضور وخشوع وخضوع عند تلاوة آيات الكتاب العظيم, هذا حتى نصل إليه نحتاج إلي قواعد خمس, نحتاج إلي قواعد خمس, لابد من تقريرها ولابد من استقرارها في الذهن والقلب معا,
:icon57::icon57:
هذه القواعد الخمسة أولها,بل وأجلها وأعظمها هي:أيها المؤمن أنت مع القرآن حي وبدونه ميت,أنت مع القرآن حي وبدونه ميت,وأنت مع القرآن مبصر وبدونه أعمي,وأنت مع القرآن مهتدي وبدونه ضال,هذه القاعدة لابد وأن تكون مستحضرة في الذهن من حين أن يعقل الإنسان المكلف إلي أن يتوفاه الله عز وجل, لابد وأن يدرك يقينا أنه مع القرآن حي وأنه بدون القرآن ميت,لابد وأن يدرك يقينا أنه مع القرآن مبصر يري وأنه بدون القرآن أعمي,لا يري أبدا,ولابد أيضا أن يعلم يقينا أنه مع القرآن مهتدي وموفق ومسدد وأنه بدون القرآن ضال,وغير موفق وغير مسدد,إذا استقرت هذه الحقيقة في قلب المؤمن عند إذا سيسعى,سيسعى,سيسعى, مرة تلوالمرة ليعيش مع كتاب الله عز وجل.
وهذه القاعدة وهي أنك مع القرآن حي وبدون القرآن ميت,هذه تتضح لك أيها المؤمن عند ماذا؟عندما تتأمل في هذه الحياة الدنيا, فتنظر إلي إنسان حي وتنظر إلي إنسان ميت,أنظر وقد يقع لك هذا مرة من المرات..
عندما تري ميتا مجندلا,لاحراك له,وتري بجانبه إنسانا حيا,فيه حراك,وفيه روح تأمل الفرق بين هذا وذاك, أترى أن نظر هذا الميت كنظر هذا الحي ؟,أترى أن سمع هذا الميت كسمع هذا الحي ؟ ,أتري أن حركة يدي هذا الميت كحركة يدي هذا الحي ؟,أنظر إلي رجليه,أتري ميت يحرك رجليه كما يحركه الحي؟ تأمل الفرق بين هذا وذاك,خاطب الميت ثم خاطب الحي,أضرب الميت ثم أضرب الحي,أنظر إلي هذا وأنظر إلي ذاك,حرك في هذا ساكنا وحرك في هذا ساكنا,ما الفرق بينهما,الفرق بينهما عظيم جدا**
,هذا نظره ثابت لاحركة له وذاك يقلب عينيه ينظر يمنة ويسري,هذا تخاطبه من اليوم إلي سنة فلا يجيبك,وهذا تخاطبه خطابا يسيرا سيجيبك, هذا لو قربته بالمقارير بل لوأحرقته بالنار لماتحرك ولما شعر,وهذا لو أخذته بإبرة صغيرة يتألم منها ويتحرك,ما الفرق بينهما, الفرق بينهما كبيروعظيم وظاهر جدا لكل ذي عينين, الفرق بينهما أيها المؤمن, الفرق بينهما أيها العاقل كالفرق تماما بل واشد,كالفرق بين المؤمن إذاعاش مع كتاب الله عز وجل وبين المسلم إذا أعرض عن كتاب الله عز وجل,هذا الميت هو شبيه بذاك الميت الذي أغفل كتاب الله سبحانه وتعالي وابتعد عنه ولم تدخل روح القرآن إلي جسده والي نفسه والي جوارحه,وذاك حي دخل القرآن إلي جسده فأحياها حياة كاملة تامة,حياة سعيدا, حياة هنية,هذا هوالفرق بين هذا وذاك وهذا الأمر الذي لابد أن يستقر في القلوب,أنت أيها المؤمن بدون القرآن لامعني لك.. وأنت أيها المؤمن بدون القرآن لاقيمة لك.. ,وأنت أيها المؤمن بدون القرآن لاشيئ في الحقيقة.. وأنت بدون القرآن أعمي تسير في درب طويل,شائك فيه من حفر مافيه ,وفيه من المزالق مافيه, وفيه من الزلات مافيه, ومع ذالك لاتبصرابدا في ظلمة كاملة تامة,لوأخرجت يدك تريد أن تراها لم ترها,وأنت أيها المؤمن أيضا بدون القرآن في حقيقة أمرك تسير إلي خاتمة هي في نهاية الالم,وتصير إلي خاتمة هي في نهاية الشّدة ونهاية العذاب ونهاية ما يتمنى كل إنسان علي وجه هذه البسيطة أن ينجو منه,إذا تبين هذا أيها المؤمن فلتستحضر هذا القاعدة في كل شؤونك من أولها إلي أخرها,لابد وأن تستحضر أنك مع القرآن حي وبدونه ميت وأنك مع القرآن مبصر وبدونه أعمي,وأنك مع القرآن مهتدي وبدونه ضال.
، إذا استحضرت ذلك هل ستترك كتاب الله عز وجل ، هل ستغفل كتاب الله سبحانه وتعالى ، هل ستهمل القرآن ولايكون لك حظ منه في ليل أو نهار ؟! لا والله لايفعل ذلك عاقل .. فاستحضر هذا أيها المؤمن .
وننتقل بعد ذلك إلى القاعدة الثانية ولكن قبله أريد أن أقرر لك هذه القاعدة من كتاب الله عز وجل .. أنا أعلم أن كل مسلم يؤمن بهذا الكلام ويصدق بما يسمعه الآن ولكن الذي أريده من ذكر الأدلة على هذه المسألة هو أن يكون الاستدلال عليها من القرآن وأن يكون الاستنباط لهذه القاعدة من كتاب الله عز وجل..
أذكر آية لكم ثم أطلب منكم أن تذكروا لي آيات في هذا الباب من الآيات العظيمة الجليلة في هذا الشأن قوله سبحانه وتعالى في سورة الشورى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}..
تأمل كلمة "روح" .. معنى روح أنه حياة للقلوب كما أن الروح حياة للأبدان .. فالقرآن روح للقلب روح للفؤاد روح لنفسك التي بداخل جنبيك كما أن الروح هي حياة لبدنك ..كما أن الروح هي حياة لجسدك ..كما أن جسدك بدون الروح لاشيء.. فكذلك قلبك كذلك فؤادك.. كذلك هذه المضغة التي في داخل جسدك هي بدون القرآن لاشيء .
ولذا قال الله عزوجل {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} هذه الروح هي من أمر الله سبحانه وتعالى ,وهذا تدليل على عظمة هذه الروح ..الذي هو القرآن { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} ثم انظر إلى الكلام {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم.. ماكنت أي يامحمد و"ما" هنا نافية ، ماكنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، ماكنت تدري عن هذا الكتاب وماكنت تدري عن الإيمان الكامل التام والخطاب لمحمد.. للحبيب صلوات ربي وسلامه عليه ، "مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ" أي هذا القرآن " وَلا الإِيمَانُ" أي حقيقة الإيمان العظيمة الجليلة الكاملة التامة، ما كان صلوات ربي وسلامه عليه يدري عنها، {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} ..انظر إلى تغيير العبارة.. انظر إلى التقليب بين الكلمات.. انظر إلى اختيار كلمة مكان كلمة.. يختار الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في البدء كلمة "روح" ثم في منتصف الآية يختار كلمة "نور" ففي البدء { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} ثم بعد ذلك {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} .. وهذا التغيير في الكلمات ليقرر لك هذه الحقيقة العظيمة أنك وإن كنت بدون روح القرآن أيضا أنت بدون القرآن أعمى تام العمى فهذا وصف خاص من المعلوم أن الميت في حقيقته أعمى لا يبصر ولكن جاء الله عز وجل هنا ليصف الميت بأنه أعمى أيضا ، جاء الوصف الآن للميت بأنه أعمى لم؟! كأنك تصف ميتا بأنه مبتور القدمين فتقول فلان ميت وأيضا مبتور القدمين أي بدون أقدام ، أو فلان ميت ولكن بدون أيدي ، أو فلان ميت ولكنه بدون رأس، أو فلان ميت ولكنه بدون كذا وكذا فهذا أليس هو أعظم وصف في بيان حال هذا الميت، وأنه ليس ميتا عاديا وإنما هو ميت فيه نقص حتى وهو ميت ، فهو ليس ميتا كاملا وإنما ميتاً ناقصا ، فهذا الذي أبعد عن القرآن فليس هو ميت فقط لا ، وإنما هو ميت وفيه عيب آخر وفيه نقص ثانٍ وهو أنه مع أنه ميت إلا أنه أعمى نيابة في بيان شدة حال هذا الذي أعرض عن كتاب الله عز وجل، وبيان أنه ليس كالأموات وإنما هو ميت له وصف ناقصٌ ثانٍ غير أنه ميت ولذا قال هنا "ولكن جعلناه نورا" فمن تركه ترك النور ، {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ} "أي بماذا" بالقرآن..{ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } هذه آية بينت لك تماما بشكل واضح جلي مايتعلق بالحياة والموت ، الحياة بالقرآن والموت بدون القرآن ، النور مع القرآن والعمى بدون القرآن.
وهذه آية أخرى تتعلق بهذا الشأن ، ماذكره الله في سورة الأحقاف
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ}
انظر إلى أدب الجن مع ربهم سبحانه وتعالى، وهذا الأدب وللأسف الشديد لا يفعله كثير من الإنس .
(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) صرفهم الله عز وجل لكي يستمعون القرآن، ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ) حضروا عند محمد صلى الله عليه وسلم وهو يتلو آيات القرآن ماذا كان أدبهم مع هذا (قَالُوا أَنصِتُوا) أي: استمعوا إلى هذا الكلام ، استمعوا إلى مايقول هذا الرجل الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم فلما استمعوه وأنصتوا إليه (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ) استمعوا إلى الحق فآمنوا به فرجعوا منذرين.
{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُستَقِيمٍ 30 يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 31 وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضَ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}
هذه الآيات من أبلغ مايكون في ما نتكلم عنه نحن.. وذلك أن الحديث لم يأت من إنس وإنما أتى من الجن ,هذا الحديث جاء من الجن هؤلاء الجن استمعوا إلى كلام الله عز وجل ويجب أن تعلم أن الإنس أشرف من الجن وذلك أن الله عز وجل اختص الإنس بأن منهم الرسل وأما الجن فليس منهم رسل وإنما منهم نُذُر فهؤلاء جنٌّ استمعوا إلى الآيات من فِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا كان ردة فعلهم وهم يستمعون إلى هذه الآيات العظيمات.. انظرإلى قولهم وهو يتوجهون إلى قومهم في دعوتهم إلى الله عز وجل (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) في بيان حقيقة فائدة الإيمان في هذا القرآن العظيم إلى أن قالوا ( وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضَ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآء) ماصفتهم ـ ماحالهم ، مالوصف الذي يستحقونه ( أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) وصفوا من آمن بهذا القرآن ووصفوا هذا القرآن (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لما بين يدي موسى عليه السلام (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُستَقِيمٍ) هذا القرآن يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم هذا وصف القرآن ووصف من آمن به أما من لا يؤمن بالقرآن فإن آخر الآيات جاءت بينة ظاهرة في وصفه بالضلال المبين (أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) .
هذه الآية والتي سبقتها كافية في تقرير هذه الحقيقة ، وهي أنه لاحياة إلا مع القرآن ولا نور إلا بالقرآن ولا هداية إلا من خلال كتاب الله عز وجل وبعد ذلك نريد أن ننتقل إلى القاعدة الثانية في تقرير هذه الحقائق الخمس الكبرى التي لابد منها قبل أن ندخل في تفسير كتاب الله سبحانه وتعالى .
:icon57::icon57:
القاعدة الثانية أن الأصل في خطاب القرآن انه موجه إلى القلب .. الأصل في خطاب القرآن انه موجه إلى القلب, و هذه حقيقة كبرى .. عظمى في كتاب الله سبحانه و تعالى, و قد يغفل عن ذلك كثـــــير من المسلمين, يغفل أن خطاب القرآن في أصله إنما هو موجه إلى قلبه, ليس إلى جوارحه, ليس إلى سمعه بصره .. إلى أطرافه لا , و إنما الكلام في أصله هو موجه إلى القلب, و لذا جاء الكلام عن القلب كثيرا في كتاب الله سبحانه و تعالى, و جاء وصف القلوب بأنواع من الوصف , جاء وصف القلوب بأنها تارة تكون مريضة, و تارة تكون ميتة, و تارة تكون عليها الــــرّان, و تارة يختم عليها و تارة يُطبع عليها .. أوصاف كثيرة جاءت في كتاب الله عز و جل .. و جاء مرة الوصف بأن قلوبهم قاسية, فوصف القلب في القرآن جاء كثيرا .. متنوعا, لم هذا؟ لبيان هذه الحقيقة, أن هذا القرآن جاء أصلا في أصل خطابه لعلاج القلب,
جاء القرآن ليتحدث مع قلبك أيها المؤمن, ليحاور هذا الفؤاد, ليأخذ في الحديث بينك و بين نفسك, بين فؤادك, فالحديث بالنسبة إلى القرآن متوجه إلى القلب , و أنت بالنسبة لك , لا بد إذا أردت أن تستمع للقرآن , أن تفتح قلبك للقرآن, فالحديث من القلب إلى القلب يجب أن يكون, الحديث موجه إلى القلب و حديثك أنت أيضا مع القران لا بد و أن يكون من القلب , فالخطاب من الله عز و جل توجه إلى القلب , و خطابك أنت مع القرآن في التفكر و النظر لا بد و أن يخرج من القلب ,
فهو إلى القلب و من القلب ,
إلى الفؤاد .. ومن الفؤاد ,
لا بد و أن يكون كذلك, و هناك دلائل كثيرة في كتاب الله عز و جل بينت هذه الحقيقة, بينت أن القرآن موجه في الخطاب إلى قلب الإنسان, و أن المقصود من تنزل هذه الآيات العظـــيمات هي إحيـــاء هذا القلب .
كما قال الله سبحانه و تعالى : ( ياأيها الناس ).. انظر إلى نوعية الخطاب هنا .. التي تكلمنا عنها سابقا , لا بد أن تعي الخطاب الآن لمن , لا بد و أن تفرق بين يا أيها الناس و بين يا أيها الذين آمنوا .. لا بد أن تفرق بين الخطاب الموجه لأهل الكتاب , و بين الخطاب الموجه للكافرين ( قل يا أيها الكافرون .. قل يا أهل الكتاب ) فالخطاب متنوع و ليس خطابا واحدا ,
فهنا جاء الخطاب في هذه الآية لمن ؟ لعموم الناس ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ )
تأمل الآية .. تأمل الآية قليلا معي , يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم .. اكتبوا الآية حتى نتدارسها جميعا ,
يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم : موعظة .. فيها عظة .. فيها عبرة , تعظ القلب , و هذه الموعظة صفتها أنها :
(وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)
فإذن هذه الموعظة هي ماذا؟ هي القرآن .. اليس كذلك ؟ نعم
قد جاءتكم موعظة من ربكم : التي هي القرآن ,
ما ذا يحقق القرآن لنا جميعا ؟ يحقق لنا أنه شفاء لما في الصدور , لمن أقبل عليه , و شفاء لأي شيء .. هل هو شفاء للجوارح ؟ شفاء للسمع و البصر ؟ لا و إنما شفاء لما في الصدور , و الذي هو في الصدور هو ؟ هو هذا القلب ,
وهذا بيان لأي شيء تنزل كتاب الله عز و جل , و لأي شيء هو شفاء .. هو شفاء لما في الصدور , في أصل الخطاب , و أنا أعيد و أكرر في أصل الخطاب .. و قد خوطبت الجوارح .. و خوطب السمع و الصبر , و الأيدي و الأرجل و الفروج و غير ذلكـ , و لكن أصل الخطاب هو موجه القلب ,
ولذا سأذكر لك آية قصيرة من كتاب الله سبحانه و تعالى , في سورة العاديات, جاء فيها ذكر الصدور ,
( أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ{9} وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ) ذكرُ الصدور هنا لم؟ أليس للجوارح أعمال ؟
أليس للسمع .. للبصر .. للسان .. لليدين .. للرجلين أعمال ؟ فلم خُصَّ تحصيل ما في الصدور هنا في هذه السورة ؟ ما السر في ذلك؟ لبيان ماذا؟ ( لأن القلب كما يقولون هو أمير الجسد .. يعني إذا صلح صلح الجسد كله , و إذا فسد فسد الجسد كله ) .. أحسنت يا بارك الله فيك , هذا هو المقصود هنا ..
ذكر في الصدور هنا وذكر حصل ما في الصدور, (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ{9} وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ) لان مستقر الاعمال انما هو في الصدور ولذا ذكر الله عز وجل هذا الصدر عند ايات الوعد والطمأنينة والذكر في القرءان فقال سبحانه وتعالى:( الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ).
ما الذي يطمئن؟ يطمئن القلب, الخطاب اذا موجه الى القلب , ( الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ )الى ماذا؟ الي ذكر الله ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) , اي تطمئن بالقرءان الذي هو اعظم الذكر تطمئن القلوب .
فان هذا القرءان في اصله موجه الى القلب ولذا أيضا قال الله عز وجل عن الفئة الاخرى عن أهل الضلالة والبعد والشقاء( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا).
فأول ما جعل في قلوب هؤلاء الذين ابتعدوا عن نور الوحي جعل على قلوبهم أكنة, أكنة اي انها تمنع من دخول نور القرءان وروح القرءان الى أفئدتهم وجعلنا على قلوبهم أكنة فما يفقهون القرءان ولا يفهمون القرءان ابدا ,وهذا هو اعظم البلاء وأشد العقوبة التي ينزلها الله سبحانه وتعالى على احد من الخلق كائنا من كان.
هو أن يظلم هذا القلب فلا يستطيع أحد من دون الله سبحانه وتعالى أن يوصل نور القرءان اليه وانما تكون هناك حواجز عديدة تحول بين نور القرءان أن يدخل الى فؤاد هذا الانسان وهذه الحقيقة أيضا بينها الرسول صلى الله عليه وسلم وهناك من الاحاديث العظيمة ما جاءت دالة دلالة ظاهرة ,بينة على هذا الامر الجليل العظيم وهو أن الخطاب في أصله موجه الى القلب ,بل جاء ما يدل على أن هذا الدين من أوله الى اخره هو في الاصل في حقيقته مو جه الى هذا القلب , ولذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم )وفي لفظ (لا ينظر الى صوركم ولا إلى أجسادكم)وفي بعض الالفاظ ( الوانكم ) ولكن ينظر الى قلوبكم))), اذا هذه الاجساد وهذه الالوان وهذه الهيئات ,وهذا فلان جميل وهذا فلان قبيح,وهذا فلان أبيض وهذا فلان أسود,وهذا فلان طويل وهذا فلان قصير, وهذا فلان رشيق وهذا فلان سمين, وهذا فلان... وهكذا من أنواع الاوصاف التي يتبارى فيها الناس في هذه الحياة الدنيا فيتمنى أن يكون جميلا ,أبيضا طويلا ,رشيقا... ومن هذه الاوصاف واذا رأى انسانا على غير هذه الصفة وعلى ضدها يشفق عليه ويحصل في نفسه نوع من حسرة عليه.
وهذا الكلام لا ينبغي أن يكون من مسلم أبدا, نعم لا باس أن تفرح بنعمة الله عز وجل عليك ولا باس أن تتطلب شيئا من ذلك لانها من أمور الدنيا التى لم تمنع منها, ولكن لا يكون هذا هو لب اهتمامك وهو غالب قصدك.
ان هذه أمور شكلية,أمور ظاهرية .. وانما العبرة في داخل القلب.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (ولكن ينظر الى قلوبكم) وفي اللفظ الاخر (ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم) ,فذكر القلب بدءا لانه أصل أعمال الجوارح واذا أيضا ثبت في الحديث المخرج في لصحيحين, بل هو مخرج في الصحاح والسنن والمسانيد من طريق زكرياء ابن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه وعن أبيه,أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( ألا وإن في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله, واذا فسدت فسد الجسد كله) , أنظر الى هذا التعبيرالعظيم وهذا الكلام صلى الله عليه وسلم اخذ مما بينه الله عز وجل في القرءان كما أخبرنا بذلك الائمة,فقد نص على ذلك الامام الشافعي في الأم رحمه الله رحمة واسعة, أن ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم انما هو مما استنبطه من القرءان , وهذه حقيقة جليلة ظاهرة بينة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يستنبط من كتاب الله عز وجل ويبين للناس في الشرائع سواء كانت موجودة في أصلها أو ليست موجودة ولكنه مما فقهه وفهمه من كتاب الله سبحانه وتعالى, ولذا هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم,الذي لا ينطق عن الهوى صلوات ربي وسلامه عليه (ألا وان في الجسد مضغة) ألا وان في الجسد مضغة. ما حالها؟ (اذا صلحت صلح الجسد كله) .
الجسد مقصود هنا ماذا؟ الجوارج كلها من أولها الى اخرها, فاذا صلح القلب صلحت الجوارح واذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي ماذا يا رسول الله,
ألا وهي القلب .
و قد وعى ذلك الأئمة رحمهم الله رحمة واسعة فجعلوا حديث النعمان ابن بشير ..هذا الحديث جعلوه من أركان و أعمدة حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم , فأحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمدتها ثلاثة أحاديث:
الحديث الأول هو حديث عمر بن الخطاب :( إنما الأعمال بالنيات)
و الحديث الثاني: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) , حديث عاشة ( رضي الله عنها)
و الحديث الثالث هو هذا الحديث العظيم , حديث النعمان بن بشير : (الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات , إلى أن قال صلى الله عليه و سلم : ألا إن في الجسد مضغة , إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله .)
إذا كان صلاح القلب فيه صلاح للجسد فكيف لا يكون خطاب القرآن في أصله موجه إلى القلب , لا بد و أن يكون الخطاب في أصله موجه إلى القلب لأن في صلاحه صلاح للجسد من أوله إلى آخره و في فساده فساد للجسد من أوله إلى آخره , و هذا الأمر هو الذي بينه أيضا النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمر السابق و هو أعظم حديث في الإسلام , حديث عمر : إنما الأعمال بالنيات , شوف الربط بين الأعمال و بين النيات , فالأعمال تابعة للنيات : إنما الأعمال بالنيات أي إنما قبول الأعمال و رفض الأعمال بحسب النيات .. إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى , فالعمل تابع للنية أي أن العمل تابع للقلب ,
و لذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : و قال ذلك قبله ذلك كثير من الأئمة و لكن أذكر شيخ الإسلام لأنه نص على هذا في رسالة عظيمة له تسمى: رسالة أمراض القلوب و هي من أعظم ما صنف هذا الإمام العظيم , صنف رسالة في أمراض القلوب , قال فيها: الأصل في الدين هي الأعمال الباطنة .. و الأعمل الظاهرة تابعة لها.
فهذا إذن كلام الله سبحانه و تعالى في كتابه , و هذه سنة النبي صلى الله عليه و سلم التي لا تنطق عن الهوى , و هذا كلام أهل العلم , فهذه الحقيقة إذن يجب أن تستقر في النفوس , و هي أن أصل الخطاب في القرآن موجه إلى القلب,
ولذا دعني أضرب لك مثلا صغيرا من قصار السور لتدرك هذه الحقيقة العظيمة, و هي أن أصل الخطاب في القرآن للقلب , و أن الكلام موجه إلى هذا القلب في البدء , بشكل قوي جدا و بشكل ثابت لا يتزعزع , خذ سورة قصيرة , و أنا اخترت هذه السورة القصيرة لكي تكون حاضرة في الذهن قريبة من القلب لأن كثيرا من الناس يرددها في صلاته ,
خذ سورة الهمزة كمثل على ما نذكره لك , الله عز و جل يقول في سورة الهمزة :
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ(1)الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ(2)يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ(3)كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ(4)
كلا : كلمة ردع و زجر ووعد
لينبذن: اللام هنا لام القسم للتشديد , يعني يرمى رمي بعيد , من مكان بعيد .
و أين؟ في الحطمة و هي نار جهنم , و إنما سميت حطمة لأنها لا يدخل فيها عظم إلا و حطمته و لا حجر إلا صهرته و لا شجر إلا أحرقته هذه حال النار و لهذا سماها الله تعلى هنا الحطمة.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ(5) : سؤال للتعظيم , و الكلام مع النبي صلى الله عليه و سلم يعني كأن الله عز و جل يقول لنبيه صلوات ربي و سلامه عليه : و ما أدراك يا محمد ما الحطمة الحطمة شأنها عظيم
نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ(6)
فأضافها إليه سبحانه و تعالى , ليست نار أحد من الناس و إنما نار الله الموقدة.
بعد هذا الوعيد الشديد لهذا الإنسان الضال , جاء الكلام عن ماذا.. عن القلب .
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ(7)
كيف تطلع على الأفئدة ؟ أي تدخل من منافذ هذا الجسد فتصل إلى قلبه فتحرقه حرقا , و تشويه شويا, لأنه كان فيا لدنيا بقلبه بعيدا عن نور الله عز و جل , بعيدا عن هداية الله , بعيد ا عن وحي الله سبحانه و تعالى , فكان أشد العذاب أن هذه النار تدخل من منافذ الجسد فتطلع و تصل إلى قلبه فتحرقه جزاء ما كان عليه الحال في الدنيا.
أسأل الله عز و جل لنا و لكم علما نافعا, و عمل ا صالحا , و قلبا خاشعا, و إيمانا كاملا , و لسانا ذاكرا و عينا من خشيته دامعة , اللهم و من ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم , مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا,
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين و لا مضلين و صلى الله على نبينا محمد .
أم الشهداء
02-11-08, 09:25 PM
القاعدة الثالثة من قواعد فهم القرآن
.. بسم الله الرحمن الرحيم ..
تبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً .. وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً .. وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً .. وتبارك الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون ..
ثم أصلي وأسلم على أفضل من قرأ القرآن ، وأصلي وأسلم على أعظم من قام بالقرآن .. واصلي وأسلم على أعظم من عمل بالقرآن .. نبينا وحبيبنا محمد –صلوات ربي وسلامه عليه- ..
كنا في الحديث عن القواعد الخمس الكبرى التي لابد منها من أجل أن نسير مع كتاب الله –سبحانه وتعالى- ، ومن أجل أن نكون من أهل القرآن .. الذين هم أهل الله وخاصته ..
ووقفنا عند القاعدة الثالثة .. ذكرنا القاعدة الأولى .. ثم ذكرنا القاعدة الثانية .. والآن سنتكلم بإذن الله –جل وعلا- وبعون منه وتوفيق .. عن القاعدة الثالثة .. وهي :
أن المقصود الأعظم من القرآن هو التدبر أولاً ثم العمل ..
فالتدبر هو المقصود الأول من كتاب الله –عز وجل- .. نعم .. التدبر هو المقصود الأول من تنزل هذه الآيات العظيمات .. ولا بد أن تعي ذلك وعياً كاملاً تاماً .. لأن مصيبة كثير من المسلمين أنه لا يدري عن أهمية التدبر لكتاب الله –عز وجل- .. ولذا تجد فيه حرص شديد على أن يتلو الألفاظ .. وأن يقرا الحروف .. وأن يحصل الحسنات من الحروف .. فمن قرأ حرفاً من كتاب الله –عز وجل- فله بكل حرف عشر حسنات .. والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .. فله بكل حرف حسنة كما في حديث : " لا أقول : ( ألم ) حرف .. ولكن : ألف حرف .. ولام حرف .. وميم حرف " فله بكل حرف حسنة .. والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .. فيأخذ في حساب الحسنات على هذه العدة وكأن المسألة مسألة حسابية بحتة .. وينظر في كم قرأ من الحروف .. وكم قرأ من السطور .. وكم قرأ من السور .. وكم قرأ من الأجزاء .. فيقرأ .. ويقرأ ويقرأ من كتاب الله –سبحانه وتعالى- وهمه في كم عدد الحروف التي قرأها من كتاب الله –عز وجل- .
ولذا تجد كثيراً من المسلمين يفتخر فيقول لك : أنا قرأت في يوم واحد عشرة أجزاء .. أو قرأت عشرين جزءاً .. أو ختمت القرآن في ثلاث أو في أربع .. أو ختمت في رمضان القرآن كاملاً أكثر من عشر مرات .. أو عشرين مرة .. أو ثلاثين مرة .. أو أقل من ذلك أو أكثر .. فيذكر كم مرة ختم كتاب الله –عز وجل- .. وهذا ولا شك أنه أمر عظيم وجليل وحسناته كثيرة ليست بالقليلة أبداً .. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحاح .. وكما مر في الحديث السابق .. فالأمر ليس بالهين .. بل هناك من الحسنات العظيمات ما يرجوه العبد المؤمن وهو يتلو آيات الكتاب العظيم ..
ولكن أيضاً كذلك فرق كبير بين من يتلو كتاب الله –عز وجل- بحروفه وألفاظه دون معانيه ودون المقصود منه في فهم آياته .. وبين من يتلوه وهو يستشعر معاني الآيات .. ويستشعر خطاب الرب –سبحانه وتعالى- له فيما يتلو من هذه الآيات العظيمات ..
هذا الفرق عند الأئمة –رحمهم الله- فرق كبير .. وبون شاسع ليس بالقليل أبداً .. ولذا لابد من وقفة يسيرة مع قضية التدبر ومقارنتها بمسألة قراءة القرآن بلا تدبر ..
فقراءة القرآن بلا تدبر من ورائها خير عظيم .. وفيها فضل ليس بالقليل .. وحسنات أخبر عنها النبي –صلى الله عليه وسلم- أنها كثيرات .. ولكن أيها المؤمن إذا قارنت هذا بما تحصله من تلاوة آيات الكتاب بشيء من التدبر .. تجد أن الفرق لا يمكن أبداً أن يحسب .. ولا يمكن أبداً أن تقيسه بالمقاييس المعهودة بالحسنات من الأرقام والأعداد ونحو ذلك .. لا ..
وإنما الفرق فرق شاسع جداً .. كما قال ابن القيم –رحمه الله- في بيان الفرق بين المصليين .. مصلي يصلي بجوارحه وظاهره .. ومصلي يصلي بقلبه وخضوعه وذله وخنوعه لله –سبحانه وتعالى- .. الفرق بينهما : قال : كما الفرق بين السماء والأرض .. فنحن أيضاً كذلك أيها المؤمن .. بل هو أعظم .. ولذا أذكر لك عبارة ذكرها الثعالبي –رحمه الله- في تفسيره .. وذكرها ابن القيم أيضاً بنصها في عددٍ من كتبه .. وتناقلها الأئمة –رحمهم الله- من بعدهما .. وهما أخذاها من كلام السلف –رضوان الله عليهم أجمعين- .. والجميع أخذها من كتاب الله –سبحانه وتعالى .. قالوا : لقراءة آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- بتدبر خير وأحب إلى الله –عز وجل- من قراءة ختمة كاملة بغير تدبر.
الله أكبـــــــــــــــــــر .. تأمل الفرق أيها العاقـــــــل
إنما نريد من هذه القراءة لكتاب الله –عز وجل- .. إنما نريد الحسنات .. إنما نريد محو السيئات .. إنما نريد أن نرفع في الدرجات في الجنات .. ونريد أن ننجو من الدركات في النيران .. فإذا كان كذلك فمن أراد الحسنات فالحسنات هنا .. ومن أراد الرفعة في الدرجات فالدرجات هنا في تدبر آيات الكتاب .. نعم .. قد تقرأ سورة كاملة .. تقرأ سورة البقرة كاملة من أولها إلى آخرها .. ولكنك تقرأها بغير تدبر .. ويأتي آخر فيقرأ آية واحدة من سورة البقرة .. ولكنه يقف عندها ويتدبر .. هذا وقف وتدبر آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- هو أفضل منك حين قرأت سورة البقرة من أولها إلى آخرها بغير تدبر .. وهذا والله غبن لك .. نعم .. غبن لك .. لأنك إنما تقرأ لتحصيل الحسنات .. إنما تقرأ لرفعة الدرجات .. لمحو السيئات .. فأنت الآن تقرأ .. ولكن ذاك قد غلبك وفاز عليك .. وحصّل ما لم تحصل بشيء من العلم .. بشيء من الفهم .. بشيء من التدبر لكتاب الله –عز وجل .. ولذا أدرك هذا .. أدركه لا تبعد عنه .. فإنه والله غبن ما بعده غبن ..
تقرأ آية من كتاب الله –عز وجل- فتحصل بها من أنواع الفائدة :
أولاً : في الدنيا .. لأن فيها غذاء لقلبك .. غذاء لأمراض القلب .. فيها علاج لكل أمراض البدن .. من أولها إلى آخرها .. فيها تصحيح لمسارك في توجهك إلى الله –عز وجل- .. فتنجو في الدنيا وتسعد .. ثم تفوز بالرفعة الكاملة لك في الآخرة من كتاب الله –عز وجل- ..
ولذا الاهتمام بمسألة التدبر تدل على عقـــل هذا المرء .. الإنسان الذي يكون همه في تدبر كتاب الله –عز وجل- .. لا تجده إلا عاقلاً .. لا تجده إلا حصيفاً .. لا تجده إلا فطناً نبيهاً .. إنه أدرك الفرق بين الحالين ..
أما الآخر فلا .. حاله كحال عموم الناس .. لا يدري ما الأفضل من المفضول .. ولا الذي ينبغي أن يفعله .. مما لا ينبغي أن يفعل ..
فتجده يشغل نفسه بأنواع من المفضولات .. ويترك أنواعاً كثيرة من الحسنات الفاضلات العظيمات .. فيشغل نفسه بأشياء هي أقل مما كان ينبغي أن يشغل نفسه بها .. ولذا هذه المسألة .. مسألة التدبر .. يجب عليك أن تنتبه لها جلياً .. يجب عليك أن تنتبه لها جلياً .. لأن الفرق بين الحالين واسع ..
أدرك ذلك أئمة .. وذكرت لكم كلام الثعالبي وابن القيم .. أذكر لك كلام من هو أرفع وأعلم وأجل من ابن القيم والثعالبي .. وهو الإمام مجاهد –رحمه الله رحمة واسعة- .. إمام المفسرين .. الذي أخذ التفسير عن ابن عباس –رضي الله عنه- عن أبيه .. سُئل الإمام مجاهد عن رجلين .. قيل له : يا إمام .. إنسان قرأ سورة البقرة وآل عمران .. وإنسان قرأ البقرة لوحدها .. وركوعهما وسجودهما ودعاؤهما وتسليمهما كله واحد .. فأيهما أفضل؟ الذي قرأ سورة البقرة وآل عمران معاً ؟ أم الذي قرأ سورة البقرة لوحدها ؟ .
فأجاب هذا العالم .. أجاب هذا الذكي النبيه الفطن .. الذي يعلم الموازين .. التي أنزلها الله –عز وجل- في كتابه .. وبينها الرسول –صلى الله عليه وسلم- في سنته .. فقال : "الذي قرأ سورة البقرة أفضل" .. شوف كيف إنسان قرأ سورة البقرة .. وآخر قرأ سورة البقرة وآل عمران .. وزمن الركوع واحد .. وزمن السجود واحد .. وزمن الدعاء والذكر واحد .. التسليم كان أيضاً في وقت واحد لم يختلف أبداً .. كان وقتهما وزمنهما واحد .. لم يذهب على ذاك .. فأيهما أفضل يا إمام .. فكان الجواب من الواثق بعلمه العارف بكتاب ربه .. قال : "الذي قرأ سورة البقرة أفضل " فقط لوحدها .. وذاك حصل كم من الحسنات بالحروف وهو يقرأ سورة آل عمران .. زيادة على سورة البقرة .. ولكن الفضل بينهما كبير .. والبون شاسع .. الذي قرأ سورة البقرة لوحدها أفضل .. لِمَ ؟! .. لأنها لما قرأها وأخذ نفس الوقت الذي قرأ به ذاك سورة البقرة وآل عمران كان يتمعن .. كان يتدبر .. كان يتأمل .. كان يتفكر في سورة البقرة .. فأصبح هذا التدبر وهذا التفكر وهذا التأمل في هذه السورة أصيح أعلى وأجل من قضية حروف تُقرأ بدون تدبر لآيات سورة آل عمران ..
ولذا أيها المؤمن .. ينبغي أن تنتبه لذلك .. ولهذا جاء رجل إلى ابن عباس .. جاء إلى هذا الحبر .. إلى هذا البحر .. إلى هذا الفقيه الكبير .. إلى هذا العالم الجليل .. قال له : "إني لأقرأ سور المفصل في ركعة" ..يقرأ سور المفصل من ق إلى الناس في ركعة واحدة!!
وجاء أيضاً رجل إلى ابن مسعود فقال له هذا الكلام .. وابن مسعود كما تعلمون من أعلم الناس بكتاب الله عز وجل .. من أعرف الناس بمعاني الكتاب .. بل هو من أعلم ومن أخص صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن .. ومع ذلك لما جاء هذا الرجل إليه وإلى ابن عباس قال له : "أهذاً كهذ الشعر؟!" وقال ابن عباس –رضي الله عنه- وعن أبيه : "والله لأن أقرأ آية واحدة من كتاب الله –عز وجل- أحب إليّ من أن أقرأ القرآن كاملاً كما تقرأ" ..
أخي .. انتبه لهذه .. هذه قضية كبيرة جداً .. أنت ماذا تريد إلا تحصيل الحسنات ؟..
والكلام الآن مع من يريد أن يجمع الحسنات .. ليس مع من هو لاهٍ غافل عن قضية أنه يريد النجاة في هذه الحياة وفي الآخرة .. كلامي مع من يريد أن يحيا قلبه بكتاب الله –عز وجل- .. فتردد آية من كتاب الله –عز وجل- .. تقرأ مثلاً في قوله –جل في علاه- : ( خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) فتكرر الآيات .. تقف .. تتدبر .. ما معنى : ( خذوه فغلوه ) .. تدبرها .. تأملها .. ماذا تعني ؟! .. أما أن تقرأها هكذا في سورة الحاقة .. تقرؤها سريعاً .. لا .. لابد أن تقف .. الوعيد شديد .. والهول عظيم .. الله –عز وجل- قد جمع الخلائق من أولهم إلى آخرهم .. الخلائق جميعاً من أولهم إلى آخرهم .. تنزّلت الملائكة العظام الذين لا يعلم عددهم إلا الله –سبحانه وتعالى- .. كم عدد الملائكة ؟ .. في الصحيح من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- : البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف .. ثم لا يعودون إليه من حين أن خُلقت الملائكة .. وهذا حالهم .. سبعون ألف في كل يوم .. كم عددهم ؟ .. عددهم عظيم كبير جداً !! .. الملائكة فقط الذين يقبضون على نار جهنم ويأتون بها في يوم القيامة ( وجيء يومئِذٍ بجهنم )هؤلاء الملائكة الذين يقدمون بنار جهنم في يوم القيامة كم عددهم ؟!! .. ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه قال –رضي الله عنه وأرضاه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "يُجاء بجهنم يوم القيامة .. لها سبعون ألف زمام .. مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونه" .. شوف .. سبعون ألف زمام .. مع كل زمام سبعون ألف ملك .. اضرب سبعين ألف زمام في سبعين ألف ملك .. كم عدد الملائكة ؟!! أربعة آلاف مليون وتسعمائة مليون ملك .. قريب من خمسة مليارات ملك مع جهنم .. يعني خمسة آلاف مليون ملك .. هؤلاء فقط الذين يقبضون على جهنم ويجرونها يوم القيامة ..أنت أيها الإنسان أيها المسكين الضعيف عندما تقدم في يوم القيامة وتأتي ملائكة الله عز وجل بهذه الأعداد الضخمة تجر جهنم على هذه الحال الشديدة العصيبة ، هؤلاد فقط الذين يمسكون بجهنم يوم القيامة ! .. كيف سيكون حالك ؟ كيف سيكون شأنك أمرك وضعك حالتك ؟ الأمر شديد ستفزع فزعًا عظيمًا فالحال ليست بالهيبة ولا بالقليلة ولا بالأمر اليسير الذي ينبغي أن تغفل عنه ، بعض الناس لما يسمع هذه العدة العظيمة لملائكة الله عز وجل ربما يقول خمس مليارات والبشر الآن ست مليارات فيحسبها حسبة أعداد ! .. ملائكة الله عز وجل في خلقتهم ليست كخلقة هؤلاء البشر الضعاف المساكين ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كمان في سنن أبي داوود وغيره بإسناد صحيح أنه قال : ( أذن لي أن أحدث عن ملك واحد من حملة العرش ما بين عاتقه إلى شحمة أذنه مسيرة سبعمائة سنة كخطف الطير ) الطير يخفق بجناحه سبعمائة سنة يضرب بجناحه حتى يسير فقط من عاتق الملك إلى شحمة أذنه سبعمائة سنة !! .. تدري كم تعني هذه المسافة ؟ حسبها بعض الأخوة في الهندسة والرياضيات حسبوها ليبين لنا الحالة التي عليها خلقة هذا الملك العظيم الجليل من حملة العرش فوجدوها أيها الأحبة تعادل حجم هذه الأرض بثلاثين ألف ضعف !! .. انظر .. تعرف الكرة الأرضية من أولها إلى آخرها هذه المسافة فقط من هذا الملك العظيم أكبر من حجم الكره الأرضية من أولها إلى آخرها بأكثر من ثلاثين ألف ضعف !! .. أنت عند جبل من جبال الدنيا إيش أنت !! .. أنت عند بحر صغير من بحار الدنيا .. من يدخل في البحر الأحمر في سفينة كبيرة عظيمة ولها ما لها من أنواع الأمان تجد فيها قوارب نجاة وأشياء كثيرة جدًا تعطيك شيء من الأمان وفيها محركات عدة وفيها وفيها ، ومع ذلك إذا مخر البحر وتحرك واهتزت الأمواج إذا أنت لست كشيء في بحر صغير في البحر الأحمر فكيف إذا دخلت في محيط عظيم فكيف إذا جئت إلى الكرة الأرضية من أولها إلى آخرها فكيف إذا ضاعفت هذه الكرة الأرضية بثلاثين ألف ضعف فكيف بالخلقة الكاملة التي خلق الله عز وجل عليها هذا الملك !! .. ستقدم أنت يوم القيامة طولك مترين أو أقل .. أكبر مخلوق بشري على الأرض طوله كم ؟ آدم عليه السلام من عرفنا أنه بلغ طوله أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أن طوله كم ؟ ستون ذراعًا .. يعني ما تأتي عشرين متر .. عشرين متر هذا أعظم إنسان بشري .. فتأتي إلى ملك من الملائكة هذا حاله وحجمه ثم تأتيك هذه الأعداد العظيمة فتقدم هذا القدوم العظيم على الله عز وجل في يوم القيامة فكيف سيكون حالك ؟ .. ثم يأتي الأمر من الله يوم القيامة ، الأمر من الجبار جل في علاه فيقول لملائكته عن فلان هذا : ( خذوه فغلوه ) ، كيف سيكون حال الإنسان ؟ تصور أن هذا الأمر موجه لك أنت ، أنت يقال لك يا فلان ، خذوا عبد الله بن فلان ، خذوه فغلوه ، الأمر ليس بالهين .
أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن مسألة التدبر ..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، مرحبًا بكم مرة ثانية أيها الأحبة ..
ونعود للكلام عن قول الله عز وجل: ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الجَحِيْمَ صَلُّوهُ ) وأعيد وأكرر أن هذا المثل إنما أخذ لبيان أهمية مسألة التدبر لأن هذه الآية أنا أعلم يقيناُ أنها مرت على أسماء كثير من المسلين مراراُ وتكراراً ولكنها تمر عليه سواء كان يتلوها بنفسه أو يسمعها من يتلوها ولكنها تمر عليها من دون تدبر ولا تأمل ولا تفكر وهذا الخطأ الكبير الذي نقع فيه فلو تأمل الإنسان آية مثل هذه الآية ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) وتصور الحال لما يجمع الناس من أولهم إلى آخرهم والملائكة وقوف صفوف أمام الله سبحان الله ونزله الجبار جل وعلا وهو مستوٍ على عرشه نزل لحساب الخلائق ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة ) ( وجاء ربُك والُملكُ صفاً صفاً ) وجاء ربك تنزل سبحانه وتعالى تنزلاً يليق بجلاله وعظمته وحال الملائكة أنهم صفوف مرتبة وكذلك الناس ( وعرضوا على ربك صفا ) فالمسألة ليس مختلطة وهكذا عندما ينزل الجبار سبحانه وتعالى لحساب الخلائق تصف الملائكة صفاُ دقيق جداً ويصف الخلائق أيضًا هؤلاء الناس هؤلاء المكلفين من الإنس والجن يصفون صفاً دقيقاً جدًا استعداداً لحساب الجبار سبحانه وتعالى ، الأمر عظيم ( يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً ) الأمر عظيم فعندما يأتي هذا الحال وينادى على فلان من بين الخلائق يقول الله عز وجل ( خُذُوهُ ) فيعود الضمير خذوا فلان ابن فلان ، خذوا فلانة بنت فلان من بين الخلائق كيف سيكون حال هذا الإنسان أمام الناس سيفرح بهذا الخطاب ؟ سيفرح به ؟ يُـسرّ ؟ أمر عادي لا يتأثر ؟ سيبكي ليس بدمعه وإنما بدمه ، سيقطع أصابعه ندما ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً )
سيعض هذه الأصابع تقطعاً لما يسمع مثل هذا الخطاب من الله عز وجل ولما تتأمل أنت في حالك هذا هو الأمر تأمله في أقرب الناس لك لما تقرأ هذه الآية أو كذلك تقرأ غيرها من الآيات تأمل مثل هذه الآية ( خُذُوهُ ) قد لا يعود لك بإذن الله ويحميك الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه وجوده أسال الله عز وجل أن يحمينا وإياكم والدينا وذرياتنا وجميع المسلمين من ذلك نسأله سبحانه وتعالى بلطفه أي ينجينا من هذا الموقف المخزي الموقف العظيم في ألمه ووقعه على الإنسان ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) لما يعود على الضمير ليس إليك ولكن إلى قرب الناس لك تخيل هذا قليلاً .. تفكر تصور مسالة تصورها تصوراً كاملاً .. لما يعود إلى أقرب الناس لك كيف يكون حالك ؟ أنت نجوت بفضل الله عز وجل ولكنك تلتفت في يوم القيامة والناس يرى بعضهم بعضًا ولذا قال الله عز وجل ( وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يبصَّرونهم ) أي أن الحميم يبصر حميمه ، القريب يرى قريبه الأب يرى أبناءه ، والأبناء يرون أباهم والبنات يرون أمهم والأم ترى بناتها والناس يرون بعضهم ، ترى كل من تعرفه في هذه الحياة الدنيا ، ولا يسال حميم حميما ليس عن بعد وإنما يبصرونهم ، يراه لكن لا أحد يسأل أحد لأنه قد يئس الناس بأن ينفعك أحد ، في البدء كان السؤال ثم يئس الناس من أن ينفعك أحد إلا الله سبحانه وتعالى هو الذي ينفعك ، ولذا قال هنا لما ترى هذه الآية ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) سيأتي إلى أقرب الناس لك قد ي أتي إلى عزيز إلى أم إلى أب إلى ابن إلى بنت إلى صديق حميم أنت وإياه سنوات طويلة تعرفه وتسر به وأنست به سنوات ليست بالقليلة أبدًا وتفرح به ، إلى أخت إلى أخ إلى إلى ... هل ستسر بذلك ؟ لن تسر بذلك مطلقًا ، لن تسر بهذا أسال الله عز وجل أن يحمينا جميعا ولكن لن تسر بهذا أيها المؤمن .
ولذا قال إبراهيم الخليل عليه السلام كما في الحديث لما رأى أباه يُجر تجره الملائكة على وجهه قال يا ربي وأي خزي أعظم من أبٍ أبعد ؟ فقلبه الله عز وجل إلى هيئة خنزير حتى لا يراه إبراهيم فيظن أنه أباه فيتألم وقد وعده الله ألا يخزيه يوم يبعثون فيقول لله : وأي خزي أعظم من أبي الأبعد ؟ ، فيغير الله صورة وهيئة الأب لأنه قد كتب الله عليه النار بسبب كفره وعناده وبعده عن توحيد الله سبحانه وتعالى ، فأنت تأمل ( خُذُوهُ ) لو نزلت عليك نزلت على أحد من أقاربك نزلت إلى أحب الناس إليك كيف يكون حالك وموقفك ، في الآخرة لن تستطيع أن تفعل شي إلا الشفاعة إن كنت ممن شفعه الله عز وجل في الناس أما في الدنيا فأنت مدرك الآن تستطيع أن تقترب منه أن تدعوه أن تخرجه مما هو فيه أن تجره من الحال المخزية التي عليها في الدنيا من المعاصي والذنوب واقتراف الكبائر والبعد عن الأوامر والانغماس في اللذات ونحو ذلك أنت في الدنيا تستطيع تدرك أما في الآخرة لن تستطيع أن تفعل شي إلا إذا شفعك الله عز وجل
هذه الآية إذا تأملتها أيها المؤمن ماذا تفعل في نفسك؟
أولا تعمل جاهدا على إصلاح نفسك حتى لا ينزل الأمر عليك ثم تعمل جاهدا في إصلاح من حولك تعمل ليلاً ونهارًا سواء تعمل بجوارحك أو بلسانك أو ما آتاك الله عز وجل أو تعمل كذلك بدعائك أخي ، عندك أمك عندك أبوك عندك أحد من أقاربك ابن بنت ، عندك أخ بعيد عن الله عز وجل حاولت أن تهديه حاولت مرارا تقربه إلى الله عز وجل وتبعده عن الشيطان تنجيه مما هو فيه ما استطعت ، إذن هذه الآية تجعلك تبكي في الليل وأنت تدعو له أن ينجيه الله عز وجل مما هو فيه أما بدون تصور هذه الآيات لن تبكي لن تدعو دعاء حار واللهم اهدي فلان واللهم فقط لا .. أن الله لا يقبل دعاء من كان قلبه غافل لاهي وهو يدعو الله عز وجل لكن هذه الآيات تحرك هذا القلب وتنزل هذا الدمع وأنت تتصورها وتتأمل فيها وتتدبر في دلالتها فتقبل على الله عظيما في دعائك وابتهالك إليه سبحانه وتعالى ثم ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ) تأملها على أحد ، ستبكي وتدعو لأخيك ستبكي وتدعو لأختك ستبكي وتدو لأمك لأبيك لبناتك لأبنائك لأقرب الناس لجارك لحبيبك لصديقك وسوف يتقبل الله دعاءك بإذنه لأنه وعدنا بالإجابة ( ادعوني أستجب لكم ) فإذ دعوناه بالحق فيستجيب لنا وستنقذ هذا العزيز من هذا الموقف المخزي المهين في حياتك الدنيا بسبب دعائك وإقبالك وحرصك على هدايته وإخراجه أما بدون تأملها قد لا تفعل ذلك تحرص ولكن حرص عابر تدعو ولكن دعوة باردة ولكن بها يتغير الأمر تمامًا
أذكر مرة أنه جاء إلي إنسان هداه الله بعد ضلالة طويلة لأنه كان ممن أنعم الله عليه في الحياة الدنيا بشكل لا يوصف ولا يتصور ، أنعم الله عليه نعما حقيقة أقولها وأنا أعرف ما أقول لا يكاد يتصورها الإنسان فضلا أن يعيشها لا يتصورها الإنسان ، النعمة التي فيها هذا الشاب لا يتصورها الإنسان مجرد تصور فضلا أن يكون قد جربها أو نال منها شيئا ، مع هذا جاء لي مرة بعد أن هداه الله عز وجل بالقرآن يا أحبة ، بالقرآن هداه الله عز وجل تأمل آيات من القرآن ، فجاءني وكان والده على بعده وإعراضه عن النور عن الخير عن الهداية عن التقوى عن الصلاح ما زال منغمسًا في أمواله وتجارته وعقاره وصفقاته وأسهمه وأموال هذا الأب قد ملأت الدنيا في كل مكان له أموال ، إن جئت إلى الجزيرة العربية إن جئت إلى البلاد العربية إن جئت إلى أوروبا إن جئت إلى أمريكا في كل مكان له فيها أموال ، فجاءني مرة وقال لي أنا والدي تعرف والدي أمواله كثيرة فيها الحرام وفيها وفيها وعنده انغماس في الذات
فقلت له سأهديك إلى أمر واحد أريدك أن تتفكر فيه ، لكن سأسالك سؤال واحد ، أنت حريص على دعوة والدك وعلى إنقاذه مما هو فيه؟ قال : إي والله حريص ، قلت جداً ؟ قال : والله جداً لأني أعرف الحالة السيئة جدا التي فيها الوالد أخشى عليه ، قلت له كيف تدعو له ؟ قال : والله إذا صليت في الليل ، هذا الشاب كان لا يصلي الفرائض إلا نادرا أصبح يصلي الليل بعد آيات من كتاب الله عز وجل ، قال أدعو له يعني إذا ركعت أو سجدت دعوت له ، أو إذا رفعت يدي في صلاة الوتر دعوت له ، قلت له تبكي؟ وكأنه قليلا.. قلت له تشعر أنك تدعو دعاء صادق مخلص منيب إلى الله عز وجل راجي طالب الهداية ؟ قال أنا أدعو لكن لا أظن أني وصلت إلى هذه المرحلة, قلت له ستصلها, قال: كيف ؟ أريد أن أصلها أريد أن أصل إلى هذه المرحلة في دعائي لأبي لعل الله عز وجل أن يهديه في هذه الحياة الدنيا فقلت تأمل آية من كتاب الله عز وجل قال ما هي؟ قلت اقرأ ( خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه )
نظر إلي, تأمل الآية, ذهب, جاءني بعد أسبوع فقال والله ما تأملت هذه الآية في الليل وأنا أصلي إلا جاءني من الأمر شيء عظيم وشديد جدا وأنا أتصور أبي وما قد يحصل له في ذلك الموقف العظيم فأدعو دعاء خاشع دعاء خانع دعاء خاضع دعاء مخبت دعاء مضطر لعل الله سبحانه وتعالى أن يهدي أبي ويخرجه مما هو فيه , شفت الفرق؟ هذا هو الفرق , هذا هو الفرق بين آيات تقرأ , هذه الآية مرت علي وعلى كثير من الناس لكن ما اقبل عليها إقبال من يريد أن يتدبر يتأمل في آيات الكتاب وهذه الآيات لما مرت على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة فعلت بهم الأفاعيل حركت بهم القلوب أنقذتهم مما هم فيه وأخرجتهم من ظلمات الشرك إلى أعلى درجات الإيمان , بماذا؟ بالقرآن ليس بشيء آخر , النبي نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن معه عصى سحريه ولم يكن معه دابة ولم يكن معه كذا ولا كذا نبينا إنما جاء بالقرآن لم يأت إلا بالقرآن هذا القرآن هو الذي فعل هذه الأفاعيل بالناس من أولهم إلى آخرهم , وهذه المسألة فيما يتعلق بالتدبر جاء الكلام عنها في القرآن كثيرا بالأمر بالتدبر بالتفكر بالنظر ولعلي أذكر لكم بعض الآيات وأنا أعلم أن هذا مستقر أيضا في النفوس ولكن أريد أن نأخذ الدليل عليه من كتاب الله سبحانه وتعالى أريد منكم أن تتأملوا ما تحفظون من كتاب الله عز وجل فتذكروا لي آيات حثت على التدبر وعلقت الهداية بالتدبر فمن يذكر لنا آية من كتاب الله سبحانه وتعالى جاء الأمر فيها بالتدبر والحث عليه؟ نعم
جاء في قول الله تعالى في سورة محمد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( أفلا يتدبرون القرآن* أم على قلوب أقفالها )
نعم أحسنت بارك الله فيك,شوفوا الآية ( أفلا يتدبرون القرآن* أم على قلوب أقفالها )الآية عظيمة تدبر قليلا شوف أفلا يتدبرون القرآن؟ (أفلا) هذه لو أردنا أن نتكلم عنها من جهة اللغة والبلاغة ما هي؟ هذه الهمزة جاءت لماذا؟ للتنبيه, للتحضيض هنا تحض الإنسان فتقول له أفلا يتدبرون القرآن؟ طيب إن لم نفعل يا ربنا ما حكمك فينا؟ ما الوصف الذي نستحقه يا اله السموات والأرض؟ قال: أم على قلوب أقفالها فإذن ليس هناك حل ثالث إما أن نقبل على تدبر القرآن وإما أن يكون على قلوبنا ماذا؟ أقفال ليس هناك طريق ثالث أبدا إما أن نقبل على تدبر القرآن أفلا يتدبرون القرآن فان لم نفعل؟ جاءت (أم) التي للإضراب بمعنى انه لم يحصل ما قبلها فالحكم لما بعدها أفلا يتدبرون القرآن؟ لم نفعل يا رب ما حكمك فينا قال أم على قلوب أقفالها فمعناه أن على القلوب أقفالها , وانظر إلى الجمع في قوله أقفال ولم يقل أم على قلوب قفلها وإنما قال أقفالها لأن هذا القلب الذي ابتعد عن تدبر القرآن الذي عليه ليس قفلا واحدا بل أقفال كثيرة القلب الذي أعرض عن تدبر القرآن ليس عليه قفل واحد وإنما عليه أقفال كثيرة بحكم الله سبحانه وتعالى لا بحكم أحد من الناس أفلا يتدبرون القرآن؟ إن لم نفعل ؟ أم على قلوب أقفالها , ليوقن بذلك كل مسلم أنه إن لم يقبل على تدبر القرآن فليعلم أن على قلبه أقفال ما في مجاملة في هذا الأمر ولا في مداهنة لأني أنا لا أستطيع أن أداهن ولا أستطيع أن أجامل وليس الأمر أصلا راجع لي ولا لك ولا لأحد من الناس ليس لعالم من العلماء ولا لفقيه من الفقهاء ولا لمفكر من المفكرين ولا إلى محدث من المحدثين ولا إلى ملك من الملوك ولا إلى وزير من الوزراء ولا إلى جبار من الجبابرة ولا إلى أي أحد من الناس , الأمر راجع إليه سبحانه وتعالى والحكم جاء منه فما لأحد أن يتدخل في هذا الباب ولا يقول لم تصف قلبي إن عليه أقفال ليش هذا الوصف الشديد العنيف الرهيب أقول لك ليس هذا مني ولا من أحد من الناس وإنما من الله عز وجل إن لم تتدبر القرآن فاعلم أن على قلبك أقفال شئت أم أبيت رضيت أم رفضت على قلبك أقفال خذ هذا الحكم من الله عز وجل وتدبره في الدنيا قبل أن تراه بعينك في الآخرة خذ هذا الحكم في الدنيا وتدبره واعمل على تكسير هذه الأقفال في الدنيا قبل أن ترى قلبك في الآخرة بعينيك عليه أقفال ولا تسر بها أبدا, تكسير هذه الأقفال بمفتاح واحد ,فتحها بمفتاح واحد وهو تدبر القرآن أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها,في أقفال كيف تفتح؟ بتدبر القرآن فقط ليس هناك مفتاح ثاني يمكن أن يفتح به القلب ولن تزال الأقفال إلا بالتدبر
آية ثانية هذه الآية عظيمة جدا لكن نريد آية ثانية تدل على هذا المعنى ..نعم..
قال الله تعالى في سورة ص أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) وهذه أيضا من الآيات العظيمة وبالمناسبة هذه الآية أطال الكلام عنها ابن القيم رحمه الله في الفوائد أطال الكلام جدا على هذه الآية لم؟ لأن الله عز وجل جمع في هذه الآية أشياء كثيرة في الكلام فيما يتعلق بالتدبر ولزوم التدبر لحياة القلب وما يتبع ذلك فقال سبحانه: أنظر::: كتاب أنزلناه إليك::: ليدبروا آياته ,اللام هذه تسمى لام ماذا؟ لام التعليل لام الحكمة بمعنى أن إنزال القرآن لأي شيء؟ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته فإنزال القرآن كان من أجل ماذا؟ من أجل التدبر لأن لام العلة هنا لام الحكمة جاءت في بيان لأي شيء تنزل هذا القرآن كتاب أنزلناه إليك مبارك لأي شيء يا رب؟ قال ليدبروا آياته هل قال ليقرؤوا حروفه؟ وهذا من المطلوب لكنه ليس هو المطلوب الأسنى الأسمى والأعظم ..لا,, وإنما المطلوب الأعظم والأكمل والأتم هو ليدبروا آياته وتأمل وصف مبارك هنا جاء , جاء وصف مبارك هنا للقرآن في موطنه ليدلك على أمر ليس والله بالهين بل أمر جليل .. لم؟ لأن الله عز وجل قال كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا فكأن بركة القرآن لا تكون إلا لمن؟ لمن تدبر القرآن لأنه قال كتاب أنزلناه إليك مبارك فالقرآن نزل وهو للناس وأهل الإسلام يقرؤونه فهو نزل إليهم لكن صفة أن يكون مبارك فهو مبارك لمن؟ لمن تدبر القرآن كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ليكن التدبر هو الحظ الأعظم من سماع كلام ربك سبحانه وتعالى, ليدبروا آياته وليتذكر ألوا الألباب التدبر هو طريق الذكرى طريق التذكر ثم ختم هذه الآية بقوله سبحانه وتعالى وليتذكر من؟ ليتذكر أولو الألباب ما معنى الألباب؟ العقول, اللب في أصله هو خلاصة الشيء ووسط الشيء هو الذي يخرج من الشيء والمراد هنا العقل ألوا الألباب أي أهل العقل لأن العقل هو الذي يدبر وليس العقل الذي في الرأس إنما العقل الذي يدير هذا الجسد هو أصله في القلب وله ارتباط بالعقل فاؤلوا الألباب هؤلاء أهل العقول فإن الذي لا يتدبر القرآن والذي لا يتذكر بالقرآن هل هو من أولي الألباب؟ لا, إذن هو ممن لم يستخدم عقله ولا فكره فيما أمر الله عز وجل به.
أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا ذا الجلال والإكرام نسألك بمنتك وكرمك وجودك يا ربنا يا خالقنا أن تعلمنا التأويل وأن ترزقنا الفقه في الدين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أم الشهداء
04-11-08, 08:15 PM
القاعدة الرابعة من قواعد فهم القرآن
الحمد لله الواحد الأحد و الحمد لله الفرد الصمد و الحمد لله الذى لم يلد و لم يولد و الحمد لله الذى لم يكن له كفوا أحد ثم الصلاة و السلام على رسول الله صلوات ربى و سلامه عليه و على آله و أصحابه و أتباعه و أنّا معهم بجود الله و رحمته .
أيها الأحبة كنا نتكلم فى الحلقة السابقة عن موضوع التدبر و عن أهميته و عن أثره فى قلب الإنسان بل و فى جوارحه بل وعن أثره فى الدنيا ثم بعد ذلك فى الآخرة .
نريد الآن أن ننتقل سريعا إلى القاعدة الرابعة و هى ما أسميناها بــ " القرآن ثقيل متين كبير ليس بالهين"
لكن قبل أن نبدأ نريد إن كان هناك سؤال على ما تقدم فليتفضل من كان لديه سؤال ،
بسم الله الرحمن الرحيم ، فضيلة الشيخ : قلت فى الحلقة الماضية أن القلب ينقسم إلى ثلاث : قلب حي ، و قلب مريض ، و قلب ميت و الله عز و جل قال :" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " فدلت الآية على أن القلب قد تدبر القرآن فهو حي ، و قلب لم يتدبر القرآن فهو ميت ...يعنى كيف نجمع بين التقسيم اللى ذكرتموه ؟
زين ..هذا السؤال طيب ... بالنسبة للقسمة التى جاءت فى كتاب الله عز و جل ، تقسيم القلب إلى ثلاثة أقسام ، قلب حى و قلب مريض و قلب ميت و جاءت الدلالات –الآيات- بل و كذلك السنة على هذا المعنى و استنبط أهل العلم هذا المعنى من هذه النصوص و قسموا القلوب إلى ثلاثة أقسام و لكن بالنسبة لما جاء فى الآية ، الآية لم تتكلم عن قلبى حى و قلب ميت .... لا ،و إنما تكلمت عن قلب متدبر ليس عليه أقفال و قلب غير متدبر عليه أقفال ، فالقلب الحى الذى ليس عليه أقفال –الذى هو قلب متدبر- هذا هو القسمة الأولة الذى قلنا انه القلب الحى ،هذا ليس عليه أقفال مطلقا ... أما القسمة الثانية و هو القلب غير المتدبر الذى عليه أقفال فهذا على نوعين : قلب قد زادت عليه الاقفال و استكثرت عليه حتى أنه من شدة هذه الأقفال ، بلغ إلى درجة الموت ، أصبح ميتا وهو القسم الثالث عندنا ، أما قلب آخر فهو قلب غير متدبر و لكن الأقفال لم تستحكم عليه ، لم تتكابد عليه ، فمازال فيه نبض حياة ، مازال فيه شئ من الحياة فهو القلب المريض فى القسمة الثانية عند أهل العلم .
وهذا القلب المتوسط هو قلب كثير من الناس فتجده ليس بالميت – أى ليس بالكافر – و لكنه أيضا كذلك ليس بالقلب الحى كقلب المؤمن ، و إنما هو قلب متوسط ... قلب مريض ، عليه أقفال ، و لكن هذه الاقفال لم تحكم الإغلاق على هذا القلب من كل الوجوه و إنما بقيت فيه نوافذ يدخل منها النور ، بقيت فيه حياة يسيرة فى هذا القلب ...فهذا هو القلب المريض ، فالأقفال تارة تستحكم فيموت القلب تماما ، و تارة لا، تكون أقفال و لكنها لم تستحكم تماما على القلب فتصل منافذ الخير يسيرة إلى هذا القلب فيبقى قلبا مريضا ، يبقى هو مريض ،كحال الانسان المريض ...و حال الانسان المريض بين الانسان الحى الصحيح الطيب و بين الانسان الميت الذى لا حراك له ... واضح؟؟
فى سؤال آخر إن كان...
أثابكم الله فضيلة الشيخ على ما قدمتم ، لقد عرفنا مما سبق فى الحلقة الماضية أن أحسن أو أفضل حال لقراءة القرآن الكريم هو قراءته بتدبر فكيف نوفق بين هذه الحالة و الحالة الاخرى التى هى فى مقام التعليم مثلا، مدارسة القرآن أو مراجعته أو تسميع على شيخ فقد تكون هذه القراءة تصل إلى حد الحدر أو أكثر من ذلك ، مثلما ذكرت قول عبد الله بن مسعود تكون مثل هذّ الشعر ..فكيف يمكن أن نوفق بين هذا و هذا ؟
هذا سؤال مهم و جيد جدا حقيقة لأن من يسمع الكلام السابق قد يظن بأن المقصود هو ألا يقرأ القرآن إلا على هذه الصفة و هى قراءة التدبر بمعنى أنه يقرأ قراءة متأنية فيها تكرار و فيها تفكر و فيها تأمل و فيها وقفة طويلة جدا مع آيات يسيرة من كتاب الله عز و جل يظن أن هذا هو المقصود مع كل القرآن من أوله إلى آخره ..لا ،ليس هذا هو المقصود ،و إنما المقصود هو أن يكون لقراءة القرآن بالتدبر ، أن يكون لها حظ من وقتك ، و اهتمام فى قلبك ، فتقرأ القرآن مرات كثيرة بتدبر و تأمل و تفكر و نظر و اعتبار بهذه الآيات ،و لا يغنى هذا أن تقرأ القرآن قراءة أخرى يكون فيها شئ من الحدر شئ من الإسراع بالقراءة و نحو ذلك ، هذا لا يلغيه ، ففى حلقات التعليم ، و فى حال مراجعة حفظ القرآن ، أو الرغبة فى قراءة شئ من كتاب الله عز و جل و ختم بعض أجزائه ..لا بأس أن يقرأ الانسان حدرا ،
فقد ثبت عن صحابة رسول الله –صلى الله عليه و سلم- أنهم كانوا يحزبون القرآن سبعا ، فيقسمون القرآن سبعة أقسام بحيث أنهم فى الاسبوع الواحد يكون الواحد منهم قد ختم القرآن ختمة واحدة ...هذا أغلب أصحاب النبى –صلى الله عليه و سلم – كانوا يحزبون القرآن سبعا ، فيجعلون من كذا لكذا هذا حزب و حزب ثانى و ثالث و رابع إلى السابع - من المفصل إلى آخر القرآن هذا هو الحزب السابع – ونحو ذلك فيجعلون القرآن على سبعة أحزاب و كان منهم من يجعل القرآن على ثلاثة أحزاب و منهم من يجعل القرآن على عشرة أحزاب و منهم من يجعل القرآن على ثلاثين حزبا و لكن نحو ذلك حسب ما يتيسر للإنسان.
فكانوا يقرؤون القرآن حدرا فى مواطن ، ولكن هذا لا يعنى أن تكون قراءتهم من أولها إلى آخرها فى ليلهم و نهارهم كلها حدر ، أن تكون قراءتهم كلها من أولها إلى آخرها حدر فى حدر... لا، هذا ليس بصحيح أبدا ، و إنما لابد لابد أن يكون من قراءتك لكتاب الله عز و جل ما يكون فيه تدبر و تأمل و نظر و تفكر و وقفة طويلة مع كتاب الله عز و جل و لا يمنع أن يكون هناك قراءة أخرى يكون فيها شئ من الحدر مع التنبيه على أن ما نهى عنه ابن مسعود و نهى عنه ابن عباس و نهى عنه أيضا ابن عمر –رضوان الله عليهم أجمعين – وهو القراءة هذّ كهذّ الشعر ..هذا لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون ديدن المسلم مطلقا ، بل لا ينبغى لأى مسلم أن يقرأ القرآن على هذا النحو ..هذّ كهذّ الشعر هكذا ...لا حول و لا قوة إلا بالله بل لا ينبغي لأي مسلم أن يقرأ اقران على هذا النحو هذ كهذ الشعر هكذا لا حول ولا قوة إلا بالله هذ كهذ الشعر حتى قراءة الحدر عندما تريد أن تقرأ القرآن على شيخ تجود عليه القران أو تريد أن تراجع حفظك فتقرا مع زميل لك حدرا لن تستطيع ان تقرأ قراءة مسترسلة فلكن تحدر حدرا لابأس و لكن هذا الحدر لابد أن يكون معه شيء من التفكر في الآيات في شيء الخضوع شيء من النظر فيها فرق أن تقرأ مثلا في سورة عم فتقول مثلا : " عم يتسألون ، عن النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، كلا سيعلمون ، ثم كلا سيعلمون" ثم تقرا هكذا هذا حدر وتقرأ على هذا النحو هناك فرق أن تقرأ كقراءة بعضهم هداه الله و غفر الله لنا و له عندما يقرأ هذه السورة مثل: " عم يتساءلون * عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون * كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون" فهذا لا يجوز هذه القراءة لا تجوز مطلقا ففي مراجعة هذا لذاك فان هذا فيه انتقاص من قدر القران فيه انتقاص من قدر القران فالقران لا يقرأ على هذا النحو تصور انك تقرأ كلام الجبار على هذا النحو من يصوغ لك ذلك من يصوغ لك ذلك أن تقرأه على هذا النحو هذا به انتقاص لقدر القران و عظمة هذا الكتاب العظيم و لكن تقرأ حدرا مع استيعاب و تأمل الايات قليلا بعض الناس يقرأ القران و هو يضحك أو وهو يبتسم و هو يظن انه يراجع القران أو ينظر في ي شيء في السماء و في صورة أمامه أو في منبر أعجبه أو في طفل يتحرك أو في شيء و هو يقرأ القران هكذا عينه قلبه ليس مع القرآن و إنما هو يريد أن يراجع الحفظ مجردا هكذا يا أخي لا ينبغي لك عندما تقرأ القرآن أنت مع الله و تقرأ كلام الله سبحانه وتعالى فرسلا رسلا احدر و لكن مع حدرك بلسانك يكون قلبك أيضا يستحضر القراءة و يستحضر شيئا من هذه المعاني التي تجيء في هذه الآيات
ندخل بعد ذلك في القاعدة الرابعة في هذا الشان و هي : القرآن ثقيل متين
سبق و أن أشرنا الى شيء من ذلك في قوله تعالى :" إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " و قلنا :إن "إنا " هنا في الكلام عن سورة المزمل : إن "إنا" هنا جاءت للتعليل لما قبلها و قد جاء قبلها أوامر إلى الرسول صلى الله عليه و سلم ثم جاءت "إنا " و إن" اذا جاءت بعد أمر أو نهي و ما في حكمهما فإنها جاءت للتعليل فهذا معلوم في لغة العرب فأنا أقول لك مثلا اشرب الدواء فإن فيه شفاء أقول لك مثلا: اقلب رزقك فإن في هذا خير لك و لأولادك و نحو ذلك من الكلام فتأتي إن بعد الأوامر أو بعد النهي فأقول لك :لا تصحب الأشرار فإن في صحبتهم شر لك في دينك و دنياك و نحو ذلك مما يأتي من كلام العرب فإن إذا جاءت بعد الأمر و النهي و ما في معناها تكون للتعليل و هكذا كثيرا جدا في كتاب الله عز وجل كثيرا جدا في كتاب لله عز و جل فهنا أمرنا الله سبحانه و تعالى أمر نبيه بدءا صلى الله عليه و سلم بقوله : " يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا " فأمره بقيام الليل ثم علل ذلك بقوله : "إنا " و إن من المعلوم أنها عبارة عن أصلها : إن و نا الفاعلية التي أصبحت اسما لإن فهي عبارة عن :"إننا" فأدغمت النونين في بعضها فأصبحت عبارة عن نونين . فإن هذه إن التي في إنا نا الفاعلية دخلت معها فدلت على التعليل دلت على أن الأمر السابق مع ما علته ما حكمته: هو قوله تعالى:" إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " فإن قيام الليل و إن الصلاة في آخر الليل لأن الله عز وجل سيلقي على نبيه قولا ثقيلا :" إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " قولا ثقيلا صفة الكلام أي أنه متين و أنه قوي وأنه كبير و أنه شديد ليس بالهين أبدا و ليس بالهين مطلقا استحضارا لهذا المعنى يعينك أيه المؤمن على أن تقبل على كتاب الله إقبالا يليق بهذا القرآن ... كثير من الناس يأخذ القرآن هكذا كما يأخذ جريدة كما يأخذ مجلة كما يأخذ أدنى كتاب يأخذ القرآن على هذا النحو و هذا لا ينبغي فإن الله عز و جل أمر يحي فقال له:" يا يحي خذ الكتاب " بإيش:" بقوة" أي كتاب ؟ أي كتاب؟ هل هو القرآن ؟ "يا يحي خذ الكتاب بقوة " أي كتاب ليس القرآن و إنما المقصود هنا ماذا؟ الإنجيل أو لكتب التي نزلت قبل الإنجيل فالمقصود هنا كتاب من كتب إسرائيل إن كان الإنجيل فذاك و إلا ما قبله من الكتب التي تنزلت مع أن هذا في كتب من كتب بني إسرائيل فما بالك بهذا القرآن العظيم لأنه أرفع و أعلى و أكبر و أجل من الكتب التي تقدمت بل هو مهيمن عليها و مسيطر على كل الكتب التي جاءت من قبلها و قد جاء عن الحسن البصري رحمه الله رحمة واسعة ان القرآن ضمن جميع ما في الكتب السابقة أن هذا كتاب الله سبحانه و تعالى أن هذا القرآن جمع 104 كتب من الكتب السابقة كل ما تنزل من الله عز و جل من الكتب جمع في هذا القرآن فإذا المقصود هنا أيها المؤمن أن هذا القرآن عظيم جليل و قد أمر الله يحي "خذ الكتاب بقوة " مع أن الكتاب الذي سيأخذه ليس بدرجة الكتاب الذي أمرنا نحن أن نأخذه فكتابنا أعظم من كتبهم جميعا لذا فأمر يحي أن يأخذ الكتاب بقوة أن يأخذ الكتاب "بقوة" :فـ "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" حتى تستعد النفوس لهذا القرآن لما أمر الله عز و جل من أنواع التلقي به و لولا أن الله يسره لما استطاع أحد أن يفهمه بل لما استطاع قلب بشر أن يتحمله " و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" يسره لنا و إلا ... لو أن الله لم ييسره لم نستطع أبدا أن نتحمله قد تنزل هذا القرآن على... أخبر الله عز وجل سبحانه و تعالى أن هذا القرآن لو تنزل على... على جبل لرأيته إيش ... "خاشعا متصدعا من خشية الله" تصور جبل عظيم لو تنزل عليه القرآن لتصدع و خشع تصدع يعني: تشقق ...
تصور أن مجرد القرءان ينزل سيتصدع الجبل ويتشقق من هولِ هذا القرءان ومن عظمة هذا القرءان إذًا بالنسبة لقلوبنا هل يمكن ان تتحمل القرءان لولا أن الله يسره لنا لا يمكن هذا لأن القرءان ثقيلٌ متينٌ عظيم فلا بد ان ندرك ذلك ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه أيضًا قال: (( إنّ هذا الدين متين ، الدين ماذا هو ؟ الدين القرءان وماأمر به القرءان والسنة قد جاء الأمر بها و........ ونحو ذلك وكلُّها عائدة إلى القرءان ، إن هذا الدين متين شوف أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم كيف تتعامل بعد ذلك مع هذا القرءان المتين أرشدك بقوله صلاة ربي وسلامه عليه ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ) وسيأتي في القاعدة الخامسة الكلام عن هذا الأمر ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولن يشادّ الدين – أي ولن يشاد القرءان أحد إلا غلبه – من الذي سيغلب القرءان ام أنت ؟ غلب القرءان ..... إذا أخذت القرءان مرة واحدة وجملة واحدة لا يمكن وإنما يؤتى شيئا فشيئا كإجتماع النقط كما قال الزهري رحمه الله تعالى يأتي القرءان بالعلم شيئا فشيئا ما فشيئا ما حتى يجتمع حتى تتعلم هذا العلم العظيم شيئا ما شيئا ما قليلا قليلا هكذا يكون ....قد يكون الناس يريدون أن يأتوا بالقرءان كله في سنه واحدة ياخي هذا من عاشر المستحيلات لم يحصل لأعلم الناس وأفضلهم وازكاهم واحرصهم على العلم لم يتيسر هذا لأحد من الناس أبدًا
ابن عباس روي عنه أنه يقول حفظت المفصل وأنا ابن 12 سنة شوف كم عمره 12 سنة حفظ المفصل معناه ليس حفظَا مجردًا انطباع في الذهن وإنما حفظ مع فهم ومع إدراك مع معرفة عمره 12 سنة حفظ المفصل عندنا 8 سنوات تجده حافظ للقرءان كله إذًا ليس هذا مقصود الصحابة وإنما المقصود أن يحفظ القرءان حفظ ومع فهم وإدراك ولذا يفتخر على بعض الصحابة على ابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وأقرانه يقول أنا حفظت المفصل وانا 12 سنة يفتخر بهذا افتخارا فتنبه لهذا التنبيه أن القرءان عظيم ليس بالهين
ولذا أيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم في سورة البقرة كما ثبت عنه في صحيح مسلم قال: اقرؤا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة والبطلة هي السحرة لقوتها وعظمتها لا تستطيعها البطلة
فاصل..
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله حياكم الله مرة أخرى في روضة من رياض القرءان
كان الكلام عن مايتعلق بالقرءان وأنه ثقيلٌ متينٌ عظيمٌ جليل ليس بالهين أبدا ووقفنا عند الكلام عن سورة البقرة قوله صلى الله عليه وسلم ( اقرؤا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ) والبطلة هؤلاء هم السحرة ليش مايستطيعونها؟ لعظمتها وجلالتها وكبير قدرها عند الله سبحانه وتعالى لا تستطيعها البطلة أبدًا لا تستطيعها البطلة مطلقا السحرة هؤلاء إذا جاءتهم سورة البقرة قصمتهم وكسرتهم وأبادتهم من أولهم إلى آخرهم بل وأحرقتهم حرقًا . عظيمة جليلة من يستطيع على سورة البقرة
هذا القرءان عظيم متين ولذا تأمل أمرا آخر
سورة الأنعام
جاء عن عدد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأسانيد يقوي بعضها بعضا . جاء عن ابن عباس وجاء عن ابن مسعود وجاء عن ابن عمر وجاء عن أسماء بنت أبي بكر
جاء عنهم جميعا كما ذكرت لك بأسانيد يقوي بعضها بعضا أن سورة الأنعام لما نزلت نزلت من السماء جملة واحدة أي قطعة كاملة لم تكن مفرقة نزلت من السماء جملة واحدة ومعها 70 ألأف ملك يجأرون بالتسبيح لم جأرون بالتسبيح؟ و 70 ألأف ملك يتزلون مع سورة واحدة من كتاب الله عزوجل إنما كان ذلك لعظمة هذه السورة الجليلة لكبير منزلتها عند الله سبحانه وتعالى 70 ألف ملك ينزلون مع سورة واحدة من سور القرءان يجأرون بالتسبيح لم يجأرون؟ سبحان الله مامعنى سبحان الله معناه أنزه الله أقدّر الله أبرىء الله سبحانه من كل نقص، لكنهم رأو شيئا عظيما رأو شيئا جليلا رأوا شيئا مهيبا فأخذوا يجأرون بالتسبيح حال تنزل يورة واحدة من سور القرءان 70 ألف ملك مع سورة وتلك سورة لا تستطيعها البطلة فالأمر عظيم ليس بالهين أبدا ليس باليسير إلا على من يسره الله تعالى عليه
هذا الأمر أريد أن يستقر أيضا في قلبك مع ما سبق وهذه هي القاعدة الرابعة: أن القرءان متين عظيم كبير ليس بالهين أبدا فخذه بقدره وأعطه ماتبين حقا إن أردت ان تكون عالما بكتاب الله سبحانه و تعالى ولا علم إلا بالقرءان ولا فهم إلا من القرءان ولانجاة إلا مع القرءان ولا فلاح إلا بالقرءان ولا فوز ولا رفعة ولا وصول للدرجات العالية إلا مع كتاب الله سبحانه وتعالى
القاعدة الخامسة: وهي الآخرة منها من القواعد التي لابد من إدراكها حنى تسمح ان ندخل بعد ذلك إلى لب الموضوع هي : التدرج سنة كونية شرعية ضرورية
هذا هو التدرج في الشرع ولا بد منه مع كتاب الله عزوجل بشكل أخص ولكن سأجيب على سؤال أظن أن كثير من الناس قد يسألوه فيقول: لم الكلام عن التدرج في هذا الموطن ؟ الكلام عن التفسير وأثر القرءان على الانسان فلم يأتي الكلام عن التدرج من ضمن الحديث عن القرءان؟
وأقول لك أيها المبارك إن مما يلحظ على كثير من المسلمين أنه يستعجل كثيرا تطلب علم كتاب الله عزوجل وهذه العجلة شرٌ محض عليه
أن مما يلحظ على كثير من المسلمين أنه يستعجل كثيرا في تطلب علم كتاب الله عز وجل وهذه العجلة شر محض عليه وما من على طريقته في تعلمه من كتاب الله وعلى منهجه في كيفية أخذه لهذا القرآن العظيم ....كيف ذاك ....أنا قد درّست التفسير سنين عددا وشرحته مرارا وتكلمت مع الكثير من الناس فيما يتعلق بآيات الكتاب العزيز مشكلة الكثير من الناس مع القرآن أنه يريد أن يأخذ كتاب الله عز وجل في مدة يسيره على أقصر ما تكون فيقول لك أنا أريد أن آخذ التفسير مثلا في سنه واحدة وأريد أن أتعلم ما يتعلق بتفسير القرآن من أوله إلى آخره وفهم معانيه ومعرفة غريبة وما يتعلق بذلك سأجعل له سنتين وسأجعل لبقية العلوم أيضا كذلك الفقه سنه أو سنتين والحديث سنه أو سنتين و اللغة والنحو سنه أو سنتين ونحو ذلك يريد أن يجعل مدة محددة لتفسير كتاب الله عز وجل وهذا إذا وضعه على هذا النحو لن يستطيع أن يأخذ التفسير مطلقا . بل كما قيل في القديم حُكِي هذا القول عن الزهري "من أراد أن يأخذ العلم جملة ذهب عنه جملة" أي يريد أن يأخذ التفسير كله من أوله إلى آخره بمثل هذا لن يستطيع أبدا وإنما التفسير هو قرينك من حين أن تبدأ بالإدراك والفهم من حين أن تملك بل قبل ذلك من حين أن تدرك معاني الكلام حتى وإن كان الفتى صغيرا أو الفتاة أيضا صغيره من حين أن يبلغ ست سنوات أو سبع سنوات لابد أن يكون متوجها لكتاب الله عز وجل راغبا في معرفة معانيه ويكبر معه هذا إلى أن ينتقل من الحياة الدنيا هذا هو التفسير . التفسير مثله سنه ولا سنتين ولا ثلاث ولا أربع ولا عشرة ولا عشرين ولا مائة وإنما يصحبك من حين أن تبدأ ويوقظ الله قلبك بالالتفاف إلى كتابه إلى أن تنتقل من الحياة الدنيا هذا هو التفسير ولذا خذ التفسير شيئا فشيئا ، أنت تعيش في روضة غناء أنت تعيش في بيت من نور فلا تريد أن تخلي هذا البيت من نور ولا يعني هذا أن تلغي بقية العلوم وتلغي بقية الأمور التي لك في دينك ودنياك ،أبداً وإنما لا تقل أن التفسير له كذا وكذا هذا لا يمكن لايمكن أبدا إنما إجعل له حق من يومك قليل أوكثير بحسب ماتستطيع وإصحبه في سجل حياتك جميعاً من أولها الى آخرها وأن هذا هو كلام الله سبحانه وتعالى هذا الأمر إذا استقر عندك عند إذٍ ستأخذ التفسير بشيء من النور شيء من اليسر شيء من الإستعداد للصبر وإن تطاول الزمان وعند إذٍ أيها المبارك لابد ان تدرك سنة الله الكونية في هذا الباب وهي سنة التدرج . الله سبحانه وتعالى في هذا الكون جعل هناك سنّة كونية بل وهي سنة شرعية بل وهي أيضاً سنّة دليلية في كل أمورك من أولها إلى آخرها وهي مايسمى بالتدرج ,أن نأخذ الأمور شيئاً فشيئاً لا نأخذ الدنيا بل ولا لآخرة كلها لقمة واحدة هكذا وإنما شيئاً فشيئاً ،عبارة عن سلم تصعد مرة ثم الى الدرجة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ...هكذا ،هذه السنة في كل شيء بل حتى في حياتك أنت عندما تولد ((تولد وعمرك أربعين سنة خمسين سنة ستين سنة؟؟)) تولد وعمرك إيش يوم واحد في بداية حياتك ثم تكبر ...تكبر قليلا كل شعيرة من أولها إلى آخرها إذا هي يا أخي جارية على هذا النحو كل السنن التي حولك من أولها إلى آخرها هي جارية على هذا النحو.العلم كيف تأخذ العلم من أوله إلى أخره ؟ لا ، إنما مرة ومرة ومرة وهكذا.... بل كل شؤونك لو تأملتها ستجدهــا أنها على هذا النحو عبارة عن تدرج شئ ثم يأتي بعدة شي ثم يأتي بعدة شيء .....وهكذا، انظر إلى المطر الذي ينزل من السماء بركة من الله عز وجل إلى هذه الأرض العطشى فينزل الله هذا السيل لها.كيف ينزل؟! لوكان ينزل دفعة واحدة هل سينفع الناس بل سيضرهم بل سيؤذيهم ولكن الله عز وجل أنزله شيئا فشيئا لكم ينزل عليك شيئا فشيئا فينفعك فتستفيد منها أما لو نزل جملة واحدة لكان في ذلك إضراراً بك أيها الإنسان فأنزله الله رحمة بك على هذا النحو أنت أيضاً كذلك في كل أمورك عندما تريد أن تطلب العلم وهو أجل الامور عندما تريد أن تدعو إلى الله عز وجل عندما تريد أن تتعبد الله سبحانه وتعالى لا تكن كالمندك الذي لا ظهر أبقى ولا أرض قطع، إيش المندك الآن مثلاً سمع موعظة عن القرآن دعنا نتكلم في القرآن سمع موعظة عن القرآن وعن أهمية التفسير وعن بعد الناس عن التدبر وعن اثر التدبر وعن فائدته وعن عظيم أجره وعن أهميته له ولأهله وللأمة من أولها إلى آخرهــــا قام فاعتكف في بيته مدة أربعة أيــام خمسة أيـــام ستة فتـح كتب التفسير أخذ يتأمل يتدبر هذا لن يمضي عليه أكثر من أسبوع أو أسبوعين ثلاثة فيترك كل شئ، هذا لا يكون ولا يصلح أبدأً وإنمـــا نأخذه شيئاً فشيئاً ولتتأمل الايات التي ذكرناها لك في حلقـــات سابقة فيما يتعلق بالتدرج, الله عز وجل أولاً أمرنـــا بماذا؟؟ بالعلم ثم أمر بالدعوة ثم أمر بالعبادة التي تكون معيناً لك على الدعوة ونحو ذلك كثــــــر وذكرت لكم مثلاً نأخذ من أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم أول الأوامر التي أمر بها الإنسان على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم مـــاهي؟؟ (اقرا باسم ربك.........) الذي هو العلم ثم جاء الأمــــــر بمــــــاذا ؟؟ بعد ذلك باب التوحيـــــــد جاء الأمر بعد العلم أن يعلم أن أعظم العلم هو توحيد الله سبحانــــــــه فجاءت الأوامـــــــر تكاثرت على النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالتوحيد ونفي الشريك عنه جل وعلا فنزل قول الله سبحانه وتعالى: (قـــــــل هو الله أحـــــد * الله الصمــــــــد *......) ونزل قول الله سبحانه وتعالى : ( قل يا أيها الكافرون .....) وهكذا نزلت الآيات الكثيرات في نفي الشريك وإغلاق التوحيد لله سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك ماذا نزل ،نزل الأمر بمكارم الأخلاق الأمر بالإحسان إلى اليتيم الفقير وصلة الأرحام ونحو ذلك فجاءت في بدايات الدعوة نزلت هذه الآيات ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك الهشمي فيما يرويه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده من طريق عوف الى مالك الهشمي أن أباه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي مالك جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا محمد ،تأمل الحديث فيه بيان يوجهه النبي صلى الله عليه وسلم في تدرجه في كل أموره من أولها إلى آخرها من ذلك فيما يأتيه رجل فيقول يا محمد إلام تدعو ؟ يعني إلى ماذا تدعو إلى أي شيء تدعو؟ فماذا كان جوابه صلى الله عليه وسلم ،أنا أدعو إلى عبادة الله وحدة لاشريك له وأدعو إلى الصلاة وإلى الصيام وإلى القرآن وإلى صلة الأرحام وترك الزنا وترك شرب الخمر وإلى ترك أكل الربا وإلى وإلى !! .. أبداً لم يكن هذا كلامه صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم لا شيء تعجب هذا الأعرابي كيف لا شيء قال صلى الله عليه وسلم لا شيء إلا الله والرحم .والحديث صحيح . ذكر له أمرين اثنين فقط .الله ،أي توحيد الله سبحانه وتعالى ثم الرحم،صلة الأرحام ومايتعلق به هذا في بداية الدعوة إذا وبل في صحيح مسلم في حديث عمر بن عتك السلمي أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنت يا محمد؟ قال أنا نبي، قال ومـــــا نبي؟ قال يأتيني الوحي من السمــــــاء، قال فبأي شيء أرسلك الله؟ فهذا الذي أرسلك بوحي من السماء بأي شيء أرسلك؟ ،شوف كيف النبي صلى الله عليه وسلم كيف يعلم الناس كيف يتدرج في الدعوة كيف يتدرج في أمره صلى الله علية وسلم في كل أموره ليس في الدعوة فقط بل في كل حياته يقول بأي شيء أرسلك قال:( بصلة الأرحـــــــام )، فقدم الكلام عن صلة الأرحــــــــــام قبل كل شيء ليش؟ لأن النــــــــاس لن تقبل دعوتك إلى الله عز وجل لن تقبل أن تخرجهم من الشرك من الظلم من الطغيان إلى التوحيد إلى العدل إلى الإيمـــــــان إلا إذا كان هناك ما يجعلهم يقبلون دعوتك وهو أن تكون حسن الخلق واصل لرحمك عافاً عن المظالم عدلاً مع الناس صغيرهم وكبيرهم ولذا قال له بأي شيء أرسلك قال:( بصلة الأرحـــــــام وكسر الأوثان ) يعني عن الرحم والتوحيد
هذه القضية بما يتعلق بالتدرج هذه سنة كونية ضرورية
ولذا لو تأملت في الأوامر التي جاءت في سورة الأنعام أو سورة المائدة ونحو ذلك بل في سورة الأحزاب وغيرها ,تجد أنها جاءت أوامر كثيرة لم تنزل في مكة مطلقا!
النهي عن شرب الخمر لم يأت إلا في مكة ,كان الصحابة رضوان عليهم جميعا يشربون الخمر ,كان علي بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب و طلحة بن عبيد الله يشربون الخمر وكان ساقيهم أنس وثبت ذلك في الصحيحين
لم يأتي النهي لكن لما دخل التوحيد في القلب لما دخل الإيمان تنزّل النهي ، انتهى الأمر ،سكبت الخمر في طرق المدينة , وإذا الخمر يجري في طرق المدينة كأنه وادي يسيل، لماذا؟ لأنه كان بعدما استقر الإيمان في القلب
فالقضية فيما يتعلق بسنة الله عز وجل بالتدرج , فهذه سنة في كل أمورك أيها المؤمن وهي في كتاب الله أبين وأظهر لأن أوامر الكتاب جاءت بالتدرج أيضا k أوامر الكتاب لم تأتِ هكذا مرة واحدة وإنما جاءت بتدرج مقصود، تعلمون الجهاد , دعوني أضرب لكم مثلا الجهاد ، الجهاد في أول أمره هل كان مشروعا؟ هل كان واجبا؟ هل كان مستحبا ؟ هل كان مباحا؟ لا , وإنما كان محرما
تصور أن الإنسان الذي يجاهد في سبيل الله يكون قد فعل كبيرة من الكبائر ومحرما من المحرمات ، لأن الله عز وجل يقول) ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ، فأمرنا في بداية الأمر بماذا ؟ بكف اليد وعدم القتال أبدا ولذا قال الله عز وجل في الآية الأخرى) أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا ) لاحظ أذن , يعني قبل هذا الإذن كان محرما ممنوعا فالجهاد في بداية الإسلام لم يكن واجبا ولا مستحبا بل ولا مباحا وإنما محرما من المحرمات
فمن قاتل بسيفه فقد وقع في كبيرة من الكبائر والعياذ بالله ولذا لما جاء خباب بن الأرت كما في الصحيح شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يجدون من الضعف وما يجدون من الأذى ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " إنكم قوم تستعجلون " بل في مسند الإمام أحمد لما جاء الصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أكابر أهل مكة لاحظ أكابر أهل مكة من أهل الكفر والعناد صناديد قريش قد جمعوا في وادي منى أكثر من 70 رجلا من أكابر قريش في وادي منى وكان الصحابة في أعلى الوادي ، فقالوا يا رسول الله فرصة ألا تأذن لنا فننزل على أهل منى بأسيافنا فقال صلى الله عليه وسلم الذي يدرك سنن الله الكونية وسنن الله الشرعية ومنها التدرج قال" لا إني لم أؤمر بذلك"
ليس هذا وقته وليس هذا حينه أبدا ولا يجوز القتال في حال أن تكون على صفة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته ، كان أهل الكفر وصناديد قريش يمشون في أزقة مكة يطوفون بالبيت وكان يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يقول لحمزة وأن يقول لعلي وأن يقول لعمر وأن يقول لطلحة وأن يقول لسعد بن أبي وقاص عليك بأبي جهل اقتله، عليك بأبي لهب اقتله ، افعل به كذا اقطع رأسه كان يستطيع صلى الله عليه وسلم وكانوا سينفذونه قطعا وهم أبطال الناس وكانوا يستطيعون قتلهم في حال كفر الجميع فكيف بعد الإسلام وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولكن ليس هذا هديه وإنما هو التدرج , القتال متى يكون الجهاد متى يكون , في حينه , في حين أن تكون السنن الكونية قد وجدت وتهيأت لأن يبدأ أهل الإسلام بالجهاد والقتال
عندئذ يشرع القتال , أما ماعدا ذلك فلا ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان كما في صحيح مسلم لما أرسله يأتي بخبر أهل الكفر في غزوة الأحزاب قال " ياحذيفة لا تذعرهم عليك" يعني لا تهيجهم لا تجعلهم يثورون علينا بعد أن اطمأنت الأمور وهدأت بعد العاصفة والريح التي أرسلها الله عز وجل لا تحدث شيئا يجعلهم يثورون ويبغون الانتقام من أمة الإسلام والانتقام من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الملهم المؤيد من السماء ومع ذلك يقول لا تحركهم عليك، ليس فينا قوة وشدة عليهم ولا غلبة لهم فلا تذعرهم ولا تحركهم علينا دعهم في سكونهم وما هم فيه حتى أن حذيفة يقول ( فلما رأيت ظهر أبي سفيان وكان يصلي ظهره بالنار فأخذت القوس أريد أن أرمي -يريد أن يرمي ظهر أبي سفيان يريد أن يقتله- يقول فتذكرت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعدت القوس إلى مكانه )، أعاد السهم وجعله في مكانه حتى لا يخالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم وكان هو أدرى صلوات الله وسلامه عليه بما يصلح الناس.
إذن التدرج على جهة عامة سنة كونية ضرورية شرعية لابد منها في كل الأمور.
نقف عند هذا الحد وأسال الله سبحانه وتعالى لي ولكم أن يرزقنا من كتابه نورا وأن يجعلنا من أهل القران وان ينير بصائرنا وقلوبنا وأسماعنا وأبصارنا لكتابه سبحانه وتعالى إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد
أم الشهداء
05-11-08, 02:19 PM
كيف يؤثر فينا القرآن كما أثر في الصحابة
الحمد لله الرحيم الرحمن ، الحمد لله الكريم المنان ، الحمد لله الجواد المتفضل الوهاب بالإحسان ، ومن أعظم آثار هذه الصفات ، صفة الرحمة له سبحانه وتعالى ، وصفة الجود له سبحانه وتعالى ، وصفة الكرم له سبحانه وتعالى ، وصفة الإحسان له جل في علاه .
من أعظم آثار هذه الصفات : أن أنزل القرآن ، أنزل الفرقان ، أنزل التبيان على محمد صلوات ربي وسلامه عليه .
فله الحمد اولا وآخرا ، وله الحمد ظاهرا وباطنا ، له الحمد في الدنيا ، وله الحمد في الأخرى .
كنا تكلمنا سابقا عن القواعد الخمس الكبرى ، التي لابد منها لمن أراد ان يتدبر القرآن ، ولمن أراد أن يعيش مع القرآن ، ولمن أراد أيضا أن يبني بيتا في أرض القرآن ، وهذه القواعد الخمس لابد قبل أن ننتقل إلى مايليها لابد وأن تكون ظاهرة ،بينة ، واضحة مستقرة لا إشكال فيها مطلقا ، فإن كان هناك إشكال ! فمن الآن يكون السؤال . حتى إذا انطلقنا إلى ما يتعلق بالمستوى الأول ، أو المستوى الثاني ، أو ما يلي ذلك ، تكون الأمور قد انجلت ،على أوضح مايكون ، وقد تبينت على أتم ما نريد ومانقصد في مثل هذه الحلقات المباركات .
هل هناك سؤال ؟ طيب تفضل .
سؤال احد الطلبة
بسم الله الرحمن الرحيم الإشكال ياشيخ في القاعدة الخامسة : التدرج سنة كونية شرعية ظاهرة .
قد يفهم البعض أن هذا التدرج يكون كذلك في تطبيق الأحكام الشرعية ، مثلا إنسان يكون مدمن على الخمر فيقول أنا لاأترك الخمر حتى اصلي ، فلا يترك الخمر إلا بعد القيام بالصلاة ؟
يعني يفهم من موضوع التدرج أنه يتدرج في تركه للخمر فلا يترك الخمر حتى يصلي ، لايترك الزنا حتى يصوم ، ونحو ذلك .
هذا سؤال جيد . ومهم ، وقد يطرأ إشكال في الفهم على كثير من الناس فيما يتعلق بمسالة التدرج .
ولكن قبل البدء في الكلام أو الجواب عن هذا السؤال ، لابد وأن نعلم يقينا : أن مسألة التدرج من المسائل الكبار والأصول العظام فيما يتعلق بالدعوة إلى دين الله عزوجل ، فمسالة التدرج من المسائل الكبيرة في دين الله سبحانه وتعالى ، وقد مرت الإشارة إلى شيء من ذلك ولكنها فيما يتعلق بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هي مسألة تعتبر من أصول الدعوة . بالنسبة للدعوة هي مسالة من اصولها ، وبالنسبة لغير الدعوة ، هي من المهمات الكبار فيما يتعلق بجميع شئون الشرع ، فيما يتعلق سواء كان بالعلم ، او سواء كان بالعبادة ، أو ايضا سواء كان ذلك في الدعوة إلى الله عزوجل .
فما اورده الأخو الفاضل فيما يتعلق بأن انسان قد يأتي ويقول أنا لن أترك الخمر، لن ادع الزنا ، لن اترك الربا ، لن ولن كذا كذا ، حتى اؤدي الفرائض ، حتى أصلي ، حتى أصوم ، حتى وحتى ... .
فهذه المسائل لايمكن الجواب عنها الآن على جهة السرعة ، ولكن لكل مسألة من هذه المسائل لها جواب خاص بها ، فبحسب النازلة يكون الجواب ، بحسب الواقعة يكون النظر في دلالة الكتاب والسنة ، وفي كلام أهل العلم في تطبيق الأدلة على هذه النازلة بذاتها ، فقد يقال للإنسان مثلا إذااراد أو إذا خشي الداعية أن لايدخل هذا المدعو في دين الله عزوجل وينتقل من الكفر إلى الإسلام ، من الإلحاد إلى الإيمان ، من الشرك إلى التوحيد ، ينتقل من الشرك إلى التوحيد ، إذا خشي انه لاينتقل من هذه الظلمات العظيمة إلى نور الإيمان والتوحيد والهداية ، فعند ئذ قد نقول له انت آمن بالله عزوجل ، وتخلص من الشرك الواقع فيه ، ويترك الكلام عن مسألة شرب الخمر ويترك الكلام عن مسالة الزنا او عن الربا ونحو ذلك ويؤجل هذا إلى حينه ، إلى أن يسأل عنه ، وإلا إلى أن يستقر الأمر في قلب هذا المدعو إلى الله سبحانه وتعالى ، فهذه المسائل من اولها إلى آخرها ، فيما يتعلق بالتدرج في جميع شئون الحياة ، أو أيضا فيما يتعلق بالتدرج في مسالة الدعوة إلى الله عزوجل ، هذه مناط تحقيقها عند أهل العلم ، فلا يكون لأحد من عامة المسلمين ممن لايدرك احكام الشرع ولايعرف الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة واستنباط أهل العلم وطرائقهم في فهمهم نصوص الكتاب والسنة لاينبغي له ان يبني حكما خاصا به ، فيقول إذا انا لن أدع شرب الخمر ، لن أدع الزنا ، لن أدع الربا ، حتى اصلي ، وحتى أصوم ، وحتى ، وحتى .. هذه المسائل لها نظر خاص بها ينظر العالم في نصوص الكتاب والسنة ، ثم ينظر في الواقعة ، فيطبق هذه الواقعة على نصوص الكتاب والسنة ، ويأخذ الأدلة فينظر ويقيس الواقع عليها ، ثم ياتي بالحكم الشرعي لكل مسألة لوحدها ، فالحكم حينا يختلف بحسب البلاد ، بحسب المدعو، بحسب الحال ، بحسب الزمان ، بحسب المكان ، يختلف من حال إلى حال ، ومن زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ، فتطبيق هذا إنما هو لأهل العلم الربانيين الذين يعلمون العلم الحق ويعلمون الناس العلم الحق على خشية من الله ونور من كتاب الله سبحانه وتعالى .
فإذا ليس المراد هنا أن نتكلم بالتفصيل عن موضوع التدرج لا وإنما الكلام هنا أن نبين فقط ان مسالة التدرج من المسائل المهمات التي لها اثر عظيم فيما نتكلم عنه ، فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عزوجل وسياتي قريبا بإذن الله الكلام عن التدرج مع كتاب الله على جهة اخف . واضح .
جزاك الله خير ياشيخ .
بارك الله فيك .
هناك موضوع مهم جدا بل هو لب الكلام عن المسائل السابقة جميعا الكلام عن المسائل السابقة كان كالتمهيد إلى هذه المسائل كان كالتوطئة فقط إلى مانحن الآن قد وصلنا إليه فعندنا موضوع في غاية الأهمية جدا وقد عنونت له اختيارا عنونت له بكيف يؤثر فينا القرآن كما أثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن يقينا قد أثر في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقينا قد أثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يؤثر فينا القرآن كما أثر في صحابة رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه ورضي الله عن الأصحاب ؟
هذا السؤال جوابه في أن هذا القرآن أثر فيهم بأمور وسيؤثر فينا بأمور وهذه الأمور من الممكن ان تقسم إلى قسمين .
قسم من الممكن أن يكون الخطاب فيه لعموم المسلمين حتى لا نحرم عامة المسلمين من الإستفادة من كتاب الله عزوجل بل والإستفادة من دروس العلم المتعلقة بتفسير كتاب الله سبحانه وتعالى ولذا كان ولابد أن يكون لهم حظ من مثل هذه الكلمات وحظ من مثل هذه الدروس فعندنا إذا ماأسميناه اصطلاحا بالمستوى الأول لمن أراد أن يؤثر فيه هذا القرآن كما اثر القرآن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا بداية مايسمى او ماأسميناه بالمستوى الأول هذا المستوى الأول خاص وموجه إلى عموم المسلمين ممن لهم عناية بكتاب الله سبحانه وتعالى بالقراءة والعناية به من جهة قراءة الحروف والنظر فيه وعدم هجره هجرا كاملا تاما هذا هو المستوى الأول .
المستوى الثاني بعد هذا وهو الموجه لطلاب العلم .
بالنسبة للمستوى الأول الموجه لعموم المسلمين : إذا أراد احد من عامة المسلمين ان يؤثر فيه القرآن كما أثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تأثيرا مقاربا تأثيرا مشابها ليس تأثيرا تاما كاملا كماأثر فيهم تأثيرا عظيما كاملا لانقص فيه ولكن على الأقل ان يلحق بالركب وان يقارب وأن يشابه وأن يدنو منهم إذا أراد ذلك فعندنا ثلاث مراحل عندنا ثلاث مراحل بإمكان المسلم العامي ان يخطوها وان يسير من خلالها ليلحق بالركب الأول ليلحق بركب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنايتهم بهذا القرآن العظيم ليلحق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنايتهم بهذا القرآن العظيم وهذه العناية من عموم المسلمين ، ومن عامة المسلمين بالقرآن لابد وان تكون ،لابد من كل مسلم ، ولابد على كل مسلم ؛ أن يهتم بكتاب الله سبحانه وتعالى إن اراد ان يكون من اهل القرآن وإن أراد ان يكون من اصحاب القرآن وإن أراد ان يكون ممن يشفع لهم القرآن ، وهذه المسائل بالنسبة لعموم المسلمين من دون استثناء لابد من إدراكها ، وهذه المراحل بالنسبة أيضا لعموم المسلمين لابد وينبغي لهم ان يعتنوا بها عناية كبيرة .
لما يعتنوا بها ؟ ومن أجل ماذا ؟
يهتموا بمثل هذا لأجل ان القرآن العظيم لأجل أن هذا القرآن العظيم هو سبيلهم إلى النجاة وهو سبيلهم إلى الهداية وهو سبيلهم إلى الفلاح بل هو المنقذ لهم يوم القيامة إن اشتدت الأمور وعظم الخطب في يوم الهول الأعظم .
أريدك أن تتأمل أيها المسلم من كل المسلمين دون استثناء .أيها المسلم وأنا اكلم كل من كان يقرأ كتاب الله عز وجل وكل من كان يهتم بتلاوة هذه الأيات العظيمات أقول له أن هذا القران ليس بالهين أبدا عند الله سبحانه وتعالى ،فاحرص كل الحرص ان تكون من أصحاب القران وأن تكون من أهل القران، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أهل القران هم أهل الله وخاصته.
أهل القران هم أهل الله وخاصته ،وأصحاب القران هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين إقتربوا منه وإن لم يروه بأعينهم ولم يعاشروه بأبدانهم ، ولكنهم أصحاب له لأنهم صاروا على طريقته صلوات ربي وسلامه عليه ، فهم إخوانه وهم أقرب الناس إليه ،وهو ينتظرهم في يوم القيامة لكي يكون الشافع لهم ، ولكي يكون الحامي لهم ،ولكي يكون صلوات ربي وسلامه عليه الذي يأذن لهم أن يشربوا من حوضه العظيم شربة لا يظمأون بعدها ابدا .
ولذا أريدك أن تتأمل أخي المبارك بعض الاحاديث في هذا الباب ، فقد صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كما في صحيح البخاري –وأنا أريد أن أضرب لك أمثلة أيها المؤمن حتى تعلم ماذا يعني أن تكون من أهل القران ،وماذا يعني أن تكون من أصحاب القران ،وماذا يعني أن تكون من طلاب شفاعة القران لك في يوم القيامة ، وأن تكون من أحباب القران .
هذه المسألة عظيمة جدا ، هذه المسألة ليست بالهينة مطلقا ، ومن حُرمها حُرم خيرا كثيرا ، ومن فاز بها فاز والله بأمر عظيم جليل .
خذ مثلا من ذلك ليتبين لك عظيم الامر وليتبين لك من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان حالهم مع كتاب الله سبحانه وكيف حرصوا أن يكونوا من أحباب كتاب الله سبحانه وتعالى ، فقد أخرج البخاري من حديث أنس رضي الله عنه وارضاه أنه قال : كان رجل من الأنصار يؤم قومه ، فكان إذا أم في قومه استفتح بسورة قل هو الله أحد، ثم يقرأ بالسورة الاخرى ، وهكذا كان في كل ركعة ، إذا استفتح الصلاة وكبر وأراد أن يقرأ ، قرأ سورة ( قل هو الله أحد) سورة الاخلاص ، ثم بعد ذلك يقرأ سورة أخرى ، وهكذا في كل ركعة في الركعة الاولى في الركعة الثانية في الركعة الثالثة في الركعة الرابعة في صلاة الفجر في صلاة الظهر ولا يسمعونه ولكن عُلِمَ من حاله ، العصر المغرب العشاء كل صلواته كانت على هذه الحال ،فتعجب منه قومه وشكوه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناداه صلوات ربي وسلامه عليه ودعاه وقال : ما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ –فاسمع الى كلمة هذا الصحابي الجليل- فقال : يارسول الله اني احبها ، فقال له الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه :حبك اياها ادخلك الجنة .
هو يحب ماذا ؟ يحب سورة قصيرة من سور كتاب الله ...يحب سورة الاخلاص يحبها..بينه وبينها مودة ..بينه وبينها محبة ..بينه وبينها الفة .. يحب أن يكررها يأنس بها ..يفرح بتردادها ...فقال له صلوات ربي وسلامه عليه حبك إياها أدخلك الجنة ،والحديث في صحيح البخاري
بل إنه ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها وعن ابيها أنها قالت: كان رجلا يقرأ في الناس يصلي بهم ، فكان كلما صلى ختم بسورة( قل هو الله احد) ، فجاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك ، فقال : صلى الله عليه وسلم سلوه لأي شئ يصنع ذلك؟ فقال :إنها صفة الرحمن .
إنها صفة الرحمن ...شوف كيف استوعب معنى سورة الاخلاص ، استوعب معنى وفهم مايريد الله عز وجل منه في قوله سبحانه وتعالى ( قل هو الله احد )
"قل هو الله احد ، الله الصمد ‘لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا احد"...استشعر هذه الايات واستشعر معانيها ...فكان يفرح بتلاوتها ..فقال :إنها صفة الرحمن ،وأني أحب أن أقرأها ، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم مبشرا : أخبروه أن الله يحبه .
اخبروه أن الله يحبه ! لأي شئ ؟ لانه يحب سورة الاخلاص ...فقال له النبي صلى الله عليه وسلم –انظر الى هذه البشرى العظيمة-أخبروه أن الله يحبه ...ونحن ماذا نريد ؟ وبماذا نطمع أكثر من أن يحبنا الله عز وجل ..وهو أحبه الله سبحانه وتعالى لحبه لسورة قصيرة من القران؟
فهل نحن نحب سورة من سور القران كما كان هذا الصحابي يحب هذه السورة من القران؟
هل بيننا وبين سورة ولو قصيرة من القران هذه الالفة وهذه المحبة ؟
يجب على كل مسلم أن يسأل نفسه إذا وقف في يوم القيامة بين يدي الله ما هي السورة التي تشفع له عند الله عز وجل ؟
ماهي السورة التي أصبح بينه هو وأياها ألفة ومودة ومحبة ، يكررها يرددها يقف معها يبكي لأجلها يفرح ويأنس بها ؟
وهذا ليس في سورة الاخلاص فقط ...بل إنه ثبت في مسند الامام احمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :سورة ثلاثون أية شفعت لصاحبها حتى غفر له ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير )...شفعت لمن؟شفعت لصاحبها ...فلم تشفع لأي أحد ...لكنها شفعت لصاحبها ...ومعنى أنه صاحبها أي أنه كان خليلا لها يتلوها ويتأملها ويكررها صباحا ومساءا ويخلو بها في حدة الظلمة.
عودة بعد الفاصل
لقد كان الكلام فيما يتعلق بأهل القران ، بأصحاب القران ، بمن يتطلب شفاعة القران ، تمهيدا لما سنقدم عليه بإذن الله جلّ وعلا في الكلام عن المستوى الأول وما يتعلق به في المراحل الثلاث .
و كان الكلام عن حديث النبي صل الله عليه وسلم في قوله : " سورة ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له، وهي سورة تبارك" .
وهذا الحديث قد ورد بلفظ فيه شيء من التنبيه لأن هذا الأمر يسير ليس بالعسير أبدا .
فورد هذا الحديث في مسند الإمام أحمد بلفظ " سورة ما هي إلا ثلاثون آية تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شي قدير " سورة ليست بالطويلة سورة متوسطة هي ثلاثون آية .
هذه السور إنما هي أمثلة على سور ستشفع لأصحابها يوم القيامة ، يأتي الإنسان في يوم القيمة وقد يكون جاء بذنوب عظيمة ، جاء بمصائب ، جاء ببلايا ، بكبائر فيكتب الله عز وجل عليه أن يأمر ملائكته بأن يأخذوه إلى جنهم والعياذ بالله ، فيبحث عمن يشفع له عند الله عز وجل وأهل الشفاعات كثير .
ومن أعظم أهل الشفاعات كتاب الله سبحانه وتعالى في يوم القيامة ، وتأتي سورة من كتاب الله ( سورة تبارك ، سورة البقرة ، سورة آل عمران ، أو أي سورة من كتاب الله عز وجل ) فتشفع لصاحبها هذا حتى يغفر له وينجو من الكرب الذي حل فيه .
إذا كان كذلك كان هذا الفضل العظيم ، كانت هذه الشفاعة ، وكان هؤلاء هم أصحاب القران.
فإذن فلنبدأ على بركة الله عز وجل وعلى نور سبحانه وتعالى بالمراحل الثلاث التي ذكرنا لكم أنها موجهه لعموم المسلمين من المهتمين بكتاب الله سبحانه وتعالى .
هذه المراحل هي ثلاث مراحل !
وثمرة هذه المراحل..
حتى نكون من أهل القران ،
حتى نكون من أصحاب القران ،
حتى نكون من أهل شفاعة القران.
وأولى هذه المستويات وهذه المراحل هو :
بأي القران نبدأ ؟
المرحلة الأولى في المستوى الأول>>> بأي القران نبدأ ؟
هذه هي المرحلة الأولى التي لا بد منها لمن أراد أن يكون من أهل القران.
هناك قاعدة عظيمة ذكرها الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه وبوب عليها فقال: { العالم الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كبارة}
وهذه القاعدة هي من القواعد الجليلة جدا عند أهل العلم وذكرها البخاري في الصحيح كما تقدم ، وهي مستفادة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صل الله عليه وسلم .
والذي أريد أن أنبه عليه هنا ، أن هذه هي صفة العلماء الربانيين، أنهم يربون الناس بصغار العلم قبل كباره .
أما من أراد أن يربي الناس على كبار العلم قبل صغاره فهذه ليست هي من صفة العلماء الربانيين أبدا .
ومعنى أنهم يربون الناس بـ صغار العلم قبل كباره، معنى هذا ؛
أن صغار العلم هو المسائل الظاهرة ، الواضحة الجلية البينة التي تكررت في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرا كثيرا .
وأما كبار العلم فهي المسائل الدقيقة العظيمة التي تحتاج إلى فهم والى إدراك وإلى مقدمات وإلى ألآت وإلى أشياء كثيرة حتى يستطيع المسلم أن يفهمها فهما كاملا وافيا .
فعندنا إذن مسائل العلم تنقسم إلى قسمين :
ما تسمى بصغار العلم وهناك مسائل تسمى بكبار العلم .
فأهل العلم الربانيين إذا أرادوا أن يربوا الناس ربوهم بدءا بصغار العلم وتركوا كبار العلم ، بدءوا بالشيء السهل ، الشيء اليسير الواضح البين ، الجلي الذي تكرر في كتاب الله عز وجل .
ولا يأتون الناس بالمسائل المعضلة ، بالمسائل المشكلة ، بالمسائل العميقة ، بالمسائل التي تحتاج إلى دقة و فهم وتحتاج إلى نظر ثاقب ومعرفه كاملة تامة ، تحتاج إلى أدوات كثيرة ، لا توجد عند أكثر المسلمين .
فإذن المرحة الأولى لمن أراد من عموم المسلمين ومن عامة قراء كتاب الله سبحانه وتعالى أن يحدد بدءا بأي شي يبدأ من كتاب الله سبحانه وتعالى .
وأعيد وأكرر أن المراد هنا ما يتدبره من كتاب الله سبحانه
أما ما يـقرأه قراءة عامة فقد سبق الكلام أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحزبون القران ويقرءونه – يحزبونه ثلاث سور ، خمس سور ، سبع سورــ ، وهكذا إلى المفصل .
ولكن الكلام هنا إذا أردت أن تدبر شيئا من كتاب الله سبحانه وتعالى فلا تذهب إلى السور الطوال ؛ إلى السور التي فيها كثير من الأحكام الفقهية الدقيقة ، التي فيها بيان مسائل الطلاق فيها بيان مسائل الحج، فيها بيان مسائل الحدود وغير ذلك وتقسيم الميراث وغيرها من السور العظيمة الجليلة الكبيرة التي تحتاج إلى فهم واسع ، وإلى إدراك كبير .
هذه أيها المبارك تتلوها من كتاب الله عز وجل وتمر عليها وتحاول أن تتفهم شيئا منها ؛ و لكن بدءا ليست هي الآيات ، بل ولا هي السور التي ينبغي عليك أن تقف عندها طويلا، وأن تتأملها وأن تتدبرها، وان تكررها في صلاتك ، خصوصا عندما تخلوا بربك سبحانه وتعالى ليس بينك وبينك أحد .
فإن هذه السور ثقيلة كبيرة عليك ؛ لن تستطيع أن تدخلها على فؤادك كما هو الحال في الأمور الأخرى من البيان الذي جاء في قصار السور الذي يسميه أهل العلم بصغار العلم.
ولذا قال البخاري هنا،" الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره " وهذا بدءا لا بد منه ..
وهو أمر إن لم نفعله ، وإن لم نأخذ به ؛ فلن نستطيع أن نسير في مراحلنا هذه ولا في غيرها التي في كتاب الله سبحانه وتعالى ؛
لأن اللقمة إذا كبرت وعظمت لن يستطيع الإنسان المسلم أن يستصيغها ، ولن يستطيع أن يستفيد منها أبدا ، بل قد تكون فيها غصة عليه يتعب إذا أراد أن يتخلص منها .
فإذن هذا هو الأمر الأول.
المستوى الأول الذي هو لعموم المسلمين له ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى منه أيها المسلم لابد أن تحدد بأي شي تبدأ مع كتاب الله سبحانه وتعالى ، وبعبارة أخرى لابد وأن تحدد بأي شي تبدأ في تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى .
هذا هو السؤال بأي شي تبدأ في تدبر كتاب سبحانه وتعالى فما هو الجواب ؟
إذا حددنا هذا سننتقل إلى المرحلة الثانية وقد ونحن بإذن الله قد وضح لنا الأمر وتجلت لنا المسألة وبان لنا الصحيح .
بأي شي نبدأ ؟.
ننظر في سنة الرسول صل الله عليه وسلم وفي موقفه صلوات ربي وسلامه عليه من القران ، وفي موقف صحابة صلى الله عليه وسلم أيضا من هذ1 الكتاب العظيم ، ومن تنزل هذا الكتاب على هذا النبي العظيم صلوات ربي وسلامه عليه ، كيف كان الأمر ؟
نحن نريد أن يؤثر فينا القران كما أثر في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أليس كذلك ! كيف يكون هذا ؟
لننظر إلى سيرته صلوات ربي وسلامه عليه ، ولننظر إلى سيرة أصحابه . كيف فقهوا هذا وكيف فهموه ؟
سأذكر لكم حديثاً واحداً وإلا فالأحاديث في الباب لا تحصى ولكن سأختار لكم من صحيح البخاري حديثا ًأرجو أن يكون واضحاً جلياً في المسألة
فإن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها وهى من الفقهاء الكبار ومن أعلم الناس بكتاب الله عز وجل كيف كان حالها من هذا الأمر؟ جاء إليها إعرابي كما روى في صحيح البخاري فقال لها يا أم المؤمنين أرينى مصحفك (أي أعطيني مصحفك يريد أن يطلع على مصحف أم المؤمنين عائشة) فقالت له ياإعرابى وماذا تريد بمصحفي ؟ قال : أريد أن أرتب مصحفي على ترتيب مصحفك (يعنى كيف أرتبه ؟ يريد أن يرتب السور يرتبه على ما جاء في مصحف أم المؤمنين عائشة ) قالت وما يضيرك يا إعرابي ( أي وما يضيرك أن يبقى المصحف على النحو الذي هو فيه ، ثم قالت هذه الكلمة العظيمة الجليلة التي ولابد أن تستقر في فؤاد كل مسلم )قالت رضي الله عنها وأرضاها إنما نزل أول ما نزل من القرآن سورمن المفصل( وأنا أريدك أيها المؤمن يا قارئ كتاب الله أن تنتبه لقول أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها فإنها لا تتكلم من قبيل نفسها وإنما تحكى واقعاً كان من كتاب الله عز وجل في تنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر ليس في أثر موقف وإنما هو حكاية خبر مرفوع عن حال النبي صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله عز وجل وتقو إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل هل نزلت سورة البقرة ، آل عمران ، المائدة ، الأنعام ، الأحزاب، الجاثية ) لا
إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا تاب الناس للإسلام (ما معنى تاب الناس ،رجعوا ......هم ما كانوا مسلمين ؟..........ما معنى تابوا هنا؟...ليس رجعوا فقط حتى إذا تاب الناس للإسلام بمعنى أي أنهم كأنهم كانوا في الإسلام ثم دخلوا في الكفر لأن أصل الناس كانوا على الأيمان أدم عليه السلام وذريته حتى دخل فيهم الكفر
حتى إذا تاب الناس للإسلام أي عادوا للإسلام واستقر الإسلام في قلوبهم واستقر الأيمان في أفئدتهم نزل عليه آيات الوعد والوعيد حتى إمتلئت القلوب إيماناً وحتى ملئت هذه الأفئدة يقيناً خالطها اليقين خالطها الأيمان خالطها
الرضا بأحكام الله عز وجل ) حتى إذا تاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام
هل نزل الحلال والحرام قبل لا وإنما نزلت آيات الوعد الوعيد قبل حتى إذا تاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام ..أنظر ..ثم تحكى لك حكاية الواقع المخالف لهذا الأمر الذي كان عليه القرآن وتبين لك ماذا سيكون الأمر لو تغير هذا الواقع ...واقع مخالف لحال تنزل القرآن وهذا الواقع للأسف الشديد أنك تراه في حال كثير من المسلمين ...نعم.. قبل أن أذكر لك كلام عائشة أريد أن تنظر في حال المسلمين و أن تنظر في حالك أنت مع كتاب الله سبحانه وتعالى وأن تنظر في حال من حولك كثير من المسلمين وللأسف الشديد إذا أراد أن يقرأ كتاب الله أراد أن يتفقه في كتاب الله أراد أن يعتبر من كتاب الله أراد أن يردد ويتلو حزبه ويقف مع آيات الكتاب فإنه يذهب أول ما يبدأ بسورة البقرة ثم آل عمران ..ثم... هكذا ..يقرأ في السبع الطوال وهو لم يستوعب ولم يفقه ولم يتدبر ولم يعرف ولم يعلم مافى قصار السور من كتاب الله عز وجل
هذا الواقع المؤلم لحال كثير من المسلمين هو الذي جعل هذا القرآن لا يكون بالمحل الأسمى والأعظم الذي ينبغي أن يكون عليه في قلب المؤمن يقرأ في الطوال لم يفهم ولم يدرك كيف يستقر عظم القرآن في قلبه وهولا يفهم شيئا مما تلاه وكيف يفهم تلك السور الطوال العظام وأصول الدين التي تنزلت في السور القصار لم تستقر في قلبه ...لن يكون هذا أبدا
ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه مكث في سورة البقرة ثماني سنوات .
وأبوه عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه ثبت عنه أنه مكث في سورة البقرة اثنا عشرة سنة عمر أمير المؤمنين ثاني أفضل رجلين في الأمة بعد رسول الله صلى عليه وسلم (في سورة البقرة اثنا عشر سنة ) ونحن الآن لو قلنا لأحد اقرأ في تفسير القرآن كله من أوله لأخره عشر سنوات يأخذ برأسه ويمسك ...ضاع العمر كله في التفسير وهذا عمر يأخذ اثنا عشر سنة في سورة البقرة
ولذا اسمع لكلام عائشة وهى تصف لك الحال لو كان الواقع خلاف ما كان فتقول رضي الله عنها وأرضاها (ولو نزل أول شئ لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر) من الذي يقول هذا ؟ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رأوا الحبيب والوجه المنير هذا النبي الذي تمثلت فيه آيات تدل على نبوته .
ولو نزل أول شئ لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر ولو نزل أول ما نزل لا تقربوا الزنا لقالوا لا ندع الزنا
ثم تبين رضي الله عنها وأرضاها حال التنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أنزل والساعة أدهى وأمر وأنا بمكة وما تنزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا تحته في المدينة
أنظر الفرق هذه تنزلت وعائشة جارية بمكة تلعب وأن السور الطوال نزلت وهى (عائشة) تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا أخذوا القرآن التي فيها والساعة أدهى وأمر بدءاً ثم السور الطوال أتت بعد ذلك لبيان الأحكام .
أسأل الله عز وجل بمنه وفضله وكرمه سبحانه وتعالى أسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أسأله باعترافنا بذنوبنا و خطأنا على أنفسنا أن يجعل هذا القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا إنه ولى ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أم الشهداء
13-11-08, 05:26 PM
بداية التدبر بآيات المفصَّل
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله الذي خلق فسوى.. والحمد لله الذي قدر فهدى .. والحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة وأصلي وأسلم على نبينا وحبيبنا ومصطفى ربنا محمد –صلى الله عليه وسلم-..
كنا فيما سبق تكلمنا عن المراحل الثلاث التي لابد منها لمن أراد من عامة المسلمين أن يكون من أهل القرآن.. وأن يكون من أصحاب القرآن .. وأن يكون من أهل شفاعة القرآن .. هذه المراحل الثلاث أيها المبارك هي مراحل منهجية.. مراحل دراسية.. مراحل المقصود منها أن تكون هذه المراحل سبيلاً لك لأن تكون من أهل القرآن فبإمكانك أن تقدم فيها وأن تؤخر .. وبإمكانك أن تضيف عليها أو أن تحذف ونحو ذلك ... وإنما هي مراحل اجتهادية .. ومن فعلها وأخذ بها فإنها بإذن الله –عز وجل- ستكون سبيلاً له لأن يكون من أهل القرآن وقد تدارست فيها عدد من أهل العلم.. وتكلمنا في ذلك طويلاً.. ورأيت بنفسي فائدة ذلك .. أسأل الله –عز وجل- أن لا يحرمنا وإياكم أن نكون من أهل القرآن..
وقد ذكرت لكم سابقاً أن المرحلة الأولى وهي من أهم ما يكون هي أن تحدد أيها المسلم بأي شيء تبدأ في تدبر كتاب الله –عز وجل-..
وأنا هنا قصداً لم أحدد السورة التي تبدأ بها .. بل لم أحدد أيضاً الجزء الذي تبدأ به ..
لأن هذا قد لا يتيسر .. بل قد لا يناسب .. فإن الله –عز وجل- لم يحدد شيئاً واضحاً بيناً.. ولم يأتِ على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أيضاً في هذه المسألة تحديد أن يبدأ المسلم بشيء محدد من كتاب الله –جل في علاه- وإنما جاء شيء عام يخص نوعاً من سور القرآن..
وقد ذكرنا لكم سابقاً أن عائشة –رضي الله عنها وأرضاها- كما في صحيح البخاري قالت : "إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل" ..
فإذاً المرء بحاجة إذا أراد أن يبدأ بكتاب الله –عز وجل- أن يكون هذا البدء من خلال المفصل.. نعم ..
أن يكون هذا البدء في تدبر كتاب الله -سبحانه وتعالى- إذا أردت أيها المؤمن أن تكون من أهل القرآن .. من أهل شفاعة القرآن .بالمفصل.أن يكون البدء بالمفصل .. نعم .. وأقولها وأنا أعلم ما أقول..
لا بد وأن يكون البدء بسور المفصل.. أما ماعدا سور المفصل .. فهذه لها مراحل أخرى ولها أوقات تالية أما بدءاً إذا أردت أن تتدبر كتاب الله –عز وجل- فعليك بسور المفصل.. لأن سور المفصل هي أول ما نزل على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقد جاءت هذه الإشارة من أم المؤمنين –رضي الله عنها وأرضاها-.. وجاءت أيضاً إشارات كثيرة في هذا الباب من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من أهل العلم في هذا الشأن.. فلابد إذن أن يكون البدء بشيء من سور المفصل.. فإذا عدنا إلى السؤال الذي هو عنوانه : المرحلة الأولى من المستوى الأول ..
بأي شيءٍ تبدأ ؟!
يكون الجواب: بسورة من سور المفصل أو بسور من سور المفصل .. هذا هو الجواب عن هذا السؤال الذي هو عنوان للمرحلة الأولى.. عندنا في هذا المستوى .. فقبل كل شيء لابد وأن تحدد ما هو الفصل الذي تختاره من كتاب الله –عز وجل- لتبدأ به في تدبر كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. وقد ذكرنا لك أن هذا الفصل هو الحزب الأخير من القرآن.. والذي يُسمى بحزب المفصل .. بحسب تحزيب الصحابة –رضوان الله عليهم أجمعين- .. لما حزبوا القرآن سبعاً .. فالحزب الأخير هو حزب المفصل ..
فإذاً لابد وأن يكون البدء بسورة من سور المفصل.. أي سورة من سور المفصل .. هذا لك أيها المبارك .. أيها المؤمن ..والوعيد.كتاب الله –عز وجل- .. تقرأ في سور المفصل .. فإن وجدت سورة تتكلم عن الآيات في الوعد والوعيد .. عن أهوال يوالقيامة. .. عن جزاالكافرين. .. عن عقاب الكافرين .. عن صفة النعيم .. عن صفة العذاب .. عن أشياء كثيرة في هذا الباب ... فإن أخذت هذي .. أو أخذت تلك .. أو أخذت الثالثة أو الرابعة أو غير متكاملٌ.أجر في ذلك كثير وذلك لأنها كلمتكاملٌ. .. وتدور حول هذه المواضيع المهمة التي هي ركن ركين في حياالمؤمن. .. فلابد من وجودها ولابد من استقرارها فقلبه. .
إذاً تتفق بدءاً على أن البالمفصل. بسورة من سور المفصل.. فقبل أن تقبل على تدبر كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. لابد أن تختار سورة من سور المفصل .. هذا الذي أرالك. .. وهذا الذي دل عليه كلام عائشة –رضي اللعنها-. .. وكما ذكرت لك هذا الذي دل عليه كلام كثير من أهل القرآن. هذا الباب..
إذا أردت أن تقبل على كتاب الله وأن تكون من أهل القرآن .. أ تكون من خاصة الربالمبارك.وتعالى- .. أن تكون من أهل شفاعة القرآن .. فعندك هذه السور أيها المبارك .. تمسك لك:وعض عليها وابدأ بها.
بعد ذلك ننتقل إلى مسألة مهمة في هذه المرحلة .. وهي أي سورة من سور المفصل نختار .. تختار إن شئت أن تختار ما تختار .. لك هذا .. ولكن إن استنصحتني وطلبت مني النصيحة في هذا الباب .. فسأقول لك .. نصيحتي لك : أن تكون هذه السور من جزء عم .. خذ من جزء عم .. وأنصحك أنا أيضاً أن تبدأ بسورة عم تبدأ.في التدرج إلى آخر كتاب الله –عز وجل- وهذه نصيحة أخوية قد جربت ومررت مع عدد من المسلمين.. بل وفي إصلاح الجوارح من أولها إلى آخرها .
فنصيحتي لك أيها المؤمن إن أردت أن تبدأ .. تبدأ بجزء عم .. ولا تخرج عن جزء عبأس.وإن خلطت ذلك بشيء من جزء تبارك فلا بأس.. فإن مادة جزء تبارك وعم.تكلم الله –عزالتوحيد، أيضاً في جزء عم .. ولكن في جزء عم الأمر أكثر .. كما يُقال تركيزاً فيما يتعلق بمسائل التوحيد ، فيما يتعلق بمسائل مكارم الأخلاق .. فيما يتعلق بهداية القرآن لهذالإنسان. .. فعندئذ لو كان البدء وأقولك:
لو كان البدء بجزء عم أرجو أن يكون في ذلك نفع عظيم لك فتقرأ مثلاً بداية من سورة عم ثم تنزل وتتدبر في سورة عم.
وسورة عم من السور العظام الجليلةالمبارك؛ما أنزل الله – عز وجل- على نبيه – صلى الله عليه وسلم- فإن فيها من الفوائد وفيها من العبر وفيها من أنواع الخطاب ما لو تدبره العبد لكفاه عن أشياء كثيرة مما يتطلبه من الكتب التي ألفها الخلق ففي سورة عم أشياء كثيرة .
في سورة عم في أولها حوار عقلي محض ثم جاء الكلام عن اليوم الآخر وعن النفخ في الصور ثم جاء الكلام عن الطاغين ( للطاغين مآبا * لابثين فيها أحقابا )
وأنا سأضرب لك مثلاً يسيراً أيها المبارك ؛ أضرب لك مثلاً يسيراً في أنك لو تأملت شيئاً من سورة عم كيف سيتغير الأمر بالنسبة لك كيف سينجلي عنك غمة في عقلك وغمة في قلبك بسبب بعدك عن تدبر كتاب الله عز وجل.
عندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى – مثلاً في سورة عم – ( لابثين فيها أحقاباً * لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا)
لابثين فيها أحقابا هذا اللبث لمن؟
للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا
عندما تقرأ أي كتاب في التفسير يتكلم عن التفسير بالمأثور أن ينقل لك كلام الصحابة – رضوان الله عليهم – وكلام التابعين في تفسير هذه الآية فتنظر في تفسير الطبري في تفسير بن كثير أي كتاب نقل أقوال الأئمة نقل أقوال التابعين في تفسير هذه الآية سيقولون لك :
(أحقابا):للغة: أقل ما يكون إما بعضهم يقول أقل ما يكون ثلاثمائة سنة وبعضهم يقول ثمانين سنة الحقب في لغة العرب وأقل ما جاء من تفسير السلف – رضوان الله عليهم أجمعين – لكلمة الحقب هو سبعون سنة.
الحقب : قال الضحاك : هو سبعون سنة ، أما صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلم يأتِ عنهم أقل من ثمانين سنة في تفسير الحقب ، فلو أخذنا بهذا لن نأخذ الثلاثمائة ولن نأخذ السبعين ، ولكن دعنا نأخذ 80 سنة لأن هذا ما جاء عن صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على أقل ما يكون ، لم يأتِ عن الصحابة أقل من ثمانين سنة في تفسير الحقب والآية : يقول الله –عز وجل- فيها : (لابثين فيها أحقاباً)
(أحقابا) : هذه مفرد أم جمع ؟
جمع، وأقل الجمعمعلوم؛عرب كم ؟ ، ثلاثة كما هوسنة،م؛ فإذاً الجمع هنا أحقاباً جمع حقب والحقب هو كم ؟ ، هو ثمانين سنة، فلو ضربت ثمانين سنة في ثلاثمائة كم ؟ مائتيالتكثير، سنة ، شوف مائتين وأربعين سنة.
لفظ الحقب هنا في كتاب الله لما جاء في سورة عم جاء منكرا أم معرفا ؟ منكرا.
تنكيره هنا يفيد ماذا؟ يفيد التكثير ، التنوين هنا مع التكثير ، أي أنها أحقاب كثيرة وليست حقب واحد ولا اثنين ولا ثلاثة ، وإنما هي أحقاب كثيرة .
دعنا نأخذ الأقل وهو أنها ثلاثة أحقاب، والحقب الواحد ثمانون سنة، وهذه يعني أكثر من مائتين وأربعين سنة، هذه المائتين وأربعين سنة اليوم فيها بكم ؟ بألف سنة مما نعد نحن (وإن يوماً عند ربك كألف سنةٍ مما تعدون)
فعندنا يوم واحد من أيام الله –عز وجل- كألف سنة مما نعد ، فإذا أردت أن تحسب هذا اللغز الذي توعد الله –عز وجل- به الطغاة ، والطغاة هنا ليسوا هم الكفار فقط ، بل كل من استحق هذا الوصف ، (للطاغين) : أي كانوا من الطغاة الكافرين ، أو كانوا أيضاً من الطغاة وإن ظلوا على اسم الإسلام ، فتوعدهم الله –عز وجل- بأن يلبثوا في نار جهنم ثمانين سنة في ثلاث ، مائتين وأربعين سنة ، ثم اليوم الواحد بألف سنة من أيامنا نحن ، كم هذه؟
هذه سنوات طويلة وهذا مكث -والعياذ بالله تعالى- ليس بالقليل ، ليست هي أيام محصورة معدودة ، لبث طويل جداً في نار جهنم لمن اتصف بهذا الوصف ، أنه كان من الطاغين ، فهذا الوعيد وعيدٌ شديدٌ ليس بالوعيد الهين أبداً ، وعيد شديد فيه سنوات طويلة ممتدة لا يعلم قدرها إلا الله –سبحانه وتعالى- ، وهذا أقل ما يكون ، فما بالك بمن أراد الله –عز وجل- وكتب عليه أن يمكث أكثر من ذلك جداً ، فالحال شديدٌ إذا كان المكث سنوات طويلة ، أقرنه بقول النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- : "يؤتى بأنعم أهل الأرض من أهل النار فيغمس في النار غمسة –غمسة واحدة هكذا فقط—فيقال له : هل مر بك نعيم قط؟ هل رأيت خيراً قط؟ فيقول : لا يارب ما رأيت نعيماً قط ، ولا مر بي خيرٌ قط"
فهي غمسة أنسته كل النعيم ، وهو أنعم أهل الأرض ، فما بالك بهذا الذي سيلبث أحقاباً طويلة في نار جهنم .
أنا أريد من ذلك أن تعلم أن هناك من الأسرار في كتاب الله في هذه السور الشيء العظيم، بل في مبدأها، في مبدأ سورة عم الله –عز وجل- يقول في أولها: (عم يتساءلون) هذه الصيغة ماذا تسمى عند العرب ؟ (عم يتساءلون) أليس هو استفهام ؟ سؤال وفيه ماذا ؟
نعم،عجب (عم يتساءلون) يعني : يسأل الرب –سبحانه وتعالى- هؤلاء الكافرين ، والخطاب موجه إلى محمد –صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء الكافرين يقول : (عم يتساءلون) يعني : عن أي شيء يتساءلون ، وليس السؤال سؤال مجرد ، وإنما سؤال فيه تعجب ، فيه غضب ، فيه عدم رضا عن هذا السؤال (عم يتساءلون) فلم يغضب الرب –سبحانه وتعالى- عن سؤال هؤلاء القوم ولم يتعجب من سؤالهم ، هل هناك ما يدعوا إلى التعجب ؟
نعم ، هناك ما يدعوا إلى التعجب ، وهناك ما يدعوا إلى الغضب ، هم يسألون ، ولكن هذا السؤال ما كان ينبغي أن يسألوا عنه أبداً ، لم ؟
لأن الآيات العقلية والدلائل الكونية من حولهم متكاثرة جحداً في إثبات حقيقة البعث ، ومن أظهرها وأبينها والنقاش معهم هم ، وهم يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى ولكنهم يشركون معه غيره –جل في علاه سبحانه وتقدس- ، فجاء التعجب من هؤلاء كيف تشركون بالله –عز وجل- ثم تنكرون البعث .
قالوا:اءلون * عن النبأ العظيم) وجه التعجب : أن هؤلاء يؤمنون بأن الله –سبحانه وتعالى- إله ، ومن إيمانهم بالله الذي هو إلههم يؤمنون بأنه عدلٌ –جل في علاه- ، ولو سألتهم عن الله هل يظلم؟ قالوا : لا يظلم ، ولو سألتهم عن الله –سبحانه وتعالى- هل هو قادر ؟ ققالوا:قادر تام القدرة . ولو سألتهم عن الله –سبحانه وتعالى- هل هو عليم ؟ قالوا : عليمٌ تام العلم لا يخفى عليه شيءٌ . فهل يليق برب –سبحانه وتعالى- عليم تام العلم ، عدل تام العدل –جل في علاه- قادر تام القدرة ، وهم يؤمنون بذلك كله ، هل يليق بإنسان بعد هذا كله أن يظن بربه –سبحانه وتعالى- أن يترك الناس وهو في الدنيا يرى أن منهم ظالم ومنهم مظلوم ومنهم سارق ومنهم مسروق منه ، منهم معتدي ومنهم معتدىً عليه ، منهم قاتل ومنهم مقتول ، منهم مُعَذَّبٌ .. ومنهم مُعَذِّبٌ ، فهل يليق بالله سبحانه وتعالى ، الذي اتصف بهذه الصفات العظيمة وهم يؤمنون بها ، هل يليق به جل في علاه أن تنتهي هذه الحياة الدنيا وفيها هؤلاء الناس باختلاف أحوالهم وصفاتهم أن ينهي هذه الحياة الدنيا من دون بعث ، لو فعل ذلك هل يكون عدلاً؟ -جل في علاه- هل يكون حكيماً –جل في علاه- ؟ هل يكون قادراً –جل في علاه؟ هل يكون عليماً –جل في علاه- ؟
لا يكون كذلك ، لو أنه فعل هذا فلا يكون مستحقاً لوصف الألوهية وهم يؤمنون بذلك ، فلا يمكن أن يقع هذا أبداً ، ولذا جاء التعجب ، عن أي شيء تتساءلون أنتم ؟ وأنتم تؤمنون بصفات الرب سبحانه وتعالى ، تؤمنون بأن الله قد اتصف بها تمّ الاتصاف وأكمله ، فكيف ينهي هذه الحياة من دون بعث ، ولذا جاء في أولها : (عم يتساءلون * عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون * كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون) ثم جاءت الدلائل الكونية والدلائل العقلية (ألم نجعل الأرض مهادا) هذا دليل وبرهان عقلي (والجبال أوتاداً) فجاءت عشر آيات كونية ، وبعض أهل العلم قال : تسع آيات كونية عقلية في إثبات البعث ، وهي من أعجب ما يكون ، وذكرها بفهمها من أكثر ما يشرح النفس ، ومن أكثر ما يجعل القلب مستقراً في طمأنينته إلى عدل ربه –سبحانه وتعالى- ، فعندما تتأمل أيها المؤمن مثل هذا ، وتقرأ في سورة عم إلى آخرها وما جاء فيها ، أو سورة النازعات أو عبس أو التكوير أو الانشقاق أو نحو ذلك ، هذا يبعث في قلبك إيماناً عظيماً جليلاً كبيراً لله –سبحانه وتعالى- ، هذا يجعل هذا القلب عندما يتكلم عن ربه يتكلم كلام من يجل الله ومن يعظم الله ومن يحب الله ومن يقدس الله ومن يخاف الله ومن يتوكل على الله ومن يرغب إلى الله ومن يلجأ إلى الله ، وهذا الذي تريده هذه السور من هذا العبد الضعيف ـ تريد هذا القلب أن يتصل بخالقه سبحانه وتعالى ، تريد من هذا القلب أن يعرف يقيناً معنى (قل هو الله أحد) هذا هو التوحيد الذي سعى محمد –صلى الله عليه وسلم – في تقريره بالقلوب ، وهذا هو التوحيد الذي دافع عنه صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبذلوا من أجله الدماء والمهج ، وهذا هو التوحيد الذي نشره صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والأسلاف من بعدهم ، وهو الذي سار بعد ذلك أئمة التوحيد على الدعوة إليه وبذل كل ما يُستطاع في نصرته وفي نشره وفي هداية الناس إليه .
فاصل قصير
حيَاكم الله مرة أخرى و نعود لما كنا نتكلم عنه فيما يتعلق بسور المفصل و أنه لابد لمن أراد أن يكون من أهل القرآن و أن يتدبر القرآن أن يعرف من أين يبدأ و أن يهتدي بطريقة صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و طريقة السلف في هذا الباب و قد تكلمنا عما يتعلق بحديث عائشة و ذلك ما يتعلق سور المفصل عموما و ضربنا مثالا على ذلك بسورة (عمَ)و كان الكلام عن بعض ما في هذه السورة من آيات بينة ظاهرة التي لو تأملها المؤمن لكرر سورة (عمَ)ألف مرة و الله ما يمل يكرر سورة (عم) ألف مرة خلال أيام و الله ما يمل ,لأنه كلما قرأها على هذا النحو كلما ازداد إيمانا و كلما ازداد علما و كلما ظهر له علما لم يكن قد ظهر له من قبل ,فان كتاب الله علمه لا ينقضي و لا ينتهي و عجائبه لا تنقضي أبدا كلما أعطيته من نفسك كلما أعطاك هو من علمه الذي استودعه الله عز و جل فيه.
هذا الكلام فيما يتعلق بسور المفصل و عما نصحتكم به فيما يتعلق بجزء (عم) و البدء بسورة (عم) ثم الأخذ بسورة النازعات ,عبس,التكوير و الانشقاق و نحو ذلك .
أود أن تجربه على نفسك و أن تتبصر في معاني هذه الآيات و لعل الله عز و جل أن يجعل ذلك سببا في انشراح صدرك و في ملء قلبك بنور كتاب الله و قد جرب هذا مرارا فوجد له اثر ليس بالهين أبدا.
أريد بعد ذلك أن أعود إلى شيء يسير عما يتعلق بحديث عائشة عندما قالت رضي الله عنها و أرضاها و لقد نزلت (و الساعة أدهى و أمر ) و أنا جارية العب بمكة. و ذكرت لك أن هذا دليل ظاهر بيًن على أن هذه السور التي فيها وعد و وعيد و ما يتعلق بذلك جاءت في أوائل البعثة و هذا الكلام منها تصديق لهذا الأمر لان (و الساعة أدهى و أمر )فيه بيان أن الساعة التي هي يوم القيامة أدهى و أعظم و اشد نكاية و قوة مما يظنون هم .
و هي أيضا أمر فيه مرارة على الكافر فيها علقم على الفاسق الفاجر المبعد عن دين الله عز و جل و عن نور الله سبحانه و تعالى لكن قبل هذا المقطع الذي أخذته عائشة من سورة القمر أريد أن أبين لك لما ذكرت عائشة رضي الله عنها و أرضاها هذا المثل من سورة القمر فلعلنا نقف قليلا مع سورة القمر التي تنزلت و عائشة كانت جارية تلعب بمكة فلما تنزلت في ذلك الوقت و لما وقع نظر عائشة رضي الله عنها و أرضاها على هذه السورة في اختيارها لضرب المثل على ما تريد أن تنبه عليه .
ليقرا منكم قارئ سورة القمر ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
(اقتربت الساعة و انشق القمر *و إن يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر*و كذبوا و اتبعوا أهواءهم و كل أمر مستقر*و لقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر*حكمة بالغة فما تغن النذر*فتول عنهم يوم يدع الداعي إلى شيء نكر)
طبعا الوقف هنا لازم و لابد منه لأنه عند الوصل يختلف المعنى تماما (فتول عنهم ) هذا للنبي صلى الله عليه و سلم ثم جاء الكلام عن مسالة أخرى فقال سبحانه و تعالى (يوم يدع الداعي إلى شيء نكر), أي إلى يوم القيامة أما التولي فهو في الدنيا ,التولي عنهم في الدنيا و أما الكلام في يوم القيامة و هذا ليس له علاقة بما سبقه من الآية و لذا كان الوقف هنا لازما لاختلاف المعنى عند الوصل .
(فتول عنهم يوم يدع الداعي إلى شيء نكر*خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر*مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر )
تأمل قوله سبحانه و تعالى(خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )هم الآن أجابوا الداعي يوم دعاهم إلى يوم نكر هذا اليوم فيه شيء منكر ينكره كثير من الناس لم يتعودوا عليه فيه شيء يذهل العقول فيه شيء يجعل الإنسان يستوحش و يفزع بل يصعق من هوله و شدته ,فقال سبحانه و تعالى و هو يصف كيف يجيبون هذا الداعي
(خشعا أبصارهم ) لأنهم لما رأوا الآيات و الدلائل لظاهرات خشعت الأبصار,ذلت ,خنعت لله عز و جل.
(خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )
نعرف كيف الجراد ينتشر ,نعرف هذا يقينا كثير من الناس و لله الحمد يعرفون هذا الوصف .
هذا الوصف باق إلى زماننا هذا كأنهم جراد منتشر ,كيف جراد منتشر يخرجون هكذا يخبط بعضهم بعضا من الفزع و الهول و الشدة لما يخرجوا من قبورهم عند النفخ في الصور نفخة البعث يستيقظ الناس فإذا الأمور قد تغيرت الأهوال كلها قد حصلت ,السماء قد تقلبت السماء, السماء التي كان الناس يرونها زرقاء صافية محكمة قوية إذا هي تقلبت إلى لون آخر و أصبحت حمراء فيها شيء من الدهن مفزعة حالها متغير قد فتحت و شققت و تقلبت ليست على حال يعرفونها من قبل ,الأرض أصبحت كأرض الطاولة ليس فيها جبال و لا أودية و إنما هي ساهرة لا عوج فيها و لا أمتا ساهرة هي الأرض المسفرة فهي ارض مستوية تماما ما نرى فيها شيء .
تغيرت الدنيا عليهم رأوا ملائكة الله عز و جل من حولهم رأوا الأهوال فماذا كان حالهم ؟ كان حالهم خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر يخبط بعضهم بعضا و يدخل بعضهم في بعض و يمزجون الرجال مع النساء مع الأطفال مع كل احد قد اختلطوا و ماجوا في بعضهم و لم يتميز هذا من ذاك .
هذا هو الحال التي وصف الله عز و جل عليها الناس في هذا الموقف العظيم و هذا ما أرادت عائشة أن تبينه لك أن هذه الذكرى في ذاك الموقف العظيم هو الذي يحرك القلوب لتتجه إلى علام الغيوب سبحانه و تعالى .
(خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر*مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر )
مهطعين :إيش معنى مهطعين أي أنهم أهطعوا رؤوسهم فنظروا بهذه الرؤوس إلى الأرض خنعوا برؤوسهم بعد أن كانوا ينظرون إلى الأعلى في أول الأمر فإذا برق البصر أي دهش و اخذ ينظر إلى السماء و إلى الأحول التي قد تغيرت من حوله ثم لما عاين الحقيقة أهطع برأسه .
مهطعين أي انه نظر ببصره إلى الأرض و حنا رأسه انحناء في ذل و خضوع و خشع و ندم على ما كان منه في الحياة الدنيا و لذا قال مهطعين إلى الداعي :أي يجيبوا الداعي يوم القيامة و هذا حالهم و هذا وصفهم .
أكمل الآيات (كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر*أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر *أم يقولون نحن جميع منتصر*سيهزم الجمع و يولون الدبر*بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر*إن المجرمين في ضلال و سعر*يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر )
أحسنت بارك الله فيك ,هذه الآيات أيها المؤمنون هي التي حركت قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم(يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر)
فلما تتأمل هذه الآيات : ما الذي يجعلك تقدم على معصية الله سبحانه و تعالى ؟
ما الذي يجعلك لا تخاف الله جل في علاه ؟
ما الذي يجعلك تقدم على معصية الله ما الذي يجعل الله ليس في قلبك كما ينبغي ,عندما يأتيك وعد الله و وعيده سبحانه و تعالى .
هذه الآيات إذا استقرت في قلبك و الساعة أدهى و أمر ,هذه الآيات ذوقوا مس سقر ,هذه الآيات هي التي دخلت في قلوب أولئك فحركتها و جعلت الآخرة عندهم أعظم بكثير من الحياة الدنيا فإذا جاء الأمر و تعارض أمر يخص الحياة الدنيا بأمر يخص الحياة الآخرة هانت الدنيا و سهلت على نفوسهم بل أن أرواحهم بذلوها لما استقر هذا الأمر في قلوبهم ,بذلوا كل شيء أموالهم ,أولادهم ,أرواحهم ,كل شيء من اجل دين الله سبحانه و تعالى .
لما ؟ لان هذه الآيات تغلغلت في القلب و استقرت في الفؤاد فأصبح هاجس الآخرة و طلب جنة الله عز و جل في تلك الدار و الهروب من نار الله عز و جل هو الذي يحركهم و هو الذي يجعلهم يتكلمون و يسكتون و هو الذي يجعلهم يذهبون و يجيئون و هو الذي يجعلهم يفرحون و يحزنون.
كل هذا لما استقرت الآيات في القلب .
و لذا لما تنزل بعد ذلك قول الله سبحانه و تعالى( اجتنبوا كثيرا من الظن) ,( و لا تقربوا الزنا ),(و لا تقربوا مال اليتيم ) مثلا و جاءت هذه الأوامر نهتهم عن الخمر ,الزنا الربا ,أموال اليتامى,الظلم نهتهم عن أشياء كثيرة .
هل ترددوا في الاستجابة لها كحال كثير من المسلمين ؟
لا أبدا لم يترددوا في ذلك مطلقا لأنهم علموا أن الأمر هو الله و أن الله قد اعد حياة لمن أجاب و أطاع و اعد حياه لمن عصى و رفض فلما استقر هذا في القلب جاءت الأوامر فقبلت فلما استقر هذا في القلب جاءت النواهي فقبلت أيضا و اخذ بها و هذا الذي ينبغي للمسلم في حياته .
نأخذ مثالا آخر:أيضا كذلك من الآيات التي تنزلت في هذا الزمن هذه المدة من حياة النبي صلى الله عليه و سلم و كان لها اثر كبير في استقرار الإيمان في القلب.
من يقرأ لنا شيء من آي القرآن و لكن تكون من المفصل.
بسم الله الرحم الرحيم ( فإذا برق البصر*وخسف القمر*وجمع الشمس و القمر*يقول الإنسان يومئذ أين المفر*كلا لا وزر *إلى ربك يومئذ المستقر*ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم و آخر*بل الإنسان على نفسه بصيرة*و لو ألقى معاذيره )
أحسنت بارك الله فيك هذه الآيات من أي سورة ؟من سورة القيامة بين الله فيها بعض أحوال يوم القيامة و هذه السورة من أعظم ما ينبغي للإنسان أن يتدبره و يتأمله.
تأمل هذه الآيات معي أيها المؤمن ,الله عز و جل يصف فيها حال الناس في يوم القيامة فيقول الله عز و جل فإذا برق البصر ,إيش معنى برق البصر يعنى أصبح البصر كالبرق في ظهوره و وضوحه و جلائه امتد و انفتح انفتاحا عظيما شديدا لما رأى من الأهوال.
فإذا برق البصر نظر نظرًا عظيما إلى السماء و إلى الكون ينظر إلى هذا الكون ما الذي جرى فيه هذا في أول الأمر حين يخرج بعد ذلك يكون خشعا أبصارهم.
ففي بداية الأمر ينظر بقوة و اندهاش ثم لما عاين الحقيقة حصل في القلب ماذا؟خشوع و خضوع (خشعا أبصارهم)و ذل بصره لما أدرك أن الأمر كما أخبرت به الرسل لكنه في بداية الأمر في اندهاش فإذا برق البصر ثم ماذا و خسف القمر ثم ماذا و جمع الشمس و القمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر. هذا هو السؤال الذي يطرحه الإنسان يوم القيامة و , يريدال يكون في أول البعث بعد معاينة الأهوال و أدرك أن الحقيقة التي جاءت في كتاب الله و على لسان رسله قد وقعت, عندئذ يأتي السؤال من الناس أين المفر؟يريد أن يهرب يريد أن يخرج من حدود الكرة الأرضي, يريدد مكان يلجا إليه .
كل الناس كل واحد يسأل الثاني محمد يسأل خالد و حسن يسأل حسين كل واحد يقول للأخر أين المفر سؤال يتردد فيأتي الجواب من الله عز و جل.
(كلا لاوزر,
كيف لا وزر ,ما معنى لا وزر ؟
لا وزر يعنى لا ملجأ تلجأ إليه ,الوزر أصله في اللغة مأخوذ من الشيء التي تآزر إليه مثل إيش مثل الوزارة أصلها في اللغة إنما سمى وزير لان الناس يزأرون إليه في حاجاتهم و أمورهم و يذهبون إليه لقضاء الحاجات.
و كذلك الجبل العظيم يسمى مئزر لان الناس يزرون إليه يذهبون إليه يلتجئون إليه و يحتمون به ,فإذا سئل الناس أين المفر ؟جاء الكلام من الله عز و جل (كلا لا وزر )كلا لا مفر و لا وزر في هذا الموقف العظيم و لذا أيها المؤمن من تأمل هذه الآيات و تأمل ما فيها عاش حياة أخرى حياة الآخرة و هي تختلف عن الحياة التي نعيشها لأنه لا مفر لا ملجأ لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر.
و كذا لو تأملت مثلا أيها المؤمن و أريدك أن تتأمل بس بفهم و إدراك آخر سورة النازعات (فإذا جاءت الطامة الكبرى )تأمل أيضا آخر سورة عبس (فإذا جاءت الضاخة )و هكذا من الآيات العظيمة التي تحيي القلب فابدأ أيها المبارك بها و ما شابهها سواء هذه أو ما كان في معناها .
اسأل الله عز و جل لي و لكم علما نافعا و عملا صالحا و قلبا خاشعا و إيمانا كاملا و لسانا ذاكرا و عينا من خشيته دامعة.
اللهم ونسألك لما جميعًا ولوالدينا وذرياتنا وإخواننا وأصحابنا جنة الفردوس يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
اللهم أصلحنا وأصلح بنا يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين
وصلى الله على نبينا محمد
أم الشهداء
13-11-08, 05:44 PM
بداية المرحلة الثانية للعيش مع القرآن
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياه نعبد وإياه وحده سبحانه وتعالى نستعين ثم أصلي واسلم على نبينا وحبيبنا ومصطفى ربنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاة دائمة مادام الليل والنهار .
أيها الأحبة :
كنا تكلمنا في ما سبق عن المستوى الأول الذي ذكرنا لكم انه موجه إلى عموم المسلمين وان المقصود منه أن نكون من أهل القرآن وان نكون من أهل الله عز وجل لأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته وان نكون أيضا من طلاب شفاعة القرآن في يوم القيامة بإذن الله جل وعلا ، وتكلمنا عن المرحلة الأولى التي لابد منها لمن أراد أن يكون حقيقا بهذه الأوصاف العظيمة أن يحدد بدءا بماذا يبدأ من كتاب الله عز وجل
قبل أن يدخل في هذا الكتاب العظيم المتين الشديد الكبير لابد وان يحدد بأي شيء يبدأ ؟
هل يبدأ بقصار السور ؟ أم بطوالها ؟
هل يبدأ بالسور التي تكلمت عن مسائل الحلال والحرام ؟ أم يبدأ بالسور التي تكلمت عن الوعد والوعيد ؟
وذكرنا لكم من كلام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طرائق أهل العلم بل ومن طريقة القرآن في تنزله على نبينا صلى الله عليه وسلم ما يبين أن الذي ينبغي للمؤمن إذا توجه إلى كتاب الله عز وجل توجها يكون فيه تدبر ويكون فيه تأمل يكون فيه تفكر أي يكون هذا أول ما يكون في سور المفصل لأنها هي التي تكلمت عن الوعد والوعيد عن الجنة والنار عن اليوم الآخر عن ما يترتب على أعمالك في هذه الحياة الدنيا سوءا كانت صالحة أم كانت على الضد من ذلك .
فإذا كان الأمر على هذا النحو فقد أيضا قدمتُ نصيحة من نفسي بحكم تجربة سابقة مع كتاب الله عز وجل في بيانه من نفسي أولا ثم للناس أن مما يناسب أي يطرح على عموم المسلمين بكتاب الله عز وجل أن يكون البدء بجزء عم لان هذا الجزء قد حوا اغلب ما جاءت الشريعة في أول أمرها بتقريره وبيانه و توضيحه بل وتأكيده والنص عليه على انه لابد للمسلم قبل كل شيء أن تتأصل هذه الحقائق التي جاءت في هذا الجزء العظيم قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى الحقائق الأخرى وإلى الأوامر والنواهي التي أمر الله عز وجل بها أو نهى عنها سبحانه وتعالى .
إذا كان الأمر كذلك وحصل الاتفاق على هذا الأمر من جهة بأي شيء نبدأ ، عندئذٍ لابد وان ننتقل إلى المرحلة الثانية ، وهذه المرحلة مبنية على المرحلة الأولى ولابد منهما جميعا فإذا قطعنا الشوط الأول سندخل بإذن الله سبحانه وتعالى إلى الأمر الآخر وهو لا يقل أبدا علاوة وشأنا وقدرا وأهمية عن المرحلة الأولى .
لا يقل عن ذلك أبدا ولكن الثاني مترتب على الأول ، فإذا حددت واخترت بماذا تبدأ به في كتاب الله عز وجل إذا فاعلم يقينا أيها المؤمن أيها المبارك أيها الموفق يا من تقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى اعلم يقينا أن المرحلة الثانية التي ينبغي لك مع كتاب الله عز وجل هي التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة .
نعم التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة عند تلاوة القرآن ، إذا اخترت ما اخترت من كتاب الله عز وجل ومن سور المفصل لتكون خليلة لك لتكون صاحبة لك عندئذٍ لابد وان تقرأ ما اخترت ، ولنضرب مثلا " انك اخترت سورة تبارك " فعندئذٍ إذا قرأت هذه السورة فلا تقرأها قراءة عجلة ولا تقرأها قراءة فيها سرعة مذمومة وعجلة لا يريدها الله عز وجل منك في هذا الموطن وإنما لا بد وان تكون القراءة قراءة متأنية قراءة مترفلة قراءة فيها ترتيل وفيها تدبر وفيها تفكر وفيها تكرار للآيات التي تظن أن فيها حياة لقلبك ، لابد من ذلك إذا أردت أن يكون هذا القرآن هو خليلك هو صاحبك هو شفيعك في يوم القيامة .
إذا فالمرحلة الثانية بعنوان التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة عند تلاوة القرآن
هذه المرحلة أخذت من عبارة مشهورة ذكرها السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين فأصل هذه المرحلة مأخوذة من كلمة مشهورة جاءت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناولها الأئمة من بعدهم وهذه الكلمة هي " الإيمان قبل القرآن " وهذه العبارة بهذا النص قد جاءت عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت عن عبد الله ابن عمر ، وجاءت عن عبد الله ابن جندب رضي الله عنهم أجمعين ونقلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بل ونقلها من قبله من الأئمة وكذلك ذكرها الإمام السيوطي رحمه الله في عدد من كتبه وغيرهم ذكروها في كتبهم بيانا لأهمية هذه القاعدة العظيمة وهي أن الإيمان يجب أن يستقر في القلوب قبل القرآن وسيأتي شرح هذه العبارة لأنها قد تشكل ، وهل الإيمان شيء مستقل عن القران ؟ لا ليس القرآن غير الإيمان ، ولا الإيمان غير القرآن وإنما هما شيء واحد ولكن أراد السلف رضوان الله عليهم أجمعين أن يبينوا لك الوسيلة لمن أراد أن يستقر الإيمان في قلبه ما هي الوسيلة ماهي الطريقة ؟ ما هو المنهج لمن أراد أن يكون عظيما في إيمانه قويا في يقينه راسخا في اعتقاده بربه لابد وان يكون الإيمان قبل أن يأتي القرآن وسيأتي هذا مبينا من كلامهم رحمهم الله ورضي الله عنهم أجمعين
ولذا قال حذيفة بن اليمان رحمه الله كما في الصحيحين وهو يحكي عن أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة
وأنا أريدك أن تنتبه لهذه القضية المهمة التي يحكي فيها حذيفة بن اليمان ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفوتك ولا يغيب عن بالك إننا نتكلم عن مسألة سبقت الإشارة إليها وهي كيف اثر القرآن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف يؤثر فينا كما اثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا هو المقصود ، هذا الذي نريده نحن لا نريد أن نعلو فوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وان ننال درجة لم ينالوها رضوان الله عليهم أجمعين لا وكلا ولا يمكن هذا أن يكون لأحد من الخلق كائنا من كان لأنهم أعلى الناس إيمانا وأقواهم يقينا بربهم وأعلمهم بكتاب الله عز وجل وبما فيه .
ولذا إنما نسعى لأن نسير على دربهم فاسمع إلى حديث حذيفة وهو يحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين " إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال " ما هي الأمانة ؟
فسرها العلماء رحمهم الله فقالوا الأمانة أي الإيمان واليقين
الأمانة المقصود بها هنا في حديث حذيفة هي الإيمان واليقين التام بكتاب الله عز وجل وبصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمانة أي هذا الإيمان وهذا اليقين وهذا التصديق الكامل نزل في جذر قلوب الرجال بدأ ثم جاء القرآن أي جاءت الأحكام من الحلال والحرام من الأوامر والنواهي في كتاب الله عز وجل فعلموا من القران وعلموا من السنة .
هكذا كان موقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلمهم لكتاب الله عز وجل نزل الإيمان بدأ واستقر اليقين في أول الأمر ثم جاء القرآن بأوامره ونواهيه فكان له اثر عظيم على هؤلاء الناس فكانوا بل خير امة أخرجت للناس
ولذا أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه قال :" لقد عشت دهرا من عمري وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن " هذا هو منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان أولا ثم القرآن وقد بينت لك ما معنى الإيمان وما مرادهم بالقرآن هنا لقد عشتُ دهراً من عمري وإن أحدنا ليؤتى الأيمان قبل القرآن هذا هو المنهج الحق وهذا هو المنهج الصواب وهذا الذي لا يمكن أن يهتدي إنسان كائن من كان إلا من خلاله وبسلوك دربه وبالسير على منهجه ولذا حكى هذا الصحابي الجليل الفقيه العالم الكبير ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه حكى حال الناس بعد ذلك وكأنه ينظر إلينا في هذا الزمان
نعم والله .كأنه ينظر إلينا من مكان عال ينظر إلى حال الناس مع كتاب الله عز وجل ،ينظر إلى حال الناس مع الأيمان والقرآن ، حال الناس اللذين لهم اهتمام بكتاب الله عز وجل أما من ليس كذلك فليس الخطاب معه هنا
وإنما الكلام عن حال كثير من الناس ممن لهم عناية بكتاب الله ...أي عناية بتلاوة حروفه وقراءة ألفاظه .
حالهم أن أحدهم يريد أن يتعلم القرآن قبل أن يؤتى الإيمان
..فلا يسعى إلى الأيمان حتى يستقر في جذر قلبه ،ثم بعد ذلك يتعلم القرآن أي يتعلم أحكام القرآن ، لا...يعكس هذه المسألة ،وأنظر إلى كلام هذا الصحابي الجليل وهو يبين لنا حال الناس يقول رضي الله عنه وأرضاه ثم لقد رأيت رجالاً!!!! أنظر الحالة العكسية إلى الخطأ في المنهج إلى الخطأ في الطريقة في تعلم العلم وفى معاملة القرآن ( ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ) أي يحفظ كتاب الله عز وجل يحسن أن يقيم حروفه وألفاظه .
يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ مابين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدرى ما أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه لما خلط في المنهج لما خلط في الطريقة لما أراد أن يصعد السلم من أعلاه حصل له هذا النكس وحصل له هذا النقص ..بل وحصل له هذا الخلل والخطأ الكبير في طريقته مع كتاب ربه سبحانه وتعالى
يريد أن يؤتى الإيمان ولكن كيف يتعلم القرآن قبل أن يتسبب بالأسباب التي تجعل الإيمان يستقر في قلبه.
وهذا المنهج ليس بصحيح أبدأ مع كتاب الله سبحانه وتعالى ، لا يمكن أبداً أن يستقر الإيمان المقصود والهدف المنشود في قلب امرئ وهو يقبل على القرآن على أحكامه على نواهيه على ما يتعلق بالحلال والحرام منه ونحو ذلك والإيمان لم يستقر في قلبه والإيمان كيف يستقر ؟؟ الإيمان يستقر في القلب بآيات الوعد والوعيد بآيات اليوم الآخر بآيات الزجر والنهى عن اقتراف الكبائر التي لها من الأثر كذا وكذا ولها من العقاب كذا وكذا هذه الآيات التي تبين لك أثر الإحسان وثوابه عند الله عز وجل وأثر الإساءة وعذابها عند الله سبحانه وتعالى هي التي تجعلك لمّا تستقبل الأمر والنهى تستقبله استقبال من يؤمن بالله سبحانه وتعالى إيماناً كاملاً تاماً ، أما إذا غيرت فقد غيرت وإذا بدلت فقد نكست تكون كالكوز مجخياً يأتيك العلم بعد ذلك ..علم القرآن فلا ينفعك ولا يهديك ولا يؤثر فيك بعد ذلك كيف يؤثر في قلب لم يتعمق فيه الإيمان ولم تمتد شجرة الإيمان بجذورها في قلبه هذا لا يكون أبدا ...
لذا تأمل هذا السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ووعوه وعياً تاماً كاملاً وكان من هؤلاء عدد كبير من الأئمة رحمهم الله سيأتي إلى ذكرهم في حال موقفهم من قراءة كتاب الله كيف كانوا يقرؤون القرآن وكيف كانوا يقفون مع القرآن ولكن هنا أردت أن أقدم لك مقدمة فيما يتعلق بما لابد أن يكون من قراءتك ما فيه تدبر ما فيه
تأنى ما فيه ،ترك العجلة المذمومة في قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى .....
لما هذا لأن هذا مأخوذ من القاعدة المشهورة وهى(الأيمان قبل القرآن ) وهى بعبارة أسهل وأوضح في هذا الزمان نشرحها لأنفسنا وللناس غرس الأيمان قبل الإكثار من القرآن .هذا معنى كلامهم رحمهم الله غرس الإيمان قبل الإكثار من القرآن هذا هو مرادهم من قولهم الإيمان قبل القرآن
وقد أشار ابن القيم رحمه الله لهذا المعنى
فتدبر القرآن إن رمت الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآن
وقال الأخر.
وأتلو بفهم كتاب الله فيه أتت *** كل العلوم تدبره ترى العجب
كل العلوم أيها المؤمن إذا أردتها فإنها تكون بتدبر كتاب الله سبحانه وتعالى ولذا أريدك أن تنتبه لهذه المسألة فيما نستقبل من الكلام لأن المرحلة الثانية أكرر لك وأبين وأعيد لأن القرآن ثنى في الكلام كثيراً القرآن مثانى
فنحن لا بد أن نسير على طريقة القرآن في هذه الأمور العضال نثنى فيها ونكررها ونبينها من هنا وهناك حتى تتضح وحتى تنجلي وحتى لا يكون هناك أدنى شك في تقريرها وفى تحقيق أهميتها لكل مؤمن على وجه هذه البسيطة .
إذن أيها المؤمن لابد أن يكون هناك حرص عل غرس الأيمان قبل أن نتناول القرآن
كيف نغرس الإيمان ؟ نقلنا لك ذكرنا أن هذا يكون بالآيات الأولى والسور الأولى التي تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم في بدء أمره وهذه السور هي التي جاءت في سور المفصل قد اخترنا لكم منها ما يتعلق بجزء عم لهذا الأمر ، لكي نستطيع أن نغرس الإيمان ن في قلوبنا قبل أن نتعلم من القرآن
غرس الإيمان بهذه السور وتعلم القرآن بالسور الطوال التي فيها بيان الأحكام الحلال والحرام ولذا ثبت عن أبى عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه وأرضاه وهذا من أكابر أتباع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (حدثنا من كان يقرأنا القرآن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون القرآن عشراً عشرً قال فتعلمنا العلم والعمل معاً) مشكلة كثير من الناس أنه يتعلم العلم لا العمل ولكن من أخذ القرآن على طريقة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين عشراً عشراً أي أن المراد شيئا شيئا وليس المراد الحد
عشر آيات عشر آيات و المقصود أن تأخذ شيئا فشيئا من القرآن حتى ينغرس الإيمان في القلب. ثم بعد ذلك تتعلم أحكام القرآن ، فلما ينزل عليك الحكم من الله سبحانه وتعالى ينزل على قلب قد روضه الإيمان و هيئه اليقين واستعد و رضي بحكم الله سبحانه وتعالى عليه في كل أموره
فاصل قصير
مرحبا بكم أيها الإخوة مرة أخرى في روضة من رياض القرآن
بعد هذا نعيد الكلام ..عن الوسائل التي من خلالها نحقق هذه المرحلة
نحن عندنا الآن المرحلة الثانية ..وهذه المرحلة هي التأني والوقوف مع الآيات وترك العجلة في تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى
هذه المرحلة ..هناك وسائل نستعين بها لكي نحقق هذه المرحلة لأنها من أهم ما يكون فلابد أن نتخذ وسائل نستعين بها بعد الله عز وجل في أن نكون من الذين أعانهم الله عز وجل فتجاوزوا هذه المرحلة وتخطوها إلى ما بعدها
هذه المرحلة ،وهي مرحلة التأني والتدبر وترك العجلة ..لابد أن نستعين فيها بوسائل ..أولى هذه الوسائل ..
واهم هذه الوسائل هي أنك أيها المبارك ..أيها المؤمن عند سماع آيات القرآن لابد من إلقاء السمع مع جمع القلب على القرآن ...
لابد من سمع لكنه ليس سمعاً معتاداً كسمع الكلام الذي يقال بين الناس لا..وإنما هو أن تلقي سمعك وأن تجمع قلبك وأنت تتوجه إلى كتاب الله سبحانه وتعالى
لابد من إلقاء السمع وجمع القلب على القرآن عند سماعه ... وهذا الشرط أو وهذه الوسيلة أيضا كذلك قد أشار الله عز وجل إليها في كتابه فقال (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) إن في ذلك- والضمير هنا عائد على القرآن – لمن ؟ قال: لمن كان له قلب ..أي لمن كان له قلب حي ..عندما استمع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى جمع قلبه في سماع كتاب ربه (أو ألقى السمع وهو شهيد) ..
كيف ألقى السمع ؟ تأمل كلمة الإلقاء هنا (أو ألقى السمع) الإلقاء معروف في لغة العرب –تأخذ شيء فتلقيه ..ترمي به- فأنت كأنك جعلت سمعك هذا كأنه حجر من الأحجار أخذته ورميته رميا ...فتأخذ سمعك فترمي به إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ..ترمي به كأنه لا كلام في الدنيا إلا القرآن ..ولا حديث في الدنيا الآن إلا القرآن ....تلقي سمعك إلى كتاب الله عز وجل
(أو ألقى السمع وهو شهيد )وهو شهيد أي وهو شاهد حاضر يستمع بكل جوارحه من أولها إلى أخرها إلى كتاب ربه
هذا الذي يريد أن يستفيد من سماعه لكتاب ربه ..لابد أن يكون على هذه الصفة ... ولابد وأن يستخدم هذه الوسيلة ..هذه الوسيلة أيها المؤمن بين يديك ..تستطيع أنت أن تقوم بها وأن تعملها ..وأن تتكلفها في أول الأمر ..إن لم تكن نفسك قد أقبلت على كتاب الله فلابد وأن تجاهدها مجاهدة حتى تلقي سمعك إلى كتاب ربك ثم بعد ذلك تحضر هذا القلب وهو يستمع إلى كلام الله عز وجل .
إذاً الله سبحانه وتعالى قد بين لنا أن هذا الكتاب ذكرى ..لكن لمن ؟ لمن كان له قلب
وهل المقصود أن له قلب بمعنى له قلب موجود فقط ؟ لا كل الناس لهم قلوب ما في حي إلا وله قلب ..ما من بشر إلا وله قلب ..ولكن المقصود أن له قلب نافع يستحضره ويشهده عند سماع آيات ربه
ولذا أيها المؤمن لابد من هذين الأمرين ..لابد أن تفتح قلبك وتجمعه في توجهه إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ..وتلقي هذا السمع إلى كتاب الله فإذا ألقيت السمع وأحضرت القلب فأبشر بالخير من كتاب ربك ..هذه هي الوسيلة الأولى
وإن أردت زيادة الفائدة في هذه المسألة بعينها فأنظر إلى كلام بن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد ...فقد أطال الكلام جدا عن هذه الآية بعينها بذاتها ..أطال الكلام وتكلم بكلام نفيس ..لولا أني أخشى ألا يفهمه كثير من الناس لذكرته في هذا الموطن ولكن فيه شيء من الصعوبة تركته لمن أراد أن يقف عليه ...أرجع إليه في كتاب الفوائد ستجد فوائد عظيمة جدا كلها مستنبطة من هذه الآية العظيمة
الوسيلة الثانية
لمن أراد أن يجتاز هذه المرحلة هي الترسل والترتيل عند قراءة القرآن
أنت الآن جمعت قلبك وأحضرت سمعك ..بعد ذلك ما الذي ينبغي لك ..إذا كنت تاليا لكتاب الله سبحانه وتعالى فإياك إياك والعجلة ..
إياك إياك والهدرمة إياك وإياك والحدر الزائد الذي لا يكون فيه شيء من التدبر والترسل عند تلاوة آيات الكتاب
لان هذا الأمر الذي هو العجلة والهدرمة وسرعة القراءة لكتاب الله سبحانه وتعالى ..هذا الأمر خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند تلاوته لآيات القرآن ..
وهذه الوسيلة أيضا لابد منها لمن أراد أن يكون من أهل القرآن ..لأنها طريقة محمد صلى الله عليه وسلم وطريقة الصحابة وطريقة السلف رضي الله عنهم أجمعين مع كتاب ربهم فقد أخرج مسلم في صحيحة من حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ليلة من رمضان فقام يقرأ فقرأ بسورة البقرة ثم افتتح سورة آل عمران وفي لفظ أنه قرأ سورة النساء ثم افتتح بعد ذلك بسورة آل عمران كل ذلك في ركعة واحدة ....يقول حذيفة في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها مترسلا أي قرأ السور الثلاث (البقرة ، والنساء ، وآل عمران ) قرأها مترسلا ..إذا مر بآية تسبيح سبح ...وإذا مر بسؤال سأل ...وإذا مر بتعوذ تعوذ .
تأمل رجل يقرأ هذه السور الطوال ولكنه مع ذلك إذا مر بآية فيها شيء من ذكر الجنة سأل الله عز وجل ...شيء من ذكر الخير سأل الله سبحانه وتعالى ...مر بآية فيها ذكر النار تعوذ بالله منها ..إذا كان فيها شيء من ذكر الشر تعوذ بالله عز وجل من هذا الشر ...وكذا أيضا التسبيح والتحميد والتهليل لله سبحانه وتعالى ...هذا يبينه صلوات ربي وسلامه عليه إذا قرأ القرآن قرأه قراءة متدبر متأمل متفكر لما يتلوه من الآيات العظيمة .
أيضا هذا أخذه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فابن عباس كما حكى عنه بن أبي مليكه يقول : سافرت مع ابن عباس فقام في وسط الليل يقرأ ...ولك أيضا أن تتخيل أن هذه الصلاة في حال سفر...والإنسان عادة في حال السفر يكون متعبا مجهدا ليس في نشاطه الذي يكون عليه في حال الحضر ....فهو الآن مسافر رضي الله عنه وأرضاه ومع ذلك يقوم نصف الليل فيقرأ القرآن حرفا حرفا يبكي حتى نسمع له نشيجا ...
فهذا ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه...يقوم ويصلي من الليل في حال السفر فإذا قرأ القران قرأه حرفا حرفا حتى يسمع له نشيج وبكاء وهو يتلو كتاب الله سبحانه وتعالى
وكذلك غيره أيضا من الأئمة ، فقد حكى عن الفضيل بن عياض رحمه الله رحمة واسعة أنه كان إذا قرأ القرآن قرأه قراءة مترسلة حزينة شجية كأنه يخاطب إنسانا .
أنظر إلى وصف قراءة الفضيل بن عياض رحمه الله رحمة واسعة كان إذا قرأ القرآن كانت قراءته حزينة شجية كأنه يخاطب إنسانا ، وهذه هي قراءة السلف رضوان الله عليهم أجمعين ، يقرءون القرآن قراءة حزينة مترسلة بطيئة شجية على نحو يتلذذ فيها المرء عند تلاوته لآيات الكتاب ولا يكون فيها شيء من الجفاء وشيء من السرعة وشيء من الهذرمة التي لا تليق بكتاب الله سبحانه وتعالى ، هذه الوسيلة الثانية لمن أراد أن يجتاز المرحلة الثانية معنا في هذا المستوى الذي يتعلق بكيف نكون من أهل القرآن وكيف نكون من أصحاب القرآن .
عندنا وسيلة ثالثة
أيضا لابد منها في هذه المرحلة وهذه الوسيلة هي تكرار الآيات عند الحاجة . فتكرار الآيات سنة نبوية ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبتت أيضا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتت أيضا عن التابعين وأتباع التابعين وثبتت عن غيرهم من الأئمة إلى زمننا هذا فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر وإسناده صحيح فقد صححه ابن القيم رحمه الله وصحح الحديث الحاكم وكذلك البوصيري وجماعة من أهل العلم .
عدد كبير من أهل العلم صححوا هذا الحديث " أن رسول الله قام بآية يرددها حتى الصباح " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " هذه الآية قام بها صلى الله عليه وسلم يرددها حتى الصباح وهو يبكي صلوات ربي وسلامه عليه لأنه وجد في هذه الآية شيئا وافق ما في نفسه صلى الله عليه وسلم من رحمته بأمته ومن شفقته عليهم فلما قرأ قول الله عز وجل "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " أراد أن يستجلب رحمة الله لأمته لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فكرر هذه الآية وأخذ يرددها حتى الصباح .
وكذلك غيره أيضا ممن تلقوا عنه صلى الله عليه وسلم ، فقد حكى عبادة بن حمزة انه دخل على أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها وهي تقرأ " فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم " يقول فجلست عندها وهي تكرر الآية حتى مللت ثم خرجت إلى السوق ثم عدت إليها وهي تكرر الآية " فمن الله علينا ووقانا عذاب ا لسموم "
هذه آية واحدة كان لها أثر في قلب هذه الصحابية الجليلة فأخذت ترددها وترددها زمنا طويلا
كذلك أيضا جاء ذلك عن التابعين ، فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه وأرضاه انه قرأ
" واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " فأخذ يرددها ويرددها ويرددها كثيرا
وجاء ذلك أيضا عن الضحاك بن مزاحم رحمه الله رحمة واسعة وهو يقرأ قول الله سبحانه و تعالى" لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل " فأخذ يرددها كثيرا كثيرا كثيرا ويبكي رحمه الله رحمة واسعة
ولذا جاء عنهم في هذا الباب أشياء كثيرة لا تنتهي ومن تأمل كلامهم في هذا الشأن وجد عجبا حتى أن محمد بن كعب القرضي رحمه الله رحمة واسعة كان يقول لئن أقرأ _ وتأمل كلامه _ يقول لئن اقرأ سورة الزلزلة إذا زلزلت الأرض زلزالها وسورة القارعة " القارعة ما لقارعة " لئن أقرا هاتين السورتين أحب إلي من أن أقرأ القرآن هزا
يقرأ سورتين قصيرتين من كتاب الله عز وجل أحب إليه من أن يقرأ القرآن هزا ، لما؟؟ لأن تكرار هاتين الآيتين أو تكرار أيضا هاتين السورتين أو تكرار آية أثرت في قلبك ووجدت لها نفعا في فؤادك هذا له أثر عظيم على هذا القلب حتى يتحرك وحتى يحيا وحتى ينعصر لكتاب الله عز وجل فيدمع القلب ثم تدمع العين
بعد ذلك من أثر وتأثير كتاب الله سبحانه وتعالى على الإنسان
إذاً أيها المؤمن إذا أردت أن تجتاز هذه المرحلة وترك العجلة فلابد وأن تستعين بشيء من الوسائل وهذه الوسائل هي
أولاً أن تلقي سمعك وأن تحضر قلبك عند قراءة كتاب ربك إذا فعلت ذلك فعند إذ بعدها
فكن أيه المبارك مترسلا في قراءة آيات الكتاب مترسلاً متأنياً في قراءة
آيات الكتاب ثم بعد ذلك إذا مرت بك أيه شعرت أن نفسك بحاجة إليها وأن لها
أثر على هذا القلب حينئذ أيها المؤمن قف عندها وكررها ورددها كثيراً
فإن لهذه الآية في قلبك آثر ليس بالهين ، وقد يحي الله عز وجل قلبك بآية واحده من كتاب ربك قد يحي الله سبحانه وتعالى قلبك حياة لا موت بعدها بإذن الله جل وعلى بآية واحدة من القرآن وهذا جرى لأناس كثر نعم جرى لأناس كثر سمعوا آية من كتاب الله سبحانه وتعالى فعاشوا بها دهراً وتنوروا بها عمرا طويلاً أذكر من ذلك في هذا العصر أن شاباً قد وقع في الفاحشة الكبرى وكان يواقع هذه الفاحشة مرات كثيرة في أزمنة متقاربة يقول فكنت مرة في رمضان فأثرت ألا أسمع الغناء وإنما أسمع كتاب الله سبحانه وتعالى فجعلت شريط للقرآن وأنا أسير في السيارة فأستمع إلى أحد القراء وهو يقرأ سورة يوسف فمر على قول الله سبحانه وتعالى ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) هو أستمع إلى هذه الآية فانتبه إلى أن الله عز وجل علل صرف السوء والفحشاء عن هذا النبي الكريم لأنه من عباد الله المخلصين فأعاد الآية مرة ثانيه ثم أعادها الثالثة فلما عادها الثالثة تبين له أن من كان من عباد الله المخلصين لا يمكن أن يقع في السوء والفحشاء لأن الله عز وجل صرف عن يوسف عليه السلام السوء والفحشاء ، لأي علة ولأي سبب لأنه من عباد الله المخلصين فأخذ يبكي ويردد في نفسه يقول إذاً أنا ليس من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء أنا لست من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء أنا لست من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء ثم أخذ يردد الآية رابعة وخامسة وعاشرة يقول ساعة كاملة وقد أوقفت السيارة جانبا ما استطعت أن أكمل القيادة وأنا استمع إلى الآية وابكي وابكي ساعة كاملة وهو يكرر الآية ويرددها ويبكي بكاء شديدا ، يقول والله الذي لا إله إلا هو أني ما حركت السيارة بعد هذا الموقف إلا قد عاهدت ربي ألا أعود إلى فاحشة أبداً وما عدت إليها إلى ساعتي هذه بآية واحدة من كتاب الله عز وجل رددها و تأملها وتفكر فيها وهذا هو السر الذي نريد أن نصل إليه
في هذا الكلام هذا الذي نريد أن نصل إليه بإذن الله جل في علاه إذاً هذه الوسائل
أيها المؤمن حاول أن تستفيد منها في أن تحدث قلبك لكتاب ربك في أن تتجاوز
هذه المراحل لتكون من أهل القرآن ومن أهل شفاعة هذا القرآن العظيم
لعلنا نقف عند هذا الحد ونواصل بإذن الله سبحانه وتعالى فيما نستقبل
أسال الله عز وجل لي ولكم أن يجعل هذا القرآن هادينا و في الدنيا والآخرة
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ياذا الجلال والإكرام يا رب العالمين
اللهم أن نسألك برحمتك نسألك بجودك نسألك بكرمك نسألك بواسع فضلك وعطائك
أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا بجودك وكرمك ياذا الجلال والإكرام
وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
أم الشهداء
23-11-08, 12:41 AM
التأني في قراءة القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين..
نواصل ما كنا ذكرناه .. وقد كنا نتكلم عن الحلقة التي تتعلق بالمستوى الأول .. وعن المرحلة الثانية فيما يتعلق بالتأني وقراءة القرآن بدون عجلة .
وذكرنا هدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب .. ثم هدي السلف الصالح –رضوان الله عليهم أجمعين- في قراءة القرآن.
وأريد قبل أن أنتقل إلى المرحلة الثالثة المتعلقة في هذا الباب .. نريد أن نأخذ نموذجا نقرأ فيه آيات من كتاب الله –سبحانه وتعالى- على طريقة أولئك الأوائل .. أولئك الأئمة الذين هداهم الله –سبحانه وتعالى- قبل أن نلج إلى المرحلة الثالثة .. فمن منكم يقرأ علينا آيات من كتاب الله –سبحانه وتعالى- ولكن يقرؤها قراءة مترسلة .. يرتلها ترتيلا يقف عند الآيات ويعتني ببيان ما في هذه الآيات من المعاني العظام .. سالكا في ذلك طريقته –صلوات ربي وسلامه عليه- عند قراءته لكتاب ربه ؟ من منكم؟
قرأ أحد الطلبة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه * كلا إنها لظى * نزاعة للشوى * تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى * إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخسر منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون)
أحسنت .. يا بارك الله فيك
هذه آيات عظيمات .. قرأت لكم قراءة كما كانوا –رحمهم الله ورضي الله عنهم وأرضاهم- يتلون كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. تأمل هذه الآيات وأنت تقرؤها قراءة مترسلة متأنية .. ترتلها ترتيلا .. وتتأمل في معانيها
هذه الآيات ليس فيها ما هو صعب .. ليس فيها ما هو مغلق على الفهم أبدا .. وإنما هي آيات يعرفها ويفهمها .. ويدرك المراد منها كل من كان له لسان عربي ، وبيان يفهم به هذه اللغة ، (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه) صاحبته : زوجته (وأخيه * وفصيلته التي تؤويه) قبيلته .. عشيرته كلها من أولها إلى آخرها .. يريد أن يأخذ بهم ، ويرمي بهم في نار جهنم ، من أجل أن ينجو هو .. نعم .. موقف لكنه عظيم .. وموقف ولكنه شديد .. وموقف ولكنه –والله- ليس بالهين أبدا..
لو تأمله الإنسان وأعطاه حقه وهو يقرأ في كتاب الله –عز وجل- (يودُّ المجرم) من هو المجرم؟ المجرم: الذي أجرم في حق ربه –سبحانه وتعالى- ، وأجرم في حق نفسه ، وأجرم في حق الناس من حوله..
كيف يكون حاله؟ (يود) يرغب .. يحب .. أن يأخذ بأمه أقرب الناس إلى قلبه .. أن يأخذ بأبيه .. أن يأخذ بابنته .. أن يأخذ بابنه .. وقد كان في الدنيا من أشفق الناس بهم .. وأرحم الناس بأبنائه وبناته ..
إذا هو في يوم القيامة يود ويحب ويرغب أن يأخذهم جميعا .. فيلقي بهم في نار جهنم .. وهو يرى حر نار جهنم .. حتى ينقذ نفسه ! .. فالموقف عظيم..
(يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه...) ثم من؟ (ومن في الأرض جميعا) لا إله إلا الله .. لمَ؟ (ثم ينجيه) .. ما السر ؟ ما السبب؟ .. ما الحكمة؟ .. ما العلة؟ .. بين الله عز وجل ذلك ، وقال: (كلا إنها لظى) .. (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ) يا رب لمَ هذا كله؟ .. وما سببه؟ .. ما علته؟ .. وما شأنه؟ .. لم يود هذا؟ .. هذا الإنسان أليس له قلب ؟! .. أليس فيه رحمة؟! .. أليس فيه شفقة؟! .. بلى .. كل ذلك وكثير ..
لقد كان في دنياه من أبر الناس بأمه .. ومن أحسن الناس معاملة لأبيه.. ومن ألطف الناس بأبنائه وبناته .. ولكن الأمر عظيم .. والهول شديد ؛ ولذا قال الله –عز وجل- وهو يبين علة ذلك: (كلا) كلا ماذا يارب؟ (كلا إنها لظى) .. هو رأى لظى ولم ير شيئا آخر.. لما رآها تمنى هذه الأمنيه .. وود هذا الود ..
(كلا إنها لظى * نزاعة للشوى) نزّاعة: جاءت بصيغة المبالغة ؛ أي أنها تنزع كل ما هو قابل للشوي نزعا شديدا .. هذا الشعر.. هذا الجلد .. وما يتبع ذلك..
كل ما كان قابلا للشوي فإنه يسقط بمجرد أن تلفحه النار لفحة واحدة ..!
ولذا قال الله عز وجل –في السورة الأخرى: (لواحة للبشر) أي أنها تلوحهم وتضربهم ضربا .. كما تضرب الخشبة العرضة .. كما يضرب اللوح البشرة .. أو كما يضرب اللوح الحيوان أو عير ذلك..
هكذا النار .. تضرب وجوه هؤلاء المجرمين..
(لواحة للبشر) فلما تلوحهم بضربتها القوية العريضة .. لست ضربة نحيفة .. وليست ضربة محددة في موضع دون موضع .. وإنما هي ضربة عامة .. كما تضرب الخشبة العريضة الجسد إذا وصلت إليه .. وإذا لامسته وأوجعته .. كذلك النار .. تضرب تلك البشرة .. وتضرب هذه الجلود ضربا كاملا هكذا كضرب اللوح .. ثم يحصل بعد ذلك أن ينزع كل ما هو قابل للشوى
ولذا قال الله –عز وجل- هنا: (كلا إنها لظى * نزاعة للشوى) أي شوى يا رب؟ (تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى) .. أدبر عن ماذا؟
أدبر عن القرآن .. وتولى عن كتاب ربه الرحمن .. وعاش في أحضان الشيطان .. في هذه الحياة الفانية .. فكان جزاؤه هذه النار ..
كان جزاؤه لظى .. التي تنزع منه ما كان قابلا للشوى.. (تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى * إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا) ثم انظر إلى الاستثناء العظيم .. الذي جاء في هذه السورة العظيمة..
من الذي ينجو من ذلك يا رب؟ .. ومن الذي يسلم من هذا كله؟ .. يا جبار السماوات والأرض.. انظر إلى جميل الاستثناء في هذه الآيات العظيمات .. فالذين ينجون من هذا البلاء العظيم هم صنف واحد من الناس .. من كان من المصلين.. وهل هو أي مصلٍ؟ .. لا .. وإنما هو مصلٍ لكنه على صلاته دائم .. فمن لم يكن من المصلين .. ومن الذين يديمون الصلاة .. ويحافظون عليها .. ولا يفرطون في شيء منها .. لا يصلون وقتا ويتركون أوقاتا .. ولا يضيعوم صلاةً فلا يصلونها إذا خرج وقتها .. هؤلاء هم الذين ينجون من لظى النزاعة للشوى..
أما من لم يكن كذلك .. فإنه لن ينجو منها أبدا .. ومن لم يكن من المصلين الدائمين على صلاتهم .. لن ينجو من ذلك أبدا .. بل إن جزاؤه أنه سيقف في موقف عظيم وهو يود أن يرمي بكل الناس وينجو من هذا الموقف المخزي .. سيرمي أقرب الناس إليه .. وسيرمي أحب الناس إليه.. وسيرمي أبعد الناس عنه أيضا .. من لم يره مرة من الزمن .. سيرمي بهؤلاء جميعا لكي ينجو هو .. ولن يحصل له ذلك .. إلا إذا كان من المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ..
وهذا يبين لك أن هذه الآية من أعظم الآيات التي تبين لك أهمية الصلوات المفروضة .. وتبين لكل مسلم أن من ضيع هذه الصلوات المفروضة فإنه حقيق بخزي من الله وعذاب .. وحقيق بوعيد شديد من جبار السموات والأرض..
ولكن لو قرأها وتأمل فيها قليلا قليلا .. لوجد ذلك أشد ما يكون بيانا .. وأشد ما يكون وضوحا .. الآيات ظاهرة .. لا تحتاج إلى مفسر .. ولا إلى كتاب .. ولا إلى مراجعة تفسير ابن جرير .. ولا إلى مراجعة لتفسير ابن كثير .. ولا لتفسير أبي السعود .. ولا إلى البيضاوي .. ولا إلى غيرها من كتب التفسير ..
وإنما هي بحاجة لشيء واحد فقط : وهو أن تقبل على كتاب ربك .. وأن تتلو هذا القرآن وأنت تعلم أنه من عند الرحمن –سبحانه وتعالى- فتقرأ قراءة متأنية .. متأملة .. متفكرة .. رابطا بين أوائل الآيات وبين أواخر الآيات .. تأمل هذا في هذا المقطع من هذه السورة .. أو تأمله أيضا من سور كثيرة أخرى .. ستجده أحسن ما يكون وأكمل ما يكون في علاجه لأمراض قلبك .. وفي إصلاحه لكل شؤون حياتك ..
ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة..
المرحلة الثالثة هي: الاستعانة بكتاب مختصر في التفسير عند الحاجة ..
وأعيد وأكرر أن هذا المستوى خاص لعامة المسلمين .. فعامة المسلمين ممن يريد أن يكون من أهل القرآن بدءاً يحدد السورة او السور التي سيقرؤها ويفتتح بها تدبره لكتاب ربه .. ثم بعد ذلك إذا اختار سورة من السور .. فإنه يقرؤها قراءة متأنية .. مترسلة .. يرتلها ترتيلا .. يكررها عند الحاجة ..
فإذا فعل ذلك ؛ فعندئذٍ بقي عليه أمر واحد فقط:
إذا مرَّت به آية وهو يتلو كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. ولم يفهم كلمة من القرآن .. ولم يعلم معنى جملة من كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. عندئذٍ .. فإن الله منّ علينا بكتب في التفسير .. ميسرة وسهلة .. يرجع إليها هذا القارئ لكتاب الله –عز وجل- ويستفيد منها ..عندئذٍ سينجلي ما كان غامضا .. ويتبين ما كان دقيقا .. ويصبح واضحا ظاهرا له أشد ما يكون الظهور ..
كتب التفسير الميسرة الظاهرة ليست بالقليلة , بل هي ولله الحمد والمنة كثيرة , وإن كان ليس منها ما هو جامع لكل ما تريد , هذا صحيح فليس هناك كتاب في التفسير تستطيع أن تقول إنه قد جمع ما تريد وتشاء وترغب من معاني تفسير الله عز وجل .. ولكن ولله الحمد والمنة أن هناك كتب قد صنفت تناسب عموم المسلمين يمكن أن نستفيد منها , وهذا الكلام فيما يتعلق بفهم ألفاظ وكلمات كتاب الله سبحانه وتعالى التي فيها شيء من الغموض وعدم الظهور لا بد منه من أجل أن يكمل فهمك لكتاب ربك .
ولذا يقول إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله , وهو يحكي لك عبارة جليلة عظيمة خرجت من إنسان عارف بكتاب الله عز وجل , يقول : إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يتلذَّذ بقراءته ...اهـ .
انظر إلى كلمة هذا الإمام رحمه الله : إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يتلذذ بقراءته , معنى لم يعلم تأويله أي لم يعلم تفسيره ومعاني كلماته وما المراد منه , كيف يتلذذ بقراءته , نعم لن يتلذذ بقراءة القرآن , هذه اللذة التي يجدها من اقترب من كتاب الله , وفهم معانيه لن يجدها هذا لأنه لم يعلم تأويل كتاب الله سبحانه وتعالى , وهذه الكلمة خرجت من إمام عارف بكتاب الله سبحانه وتعالى , وكان من أهل القرآن الذين آتاهم الله عز وجل الفقه والتأويل لكتابه سبحانه وتعالى .
اختيار الكتاب المناسب قد يشق على الإنسان حقيقة , لأن في كل كتاب ما هو جميل وما هو مفيد للناس , عندما تنظر مثلا في : تفسير زبدة التفسير الذي اختصره الشيخ : سليمان الأشقر من كتاب فتح القدير , تجد أن فيه أشياء كثيرة ترجح هذا التفسير على غيره , فهو سهل ويسير وفيه بيان للآيات بشكل واضح جلي , وقد جمع الكلام عن كثير من الكلمات الغامضة بعبارة سهلة يسيرة , فهو من هذا الجانب من أحسن ما يكون , ومن أتم ما في هذا الكتاب ومن أحسن ما يوصف به هذا الكتاب أنه >>> أوضح الآيات الغامضات بكلمات سهلة يسيرة ليست بالعسيرة أبدا .
لكن ننظر إلى تفسير آخر مثل تفسير الشيخ العلامة : عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله .. تيسير الكريم المنان , فتجد أن في هذا التفسير أشياء كثيرة ليست موجودة في زبدة التفسير .
تجد أن في هذا التفسير مثلا : أنه يتكلم عن الفوائد من الآيات ويتكلم عن الأشياء التي فيها تربية وتهذيب وتأديب وتعليم وتزكية للنفس والفؤاد والقلب , وهذه الأشياء ليست موجودة في كتاب زبدة التفسير , بل إن تفسير العلامة السعدي رحمه الله قد فاق غيره من كتب التفسير الطوال في هذا الباب .
عندما تنظر مثلا في تفسير الجلالين , فإن هذا التفسير تجد فيه من أنواع النفع وأنواع الفوائد ليست بالقليلة أبدا , فهذا الكتاب أول ما يميزه أنه مختصر بشكل كبير جدا , الشيء الآخر أن الكلمات التي فسرت بها الآيات فسرت بعبارة دقيقة جدا إلى الغاية هي من أسلم ما يكون , فتفسير الجلالين لأن من ألفه كان إمام في اللغة والبيان والبلاغة فإنهم رحمهم الله ألفوا هذا الكتاب بعبارة دقيقة تعجب منها فأنت تنظر في تفسير الآية وتنظر في الكتب الطوال التي شرحت هذه الآية في كتب اللغة وفي كتب التفسير التي اعتنت بشرح الكلمات الغريبة وغير ذلك من الكتب المهمة في الباب , ثم ترجع إلى تفسير الجلالين فتجد ان هذين الإمام رحمهم الله رحمة واسعة قد بينوا لك هذه الكلمة بعبارة جلية جميلة دقيقة جدا في بيان دلالة الآية , وهذا الميزة في تفسير الجلالين ليست موجودة في كتب التفسير الأخرى المختصرة , وإنما تميز بها هذا التفسير العظيم .
ولكن يشكل على تفسير الجلالين أمور :
أولا : أن عبارته حينا تكون دقيقة غامضة على كثير من الناس , تحتاج هي إلى من يبينها ويوضحها .
ثانيا : أن الإمامين رحمه الله رحمة واسعة قد سلكا في بيان مسائل الأسماء والصفات في هذا التفسير العظيم قد سلكا مسلك أهل التأويل , فأولوا كثيرا في آيات الأسماء والصفات ولم يسلكوا طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين من إجراء هذه الصفات والأسماء على ظاهرها من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكيف كما هي طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب , فننتبه لهذا الأمر .
وسنختار من هذه الكتب ومن غيرها أيضا كتاب واحد وهو المسمى بتفسير الإمام السعدي رحمه الله , اخترناه ليكون هو المختصر الذي نرشحه لعموم المسلمين لكي يستفيدوا منه وينهلوا من علمه الذي سطره هذا الإمام رحمه الله رحمة واسعة , والكلام عن تفسير الإمام السعدي كلام قد يطول , ولكن ليس هو المراد هنا , ولكن المراد أن نذكر شيئا يسيرا من أسباب هذا الكتاب , فأختصر من مميزات هذا الكتاب ميزتين اثنتين :
الميزة الأولى : أن هذا الكتاب صنفه هذا الإمام وتكلم فيه في مسائل توحيد الربوبية والإلوهية والأسماء والصفات على طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين , وعندما نذكر السلف الصالح فإننا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان وتابع التابعين ومن سار على دربهم إلى يوم الدين .. هؤلاء لهم درب ولهم طريقة , ولهم منهج ولهم عقيدة فيما يتعلق بالتوحيد من أوله إلى آخره بأنواعه الثلاث , فهذا الكتاب سار على طريقة أولئك الركب رحمهم الله رحمه واسعة , فتكلم عن مسائل التوحيد بكلام بين سهل يسير تقبله فطرة كل مسلم من دون استثناء , كل مسلم لم تخالطه شيء من البدعة , ولم يخالطه شيء من الشبهات التي تبعده عن نور هذا الكتاب العظيم وعن هذه الآيات بسهولها ويسرها ووضوحها وبيانها في الكلام عن الله عز وجل وعن ربوبيته سبحانه وتعالى , وعن ملكه لهذا الكون العظيم , وعن أنه لا بأمره جل في علاه , وعن توحيده بمعنى أنه هو المقصود بالعبادة , وأنه لا يتوجه أحد مخلوق من المخلوقات كائنا من كان في عبادة من العبادات , بل إنما يصرف الخوف له سبحانه وتعالى , والرجاء إليه جل في علاه , وكذلك الرغبة والرهبة والتوكل , كل هذا وغيرها من عبادات القلوب إنما تتوجه إليه سبحانه وتعالى كما قال جل في علاه في أعظم سورة في كتابه { إياك نعبد وإياك نستعين } فكل عبادة له سبحانه وتعالى , وكل استعانة إنما به وعليه جل في علاه , فهذا الكتاب تميز بهذا الميزة وهي ميزة عظيمة , انه سار في هذا الشأن العظيم على طريقة أولئك الركب رحمهم الله , فهو لم يسلك درب التأويل , ونريد بالتأويل هنا : التحريف , تحريف آيات الأسماء والصفات عن ظاهرها , فيؤول صفة الرحمة إلى الإرادة , وصفة الإنعام إلى إرادة الخير وغير ذلك من أنواع التأويل , فإن هذا المنهج الذي اختاره جماعة ممن تكلموا في الأسماء والصفات منهج غير مرتضى أبدا , فإن المنهج المرتضى هو ما سار عليه أولئك الركب رحمهم الله رحمة واسعة , وهو مع انه ظاهر في حجبته بين في أدلته إلا أنه أيضا موافق لفطرة عموم المسلمين , تجد أن فطرة المسلم بسهولتها وظهورها ووضوحها وبياضها التي لم تشبها شائبة تجد انه يقبل هذا الأمر من دون عناء ومن دون مشقة , وإنما يتكدر معها من شابه شيء من البدعة , يتكدر معها من شابه شيء من الشبه الذي دخلت عليه في هذا الباب العظيم .. هذه هي الميزة الأولى ..
الميزة الثانية : وقد سبق الإشارة عليها وهو ان هذا الغمام جعل من تفسيره تربية وجعل منه منهجا في تأديب الناس بكتاب الله سبحانه وتعالى ..
لما تقرأ في هذا التفسير تجد عجبا , تجد أنه يريد من الناس أن يزكيهم .. أن يربيهم .. أن يهذبهم .. أن يؤدبهم .. أن يأخذ بأيديهم إلى أخلاق أهل الإسلام .. أن يأخذ بأيديهم إلى هدي أهل الإسلام .. أن يأخذ بأيديهم إلى خلق القرآن , ولذا تجد انه اعتنى عناية فائقة في هذا الباب , فمن أراد أن يتربى بالقرآن فإن هذا الكتاب من أفضل الوسائل الناجعة والناجحة والنافعة في تربيته أي تربية نفسه , وتربية من حلوه بهذا القرآن العظيم ..
سنأخذ نماذج على ذلك , ولكني قبل أن آخذ نموذجا واحدا من سورة واحدة من تفسير هذا الإمام رحمه الله أريد أن أبين لك أمر وهو فيما يتعلق : لما الحاجة إلى الاستعانة بكتاب من كتب التفسير ؟؟
سبب هذه الحاجة >> أنك عندما تقرا في كتاب الله عز وجل ستلحظ أن الكلمات الواردة في هذا الكتاب العظيم على نوعين :
الأول : هو عبارة عن كلمات واضحة ظاهرة جلية لا إشكال فيها يفهمها كل قارئ لكتاب الله عز وجل إذا كان يتكلم بلسان عربي مثل كلمة : الشجر – الشمس – القمر – الليل – النهار ... ونحو ذلك من الكلمات , هذه الكلمات لا تحتاج إلى بيان ولا إلى تفسير , ظاهرة واضحة ..
الثاني : ولكن هناك كلمات تحتاج إلى شيء من البيان والتوضيح , لأن ألسنة الناس في هذا الزمان قد تغيرت عن اللسان العربي الفصيح , عن اللسان العربي المبين , قد نقصت عربية الناس في كلامهم ودخلت عليهم العجمة , فحينا تمر الكلمة ولا يفهمون معناها وهذا كثير في كتاب الله عز وجل , لأن الناس ابتعدوا عن لغتهم كثيرا مثل : ( غسلين ) – ( الصمد ) – ( الفلق ) – ( من شر الوسواس الخناس ) ما الفرق بين الوسواس والخناس في لغة العرب , وهكذا تمر عليك عبارات تحتاج إليها أن ترجع إلى كتاب من كتب التفسير يبين لك ما معناها ..
مثلا : تقرأ في أوائل سورة النازعات ( والنازعات غرقا * والناشطات نشطا *و السابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا ) ماذا تعني هذه الآيات ؟؟؟ ماذا يراد منها ؟ ماذا يقصد بها ؟ تحتاج إلى أحد يعينك من أهل العلم على فهم هذا الكلمات وهذه الجمل وهذا الآيات بعد إن أتصل بعضها إلى بعض , فعندئذ إذا مر بك شيء من هذا في كتاب الله عز وجل لا بد بأن تستعين بكتاب من كتب التفسير الميسرة المسهلة التي صنفت من أجلك ومن أجل عامة المسلمين .
نأخذ بعد ذلك مثالا من تفسير هذا الإمام العظيم , من هذا الكتاب العظيم , ونقرا من كلامه وأريد أن أبين لك بعض ما ذكره هو في هذا الكتاب , وأنا أقول لك هذا من أجل أن عندما تقرأ في هذا التفسير أيضا يا أخي المؤمن يا أخي المبارك لا تقرأ قراءة عجلة , هذه القراءة المستعجلة , القراءة السريعة الهذرمة حتى لكلام أهل العلم لا تنفعك شيئا ولا تفيدك شيئا .. قراءة الجرائد قراءة المجلات قراءة القصص ونحو هذه من القراءات هذه لا تصلح مع كتب أهل العلم أيا كانت , ففرق بين كتاب تقراه تبحث فيه عن خبر , أو صحيفة تقرأها تنظر فيها عن موضوع عامي دارج , وبين أن تقرأ كتب أهل العلم .. على رسلك , في كتب أهل العلم لابد أن تكون القراءة نوعا ما فيها شيء من الاهتمام بهذا الكتاب .. فيها شيء من التركيز .. فيها شيء من التأني .. فيها شيء من النظر .. فيها شيء من الانتباه لما تقرأ فنريد أن نقرا كلام هذا الإمام في تفسير سورة من السور , ثم نقف عند كلامه رحمه الله , ومن أين له هذا الكلام في تفسيره لكلام المنان , فنختار سورة من السور , ولعلها أن تكون سورة المطففين بناءا على طلب إحدى الأخوات , وأن نقرا كلام هذا الإمام فيما يتعلق بهذه السورة , ثم نعلق ثم نعلق تعليقا يسيرا أرجوا أن يكون نافعا ...
قال تعالى { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }
قال الشيخ رحمه الله في تفسيره : [ويل" كلمة عذاب و عقاب للمطففين و فسر الله المطففين بأنهم (( الذين إذا اكتالوا على الناس)) أي أخذوا منهم وفاء لهم ((يستوفون)) ذلك كاملا من غير نقص ((و إذا كالوهم أو وزنوهم)) أي إذا أعطوا الناس حقهم الذي لهم عليهم بكيل أو وزن ((يخسرون)) أي ينقصوهم ذلك إما بمكيال أو ميزان ناقصين أو بعدم ملء المكيال و الميزان أو بغير ذلك، فهذا سرقة لأموال الناس و عدم إنصاف لهم منهم ]انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
الآن الإمام رحمه الله يتكلم عن قول الله عز وجل(( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ))، فالله سبحانه و تعالى يتوعد نوعا من الناس، هؤلاء الناس أسماهم الله عز وجل بالمطففين .
كلمة المطففين هنا تدل على مجمل التطفيف، فكل من كان مطففا فإنه داخل في هذا الوعيد ، ثم بين الله عز و جل صفة واحدة من صفات الذين يطففون في الموازين و يبخسون الناس حقوقهم ، و أريدك أن تتأمل أن هذه المسألة ليست راجعة إلى مسائل الاعتقاد بل إلى معاملة الناس بعضهم مع بعض ، و مع ذلك جاء الكلام عنها في سورة قصيرة من كتاب الله عز و جل ؛ ليبين لك أن هذا الأمر الذي يتعلق بالعدل بينك و بين الناس و بإيفاء الناس حقوقهم من المسائل المهمة في دين الله عز وجل، فإن مما يجب على المسلم الذي اعتقد دينا أن الله ربه و أن محمدا صلى الله عليه و سلم رسوله و أن هذا القرآن من عند الله عز و جل، أن يعتني عناية كاملة تامة بأن يعدل في تعامله مع الناس، فإذا أخذ حقه من الناس وافيا فكذلك يعطي الناس حقهم وافيا و لا يبخسهم شيئا من حقوقهم.
و أريدك و أنت تقرأ كلام الشيخ أن تلاحظ أن الشيخ يعمم في الكلام و قصده من هذا التعميم أن يبين لك أن أي تطفيف فهو داخل في الوعيد الذي جاء في الآيات، و أضرب لك مثلا معاصرا حتى تفقه كلام الشيخ، و سيأتي من كلامه ما يؤكد هذا ، و لكني سأذكر لك ما يفتح ذهنك إلى قصده رحمه الله: انظر مثلا إلى حال الناس الذين يبيعون بعض المعلبات أو بعض الأشياء التي تغلف بأنواع من البلاستيك أو الكرتون و نحو ذلك، هذه الأشياء يوضع عليها وزن من الأوزان، فعندما يقال هذه العلبة فيها مائتين و خمسين جراما أو لتر أو نصف لتر و نحو ذلك ، تصور أيها المبارك لو أن واحدا من هؤلاء و هو ينتج واحدا من هذه المنتجات التي تباع في الأسواق بالآلاف ؛ بل عشرات الآلاف و مئات الآلاف ، لو أنه بخس الناس في هذا الأمر في شيء يسير من حقوقهم، كأن يكتب على العلبة مائتين و خمسين جراما، ووزنها الحقيقي مثلا مائتين و خمسة و أربعين جراما، هي نسبة قليلة، و لكن عندما تنظر في أن هذا الوزن القليل قد عم الناس من أولهم لآخرهم ممن تعامل مع هذه المادة و ممن اشتراها و أعاد بيعها، من تأمل هذا و أن هذا المنتِج قد أصبح من المطففين و أن الوعيد عليه هنا جاء بقول الله عز و جل ((ويل للمطففين)). إذا استوعبت هذا المعنى بشكل كامل، عندئذ أيها المؤمن ستدرك أنك إن قرأت هذه السورة قراءة كاملة تامة ، قراءة فيها فهم و تدبر لن تفعل هذا الفعل و لو مرة واحدة في حياتك، و لن تظلم مسلما و لو أنك بعت له شيئا يسيرا ، فإن استطعت أن تبخسه من حقه لن تفعل لأن الأمر عظيم ، و لذا استمع لكلام هذا الإمام و هو يتكلم عن قول الله عز و جل ((ويل للمطففين )) و يبين لك عموم التطفيف في حال كثير من الناس في البيع و الشراء و في الأقوال و الأفعال و في غير ذلك .
قال: [و إذا كان هذا وعيدا على الذين يبخسون الناس بالمكيال و الميزان ، فالذي يأخذ أموالهم قهرا و سرقة أولى بهذا الوعيد من المطففين، و دلت الآية الكريمة على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له يجب أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال و المعاملات؛ بل يدخل في عموم هذا الحجج و المقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج فيجب عليه أيضا أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها و أن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، و في هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه و اعتسافه، و تواضعه من كبره و عقله من سفهه]
انظر إلى كلامه رحمه الله، هذا الإمام ذهب مذهبا بعيدا في تفسيره لكلمة المطففين، فيقول لك إن صفة التطفيف هنا و إن كانت جاءت بدءا فيما يتعلق بالمكاييل و الموازين و نحو ذلك مما يشتري به الناس و يتبايعون، الأمر أعظم من هذا بكثير ، بل إنه يقول لك و هو يبين بعد نظره رحمه الله : بل إن التطفيف قد يكون بالحجج و المناظرات ، فأنت تحاج آخر قد يكون مسلما و قد يكون كافرا ، تناظره في مسألة من المسائل، فيقول إن كنت تعلم حجة لا يعلمها صاحبك و هي تنفع له فأخفيتها عنه و أنت تريد أن تبين له الحق الذي عندك تكون في هذه الحال من المطففين، و تكون متوعدا ب "ويل" التي جاءت في أول هذه السورة حتى في مسألة المناظرة و المجادلة، فما بالك بأشياء كثيرة ؟ فالتطفيف واسع جدا ، و الإمام أراد أن يضرب لك مثلا في هذا الباب، فالتطفيف حينا يكون بينك و بين زوجتك فأنت رجل البيت الآمر الناهي الذي له القوامة و هي ضعيفة مسكينة في البيت، فقد تخطئ أنت خطأ فتحمّلها إياه، و قد تخطئ هي خطأ كخطئك أنت قبل ذلك فخطؤك مغفور أما خطؤها هي فغير مغفور ؛ بل هو محفوظ عليها تعاتبها عليه ليلا و نهارا ، و قد تحاسبها و تشتمها و تتكلم في هذا الأمر كثيرا و تأخذ و تعطي، فهل هذا من العدل أم من التطفيف؟ و حتى مع أولادك و جيرانك و أصحابك و أحبابك، عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به و إلا كنت من أهل التطفيف الذين قال الله عز و جل فيهم ((ويل للمطففين)).
أسأل الله عز و جل بأسمائه الحسنى و صفاته العلى أن يجعلنا و إياكم من أهل القرآن ،
و أن ينير قلوبنا بكتابه، و أن ينير أبصارنا بكتابه، و أن ينير أسماعنا بكتابه،
اللهم اجعل لنا من كتابك حظا يا ذا الجلال و الإكرام،
و صلى الله و سلم على نبينا محمد
أم أسماء
27-11-08, 01:18 AM
تفريغ الدرس الحادي عشر: تابع الحديث عن تفسير السعدي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه وأنَّا معهم برحمتك يا رب العالمين.
كنا تكلمنا سابقاً عن تفسير الإمام السعدي رحمه الله رحمة واسعة تفسير الكريم المنان، وهذا التفسير ذكرنا لكم شيئاً من مميزاته وستدركون كثيراً من هذه المميزات وهذه الميزات إذا كنتم معنا في كلامه رحمه الله في تفسيره هذه السورة قد أخذنا المقطع الأول من كلامه على تفسير أوائل سورة المطففين، والآن نواصل بإذن الله جلا وعلا قراءة كلامه في تفسير أواسط هذه السورة، ثم بعد ذلك في تفسير أواخرها بإذن الله جلّ وعلا.
قرأ أحد الطلبة :
( قال نسأل الله التوفيق لكل خير، ثم توعد تعالى المطففين وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه فقال ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[المطففين:4-6].
فالذين جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به وعرفوا أنهم سيقومون بين يدي الله سيحاسبهم على القليل والكثير لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه).
أكمل الشيخ :
انظر إلى لطيف كلامه رحمه الله، لما الناس تطفف في المكاييل، لما تظلم؟ لما تبخس الناس حقوقها؟ لما يكون من الإنسان أنواع من الظلم؟ بل قد يوقع الظلم على أقرب الناس له يوقع الظلم على أناس لم يؤذوه يوماً من الدهر أبداً يوقع الظلم على أناس هم قد أحسنوا إليه دهراً طويلاً من عمره، ثم بعد ذلك يظلم ويطفف سواء كان هذا التطفيف في المكاييل في الموازين في الكلام في الظلم في غير ذلك من أموره مع الناس بل في أموره مع نفسه؟ بل أيضا كذلك في أموره مع خاصته وأهله وأحبابه وأصحابه لما يقع هذا من كثير من الناس؟ ما السبب ؟ ما السر ؟ لما لا يعدل في معاملاته مع نفسه، في معاملاته مع من حوله، في معاملاته مع ربه جلّ جل في علاه لما لا يعدل؟ هو سبب واحد، هو سر واحد هى علة واحدة بينها الله سبحانه وتعالى وأشار إليها هذا الإمام في هذا التفسير ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ﴾ هذا هو السبب، من ظن أي من اعتقد اعتقاداً جازماً والظن في القرآن كما تعلمون على نوعين: الظن يأتي بمعنى اليقين وهذا ورد كثيرٌ في كتاب الله عزّ وجلّ بل أكثر كلمات الظن في كتاب الله سبحانه وتعالى جاءت في هذا المعني، ويأتي بمعني غلبة الظن أو الوهم ونحو ذلك، فالظن يأتي على هذين النوعين في كتاب الله سبحانه وتعالى، فالآن هنا يقول الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾ أي ألا يعتقد اعتقاداً جازماً أو ألا يعتقد اعتقاداً غالباًَ أنهم سيبعثون؟! الإنسان الذي يعتقد اعتقاداً جازماً أنه سيبعث أو أيضاً يغلب على ظنه أنه سيبعث هل سيفعل هذا الفعل القبيح هذا الفعل السيئ سيطفف في المكاييل والموازين سيظلم الناس سيبخس الناس حقوقهم؟ لا. لن يفعل ذلك أبداً؛ لأنه إن فعله سينظر ما ينتظره عند الله عزّ وجلّ من الحساب والعذاب.
ولذا إن فعله فإنه يعود مباشرة إلى الله عزّ وجلّ يعود تائبا آيبا خائفا راجياً ويستغفر ربه سبحانه وتعالى ويتوب إليه، أما إذا لم يعتقد بوجود اليوم الأخر أو لم يغلب على ظنه غلبة سيطرت على هذا القلب بمعني أنها حركته إلى الخوف مما ينتظر في ذلك الموقف العظيم؛ عندئذ سيبخس الناس في حقوقهم، وأنت ترى في حال الناس كثيراًَ من يبخس كثيراً من يظلم كثيراً من يطفف، ما سر ذلك، ما سببه؟ سببه شيء واحد هو أنه لم يعتقد اعتقاداً جازماً يقينا كاملاً تاماًَ بأنه سيبعث في اليوم الأخر، إذ لو استقر هذا الاعتقاد في القلب واستقرهذا الإيمان في الفؤاد سيطر على جوارحه جميعاً فما تجد جارحة من جوارحه تظلم ولا تبخس ولا تطفف ولا غير ذلك، وإن وقع منه تاب وعاد وأناب وأعاد إلى الناس حقوقهم، هذا شيء من إشارة هذا الإمام في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾ فمن وقع في شيء من التطفيف فليعلم أن في إيمانه بالله عزّ وجلّ وفى إيمانه بالبعث والنشور وفى إيمانه بالحشر بعد الموت في إيمانه خلل وفى إيمانه نقص وفى إيمانه ضعف، إذ لو كان الإيمان صحيحاً ولو كان الإيمان قوياً ولو كان اليقين تاماً كاملاً لما وقع في هذا الفعل وإن وقع عاد سريعاً، نكمل بقية الآيات.
قرأ أحد الطلبة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾[المطففين:13-17].
أكمل الشيخ :
أحسنت يا بارك الله فيك، إذا استمع المؤمن هذه الآيات سيأتي إلى خاطره معاني عدة لأن الآيات تنزلت بلسان عربي ظاهر، بلسان عربي مبين فعندما يستمع إلى قول الله عزّ وجلّ: ﴿ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ سيفهم، يعني سيفهم فهماً عاماً معني هذه الآية، ثم يستمع إلى قول الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ سيفهم فهماً عاماً أيضاً، ولكن هذا الفهم العام انظر كيف سيكون؟ وكيف سيتسع؟ وكيف سينجلي بدون حجب؟ إذا استمعت إلى كلام هذا الإمام في تفسيره لهذه الآية .
قرأ أحد الطلبة :
قال الإمام رحمه الله في تفسيره ( لأن الله تعالى قد أقام عليه من الأدلة القاطعة والبراهين ما يجعله حق اليقين وصار ببصائره بمنزلة الشمس للأبصار بخلاف من ران على قلبه كسبه وغطته معاصيه فإنه محجوب عن الحق ولهذا جُزي على ذلك بأن حُجب عن الله كما حجب قبله عن آيات الله ثم إنهم مع هذه العقوبة البليغة لصالوا الجحيم ثم يقال لهم توبيخاً وتقريعاً هذا الذي كنتم به تكذبون فذكر لهم ثلاث أنواع من العذاب عذاب الجحيم، وعذاب التوبيخ واللوم وعذاب الحجاب عن رب العالمين ).
أكمل الشيخ :
أحسنت يا بارك الله فيك، انظر إلى كلام هذا الإمام وهو يفسر هذه الآيات يقول لك في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ يقول لك إن الله أقام من الأدلة القاطعة والبراهين ما يجعله حق اليقين وصار لبصائرهم بمنزلة الشمس للأبصار، صار لبصائرهم أي لنور قلوبهم مثل الشمس للأبصار، الشمس الآن إذا غابت ولم يكن هناك نور هل ممكن أن يرى هذا البصر؟ هل ممكن أن يرى هذا البصر؟ لا يمكن كذلك بالنسبة لنور البصيرة لا يمكن أن يرى القلب ببصيرته حتى يكون القرآن دليله وهو هاديه النور الذي يكشف الظلمات من أمامه، ثم قال رحمه الله: بخلاف من ران على قلبه كسبه وغطته معاصيه فإنه محجوب عن الحق. الآن الإنسان إذا أكثر من المعاصي يعني أضرب لك أمثلة إنسان يخرج في صباحه في أول النهار فيمشي في الشارع فيرى امرأة متبرجة سافرة فينظر إليها ويتأمل فيها هذه معصية أليس كذلك؟ وهو يمشي رأى رجلاً كسيراً كسيحاً فقيراً قد تكون ملابسه متسخة قد تكون هيئته ليست بذاك قد تكون حالته حال البائس الفقير الضعيف الذي اعترضته الدنيا من كل جهة وأثرت فيه وجعلته لينظر إليه يشعر بالشفقة عليه فيرمي كلمة من الاستهزاء وشيئاً من السخرية يسمعها ذاك أو لا يسمعها فتأتي أيضاً معصية أخرى، يمشي فيتكلم مع صديق له مع زميل فيذكرون زميل لهم آخر أو يذكرون رجلاً آخر غريباً عنهم أو يذكرون كذا وكذا من الناس فيتكلمون عن فلان فجاءت معصية ثالثة، يركب مع إنسان فيتعرض لشيء من المضايقة في الطريق سيارة تعرضت له ضايقته في شيء فيأخذ يسب يشتم يلعن بلسانه وهكذا، يرجع إلى بيته وهو متعب من عمله من دراسته فإذا دخل البيت ووجد أخيه الصغير وجد أخته الصغيرة وجد كذا وكذا فعندئذ يأخذ يتعامل معهم بشيء من العنت شيء من الظلم فيضرب يتكلم في هذا يأخذ حق هذا، يقابله والده يريد منه خدمة وكذا فيرفض يأبى يتعنت يخرج كلمات أف وغير ذلك من الكلمات التي هي أعظم من أف، والدته تطلب منه أمراً فتقول والله يا فلان نقص علينا في الغداء كذا نقص علينا في العشاء كذا أتمنى أنك تذهب وتحضرها حتى لا يأتي والدك ويكون الغداء غير جاهز فيرمي كلمة على أمه يرفض أن يذهب أنا متعب يخلد إلى الراحة وغير ذلك من الأمور فما ينتهي اليوم إلا وقد جمع أنواعاً من المعاصي، وأعظم من ذلك كله أن يقع في قلبه شيء من محبة لا تليق إلا بالله عزّ وجلّ فيحب مثلاً فناناً من الفنانين أو يحب مغنية من المغنيات أو فاسقا من الفساق أو فاجرة من هؤلاء الفاجرات أو كافراًَ من الكفار فيقع في قلبه محبة عظيمة لهذا، أو كذلك يقع في قلبه توكل على غير الله عزّ وجلّ، خوف لا يليق إلا بالله سبحانه، رغبة لا تنبغي إلا إليه جلّ في علاه، أو يقع في لفظة محرمة شرك يحلف بغير الله عزّ وجلّ، أو يدعو غير الله سبحانه وتعالى، أو يتقرب إلى جن أو ساحر أو شيطان ومن هذا القبيل يريد يحصل على فلانة من الناس تقبل به زوجاً أو أن ترغبه ويكون بينه وبينها محبة، فيذهب إلى ساحر إلى مشعوذ وغير ذلك من الأمور، تتم هذه الأمور على قلب هذا الإنسان فتكون عليه طبقات من الظلمات يكون في حصن حصين لكن ليس حصناً من الله وإنما حصناً بناه الشيطان ورده عن نور هذا القرآن فعندئذ هذا الوضع هو الذي يجعل الإنسان ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ فجاء العقاب من الله عزّ وجلّ الآن هذه الحجب وهذه الحصون المظلمة وهذه الأغطية على القلب من الذي جعلها على قلبه؟ هو الإنسان بفعله بظلمه لنفسه فكان الجزاء من جنس العمل فقال الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ فلما حجبوا هم قلوبهم عن نور الله عزّ وجلّ بمعاصيهم وما اقترفوه من الكبائر والذنوب حجب الله عزّ وجلّ وجهه الجليل عنهم يوم القيامة فلا يرونه فكان الجزاء من جنس العمل.
هذا ذكره هذا الإمام في أوجز عبارة وأوقف إشارة رحمه الله رحمة واسعة فقال هنا: ولهذا جُزي على ذلك بأن حجب عن الله كما حجب قلبه عن آيات الله لما حجب قلبه بهذه الذنوب بهذا الران حَجَبَه الله عزّ وجلّ عنه سبحانه وتعالى من أن يراه، فانظر إلى لطيف عبارته رحمه الله ولكنها تحتاج أن تقرأها وأن تتأمل في كلامه البديع في كلامه الجميل في كلامه الرائع الذي يحي الله عزّ وجلّ به القلوب، ثم بيّن لك أمراً آخر لطيف أيضاًَ: فالله عزّ وجلّ لما ذكر حال هؤلاء المكذبين ذكر أنواعاً من العذاب وهذه الأنواع هي ثلاثة بينها الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات:
الأول من أنواع العذاب لهؤلاء المكذبين هو عذاب الجحيم فالله سبحانه وتعالى بعذاب الجحيم فقال سبحانه وتعالى ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ﴾ فذكر أنهم سيجزون بسبب هذه الأعمال الفاسدة سيجزون الجحيم وسيصلون بها هذا هو الجزاء الأول.
الجزاء الثاني هو أنهم سيوبخون وسيأتيهم التقريع واللوم من الله عزّ وجلّ وهذا يزيدهم عذابا فوق العذاب، فقال الله عزّ وجلّ هنا: ﴿ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ ثم يقال أي يقال لهؤلاء المكذبين ﴿ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ كنتم تكذبون بالبعث، تكذبون بالحشر، تكذبون بيوم القيامة، تكذبون بالجنة، تكذبون بالنار، سواء كان هذا التكذيب باللسان بأن يقول أنا أكذب، أو كان هذا التكذيب تكذيب بالفعل أن يقول الإنسان أنا أصدق وأنا أؤمن بها جميعاً، ولكنه في حقيقة الأمر من يتأمل فعله ويتأمل حاله ويتأمل واقعه ويتأمل أفعاله مع ربه وأفعاله مع نفسه وأفعاله مع الناس فإنه عندئذ يعلم أنه من المكذبين بيوم الدين وإن زعم ما زعم فيكون حاله كحال المنافقين، فالله عزّ وجلّ هنا يقول وهو يبين النوع الثاني من أنواع العذاب لهؤلاء ﴿ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ هذا هو العذاب الثاني التوبيخ واللوم وما أشده في ذلك الموقف العظيم وما أشد وقعه على الإنسان في ذلك الموقف الكبير الجليل.
ثم ذكر النوع الثالث من أنواع العذاب فقال: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ وهو أن يحجبوا عن رؤية وجه الله سبحانه وتعالى الذي رؤيته هي أعظم ما ينعم الله به سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين، وأعظم ما يعاقب به الكافر أنه يحجب عن النظر إلى وجه ربه الجميل، الله عزّ وجلّ هو خالق الجمال، وهو سبحانه وتعالى الذي أودع كل جمال في هذا الكون هو الذي خلقه، فكل جمال فإنما هو أثر من صفة الجميل له سبحانه وتعالى كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله رحمة واسعة، كل جمال في الكون إنما هو أثر من آثار صفة الجمال له سبحانه وتعالى، وقد صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أن الله متصف بهذه الصفة فقال ( إن الله جميل يجب الجمال ) والله له الجمال المطلق، وافهم معي الجمال المطلق أنت ترى الآن في هذه الحياة مناظر جميلة تبهر ناظريك لا تستطيع أن تبعد عينيك عنها من شدة جمال المنظر ترى مخلوقًا جميل جداً، ترى منظراً بهياً لطيفاً، ترى شيئاً يسرك عند النظر إليه، هذا المنظر أيها المؤمن أيها المبارك إنما هو أثر يسيرٌ جدا من أثر صفة الله الجميل سبحانه وتعالى، فعندما تنظر إلى ذي الجمال المطلق جلَ في علاه يوم القيامة كيف سيكون حالك ؟! وكيف ستسر بهذا النظر العظيم وجه الجميل الجليل سبحانه وتعالى؟! أولئك يعلمون أن أهل الإيمان نظروا إلى وجهه فتأكلهم الحسرات وتفعل بهم الزفرات وأنواع الندم ما يفعل أشد ما يكون نوع من العذاب أشد ما يفعل العذاب يفعل بهم هذا النوع من العذاب يفعل بهم أشد النكال؛ لأنهم حجبوا عن ربهم سبحانه وتعالى ولذا ذكر هذا النوع هنا فقال ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ ﴾ متي ؟ ﴿ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ .
أيها الأخوة فاصل قصير ثم نواصل مع تفسير هذا الإمام العظيم.
- فاصل تلفزيوني -
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياكم الله مرة أخرى، ونعود أيضاً مع تفسير هذا الإمام في سورة المطففين، ونقرأ المقطع الأخير من هذه السورة العظيمة الجليلة الكبيرة فيما ذكرته من المعاني والعظات والعبر، ثم نقرأ بعد ذلك تفسير الإمام السعدي في بيانه لهذه الآيات .
قرأ أحد الطلبة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾[المطففين:22-28].
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، أقرأ يا أخى.
قرأ أحد الطلبة :
قال الإمام رحمه الله في تفسيره: ( عيناً ﴿ يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ صرفاً وهي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق فلذلك كانت خالصة للمقربين الذين هم أعلى الخلق منزلة وممزوجة لأصحاب اليمين أي مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة )
أكمل الشيخ :
نعم، هذه كلامه رحمه الله في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ الله عزّ وجلّ تكلم في أوائل الآيات عن جزاء الأبرار ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ إن الأبرار لفي نعيم فتكلم عن جزاء الأبرار، وذكر ما للأبرار من النعيم وهذا النعيم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى للأبرار قد بينه في آيات كثيرة وذكر منه شيئاً ليس باليسير سواء في سورة الرحمن أو في سورة الواقعة أو في غير ذلك من السور الكثيرة، ولكن هنا نبه على نوع خاص من النعيم لأناس موصوفين بصفة خاصة، هؤلاء الناس لهم وصف ولهم أيضا نعيم مقابل لهذا الوصف وفائدة معرفة هذا الوصف ومعرفة المتصفين به أن تعلو همة الإنسان وأن ترقى به إلى أن يكون من أهل هذا النعيم فإن الأمر ليس بالعسير أبداً إنما هي يا أخي المبارك إنما هي أيام خوالي تبذل فيها ما تستطيع من عبادة ربك ومن التقرب إليه سبحانه وتعالى من أنواع من العبادات سواء كانت هذه العبادة بالعلم سواء كانت بالدعوة سواء كانت بالعبادة سواء كانت بأي أمر من الأمور ببرك لوالديك بصلتك لأرحامك بعطفك على المسكين والفقير واليتيم والمحتاج ونحو ذلك أنواع من العبادات كثيرة ترقى بها إلى هذه الدرجة. فيقول الله عزّ وجلّ بعد أن ذكر جزاء الأبرار أشار إلى جزاء المقربين أهل الدرجات العالية في الجنات فقال هنا ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ مزاج ماذا؟ مزاج شراب أهل جنة الأبرار ليس المقربين، الأبرار يسقون من رحيق مختوم أليس كذلك ؟ ختامه مسك ﴿ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴾ فشرابهم من رحيق .
والرحيق هو ماذا ؟ هو أي شراب له رائحة طيبة، كل ما كان له رائحة طيبة زكية جميلة فإنه يطلق عليه في لغة العرب رحيق، له رائحة جميلة طيبة فيشربون من هذا الرحيق .
وهذا الرحيق مختوم: مختوم بماذا ؟ قال ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾ أي أنه في آخره من عادة الأشربة التي يشربها الناس في هذه الحياة الدنيا خصوصاً إذا كان هذا الشراب مسكر وهو ما يسمى بالخمر في هذه الحياة الدنيا، هذا الخمر في غالبه أن آخره يكون قذراً ولذلك تجد في الآنية التي تنبذ فيها هذه الخمور تجد أن في خلاصتها تكون رائحتها منتنة عفنة لا تكاد الناس تقبلها مطلقاً بل لا يكاد الإنسان أن يأخذ منها ولو شمة واحدة من سوئها ونتن رائحتها؛ فبالنسبة لخمر الجنة وشراب أهل الجنة الأمر يختلف معكوس تماماً فإنه يشرب من رحيق مختوم: يشرب شراباً رائحته طيبة جميلة زكية جداً وهو عندما يشرب في نهاية هذا الأمر يكون ختام هذا الشراب مسك في آخره يعني تزداد رائحته جمالاً وحسناً وطيباًَ عندما يكون في آخره.
﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ يتسابق المتسابقون هؤلاء الذين يريدون الجنان ليهرعوا ليتسابقوا ليجروا في ذهابهم وتسارعهم إلى جنات الله عزّ وجلّ فلما حصلت المنافسة ذكر الله عزّ وجلّ بعد ذلك حال المقربين لعله أن يكون من يستمع إلى هذه الآيات في قلبه همة فيرقى سريعاً ويجري إلى الله عزّ وجلّ ويحاول أن يكون من هؤلاء المقربين فيسبق الأبرار في سيره إلى الله عزّ وجلّ: ما جزاؤهم يا رب؟ سأبذل زيادة من العبادة فأكون باذلاً لوقتي، لمهجتي ،لأموالي، بل لأولادي في سبيلك ، يا ربنا ما جزائي؟ ما الذي لي ؟ فوق كل ما لأولئك أخبرك هنا سبحانه وتعالى فقال: ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ أي أن شراب الأبرار يمزج بتسنيم.
تسنيم هذه عين منبعها من أعلى الجنان من الفردوس الأعلى في الجنة فهي عين من أزكى عيون جنات الله سبحانه وتعالى فهي عين عظيمة جليلة ليست من حظ الأبرار أبدا وإنما من حظ الأبرار فقط أنه يمزج لهم من شدة علو درجة هذه العين التي في أعلى جنان الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة من شدة عظمتها ورفعة قدرها عند الله سبحانه وتعالى أنه لم يعطها حتى للأبرار حتى الأبرار ما يشربون منها صرفاً أبداً وإنما يمزج لهم مزجاً من هذه العين العظيمة، إذاً يا رب من الذي يشربها؟ صرفاً هكذا من دون مزج؟
أولئك يشربون من شراب طيب له رائحة زكية وطيبة ومختومة بالمسك، والختم أيضاً يكون في الأعلى كما يكون في الأسفل فآنيتهم تأتيهم مختومة من الأعلى فمختومة ومغطى من الأعلى كما تأتيك الأشربة في هذه الدنيا إذا كانت خاصة بك، لك أنت ليست لأحد من الناس ونحو ذلك تأتيك مغلفة لكنها تغلفتها أيضاً من المسك ما تغلفت ببلاستيك ولا بأنواع من الأغلفة الموجودة المعدن ونحو ذلك أو الأغلفة القديمة بالطين ونحو ذلك من الأغلفة والشمع وإنما تغلف من الأعلى بالمسك، فإذا فتحتها وكشفتها من الأعلى فإن هذا الغطاء من مسك من رائحة طيبة فتشرب من أعلاه فإذا هو طيب كرائحة المسك ثم إذا انتهيت فإذا هو أيضاً برائحة المسك فهو طيب من هنا وهناك، ولكن الأبرار ليسوا كالمقربين أبداً هؤلاء لهم جزاء وأولئك لهم جزاء ،فمِنَ الجزاء الذي فرق الله عزّ وجلّ بين الأبرار وبين المقربين :هذا الشراب الذي ذكره سبحانه وتعالى ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ يمزج للأبرار من هذه العين التي تسمى تسنيم ثم قال عينا أي تسنيم ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ أي يشربون منها شرباً صافياً صرفاً لا كدر معه ولا مزج فيه بل هم يشربون من هذه العين كما هي من دون أن يمزج لهم من غيرها شيء أبدا وهذا لأنهم ماذا؟ في الدنيا أخلصوا العمل لله تعالى فلم يخلطوا وانظر إلى هذا الميزان الدقيق من الله سبحانه وتعالى إنسان في هذه الحياة الدنيا يطيع الله سبحانه وتعالى ولكنه يمزج هذه الطاعة بأنواع من التقصير يمزج هذه الطاعة بأنواع من المعاصي اليسيرة حيناً يمزج هذه الطاعة بأنواع من الكسل قد تفوته الصلاة قد تفوته تكبيرة الإحرام مرات قد ينشغل في المباحات زمناً من عمره فيشغل نفسه بأنواع من المباحات ونحو ذلك، هذا عَمِل صالحاً ولكنه خلط هذا بذاك خلط هذا الصالح بشيء من المباح الكثير خلط هذا الصالح بشيء من أنواع المعاصي اليسيرة الصغيرة ونحو ذلك خلط بين هذا وذاك فكان جزاؤه في يوم القيامة وإن دخل الجنان إلا أنه يمزج له من تسنيم لأن الأعمال الخالصة لله عزّ وجلّ لم تكن كاملة تامة وإنما خلطها شيء آخر فمُزج له هذا بذاك أما بالنسبة للمقرب لما صفى في عمله وأقبل على الله عزّ وجلّ بكل حاله ولم يخلط سيره إلى الله سبحانه وتعالى وتقربه إليه بأنواع الطاعات لم يخلطها بأنواع من التقصير وإنما كان في أغلب حاله قوياً سائراً سيراً شديداً إلى ربه سبحانه وتعالى لا تجده تارة ينشغل بكثير من المباحات وإنما في أحيان يسيرة جداً بل مع نيته تكون من الأعمال الصالحة لا تجده يخلط هذه الطاعات بأنواع من المعاصي لا تجده يفوت الصلوات لا تجده لا يخشع حين يقبل على ربه في صلاته لا تجده يفرط في ما وجب عليه من الزكاة لا تجده يفرط فيما وجب عليه من الصيام لا تجده يفرط فيما وجب عليه من الحج ونحو ذلك من أركان هذا الإسلام هذا الدين العظيم ونحو ذلك إنما تجده مقبلاً على الله سبحانه وتعالى إذا أخذ أمراًَ من الله أخذه بقوة وإذا جاءه نهي من الله أيضاً اجتنبه بقوة ابتعد عنه وتركه لايخلط هذا بذاك فكان جزاؤه أن شرب صرفاً من تسنيم لأنه أيضاً كانت أعماله صرفه خالصة كلها طاعة لله سبحانه وتعالى فكان هذا وذاك عبارة عن جزاء من جنس العمل الجزاء من جنس العمل وقاعدة الجزاء من جنس العمل من القواعد الكبار التي دلَّ عليها كتاب الله عزّ وجلّ ودلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلَّ عليها الأئمة كثيراً في كتبهم تكلم الإمام السعدي رحمه الله كثيراً في كتبه في كلامه عن مسائل أصول الفقه وعن القواعد الفقهية وتكلم عنها قبله أيضاً كذلك شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله وابن القيم وتكلم عنها قبل هؤلاء أيضاً كذلك الإمام أحمد والإمام الشافعي والإمام مالك وغيرهم كثير تكلموا عن هذه القاعدة ودلُّوا عليها من كتاب الله سبحانه وتعالى وهذا كثير جدا.
فالجزاء من جنس العمل :لأن هذا هو العدل والفضل زيادة من الله سبحانه وتعالى وقد عبر عن ذلك ابن القيم رحمه الله في نونيته بعبارة جميلة رائقة عبر عن هذا المعني فقال رحمه الله :
وشرابهم من سلسبيل مزاجه ***الكافور ذاك شراب ذى الإحسان
شراب الأبرار يتكلم الآن عن شراب الأبرار فيقول :
وشرابهم من سلسبيل مزاجه*** الكافور ذاك شراب ذى الإحسان
صفاً مقرب سعيه فصفى له ***ذاك الشراب فتلك تصفيتان
لكن أصحاب اليمين فأهل مزج ***بالمباح وليس بالعصيان
مزج الشراب لهم كما مزجوا ***هم الأعمال ذاك المزج بالميزان
لما صفَّى المقرب شرب من تسنيم ومن سلسبيل شراباًَ صافيا ،
ولما خَلِط هذا المؤمن بعض أعماله بشيء من الكدر عندئذ تغير الأمر عليه قليلا وقل النعيم بقدر ما خلط على نفسه في هذه الحياة الدنيا .
---ولذا أريدك أن تنتبه إلى قضية في هذه الآيات العظيمة أريدك أن تنتبه إلى المسألة أن بمقدار خلطك الأعمال الصالحة بغيرها من الأعمال المباحة أو ما هو أسوأ من ذلك ما فيه معصية لله عزّ وجلّ بقدر ما سيخلط لك شراب تسنيم من الشراب الأخر، يعني بعض الناس قد يكون يعمل صالحاً كثيراً ولكنه يخلط بشيء يسير من المباحات أو بشيء يسير أيضاً من المعاصي من صغائر المعاصي التي تكفرها الصلوات والصيام ونحو ذلك هذا الخلط اليسير إذا كتب الله عزّ وجلّ أنه دخل الجنة وكان من الأبرار هل سيكون شراب هذا في مزجه بتسنيم كشراب إنسان من الأبرار ولكنه قلل قليلا في الطاعات وأكثر من المباحات وارتكب أيضا أكثر فيما يتعلق بالمعاصي والصغائر ونحو ذلك هل سيكون هذا كذاك؟ لا، المزج أيضا بالنسبة للأبرار كل بحسبه فبمقدار مزجك لأعمالك الصالحة بالمباحات ونحوه ذلك سيكون المزج لك في يوم القيامة :فأنت الذي تختار: ما الشراب الذي تشربه في الجنان ؟إن أردت الشراب العالي الذي في أحسن ما يكون وأجود ما يكون فلك ذلك فاختر الآن مادمتَ في دار الإمكان وإن أردت المزج فسيمزج لك بقدر أعمالك في هذه الحياة الدنيا.
هذا المعنى اللطيف عبر عنه هذا الإمام رحمه الله بهذه العبارة الجميلة حينما قال، وهى أعلى أشربة الجنة : أي تسنيم على الإطلاق فلذلك كانت خالصة للمقربين الذين هم أعلى الخلق منزلة وممزوجة لأصحاب اليمين أي مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة .
وهذا المعني أيها المؤمن أيها المبارك عندما تدركه يتغير حالك في نظرك لربك سبحانه وتعالى من جهة ما ينبغي لله عزّ وجلّ من أنواع العبادة أنت قد تصلي الفرائض وقد تؤدى شيئا من النوافل لكن ما الذي يمنعك من أن تسعى جاهداً لأن تكون من المقربين ما الذي يمنعك ؟ يمنعك حقيقة أن الفرق العظيم بين درجة الأبرار ودرجة المقربين لم تستقر في قلبك ولو استقرت استقراراً صحيحاً كاملاً في نفسك لسعيت جاهداً أن تكون من المقربين، نعم أن تكون من المقربين، يعني ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات كما يتراءى الإنسان في هذه الحياة الدنيا الكوكب الدري الغابر في الأفق ) هذه المنزلة بين من ومن ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم الآن يصف لك حال نوعين من الناس كما بين الله عزّ وجلّ هنا الفرق بين الأبرار والمقربين بين لك النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره هذه الآية بياناً أيضاً آخر يبين لك ما يوضح لك الفرق العظيم بين الطائفتين وبين الفئتين، إن أهل الجنة يعني الذين هم في ربض الجنة وفى أوساط الجنة ليسوا في الدرجات العالية من الجنة إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات من هم ؟ أهل الدرجات العالية أهل الغرفات هم أهل الدرجات العالية في الجنان فأهل الغرفة هم الذين يسكنهم الله سبحانه وتعالى في أعالي الجنان هؤلاء هم أهل الغرفات فالرسول صلى الله عليه وسلم يبين لك الفرق بين الطائفتين فيقول لك ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات – أي الذين في أعلى الجنة – كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق ) انظر ثلاثة أوصاف :
-كما تتراءون الكوكب الدري :كوكب معني أنه في أعلى السماء يكون بعيداً عن الأرض جداً فأنت ترى النجم بعيداً عنك جداً لكنه ليس كوكب فقط، لا.وإنما زيادة الوصف والبعد أنه كوكب دري وغابر: كوكب دري غابر في الأفق أي أنه بعيد جداً في الأفق يعني في أبعد الأفق فهو كوكب دري هذا وصفه الأول وهو غابر هذا وصفه الثاني
وهو أيضاً في الأفق ومعني في الأفق أي أنه في أطراف السماء ليس في وسط السماء تراه من فوق رأسك لا وإنما هو في أطراف السماء ومعني ذلك أنه بعيد وبعيد وبعيد جداً، هكذا يرى من كان في ربض الجنة وفي وسط الجنة يرون أهل الدرجات العالية في الجنات تصور الآن معي أنت إذا خرجت في الليل انظر إلى كوكب بعيد جداً إلى الغاية بعيد لا ترى منه إلا ضوء يسير في أعلى السماء واتصف بأنه كوكب دري له نور ثم بعد ذلك هذا الكوكب أيضاًَ كذلك ماذا ؟ غابر بعيد جداً ومع ذلك أيضاًَ ليس فوقك وإنما هو في أطراف السماء إما من جهة الشرق أو الغرب تراه في أطراف السماء.
هذا أيها المؤمن إذا كنت أنت من الأبرار في الجنان وزميلك وكان زميلك من المقربين سترى أنت صاحبك وزميلك ستراه هناك ألن تتحسر هذه الحسرة لن تأتيك لأن الله منعك منها ولكن هو سيفرح فرحاً عظيماً أن أنزله الله عزّ وجلّ تلك المنازل العالية الجملية الرفيعة التي هي أقرب ما يكون لله عزّ وجلّ والتي هي في جوار خليل الله سبحانه وتعالى إلى محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
أسأل الله لي ولكم ولعموم المسلمين ممن أقبلوا على كتاب الله عزّ وجلّ وتأملوه وتدبروه وتفكروا فيه أسأل الله لنا جميعاً أن نكون من أهل الدرجات العالية في الجنات، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى في الجنة اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى في الجنة اللهم ارفعنا بهذا القرآن العظيم اللهم انفعنا بهذا القرآن العظيم اللهم أحيى به قلوبنا اللهم أحيى به قلوبنا اللهم أحيى به قلوبنا يا ذا الجلال والإكرام اللهم إنا نسألك بمنتك وكرمك وجودك وفضلك أن تجعل القرآن العظيم ربيع صدورنا ونور قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا بمنتك وكرمك ياذا الجلال والإكرام. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أم أسماء
27-11-08, 01:25 AM
تفريغ الدرس الثاني عشر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
كنا فيما سبق تكلمنا عن المستوى الأول الذي كان الخطاب فيه موجه إلى عموم المسلمين، وكان الهدف منه والمقصود من هذا المستوى ما الطريقة التي نكون فيها من أهل القرآن؟ وكيف نكون من أصحاب القرآن؟ وكيف ننال شفاعة القرآن؟ وقلنا بأن هذا الهدف لعموم المسلمين من الممكن أن يتحقق، أو هذا المقصود لعامة أهل الإسلام من الممكن أن يتحقق لهم، ولكن إذا استعانوا بعد الله عزّ وجلّ بثلاث مراحل، هذه المراحل عبارة عن أمور نظر فيها فوجد فيها أثر على هذا الإنسان على هذا المسلم القارئ للقرآن، فإذا استعان بعد الله عزّ وجلّ بها؛ فإنه يتبع هذه المراحل مرة تلو مرة وحيناً بعد حين، ثم بإذن من الله سبحانه وتعالى، وبمباركة منه جلّ وعلا، يكون من أهل القرآن، ويكون طالباً لنيل شفاعة القرآن طلباً حقاً، يتبعه عمل فيه صدق، وفيه إخلاص، وفيه بذل، وفيه مجاهدة، وفيه رغبة أكيدة.
بعد ذلك سننتقل بإذن الله سبحانه وتعالى إلى نوع آخر من الخطاب انتهينا من الكلام عن ما يتعلق بعموم المسلمين، وسننتقل إلى كلام آخر يتعلق بطلبة العلم فتلك المراحل كان الخطاب فيها من أولها إلى أخرها موجه إلى عامة أهل الإسلام، أما الآن فالكلام سيكون مع طلبة العلم ممن تجاوزوا هذه المراحل السابقة، وقصدوا بصدق وإخلاص، وعزيمة وهمة أن يقتربوا من كتاب الله سبحانه وتعالى، وأن يطلبوا ما فيه من العلم، وأن يستزيدوا مما فيه من النور، هذه المراحل التي تتعلق بطلبة العلم سيكون الكلام فيها يختلف عن الكلام السابق، قد أقول إن الاختلاف فيها كبير جداً بين الطرفين فكان الكلام أولاًَ عاماً فيه شيئاً من السهولة شيئاً من اليسر لكي يناسب عامة أهل الإسلام، أما الآن فسيكون الكلام فيه شيء من الدقة شيء من التفصيل شيء من الاعتماد على القواعد التي جاءت في كتاب الله، وعلى القواعد المستنبطة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى القواعد التي أصّلها أهل العلم في كتبهم من كتب التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، وغير ذلك، بل وأيضاً على القواعد التي أصّلها وقعّدها أهل اللغة، وهم أهل اللغة العربية التي نزل بها هذا القرآن المبين، قبل أن ننتقل إلى المراحل السابعة أحب أن يكون هناك مراجعة لما سبق؛ حتى نعرف من أين بدأنا وإلى أين وصلنا، وما الذي بإذن الله سنقدم عليه، فأحب أن أسألكم عما مضى، كنا في بداية الأمر قد عنونّا لهذه الحلقات التي أرجو من الله عزّ وجلّ أن يجعلها مباركة بـ"روائع البيان في بدائع القرآن" ثم بعد ذلك تكلمنا عن مسألة مهمة، فما هذه المسألة التي بدأنا بها الحديث ؟
أجاب أحد الطلبة :
هي ثلاثة أهداف:
الهدف الأول أن يدرك ما مفهوم الحياة في القرآن، وأن نعرف الفرق بين الحياة والحياة الآخرة، وأن هذه دار متاع، وتلك دار قرار، ثم بعد ذلك نعرف قدر الكافر ولا نعجب بالكافر، قال الله عزّ وجلّ ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾[الأعراف:179]. ثم بعد ذلك نبدأ ونعيش مع القرآن.
أكمل الشيخ :
هذا هو الهدف الثاني الآن.
أكمل الطالب :
نعم، هذا هو الهدف الثاني، ثم بعد ذلك نأخذ الهدف الثاني وهو: كيف نعيش مع القرآن؟ قال الله عزّ وجلّ ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾[الزمر:23].
ثم بعد ذلك نأتي إلى الهدف الثالث: وهو كيف نبني بيتاً في أرض القرآن أحجاره من القرآن وملاطه من القرآن وزخارفه من القرآن؟ وضربنا مثلاً لذلك كيف نزل القرآن سورة سورة ثم أخذنا منها التفسير والله تعالى أعلى وأعلم.
أكمل الشيخ :
أحسنت، يابارك الله فيك، نعم هذا هو ملخص الأهداف التي ذكرناها لكم في بداية هذه الدروس، وبعد ذلك ذكرنا قواعد خمس لابد من استيعابها، من فهمها، من إدراكها، حتى نستطيع أن نسير بعد ذلك في المقصود من هذه الحلقات، فما هذه القواعد الخمس ؟
أجاب أحد الطلبة :
أول القواعد أن الإنسان مع كتاب الله عزّ وجلّ حي وبدونه ميت، ومع كتاب الله مبصر، وبدونه أعمى، وأنه مع كتاب الله مهتدٍ وبدونه ضال.
القاعدة الثانية: أن الأصل في خطاب القرآن موجه إلى القلب.
أكمل الشيخ :
أحسنت، بارك الله فيك يكفي، إذاً القاعدة الأولى أنك مع كتاب الله حي وبدونه ميت، وأنك أيضاً مع كتاب الله مبصر وبدونه أعمي، وأنك مع كتاب الله عزّ وجلّ مهتدٍ وبدونه ضال، هذه هي القاعدة الأولى.
القاعدة الثانية: أن هذا الخطاب موجه إلى القلب أصلاً، في الأصل الأمر الخطاب موجه إلى القلب، من يذكر لنا القاعدة الثالثة ؟
أجاب أحد الطلبة :
القاعدة الثالثة: هي أن المقصود من القرآن هو التدبر أولاً قبل العمل.
أكمل الشيخ :
نعم، هذه هي القاعدة الثالثة، المقصود الأعظم من كتاب الله عزّ وجلّ التدبر، ثم بعد ذلك يأتي العمل.
بالنسبة لقراءة القرآن هل هي مقصود أو ليست بمقصود ؟
أجاب أحد الطلبة :
هي مقصودة، ولكن المقصود الأعظم هو التدبر.
أكمل الشيخ :
نعم ،هي مقصودة، ولكنها هي ليست القصد الأعظم من تنزل كتاب الله عزّ وجلّ.
القاعدة الرابعة ؟
أكمل الطالب :
القاعدة الرابعة أن القرآن ثقيل ومتين، وقال صلى الله عليه وسلم (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق).
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، كتاب الله عزّ وجلّ ثقيل متين كبير ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾[المزمل:5]. نعم، هذه هي القاعدة الرابعة، القاعدة الخامسة التي ذكرناها لكم ؟
أجاب أحد الطلبة :
القاعدة الخامسة هي التدرج، وهى سنة كونية شرعية ضرورية.
أكمل الشيخ :
القاعدة الخامسة أن التدرج سنة كونية شرعية ضرورية، وهذه لها علاقة بما نحن فيه وقد بينا هذه العلاقة بين التدرج وبين ما يتعلق بكتاب الله عزّ وجلّ، بعد ذلك تكلمنا عن المستوى الأول ودخلنا في لب موضوعنا في هذه الدروس وهو ما يتعلق بالمستوى الأول،
ذكرنا سؤالاً كبيراً هذا السؤال مفاده كيف يؤثر فينا القرآن كما أثر في صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ؟
وهذا السؤال الكبير الجواب عنه جوابًا تطبيقيًا عمليًا ذكرنا أنه بقسمة الناس على مستويين :
المستوى الأول والمقصود به هنا عامة أهل الإسلام عموم المسلمين، والهدف من هذا المستوى أن نكون من أهل القرآن، من أصحاب القرآن، من أهل شفاعة القرآن، هذا هو المقصود من هذا المستوى، ولكن ذكرنا أنه لا يمكن، أو لا نقول لا يمكن أنه من الوسائل التي تعين طالب العلم بل تعين كل مسلم على أن يكون من أهل القرآن، هناك مراحل نقطعها ونستعين بها بعد الله عز وجل لكي نصل إلى هذا الهدف النبيل وإلى هذا المقصد الأسمى، فما هذه المراحل الثلاث التي تتعلق بالمستوى الأول الذي يوجه فيه الخطاب لعموم المسلمين؟ فما المراحل الثلاث؟
طالب يجيب:
نعم، ذكرنا ثلاث مراحل في المستوى الأول
وقلنا أن المرحلة الأولى: هي لماذا نبدأ من القرآن؟ وفي هذه المرحلة ذكرتم فضيلتكم أنه من الأفضل أن يبدأ بالمفصل لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها،
ثم ذكرنا المرحلة الثانية وهي التأني في القراءة، وترك العجلة المذمومة، والوقوف عند الآيات المؤثرة، وتكرارها والتي كانت مأخوذة من قاعدة مشهورة عن الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح "أنهم كانوا يأتَوْنَ الإيمان قبل القرآن" وذكرنا فيها ثلاثة وسائل لتحقيق هذه المرحلة وهي:
الوسيلة الأولى: جمع القلب على القرآن واستحضار الذهن عند سماع الآيات.
الوسيلة الثانية لتحقيق هذه المرحلة: الترسل والترتيل عند القراءة، وذكرنا أمثلة على ذلك بدأ من نبينا عليه الصلاة والسلام، وعن صحابة رسول الله، ومن بعدهم من التابعين والسلف الصالح.
ثم الوسيلة الثالثة لتحقيق هذه المرحلة أيضًا: وهي تكرار الآيات عند الحاجة، وهي سنة ثابتة عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ كذلك عن الصحابة ومن بعدهم.
المرحلة الثالثة في هذا المستوى الأول الذي هو لعموم المسلمين: اختيار كتاب أو مختصر من التفاسير، واخترنا في ذلك تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي عليه رحمة الله عافية من مميزات عديدة ذكرنا منها ميزة أن هذا التفسير ويشتمل على ترسيخ عقيدة العقيدة السليمة واشتمل على ذلك من ذكر أنواع التوحيد الثلاثة من غير ذلك من مميزات التي ذكرناها.
الشيخ:
أحسنت يابارك الله فيك: نعم، هذا ملخص لكل ما سبق قد ذكرناه في الحلقات السابقة بعد ذلك انتهينا من المستوى العام ذكرنا لكم أن بعده سننتقل إلى المستوى الذي هو موجه في الخطاب إلى طلبة العلم بعد الخطاب الموجه إلى عامة المسلمين هناك خطاب موجه إلى طلبة العلم، هذا المستوى ذكرت لكم أنه يختلف كثيرًا فيما يتعلق بأسلوب الخطاب، لأن الكلام مع عامة المسلمين لا يمكن أن يكون هو الكلام أيضًا مع طلبة العلم، فالكلمة عندما تكون ملقاة ليسمعها عموم المسلمين حتى وإن كانت في خطبة جمعة أو في محاضرة عامة ونحو ذلك، لا ينبغي أن تكون أبدًا كما لو كانت موجهة إلى خاصة من الناس من طلبة العلم ممن لهم دراية بأدلة الكتاب، وأدلة السنة، وطريقة الاستنباط، وكلام أهل العلم، والقواعد التي هي محل اتفاق بينهم، فإن لهؤلاء خطاب ولهؤلاء أيضًا خطاب آخر، ولكن قبل أن أدخل في المراحل السبعة لطالب فهم القرآن؟ هل هناك إشكال فيما تقدم من المسائل التي ذكرناها؟
طالب:
جزاك الله خيرًا يا شيخ، إلى أي شيء يرجع اتخاذ لهذه المراحل أو تحديد لهذه المراحل هل هو من السنة أم ورد في عهد السلف لم حددنا هذه المراحل بالضبط؟
الشيخ:
عندما قلنا المستوى الأول يحتاج إلى ثلاث مراحل من أجل أن نقطعها حتى نصل إلى المقصود ومنها إلى إلى الهدف منها، وهو أن يكون القرآن شفيع لهذا المسلم، أو أن يكون القرآن صاحب له، أو يكون القرآن خليلًا له فقصدك بالسؤال لم حددناها بالثلاث ؟
الطالب:
هل هي ثابتة على هذه الثلاث فقط أم الأمر متسع أم إلى أي شيء ترجع؟
الشيخ:
جيد هذا سؤال جيد، كأنك تسأل لم حددناها بثلاث؟ وكذلك أيضًا شبيهًا بهذا، يسأل السائل لم جعلنا لطلبة العلم المراحل سبعة، فجعلنا لها ثلاثة، ولطلبة العلم هناك مراحل سبعة، فهذا التحديد بهذا العدد ما دليله، هل هناك دليل من القرآن؟ هل هناك دليل من السنة؟ هل هناك دليل من الإجماع؟ هل هناك دليل من القياس؟ هل هناك دليل من كلام أهل العلم؟ نبنى عليه ما حددناه من الأعداد، هذا سؤال في غاية الجودة.
والجواب عنه: نعم، هناك دليل، ولكن الأدلة بالنسبة لأهل العلم، عند ما يعرضون مثل هذه المسائل الأدلة تارة تكون نصية أي يأتي النص من الكتاب يأتي النص من السنة يأتي النص من كلام أهل العلم ويتتابعون على ذلك، وتارة تكون الأدلة استنباطية مبنية على الاستقراء التام أو على الاستقراء الأغلبي، وهذا وذاك، هذا دليل وذاك أيضًا دليل، فتارة يأتي الدليل ظاهر واضح نص لا إشكال من ذلك، وتارة لا، وإنما يأتي الدليل بالمفهوم بما يفهمه طالب العلم، يفهمه العالم، يفهمه الفقيه، يفهمه المحدث، يفهمه المفسر، فعندما يستقرأ نوعًا من أنواع العلوم، مسألة من المسائل، قضية من القضايا في كتاب الله أو في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فيأت فيقول بناءً على هذا الاستقراء سواء كان هذا الاستقراء تام أم استقراء فلن يأتي فيبني عليها مسألة ما من المسائل، ونحن في هذه المراحل بنيناها على مسألة ليست فيها نص من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، وإنما بنيناها على استقراء لما جاء في كتاب الله، ولما جاء في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، ولما جاء من كلام أهل العلم المحققين في هذا الباب، فعندما أضرب لك مثلاً حتى يتضح الأمر أكثر عندما تنظر مثلاً في الأربعين النووية، من مؤلف الأربعين النووية؟ الإمام النووي رحمه الله رحمة واسعة، هذا الإمام ألف الأربعين نووية ما معنى الأربعين نووية؟ هي ماذا؟ هي أربعون حديثا من أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ جمعها هذا الإمام في كتاب، وأسمى هذا الكتاب الأربعون هذا الكتاب اسمه الأربعون النووية، وإن قلت الأربعين النووية كلها صحيحة، فعندئذ هذه الأربعين لو أن إنسانا جاء ليسأل الإمام النووي رحمه الله فيقول له الأربعون النووية كيف خصصت هذا العدد ولم تجعل هذه الأحاديث خمسين أو ثلاثين أو أكثر من ذلك أو أقل؟ هل هذا السؤال وارد عن الإمام النووي رحمه الله؟ لا، أو من عمل مثل عمله هو بالنسبة لوروده وارد، لكنه لا إشكال فيه؛ لأن أهل العلم من عادتهم أن ينظروا ما جاء في الكتاب، ما جاء في السنة، ما جاء في أقوال أهل العلم، فيحصروها حصراً بعددًا يكون مناسبًا للناس، الإمام النووي رحمه الله ارتأ واختار أن ينتقي من أحاديث الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ عددًا من الأحاديث يكون هذا العدد مناسب ليس بالطويل ولا أيضًا بالقصير جدًا الذي يكون فيه شيء من الاختصار المخل، فاختار أربعين حديثًا شاملة لأصول أحاديث النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ،وقبل أهل العلم منه ذلك، ولم يأتي أحد فيقول: يا أيها الإمام كيف خصصت هؤلاء الأربعين واعترض عليه بذلك أبدًا، وإنما قبلها منه الأئمة رحمهم الله من بعد النووي وأخذوا منه هذه الأربعين، ومازالوا يشرحونها، ويبينونها، ويستفيدون منها، ويأمرون طلبة العلم بحفظها، والاهتمام بها، انظر أيضًا بعد ذلك جاء مثلاً شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله خالف رسالته العظيمة المسماة بالأصول الثلاثة، وألف رسالة أخرى المسماة بالقواعد الأربعة، القواعد الأربع والأصول الثلاثة هذه الأعداد التي حصر بها هذا الأمام هذه الأصول الثلاثة القواعد الأربع، هل هي مبنية على نص من كتاب الله، أو على نص من رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، أو على نص من صحابة رسول الله؟ لا، وإنما بناها هذا الإمام على الاستقراء، نظر في أصول هذه الدين فوجد أنها ثلاثة، فسمى رسالته الأصول الثلاثة، نظر في القواعد المهمة فيما يتعلق بالتوحيد ونحوه فأسماها الأصول الأربعة، وهذا كلام كثير في كلام الأئمة لا حصر لها، وأنت تجده في كلام المفسرين كثيرًا، وفي كلام الفقهاء أيضًا كثيرًا جدا، فالفقهاء يتكلمون في هذا النحو كثيرًا من جهة الاستقراء، وهو أيضًا موجود ومبسوط في كتب الحديث وفي غيرها من كتب العلم بناءًا على الاستقراء لقواعد وأصول هذا الدين، فاصل قصير أيها الأخوة ثم نعود لاستكمال الكلام عن هذه المراحل بإذن الله عز وجل.
فــــاصل تلـــــيفزيوني
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، حياكم الله وأسأل الله عز وجل أن يجعل مجلسنا هذا مجلسا مباركا علينا وعليكم في الدنيا والآخرة، كان الكلام فيما يتعلق بحصر هذه المراحل بثلاث فيما يتعلق بعموم المسلمين، وكذلك حصرها بسبع مراحل فيما يتعلق بطلبة العلم، وذكرت أن هذا وأمثاله كثير مما وقع لأهل العلم وللمصنفين من الأئمة رحمهم الله فصنفوا في هذا كثيرًا جدًا، ومن تأمل أيضًا كلام ابن القيم رحمه الله في كثير من كتبه وجده على هذ النحو، بل لو تأمل كتابه العظيم مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فإنها مراحل مائة صنفها شيخ الإسلام الهروي رحمه الله على تلك المنازل، ثم جاء بن القيم رحمه الله فشرح هذه المنازل فبناها على ماذا في عدها أنها مائة؟ إنما بناها على الاستقراء، إنما بناها على الاستقراء، لما ذكر الله عز وجل في القرآن، وما ذكر الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ في السنة وهذا كثير جدًا في كلام أهل العلم، فنحن إنما فعلنا ما فعلوا، وإنما اخترنا هذا العدد تيسير على المسلمين ومهمة أهل العلم وطلبة العلم في كل زمان ومكان أي يُسْهِلُ العلوم لأهل زمانهم، أهل عملوا سراعا يدنوهم، وإنما الواجب عليهم أن ينظروا في العلوم فإن كان فيها عسر على أهل الزمان؛ لبعدهم عن نور الوحي، وعن بعدهم عن السليقة السلمية في كلام العرب، لبعدهم عن قواعد وأصول أهل العلم، فمهمة أهل العلم أن ينظروا فيما ييسر على الناس نيل هذا العلم بأيسر وأسهل طريق، هذا هو الذي ينبغي على أهل العلم وطلبة العلم؛ فلذا كانت المصنفات في كل زمان بل وفي كل مكان تختلف بحسب حاجة الناس، انظر مثلاً إلى عهد رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ هل هناك مصنفات غير كتاب الله عز وجل الذي كان يكتبه كتاب الوحي من رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ؟ هل كان هناك شيء غير القرآن؟ أبداً إنما كان القرآن ينزل به جبريل على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ويكتبه كتاب الوحي من فيّ رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، ولا غير ثم بعد ذلك احتاج الناس إلى تدوين السنة بعد أن توثقت الأمة من شأن القرآن، ولم يخف على القرآن أن يختلط فيه شيء من السنة أبدًا، فأمر أول ما أمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله رحمة واسعة هذا الخليفة الراشد أمر أئمة الحديث في ذاك الزمان أن يكتبوا الحديث وأن يجمعوه، وأن يوثقوه، وأن يضبطوه،فقام بذلك عدد من الأئمة على رأسهم الإمام الزهري رحمه الله رحمة واسعة، ثم بعد ذلك احتاج أهل العلم إلى تدوين الآثار، والأخبار عن الصحابة، عن التابعين، عن أتباع التابعين، فدونوا الآثار ثم بعد ذلك احتاج أهل العلم إلى تدوين كلام الأئمة الفقهاء الأكابر، فكان أحمد بن حنبل رحمه الله مثلاً في مبدأه كان ينهى أن يدون لكلامه، وينهى طلبته أن يكتبوا فتاويه في مسائل فإذا سئل وأفتى ينهاهم يقول: "لا تكتبوا ما أقول لكم وإنما خذوا من حيث أخذنا" فكان في بادئ أمره ينهى عن ذلك، ثم لما رأى حاجة الناس إلى هذا سمح لهم، وأذن لهم أن يكتبوا عنه، لما رأى حاجة الناس إلى أن يدونوا المسائل عن أهل العلم، ثم ما زال الأمر في تغير في تطور بحسب حاجة أهل الزمان فدونت بعد ذلك المصنفات، فجاء مثلا الإمام البخاري رحمه الله فنظر أن صحيح الحديث قد اختلط بضعيفه، وقد اختلط الأمر على الناس فلم يصبحوا يميزوا بين ما ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وبين ما لا يثبت عنه، فجاء فدون هذا الصحيح العظيم صحيح الإمام البخاري فصنفه وضبطه وجوده وأتقنه، ثم بعد ذلك سار على دربه الإمام مسلم رحمه الله، وهكذا أهل العلم، حتى جاء السابع فدون أهل العلم كتب كثيرة في الأصول وفي الفقه وفي المصطلح ونحو ذلك عبارة عن قواعد، لم؟ لأن الناس في القرن السابع لم يصبح عندهم من الملكة، ومن الفقه، ومن الإدراك، الذي كان عند أهل الزمان في القرن الرابع وفي القرن الثالث، احتاجوا إلى أدوات وآلات يستعينوا بها على نيل العلم في ذاك الزمان، فلما جاء القرن الثامن والتاسع والعاشر احتاج الناس إلى أدوات أكثر وإلى آلات أبلغ وأقوى؛ لكي يصلوا إلى العلم الذي أمرهم الله عز وجل أن يتعلموه، وأن يطلبوه، وأن يبحثوا عنه، وأن يعلموه للناس، فما زال أهل العلم في مثل هذا التأليف ومثل وهذا التصنيف حتى جاء زمننا هذا، وأيضا ما زال أهل العلم كل إمام من الأئمة يصنف مصنفًا يبسط فيه المسائل للناس يوضحها ييسرها يوصلها لهم بقدر فهومهم بقدر حاجاتهم بقدر إدراكهم لكل زمان ولكل مكان ما يميز هذا الزمان وهذا المكان مما يبين حاجة أهله أن يصنف لهم أو يدون لهم أو يقام لهم من حلقات العلم وحلقات الدرس ما يستعينوا به على فهم كتاب الله عز وجل وعلى فهم سنة رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، إذن ما نحن فيه ليس بدعة من البدع، وإنما هي طريقة سار عليها الأئمة رحمهم الله قديمًا بل وحديثًا أيضًا، هل هناك سؤال آخر أم ننتقل إلى المراحل السبع.
ننتقل للكلام عن المراحل السبع لطالب فهم القرآن، المراحل السبعة لطالب فهم القرآن، هذا هو المستوى الثاني الخاص بطلاب العلم، وهذه المراحل كما سبق مبناها على الاستقراء، عندما تستقرأ حال الناس، حال طلبة العلم، حال المهتمين بكتاب الله عز وجل ممن لهم عناية بهذا القرآن، تنظر في حالهم، وتنظر في سبب النقص والخلل عندهم في فهمهم وإدراكهم لعظمة القرآن، لإعجاز القرآن، لبليغ دلالة القرآن، فعندئذ تحتاج أن توجد أمرًا يكون فيه مساعدة فيه إعانة على فهم هذا القرآن، هذا الأمر هو ما أسميته بالمراحل السبعة لطالب فهم القرآن، وهذه المراحل السبعة مبنية كما ذكرت لكم على الاستقراء، هذه المراحل السبعة مبنية على الاستقراء، وهذا الاستقراء أصله مأخوذ من النظر في تنزل كتاب الله عز وجل وفي كيفية التنزل، فإنكم تعلمون أن كتاب الله عز وجل هو مبناه على آيات أوقل قبل ذلك مبناه على سور، وهذه السور تحتوي على آيات أليس كذلك؟ السور تحتوي على آيات، هذه الآيات تحتوي على جمل، وهذه الجمل تحتوي على كلمات، وهذه الكلمات عبارة عن ماذا؟ عن حروف، فنحن إذًا إذا أردنا أن نفهم كتاب الله عز وجل فنحتاج أن نبدأ من الأصل من الأساس، فعندنا كلمات هذه الكلمات تكوّن كلام الله عز وجل الذي تكلم به بلسان عربي مبين، تكلم به جبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى، تكلم بهذه الكلمات جل في علاه، هذه الكلمات حينًا يكون منها ما هو مفهوم واضح، ومنها ما يكون يحتاج إلى بيان هذه الكلمة المفردة، عندما تنظر فيها فإنها لا يمكن أن تصل بأختها، وأن تتفق معها، وأن يكون بينهما جملة كاملة لها دلالة ظاهرة بينة واضحة على أمر محدد بيّن حتى يأتي بينها مايسمى بحروف المعاني، ما يسمى بحروف المعاني هذه الحروف حروف المعاني هذه تأتي بين الكلمات فتصل بين الكلمة والكلمة، فإذًا أصل الكلام عندنا عبارة عن كلمات، ما الذي يصل بين هذه الكلمات؟ هي حروف المعاني، دعني أضرب لك مثلاً واضحًا عندما تقول: ذهب محمد إلى المسجد، ذهب أليست كلمة؟ نعم وهي عبارة عن ماذا؟ فعل، محمد فعل أم اسم؟ اسم، إعرابه فاعل، إلى حرف جر، المسجد اسم مجرور، هذه الجملة الآن تكونت من كم كلمة؟ من ثلاث كلمات هي ذهب، ومحمد، والمسجد، وجاء معها حرف وهو إلى، هذا الحرف يسمى حرف معنى؛ لأن له دلالة، له معنى، هذا المعنى ماذا دل عليه؟ حرف إلى هنا دل على أن محمد وصل إلى المسجد، أو أنه ذهب إلى المسجد، إذًا فالدلالة التي أفادتني إلى هنا في هذا الموطن أن غاية محمد من الذهاب هي أن يصل إلى المسجد، فأفادتني شيء يسمى إيش الغاية؟ غايته أن يذهب إلى المسجد، ذهب محمد إلى المسجد، عندما تقول مثال آخر شربت من الكأس عندنا شربت هذه ماذا؟ فعل وفاعل، عندنا هنا كم كلمة؟ كلمتين كلمة فعل، وفاعل، من حرف جر، والكأس اسم مجرور، من دلت على ماذا؟ دلت على أن الشرب مبدأه كان من الكأس؟ فقولوا دخلت في البيت دخل كلمة، والتاء فاعل، والبيت اسم مجرور، هذه كلها كلمات ظاهرة فعل، وفاعل، لكن عندنا الآن دخل حرف في بين كلمتين ما الذي أفاده هذا الحرف؟ الظرفية أني أنا حين دخلت دخلت في البيت، أني الآن موجود في البيت، وأن البيت أصبح ظرفًا لي، إذًا عندنا هنا كلمة وعندنا حرف معنى، إذا اجتمعت كلمة وكلمة مع حرف معنى عندئذ يحصل لنا من هذا كله ما يسمى بـ....
طالب:
الجملة
الشيخ:
أحسنت يابارك الله فيك يسمى الجملة، عندنا كلمة ثم بعد ذلك عندنا حروف معاني ثم بعد ذلك إيش؟ جملة تكونت هذه الجملة بعد هذه الجملة عندما ننظر في الآية، نجد الآية تتكون من عدة جمل هذه الجملة ثم بعد ذلك جملة ثانية جملة ثالثة جملة رابعة جملة خامسة، نجد أن هذه الآية تكونت من عدة جمل من عدة جمل، هذه الجمل لما اتحدت واجتمعت فإنها عندئذ كونت لنا ما نعرفه بالآية، فمثلاً أضرب لك مثلا على ما يتعلق بالجمل، عندما مثلاً نقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى ﴾[النازعات:34] ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ* يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾[عبس:37:33] دعونا نأخذ هذه الآيات ونفصلها شيئًا شيئًا حتى نصل إلى مرادنا من هذه القسمة وإلى بيان هذا الاستقراء الذي دلنا على هذه المراحل، لما نأتي إلى قول الله عز وجل ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ نفصل هذه الآية حتى ننظر ماذا فيها فعندنا ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ إذا عبارة عن ماذا ظرف، جاءت فعل ماضٍ، الصاخة فاعل ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾ ويوم عبارة عن ماذا؟ ظرف زمان شبه جملة، يفر فعل، المرء فاعل، من أخيه، فتكونت عندنا كم جملة؟ جملة فعلية، وشبه الجملة، هذه الجملة وشبه الجملة كونت ماذا؟ كونت آية، كونت آية كاملة، لو نأخذ الآية التي تليها يتضح الكلام أكثر ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾لكل هذه إيش؟ جار ومجرور شبه جملة، يومئذ شبه جملة ظرف، شأن يغنيه، فعندئذ عندنا عدة جمل، جملة اسمية، وجملة فعلية، تجمعت فكونت لنا ما يسمى بآية، ما يسمى بآية، سأفصل لك هذا وأوضح فيما نستقبل وأنما أريد الآن أن يتضح لك المراد من ضرب المثل قي هذا ،خذ مثلًا أخير في هذ الباب قوله سبحانه وتعالى في سورة العصر ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾[العصر:3:1] في الآية الأخيرة كم جملة عندنا؟ ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُو﴾هذه جملة، ثم جاء حرف العطف﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ هذه جملة ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ جملة فعلية ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ جملة فعلية أيضًا، فعندنا كم جملة فعلية في هذه الآية فقط وحدها؟ اربع جمل كونت آية واحدة، إذًا بعد ذلك فكلمة وحروف معاني ارتبطت ببعضها كونت جملة، وعدة جمل كونت آية، وقد تكون الآية من جملة واحدة، ولكن أغلب الآيات تتكون من عدة جمل، هذه الجمل لما اجتمعت وتكونت لنا هذه الآية،هذه الآية عبارة عن آية ضمن آيات، أليس كذلك؟ ما عندنا سورة في كتاب الله عز وجل تكونت من آية واحدة أبدًا، ليس عندنا سورة من كتاب الله عز وجل تكونت من آية واحدة أبدًا، فعندنا إذًا الآية لما تجتمع مع أخواتها من الآيات الأخرى فعندئذ يتكون ما نسميه بالسورة، فهذه الآيات اجتمعت فكونت السورة، هذه السورة هل هي جاءت جاءت لوحدها مبتورة أم أن لها ما يسبقها أو لها ما يلحقها؟ لها ما يسبقها ولها ما يلحق بها، اللهم إلا أطراف كتاب الله عز وجل من جهة إن كان المقصود هذا التدوين في المصاحف أول الآيات وآخرها أو أيضًا كذلك ما كان من تنزل القرآن أول ما بدأ بسورة العلق إلى آخر ’آية نزلت من كتاب الله عز وجل، هذا الترتيب بالنسبة لكلمات القرآن، حروف القرآن، جمل القرآن، آيات القرآن، سور القرآن، ثم القرآن كله من أوله إلى آخره، هذا الترتيب هو الذي سيعينك على فهم الآية كما ينبغي، كيف هذا؟ سيعينك في أنك عندما تقرأ في القرآن ستمر بك يا أخي المبارك كلمة قد لا تفهم معناها فتحتاج ماذا؟ إلى أنك تفهم معنى هذه الكلمة، طيب فهمت معنى الكلمة هل فهمت الجملة من أولها إلى آخرها؟ لن تستطيع أن تفهم الجملة حتى تعرف ما يتعلق بحروف المعاني بدلالة هذه الحروف، فإذا فهمت دلالة هذه الحروف على وجهها عندئذ تكون الجملة كاملة، ولن تفهم الآية كاملة حتى تفهم هذه الجملة وتلك الجملة التي تكونت منها الآية، كل جملة وما دلت عليه؛ لأن الجمل كما تعلمون منها يكون جملة ابتدائية، ومنها ما تكون جملة فعلية، هناك جملة حالية، وغير ذلك من الجمل في لغة العرب، لكل جملة نوعًا من أنواع الدلالة، فعندما تجتمع هذه الجمل هذه جملة ابتدائية لها دلالة، وهذه جملة فعلية لها دلالة، وهذه جملة خبرية، وهذه جملة حالية، ونحو ذلك، عندما تجتمع هذه الدلائل من الجمل تعطيك دلالة كاملة للآية من أولها إلى آخرها، عندما تضم هذه الآية مع آياتها الأخرى في نفس السورة مع ما سبقها من الآيات مع سبق هذه الآية من الآيات ومع ما لحق بها من الآيات وهو ما يسمى بالسياق يتضح لك المعنى جليا بيّنا ظاهرا، بعد ذلك تأتي بالسورة من أولها إلى آخرها وتنظر في مضمون السورة وفي مقصودها وفي موضوعها الذي تنزلت من أجله هذه السورة، ثم تنظر في موضوع السورة التي هو عنوانها التي سطر المصحف الشريف عليها، السورة عندك اسمها سورة المسد، سورة الإخلاص، سورة الكافرون، ونحو ذلك هذه الأسماء تنظر فيها وفي الأسماء الأخرى المدونة في كتب التفسير ستعطيك شيئًا من الدلالة.
هذا الحديث عبارة عن تمهيد المراحل السبعة واضح الكلام الآن، هذا إنما هو تمهيد حتى تفهم ماذا نعني بالمراحل السبعة، بعدها سندخل بإذن الله إلى مضمون هذه المراحل السبع، وأرجو أن تكون مستعدًا استعدادًا كاملاً من جهة الذهن ومن جهة أيضًا القلب والرغبة، فإن الأمر يحتاج قليلاً إلى حضور الذهن استحضار القلب.
أسال الله عز وجل لنا ولكم علمًا نافعًا، وعملاً صالحًا، وقلبًا خاشعًا، وإيمانًا كاملاً، ولسانًا ذاكرًا، وعين من خشيته دامعة، اللهم إنا نسألك لنا جميعًا الفردوس الأعلى في الجنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أم أسماء
27-11-08, 01:28 AM
تفريغ الدرس الثالث عشر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملاً صالحًا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملاً يا أكرم الأكرمين، كنا تكلمنا في الحلقة السابقة عن مقدمة يسيرة تتعلق برسالة المراحل السبعة لطالب فهم القرآن وكان الكلام عن أصل هذه المراحل، وسبب جعلها على سبع مراحل، وكذلك عن ما هية هذه المراحل، وكيفية منشأها، وكيفية مبدؤها، وكيفية مبدأها، وذكرنا لكم أن أصل هذه المراحل عبارة عن النظر في كلمات هذا القرآن العظيم كلمة ثم حرف معنى يربط بين هذه الكلمات ثم جملة تتكون من هذه الكلمات ومن حروف المعاني ثم جمل تكون الآية ثم آيات تكون السورة وهكذا، هذا هو أصل منشأ هذه الرسالة وسنبدأ بإذن الله عز وجل في هذه الحلقة بقراءة لرسالة كتبت في العام الماضي تخص هذه المراحل، وهي المراحل السبعة لطالب فهم القرآن وسنقرأ الآن بدءًا في تمهيد لهذه المراحل يبين أساسها ومنشأها ثم نذكر هذه المراحل ونستعين بالمولى عز وجل في شرحها وبيانها واحدة تلو أخرى.
طالب يقرأ:
( بسم الله الرحمن الرحيم، تمهيد القرآن العظيم كلام الله عز وجل، تكلم به حقيقة علاما يليق بجلال قدره وعظيم سلطانه، وهذا الكلام منه جل وعلا نزل بلسان عربي مبين والكلام في لغة العرب إنما هو بحرف وصوت والحروف على نوعين).
الشيخ:
نعم، هذه كلها مقدمة، هذه كلها مقدمات لنتطرق إلى ما نحن فيه فالله سبحانه وتعالى تكلم بهذا القرآن فإذًا القرآن هو كلام الله عز وجل، القرآن هو كلام الله عز وجل وهذه حقيقة جاء بها القرآن بينتها السنة أجمع عليها صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، وأجمع عليها السلف الصالح وهي عقيدة مؤسسة مقررة في كتب أهل السنة والجماعة لابد من الإيمان بها وهو أن الله عز وجل تكلم بهذا القرآن كلاما يليق بجلاله وعظمته سبحانه، وتعالى وهذا الكلام قد جاء بيانه في كتاب الله أنه بلسان عربي مبين، أنه بلسان عربي مبين أي واضح ظاهر لا لبس فيه، وهذا الكلام في لغة العرب أبدًا لا يكون إلا أن يتكون من صوت وحرف، عندنا حرف وهي هذه الحروف وعندنا صوت ينشأ عنه الكلام العربي، فالكلام في لغة العرب لا يكون إلا بصوت وحرف، بل إن الكلام عند الناس أجمعين سواء أن كانوا من العرب أو من غير العرب لا يكون إلا بحرف وصوت من المعلوم أن الكلام ما هو؟ إنما هو صوت يخرج من فم المتكلم، وهذا الصوت عبارة عن اجتماع مجموعة من الأصوات تخرج على صفة بعض الحروف، فعندما تريد أن تتكلم مثلاً بكلمة سجد فإنك تنطق بحرف السين وهو عبارة عن ماذا؟ عن صوت، هذا الصوت تحرك اللسان، تحرك الشفتين، تحرك مخارج الحروف، عندك حتى تخرج هذا الحرف "السين"، ثم كذلك حرف الجيم، ثم كذلك حرف الدال، فتخرج هذه الأحرف وتجمع بينها فتخرج لنا كلمة هي كلمة سجد، وهذا في كل اللغات بلا استثناء، ولكن الكلام هنا عن لغة العرب، فالكلام في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، الكلام في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، ولا يعقل أصلاً أن يكون هناك كلام من غير حرف وصوت، إذًا فالقرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وهذا القرآن تكلم به الله عز وجل وأنزله على نبيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ بلسان عربي مبين، والكلام في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، وهذه الحروف التي نتكلم عنها لأنه بالنسبة للأصوات، الأصوات لا علاقة لها بما نتكلم عنه في مجال التفسير، وإنما هناك علم خاص وهو علم واسع طويل يسمى بعلم الأصوات، وهذا علم من علوم اللغات وهو علم واسع كبير جدًا له تشقيقات وله تفريعات كثيرة عند أهل الاختصاص العالمين به، ولكنه لا يعنينا في شيء فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل، وإنما الذي يعنينا هو ما يتعلق بالحرف وهو ما يتعلق بالحرف نعم أكمل.
الطالب:
(والحروف على نوعين حروف مبانٍ وحروف معانٍ، حروف مبانٍ أي يبني منها الكلام وهي ليست لها معنًا في نفسها، ولكن لها دلالة بعد التركيب مثل الميم من محمد، والعين من سعد، والراء من عمر، ونحو ذلك، ولا علاقة لنا بها في هذه المباحث).
الشيخ:
أحسنت، الحروف في لغة العرب على نوعين حروف تسمى بحروف المباني أي يبنى منها الكلام، فعندما ننطق مثلاً كلمة عمر، أو كلمة شجرة، أو كلمة زهرة، أو كلمة سحاب هذه الكلمات جميعًا تتكون من حروف أي تبنى من حروف، فكلمة عمر عندما نريد أن نكونها فننظر فيها إذا هي تتكون من حرف العين، وتتكون من حرف الميم، وتتكون من حرف الراء، عندما ننظر في كلمة سحاب مثلًا فهي تتكون من حرف ماذا؟ السين، ثم حرف الحاء، ثم حرف الألف، ثم حرف الباء، كلمة سحاب تتكون من هذه الحروف الأربعة، هذه الحروف باصطلاح أهل اللغة تسمى حروف مبانٍ، تسمى حروف مبانٍ أي يبنى منها الكلام، والكلام في لغة العرب بل أيضًا في كل اللغات لابد وأن يبنى من حروف، لابد وأن يبنى من حروف لكن هذه الحروف التي تسمى بحروف المباني، لا علاقة لنا بها أيضًا في هذه المباحث لم؟ لأنها إنما يؤتى بها لتركيب الكلام، ونحن إنما نتكلم عن التفسير، والتفسير هو شرح للمعنى، يتعلق بالمعنى، ولا يتعلق بالمبنى، فكلامنا نحن هنا يتعلق بالمعنى وليس لنا علاقة بالكلام عن المبنى، وإنما يتكلم عن المبنى مَن؟ أهل اللغة ممن يتكلم عن اللغة، أصل اشتقاق الكلمات، وكذلك أهل النحو يتكلمون عن مثل هذه المسائل، أما بالنسبة لنا فكلامنا يتعلق بالنوع الآخر من الحروف والذي يسمى بحروف المعاني والذي يسمى بحروف المعاني.
الطالب:
( ثانيًا حروف المعاني وهي التي تربط بين الكلمات لتعطي دلالة معينة يقصدها المتحدث، مثل دلالة حرف الباء على الاستعانة في كلمة بسم الله، ودلالة حرف اللام على التعليل في قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا ﴾، ودلالة حرف على الظرفية في قوله تعالى ﴿وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾، وهذا المبحث له علاقة كبيرة جدًا بموضوع الرسالة).
الشيخ:
نعم، هذه حروف المعاني، حروف المعاني المقصود بها أن عندنا حروف لها معنى في اللغة، العين من عمر لا معنى لها في اللغة إنما هو حرف يبنى منه، أما بالنسبة لمن "في قولك مثلاً جئت من البيت، أو قولك مثلاً ذهبت من العمل، أوقولك مثلاً في حرف مثلاً الفاء ظمئت فشربت، هذه الحروف لها معنى وليست للمبنى، وإنما لها معنى، أي لها دلالة تدل عليها، هذه الحروف لها دلالة في لغة العرب تدل عليها، وهذه الدلالة تختلف مثلاً وأخذنا حرف الباء في قوله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم هذه الباء أصل الكلمة اسم الله فجاءت هذه الباء فدخلت على اسم الله سبحانه وتعالى، فما الذي تدل عليه عندما أقول بسم الله الرحمن الرحيم؟ هذه الباء تدل على ماذا؟ تدل على الاستعانة، تدل على الاستعانة، من جهة المعنى تدل على الاستعانة أي ابتدئ دلالة على الابتداء ولكن الدلالة الأساسية هي دلالة الاستعانة فالمقصود بها ابتدئ مستعينًا بالله عز وجل، أريد أن أيشرب ماءًا بسم الله فالمراد هنا اشرب مستعينًا بالله بسم الله، أريد أن أكتب كتابا فأقول بسم الله أي أكتب مستعينا باسم الله، أريد أن أقرأ كتاب الله عز وجل فأقول باسم الله أي ماذا؟ أي أقرا كتاب الله عز وجل مستعينًا بالله سبحانه وتعالى أي يعينني على قراءة القرآن.
وقت صلاة العصر
واللام لها دلالات كثيرة ومعانٍ سيأتي ذكر شيء منها في قوله تعالى ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ﴾ اللام هنا ماالمراد منها؟ ما المعنى الذي تدل عليه؟ العلة؛ لأنهم يريدون ماذا؟ يريدون ليطفئوا نور الله،أي يريدون من هذه الأفعال التي فعلوها أن يطفئوا نور الله سبحانه وتعالى بهذه الأفعال القبيحة والصد عن سبيل الله يريدون من ذلك أمرًا ما هو؟ هو علة هذه الأفعال أنهم يريودن ليطفئوا نور الله سبحانه وتعالى، تأمل مثلاً حرف على الأصل في معنى على هو ماذا؟ هو الفرقية وهو ما يسمى بالاستعلاء، أصل معنى على في لغة العرب هو الدلالة على الاستعلاء، وهذا المعنى لا يفارقه أبدًا، هذا المعنى لا يفارقها مطلقًا، ولكنها تأتي حينًا للدلالة مع الاستعلاء على معاني أخرى، لتدل على معاني أخرى، مثلاً خذ قول الله عز وجل ﴿ وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ ﴿ وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ ﴿ وَدَخَلَ المَدِينَةَ ﴾ من هو الذي دخل المدينة موسى ـ عليه السلام ـ، دخل المدينة على حين، الآن هو لما أراد أن يدخل إلى المدينة هل دخوله إلى المدينة وهو مستعل على المدينة كلها من أولها إلى آخرها؟ لا، وإنما كان الأصل في الخطاب المعتاد في مثل هذه المواطن أن يقال دخل المدينة في حين غفلة من أهلها، أنه دخل المدينة فأصبح في المدينة، أما أنه يعلو على المدينة فلا يعلم أن هناك بشر دخل في المدينة فإذا هو قد علا عليها من أولها إلى آخرها، وإنما يدخل فيها؛ ولذا وأنت في خطابك المعتاد تقول دخلت مدينة مكة، دخلت مدينة المدينة، دخلت مدينة الرياض، دخلت مدينة القاهرة، دخلت كذا وكذا، يعني أنك دخلت في وسط هذه المدينة فأصل دلالة هنا أن تكون ظرفية، لا أن تكون دالة على الاستعلاء، ولكن جاء الخطاب هنا بحرف على الدال على الاستعلاء؛ ليبين لك أمرًا أراده القرآن من استخدام هذا الحرف في موطن استخدام ذاك الحرف الآخر، بدل أن تأتي في هنا جاءت على، وكأنه ـ عليه السلام ـ حينما دخل هذه المدينة وهو خائف وجل؛ لأنه دخل هاربًا ـ عليه السلام ـ دخل المدينة في وقت الناس في سكون وفي راحة وفي طمأنينة وفي دعة، لا ينتبه إليه أحد حين أراد أن يدخل المدينة استعان في دخوله لهذه المدينة بغفلة أهلها ونومهم وراحتهم، فكأنه استعلى على هذه الغفلة، واستعلى على هذا النوم وعلى هذه الراحة، وركبها، فدخل المدينة في حينها في وقتها، كأن الغفلة أصبحت ماذا؟ دابة ومركب ركبها ـ عليه السلام ـ، فدخل المدينة عليها، فلو جاء حرف في هنا لما دل على هذا المعنى اللطيف الجميل الذي دلت عليه حرف على في هذا الموطن، فجاء هذا الحرف أعطاك دلالة جديدة وجميلة وقوية في هذه المعنى وفي هذا الموضع من السورة، وهو لو كان غيره لما أتاك هذه الدلالة أبدًا فتغيير الحروف هنا إذًا في تقليدها بين مواطنها في استخدام على محل في حينًا، وفى محل من حينا، وهكذا هذا له دلالة عظيمة في كتاب الله عز وجل، سيأتي مبحث كامل طويل وجليل يسمى مبحث التضمين في كتاب الله عز وجل كله تابع وداخل في هذا المعنى الذي نتكلم عنه نعم أكمل.
الطالب:
(فحروف المباني تتكون منها الكلمات، وهذه الكلمات يربط بينها بحروف المعاني فتتكون الجمل، والجمل مع بعضها يتكون منها الكلام التام، كذلك الحال في كتاب الله، فالآية تتكون من كلمات، وهذه الكلمات تربط بينها حروف المعاني، فتتكون الجمل، والجمل مع بعضها تتكون منها الآيات إذا فهم هذا فلتفسير أي آية من كتاب الله تعالى تفسيرًا يتضح معه المعنى الكامل للآية نظمًا وفهمًا وإعجازًا ودلالة وتربية نحتاج إلى تجاوز مراحل سبعة).
الشيخ:
أحسنت يابارك الله فيك إذا فهم ما سبق، فلتفسير أي آية من كتاب الله عز وجل تفسيرًا يتضح معه المعنى الكامل، أنت قد تفهم شيء من دلالة الآية، وتدرك معنًا من المعاني التي جاءت في هذه السورة، جاءت في هذا الموطن من كتاب الله عز وجل، ولكن إن أردت الإدراك الكامل لمعاني كتاب الله عز وجل فاستعن بالله عز وجل، ثم استعن بهذه المراحل، استعن بها لتدرك المعنى الكامل، أما المعنى الجزئي فقد تدركه بنظرك بالقراءة في أدنى كتاب من كتب التفسير، قد تدركه بالمراحل الثلاث التي سبقت الإشارة إليها، أما إذا أردت المعنى الكامل فتحتاج إلى أدوات، إلى آلات، إلى طرق، إلى وسائل، سواء أكانت هذه المراحل السبعة أو غيرها، ولكن المقصود لابد وأن يكون هناك عندك من الوسائل والأدوات ما تستعين بها على الفهم الكامل للآية التي تنظر فيها نظر طالب علم قاصدًا للعلم من كتاب الله عز وجل، فالكلام هنا مع طلبة العلم، والحديث في مثل هذا الموطن عن الإدراك الكامل من معنى الآية، وليس المقصود هو الإدراك الكامل لكل دلالة الآيات من أولها إلى آخرها، فهذا لا نطمع فيه مطلقًا فهذا لا نطمع فيه مطلقًا خصوصًا لمثلنا في هذا الزمان بل من أزمان، ولكن نريد أن ندرك معنًا كاملاً كليًا يحيط على الأقل بمعظم دلالة الآية بأغلب ما جاءت من أجله، إذا أردت ذلك فعندئذ بإمكانك أن تستعين بعد الله عز وجل بهذه المراحل السبع، وبهذا الإدراك يشمل إدراك إعجاز القرآن في نظمه، أو في أيضًا في تربيته، أو في دلالته، أو أيضًا كذلك فيما يتعلق بأثره على قلبك، وعلى نفسك، في تهذبيها، وتنقيتها، وتخليصها، مما يشوبها من أنواع الأمراض، والأنواع الأمراض، وأنواع الفساد الذي قد يكون نخر ودخل في قلبك؛ بسبب الشوائب التي تمر عليك في هذه الحياة الدنيا، إذًا نستعين بعد الله عز وجل ونحن في هذا المجلس المبارك بهذه المراحل في إدراك المعنى الكامل لكتاب الله عز وجل، أيها الأخوة فاصل ثم نعود للكلام عن هذه المراحل السبعة.
فاصـــل تلــــيفزيوني
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، مرة أخرى نعود للكلام عن المراحل السبعة، لعلك تتفضل لتقرأ علينا.
الطالب:
( نحتاج إلى تجاوز مراحل سبعة:
أولاً: إدراك المعاني اللغوية للكلمة في لغة العرب، ثم تحديد المعنى اللغوي المراد في الآية.
ثانيًا: معرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بين الكلمات.
ثالثًا: معرفة دلالة الجملة الواحدة وما يتعلق بها ثم دلالة الجمل التي تتكون منها الآية.
رابعًا: فهم دلالة السياق السباق واللحاق.
خامسًا: الإحاطة بالمقصود العام للسورة.
سادسًا ثم الآية الأخرى التي تكلمت عن الموضوع نفسه ليكتمل المعنى المراد للآية.
سابعًا معرفة القواعد والقرائن المرجحة عند اختلاف المفسرين).
الشيخ:
نعم، هذه هي المراحل السبع نذكرها الآن على جهة الإجمال، المراحل السبعة هي هذه، سنأتي إلى كل مرحلة ونتكلم عنها تفصيلاً بإذن الله نجمع فيها بين بيان المقصود من هذه المرحلة، ثم بعد ذلك نضرب الأمثلة الكثيرة والمتنوعة من كلام الله عز وجل، ومن كلام رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، ومن كلام أئمة أهل التفسير في توضيح هذه القاعدة، وسأكثر بإذن الله جل وعلا من ضرب الأمثلة في هذا الباب حتى يتضح المقال؛ لأنه كما قيل: "بالمثال يتضح المقال" بالمثال، خصوصًا وأننا في مواطن هي تعتبر من المضائق في الحقيقة يعني تحتاج إلى كثير من الإيضاح إلى كثير من البسط عند مواطن الإشكال، تحتاج إلى أن تكثر من ضرب الأمثلة التي يزول بها الإشكال إن بقى في الذهن إشكال، فهذه المراحل السبعة من أولها إلى آخرها سنأتي عليها مرحلة مرحلة في شرح معناها، ثم في ضرب الأمثلة التي توضح المراد بإذن الله سبحانه وتعالى الشيخ أكمل.
الطالب:
(هذه المراحل كلها تدور حول علم التفسير وأدواته، وهذا العلم أي علم التفسير هو أوسع العلوم على الإطلاق، وهو في الظاهر من أسهل العلوم وأيسرها، فهو كما قيل قصر سوره من جريد وأبواب غرفه من حديد).
الشيخ:
حتنعم: أحسنت، قصر سوره من جريد، تعرفون الجريد جريد النخل، هذا يعني قصر لما تنظر إلى السور فإذا هو من جريد، يعني سهل تستطيع أن تتجاوزه، تستطيع أن تخترقه، تستطيع أن تدفعه، أن تجد فيه فرجة هذا التفسير عندما تراه من الخارج من الظاهر فتراه قصر، ولكن هذا القصر يتكون سوره من جريد، تظنه سهل ويسير، وإذا سألت إنسان عن تفسير آية من كتاب الله عز وجل، أو قلت له تعرف التفسير، تجد مباشرة يقول لك: نعم، الأمر يسير تفسير يعني هذا كلام الله عز وجل عرفناه وقرأناه ووقفنا على شيء من تفسيره، فيظن أن التفسير أمره يسير لم؟لأنه عندما يراه يرى قصرًا في الحقيقة سوره من جريد، قد أحاط به الجريد جريد النخل سهل، ولكنه أيضًا في حقيقة الأمر عندما يدخل داخل هذا القصر سيجد أن أبواب غرفه من حديد، عندما يدخل في بحر علم التفسير سيتضح له الأمر جليًا، ستضح له أن بحاجة إلى كل العلوم بلا استثناء حتى يصل إلى علم التفسير، وأنه بحاجة إلى حاجة كثيرة بحاجة إلى أشياء تتعلق بعلم اللغة، بحاجة إلى أشياء تتعلق بعلم اللغة بأنواعها وأشكالها، ليس اللغة المراد هنا النحو، النحو لا علاقة علاقة كبيرة في هذا الباب، وإن كان له شيء من التأثير، ولكن هناك أنواع من علوم اللغة لها علاقة متينة وقوية جدًا فيما يتعلق بعلم التفسير، عندك ما يسمى بعلم اللغة يعني علم الكلمات وفهم معاني الكلمة في لغة العرب، وهذا له أثر كبير جدًا في فهم تفسير كتاب الله عز وجل، عندك ما يسمى بعلم البلاغة بأنواعها الثلاثة، سواء أن كان ما يسمى بعلم البيان، أو علم البديع، أو علم المعاني، هذه العلوم البلاغة الثلاثة لها أثر كبير جدًا في تفسير كتاب الله عز وجل خصوصًا منها ما يسمى بعلم المعاني، هذا العلم له أثر كبير جدًا بل إن أثره لا يكاد يحاط به من سعته وعظيم أثره في كتاب الله عز وجل، هذا العلم المسمى بعمل المعاني له أثر كبير جدًا في فهم كتاب الله عز وجل، فهناك أنواع من العلوم لابد منها ما يسمى بعلم حروف المعاني، وقد صنفت مصنفات كبيرة في حروف المعاني، بل إن بعض حروف المعاني قد صنفت فيها مصنفات الزجاج قديمًا الإمام الفحل الكبير في علم اللغة صنف مصنفًا كاملاً أسماه اللامات في الكلام عن اللامات، وكذا غيره من الأئمة الأوائل والأواخر بل والمعاصرين صنفوا مصنفات كبيرة جدًا في ما يتعلق بحروف المعاني، هذا كله راجع إلى ما يسمى بعلم اللغة هذا كله راجع إلى ما يسمى بعلم اللغة، وهذا العلم هو علم من العلوم التي يحتاجها المفسر، وهو يحتاج أيضًا إلى علوم أخرى، يحتاج إلى أن يدرس ما يتعلق بعلوم القرآن عندك كتب ألفها الأئمة رحمهم الله في بيان علوم القرآن:
ألف الإمام السيوطي رحمه الله رسالته العظيمة في علوم القرآن المسماة بماذا؟ "الإتقان" .
وهناك الكتاب الأخرى المسمى بـ"البرهان"، وكتب كثيرة جدًا مصنفة في علوم القرآن، وألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالته الجليلة المسماة "بمقدمة في التفسير"، وصنف أيضًا الأئمة رحمهم الله في ذلك أنواع من المصنفات سواء أن كان ذلك في القديم أو في الحديث، هذه المصنفات على أنواعها واختلافها أنت بحاجة أن تقف عليها؛ حتى تدرك بعض ما يتعلق من الآلة المعينة على تفسير كتاب الله عز وجل، فأنت إذا دخلت في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى ستدرك أن هذا التفسير وإن كان في الظاهر أنه هين سهل إلا أنك حين دخلت فيه دخلت في قصر عظيم، دخلت في قصر شاسع كبير، دخلت في قصر نعم أبوابه من حديد، ولكن أحمد الله عز وجل أن هيأ لك من أهل العلم الأوائل من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، وكذلك من بعدهم إلى عصرك هذا من ذللوا لك الطرق، ومن يسروا لك السبل، ومن هونوا لك العلوم، وذللوها، وبينوها، ويسروها، بالمصنفات العظيمة التي صنفوها في هذا الشأن.
الطالب:
( ما قبل البدء في صلب الموضوع سأحصر المراجع التي نحتاج إليها حاجة ماسة؛ لتجاوز هذه المراحل، حتى لا تتشعب بنا الطرق في كتب اللغة والتفسير وما أكثرها، فمن هذه الكتب "جامع البيان في تأويل القرآن" لابن جرير أو "مختصره لابن كثير"
ثانيًا: تفسير العلامة عبدالرحمن السعدي "مجلد واحد" التفسير المسند الصحيح "تفسير التحرير والتنوير للطاهربن عاشور "معجم حروف المعان للقرآن الكريم لمحمد حسن شريف "لسان العرب "لابن منظور أو "المحيط" للفيروزآبادي "الجدول في إعراب القرآن").
الشيخ:
هذه الكتب أيها المبارك تم اختيارها بعد نظر واسع جدًا في كتب التفسير، وفي كتب اللغة وفي الكتب المعينة في تفسير كتاب الله عز وجل، والناظر في كتب التفسير المجردة التي صنفت للتفسير فقط سيجد أنها تبلغ أكثر من مائة كتاب، والمصنف في التفسير فقط تبلغ أكثر من مائة كتاب، بل هي أكثر من ذلك بكثير، إذا نظرت إلى الأجزاء الصغيرة والمؤلفات التي ليست بالطويلة فإن كتب التفسير أكثر من ذلك بكثير: ثم إذا نظرت إلى كتب اللغة، وإلى الفنون الأخرى ستجد أن الأمر واسع جدًا؛ ولذا اخترت لك من بين هذا الكم الهائل من الكتب، كتبًا أرى أن فيها كفاية، قد تلحظ أن بعض الكتب هناك ما هو أهم منها وهذا صحيح، ولكن لم أختر ذاك الكتاب مع أنه أهم ما وجد هنا؛ لأن في هذه المجموعة ما يغني عن ذاك المتروك، ذاك الذي تركناه ولم نضفه إلى هذه المجموعة إلى هذه الكتب المنتخبة، هناك من يغني عنه من الكتب المختارة المصطفاة في هذه المجموعة المنتخبة هناك من يغني عنه من الكتب المختارة المصطفاة في هذه المجموعة، فتم اختيار هذه الكتب ليغطي كل كتاب؛ ليغطي جانبًا.
فعندما ننظر مثلاً في جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير، وفي مختصره للإمام بن كثير رحمهم الله جميعًا هذا يتعلق بالتفسير بالمأثور، أي بذكر كلام أئمة السلف رحمهم الله في تفسيرهم لكلام الله، وبإمكانك أيضًا إن أردت بإمكانك أن تستغنى عن تفسير ابن جرير، أو عن تفسير ابن كثير بتفسير الإمام السيوطي رحمه الله المسمى بالدر المنثور في التفسير بالمأثور "هذه الكتب الثلاثة، وأجمعها وأشملها وأكثرها إحاطة بالآثار هو كتاب الدر المنثور هو أشملها من جهة جمع الآثار، فإن هذا الإمام قد جاء من الآثار في كتاب الله عز وجل من تفسير صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و تفسير التابعين، و أتباع التابعين جمع فيه ما لم يجمعه غيره أبدًا، لم يفعل أحد ممن تقدمه بل ولامن تأخره ممن جمع في التفسير، لم يحصل أن أحدًا جمع كتاب في التفسير المأثور كما جمعه هذا الإمام في كتابه العظيم الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ولكن إن أردت شيئًا آخر غير التفسير بالمأثور مع هذا الكتاب عندئذ ننظر إلى تفسير ابن جرير فإنه ذكر التفسير بالأثر، ولكنه أضاف إليه أيضًا أنواع من التفسير الأخرى، وهي ما يسمى بالتفسير من جهة اللغة التفسير بالرأي والاستنباط والفهم ونحو ذلك، فعندئذ هناك ما أضافه ابن جرير رحمه الله على كتابه زيادة على التفسير المأثور؛ فلذا قد يختاره البعض ويقدمه على التفسير الدر المنثور، هذا بالنسبة للكتاب الأول.
بالنسبة للكتاب الثاني هو تفسير العلامة عبد الرحمن السعدي وقد سبق الكلام عن ذلك مطولاً وسبب اختياري هنا، هو أنه جمع ما يتعلق بمسائل التربية، وتهذيب النفس، وتقويم الخلق مع الله عز وجل، ومع النفس ومع الناس، فتم اختياره ضمن هذه المجموعة؛ لأنه سد هذه الثغرة فيما يتعلق بالتربية.
هناك أيضًا بعد ذلك التفسير المسند الصحيح وهو للدكتور حكمت ياسين، وهو طالب علم معاصر موجود الآن ومصنف هذا من أفضل ما يكون بالنسبة لانتفاء الأحاديث الصحيحة بل وكذلك الآثار الصحيحة في تفسير كلام الله عز وجل، فإنه اجتهد في النظر بالأحاديث الصحيحة، بل وكذلك الآثار الصحيحة في تفسير كلام الله عز وجل، فإنه اجتهد في النظر بالأحاديث، وكذلك بالنظر في الآثار، واجتهد في الحكم عليها وهو جيد مفيد؛ لأنه يخرج الحديث، ويخرج الأثر، ويذكر من حكم عليه، ويحاول أيضًا هو من نفسه أن يحكم على هذه الأحاديث، و على هذه الآثار، ولكن لا يغني أبدًا مطلقًا عن كتاب التفسير "كتاب الدرّ المنثور" أو عن كتاب تفسير ابن جرير بالنسبة للتفسير بالأثر.
الكتاب الرابع عندكم تفسير التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور وهذا التفسير من أجل ما صنف في علم تفسير كتاب الله عز وجل، وقد أمضى فيه المصنف رحمه الله أمضى فيه أكثر من خمس وثلاثين سنة وهو مصنف هذا الكتاب قرابة ست وثلاثين سنة، وهو يكتب هذا التفسير مع جلالة المصنف الطاهر بن عاشور رحمه الله مع جلالته وشدة فقهه وفهمه وإدراكه خصوصًا فيما يتعلق باللغة، جانب البلاغة هو إمام في هذا الباب لا يكاد يباري رحمه الله في جانب البلاغة إضافة إلى ما يتعلق باللغة، ومع ذلك هو صاحب فقه، وصاحب نظر، بل وصاحب ديانة رحمه الله رحمة واسعة، فالاستفادة من هذا الكتاب وهو كتاب كبير جدًا في التفسير، هذا الكتاب لابد لمن أراد الحقيقة في علم التفسير وفي علم الاستنباط والمعاني والبلاغة ونحو ذلك أن يستفيد من هذا الكتاب العظيم، وما سألت منصفًا من أهل التفسير في بلادنا في المملكة العربية السعودية أو في خارجها إلا وأثنى على هذا الكتاب خيرًا، فهذا الكتاب فيه علم غزير، وفيه فائدة ليست بالهينة أبدًا، فيستفاد منه في هذا الباب، ولكن يحذر فيما يتعلق ببعض التأويل أو التحريف لما يتعلق بمسائل الأسماء والصفات، فإن الطاهر بن عاشور رحمه الله لم يكن على جادة واحدة في هذا الباب، فتارة يجنح إلى التأويل والتحريف لمسائل الأسماء والصفات، وتارة يجنح إلى ترك الأسماء والصفات على حالها ونحو ذلك، فينتبه لهذا الأمر ويستفاد منه في الجوانب الأخرى.
خامسًا: بين أيديكم كتاب معجم حروف المعاني للقرآن الكريم لمحمد حسن شريف، هذا الكتاب حقيقة أقولها بدون مبالغة من أعجب ما رأيت، أقولها من دون مبالغة أعجب ما رأيت من المصنفات، جاء إلى الحروف في كتاب الله عز وجل فأخذها حرفًا حرفًا، كيف حرفًا حرفًا؟ جاء إلى حرف الألف من كتاب الله سبحانه وتعالى فبدأ من فاتحة الكتاب إلى سورة الناس فوضعها في جدول لك ووضع لكل حرف معنى في هذا الموطن؛ لأن الحروف تختلف معانيها بحسب موقعها وبحسب دلالة السياق، فجاء مثلاً إلى حرف الباء، وكذلك إلى حرف الفاء، وكذلك إلى حرف "إلى" ،وكذلك إلى حرف "من"، كذلك إلى كل الحروف إلى "اللام" جاء أيضًا إلى "عن" جاء إلى كل الحروف المتعلقة بالمعنى في كتاب الله عز وجل فأخذها، تصور مثلاً أنه جاء إلى الفاء في كتاب الله عز وجل فأخذها من أول القرآن إلى آخره فوضع لها جدولاً في كتابه هذا،ة وقال لك هذه الفاء في هذا الموطن لها معنى كذا وكذا هنا عاطفة، هنا استئنافيةن هنا تدل على كذا، فأخذ يذكر معاني الفاء في كتاب الله عز وجل من أوله إلى آخره، وخذ ما شئت بعد ذلك من أنواع الحروف كل حروف المعاني من أخذها على هذا النحو، وفي مقدمة كل حرف يذكر ما يتعلق بهذا الحرف واختلاف النحاة أو البلاغيين في هذا الحرف من جهة دلالته ومن جهة تقسيمه في تنوع الدلالة حسب السياق ونحو ذلك، تكلم عن هذا كله في مقدمة كل حرف فجاء في ثلاثة مجلدات، ولكنه حقيقة قد عمل فيه جهد يحتاج إلى أكثر من ثلاثين سنة، فهو يشكر شكرًا ليس بالهين أبدًا على ما عمله في هذا الكتاب، وإن كان قد لا يوافق على شيء كثير مما ذكره في هذا الكتاب، ولكنه في نفسه في جهده هذا هو جهد عظيم،ة ولو لم يكن فيه إلا الإحصاء،ة ولو لم يكن فيه إلا أنه أحصى هذه الحروف وذكر لها اجتهد في استنباط المعاني لكفاه،ة فكيف وقد عمل ما عمل، شكر الله له ورزقنا وإياه الإخلاص في القول والعمل.
بعد ذلك الكتاب السادس معكم هو كتاب لسان العرب والكتاب مشهور جدًا لا حاجة للكلام عنه وهو لابن منظور،وهذا الكتاب ميزته التي من أجلها جعلناه هو المختار من بين كتب اللغة جميعًا أنه حوى وجمع وإن من المعلوم أن هناك من كتب اللغة ما هو أدق في العبارة وأكثر تحرير في اختيار المعنى، ولكن اخترته هنا لأجل أنه جمع ونحن بحاجة إلى الجمع في هذا الموطن لتتسع دلالة الآية بمعرفة دلالة الكلمة في لغة العرب، فالكلمة في لغة العرب قد يكون لها معنى واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وستة، بالنسبة للفيروزآبادي رحمه الله في كتاب هذا في لسان العرب ميزته التي بالنسبة لنا التي تكون من أهم ما يكون أنه جمع المعاني ولم يختصر، وإنما جمعها وهذا يفيد طالب العلم جدًا فيما يتعلق بالتفسير.
في الأخير كتاب الجدول في إعراب القرآن، وهو كتاب عظيم وجميل جدًا يتعلق بإعراب كتاب الله عز وجل آية آية وحرفًا حرفًا، وهناك كتب أخرى في إعراب القرآن، لكن هذا من أجودها وأحسنها يعني رصًا، وأحسنها اهتمامًا أيضًا كذلك فيما يتعلق بإعراب الجمل، هناك كتب أخرى، كتاب التبيان في إعراب القرآن للدرويش وغيرها، ولكن هذا الكتاب للصافي حفظه الله اهتم ببيان مواقع الجمل في كتاب الله عز وجل. نقف عند هذا الحد، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يعلمنا التأويل، اللهم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا ذا الجلال والإكرام نسألك بكرمك وبجودك وإحسانك وفضلك يا ربنا يا خالقنا أن ترزقنا من كتابك العظيم علمًا، اللهم اجعل لنا من هذا الكتاب العظيم علمًا يا رب العالمين، اللهم اجعله هادينا وقائدنا إلى جناتك جنات النعيم، اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا، اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا، اللهم شفعه فينا يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أم أسماء
27-11-08, 01:30 AM
تفريغ الدرس الرابع عشر:
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله بســم الله الرحمٰن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد تكلمنا سابقًا عن تمهيدٍ لهذه المراحل السبعة لطالب فهم كتاب الله عزّ وجلّ، ونواصل في هذه الحلقة بإذن المولى وبإعانةٍ منه سبحانه وتعالى الكلام عن شيءٍ من هذا التمهيد أيضًا، ثم ندخل في المرحلة الأولى من المراحل السبعة.
وقبل الكلام عن ما بقي من التمهيد أريد أن أعرض سريعًا لبعض الكتب التي ذكرناها البارحة حتى نزيل بعض الإشكال الذي قد يكون ورد في بعض الأذهان، أولا فيما يتعلق بـ"جامع البيان في تأويل القرآن" للإمام ابن جرير رحمه الله، مسألة "تأويل القرآن" أو "كلمة تأويل القرآن" عند ابن جرير رحمه الله وعند من كان في طبقته من الأئمة لا تعني ما يُفهم عادةً من هذه الكلمة عند المتأخرين، فكلمة التأويل عندهم رحمهم الله تعني التفسير، أما كلمة التأويل عند من تأخر من أهل العلم فتعني صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنًى آخر بقرينة دلت على ذلك.
ومراد ابن جرير رحمه الله بهذا العنوان ليس هذا المعنى الذي هو صرف اللفظ من المعنى الظاهر إلى معنى آخر بقرينة دلت على ذلك، وإنما هو أراد التأويل بمعنى التفسير أي بمعنى ما يؤول إليه الكلام أو ما تؤول إليه حقيقة الكلام، فهذا هو مرادهم رحمهم الله من كلمة التأويل في عموم كلامهم سواءً كان هذا في كتب التفسير أو في غيرها أيضًا من الكتب الأخرى، فكلمة التأويل ينبغي أن يُعلم وأن يُفهم أن لها معنى عندهم غير ما يتبادر إلى أذهان كثيرٍ من طلبة العلم في هذا الزمان.
الأمر الآخر وهو فيما يتعلق بتفسير "التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور رحمه الله، قد يقول كثيرٌ من طلبة العلم بأن هذا التفسير العظيم –وقد سبقت الإشارة إلى جلالة هذا التفسير- فيه شيءٌ من العسر، فيه شيءٌ من الطول، فيه شيءٌ من الاستطراد في بيان ما يتعلق بكتاب الله عزّ وجلّ، وهذا حقٌ في هذا الكتاب، ولكن أيها المُبارك نتكلم الآن مع طلبة العلم وليس مع عامة المسلمين، ونتكلم الآن عمن أراد أن يبذل وقته وذهنه وجهده وفكره في تأمل كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن كان على هذا النحو لن يضيره أن يقف وقفات مع كتابٍ مثل هذا الكتاب العظيم.
لا أقول لك اقرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره، فلن تستطيع ذلك غالبًا ولن تستفيد منه أيضًا كذلك الفائدة التي تريدها، لأنك لن تستفيد من تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله إلا إذا أخذت ما عنده وقرنته بما عند الأئمة الأُخر في كلامهم عن الآية المعينة التي تبحث عن تفسيرها وعن تأويلها.
ولذلك قرنت لك بين تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله وبين تفسير ابن جرير حتى تمزج بين التفسير بالمأثور الذي هو تفسيرٌ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتيك التفسير عن ابن مسعود وعن ابن عباس وعن أبي هريرة وعن هؤلاء الأكابر رحمهم الله رحمةٌ واسعة، ويأتيك التفسير أيضًا عن مجاهد ويأتيك التفسير عن قتادة ويأتيك التفسير عن الضحاك وعن سعيد بن جبير وهؤلاء الطبقة العالية من أهل العلم والفضل، تمزج بين هذا وبين تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله فيما يتعلق باللغة واستنباط المعاني البلاغية.
لم نحتاج إلى تفسير الطاهر بن عاشور؟ لأن أولئك الأئمة رحمهم الله رحمةً من أئمة السلف وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لم يكونوا بحاجةٍ إلى أن تُبيَّن لهم ما يتعلق ببلاغة الكلام وفصاحته وبيانه وعلوِّ كعبه في الدلالة على المراد، هذا لم يكن يحتاجون إليه أبدًا لأنهم قد أدركوا لغة العرب بالطبيعة التي نشئوا عليها، وبالسليقة التي تربوا عليها، فإنهم كانوا زمنٍ كانت اللغة على أصلها وكانت سليمة بين الناس يتكلمون هم بلسانٍ عربيٍّ مبين، فكانوا يفهمون الكلام العربي على أتم وجه، وعلى أكمل معنًى، لكن لما ضعفت اللغة في الأزمان المتأخرة احتاج أهل العلم إلى بيان هذه المسائل حتى يستنبطوها ويستخرجوها من كتاب الله عزّ وجلّ ويُبيِّنوها للناس من بعدهم، بل ويبينوها لطلبة العلم من بعدهم ممن ضعفت هذه الملكة لديهم.
ولذا ذكرنا لك هذا الكتاب فستستفيد منه كثيرًا في هذا الشأن، فيما يتعلق باستنباط واستخراج البلاغات، في فهم المعنى فهمًا كاملا دقيقًا، في فهم أصل الكلمة التي جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ وما تدل عليه من المعاني الأخرى التي قد لا تكون طرأت لك على بال.
ثم ذكرنا لك أيضًا الكتاب المُسمَّى بـ"معجم حروف المعاني"، وهذا الكتاب تكلمنا عنه سابقًا فيما يتعلق بفائدة هذا الكتاب وجلالة قدره وما بذله هذا المصنف حفظه الله وشكر الله سعيه فيما يتعلق بجمع حروف المعاني من أولها إلى آخرها في كتاب الله سبحانه وتعالى، وأؤكد على قضية وهي مهمة جدًا فيما يتعلق باختياراتك لمعاني هذه الحروف، ذكرنا لك أن ما بذله هذا المُصنف هو مما قد يعجز عنه كثير من الناس، بل بدون مُبالغة أن ما فعله وما بذله وما تعب من أجله في جمع هذه المادة لو أنه وُكل إلى جامعةٍ كاملةٍ من أولها إلى آخرها لأجل جمع هذه المادة قد تتعب هذه الجامعة بما فيها وما معها من الكوادر العلمية، ولكن هو بذل نفسه واستغرق أوقاتًا كثيرةً جدًا في جمع هذه المادة فشكر الله له.
أما ما يتعلق باختياره للمعنى الخاص بكل آية فيما يتعلق بحروف المعاني فلا، قد يُخالَف كثيرًا فيه هذا الشأن، وسيأتيك أمثلة على ذلك كثيرة، ولكن هذا لا يُقلل في نفسك وفي ذهنك من أهمية هذا الكتاب، فإن فيه من الجهد ما ليس بالهيِّن أبدًا.
بعد ذلك ذكرنا كتاب "لسان العرب"، وقلنا أن مصنفه هو الفيروزابادي، وهذا خطأٌ ليس بالصحيح، فمن المعلوم عند عامة طلبة العلم أن مؤلف هذا الكتاب هو ابن منظور رحمه الله رحمةً واسعةً، وإنما كتاب الفيروزابادي هو كتاب "القاموس المحيط"، القاموس هو الذي للفيروزابادي، و"لسان العرب" لابن منظور.
فيما يتعلق بهذين الكتابين ذكرنا لك سبب اختيار "لسان العرب" وتقديمه على كتاب "القاموس المحيط"، وذلك أن "لسان العرب" قد جمع المادة العلمية وحواها، فأخذ ما قبله من الكتب وجمع كل ما فيها، جمع فيه خمس كتب عظام من كتب اللغة العربية، فعندما تُريد أن تبحث عن معنًى من معاني الله سبحانه وتعالى وتنظر في كلمة من كلمات هذا القرآن تعود لكتاب "لسان العرب" فتجد أنه ذكر أغلب المعاني المتعلقة بهذه الآية، ولذا اخترناه من بين الكتب مع أن هناك كتبًا أخرى قد تكون أكثر تحقيقًا وأكثر تدقيقًا في ذكر المعاني المتعلقة بالكلمات في لغة العرب.
بعد هذا نريد أن نواصل فيما كنا قرأنا به في الحلقة السابقة.
( إن مُداومة النظر في هذه الكتب مجتمعةً يعني بشكلٍ واضحٍ على فهم كلام السلف، ويدرأ المرء عن وصمة الاستهانة بكلام السلف في التفسير، لأنه سيدرك حينها أن العطب في فهمه لا في كلامهم، وأنه وإن فهم بعضها فهو لم يحط بكل ما قصدوه من المعاني لجهله بأساليب العرب في كلامها، فإذا استقر ذلك عنده فلن يجرأ على مخالفتهم في غير مسائل الإجماع حتى يفهم التفسير ومغزاه ومبناه ويعرف أصولهم وقواعدهم في الاستنباط، ثم إن بدا له بعد ذلك أن يجتهد فليجتهد سدد الله خطاه )
هذه الغاية وهذا الهدف هو من أهم ما يكون، الذي نريده من طلبة العلم في هذا الزمان أنهم عندما يقرءوا كلامًا للسلف رحمهم الله في تفسير كتاب الله عزّ وجلّ إياهم ثم إياهم أن يقع في قلوبهم أن تفسير ابن عبّاس ليس كبير شيء، وأن تفسير مجاهد وتفسير قتادة وتفسير الضحاك وتفسير فلان وفلان من أئمة أهل العلم في ذاك الزمان ليس فيه كبير معنى، وهذا وللأسف قد وقع واستقر في قلوب كثيرٍ من المهتمين بتفسير كتاب الله عزّ وجلّ، فيقول لك يا أخي أنا قرأت في تفسير ابن كثير وقرأت في تفسير ابن جرير وقرأت في "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" فما وجدت ما تتكلمون عنه من جهة قوة ودقة كلام السلف رحمهم الله في تفسير كلام الله عزّ وجلّ.
لم لا يجد هذا؟ لا يجد هذا لأنه لم يفهم كلامهم رحمهم الله، السر في ذلك وسببه لأنه لم يفهم كلامهم هم، هو لم يفهم الآية وفقط، لم يفهم الآية ولم يفهم مع ذلك كلامهم هم رحمهم الله في تفسيرهم للآية، وسبب ذلك أنه عندما نظر في كلام السلف رحمهم الله لم يكن عنده من الآلة ولم يكن عنده من الأداة ما يفهم به كلامهم فضلا عن أن يفهم كلام الرب سبحانه وتعالى.
هذا الأمر الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس بل كثيرٌ من طلبة العلم لا نريده أن يقع أيضًا كذلك منا نحن في تفسيرنا لكلام الله سبحانه وتعالى، بل في فهمنا لكلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين، العلة والسبب هي فينا نحن، ليست في كلامهم، هم يتكلمون بلسانٍ عربيٍّ مبين، يتكلمون كلامًا من كان في زمنهم ومن كان مُدركًا لمعاني كلام العرب.
فمن لم يفهم كلامهم فلتكن الملامة بدءًا إلى نفسه، وليعد على نفسه بالذم والقدح ولا يعد على كلامهم رحمهم الله بشيءٍ من ذلك أبدًا، فإنه قد شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعلم، فابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه قد دعا صلوات ربي وسلامه عليه بماذا؟ أن يفقهه في الدين وأن يعلمه التأويل، وهذه الدعوة قُبلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبان أثراها وظهرت ثمرتها على كلامه في كتاب الله عزّ وجلّ حتى شهد لابن عبّاس رضي الله عنه وعن أبيه أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وكل الناس ممن علم شيئًا من كتاب الله كلهم شهدوا لهذا الإمام لهذا الحبر لهذا البحر في كتاب الله عزّ وجلّ بالجلالة، شهد له بالفهم، وشهد له بسعة العلم في كتاب الله سبحانه وتعالى.
فلما تقرأ كلامًا لابن عبّاس فلم تفهمه أو لم يقع في خلدك أن هذا الكلام فيه كبير شيءٍ من توضيح المعنى المُراد من هذه الآية فعد على نفسك بدءًا باللوم، لأنك قد خالفت إجماع علماء أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم على جلالة هذا الإمام في فنه في تفسيره لكتاب الله سبحانه وتعالى.
فإذًا ما السر في أن كثيرًا منا لم يفهم كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين في تفسيرهم لكلام سبحانه وتعالى؟ السر أن الأداة والآلة التي كانت موجودة عندهم ليست موجودةً عندنا بالشكل المرضي الكافي لأن نفهم ذاك الكلام، لكن بدءًا لن تستطيع أن تأخذ هذه الآلات ولا أن تحصل هذه الأدوات حتى يقر في نفسك أن العيب فيك لا فيهم، وأن النقص في فهمك لا فيما جاء عنهم، إذا تبين ذلك واستقر في نفسك أيها المؤمن يا طالب العلم عندئذٍ أبشر بخير، فإن أول الطريق أن تدرك أنك لست على جادةٍ في مخالفتك لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مخالفتك لأئمة الدين من العلماء المفسرين لكتاب الله سبحانه وتعالى.
هذا مقصدٌ عظيمٌ وهدفٌ سامٍ نريده بإذن الله عزّ وجلّ أن يتحقق من هذه الدروس، أريدك بدءًا أن يتضح لك الأمر جليًّا أنَّ النقص عندنا نحن لا عندهم، نعم قد يُخطئ الصحابي في تفسير آيةٍ من كتاب الله عزّ وجلّ، وهذا واقع، قد يُخطئ ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، وقد يُخطئ ابن مسعود، بل قد يُختلفون فيأتي ابن عباس فيُفسر الآية تفسيرًا ثم يأتي ابن مسعود فيُفسرها تفسيرًا مُخالفًا لتفسير ابن عباس، ويأتي قتادة فيخالف ابن عباس، ويأتي مجاهد فيُخالف سعيد بن جبير، وهكذا، لا إشكال في ذلك أبدًا، وإن كان هذا ليس بكثيرٍ بينهم أبدًا، ولكن هذا الخلاف إنما يكون دائرًا في محيط أهل العلم وفي دائرة العلم، لا في الاعتراض عليهم جميعًا رحمهم الله فيما جاء عنهم من تفسير كلام الله سبحانه وتعالى.
ففرقٌ كبيرٌ بين هذين الأمرين، فرقٌ أن تخالفهم جميعًا في تفسيرهم لكلام الله سبحانه وتعالى بل ألا يروق لك ما جاء عنهم من بيانٍ وتوضيحٍ لكلام الله، وفرقٌ أن تجتهد في مسألةٍ فتجد أن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه قد قال في آيةٍ من الآيات كذا وكذا في بيان معناها فتجتهد أنت وتبحث في كلام أهل العلم وتجد من كلامهم ما يؤيد كلامك فتختار قولا يُخالف كلام ابن عبّاس أو كلام ابن مسعود أو كلام فلان وفلان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من كلام التابعين، لا بأس في ذلك ولك أن تجتهد، ولكن لا يكون هذا ديدنًا لك، ولا يكون عن تنقيصٍ لكلامهم رحمهم الله، وإنما يكون في أفرادٍ من المسائل، فإذا كثُر ذلك عندك فاعلم أنك لم تسر على خطاهم ولم تقتفي آثارهم رحمهم الله في فهمهم لكلام الله عزّ وجلّ وهم أعلم الناس وخير الناس وأفضل الناس وأتقى الناس وأقرب الناس إلى الحق بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.
بعد ذلك ندخل في المراحل السبعة مرحلةً مرحلة، ونستعين الله عزّ وجلّ بالبدء بالمرحلة الأولى.
( المراحل السبعة لطالب فهم القرآن:
إذا تبيّن ما سبق فهذه هي المراحل:
المرحلة الأولى: إدراك المعاني اللغوية التي تحتملها لغة العرب للكلمات الواردة في الآية، ثم تحديد المعنى أو المعاني اللغوية المُرادة في الآية نفسها، هذا الأمر من الأهمية بمكان، ذلك أن كلمات القرآن العظيم من جهة الوضوح وعدمه يمكن جعلها على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: كلماتٌ مشهورة واضحة المعنى والدلالة، مثل الناس، الشمس، القمر، البحر، الشجر، السمع، البصر، النور، آل ياسين، الفقير
المرتبة الثانية: كلماتٌ مُتداولة واضحة المعنى الظاهر لكن من يتأمل معنى هذه الكلمات في كتب التفسير ودواوين اللغة فيجد أنها تنطوي على عددٍ من المعاني البديعة التي لم تخطر له على بالٍ وهي معاني يحتملها السياق، فكثيرٌ منها قد جاء التصريح بها أو التلميح عنها من السلف الصالح في كتب التفسير المأثور، لكن لعدم ورود احتمال هذه المعاني أصالةً في خاطره فإن الناظر في تفسير السلف لا يتأمل هذه المعاني في كلامهم، بل قد يستنكر على المحققين من المتأخرين الخوض في هذه المسائل، ومن جهل شيئًا عاداه، ومن أمثلة هذه الكلمات تؤزهم، حرثكم، وشددنا أسرهم، فأجاءها المخاض، كُوِّرت، كُشطت، كالدهان، الصمد، التغابن، رفرف، عبقري، أحقابًا، صليًا، باخع، جمالات صفر، عتيًّا.
وهذا النوع من الكلمات هي التي سنقف عندها طويلا في هذه الرسالة )
الآن لتوضيح هذه النقطة فيما يتعلق بإدراك المعاني اللغوية لهذه الكلمات التي وردت في كتاب الله عزّ وجلّ، وهذه هي المرحلة الأولى التي ذكرنا لكم سبب جعلها هي المرحلة الأولى، لأنا نظرنا في كتاب الله كما سبق وجدنا أن كتاب الله سبحانه وتعالى عبارة عن سور، وهذه السور تتكون من آيات، وهذه الآيات تتكون من جمل، وهذه الجمل تتكون من كلمات، وهذه الكلمات تربط بينها حروف المعاني، فبدأنا بأقل شيء من الأساس بموضوع الكلمة، بدأنا بأول شيءٍ فيما يتعلق بالكلمة، نأخذ الكلمة لنأخذ معناها ثم ننتقل بعد ذلك إلى ما يليها.
فأول ما أخذنا معنا هنا هو موضوع الكلمة، لابد أن نفهم الكلمة هذه في لغة العرب ماذا تعني، ماذا يُراد بها، وأن نفهم أيضًا كذلك هذه الكلمة في هذا السياق ماذا تعني، فعندنا عدة من الإدراكات لابد أن نُدركها للكلمة، فالكلمة في أصل لغة العرب ماذا تعني، لها معنى ولا شك.
عندما نقول مثلا صلّى، كلمة صلّى هذه عبارة عن ماذا؟ عبارة عن اسم أو فعل؟ فعل ماضي، هذا الفعل الماضي في لغة العرب ماذا يعني؟ حدوث هذا الفعل في زمن الماضي، حدث ماذا هنا؟ هل هو الصلاة التي نعرفها الآن تُفتتح بالتكبير وتُختتم بالتسليم؟ في لغة العرب في أصل اللغة لما نقول صلى قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نقول فلانٌ صلى، ماذا يقصد؟ يقصد مجرد الدعاء وعموم الدعاء، فإذًا في أصل اللغة هذه الكلمة تُطلق على مجرد الدعاء دون هذه الأفعال التي نفعلها نحن فهذا لم يكن إلا في الإسلام بعد أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة تطبيقًا لما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، إذًا هذه الكلمة لها معنى في أصل اللغة، لكن بعد أن جاءت في موطنٍ خاصٍّ من كتاب الله سبحانه وتعالى عندئذٍ أصبح لها معنًى آخر يُناسب هذا السياق الذي جاءت به.
أيها الأحبة، فاصلٌ قصيرٌ ثم نعود لنستكمل ما بدأناه بإذن الله سبحانه وتعالى.
فاصلٌ تليفزيوني
بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة ونستكمل ما كنا نتكلم عنه في المرحلة الأولى من مراحل فهم كتاب الله عزّ وجلّ ذكرنا أن هذه الكلمات هي في أصلها لها معنى في لغة العرب ثم لما تأتي في سياق محدد معين سواء كان هذا السياق في كلام الله أو في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كلام أحد الناس يكون لها معنى محدداً في هذا الموطن بالذات يدل على ذاك السياق وقلنا مثلاً كلمة صلى كنا نتكلم عنها هذه كلمة صلى أو الصلاة كانت في أصل لغة العرب هي تطلق على مجرد الدعاء فلما يقال فلان صلى أي دعا سواء كان هذا الدعاء لحق به بعد ذلك بعض الأوصاف الزائدة عليه كما أنك مثلا تقول فلان صلى وقد نريد بهذه الصلاة أنه ابتهل ابتهالاً شديداً فيه ركوع وفيه سجود وكان هذا موجود في أيام الجاهلية حتى قدم مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بل كان موجود أيضاًَ عند الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام فهذه الكلمة في أصل اللغة تدل على مجرد الدعاء وقد يحتف بها أمور أخرى تحدد أو يحدد هذه الأمور القرائن والسياق الذي يجيء في خلل هذه الكلمة إما يسبقها وإما يلحق بها إذاً فالمقصود هنا أن أصل الكلمة لها معنى فلما جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ وهذا هو المراد هنا قد يكون لها معاني أخرى ولكن لا ينبغي أبداً أن يغيب المعني الأصلي عن الذهن وهذا هو الأمر الذي نريد أن نؤكده هنا فيما يتعلق بالمرحلة الأولى إياك ثم إياك إذا أردت أن تفهم كلمة من كتاب الله عزّ وجلّ أن يغيب المعنى الأصلي الذي جاءت هذه الكلمة في لغة العرب للدلالة عليه فلا يطغى المعنى الثاني الذي حدث بعد ذلك حدث نتيجة قرينة شرعية نتيجة لقرينة دل عليها السياق وغير ذلك من القرائن لا ينبغي أن يغيب المعني الأصلي بل يبقى المعنى الأصلي موجود في الذهن فكلمة الصلاة أو صلى ذكرنا أنها في أصل اللغة هي الدعاء بعد ذلك عندما تأتي هذه الكلمة في نص من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة معلومة أن لها هيئة محددة معروفة يعرفها جميع أهل الإسلام إذاً هذه الصلاة لما تغير المراد منها أو بعبارة أدق لما تطور المراد منها فأصبحت الصلاة لها هيئة محددة معلومة لها أقوال لها أفعال تفتتح بالتكبير تختتم بالتسليم ونحو ذلك هذا المعنى في الصلاة المعنى الشرعي لكلمة الصلاة لا ينبغي أن يغيب عن ذهنك المعنى الأصلي للكلمة وهو مسألة ماذا؟ الدعاء وهو معنى الدعاء لهذه الكلمة لأن الصلاة في أصلها إنما هي من قبيل الدعاء والابتهال وهذا يدلك على معنى لابد وأن تفقهه من كتاب الله عزّ وجلّ وهو أن تسمية شريعة من الشرائع أو ركن من الأركان أو واجباً من الواجبات باسم محدد له أصل في اللغة يدل على أن هذا الأصل هو لب هذه الشريعة أو هو لب هذا الركن أو هو لب هذا الواجب الذي جاء من كتاب الله عزّ وجلّ فعندما نتكلم عن الصلاة مثلاً الصلاة قد عرفناها وأدركناها فما لب الصلاة؟ الدعاء لب الصلاة ، لما ؟ لأنّا لم ننسخ ولم نلغي المعنى الأصلي الذي اشتقت هذه الصلاة من لغة العرب اشتقت هذه الصلاة وجعلت هذه التسمية لها من تلك الكلمة الأصلية في لغة العرب فلما اشتقت الصلاة من هذه التسمية من هذه الكلمة علم أن أصل الصلاة ولب الصلاة هو هذا الدعاء فالصلاة من أولها إلى آخرها هي في حقيقتها ماذا؟ هي في حقيقتها دعاء، خذ مثلاً أيضاً كذلك مثال آخر الزكاة في كتاب الله عزّ وجلّ الزكاة في كتاب الله سبحانه وتعالى معلومة تخرج مالاً محدداً بنسبة معينة إذا دار الحول عليك بحسب اختلاف الأموال ونحو ذلك فالزكاة لما تسمع آية من كتاب الله عزّ وجلّ فيها أمر بالزكاة أو كذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيه كلام عن الزكاة فإن الذهن مباشرة ينطلق إلى الزكاة المعهودة المعروفة التي هي ركن من أركان الإسلام لكن هذه الزكاة سُميت زكاة لما ؟ من تزكية الشيء من تهذيبه من تنقيته فإذاً ما الهدف الأسمى من هذه الزكاة أو قل بعبارة أخرى لما شرع الله عزّ وجلّ هذه الزكاة على عبادة هل من أجل أنه سبحانه وتعالى يحتاج إلى شيء من أموالهم هل لأجل أن الله سبحانه وتعالى يريد من ذلك أن يكون فيه تكافل في المجتمع وإن كان هذا مراد لكن أصل المسألة في ماذا في التزكية في التهذيب هي تزكية النفس أولاً ثم تزكية المال الذي هو بعد ذلك تزكية المجتمع من أوله إلى آخره فتزكية النفس بتزكية المال ثم تزكية المجتمع لأن هذه الزكاة إذا فُعلت وعمل بها أهل الإسلام ولم يقصروا فيها فإنها تكون سبباً في تزكيتهم في تهذيبهم في تخليصهم من الشوائب التي تنخر فيهم في إنسان بمفردة أو أيضاً في المجتمع من أوله إلى آخره هذا المعنى الأصلي الذي جاء في كلمات وردت في كتاب الله عزّ وجلّ لا ينبغي أبداً أن يغيب.
خذ أيضاً كذلك الصيام قد ورد في كتاب الله عزّ وجلّ وخذ أمثلة كثيرة جداً تأملها في كتاب الله لابد وأن تفقه هذه المسألة معها وهو أن المعنى الأصلي للكلمة يبقى حاضراً في الذهن ولا يغيب إذا أردت أن تدرك المعنى الكامل وأنا أعيد وأكرر على هذه النقطة أن مرادنا هنا من هذه المراحل السبعة أن ندرك المعنى الكامل يعني الكامل الذي نستطيع أن نصل إليه من آيات كتاب الله سبحانه وتعالى أما المعنى الجزئي الناقص فهذا قد يدركه الإنسان بغير هذا التعني.
سأل أحد الطلبة :
جزاك الله خيراً يا الشيخ، فضيلتك قلت لا ينبغي المعنى الأصلي الذي جاء في الكلمة للدلالة عليها، فكيف إذا جاءت الكلمة بالمعنى الأصلي هل تحمل مثال الصلاة ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾[الأحزاب:56] فهل أحملها على الصلاة أيضاً التي نصليها نحن التي تشتمل على أقوال وأفعال مخصوصة أم تطلق على معناها الأصلي وهي الدعاء؟
أكمل الشيخ :
بارك الله فيك، هذا جميل بالنسبة للمعنى الأصلي إذا جاءت الكلمة في كتاب الله عزّ وجلّ ولم تنقل عن معناها الأصلي فتبقى على المعنى اللغوي التي جاءت في أصل اللغة عليه، ولكن ينبغي أن يدرك أن المعنى الأصلي في اللغة قليلاً ما يبقى على ما هو عليه غالباً أن نصوص الكتاب والسنة إذا جاءت بكلمة من أصل اللغة أنها تضيف عليه معنى مثلاً في الآية قرأتها بارك الله فيك ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ هل الصلاة هنا مجرد الدعاء؟ لا، ليست الصلاة هنا هي مجرد الدعاء وإنما الصلاة هنا كما فسرها أبو العالية الرياحي رحمه الله وكما جاء عن علماء أهل الإسلام في تفسير هذه الكلمة وهو القول المرتضي الذي ارتضاه جماعة من المحققين أن الصلاة هنا على النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد الدعاء وإنما هي ثناء الله عزّ وجلّ على نبيه صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى وهذه منزلة غير منزلة مجرد الدعاء منزلة أرفع وأشرف وأكرم فالله عزّ وجلّ أنت تدعو الله سبحانه وتعالى أن يصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أي أن يثني عليه صلوات ربي وسلامه عليه في الملأ الأعلى عند ملائكته جلّ وعلا، هذا المعنى الزائد المعنى الأصلي لكلمة.
أكمل الطالب :
لا تتوقف على معني.
أكمل الشيخ :
نعم لا تتوقف على معني، بل أن غالباً أن السياق هو الذي يدل على المعنى الزائد الذي جاء به الشرع سواء كان من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وأيضاً من كلام أهل العلم السياق هو الذي يدل على هذا المعنى الزائد ذكرنا لك أن الكلمات في كتاب الله يمكن أن تقسم على ثلاث مراتب كلمات ظاهرة واضحة جلية لا تحتاج إلى بيان ولا إلى توضيح فلو قلت لأي إنسان كلمة الناس كلمة الشمس كلمة القمر كلمة الشجر كلمة السمع كلمة البصر كلمة النور اليتيم الفقير هذه الكلمات هل تحتاج إلى شرح وإيضاح؟ هل هناك من يجهل ما معنى هذه الكلمات ؟ لا وهذه جملة ليست بالقليلة من كلمات هذا القرآن العظيم هي على هذا النحو.
هناك مرتبة أخرى للكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ وهي كلمات متداولة واضحة المعنى الظاهر لكن من يتأمل معنى هذه الكلمات في كتب التفسير ودواوين اللغة سيجد أنها تنطوي على عدد من المعاني البديعة التي لم ينتبه إليها هو في بادئ الأمر .
وهذه المرتبة الثانية من الكلمات قد سمعت لها بأمثلة من هذه الأمثلة تؤزهم الأز في أصل اللغة كثير من الناس يعرف معنى الأز فيه شيء من الدفع ولكنه دفع يكون فيه شدة ويكون فيه قوة ونحو ذلك لكن كلمة تؤزهم في كتاب الله عزّ وجلّ لما وردت هل أُريد بها مجرد الأز فقط الدفع بقوة ؟ لما قال الله عزّ وجلّ ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾[مريم:83] هل هنا الأز الشياطين هذه للكافرين هل هو مجرد الدفع بقوة فقط ؟ لا ، ارجع إلى كلمة أز في لغة العرب وارجع إلى كلمة أز في كتب التفسير باللغة وارجع إلى كلمة أز في كتب التفسير بالمأثور فتجد أن كلمة أز لها من المعاني ما لم يخطر لك على بال وأنها دلت على حقيقة وعلى أمر عظيم بينه الله عزّ وجلّ في هذه الكلمة ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ ومن المعلوم أن معنى كلمة أز هنا ما موقعها من الإعراب ؟
أجب أحد الطلبة :
مفعول مطلق.
أكمل الشيخ :
مفعول مطلق، أحسنت بارك الله فيك، مفعول مطلق ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ فجاءت للدلالة على أن هذا الأز قوي وشديد ومتكرر لكن تأمل كلمة الأز ستجد الأز في لغة العرب تطلق على عدد من المعاني على عدة معاني وهذه المعاني سأذكر لك شيئاً منها الآن حتى تتصور معنى المراد هنا بالمرتبة الثانية الكلمات الواضحة لكن لها معنى قد لا يخطر لك على بال كلمة الأز تارة على الامتلاء الشديد بمعنى أنك تأتي بمثل تأتي بقدر أو تأتي بشيء ممكن أن ينفخ نفخاً من الجلد أو البلاستيك ونحو ذلك فتملأه تملأه ملئاً كلمة الأز من معانيها في لغة العرب الامتلاء ليس الدفع بشدة وقوة هذا معناً ثابت لها ولكنها تدل على معنى آخر ما هو؟ هو الامتلاء فيقال في لغة العرب المجلس أز أزيزاً أو يقال امتلأ المجلس امتلاءً فأز المجلس بأهله أو أز المجلس أزيزاً أو امتلأ المجلس امتلاءً هذه كلها بمعنى أن المجلس هذا امتلئ بالناس وانحشر من كثرة الداخلين فيه فكلمة الأز من معانيها تدل على الامتلاء.
أيضاً من معاني الأز في لغة العرب أنها تدل على الاختلاط فيقال في لغة العرب أز الزيت بالماء أي اختلط الزيت بالماء حصل بينهما نوع من الاختلاط أو يقال أز الناس بعضهم ببعض أي اختلطوا فيما بينهم فأصبح بينهم مرج وهرج ومداخلة واختلطوا فيما بينهم واختلط الزيت بالماء ونحو ذلك فهناك شيء من الاختلاط بين هذه الأشياء التي جاءت واصلة بينها هذه الكلمة وأيضاً من معاني الأز في لغة العرب أنها تدل على شيء من الاضطراب والحركة فيقال أز القدر بالماء كيف أز القدر بالماء ؟ بمعنى أن هذا القدر لما غلا فيه الماء واشتد غليان الماء بدأ يتحرك ويضطرب بدأ يتحرك ويضطرب فمن معاني الأز أيضاً الاضطراب هذه المعاني يا أخي المبارك لو تأملتها في هذه الآية في سورة مريم ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّ﴾[مريم:83] لو تأملت هذه المعاني في لغة العرب لوجدت أنها منطبقة على الكافرين في أز الشياطين لهم فالشياطين تأتي إلى هؤلاء الكافرين فتؤزهم أولاً تخالطهم وتمتزج معهم فتكون كأنهم وهم في جسد واحد وكأنهم وهم ليس افتراق أبداً بل هم شيء واحد الشياطين مع الكافرين أصبحوا كالشيء الواحد ثم إنها خالطتهم مخالطة شديدة جداً ولما خالطتهم أصبحت بعد ذلك قد ملئت هذه الأجساد ونفختها بالشر ونفختها بمعصية الله عزّ وجلّ ونفختها بالرغبة بالاستجابة لإبليس عليه من الله اللعنة فلما خالطتهم ملئتهم رغبة في معصية الله سبحانه وتعالى بل وملئتهم قوة على تجاوز أوامر الله عزّ وجلّ وارتكاب نواهيه وهذا من المراد للشياطين مع هؤلاء الكافرين أنها تزيدهم قوة على قوتهم في الباطل تزيدهم قوة على قوتهم في الشر ثم لما ملئتهم أيضاً أصبح مع هذا كله إيش؟ اضطراب ونوع حركة لكن هذه الحركة موجهة في طاعة الله عزّ وجلّ ؟ لا وإنما هي موجهة في معصية الله سبحانه وتعالى فلما حصلت هذه الحركة والاضطراب حصل هذا الاضطراب وحصلت هذه الحركة من هؤلاء الشياطين مع هؤلاء الكافرين دفعتهم دفعاً قوياً جداً إلى ماذا ؟ إلى معصية الله سبحانه وتعالى هذا المعني في كلمة ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ كان في بادئ الأمر المعنى فيه شيء من الظهور ولكن بعد ذلك عندما تتأمل كلمة الأز في لغة العرب وتتأمل كلمة أز من كلام المفسرين رحمهم الله من كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين ستدرك معنى هذا الكلام، وتدرك ما الذي أراده ربنا سبحانه وتعالى أو من معاني ومن دلائل هذه الآية في وصف حال الشياطين مع الكافرين ولذا بعد ذلك كله أيها المبارك أيها المؤمن لا تستغرب ولا تعجب أن ترى من يعان على الشر فيقف مثلاً على رجليه ست سبع ساعات يرقص ست سبع ثمان ساعات وهو والعياذ بالله مع الشيطان وفى الشيطان ولأجل الشيطان تجده أنه سوسته بينما لو أراد إنسان منا أن يلقي كلمة أو يخطب خطبة أو يقف واقفاً في صلاة ونحو ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يعطيه من القوة المعتادة التي يريد منه سبحانه وتعالى أن يبذلها في طاعته فإذا وقف ساعة أو ساعتين في الكلام أو في الصلاة فإنه ماذا يحصل له شيء من؟ التعب شيء من المشقة بينما هؤلاء الكافرين وهؤلاء الفاسقين وهؤلاء الفاجرين قد يقف الواحد منهم خمس أو ست ساعات من دون أن يشعر بشيء من التعب والإرهاق وإنما يسقط بعد ذلك سقوطاً كاملاً واحداً.
هذا من أز الشياطين لهم فإن الشياطين تؤزهم أزا لأن الله عاقب هؤلاء الكافرين وعاقب هؤلاء الفاجرين وعاقب هؤلاء الفاسدين بأنه أرسل الشياطين عليهم تؤزهم أزا.
هذا معنى من معاني كلمات أز قد ظهر منه شيء قبل ذلك ثم بان منه أشياء وأنت لو تأملت هذا جيداً في كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين ثم في كلام المفسرين ثم في كتب اللغة لو ما هو أكثر من ذلك بكثير، واضح؟
فإذا كتاب الله سبحانه وتعالى بقدر ما تعطيه بقدر ما يعطيك تأمل الكلمة الثانية التي بعدها ﴿حَرْثَكُم﴾ وهذا معنى ظاهر بديء وقد استنبط منه الفقهاء أنه لا يجوز للرجل أن يأتي المرأة امرأته في دبرها لأن الله عزّ وجلّ أباح له ماذا؟ أباح له موطن الحرث، موطن الحرث الذي يكون فيه مناسبة لأن يضع الرجل ماءه في مكان كالأرض المحروثة له فتنبت هذه الأرض وتأتي بالذرية فهذا هو موطن الحرث، أما بالنسبة للدبر فهو ليس موطناً للحرث، ولذا استدل الشافعي وجماعة في القول الجديد له واستدل أيضاً قبله وهو قول الحنفية بل قول جمهور أهل العلم في هذا الباب أن إتيان المرأة في دبرها لا يجوز واستدلوا بهذه الآية وبأدلة أخرى معلومة من السنة النبوية لكن الكلام عن لفظة ﴿حَرْثَكُم﴾ في كتاب الله عزّ وجلّ أنها جاءت في موطن خاص واضح لدلالة محددة معينة كذلك [الانسان:28] ما معنى ﴿ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ﴾ ما معنى كلمة أَسْرَهُمْ ؟ وما الذي دلت عليه؟ كذلك ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ﴾[مريم:23] وغيرها كثير وأنا لا أريد أن أمر عليها سريعاً ولكن أيضاً بإذن الله سيأتي الكلام عن الأمثلة لأن الوقوف على كلمة والحديث عن معناها وعن دلالتها في كتاب الله عزّ وجلّ قد يطول جداً وإنما المراد هنا أن نذكر أمثلة على ذلك وستأتي أمثلة أوسع وأبسط مع كلام أهل العلم وتطبيق ذلك من كلام السلف وكلام المفسرين وكلام أهل اللغة في تفسيرهم لكلام الله عزّ وجلّ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً وإيماناً كاملاً ولساناً ذاكراً وعيناً من خشيته دامعة، اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
12-12-08, 08:14 PM
تفريغ الدرس الخامس عشر:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين .
كنا أيها الأحبة في الكلام عن المرحلة الأولى من المراحل السبعة لطالب فهم القرآن وذكرنا أن الكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ على ثلاث مراحل:
منها كلمات ظاهرة واضحة بينة لا تحتاج إلى شرح وإيضاح .
ومنها كلماتٌ لا فيها ما هو بين وظاهرة ولكنها معاني أخري ومغازى ممكن أن يتأملها من نظر في كتب التفسير نظر في كتب اللغة ونحو ذلك ووقفنا عند هذه المرتبة وكنا قد ضربنا مثل في قوله سبحانه وتعالى ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾[مريم:83]. في قوله سبحانه ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ وهناك أمثلة كثيرة جداً على هذه المرتبة سيأتي بإذن الله شيءٌ منها وأريد أن أمر سريعاً على الكلمات التي سمعتم في الحلقة السابقة حتى لا يبقى الذهن مشدوداً معها وينتظم ما فيها من المعاني لأننا لا نستطيع أبداً أن نعرض لكل هذه الكلمات وبيانها ما فيها من المعاني وكيفية فهم هذه المعاني من كتاب الله عزّ وجلّ وكذلك من كلام المفسرين حولها، فالأمثلة التي قُرأت عليكم فيها ﴿تَؤُزُهُم﴾﴿ حَرْثَكُم﴾ ﴿شَدَدَنَا أَسْرَهُم﴾ ﴿فَأَجَاءْهَا المَخَاضُ﴾ ولعل هذه الآية ﴿فَأَجَاءْهَا المَخَاضُ﴾ أن نقف عندها وقفة طويلة بإذن الله سبحانه وتعالى لبيان دقة كلام السلف رحمهم الله في تفسيرهم لهذه الآيات.
أيضاً ﴿كُوَّرَت﴾ ﴿كُشِطَت﴾ ﴿كَالدِهَان﴾:
لو تأمل الإنسان كلمة ﴿كُوَّرَت﴾ في قوله سبحانه وتعالى ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ وفى الآية التي تليها ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾[التكوير:1-2] فتأمل كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى ﴿ كُوِّرَتْ ﴾ ماذا تدل عليه؟
التكوير في أصل اللغة هو يدل على جعل الشيء مكوراً أي مدوراً؛ ولذا لما تقف على كلام السلف رحمهم وكذا على كلام من بعدهم من أهل العلم في التفسير يقولوا لك بأن المراد هنا أن الشمس وكذلك النجوم أنها تلف الشمس والقمر تلف كما تلف العمامة ويقول بعضهم تكور كما تكور العمامة،
لكن لفظ كورت عندما تتأمل في كتب اللغة ستجد أن هذه اللفظة تتدل على معنيين :وانظر في كتب أهل العلم ستجد أن هذين المعنيين ثابتين ظاهرين واضحين في كلامهم رحمهم الله فالتكوير يدل بدءاً على اللف وعلى الضم وعلى التدوير ويدل أيضاً على اضمحلال النور الذي في الشيء المكور فيدل تارة على اللف والتدوير ويدل دلالة أخرى على اضمحلال النور والانطفاء ولهذه السطور التي كان فيها فالذي يعمل بالشمس والقمر في يوم القيامة أنها تلف وتدور كما تُدَوَّر العمامة وأيضاً يضمحل هذا النور شيئاً وشيئاً، شيئاًَ فشيئاًَ حتى تنطفئ ما في هذه الكواكب الشمس والقمر ينطفئ ما فيها من النور هذا الوجوه في معني كورت.
وكذلك في قوله سبحانه وتعالى ﴿انْكَدَرَتْ﴾ الانكدار في أصل اللغة لو اطلعت عليه هو السقوط بشدة، وقوة وأيضاً الانكدار يدل على الاضمحلال ويدل على ذهاب الضوء شيئاً فشيئاً فهو سقوط شديد يصحبه ذهاب نور هذه النجوم واضمحلال هذه الإضاءة شيئاً فشيئاً حتى تنطفئ تماماً وهذا يدلك على أن الكون بعد أمر الله سبحانه وتعالى بالنفخة العظيمة نفخة الصعق والتي تتبعها النفخة الثانية والتي هي نفخة الموت وصعق الناس جميعاً عندنا فزع وعندنا صعق وهذه إن كانت نفخة واحدة أو كانتا نفختين (الأمر يسير خلاف بين أهل العلم) ولكن المقصود بعد نفخة الصعق وبعد موت الخلائق وبعد حدوث الأهوال في هذا الكون يصبح الكون كله من أوله إلى آخره مظلم شديد الظلمة جداً لا نور فيه ذهب نور الشمس وذهب نور القمر وذهب نور النجوم من أولها إلى آخرها فحصل في هذا الكون ظلمة شديدة قاتمة جداً ليس هناك من نور إلا نور جبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى ذهب كل نور على وجه هذه البسيطة فلم يبقَ إلا نور الله جلّ في علاه؛ ولذا كما في صحيح مسلم لما سأل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم :سألوه عن أين يكون الناس حينما تبدل الأرض غير الأرض -حينما تتقلب هذه السماوات وتتبدل هذه الأرض ولا يبقي شيء حينما تتغير هذه الأكوان جميعاً من أولها إلى آخرها ثم يحصل فيها كما يحصل للأرض وكذلك والكون يحصل فيه هذا التغير الكبير الرهيب أين يكون الناس؟- (قالوا يا رسول الله أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ؟ قال : في الظلمة دون الجسر) والحديث في صحيح مسلم قال:( في الظلمة دون الجسر (قبل الجسر هناك ظلمة شديدة في الظلمة دون الجسر) فهذه الظلمة هي الي تقع في هذا الكون بعد حدوث هذه الآيات العظيمات من تكوير الشمس وانكدار النجوم وما يحصل بعد ذلك من الآيات هذا الكلام تأمله في كلام المفسرين ستجده ظاهراً بيناً واضحاً في الكتب التي ذكرت لك.
حتى في قوله سبحانه وتعالى في نفس السورة ﴿ كُشِطَتْ﴾ ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾[التكوير:11] ما معني الكشط؟
إذا تأملت معني الكشط في لغة العرب ستجد عجباًَ، الكشط جاء تفسيره في قوله سبحانه وتعالى وهذا من تفسير القرآن بالقرآن جاء تفسيره في قوله سبحانه وتعالى ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾[الانبياء:104] كيف كطي السجل للكتب؟
طي السجل للكتب، كانوا في القديم يأتون بالجلد الذي يكون على ظهر الكتب يكون من جهة الأرض ثم يؤتى بالكتب إن كان مثل هذا الكتاب أو غيره يؤتى ويوضع هكذا عبارة عن أوراق ليس فيها جلادة فتطوى هكذا فتطوى الكتب بالسجل هكذا،﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ السجل يطوي الأوراق، هكذا فالله سبحانه وتعالى على جهة تليق بعظمته سبحانه وعلى صفة لا نعلمها ولا ندرك كيفيتها يطوي جلّ في علاه هذه السماوات السبع من أولها إلى آخرها يطويها طوياً بين لنا صفة هذا الطوي في قوله سبحانه وتعالى ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾
معنى كشطت في لغة العرب أي كشعت وأزيلت كما يزال الجلد من على ظهر الكتاب وكما يزال جلد البعير من على لحمه، فالبعير إذا أرد العرب أن يسلخوه فإنهم يزيلون هذا الجلد من على اللحم ويسمون هذا الفعل كشطاً، وهو يشبه السلخ الآن لعموم البهائم هذا السلخ الذي يقع للبهائم تسميه العرب إذا كان للبعير لأنه له صفة خاصة لرقة جلد البعير يسمونه كشطاً، فالله سبحانه وتعالى يكشط هذه السماء من على وجه هذا الكون فيطويها سبحانه وتعالى ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ وهذا هو بيان قول الله سبحانه وتعالى ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ فهذا الفعل وهذا المرحلة هي من أواخر ما يقع من حال السماء؛ لأن السماء تمر بمراحل عظيمة جداً في يوم القيامة بدءاً من الانفطار ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾[الانفطار:1] في بداية الأمر الانفطار الذي هو بداية الانشقاق ثم بعد ذلك يقع الانشقاق ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾[الانشقاق:1].
ثم بعد ذلك يحصل ما يلي ذلك حتى يقع ما قاله الله سبحانه وتعالى في سورة عمَّ ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاب﴾[النبأ:19] أي أصبحت السماء كل السماء من أولها إلى آخرها أصبحت السماء كلها أبواب لأن الملائكة يتنزلون منها كما قال الله عزّ وجلّ ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ﴾ أي ينزل الغمام الأبيض فيُفَتِّح هذه السماء ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيل﴾[الفرقان:25] بعد أن تكون أبواب يتنزل الملائكة من خلال هذه السماء ثم بعد ذلك يحصل طى السماء الذي أخبر الله عزّ وجلّ عنه في هذه السورة أو في السورة الأخرى هذا معنى لقوله سبحانه وتعالى ﴿كُشِطَتْ﴾ في سورة التكوير .
كذلك لو تأملنا كلمة الدهان، الصمد، الدهان فيه شيء من الزيت فحال السماء أنها تتغير هذه الزرقة أو هذا الصفاء الذي في السماء لا يبقى هكذا أبداً وإنما يتقلب لون السماء فتصبح في لونها كالورد أي فيه شيء من الحمرة وهذه الحمرة ليست صافية لا وإنما صار فيها شيء من الدهن وتأمل قول الله عزّ وجلّ في سورة الرحمن ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾[الرحمن:37] تأمل كلام المفسرين في هذه الآية بل تأمل كلام الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في ادراك معني ما يقع على السماء في ذلك اليوم العظيم.
ثم أيضاً،كذلك تأمل ما بعدها الصمد ما الذي يعنيه الصمد ؟
كلمة الصمد عندما تنظر في لغة العرب يقول لك الصمد هو الذي لا جوف له هذا أصل الكلمة في لغة العرب كما قال ابن عباس وغيره من المفسرين الصمد هو الذي لا جوف له ما معني هذه الكلمة عندما نريد أن نفسر ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الاخلاص:2] سبحانه وتعالى هم يريدون بذلك الصمد الذي لا جوف له لأن الذي لا جوف له لا يحتاج إلى غيره لا يحتاج إلى غذاء لا يحتاج إلى إخراج ونحو ذلك هذا فالعرب تطلق على الصمد نوع من الصمدية أنه لا يحتاج إلى غيره بل يحتاج غيره إليه فالله سبحانه وتعالى مستغني عن كل الخلق من أولهم إلى أخرهم لا حاجة له بأحد من الخلق كائناً من كان لا من الأنبياء ولا من الملائكة ولا من غيرهم من البشر أبداً وإنما الخلق كلهم من أولهم إلى أخرهم يحتاجون أن يصمدوا إليه سبحانه وتعالى ولذا قال هنا ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ أي أنه مستغني عن كل الخلق لا حاجة لأحد من الخلق عنده سبحانه وتعالى وإنما الخلق كلهم من أولهم إلى أخرهم يحتاجون إليه في كل أمورهم صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها يحتاجون إلى أن يصمدوا إليه سبحانه وتعالى هذا بعض معنى كلمة الصمد ولك أن تتأمل هذا المعنى جلي أيها المؤمن أيها المبارك في قوله سبحانه وتعالى ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ لأن هذا المعنى إذا استقر في قلبك ستنسى كل المخلوقين وستتجه إلى رب الخلق سبحانه وتعالى وهذا هو الواجب عليك.
الواجب عليك أن تتعلق بإله السماوات والأرض، أن تتعلق بإله العرش جلّ في علاه أما التعلق بالخلق فهذا دليل على ضعف الإيمان وقلة اليقين في الخلق، فإذا كان الإنسان مؤمناً إيماناً يقينياً بربه سبحانه وتعالى إنما يصمد إلى إله واحد جلّ في علاه، أما البشر أما الناس فأولئك لا يصمد إليهم إلا من ضعفت صلته بالله سبحانه وتعالى قد تحتاج إلى صديق إلى زميل إلى حبيب إلى أخ في حاجة من الحاجات لا بأس وقد وقع ذلك من أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، ووقع من الأنبياء ولكن ما الصمدية؟
هو اللجوء والتوكل وتوكيل الأمر إنما يكون إليه سبحانه وتعالى لا إلى غيره هذا الأمر في قوله سبحانه وتعالى : الصمد.
التغابن: تأمل كلمة التغابن في سورة التغابن .... عندما تشتري شيئاًَ قيمته ريال واحد فتذهب تشتريه بعشرة آلاف ريال أليس هذا غبن؟
شيء قيمته ريال تشتريه بعشرة آلاف ريال؟ شيء قيمته جنيه تشتريه بعشرة آلاف جنيه؟ شيء قيمته درهم تشتريه بعشرة آلاف درهم ؟ تصور أنك تشتري قلم أو تشتري مسواك أو تشتري شيء من الأشياء البسيطة جداً تريد أن تشتريه وكان من المفروض أن تشتريه بهذه القيمة الزهيدة البسيطة إذ أنت تدفع فيه مبلغاً وقدره، أضعاف مضاعفه لا حد لها، ماذا يحصل عندك؟ ألا يحصل في قلبك ندم شعور بالغبن أن هذا الذي باع لك قد ضحك عليك قد غبنك قد أخذ من حقك ؟ هذا الذي يحصل يوم القيامة، الذين ضيعوا حقوق الله عزّ وجلّ يشعرون بغبن شديد جداً ولذا سمى الله عزّ وجلّ هذا اليوم بيوم التغابن ولذا يبحث كل إنسان في يوم القيامة عن إنسان ظلمه هو في الحياة الدنيا يتمني أمنية أن يكون من الناس من لطمه أن يكون من الناس من سبه أن يكون من الناس من أخذ من ماله أن يكون من الناس من صدم سيارته عربيته وذهب ولم يصلحها له يتمنى أن إنسان مر على بيته فكسر زجاجة له يتمنى أن إنسان مر على أحد من أولاده فأخذ منه شيئاًَ يتمنى أنه صلى في المسجد ولم يجد حذاؤه بعد أن خرج من الصلاة يتمنى أمنية في يوم القيامة لما ؟ يبحث عن حسنات في يوم التغابن يريد أن يغبن ذلك الإنسان ليأخذ هو هذه الحسنات لأنه ظلمه في شيء من أموره.
فيوم القيامة يوم التغابن الناس يبحثون عمن غبنهم، ويغبن الآخر بأن له حسنات له صلاة ، له صيام ، له ، له ثم ما يدري إلا وقد جاءه الناس أعداداً كثيرة جاءه أقوام من الخلق كل منهم يطلبه في شيء من حقوقه هذا يأخذ منه لأجل أنه اعتدى عليه في ماله وذلك اعتدى عليه بلسانه وذلك اعتدى عليه بيده وذلك اعتدى في شيء من أموره فيجتمع هؤلاء جميعاً عليه فيأخذون من حسناته يأخذون من حسناته، فيكاد لا يبقى منه شيء هذا هو يوم التغابن وسميت سورة التغابن بهذا الاسم لأجل هذا الغرض ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾[التغابن: من الآية9] سمى يوم القيامة بيوم التغابن لأجل هذا سيحصل للناس غبن شديد جداً في يوم القيامة بسبب هذا الأمر وسيحصل لهم أيضاً غبن شديد أيضاً لأنهم قصروا في عبادة الله عزّ وجلّ وارتكبوا شيئا من نواهية سبحانه وتعالى.
كذلك كلمة رفرف، عبقري، أحقاباً، فرياً، جمالات صفر، عتياً ونحوها من الكلمات المذكورة لك أيها المبارك هذه الكلمات لعله يأتي أمثلة على بعض منها أما المرور عليها جميعاً فهذا لا يمكن أبداً، وأنا أتمنى لو كان هناك من الوقت ما نستطيع أن نبين به هذه الكلمات بل وغيرها أتمنى هذا، ما نبين به معاني هذه الكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ بل وغيرها أيضاً .... تكلمنا عنها كلاماً يوضح شيئاً مما جاء في كتاب الله أما الوقوف على كل المعاني فقد نعجز عنه ولكن خذ مثلاً سريعاً في قوله سبحانه وتعالى ﴿رَفْرَف﴾ هذه الآية وردت في أي سورة؟
أجاب أحد الطلبة :
في سورة الرحمن.
أكمل الشيخ:
في سورة الرحمن يقول الله عزّ وجلّ ماذا؟
أكمل الشيخ:
﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾[الرحمن:76]
ما معني ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ ؟
عندما تنظر في كلام المفسرين رحمهم الله فيقول لك عندما تنظر في كلام ابن عباس مثلاً، أو في كلام سعيد بن جبير مثلاً، أو في كلام غيرهم من الأئمة أو في كلام المفسرين من المتأخرين يقول لك الرفرف هي البساتين، الرفرف هي أطراف القصور، الرفرف هي الحدائق التي تكون في القصور، الرفرف هي الحدائق التي تكون في القصور الرفرف هي كذا فيذكر لك من هذا النوع من التفسير طبعاً قد تتعجب لما كلمة رفرف؟
هل رفرف حقيقة تدل على كلمة بستان؟ هل رفرف في اللغة معناها بستان؟ هل رفرف في اللغة معناها حديقة؟ هل رفرف في اللغة معناها الأشجار وأطراف الأشجار ونحو ذلك؟ لا
هل رفرف في اللغة البساط وأطراف البسط، يعني الآن البساط يطلق عليه رفرف ونحو ذلك ؟ لا.
ولكن ارجع إلى أصل اللغة حتى تفهم كلامهم رحمهم الله لما تكلموا هؤلاء بهذا النوع من التفسير حتى تفهم الكلام ارجع إلى أصل اللغة: أصل الكلمة في لغة العرب ماذا تدل عليه؟ كلمة رفرف في أصل اللغة تدل على ماذا :تدل على نوع من التدلي، تدل على أن هناك شيء يكون طرفاً لشيء آخر كما تقول مثلاً حتى في استخدامنا المعتاد الآن السيارة أليس لها رفرف؟ ما هو الرفرف في السيارة هو الذي يكون في طرفها أليس كذلك ؟
البيت يقال له رفرفة ما معنى له رفرفة ؟ أي له شيء أيش ؟ متدلي الشباك له رفرفة ونحو ذلك هذه هي الرفرفة في لغة العرب بقيت على معناها إلى زماننا هذا، الرفرفة والرفرف في لغة العرب هو الشيء المتدلى هو الشيء يكون في أطراف شيء أصلى هو تابع له هذا هو الرفرف .
فعندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ يعني هم متكئين الآن في الجلسة اتكاء والاتكاء يكون بالميل على أحد الجانبين ونحو ذلك أي جلسة مريحة جداً ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ كيف متكئين على رفرف ؟ أي متكئين على أطراف لكن هذه الأطراف أطراف ماذا؟ هذه الأطراف تارة تكون أطراف القصور، ما هي أطراف القصور؟
هي البساتين هي الحدائق فجاء ابن عباس انظر كيف قطع المسافة مباشرة ولكنه ليس رحمه الله ورضى الله عنه وعن أئمة المفسرين في ذات الوقت لم يحتاجوا إلى أن يبينوا لك أن معنى كلمة رفرف هي الطرف وأن القصر له رفرف وأن طرفه هو البستان هذا الكلام الطويل لا يحتاجون إليه يعني لو جاء بن عباس في زمنه وأراد أن يفسر القرآن فقال الكلام الذي قلته لكم الآن لقاموا من مجلسه رحمه الله وتركوه، كلامه معلوم عندهم فلا حاجة إلى تكراره فكلمة رفرف هي الطرف، طيب ابن عباس لما أراد أن يفسر قال لك الطرف رفرف هو البستان.
قال سعيد بن جبير رحمه : الرفرف هو الحديقة،
قال لك الثالث الرفرف هو أطراف الأشجار، قال لك الرابع: الرفرف هو أطراف البسط في الجنة، أنهم يجلسون على أطراف هذه البسط لأنهم ملتمين حلقات متكئين على تلك الأرائك، تلك الكراسي، تلك الأرائك متكئين عليها فكانت جلستهم على هذا النحو، وهذا معني قوله سبحانه وتعالى :﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ﴾ فذكر لك الرفرف ليدلك على عظمة ما هو أجل من الرفرف إذا كان هذا هو الرفرف فما بالك بالأصل، بالقصرنفسه، هذه الحديقة فما بالك بمن كان داخل هذا المنزل العظيم الذي أعده الله عزّ وجلّ لأهل الجنان نسأل الله لنا ولكم من فضله .
أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن المرحلة الأولى بإذن الله سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين حياكم الله أيها الأخوة مرة أخرى :
كنا في الكلام عن المرتبة الثانية من مراتب الكلمات الواردة في كتاب الله عزّ وجلّ وهذا النوع من الكلمات هو الذي سنقف عنده طويلا بإذن الله جلّ وعلا بما نستطيع من الوقت سنقف عنده طويلاً لأنه بحاجة حقيقة كما يقولون في لغة العرب بحاجة أن يٌسَوَّر ما فيه وكما قال ابن مسعود :"تأملوا القرآن وسوروا ما فيه فإن فيه علم الأولين والآخرين" أي سوروا ما فيه ابحثوا ما فيه فتشوا عما فيه .
هناك مرتبة ثالثة من الكلمات وهي الكلمات الغامضة :
قرأ أحد الطلبة :
المرتبة الثالثة: كلمات غامضة بالنسبة لكثير من الناس لا يدرك معناه إلا بمراجعة كتب التفسير واللغة مثل : ﴿انكدرت﴾،﴿مقمحون﴾،﴿زرابي﴾،﴿الوتين﴾،﴿حمأة﴾،﴿الترائب﴾،﴿زنيم﴾،﴿أبّ﴾،﴿قضب﴾،﴿أمشاج﴾،﴿جد ربن﴾،﴿سائحات﴾،﴿لكنود﴾.
ومن هذه الكلمات بعد المراجعة ما يلحق بالمرتبة الأولى، ومنها ما يلحق بالثانية.
أكمل الشيخ:
أحسنت وبارك الله فيك ، هذه هي المراتب، بالنسبة للمرتبة الثالثة ذكر أنها بعد البيان وبعد الرجوع إلى كتب التفسير سيتبين إما أنها من النوع الأول واضحة وإما أنها من النوع الثاني فلا حاجة إلى الوقوف عندها لكن قبل أن ننتقل أريد أن أسأل هل هناك إشكال فيما تقدم؟
أجاب أحد الطلبة :
إن كانت هناك كلمة واضحة المعنى ظاهر ، ولكنها تحمل معنيين فإلام أرجع إلى السياق والسباق واللحاق، أما ماذا؟ مثل مثلاً كلمة ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾[التكوير:17] أأرجع إلى اللحاق ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ معناها أقبل وأبر عند العرب فأرجع إلى كلمة ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾[التكوير:18] وأقول إذ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ أي أدبر أم آخذها على أقبل مثل مثلاً كلمة ﴿قرء﴾ ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾[البقرة: 228] فإلام أرجع؟
أكمل الشيخ:
بالنسبة للكلمات إذا احتملت أكثر من معنى فهذا سيكون راجع لاختلاف المفسرين والترجيح عند اختلاف المفسرين هي مرتبة عندنا من المراتب أظنها المرتبة السابعة أو السادسة عندنا في هذه المراحل وهو ما يتعلق بالمرجحات التي نستعين بها على ترجيح قول على قول عند اختلاف المفسرين، المفسرون في أغلب أقوالهم أنهم متفقون والخلاف في التفسير قليل خصوصاً الخلاف بين العلماء الأوائل رحمهم الله يعني عندما تنظر في طبقة الصحابة طبقة التابعين طبقة أتباع التابعين ومن بعدهم أيضاً بقليل هذه الطبقة الخلاف بينهم في تفسير كتاب الله عزّ وجلّ قليل ليس بالكثير كما نبه على ذلك شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله تعالى ونبه على ذلك جماعة كثيرة من أهل العلم وأشار إلى ذلك ابن جرير الطبري رحمه الله رحمة واسعة .
فالخلاف بين المفسرين خصوصاً من أهل العلم والتحقيق قليل ليس بالكثير وهذا من رحمة الله عزّ وجلّ بنا ولكن هناك مسائل اختلفوا فيها ما يسمى باختلاف التضاد أما اختلاف التنوع فهو يسير ليس هناك تعارض.
أما اختلاف التضاد والتعارض فهناك نعم آيات حصل فيها خلاف تعارض بين المفسرين بين أئمة المفسرين وهذا النوع من الخلاف نحتاج فيه إلى مرجحات إلى قرائن إلى قواعد نستطيع بعدها أن نأتي بعدها إلى هذا القول ونقول هذا القول راجح وإلى ذاك القول ونقول هذا القول مرجوح بقرائن كثيرة وهذه القرائن ليست واحدة ولا اثنتين ولا ثلاث بل هي تزيد على الثلاثين قرينة عندنا ما يقارب ثلاثين قرينة من خلالها من خلال النظر فيها والتأمل فيها نستطيع أن نرجح بين أقوال المفسرين ولكن هناك قرائن قوية جداً وهناك قرائن ضعيفة هناك قرائن كثيرة في الاستخدام وهناك قرائن قليلة الاستخدام من أهم القرائن في هذا الباب واستفدنا فيما سألت عنه بارك الله فيك فيما يتعلق بما يسمى بلغة القرآن وهذه يستخدمها ابن عباس رضى الله عنه استخداماً كثيراً ويستخدمها أيضاً من جاء بعده ويستخدمها ابن جرير ويستخدمها أيضاً كذلك ابن كثير، ابن عطية ويستخدمها من أئمة أهل التفسير يستخدمها شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله، ويستخدمها ابن عاشور هؤلاء من أكابر أهل التفسير يستخدمون هذا النوع من الترجيح وهذا النوع من القرائن وهو ما يتعلق بلغة القرآن: تأتي إلى الكلمة، هذه الكلمة في كتب اللغة لها معني وفى كتاب الله سبحانه وتعالى إذا تكررت في كثير من المواطن لها معني تأمل هذه الكلمة في كتاب الله عزّ وجلّ لما تكررت في ثلاثين موطن في أربعين موطن في خمسين موطن لما تتأمل هذه المواطن جميعاً تجد أن هذه الكلمة في أحيان أنها تدور على معنى واحد فإذا جئت إلى موطن الخلاف عندئذٍ فهذا الموطن يكون في الأولى أنه تابع للمواطن إيش ؟ الثانية مثل لفظة الزينة مثلاً في كتاب الله عزّ وجلّ وجل الزينة في كتاب الله تارة تطلق ويراد بها الزينة الظاهرة وتارة تطلق ويراد بها الزينة الباطنة تارة تطلق ويراد بها الزينة الظاهرة وتارة تطلق ويراد بها الزينة الباطنة لكن لما تأتي في مواطن الخلاف مثلا في تفسير ابن عباس وكذلك ابن مسعود لمسألة الزينة التي يجب على المرأة أن تغطيها فالله سبحانه وتعالى أمر النساء بأن ماذا ؟ بألا يبدين زينتهن نهاهن أن تبدى المرأة زينتها هذا النهي الذي جاء في كتاب الله عزّ وجلّ نهى المرأة أن تبدى زينتها ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾[النور: 31] إلى آخر الآيات فهذا النهي جاء في كتاب الله عزّ وجلّ الزينة هنا التي نهيت المرأة عن إبدائها ما هي ؟ هل هي الزينة الظاهرة أو الزينة الباطنة ؟ التي نهيت عن إبدائها الزينة الظاهرة المراد بها ما يكون من الجسد الظاهر يعني المرأة تتغظى تتحجب تغطي وجهها تغطى يديها تغطي ما أمرت به ثم إذا خرجت في الشارع سيبقى من زينتها ظاهر بدنها سيبقى ما ينظر إليها يعلم أنها طويلة أنها ثمينة أنها قصيرة أنها نحيفة أنها كذا أنها كذا سيجد من مظهرها ما يعتبر زينة بالنسبة لها لكن هناك من الزينة ما لم تستطع المرأة أن تغطيه فلم تؤمر المرأة أن تضع حجاب عليها من أولها إلى آخرها هكذا لا يظهر شيئاً منها مطلقاً هذا لم يكلف الله عزّ وجلّ به المرأة مطلقاً ولم يأمر به الناس ولكن أمرهم أن يغطوا الزينة، فابن مسعود رحمه الله ورضى عنه لما نظر إلى هذه الآية في تفسيرها نظر إلى قوله سبحانه وتعالى ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ ثم أخذ الزينة واختلف الأمر عنده هل الزينة هي الظاهرة أم الزينة الباطنة معنى هل الزينة الظاهرة التي ذكرت لكم أم الزينة الباطنة التي هي الوجه والكفان هل هي الزينة الظاهرة التي هي الوجه والكفان أم أنها الزينة الباطنة نظر إلى هذه وإلى تلك فابن مسعود لما نظر إلى الزينة التي نهيت المرأة أن تبديها في هذه الآية وحصل نوع من الاختلاف والمراد هنا أو هناك وكذلك ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين نظروا إلى الآيات الأخرى نظر ابن مسعود وما وافقه إلى الآيات الأخرى التي جاء فيها لفظ الزينة في كتاب الله سبحانه وتعالى وهو ما يقارب تسع وعشرون كلمة لفظة الزينة وردت ما يقارب هذا التكرار في كتاب الله سبحانه وتعالى وعندما تتأمل هذه الزينة ستجد أن لفظة الزينة في كتاب الله سبحانه وتعالى من أول القرآن إلى ختامته تكاد تقطع يقينا بأن هذه المواطن إنما يراد بها الزينة الظاهرة لا الزينة الباطنة تأمل هذا في زينة الأرض التي أخبر الله عزّ وجلّ عنها وكذلك في زينة السماء ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾[الملك:5] زينة السماء الدنيا مصابيح زينة ظاهرة أو باطنة ؟ ظاهرة ، كذلك زينة الأرض زينة ﴿وازَّينَت﴾ زينة ظاهرة أو باطنة ؟ زينة ظاهرة وهكذا خذ ما شئت ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف:46] زينة باطنة أو زينة ؟ زينة ظاهرة، فتأمل كلمة الزينة في كتاب الله عزّ وجلّ ستجد أن الزينة المراد أن الزينة المراد بها في كتاب الله عزّ وجلّ هي الزينة الظاهرة ، لا الزينة الباطنة فلما نحمل هذا الموطن الذي هو أصبح محل خلاف نحمله على المواطن الأخرى يتبين لنا أن المرأة نهيت هنا أن تبدي الزينة الظاهرة أو الباطنة ؟ الظاهرة فعندئذ نرجح بين كلام المفسرين في هذه المسألة بمثل هذا الترجيح كذلك فيما سألت عنه من الأمثلة في مسألة القرء ونحو ذلك هناك أمثلة القرء في كتاب الله القرء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القرء عند عامة العرب في أصل الكلام القرائن وغير ذلك ستجد أن هناك قرائن توضح لك المراد واضح الكلام .
بعد ذلك نقرأ في ما يتعلق بكيفية تدبر هذه الكلمات الواردة في كلام الله سبحانه وتعالى .
قرأ أحد الطلبة :
إذا تبين هذا سيبقى عندنا سؤال كبير وهو: كيف يحصل للطالب فهم كتاب الله تعالى إلى معرفة دلالة الكلمة ؟
والجواب: أن دلالة معرفة الكلمة يكون بعرض الكلمات التي تتدبر آياتها على المراتب الثلاث السابقة، ومعرفة درجتها من الوضوح والغموض فعندما تمر بكلمة في كتاب الله وتدرك أن فيها شيئاً من الغموض أو أنها توحي بأن البحث فيها قد يفيد في معرفة دلالة هذه الكلمة بشكل أكبر أوضح فعندها نرجع إلى المصادر التي تساعد في بيان هذه الدلالة إن وجدت.
وهذه المصادر كثيرة متنوعة لكن سأحصر البحث في مصادر محددة تغني الباحث في مراحلة الأولى.
فأقول: نحتاج لفهم كلمات الكتاب العزيز فهماً شبه تام إلى ثلاثة مراجع .
(أكمل الشيخ:
أرجو أن تتأمل كلمة شبة تام، لا نريد المعنى الكامل التام الكلي هذا قد يتيسر ولكن على الأقل يكون المعني شبه تام . )
أكمل الطالب:
إلى ثلاثة مراجع جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير وإلا فتفسير ابن كثير، تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، لسان العرب لابن منظور، أو القاموس المحيط للفيروزأبادي أما عن كيفية الاستفادة من هذه المصادر فعلى النحو التالي عندما نمر على كلمة في كتاب الله على الصفة السابقة فإننا نعود أولاً إلى تفسير ابن جرير أو ابن كثير مع تفسير التحرير والتنوير وسنجد أن المفسرين بالمأثور يأتون بكلام السلف في بيان المراد بهذه الكلمة فدقق النظر فيه ثم انظر لازماً تفسير التحرير والتنوير فقد يذكر من المعاني ما يوضح كلام السلف وهو ينبه إلى ما كان خافيا عليك منه وقد يضيف معاني صحيحة لم تأتي صريحة فيما سبق .
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، الآن نتكلم عن كيف يصل طالب العلم إلى فهم دلالة الكلمة الآن كأنما استوعبنا أن فهم دلالة الكلمة مهم جداً لفهم كلام الله سبحانه وتعالى يعني قبل التفسير نحتاج أن نفهم معني هذه الكلمة في كتاب الله سبحانه وتعالى لكن السؤال الوارد هنا كيف سنصل إلى فهم دلالة الكلمة ؟
عندنا أشياء معينة على هذا الأمر، تمر بك الآية في كتاب الله سبحانه وتعالى وأنت بما آتاك الله من ما بقي لك من لسان العرب ومعرفة بهذه اللغة فأنت تعلم أن هذه الكلمة التي تمر عليك هي كلمة ظاهرة واضحة جداً ليس فيها ما يمكن أن يستنبط من المعاني ونحو ذلك بينما تمر عليك كلمة أخرى ستشعر أن من الممكن أن يخفى عليك شيء من معناها خذ مثلاً في قوله سبحانه وتعالى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾[الفلق:1] عندما تمر بك هذه الآية قل هل ممكن أن يرد في خاطرك أن فيها معنى لم تقف عليه، معناها ظاهر أليس كذلك؟ قل يعنى القول معروف هناك معنى ظاهر تستطيع أن تقول والله قد يمر عليك ألفاظ ونحو ذلك المعني فإنه معنى متداول معروف ظاهر بين أعوذ، الاستعاذة بنفسها أيضاً كذلك معلومة ولو رجعت إليها قد يزيد لك الأمر بياناً شيء ما لكن قل أعوذ برب الفلق كلمة رب أيضاً كذلك واضحة ظاهرة لكن برب الفلق، الفلق معنى الفلق عندك ظاهر بين تعلم أنت بما تعرف معنى كلمة إيش ؟ الفلق، الفَلَق مأخوذ من ماذا من الفَلْق، والفَلْق هو شيء من الكسر والتحطيم ونحو ذلك.
لكن هذه الكلمة ألا تشعر أنت أنك لو رجعت إلى كلام المفسرين وإلى كلام أيضاً كذلك أهل اللغة في تفسيرهم لكلمة الفلق ألا تشعر أنك قد تستفيد شيئاً بخفاء في معناه وإن كان هذا الخفاء قد يكون ليس تاماً فعند مرور هذه الآية ارجع إلى كلمة الفلق، وأنا أقول لك الآن ارجع إلى كلمة الفلق في كلام الصحابة وارجع إلى كلمة الفلق في كلام المفسرين وتأمل هذا ستجد تناسباً عظيماً جداً وعجيباً في كلمة الفلق وفى وجوب هذا الوصف أو في حصول هذا الوصف في كلام الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بعينها هذه السورة سميت سورة الفلق ثم جاءت الاستعاذة مبدأً باسم الرب سبحانه وتعالى برب الفلق فذكرت صفة أنه سبحانه وتعالى أنه ربٌ للفلق وهذه الصفة مناسبة لما نحن فيه من قضية الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى لكن هذه المناسبة لو وقفنا في بيانها قد يطول الأمر قليلاً ولا أريد ذلك أبداً لأنه قد يدخل علينا مجموعة من الحلقات التي نحن بأمس الحاجة إليها وإلا فالوقوف هنا جميل جداً فيما يتعلق بالربط بين دلالة الكلمة وبين السورة نحن نتكلم هنا عن الكلمات وعن دلالتها كلمة الفلق هنا لها علاقة وطيدة جداً بكون هذه السورة من سور الاستعاذة التي يتعوذ بها الإنسان لأن الله عزّ وجلّ جعل المعوذات ثلاثة قل هو الله أحد، وهذه هي التي يلجأ فيها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى ثم أمره بالاستعاذة بسورة الفلق التي هي تقيه من الشرور الظاهرة، ثم أمره سبحانه وتعالى بالاستعاذة بسورة الناس التي تخلصه وتقيه من الشرور الباطنة فتلك ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ ، والفلق عادة ما يكون أمراً خارجاً جاء ليكسر سواد محكم أحاط شيئاً من الأشياء فكذلك هذه السورة تكسر هذه الظلمة التي أحاطت بالإنسان وهذه الشرور التي غلفته .
بالنسبة لسورة الناس لا ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ ﴾ ماذا ؟ ﴿ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ الوسوسة والخنوس هل تكون أمر خارجي يغلف أم أنها أمر باطني خفي ؟ أمر باطني خفي، فتلك سورة الناس تحميك من هذه الوساوس من هذا الخنوس الذي من الشيطان يخنس ويوسوس يأتيك تارة ويخنس تارة يوسوس ثم يخنس وهكذا في سورة الناس فكيف من شره فسورة الناس تقيك من شره هذه الوسوسة الخفية تقيك من شره سورة الفلق تقيك من الشرور الظاهرة التي تحيط بك من الناس سميت بالفلق لأنها تفلق هذه الشرور الظاهرة التي يجعلها الشيطان حول هذا الإنسان المقصود منه أن كلمة الفلق لها معني ولها دلالة ابحث عنه ستجد أنه هناك بالسورة التي تنزلت من أجل غرض محدد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمرك بالاستعاذة من الشيطان لسورة منها هذه السورة العظيمة.
أم أسماء
12-12-08, 08:23 PM
تتمة التفريغ الخامس عشر:
فيما يتعلق بعد ذلك إذا مرت بك هذه الكلمات وشعرت بأنك بحاجة أن تراجع شيئاً من الكتب التي تساعدك على فهم دلالة هذه الكلمات ذكرنا لك ثلاثة كتب.
الكتاب الأول هو جامع البيان في تأويل القرآن للإمام بن جرير وكذلك مختصره ابن كثير تفسير ابن كثير وهناك بعد ذلك تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور وهناك الكتاب الثالث لسان العرب لابن منظور أو القاموس المحيط للفيروزأبادي هذه الكتب الثلاثة أيها المبارك تكون قريبة منك في مكتبتك فعندما تحتاج إلى الرجوع إلى كلمة من كتاب الله سبحانه وتعالى فارجع إليها ترجع إليها لتستفيد منها سيفيدك هذا في أمر كبير وجليل وهو أنك عندما ترجع بدءاً إلى تفسير ابن جرير أو تفسير ابن كثير ستفهم كلام السلف ولو جزئياً ثم بعد ذلك ستنظر في تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور ستفهم أيضاًَ كذلك مزيد من الفهم لكلام الله عزّ وجلّ إن بقي في ذهنك شيء من المعني قد يكون غامضاً حول هذه الكلمة ارجع بعد ذلك إلى لسان العرب ستجد أن المعني من جهة اللغة قد اتضح لك جلياً وبان لك وهذا سيوسع المعني كثيراً بالنسبة لفهمك للآية التي تبحث عن معناها نذكر الآن أمثلة على هذا الآن ذكرنا لك الطريقة والوسيلة السليمة لكيفية الاستفادة من هذه المرحلة نذكر الآن أمثلة توضح لك هذا الكلام كله من أوله إلى آخره .
قرأ الطالب:
وهذه أمثلة توضح ما ذكر أبدأها بالأيسر فهماً المثال الأول قوله تعالى ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّ﴾[مريم:16] .
أكمل الشيخ:
أنا اخترت لك في المثال الأول مثال يسير جداً سهل حتى لا يثقل عليك المعنى لا أريدك أن تنفر لا أريدك أن تشعر بأن الأمر صعب وعسير جداً لا الأمر ليس بالعسير سأذكر لك الأمثلة ماذا أبدأ ؟ نبدأ باليسير ثم ندخل شيئاً فشيئاً فيما هو أدق منه ولعل الله عزّ وجلّ أن ييسر لنا فهم كتابه سبحانه وتعالى . أيها الأحبة نقف عند هذا الحد ونواصل بإذن الله فيما نستقبل أسأل الله عزّ وجلّ لنا ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم اهدنا واهد بنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اهد شباب المسلمين وشيبهم ونساءهم ورجالهم وصغارهم وكبارهم اللهم اجعلنا جميعاً من العاملين بكتابك المقتفين لأثاره المتبعين لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .
أم أسماء
12-12-08, 08:24 PM
http://www.arabsys.net/pic/bsm/40.gif
تفريغ الدرس السادس عشر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين .
أيها الأحبة نواصل ما بدأناه فيما يتعلق بالمراحل السبعة لطالب فهم القرآن وأنا أنبه إلى ما يتعلق لأن هذه المراحل أعلم أنه قد يكون فيها شىء من العسر شىء من الحاجة إلى استحضار الذهن شيء أيضا من المراجعة لكتب العلم ولكن الهدف ليس بالهين والغرض ليس بالقليل بل نتطلب أمراً عظيماً جليلاً كبيراً وهذا الأمر يحتاج إلى ما يناسبه من البذل والعطاء ولك أن تتأمل كلام ابن القيم –رحمه الله- حين يقول:
فتدبر القرآن إن رمت الهدى .:. فالعلم تحت تدبر القرآن
كنا في المرحلة الأولى وتكلمنا عن توطئة يسيرة فيما يتعلق بهذه المرحلة إلى أن وصلنا إلى الأمثلة على ماسبق من الكلام فيما يتعلق بقاعدة (إدراك المعاني اللغوية للكلمات القرآنية)
إن كان هناك سؤال قبل أن ننتقل فأرجو أن يكون ذلك .
تفضل :
سؤال : فضيلتك تكلمت في الحلقة الماضية عن (ولا يبدين زنتهن إلا ماظهر منها) فقلت أثناء الشرح : أن الكفين والوجه هذا من الزينة الباطنة ثم قلت بعد ذلك : (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) وشرعت في تفسيرها أن الزينة الظاهرة هي الزينة في جميع القرآن (ولقد زينا السماء الدنيا) وما أشبه ذلك ؛ فما المقصود هاهنا بالزينة ؟ هل هي تغطية الوجه والكفين ؟ أم .....؟
الجــواب : لا نريد الكلام عن المسألة الفقهية المعينة المحددة : هل يجب على المرأة أن تغطي وجهها وكفيها أو لا يجب ؟ هذه المسألة ليس هذا موطن الكلام فيها وإنما الكلام فيها في كتب الفقه في بيان هذه المسألة من جهة الأدلة والنظر فيها وأقوال أهل العلم ونحو ذلك ولكن الكلام الآن هنا عن فهم كلمة الزينة عند اختلاف المفسرين رحمهم الله في كلمة الزينة في هذه الآية (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) اختلفوا في الزينة هنا فمنهم من قال من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إن الزينة المراد بها هنا ما ظهر من الجسد بعد التغطية كما ذكرت لك من الطول والعرض وأن يكون الجسد نحيفاً أو سميناً أو نحو ذلك ، ومنهم من قال : لا ؛ إن المراد هنا الوجه والكفان .
هذا الخلاف بُني على الاختلاف في مسألة الزينة فالمراد بالزينة هنا هل هي الزينة الظاهرة أم الزينة الباطنة لأن الله عز وجل قال (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) هذا الاستثناء (إلا ما ظهر منها) راجع إلى أي شيء ؟ هل هو راجع إلى الزينة الباطنة ؟ أي إلا ما ظهر من الزينة الباطنة ، واضح ؟
والمقصود هنا بالزينة الباطنة كما ذكرت لك هي زينة الوجه والكفين فعلى هذا يجوز أن تبدي المرأة وجهها وكفيها أما على التفسير الآخر ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) والمقصود هنا بالزينة ، الزينة الظاهرة (إلا ما ظهر منها) أي إلا ما ظهر من الزينة الظاهرة فعندئذ لا يجوز للمرأة أن تبدي وجهها ولا كفيها لأن الله –عز وجل- استثنى فقال : (ولا يبدين زينتهن) أي : من الزينة الظاهرة (إلا ما ظهر منها) أي : ما لم تُظهره هي وإنما ظهر من الزينة الظاهرة لزاماً من غير قصد ظهر من غير قصد في إبداء هذه الزينة ومن المعلوم أن ما ظهر من الزينة من غير قصد هو ما كان من خارج الجسد أما بالنسبة لزينة الوجه والكفين فإنه تتقصد المرأة أن تبديه لا تخرج هكذا من غير قصد ولذا استثنى أيضاً أهل العلم في هذه المسألة بناء على قوله تعالى : (إلا ما ظهر منها) أي ما ظهر من غير قصد فلو أن يد المرأة ظهرت هكذا من غير قصد عمل أو نحوه أو ظهر شيء من وجهها من غير قصد فهذا معفو عنه لأن الله –عز وجل- قال : (إلا ما ظهر منها) أي : إلا ما ظهر من الزينة الظاهرة ، وذكرنا لك أن الراجح من أقوال المفسرين في هذه الآية أن الاستثناء وقع من الزينة الظاهرة أما الزينة الباطنة فإنها لم ترد في كتاب الله عز وجل إلا أقل القليل أما أكثر الآيات الواردة في الزينة إنما يُراد بها الزينة الظاهرة ولذا يكون تفسير الآية (ولا يبدين زينتهن) أي : لا يبدين من زينتهن الظاهرة إلا ما ظهر منها ، واضح ؟
- جزاكم الله خيرا
- بارك الله فيكَ
ثم طلب الشيخ من طالب أن يقرأ .
بسم الله الرحمن الرحيم "وهذه أمثلة توضح ما ذُكر أبدأها بالأيسر فهماً ، المثال الأول : قوله تعالى : (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً) كثير من الناس يفهم من الآية فهماً سريعاً وهو أن مريم عليها السلام ابتعدت وخرجت عن قومها لتتفرغ لعبادة ربها أو لحاجة لها أو نحو ذلك وهذا فهم صحيح لكن الآية تدل على أبلغ من هذا ، وذلك أن إذا تأملنا كلمة (انتبذت) نجد أن فيها معنىً زائداً يدل على أن خروج مريم ليس خروجاً عادياً وإنما خروجٌ شديدٌ فيه طرحٌ واعتزالٌ ونبذٌ لقومها وكأن أهلها وعشيرتها وقومها شيئاً منبوذاً غير مرغوب فيه بالنسبة لها أخذته وألقته بشدة بعيداً عنها تخلصاً منه وهذا يُفهم من تأمل الكلمة وله أمثلة كثيرة في كتاب الله".
نعم ، أحسنتَ ، بارك الله فيكَ.
انظر إلى كلمة (انتبذت) في كتاب الله سبحانه وتعالى في سورة مريم في هذه الآية .
الله –سبحانه وتعالى- يحكي عن مريم (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) هذه الكلمة استخدام كلمة (انتبذت) هنا كان بالإمكان أن تُستخدم أي كلمة أخرى تدل على هذا المعنى إذا كان المعنى أنها ابتعدت وخرجت عن قومها وفقط هذا هو المراد لكان هناك كلمات تدل على هذا المعنى بظهور من دون الحاجة إلى استخدام كلمة (انتبذت) لكن استخدام هذه الكلمة بعينها وهي كلمة (انتبذت) لها دلالة ويُعطي المعنى شيئاً من القوة في الخروج عن قومها وفي الابتعاد عنهم لم يكن أبداً ليُعطيه لو استُخدمت كلمات أخرى فقوله –سبحانه وتعالى- (إذ انتبذت) عندما ترجع إلى كلمة (انتبذت) في لغة العرب وكذلك في استعمال الفصحاء كلمة (اانتبذت) تدل على شيء من ماذا ؟ من الإلقاء شيء من الخروج الذي فيه رمي وترك لهذا الشيء الذي نُبذ فعندما تقول مثلا : نبذت الحجر أو نبذت هذه القطعة من القماش أو نبذت فلاناً من الناس فإنك لا تريد فقط أنك ابتعدت عنها لأنك قد تبتعد عن الصديق تبتعد عن الحبيب قد تبتعد عن إنسان تريد أن تقترب منه فتبتعد عنه لأي غرض كان لظرف طرأ عليك ولكن لا تقول في صديق وحميم وعزيز إلى قلبك نبذته لا تستخدم هذه العبارة وإنما تستخدم هذه الكلمة إنما تُستخدم إذا أردت أن تبتعد عن شيء لا تريده ولا ترغب فيه فمريم عليها السلام لما أرادت أن تخرج عن قومها ماذا فعلت فإنها انتبذت بمعنى أنها تركت قومها وخرجت عنهم خروجا فيه كراهية لهؤلاء القوم فيه بعد بالبدن وبالروح عنهم جميعا فنبذتهم نبذا وتركتهم وهجرتهم هجرا لأنهم كانوا في حال لا تُرضي الله عز وجل وكانوا في اقتراف للمعاصي وفي بعد عن الأوامر وفي شرك بالجبار سبحانه وتعالى جعلت هذه المرأة الصالحة تكره هؤلاء القوم وتكره العيش معهم فما كان منها إلا أنها انتبذت من قومها (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) فخرجتهم خروج من كره معاشرة هؤلاء القوم وهذه الكلمة هي التي دلتنا على هذا المعنى اللطيف الذي جاء في هذه الآية .
"المثال الثاني : في قوله تعالى : (وقد بلغت من الكبر عتياً) في سورة مريم ، لننظر أولا في تفسير بعض السلف ، قال مجاهد : "(عتياً) : يعني نحول العظم" وقال ابن زيد : "العتي الذي قد عتى عن الولد فيما يرى نفسه لا يُولد له"؟ ثم لننظر في أصل كلمة (عتيا) هي مأخوذة من العتو وهو كل مبالغ فيه مما يُذم أو يُعاب ويتجلى الأمر أكثر عندما نعود مثلا إلى كتاب (التحرير والتنوير) : فيتبين أن كلمة (عتيا) و (عتوا) تُطلق على الشيء اليابس ، إذا فقد وقع لزكريا –عليه السلام- كبر في السن مبالغ فيه حتى انحلت منه عظامه ويبست يبوسا شديداً ، نخلص من هذا أن زكريا تضرع إلى ربه لضعفه الشديد حيث أنه قد كبر وزاد به السن حتى يبس منه العظم فأصبح لا رطوبة مطلقا في بدنه ينتج منها ماء الولد فكيف له مع ذلك بالولد".
نعم ، هذا بتأمل كلمة واحدة من كتاب الله –عز وجل- من قوله سبحانه وتعالى على لسان زكريا –عليه السلام- : (وقد بلغت من الكبر عتياً) زكريا –عليه السلام- يريد أن يبتهل إلى الله –سبحانه وتعالى- أن يتضرع إليه أن يلجأ إلى ربه أن يتقرب إليه أن يبلغ بالوسيلة إلى ربه –سبحانه وتعالى- بلوغاً يطمع فيه أن يكون معه إجابة من الله –جل وعلا- ومن المعلوم أن من الوسائل التي يهرع إليها العبد في طلب إجابة دعوة الرب –سبحانه وتعالى- أن يتضرع إليه بضعفه بمسكنته بفقره بشدة حاجته إلى الله –عز وجل- هذه المسكنة وهذا الضعف وهذا الفقر وهذا اللجوء وهذا افخبار عن الحال هذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء وزكريا عليه السلام أراد أن يتخذ هذه الوسيلة وأن يبتغي بهذا الفعل وسيلة تقربه منه سبحانه وتعالى وتكون سبباً في قبول دعوته فأخبر عن ضعفه الشديد عن شدة ما هو فيه الآن من كبر السن من ضعف ومن نحول العظم ونحو ذلك ، هذا الأمر جاء في كلمة واحدة من كتاب الله –عز وجل- على لسان زكريا –عليه السلام- : (وقد بلغت من الكبر عتياً) كلمة (عتيا) هنا تدل على أشياء كثيرة من أنواع الضعف فهي تدل على نحول العظم ، العظم أصبح نحيلاً جداً ليس بشيء وتدل على أن العظم أيضاً أصبح يابساً كالشجر اليابس بمعنى أن أدنى شيء يعرض له قد يكسره وقد يؤثر فيه وتدل أيضا على أن هذا الجسد الذي بلغ هذا السن قد بلغ منه حتى الماء الذي يُنتج منه الولد فليس فيه ماء مطلقا فمن المعلوم أن الإنسان إذا بلغ سنا كبيرا جدا فإنه يذهب عنه هذا الماء لا يكون معه ماء الرجل الذيب ينتج منه الولد فزكريا –عليه السلام- أخبر عن نحول عظمه وأخبر عن شدة حاله وضعفه وأخبر عن أن عظمه أيضا قد يبس يبوسا شديدا وأخبر أيضا أن الماء الذي في جسده والذي ينتج منه الولد كل هذا قد ذهب وقد بلغ به .
فاصل .
تضرع إلى ربه بإخباره عن حاله وشدة ضعفه وبعد أن يكون له ولد بعد هذا السن وهذا من جميل التضرع إلى الله –سبحانه وتعالى- ولذا جاء الجواب من الله –سبحانه وتعالى- بقبول هذه الدعوة التي انكسر فيها هذا العبد الصالح بين يدي ربه –سبحانه وتعالى- .
أم عبد الملك السلفية
13-12-08, 12:22 AM
إكمال تفريغ الدرس السادس عشر ، من الدقيقة 13 إلى آخر الشريط .
****
المثال الثالث : قوله تعالى : (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) لو تأملنا كلمة (فأجاءها) لوجدنا أنها ليست "جاء" وليست "ألجأ" بل هي كلمة دلت على ما تدل عليه هاتين الكلمتين جميعاً بأبلغ وأوجز عبارة .
أرجو أن تنتبهوا لهذا المثل ، فالمثل الأول والمثل الثاني فيهما شيء من الظهور والوضوح .
الآن سندخل في بعض الأمثلة التي تحتاج إلى استحضار الذهن أن يكون الذهن حياً متوقداً منتبهاً إلى ما سيأتي لأنا سندخل الآن في بعض الكلمات المشكلة في مبدأها ، في ظاهرها وكيف استخدمت في كتاب الله –عز وجل- كلمة (ألجأ) وكلمة "جاء" عبارة عن كلمتين ليست كلمة واحدة في لغة العرب ، لكن جاءنا في كتاب الله –سبحانه وتعالى- كلمة ثالثة في سورة مريم أيضاً (فأجاءها المخاض) كلمة (فأجاء) ليست هي كلمة "جاء" ، كلمة "أجاء" غير "جاء" ، كذلك ليست هي "ألجأ" بل هي كلمة ثالثة في كتب اللغة لم تجد كلمة بهذا الوزن بهذه الأحرف كلمة "أجاء" ليس هناك شيء في كتب اللغة في لغة العرب ليس عندنا شيء يعرف بأنه أو كلمة تدل على معنى محدد معين في عبارة عن "أجاء" (فأجاءها المخاض) .
هذا لا يوجد فكيف جاءت في كتاب الله –سبحانه وتعالى- ؟! وما المراد منها ؟ وكيف فسرها السلف –رضوان الله عليهم أجمعين- ؟
انتبه إلى ذلك فيما سيأتيك من الكلام . نعم
"بيان ذلك أن أصل "أجاء" هو "جاء" ولو وردت الكلمة هكذا "جاء" لكان المعنى أن المخاض جاءها وهذا ليس إلا جزء من المعنى فقط ، فلما دخلت عليها همزة التعدية أضافت لها معنى آخر غير المجيء وهو أن المخاض لما جاءها جاء بها إلى جذع النخلة كالفرق بين "لجأ" و "ألجأ" و "ذهب و "أذهب" و "نام" و "أنام" ، "سمع" و "أسمع" ... وغيرها كثير ... وهذا المجيء لم يكن على سبيل الاختيار وإنما على سبيل الاضطرار كما دل عليه السياق والمراد أن المخاض لما جاءها ألجأها إلى جذع النخلة ولذا جاء تفسير السلف لـ (أجاءها) ألجأها ، وهذا من عظيم إدراكهم لمعاني القرآن الكريم"
نعم ـ، بارك الله فيكَ ، حسبك .
واضح هذا الكلام ؟
الآن كلمة "أجاء" (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) هذه الكلمة كما ذكرت لك ليست هي "جاء" وليست هي "ألجأ" وإنما هي كلمة دلت على معنى "جاء" ودلت على معنى "ألجأ" ، عندما تنظر بدءاً في كتب التفسير بالمأثور فسيفسر لك ابن عباس –رضي الله عنه- وكذلك بقية السلف –رضوان الله عليهم أجمعين- هذه الآية (أجاءها) بـ "ألجأها" فعندما تنظر في كتب اللغة لا تجد أبداً أن أجاء أو "جاء" ممكن أن ترد في لغة العرب بمعنى "ألجأ" فجاء غير ألجأ ، فكيف حصل لهؤلاء رحمهم الله من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكذلك أئمة أهل التفسير كيف فسروا "أجاء" بـ"ألجأ" ، من أين جاءوا بهذا المعنى ؟ من أين جاءوا بهذا التفسير ؟ وهذا يشكل حقيقة إذا أردت أن تفهم التفسير على هذا النحو فلا بد أن تجد رابطاً بين الكلمة وبين التفسير الذي فسرت به هذه الكلمة لا بد أن يكون هناك رابط أما أن تكون هذه الكلمة "أجاء" وتُفسر بـ"ألجأ" هذا لا رابط بينهما مطلقا ولكن الرابط جاء في قوله –سبحانه وتعالى- (فأجاءها المخاض)
"أجاء" عبارة عن "جاء" دخلت عليها همزة التعدية كما تقول "ذهب وأذهب" ما الفرق بين ذهب وأذهب ؟
ذهب بنفسه ، وأذهب غيره .
عندما تقول "سمع وأسمع" ما الفرق بينهما ؟
سمع بنفسه وأسمع غيره .
عندما تقول "نام وأنام" ما الفرق بينهما ؟
نام هو وأنام غيره .
كذلك بالنسبة لـ"جاء وأجاء" لما دخلت همزة التعدية هنا دلت على أن المجيء هنا ليس من فاعل الفعل "جاء" في أصله ، وإنما هناك من "ألجأه" إلى المجيء هناك ما "ألجأه" إلى المجيء ، فالآية عندنا (فأجاءها المخاض) أجاءها المخاض الآن أصل الكلمة بدون التعدية (فجاءها المخاض) هذا المخاض لما جاء إلى مريم عليها السلام ماذا فعل بها ؟
ألجأها إلى جذع النخلة لما جاءها المخاض هل هو فقط جاءها وانتهى الأمر ؟ ، لا ، وإنما جاءها فألجأها إلى جذع النخلة ، فالآية لو كانت في أصلها "فجاءها المخاض إلى جذع النخلة" لما كان هناك دلالة على الإلجاء إلى الجذع ، بينما هذا قد دل عليه السياق دلالة ظاهرة أن هذا المخاض هو الذي جعلها تضطر إلى جذع النخلة تريد أن تتمسك بشيء .
من المعلوم أن المرأة الحامل الضعيفة الكسيرة التي هي في مثل هذا الموطن من الضعف الشديد تحتاج أن تتمسك بشيء ، أن تتشبث بشيء تريد ماء ، تريد أي شيء تستعين به على هذه الحالة التي هي فيها (فأجاءها الممخاض) جاءها المخاض ، ثم ألجأها المخاض إلى جذع النخلة ، ففسر السلف كلمة "أجاء" بالإلجاء من هذه الجهة .
فاصل قصير .
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آلة وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
مرحبا بكم أيها الأحبة مرة أخرى في روضة من رياض الجنة .
كنا نتكلم عن قوله –سبحانه وتعالى- : (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) وأن هذه الكلمة إنما جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى دلت على معنيين ، دلت على المجيء ودلت على الإلجاء ، أما دلالتها على المجيء فلأنها في أصلها جاء دخلت عليها همزة التعدية وهذا ظاهر وهذا المعنى يدركه كثير من الناس ولكن المعنى الذي يدركه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من السلف وأئمة أهل التفسير يدركون مع ذلك معنا آخر هو الذي ذكروه ولم يذكروا معنى المجيء لأنه ظاهر وبين فلا حاجة إلى ذكره فعندما تنظر في كلامهم لا يقولون لك "فأجاءها المخاض" أي جاءها المخاض ، هذا ظاهر بين لا حاجة إلى بيانه وإنما يقولون لك "فألجأها المخاض" فيذكرون لك المعنى الذي يحتاج إلى بيان أما البين فلا حاجة إلى ذكره فقالوا "ألجأها" لأن السياق مع كلمة "جاء" ومع همزة التعدية فعندنا ثلاثة أمور ، عندنا كلمة "جاء" وعندنا همزة التعدية التي دخلت على "جاء" وعندنا السياق الذي يدل على الاضطرار هذه الأمور الثلاثة دلت على معنى الإلجاء .
فعندئذ قيل في تفسير قوله –سبحانه وتعالى- (فأجاءها المخاض إلى جذع النخل) أي : جاءها المخاض فألجأها اضطراراً إلى جذع هذه النخلة وهذا مثل يبين لك عظيم فقههم رحمهم الله في تأويلهم لكلام الله سبحانه وتعالى .
فلا تظن أن كلمة "أجاء" لها معنى في اللغة تدل على الإلجاء ، لا هذا لم يأتِ أصلاً في الغة ولكن الذي جاء هذه الأمور التي ذكرت لك ودلتهم على المعنى الذي ذكروه في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى .
نعم ، واضح الكلام ؟
ننتقل إلى المثال الرابع :
اقرأ .
"المثال الرابع ، قوله تعالى : (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) لننظر أولا في تفسير بعض السلف عن ابن عباس –رضي الله عنه- : تغريهم إغراءاً.
وعن قتادة قال : تزعجهم إزعاجا في معصية الله .
وعندما نرجع إلى لسان العرب في مادة "أزز" نجد أنها تُطلق على أمور منها : الاختلاط ، أيضا الامتلاء تقول العرب "أز المجلس إذا امتلأ وغص بالناس" وأيضا تطلق على الاضطراب والحركة الشديدة كأزيز الماء المغلي في القدر وهذه المعاني كلها مناسبة للسياق وبتأملها يتجلى سر اختيار هذه الكلمة .
فالشياطين أولا تختلط بالكافرين والفاسقين وتعايشهم في كل أمورهم .
ثانياً : ثم تملأ قلوبهم بشبهاتهم وشهواتهم حتى لا يكون فيها محل لغيرهم .
ثالثاً : ثم تحركهم حركة شديدة إلى المعاصي وتهيجهم وتدفعهم إليها دفعاً بل وتقويهم وتعينهم عليه والعياذ بالله" .
نعم ، هذا المثال قد تكلمنا عنه سابقاً وبينت لكم ما يتعلق بكلمة "الأز" في كتاب الله –سبحانه وتعالى- وانظر إلى كلمة الأئمة في تفسير هذه الآية في أنها تغريهم إغراءاً تزعجهم إزعاجا إلى معصية الله –سبحانه وتعالى- ثم إلى هذه الكلمة في لغة العرب فيتبين لك هذه المعاني التي ذكروها رحمهم الله في تفسيرهم لكلام الله سبحانه وتعالى .
المثال الخامس : قوله تعالى : (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) . فعن علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم أنهم قالوا : هي فضول المحابس -، فضول بمعنى ايش ؟ هي ما يفضل من أطرافها ، هي ما يكون على الأطراف ، هي ما يفضل على الطراف ، المحابس المقصود بها هي الحصر البسط .-
أي الحصر والبسط والفرش ، وقال سعيد ابن جبير : الرفرف رياض الجنة خضر مخضبة ويُروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه وهناك أقوال أخرى في المعنى المراد بالرفرف في الآية الكريمة أدعها لأبين مأخذ الأقوال السابقة وأن معناها متقارب ثم أيها أقرب إلى مراد الله عز وجل .
قال في اللسان : الرفرف : كسر أي : ذيل الخباء ونحوه وجوانب الدرع وما تدلى منها الواحدة رفرفة وهو أيضا خرقة تخاط في أسفل السرادق والفسطاط ونحوه وقال : والرفرف الشجر الناعم والمسترسل وأيضا هناك أقوال أخرى في كتب اللغة لا أطيل بذكرها ولكن بالتأمل فيما سبق ندرك أن الرفرف يطلق على ما كان طرفا أو فضلة في شيء كالمسترسل من الخيام والبسط والأشجار أو ساحات وحدائق القصور والمنازل أوحركة أطراف جناح الطائر ومنه في هذا اتلعصر رفرف السيارة ونحو ذلك .
نخلص من هذا أن المقصود برفرف خضر ما يلي :
- ساحات وأفنية قصور أهل الجنة فهي ترف وتهتز خضرة ونضرة حتى أن أهل الجنة يتكئون على مسترسل أشجارها .
- ثانياً : أطراف البسط والفرش المنثورة في بساتين ومجالس أهل الجنة .
- ثالثاً : أسرة أهل الجنة لأن الرفرفة تطلق أيضا على المفارش التي تُوضع فوق الأسرة ويكون لها ما تتدلى من على جوانبها إذا تبين هذا فقارن ذلك بما تقدم في نفس السورة المذكورة في قوله تعالى : (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان) ، والله أعلم .
أحسنت ، بارك الله فيكَ .
نعم ، هذه أيضا قد سبق الكلام عنها بشيء من الاختصار والآن قد استمعت إلى كلام السلف رحمهم الله في تفسير كلمة رفرف وتنوع العبارة منهم وإن كان هذا كله من أوله إلى آخره هو دائر على معنى كلمة رفرف في لغة العرب فرفرف في لغة العرب اتدل على شيء من التدلي وشيء من الطرف فهذا المعنى جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى ليبين لك بظهور أن هذه الأرائك التي يتكيء عليها أهل الجنة ليست هي أرائك فقط خاصة بالقصور ونحو ذلك ، لا ، وإنما هي أرائك مع أنها على هذا الوصف العظيم إلا أنها هذه عبارة عما يكون في أطراف الجنان في أطراف القصور فالمرء في تلك الجنان العظيمة المسلم إذا دخل تلك الجنات فإنه كيف يكون حاله ؟
له قصر عظيم كبير يعني مساحته شاسعة جدا ولك أن تتخيل أيها المبارك ، لك أن تتخيل أن الله عز وجل أعطى أدنى أهل الجنة منزلة من مثل هذه الدنيا ، من مثل هذه الكرة الأرضية من أولها إلى آخرها عشر مرات كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود وغيره ، "أن الله عز وجل قال لأدنى أهل الجنة منزلة ، قال : "لك الدنيا ومثلها ومثلها ومثلها ومثلها عشر مرات" هذا أدنى أهل الجنة منزلة له مثل الدنيا عشر مرات وكذلك له من مساحة هذه الكرة الأرضية من أولها إلى آخرها عشر مرات لأن الله وعده أن يعطيه من هذه الدنيا عشر مرات ، فله من حجم المساحة مقدار المساحة في تلك الجنان ، أيضا مقدار هذه الكرة الأرضية التي تسمى بالحياة الدنيا له مقدارها عشر مرات أيها المؤمن إذا أراد هذا النقي هذا الصالح الذي دخل هذه الجنة هذه أدنى أهل الجنة منزلة يعني أخرجه الله عز وجل بالتوحيد ليس فيه كبير تقوى ولا صلاح ولا هداية ولا دعوة ولا خير وإنما هو دخل دهرا طويلا جدا مئات السنوات بل هي آلاف السنوات في نار جهنم ثم خرج بعد ذلك ببقية توحيد باقية في قلبه بهذا التوحيد الذي في قلبه أخرجه الله عز وجل به من النار فأعطاه هذه المنزلة العظيمة من الجنة ضعف هذه الدنيا عشر مرات ، إذا كان الأمر كذلك فتصور قصراً في تلك الأرض الشاسعة هذا القصر له رفارف واسعة جدا هذه الرفارف هي عبارة تارة عن حدائق تارة بساتين تارة أشجار عظيمة متدلية مسترسلة ناعمة فتتكيء أنت ومن معك في تلك الجنان (عليها متكئين) على رفرف من الرفرف أيضا ، هذه الأشجار المتدلية شجر عظيم في جنان النعيم فتتدلى فتجلس عليها أنت وأصحابك وأحبابك في تلك الجنان العظيمة هذا شيء من هذا النعيم الذي دلت عليه هذه الآية العظيمة في قوله سبحانه وتعالى : (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) أي هذه الرفارف ما لونها ؟ خضر وعبقري حسان ، العبقري هو الذي بلغ أحسن ما يكون من جهة جماله ومن جهة حاله فلا يطلق في لغة العرب على شيء أنه عبقري فاق غيره الشيء الذي يفوق غيره سواء أكان في جماله ، سواء أكان في قوته \، سواء أكان في ذكائه ، سواء أكان مثل السيف في حدته ، سواء أكان في عطائه أو نحو ذلك يقال عنه عبقري أي أنه فاق غيره فكل ما فاق غيره في لغة العرب يقال عنه عبقري ، أو أتى بشيء يتعجب منه أهل الزمان فيقال عنه عبقري لأنه أتى بشيء لا يستطاع من مثل أمثاله وأقرانه من الناس فهذه الأرائك من صفتها أنها عبقري أنها بلغت مبلغا لا يشابه ما تعلمون وما تدركون من هذه الأرائك التي بين أيديكم بل هي أرائك فاقت غيرها ، ومن هذه الأرائك التي بين أيديكم بل هي أرائك فاقت غيرها في حسنها وجمالها في راحتها في أمورها في كل شؤونها من أولها إلى آخرها ، ولذا قال الله سبحانه وتعالى (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) هذا معنى من معاني هذه الآية العظيمة .
بعد ذلك سننتقل إلى المرحلة الثانية فيما يتعلق بمعرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بين الكلمات ، أرجو أن يكون الكلام فيما يتعلق بإدراك المعنى اللغوي للكلمة ، أرجو أن يكون واضحا وهي مرحلة وخطوة لابد منها درجة في سلم لابد أن لا يصعد إلى الدرجة التي تليها إلا وقد فقهنا وفهمنا وأدركنا هذه المرحلة إدراكاً جيدا ، لا أقول إدراكاً كاملاً ولكن إدراكاً جيداً يكون معه شيء من الفهم نستطيع أن نبني عليه المرحلة الثانية بإذن الله جل وعلا .
نعم ، لعلك تقرأ .
"المرحلة الثانية : معرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بين الكلمات .
هذا الأمر من الأهمية بمكان ، ذلك أن كلمات القرآن العظيم إن فُهم معناها ودلالتها وبقي معرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بينها ومعرفة دلالة هذه الحروف له سر عجيب في فهم المعاني فهماً دقيقاً واسعاً يتبين معه سر بديع عظمة كتاب الله عز وجل وسيجد من تذوق دلالة هذه الحروف الفرق الشاسع بين فهمه لآيات الكتاب قبل وبعد وسيقع في قلبه من توقير وتعظيم كتاب الله ما لم يخطر له على بال ، وأكبر من هذا أن الخطأ في تحديد المعنى المراد للحرف في هذا السياق المعين قد يقلب المعنى المراد تماما أو يضعفه أو يخل ببلاغة وفصاحة هذا الكتاب المعجز وقد تقدم الكلام أن الحروف في لغة العرب تنقسم إلى قسمين : حروف مباني وحروف معاني ، وأن حروف المعاني هي الحروف التي تدل على معنى في غيرها وتأتي رابطة بين الكلمات لتعطي دلالة معينة يقصدها المتحدث وتسمى أيضا حروف الربط مثل دلالة حرف الباء على الاستعانة في كلمة "بسم الله" ودلالة حرف اللام على التعليل مع الاختصاص في قوله تعالى : (يريدون ليطفئوا نور الله) ودلالة حرف "على" الظرفية مع الاستعلاء في قوله تعالى : (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها .
وسيأتي بيان ذلك بشيء من التفصيل إن شاء الله ، ومع كثرة المؤلفات القديمة والحديثة في حروف المعاني إلا أني سأختار مرجعاً واحداص فقط تيسيراً وتسهيلاً وهو معجم حروف المعاني في القرآن الكريم لأن المقصود هنا الوصول إلى المعرفة الولية لمعاني هذه الحروف لا التحقيق والتدقيق في المضائق ولتوضيح ذلك فإن معرفة دلالة حروف المعاني على ثلاث درجات"
نعم ، لا التحقيق والتدقيق في المضائق ، المراد هنا أن ندرك المعنى على الأقل بشكل كاف وافٍ يعني لا نريد الآن أن ندخل في المضائق التي اختلف فيها أهل التفسير اختلافاص بيناً ولكن من المسائل ما جاء عن الأئمة رحمهم الله "من أئمة أهل اللغة ، من أئمة أهل التفسير" ما اختلفوا هم وهم أكابر أهل العلم ، ما اختلفوا في تحديد المراد ، لا نريد هذا ، هذه مرتبة يعني قادمة نستعين الله عز وجل عليها فيما نستقبل إن شاء الله بعد مدد من الزمان الله أعلم بها ولكن المراد هنا أن ندرك المعنى الكلي ، أن ندرك المعنى العام ، أن ندرك شيئاً لأنه وللأسف الشديد أن إدراك معنى حروف المعاني هذا بالنسبة لكثير ليس من عامة أهل العلم وطلبة العلم ، لا وإنما حتى من خاصة من يتعنى ويتطلب علم التفسير تجد أن معرفته بعلم حروف المعاني على الأقل ما يكون تجد أنه أصلاً هذا الاصطلاح لا يكون ، لا يفهم المراد منه ماذا يراد من قول القائل "حروف المعاني" لا يفهم ، ثم إذا فهم المراد من حروف المعاني فإنه بعد ذلك لا يستطيع أن يتبين ما المعنى الذي جاء من أجله حرف الفاء ، حرف الباء ، حرف اللام ، حرف عن ، وهكذا من الحروف التي لها معان في لغة العرب لا يتبين ذلك أبداً فإذا مر بالآية وأراد أن يفسرها فإنه عندئذ لا يتفطن إلى أن حرف المعنى هنا له أثر كبير في بيان المعنى الكامل الوافي لهذه الآية التي جاءت في هذا الموطن ولذا تجد أنه يتساهل كثيرا في هذا الأمر ، في هذه المسألة يتساهل كثيراً لا يتعنى أن يقف قليلاً لا يبحث عن معنى هذا الحرف من أجل أن يدرك ماذا يعطي من قوة المعنى ، ماذا يعطي من قوة الدلالة ، ماذا يعطي من قوة الأمر ، ماذا يعطي من قوة النهي ، لا ، وإنما يمر عليه سريعاً ، وهذا لا ينبغي أبداً ، سيأتيك في الأمثلة ما يوضح بين إدراكك لمعاني هذه الحروف وبين ضعف الإدراك لمعاني هذه الحروف التي لها أثر كبير في فهم كتاب الله عز وجل ، بل إنها أيها المؤمن ، أيها المبارك ، بل إنها عندما تتأمل فيها تجد أنها قد ملأت كتاب الله عز وجل .
حروف المعاني عندما تقرأ من سورة الفاتحة من أولها ، بل من أول جملة في كتاب الله عز وجل وهي "بسم الله الرحمن الرحيم" الباء أصل استفتاح هذا الكتاب ، بدأ بحرف الباء الذي هو حرف معنى ، ثم تقرأ تقرأ إلى أن تصل إلى سورة الناس ، تقرأ في سورة الناس فإذا عندك من حروف المعاني ما تحتاج أن تقف عنده وأن تتأملها يعني خذ مثلاً في آخر سورة الناس (من الجنة والناس) هذه "من" ماذا لها من الدلالة ؟ لها دلالة ، أنت الآن طالب علم ، الكلام مع طلاب العلم ليس مع عامة الناس ، . يجب أن تتفقه في ماذا تعطيك هذه الآية من الدلالة ، هذا الحرف "من" ماذا له من الدلالة ؟
في هذا الموطن ماذا يعطيك من المعنى ؟
ما معنى قوله سبحانه وتعالى : (من الجنة والناس) ؟ لو تأملت هذا الحرف وفقهت معناه سيتبين لك معنى هو بالفعل غير المعنى الذي كان في خاطرك قبل ذلك يعني وليس هو المعنى الجزئي الذي كان في ذهنك وإنما هو معنى أوسع وأشبع واكبر من المعنى الذي كان يتبادر بدءاً إلى ذهنك .
الكلام عن الحروف كلام طويل جداً ولكنا سنبدأ بإذن الله عز وجل في ضرب الأمثلة التي توضح لك المراد فيما يتعلق بهذه الحروف ثم بعد ذلك سنعرض لك بإذن الله جدولاً سريعاً في المعاني الكلية لهذه الحروف ونحاول بإذن الله سبحانه وتعالى أن نوضح هذا الأمر على أتم ما يكون وأكرر لك وأعيد عليك أريدك أن تتحمل قليلاً في طلب العلم في هذه المسألة هناك حاجة أن تبذل من نفسك أن تبذل من جهدك من ذهنك من فكرك من ذكائك في فهم هذه الأمور لأنها لها أثر كبير في فهم كتاب الله عز وجل .
وأنت يا طالب العلم إن لم تبذل من جهدك ، من قوة فكرك ، من ذكائك في هذه المسائل فأي شيء تبذلها ؟ ولأي شيء تجعلها ؟ إنما هي في هذه المسائل وفي أمثالها من المسائل الكبار التي لها أثر في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى .
نعم ، هذه الدرجات بالنسبة لما يتعلق بحروف المعاني اخترت أن أقتصر على ثلاث درجات وإلا بالإمكان أن تكون أوسع من ذلك لكن لا داعي إلى أكثر من ذلك خشية أن يكثر الإلباس ويصعب المعنى فهي على ثلاث درجات .
الدرجة الولى :
هي إدراك المعاني المشهورة لكل حرف .
كيف ندرك معاني هذه الحروف ؟
عن طريق النظر في درجات ثلاث .
الدرجة الولى هي : إدراك المعاني المشهورة لكل حرف .
اقرأ :
الدرجة الأولى : : إدراك المعاني المشهورة لكل حرف .
مثل : "الـ" في كتاب الله تعالى لها معنيان مشهوران ، عهدية وجنسية ، ولكل منهما أنواع.
الفاء لها عدة معاني "السببية – الفصيحة – العاطفة – الجوابية" .
الباء لها عدة معاني أيضاً " الإلصاق – التبعيض – السببية – القسم" .
"في" أصل معانيها الظرفية وتأتي للتعليل والاستعلاء والمقايسة وهكذا نقف عند هذا الحد -
انتهى
أم أسماء
14-12-08, 11:07 PM
تفريغ الدرس السابع عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاًَ يا أكرم الأكرمين.
كنا وقفنا على الدرجة الأولى من الدرجات المختصة بحروف المعاني قد ذكرنا سابقاً بأن حروف المعاني من الممكن أن تقسم إلى ثلاث درجات تسيراً لفهمها وإدراكها ومعرفة ما فيها من العلم وذلك كما سبق الكلام عنه أيضاً أن هناك بعد كبير جداً عما يتعلق بمعرفة هذه المعاني ودلالاتها هذا البعد كان وقع في الأمة أو في المعتنين بالتفسير وقع من زمن ليس بالقليل من زمن قديم كانت العناية كبيرة جداً فيما يتعلق بحروف المعاني في زمن الصحابة في زمن التابعين أتباع التابعين في القرن الرابع في القرن الخامس كان هناك عناية كبيرة جداً في هذا وإلا فالأئمة رحمهم الله مصنفات كثيرة جداً في دلالات الحروف حتى أن الزجاج رحمه الله ألف كتاباً خاصاً رسالة خاصة في اللامات فقط وصنف غيره مصنفات خاصة في بعض الحروف وقد حشى سيبويه رحمه الله رحمة واسعة كتابه العظيم الكتاب بالكلام عن حروف المعاني ملئ هذا الكتاب بشكل كبير جداً بالكلام عن حروف المعاني وما زال هذا الأمر موجود في الأمة إلا أنه ضعف في العصور المتأخرة ولكن بقت بقية من أهل العلم ما زالوا إلى هذا العصر يتكلمون عن هذه الحروف ويبينونها ويشرحون أثرها ولكن كلامهم فيه شيء من الدقة فيه شيء من العمق الذي يجعل كثيراً من طلبة العلم يبتعدون عنها ولا يحبون الاقتراب منها ولا مدارستها لأنها يشعر أنه إن اقترب منها وأراد أن يفهم دلالتها فيحتاج إلى سنوات طويلة وإلى جهد كبير وإلى بحث وإتقان ومراجعة وأشياء كثيرة فلذا لصعوبة هذا الأمر بل لصعوبة هذه المصنفات المعاصرة التي صنفت في هذا الباب وكثرة الاختلاف لأن الذي حصل في التأليفات المعاصرة أن من وقف على شيء من كلام أهل العلم ممن تقدم جمعه إلى الكتاب الذي عنده فمن وقف على كلام لمثلا للكسائي للسيبويه للأخفش سواء كان الأوسط أو الكبير أو الأصغر أو لغيره من الأئمة وكذلك لمن دونهم من أهل العلم لابن جني أو لابن فارس أو من غيرهم من أهل اللغة فإنه يجمع كل ما كتب في هذا الباب فيأخذ في جمع كبير ويقوم بعد ذلك عسير لأنك تقف أمام مادة علمية كبيرة جداً لا تستطيع أن تفهم الراجح منها من المرجوح وكيف تتعامل معها وستجد اختلاف كبير جداً في تحديد المراد في هذا الموطن وفي ذاك الموطن وفى هل بالفعل الباء لها أكثر من معنى أو ليس لها إلا معنى وهكذا تدخل في مسائل أنت تعلم يقيناً مما آتاك الله عزّ وجلّ من الإدراك أنك لن تستطيع أن تخرج من هذا الخلاف الكبير بشيء تخلص إلى فائدة محددة معينة في هذا الأمر ولذا سبب هذا رهبة وسبب بعد عن هذا العلم خشية من أن يقطع الإنسان عن غيره من العلوم التي قد تكون هي أهم منه فلذا حاولت أن ألخص لك هذا الأمر في هذا الباب فيما يتعلق بحروف المعاني في دروسنا هذا حاولت أن أولاً ما يتعلق بكثرة الخلاف الواسع كذلك حاولت أن أبعد ما يتعلق بالمعاني البعيدة التي قد تكون وردت للحرف مرة أو مرتين أو ثلاثة في لغة العرب فضلاً عن كتاب الله عزّ وجلّ يعني فقد يكون أمامك ملخص يسير بالنسبة لصعوبة ما تقدم من الكلام عن هذه الحروف فهذا الملخص قد يعنيك على فهم الأصول الكبيرة في هذا الباب فيما يتعلق بحروف المعاني ثم بعد ذلك الأمر يسير فمتى ما أحببت ووجدت من نفسك نشاطاً فابحث وجدت أن النفس منقبضة ليس لها قوة على البحث والتنقيب فإن اكتفيت بما ذكر لك لعله أن يكون وافياً في الباب إن شاء الله، أكمل واقرأ الدرجة الأولى مرة أخرى.
قرأ الطالب :
الدرجة الأولى ، إدراك المعاني المشهورة لكل حرف مثل ال في كتاب الله تعالى لها معنيان مشهوران عهدية أو جنسية ولكل منهما أنواع الفاء له عدة معاني سببية الفصيحة، العاطفة، الجوابية.
الباء لها عدة معان أيضاً فالإلصاق، التبعيض، السببية، القسم في أصل معانيها الظرفية وتأتي للتعليل والاستعلاء والمقايصة وهذا يكون بالمطالعة كما يكون أكثر بالممارسة.
أكمل الشيخ :
نعم هذه بالنسبة للدرجة الأولى التي تتعلق بحروف المعاني هناك معاني مشهورة ومن أهم ما يكون بالنسبة لحروف المعاني أن تدرك وأن تعرف المعاني المشهورة لأنها هي الأصل في الاستعمال فلما مثلاً نقول ففي أصل معانيها ماذا؟ الظرفية الباء اصل معانيها الاستعانة يعني إن قلت الاستعانة صح ولكن أصل المعاني عند النحويين هو الإلصاق يعني دلالتها على الإلصاق فهي إن كان من جهة الدقى في العبارة الأولى أن نقول الإلصاق فأصل معاني الباء في لغة العرب هي الإلصاق بل إن سيبويه في الكتاب لم يذكر معنى آخر إلا الإلصاق وهذا صحيح فما تكاد تخلو هذه الباء من الدلالة على الإلصاق ولكنها أيضاً تحمل دلالات أخري ومعاني أخرى سيأتي الإشارة إليها بإذن الله عزّ وجلّ كذلك إن نظرت إلى حرف على مثلاًَ أصل المعنى بالنسبة لحرف على هو ماذا؟ هو الاستعلاء كذلك بالنسبة لعن أصل المعنى هو التجاوز، المجاوزة وهكذا تجد هناك معاني أصلية لعدد من الحروف ينبغي أن تدرك ما هو المعنى الأصلي وكما قلنا في الكلمة الأصلية في لغة العرب إذا حورت وتطورت واستخدمت استخداماً آخر فإنه ينبغي ألا تنسى ولا تنسخ المعنى الأصلي فكذلك بالنسبة لحروف المعاني فعندما يتطور الاستخدام فتأتي مثلاً فاء في غير موطنها لا تأتي للظرفية فلا يغب عن بالك ذاك المعني وهو معني الظرفية لأن هذا المعنى في الأغلب سيكون موجوداً باقياً لم ينمحي ويزول تماماً لا وإنما سيكون هناك رابط بين المعنى الجديد الذي دل عليه السياق وبين المعني الأصلي لهذا الحرف الذي هو أصل معناه في لغة العرب كذلك بالنسبة لعلى قد يستخدم بمعنى في قد يستخدم بمعنى عن وهذا كثير ولكنه أيضاً يبقى هذا المعنى وهو معنى الاستعلاء يبقى هذا المعني موجوداً عند استخدامك لهذا الحرف في غير موطنه الأصلي وفى غير معناه الأصلي الذي وضع له .
نعم معرفة ذلك معرفة المعني الأصلي ونحو ذلك هناك مشهورة معروفة مثل ما ذكرنا لك في في وفى على وفى عن وغيرها وهناك معاني وهناك حروف لا يمكن أن تقول إن لها معنى أصلي مثل الفاء، الفاء لا يمكن أن تقول إن الفاء أصل معانيها هي مثلا العطف لا فالفاء تستخدم تارة للعطف وتستخدم تارة للسببية وتستخدم تارة للإستئناف وتستخدم تارة أيضاً كذلك تسمى الفاء الفصيحة وغير ذلك من أنواع الاستعمال فما هناك معني أصلى نستطيع أن نقول إن الفاء معناها الأصلي هو كذا وكذا لكن هناك معاني متعددة السياق يدل على المعني المراد هذه الأحرف التي ليس لها معني أصلى لابد وأن تنتبه كثيراً للسياق لتحدد المعنى يعني أضرب لك مثلاً هنا بالنسبة للفاء انظر إلى قوله سبحانه وتعالى ﴿
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾[الماعون:1] ثم ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾[الماعون:2] الفاء هنا ما معناها وما الذب جاءت له هل هي مجرد عاطفة ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ هي عاطفة مجرد عاطف ؟ تأمل المعني أنت ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ هل المراد وذلك الذي يدع اليتيم هل هذا هو المعني هنا يضعف المعني كثيراً ولذا من زعم أن الفاء هنا عاطفة لعله لم يشعر بأنه قصر في معنى هذه الآية كثيراً كيف تكون الفاء عاطفة هنا أرأيت الذي يكذب بالدين وذلك الذي يدع اليتيم، يعني كأنها عطف مجرد أو عطف بالفاء بعده بزمن أو نحو ذلك؟ لا هذا غير مراد أبداً بل إن الآية أو سياق الآية يرده ولذا قال من قال من المفسرين بأن الفاء هنا فصيحة، كيف تكون فصحية يعني أفصحت عن شيء محذوف هناك مقدر في الكلام أفصحت عنه هذه الفاء فهناك من يقول بأن معنى الآية مثلا ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ فمن كان هذه صفته من كان هناك شرط مقدر من كانت هذه صفته أي أنه يكذب بالدين ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ أي من كان هذا حاله وهذا وصفه فهو الذي يدع اليتيم ومعني هذا أن الذي يصدق بيوم الدين لا يكذب بيوم الدين معناه أنه لا يمكن أن ماذا أن يدع اليتيم فمن دعا اليتيم فقد وقع في وصف ليس هو من وصف الذين يصدقون بيوم الدين وإنما وقع في صفة هي من صفات الذين يكذبون بيوم الدين وهذا هو الظاهر في دلالة الآية هذا هو الظاهر في دلالة الآية أن هذه الآيات جاءت لتدل على أن هذا الوصف هذا الفعل من دع اليتيم ومن عدم الحث مجرد الحث فقط على إطعام المسكين وعدم إعطاء الماعون الذي تستغني عنه ولا تحتاج إليه أن هذه الصفات أبداً ليست من صفات الذين يكذبون بيوم الدين وإنما هي من صفات الذين يكذبون بيوم الدين فالفاء جاءت هنا لتفصح لك عن هذا الشرط المقدر عن هذا المعنى الذي يراد من هذه الآية أن الذي يكذب بيوم الدين من كان حاله كذلك فإنه هو الذي يفعل هذه الأفعال أما الذي لا يكذب بيوم الدين بل يصدق به فإنه لا يقع في هذه الأفعال أي أن هذه الصفات ليست من صفات المؤمنين وإنما هي من صفات المكذبين
واضح ؟ ففرق كبير جداً في أنك تجعل هذه الفاء على هذا المعني أو على ذاك المعنى ويتضح الكلام ويقوى ويجلو لك ويقع في قلبك تعظيم لكلام الله سبحانه وتعالى في دلالة هذه المعاني على المراد في مثل هذا السياق نعم الدرجة الثانية، اقرأ.
قرأ الطالب :
الدرجة الثانية، إدراك المعنى المراد تقريباً لكل حرف بحسب موضعه مثلا ال في قوله تعلى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
[الفاتحة:2] جنسية تفيد الاستغراق .
الفاء: في قوله تعالى ﴿ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ﴾
[لأعراف: 160] فصحية أي تفصح على شيء محذوف الباء في قوله تعالى ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾[الفاتحة:1] للإستعانة.
في: في قوله تعالى ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾
[طـه:71] للعلو مع الظرفية.
عن: في قوله تعالى ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾
[محمد: 38] للمجاوزة .
أكمل الشيخ :
نعم هذه الدرجة الثانية من درجات حروف المعاني وهي أن هناك مع المعاني الكلية لبعض هذه الحروف هناك معاني تحتاج أن تقف عليها في كل موطن في كل موطن يعني هناك معاني لهذه الأحرف لن تستطيع أن تقول أن هناك معنى كلى لا وإنما هناك معنى في هذا الموطن في هذا الموضع لوحده تستطيع أن تقول أن هذا المعنى هو كذا وكذا ومن هذه الأمثلة في قوله سبحانه وتعالى ﴿
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الفاتحة:2] ال هنا في الحمد لله ال هذه ما نوعها ؟ هذه جنسية، الجنسية تارة تفيد الاستغراق وتارة لا يلزم أن تفيد الاستغراق هنا أفادت جنسية أفادت ماذا؟ أفادت الاستغراق كيف نعلم أنها أفادت الاستغراق أو لم تفيد الاستغراق فيه علامة وإشارة ذكرها أهل العلم وهي أن تأتي إلى ال هذه فتأخذها وتزيلها وترى مكانها كل فإن ركبت كل في مكان ال وصلح الكلام واستقام فعندئذ تكون ال هذه إيش؟ جنسية تفيد الاستغراق فقوله سبحانه وتعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ جرّب هذا خذ ال وضع محلها كل كأنك تقول كل حمد لله رب العالمين، وهذا هو أن الحمد كله من أوله إلى آخره مستغرق ومتوجه ومنحصر إلى الله سبحانه وتعالى فالحمد كله إليه جلّ وعلا وهذا هو المراد أن تعلم أن هذا الحمد الذي يقع منك لله سبحانه وتعالى في حالة السراء في حالة الضراء في حالة الغني في حالة الفقر في حال الصحة في حال المرض في حال الضحك في حال الحزن في كل أحوالك، الحمد مستحق لله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يمر عليك حال لا يكون فيها الرب سبحانه وتعالى مستحق للحمد أبداً فكل أحوالك من أولها إلى آخرها من حين منشأك وخروجك إلى هذه الحياة الدنيا بل قبل ذلك إلى موتك بل بعد ذلك كل هذه الأحوال من أولها إلى آخرها أنت في حال يستحق ربنا سبحانه وتعالى استحقاقاً واجباً كاملاً له يستحق الحمد المطلق من دون استثناء وهذا هو المعني الذي جاءت به هذه الآية ولذا سميت هذه الآية من سورة تسمى بأم القرآن جمعت كل المعاني فكل حمد من أي سورة من القرآن راجع إلى هذه الآية العظيمة التي وردت في أم القرآن فالحمد كله لله سبحانه وتعالى لا ثاني له كل حمد له جلّ وعلا لأنه رب العالمين أي الذي ربى العالمين كلهم من أولهم إلى آخرهم رباهم سبحانه وتعالى بنعمه ورباهم بفضله ورباهم بعطائه ورباهم بما أعطاهم من أنواع النعم يصبحهم ويمسيهم بأنواع من النعم الكثيرة أن تصبح في عافية من الله عزّ وجلّ تصبح في رزق تصبح في هداية تصبح في أنعام لا تحصيها كل ذلك من الله سبحانه وتعالى............. سبحانه وتعالى ومن شر النفاثات جاءت ال وهناك لم تأتي ال ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾[الفلق:5] ما الفرق بينهما تأمل هذا ولعله إن تيسر بإذن الله عزّ وجلّ في حلقات قادمة نبين هذا الأمر بإذن الله.
فانظر أيضاً إلى الأمثلة الأخرى الفاء في قوله ﴿
أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ ﴾ هل هي انبجست لما أمره الله عزّ وجلّ أن يضرب هل هو كذلك ؟ لا إنما انبجست بعد أن ضرب هل ذكر الضرب ؟ لم يذكر الضرب لم يذكر وإنما دلت عليه الفاء أي قلنا اضرب بعصاك الحجر فضرب فانبجست، هي لم تنبجس من مجرد الضرب وإنما انبجست بعد الضرب.
أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن حروف المعاني بإذن الله.
فـاصل تلـيفزيـوني
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
كنا أيها الأحبة في الكلام عن حروف المعاني وبالتحديد في الكلام عن الدرجة الثانية من حروف المعاني في إدراك المعنى المراد لكل حرف في موطنه، في موضعه الذي جاء من كتاب الله عزّ وجلّ ما المعنى المراد هنا وكان الكلام في أمثلة مرت وسبقت منها قوله سبحانه وتعالى في أول سورة الفاتحة ﴿
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وكذلك في سورة الفلق ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾[الفلق:4-5] وفى الفرق بين هذه الآية الأولى التي جاءت فيها ال التي تفيد الاستغراق والجنسية وبين الآية الأخرى التي جاءت بدون ال ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ وهناك أمثلة كثيرة جداً على ما يتعلق بحروف المعاني التي ترتبط بموضوع محدد موطن معين ويكون لها معنى في هذا الموطن قد يختلف في موطن آخر ومن ذلك ما ذكر الله عزّ وجلّ في قوله سبحانه ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ فمن المعلوم أن التصليب عندما يكون على جذع نخلة أو على أي جذع كان فإن هذا التصليب يكون ولأصلبنكم على جذوع النخل هذا هو الأصل في الكلام لما نذكر التصليب تعليق شيء على جدار تعليق شيء على بعض الأعمدة ونحو ذلك يكون في باستخدام عبارة على- صلبته على جذع النخلة صلبته على الجدار لا نستخدم عادة في مثل هذا الموطن حرف في فنقول صلبته في جذع النخلة صلبته في الجدار ونحو ذلك لا ، وإنما نقول صلبته على الجدار صلبته على جذع النخلة لكن الآية هنا جاءت على نحو مغاير للمعهود فجاءت الآية ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ وكان المعتاد أن يقال ولأصلبنكم على جذوع النخل فلما جاءت فيه هنا محل على سيأتي الكلام مفصلاً بإذن الله جلّ وعلا على هذه الآية كذلك في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ عن هنا في هذا الموطن أفادت المجاوزة أي فمن يبخل فإنما يجاوز نفسه الحسنات التي لو أنه بذل وتصدق بماله لحصلها ولكانت في رصيده في يوم القيامة ولكنه لما بخل بهذا المال جاوز نفسه هذه الحسنات بمعني كأن الحسنات قد قدمت إليه فأبى هو ذلك وجعل هذه الحسنات تجاوزه وتتعداه من دون أن ينال منها شيئاً ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ أي يجاوز نفسه هذه الحسنات التي اقتربت منه والتي جاءت إليه فجاء هذا الحرف هنا ليدل على المجاوزة بينما قد لا يكون حرف على يدل على هذا المعنى وكان مناسباً لو جاء أيضاً كذلك لأن مما ورد في كتاب الله عزّ وجلّ استخدام حرف على في مثل هذا الموطن ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه، أو يبخل عن نفسه هذا وذاك جاءا في كتاب الله سبحانه وتعالى، ننتقل بعد ذلك إلى الدرجة الثالثة المتعلقة بحروف المعاني لعلك تقرأ .
قرأ الطالب :
الدرجة الثالثة، التحقيق عند اختلاف أقوال المحققين في المضائق لكي يحمل الكلام على أفصح الوجوه بلاغة وحكماً وإحكاماً ومن أمثلة ذلك دلالة التعاقب بين الواو والفاء في أوائل سورتي المرسلات والنازعات، دلالة الفاء في قوله تعالى ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ﴾
[مريم:22-23] دلالة في، في قوله تعالى ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾[الملك:16] والذي نطمح إليه في هذه الرسالة هو إتقان الدرجة الثانية أما الثالثة فدرجة تحتاج بعد ما سبق إلى كثير من الممارسة والمدارسة مع أهل الفن وينبغي أن يعلم أن الوقوف على معنى أو معاني الكلمات أسهل بكثير من الوقوف على دلالة حروف المعاني في كل موضع بحسبه لا أقول ذلك تسبيقاً لكن حفظاً للأذهان لتستعد لأمر قد يشق عليها في بادئ الأمر ذلك أن عدداً ليس بالقليل من هذه الحروف لها عدد كبير من المعاني المغايرة حيناً والمتداخلة حيناً آخر، ولا يحدد المعنى المراد إلا السياق وحمل الكلام على أفصح الوجوه مع عدم مخالفة ما تقرر في تفسير السلف الصالح لهذه الآيات.
أكمل الشيخ :
أحسن بارك الله فيك، الكلام الآن عن ما يتعلق بالدرجة الثالثة وهي أن عندنا بعض الحروف حصل فيها اختلاف في تحديد معناها وهذا الاختلاف حقيقة تارة يكون بين الأئمة الأكابر رحمهم الله تارة بين السلف رضوان الله عليهم تارة بين المحققين من المتأخرين وهذا الاختلاف تحتاج حقيقة في النظر إليه إلى آلالات وإلى عدد في كلام الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الأدوات هذه الآلات تنظر في الخلاف ثم ترجح وكما سمعت لا أريد أن أصعب لك هذه المرحلة كثيراً ولكني أيضاً لا أريد أن تظن أنها يسيرة وسهلة والأمر فيها ليس بالعسير أبداً لا الأمر بين هذا وذاك وبتوفيق من الله عزّ وجلّ وإعانة تستطيع بإذن الله ولكنك بالإقبال الكامل على كتاب الله وبالنظر في كلام المفسرين والتدقيق والتأني وترك العجلة هذا كله مما تحتاج إليه في النظر بحروف المعاني في هذه الدرجة عند اختلاف أقوال المفسرين مثلاً من الآيات التي مرت عليكم من الأمثلة التي ذكرت لك ما ذكره الله عزّ وجلّ في أوئل سورة النازعات ﴿
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾[النازعات:1-5] هذا التغاير بين الواو والفاء بين العطف تارة بالواو والعطف تارة بالفاء ما المراد منه وهل هو مقصود أو ليس بمقصود؟ سؤال أنا أسألكم إياه هل هو مقصود أو ليس بمقصود ؟ التغاير بين الواو والفاء هنا في هذه الآية هل ممكن أن يقال بأن الفاء تأتي محل الواو والواو تأتي محل الفاء ولا فرق بين قوله سبحانه وتعالى ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴾ فلو كان محل هذه الفاء محلها الواو لكان الأمر سيان لا فرق، هل ممكن أن يقال هذا ؟ لا يمكن أن يقال لا يمكن لأن القرآن على أفصح ما يكون الكلام فلا يمكن أن نتصرف في كتاب الله عزّ وجلّ وجل بأهوائنا فإن الله سبحانه وتعالى لما غاير بين الواو وبين الفاء علم أن هناك فرق بين العطف بالواو في أول الآيات ثم العطف بالفاء في أواخر الآيات ومن تتطلب العلم النافع أن تتطلب هذا الفرق لتدرك عظمة هذا القرآن عندما تنظر في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ هذه الآيات كلها عطفت بالأولى هذه واوا القسم ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ هذا مقسم به لكن جاء العطف بعد ذلك ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾ عطف ﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ عطف ثم غاير الله سبحانه وتعالى بحرف العطف فجاء بالفاء ترك الواو العطف بالواو ثم جاء سبحانه وتعالى بالعطف هنا بحرف الفاء فقال ﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴾ فما الفرق بين هذه وتلك تكلم ابن القيم رحمه الله كلاماً جميلاً جداً في هذا الموطن وتكلم أيضاً غيره عن هذه الفروق بين الواو والفاء وسأذكر لك ما يكون قريباً من ذهنك وما يعني أرجو من الله أن ييسر فهمه عليك حتى تفهم السر الفرق بين هذه المتعاطفات في كتاب الله سبحانه وتعالى فالله عزّ وجلّ قال ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ ومن المعلوم أن الإقسام هنا نزل وجاء بالملائكة الذين ينزعون هذه الأرواح هذا تفسير مشهور عند السلف وهناك تفسير آخر وليس الكلام عن اختلاف المفسرين في معنى النازعات وإنما الكلام هنا أن من المعاني المشهورة جداً في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ أن المراد هنا أن الملائكة تنزع أرواح الكافرين أرواح الأشقياء تنزعها غرقا ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ أي أنها تغرق في نزع هذه الأرواح من أطراف الأجساد أولاً نزع كلمة تدل على الشدة فالنزع لا يكون أخذ بسهولة وإنما يكون أخذ بقوة أخذ نزع تنزعه نزعاً ثم أيضاً كذلك جاء فقال سبحانه وتعالى في هذه الآية ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ فهذا النزع ليس نزعاً مجرداً وإنما نزع فيه إغراق فكأن هذا النزع كان من مكان بعيد غائر في الأرض جداً فنزع هذا الشيء نزعاً شديداً من هذا المكان الغائر ، والمراد هنا أن النزع لأرواح الكافرين وأرواح المجرمين كانت من أطراف الأجساد فهذه الأرواح كما ثبت في السنة هذه الروح الفاجرة الكافرة لما رأت ملائكة الموت رأت ملك الموت ومن معه من أعوانه فإنه تغور في أطراف الجسد تذهب فتختبئ في أطراف الجسد في أطراف القدمين وفى أطراف اليدين خوفاً مما ينتظرها من النزع فيأتي ملك الموت ومن معه فينزعون هذه الروح من أطراف الجسد كما ينتزع الصوف المبلول من الشوك يعني نزعاً شديداً يُنتزع هذه الروح تنتزع من أطراف الجسد على هذا النحو فعندئذ يكون هناك نزع وهناك أيضاً مع هذا النزع وصف آخر وهو غرق أي نزع فيه إغراق في سحب هذه الروح الكافرة من أطراف الجسم فيه شدة وفيه قوة في سحبها فهي تختبئ والملائكة تنزعها نزعاً شديداً قوياً فهنا كانت الآية في وصف هذا الحال ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾ أي أيضاً هذه الملائكة الذي هو ملك الموت ومن معه هذه الملائكة هي بنفسها لما تقبض أرواح المؤمنين فإنها تقبضها بماذا ؟ بسهولة بيسر ولا تنزعها نزعاً؟ هذه الأرواح المؤمنة أصلاً حينما تري نعيم الله عزّ وجلّ فإنها تنشط هي للخروج والمؤمن من المعلوم أنه في مرض موته يُبتلى ويزيد عليه الكرب كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم حين قوله ( إني لأوعك وعك رجلين ) أما خروج روحه فإنها تخرج كما تخرج القطرة حينما تنزل من الوعاء أو الصنبور أو تنزل نزلاً يسيراً مريحاً ليس فيه شدة ولا ألم وإنما تخرج خروجاً يسيراً جداً فالمرض أما عند الموت لا إنما هناك الراحة والطمأنينة والسهولة واليسر بل إن روح المؤمن عندما ترى النعيم الذي أعده الله عزّ وجلّ لها تنشط هي للخروج ولذا جاءت الآية هنا أيضا بهذا الوصف ﴿ وَالنَّاشِطَاتِ ﴾ أي الملائكة هي التي تنشط ﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾ هو أخذ لكنه أخذ بيسر وسهولة ورغبة لأن هذه الروح تعين على نفسها بخلاف تلك الروح التي ذهب إلى أطراف الأجساد فهذه تعين على نفسها لأنها رأت ما يسرها فأرادت الخروج إلى ذاك النعيم المقيم فهي نفس الملائكة النازعات الملائكة التي تقبض كذلك بالنسبة للناشطات هي نفس الملائكة أيضاً كذلك ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ هذه الملائكة التي قبضت هذه الأرواح أخذتها نزل ملك الموت ومن معه أخذوا هذه الأرواح فسبحوا بها في السماء سبحوا بها إلى السماء من المعلوم أن كما ثبت في حديث البراء من المعلوم كما ثبت في حديث البراء أن هذه الأرواح ترفع إلى السماء أما بالنسبة للروح المؤمنة الطيبة فإنها تفتح لها أبواب السماء أما بالنسبة للروح الخبيثة فقد قال الله عزّ وجلّ عنهم ﴿ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ﴾[لأعراف:40] لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء أبداً لا تفتح أبواب السماء لهذه الأرواح الكافرة الفاجرة لا تفتح لهم أبواب السماء وإنما يرمون رمياً كما ثبت أيضاً في حديث البراء سيرمى من أعلى السماوات من حين أن تغلق دونه الأبواب فإنه يرمى حتى يعود إلى مكانه في هذه الأرض ينتظر عذاب الله عزّ وجلّ في الآخرة فالملائكة هى التي تسبح بها أيضا ﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ أي نفس الملائكة التي قبضت الأرواح فلما تغير الأمر العطف كان لأن الملائكة هي هي العطف بالواو جاء لأن الملائكة يعني الملائكة التي نزعت والملائكة التي نشطت والملائكة التي سبحت هي هي الجنس هو الملائكة والنوع هم نفس النوع من الملائكة فلما ثبت الجنس وتغير النوع تغير العطف فقال الله سبحانه وتعالى ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾ الجنس هو الملائكة بقي كما هو ولكن الذي تغير هو فالسابقات سبقا أي نوع آخر من الملائكة أخذوا هذه الأرواح سواء الروح المؤمنة أو الروح الكافرة فهذه الروح المؤمنة أخذتها ملائكة الرحمة من ملائكة الموت فسابقت في تنفيذ أمر الله عزّ وجلّ بتنعيمها وإكرامها وفتح باب من أبواب الجنة لها وتلك أخذتها ملائكة العذاب فسابقت في تعذيبها وإهانتها والنكال بها وفتح باب من أبواب النار عليها فهنا ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾ ليس هو نفس نوع الملائكة وإنما تغير النوع بينما الجنس جنس الملائكة هو هو، فلما تغير النوع جاء العطف ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾ ثم جاء بعد ذلك نوع ثالث وهو ما قاله الله عزّ وجلّ ما أخبر به سبحانه وتعالى ﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾[النازعـات:5] وهو نوع آخر من الملائكة يدبر أمور هذه الأرواح بعد أن تستقر في مستقرها تأتي هذه الملائكة التي تدبر أمور هذه الأرواح وهم نوع ثالث فلذا جاء العطف بالفاء مغايراً لما كان قبلها من الملائكة المسابقة وجاء العطف في ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْق﴾ بالفاء مغايراً لنوع الملائكة الذين تولوا هذه الأرواح.
أم أسماء
15-12-08, 03:15 PM
هذا ملخص ميسر لما ذكره ابن القيم رحمه الله وما ذكره غيره من الأئمة في بيان الفرق بين العطف والواو والفاء والكلام في هذا قد يطول قليلاً وإنما أردت من ذلك ضرب المثال.
نعم لكن هذه المواطن كما تشعر هي ذكرت في الدرجة إيش؟ الثالثة، وهذه الدرجة الثالثة تلحظ حتى بالنسبة للعنوان التحقيق عند اختلاف أقوال المحققين في المضائق فهذه من المسائل الدقيقة في تتعب نفسك بها لكن إن جاءتك من إنسان وأهداك إياها فافرح بها وتمسك بها وعض عليها بالنواجذ افرح بها أن تجد من يبين لك هذا افرح بها لأنها قد تتعب كثيراً في تحصليها ولكن لا تتعب نفسك في كل موطن تريد أن تصل إلى الراجح فيه فإن هذا لا ينقضي وتكون أتعبت نفسك في درجة لن تصل إليها إلا بعد سنين عدداً بينما هناك من الدرجات ما هي أهم منها وكذلك هي أيسر فلا تتطلب الأعسر وهو أيضاً أقل أهمية من غيره فلا تتطلب هذا الأمر العسير وتترك اليسير الذي فيه من النفع ما ليس في ذاك واضح الكلام ؟ لعلك تقرأ.
الآن نتعرض لشيء من الكلام عن جدول يوضح أشهر المعاني لهذه الحروف لجملة من هذه الحروف، والذي نقصده من هذا الجدول هو أن تتبين أن هذه الحروف عندما تنظر في كتب حروف المعاني قد تجد معاني طويلة جداً فتتعبك ولكن يكفيك ما ذكر لك الآن يكفيك ما سيذكر لك الآن من المعاني لكل حرف أن ما ذكر لك هو المعنى الأغلب الذي إما أن يستخدم دائماً وإما أن يستخدم غالباً وإما أن يكون هو المعتاد في الاستخدام هناك معاني أقل من هذه المعاني، معاني نادرة معاني شاذة معاني تستطيع أن تنظر فيها في موطن قريب جداً من الكتاب العربي سواء كان ذلك في الكتاب أو السنة أو في غير ذلك ولكن لا تشغل نفسك بهذا الأمر كما ذكرت لك لأنه قد يشق وقد يعسر عليك الآن إدراكه دعه إلى حينه بإذن الله جلّ وعلا سنتكلم الآن عن بعض الحروف أمثلة فيما يتعلق مثلاً بـ - ال – تأتي بأي شيء في لغة العرب وهذا من المهم جداً من المهم جداً أن تعرف ال هذه في لغة العرب تأتي بأي شيء تأتي هي لما ذكرت من معانيها إيش ؟ التعريف، هل تأتي لغير التعريف؟ قد تأتي لغير التعريف في مواطن يسيرة جداً لكن هذه المواطن لا تشغل نفسك بها لأني كما ذكرت لك قد تتعبك الآن ولكن ستحصلها بإذن الله عزّ وجلّ بعد مدد من الزمن وأنت إذا دخلت في الأمر هان عليك ولكن إذا كنت بعيداً عنه فإنه يبدو لك عسراً شديداً ولكن ادخل في الأمر سيتبين الأمر شيئاً فشيئاً حتى يسهل عليك ويكون الأمر قابل بإذن الله للأخذ في المدارسة ثم الفهم ثم بعد ذلك العلم ثم التعليم بإذن من الله سبحانه وتعالى، نقرأ في ال فقط في المثال ثم نواصل.
قرأ الطالب :
هذا الجدول يوضح أشهر المعاني لجملة من هذه الحروف الأداة، المعانين ثم الأمثلة.
الـ للتعريف تكون عهدية مثل ما جاءت في قول الله تعالى ﴿
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾[الفيل:1] الـ هنا عهدية تكون جنسية في قوله تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾[الناس:1].
تكون للناهية مثل ﴿
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾[الأنبياء:30].
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، هذا بالنسبة لـ ال وما تأتي عليه في كتاب الله عزّ وجلّ وسنأتي إلى توضيح هذه الحروف وما يتعلق بها من المعاني وذكر أشهرها في الحلقات القادمة بإذن الله سبحانه وتعالى اسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل وخاصته اللهم اجعل هذا القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا اللهم أصلحنا به واجعلنا به هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم اجعله قائدنا وقائد آبائنا وذرياتنا وجميع أحبابنا وأصحابنا يا ذا الجلال والإكرام إلى جناتك جنات النعيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
15-12-08, 03:20 PM
تفريغ الدرس الثامن عشر:معنى أداة التعريف "ال":
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
اللهم عملنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاًَ يا أكرم الأكرمين.
كان الكلام فيما سبق يختص بحروف المعاني ووقفنا عند معاني هذه الحروف التي اشتهر ذكرها في كتب أهل العلم وكنا في الحديث عن جدول يوضح أشهر المعاني لجملة من هذه الحروف وسبق أن قرأنا عليكم ما يتعلق بمعنى حرف ال في كتاب الله عزّ وجلّ وسنعيد القراءة الآن ليكون هناك شيء من الشرح لمعاني هذا الحرف في كتاب الله.
قرأ الطالب:
هذا الجدول يوضح أشهر المعاني لجملة من هذه الحروف :الأداة، المعاني ثم الأمثلة.
الـ تكون للتعريف عهدية مثل ما جاءت في قول الله تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾[الفيل:1]
أكمل الشيخ:
نعم ال هنا المراد في قوله سبحانه وتعالى ﴿ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾ فالفيل هنا معهود معروف أنه الفيل الذي جاءوا به ليهدم الكعبة فأنزل الله على هؤلاء مع فيلهم أنزل الله عليهم هذه الطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة من سجيل، فالمراد هنا من هذا المثال هو قوله سبحانه وتعالى ﴿ الْفِيلِ ﴾ فال هنا عهدية عائدة إلى ذاك الفيل المعهود عند السامع، نعم.
قرأ الطالب:
وتكون جنسية مثل قوله تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1].
أكمل الشيخ:
نعم عندك الحمد في ال هذه وال هذه جنسية كذلك في قوله سبحانه وتعالى ﴿الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ال هذه أيضاً جنسية أي رب كل العالمين من أولهم إلى أخرهم كذلك في الآية الثانية ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ أي برب كل الناس ف"ال" أيضاً هذه جنسية تفيد الاستغراق.
قرأ الطالب:
وتكون للماهية مثل ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾[الأنبياء:30].
أكمل الشيخ:
نعم الماهية هنا أيضاً هي تسمى عند بعض أهل اللغة جنسية ولكنها جنسية لا تفيد الاستغراق وإنما جنسية تدل على الماهية كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ﴾ في كلمة الْمَاءِ الماء هنا هذه ال جنسية تفيد الماهية أي ماهية الماء فالمراد هنا أن الماء أياً كان هذا الماء هو جعله الله سبحانه وتعالى حياة لهذه المخلوقات، نعم.
قرأ الطالب:
قد، تكون مع الماضي للتحقيق والتقريب .
أكمل الشيخ:
نعم الآن اخترنا لكم الحرف الآخر قد، هناك حروف أخرى كثيرة عندنا الباء عند السين، سوف، على، عن، الفاء، في، وكذلك غيرها من الحروف ولكن من أجل الاختصار ومن أجل ضرب المثال فقط سنأخذ الآن الكلام عن قد، وهي حرف معنى في كتاب الله عزّ وجلّ.
قرأ الطالب:
تكون مع الماضي للتحقيق والتقريب مثل قوله تعالى ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾[المجادلة:1] و ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾[الشمس:9].
وتكون مع المضارع للتقليل أو التكثير، وهي في القرآن الكريم في ثمانية مواضع كلها عند التحقيق للتكثير منها ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْه ﴾[النور:64] ﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾[الصف:5].
أكمل الشيخ:
أحسن بارك الله فيك، بالنسبة لقد، قد تأتي تارة وتسبق الفعل الماضي كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ ﴾ فقد هنا سبقت الفعل الماضي الذي هو إيش؟ سمع ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ ﴾ فإذا أتت قبل الفعل الماضي فإنه تدل على التحقيق وتدل على معنى آخر في كثير من المواطن وهو التقريب أي أن السماع قد تحقق وأيضاً أن هذا السماع من قرب هذا بالنسبة إذا كانت قد، قد تقدمت على الفعل الماضي أما إذا تقدمت على الفعل المضارع فإنها تارة تفيد التكثير وتارة تفيد التقليل، يعني تقول: قد يجود البخيل، فما مرادك هنا بقولك قد يجود هل قد هنا للتكثير أو للتقليل؟ للتقليل لأن البخيل الأصل فيه أنه لا يجود ولكن لما جاد هنا أخبرت أنه قد يجود، قد يجود البخيل، بينما في أمثلة كثيرة ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ﴾[الأحزاب:18] هنا قد هل هي للتقليل أو للتكثير؟ هنا للتكثير ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ ﴾ يعني الإخبار بأن الله عزيز مطلع وأن هذا الاطلاع صفته الكثرة والاطلاع الكامل فقد إذا جاءت بعد الفعل المضارع تارة تفيد التقليل وتارة تفيد التكثير فإذا جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى فإنها في الأغلب تفيد التكثير لا التقليل لأن قد عندما جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى وتقدمت على الفعل المضارع حُسبت هذه المواطن في كتاب الله وجد أنها ثمانية، ثمانية مواطن جاءت عندنا قد وجاء بعدها فعل مضارع ثمانية مواطن في كتاب الله إذا نظرت إلى هذه المواطن الثمانية منها سبعة لا تحتمل إلا التكثير إلا في موطن واحد فإنه يحتمل أن يراد به التقليل أو أن يراد به التكثير وهذا الموطن الأصوب أن يُحمل على التكثير وهذه الأمثلة موجودة في كتاب الله عزّ وجلّ وقد جمعها عدد من المفسرين ومن هذه الأمثلة قوله سبحانه وتعالى ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْه ﴾ وقوله أيضاً ﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ ﴾ والمراد هنا بقوله سبحانه وتعالى على لسان موسى عليه السلام ﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ ﴾ هنا المراد على القول الراجح من كلام المفسرين هو التحقيق الذي هو التكثير لا التقليل لأنهم هم أي بني إسرائيل يعلمون علماً ظاهراً بيناً أن موسى عليه السلام رسولٌ من رب العالمين فموسى يقول لهم ﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾ لمَ تؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول الله إليكم ليس المراد هنا التقليل وإنما المراد هنا التكثير وبيان أن هذه الصفة ظاهرة بينة عندهم ليست بالصفة القليلة التي ليست يعني واضحة في استقرارها في أذهانهم وأيضاً كذلك قرارها في قلوبهم؟ لا، وإنما هي صفة ظاهرة مستقرة عندهم في النفوس وفى القلوب، نعم.
قرأ الطالب:
اللام الجارة أصل معانيها الاختصاص وهو معنى لا يكاد يفارقها مثل ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ﴾[التوبة:60] وتأتي للسيرورة مثل قوله تعالى ﴿ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾[هود:119] وتأتي للعلة مثل ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾[القمر:17] وتأتي للصلة مثل قوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ﴾[الحجر:28].
أكمل الشيخ:
نعم هذه اللام الجارة اللام المكسورة التي تجر ما بعدها إذا جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ فأصل معانيها الاختصاص وهذا المعنى مهم جداً وله أثر في أشياء كثيرة جداً في فهم كلام بل حتى في فهم الآيات في دلالتها على مسائل في العقيدة وعلى مسائل في الفقه وعلى مسائل في غير ذلك من أمور الدين فعندما مثلاً تقرأ قول الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ معناها أن الصدقات يختص بها الفقراء لأن اللام هنا جاءت للاختصاص على أصل معناها فأصل معناها الاختصاص وهناك معاني أخرى لهذه اللام كما في قوله جلّ وعلا ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾ أي ما الحكمة وما العلة من تيسير هذا القرآن لأي شيء ؟ للذكر، العلة هي الذكر ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ ﴾ من أجل ماذا؟ من أجل أن تتذكروا به وأن تستخدموه للذكرى فهذه هي العلة من إنزال القرآن.
كذلك أيضاً هناك معنى ثالث وهو ما يسمى بالصلة وهذا المعنى أيضاً لابد من الانتباه له لأنه يتعلق بعدد من المسائل مهمة في دين الله عزّ وجلّ وهو معنى الصلة في هذه اللام أي أنها تصل بين شيئين كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ﴾ هذه اللام هل هي لام الاختصاص؟ لا ، ليست لام الاختصاص، هل هي لام العلة ؟ وإذا قال ربك لعلة الملائكة من أجل الملائكة ؟ لا، إنما هي هنا لام إيش؟ لام الصلة بمعنى أنه قال سبحانه وتعالى موصلاً هذا الكلام للملائكة، كما تقول أنت سجدت لله هذه اللام سجدت لله لام الصلة أي سجدت موصلاً سجودي لله فهذه تكون بين المعاني وسيأتي متى تكون اللام تارة للصلة وتارة للعلة وتارة للاختصاص بحسب السياق الذي تجيء فيه، نعم نأخذ مثال أخير.
قرأ الطالب:
ما الاسمية تكون شرطية وموصولة تفيدان العموم مثل قوله تعالى ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ﴾[البقرة:197] ومثل ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاع ﴾[النساء:3] وتكون استفهامية مثل قوله تعالى ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ ﴾[الحاقة:1-2] وتكون تعجبية مثل قوله ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾[البقرة: 175].
أكمل الشيخ:
نعم، عندنا ما الاسمية ما في القرآن تأتي على نوعين: تكون تارة حرفية وتارة اسمية ويجب أن تنتبه لهذا ليست كل ما في القرآن على نحو واحد بل هناك ما، في القرآن حرفية لا يعني محل لها في الإعراب أما هناك ما الاسمية فلها محل في الإعراب تعرب إما أن تعرب مبتدأ تعرب خبر بحسب موطنها في الآية فتنتبه لهذا فلابد أن تفرق بين ما الحرفية وما الاسمية في كتاب الله عزّ وجلّ عندنا ما الاسمية لها دلالات كثيرة في القرآن فتارة تكون شرطية كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾[البقرة: 197] فهي شرطية هنا في دلالتها وهي ظاهرة من جهة الدلالة كذلك بالنسبة لـ ما الموصولة وهي كثيرة ولها دلالة يعني ظاهرة في كتاب الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ أي فانكحوا الذي طاب لكم وما الشرطية وما الموصولة من ألفاظ العموم في القرآن: ما معنى هذا؟ معناه أن ما الشرطية إذا جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ فإنها تدل على العموم ما الموصولة إذا جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ فإنها تدل أيضاً على العموم فعندما مثلاً نقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ أي فانحكوا الذي طاب لكم أي انحكوا ما طاب لكم عامة انكحوا ما شئتم من النساء ما طاب لكم من النساء إن لم يكن هذه النساء لم يكن ممن حرم الله عزّ وجلّ فهذه الألفاظ تدل على العموم في كتاب الله سبحانه وتعالى.
كذلك هناك الاستفهامية وهي كثيرة كما في قوله تعالى ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ ﴾ ﴿ الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ ﴾[القارعة:1-2] هذه كلها من قبيل ما الاستفهامية وهناك أيضاً التعجبية التي تدل على شيء من التعجب كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ وكذلك في قوله سبحانه وتعالى والذي يعني مما يدل على التعجب في قوله جلّ وعلا ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾[النبأ:1] ونحو ذلك هذه كلها حروف تدل على نوع من المعاني وهنا تدل على التعجب.
نقف بالنسبة للأمثلة عند هذا الحد وإلا فالكلام كما ذكرت لكم طويل ولكن نرجئ الكلام عن هذه الحروف تفصيلاً إلى موطن آخر ونأخذ الآن في مسألة مهمة جداً وهي ما يتعلق بكيفية الوصول إلى معرفة دلالة هذا الحرف في كتاب الله عزّ وجلّ: أنا أقرأ في القرآن وأقرأ مثلاً قول سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾[الكوثر:1-2] الآن عندي ربط بين هاتين الآيتين حرف يقال له الفاء ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ هذه الفاء ما دلالتها ؟ كيف أقف على دلالة هذا الحرف في هذا الموطن ؟ هذا الذي نريد أن نعرفه وخذ أمثلة كثيرة جداً على هذا الأمر خذ أمثلة كثيرة جداً في كتاب الله سبحانه وتعالى على هذا الأمر فكيف نصل إلى معنى الحرف إذا مر علينا في كتاب الله سبحانه وتعالى هذه هي المسألة التي سنتكلم عنها بإذن الله فيما بقي لنا من الكلام عن حروف المعاني، لعلك تقرأ.
قرأ الطالب:
بقي كيفية الوصول إلى معرفة دلالة حروف المعاني في الآية سبق أن اخترنا مرجعاً واحداً فقط هو معجم حروف المعاني في القرآن الكريم.
أكمل الشيخ:
نعم هذا الكتاب هو الذي أشرنا إليه سابقاً وهو ما يسمى بمعجم حروف المعاني في القرآن الكريم معجم حروف المعاني ولكن خاص بالقرآن الكريم معجم حروف المعاني في القرآن الكريم من مؤلفه ؟ من يذكر اسمه ؟ ذكرنا اسمه من قبل.
أجاب الطلبة:
محمد حسن الشريف.
أكمل الشيخ:
أحسنتم بارك الله فيكم ، محمد حسن الشريف، نعم وهو في كم مجلد ؟
أجاب الطلبة:
في ثلاثة مجلدات .
أكمل الشيخ:
في ثلاثة مجلدات، هذا الكتاب ذكرنا عنه بعضاً من الكلام فيما سبق والآن سنذكر كيف نستفيد منه في هذا الموطن الذي نحتاج إليه، نعم اقرأ.
قرأ الطالب:
مع الجدول السابق فإذا مر بك حرف من هذه الحروف في القرآن الكريم فاسلك الخطوات التالية:
أولاً: انظر الجدول السابق وتأمل المعاني المشهورة للحرف.
ثانياً: راجع هذه المعاني في الكتاب السابق بشكل أوسع.
ثالثاً: تأمل في المعنى الذي اختاره المؤلف وافهم سبب اختياره وقد تحتاج مع هذه الخطوات إلى من يذلل لك بعض الصعوبات.
أكمل الشيخ:
نعم هذه الخطوات أنا أقترح عليك لكي تصل إلى دلالة هذا الحرف في كتاب الله سبحانه وتعالى بدءًا حتى أُيسر لك الأمر إذا وقفت على حرف وأشكل عليك فعندئذ بإمكانك أن ترجع إلى هذا الجدول الذي تراه في بيان دلالة هذا الحرف وما له من المعاني ستقف على أشهر المعاني بعد ذلك إن أردت زيادة في الاطلاع على دلالة هذا الحرف بإمكانك أن ترجع إلى هذا الكتاب معجم حروف المعاني ستنظر ماذا ذكر من المعاني وتنظر في اختياره هو تنظر في اختياره هو لدلالة هذا الحرف في هذا الموطن إذا نظرت إلى دلالة الحرف في هذا الموطن عندئذ بعد ذلك ستقف على معنى يذكره هو توافقه أو تخالفه الأمر يسير إذا أردت أن تعرف هل ما قاله صواب أو لا ؟فقط انظر إلى الكلام السلف رحمهم الله وكلام محقق المفسرين في معنى هذه الآية لأن دلالة حرف المعنى الذي ذكره هذا المؤلف إما أنه يوافق ما ذكروه وإما أن يخالف ما ذكروه فإن وافق ما ذكروه فما اختاره صواب وإن خالف ما ذكروه فما ذكره ماذا ؟ ليس بصواب ، فهمت معي؟ فأنت الآن تريد أن تقف على حرف المعنى انظر إلى ما ذكر ثم ارجع إلى كلام السلف رحمهم الله وكلام المحققين من المفسرين بالطريقة السابقة التي أشرنا إليها بعد ذلك تستطيع أن تختار القول الراجح فيما سبق بدلالة هذا الحرف وهذا ليس بالكثير، كثير من الحروف ستقف على معناها بظهور ولكن قد تحتاج حيناً إلى شيء من التحقيق.
نأخذ مثلاً واحداً يبين لك ماذا نريد من حروف المعاني وكيف نصل إلى دلالة الحرف منها لعلك تقرأ.
قرأ الطالب:
أمثلة توضح ما سبق، المثال الأول قوله تعالى ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾[الفلق:4-5] في مثل هذه المواطن ينبغي لقارئ القرآن أن يسأل نفسه لما جاءت ال مع النفاثات ولم تأتي مع حاسدٍ وبعبارة أخرى لما جاءت مع السحر ولم تأتي مع الحسد؟
أكمل الشيخ:
نعم ينبغي أن تسأل نفسك يعني سورة الفلق كم قرأناها من مرة ؟ عشر مرات مائة، ألف، آلاف قرأناها كثيراً فلما لا تنتبه إلى كتاب الله عزّ وجلّ وأنت تقرأه؟ أنت تقرأ القرآن تقرأ كلام الله سبحانه وتعالى فلما لا تنتبه حينما تقرأ هذا القرآن؟
سورة الفلق ميز الله عزّ وجلّ فيها بين طائفتين من أنواع الشرور نوع من الشر ذكر فيه ال ونوع من الشر لم يذكر فيه ال فانتبه لهذا، إذا كنت تنتبه لهذا ستبحث عن الجواب لكن المشكلة إذا كنت أصلاً لم تنتبه لهذا مطلقاً وهذه عبارة عن غفلة عن ما ذكره الله عزّ وجلّ في هذا القرآن، نعم سنتكلم الآن عن الفرق بين الآيتين.
قرأ الطالب:
والجواب أنه لما كان السحر باختلاف أنواعه وأشكاله وأغراضه شراً كله جاءت ال هذه مفيدة للاستغراق والشمول حتى تحقق الاستعاذة منه كله، أما الحسد فمنه المذموم ومنه الممدوح وهو الغبطة، فلم تأتي ال معه حتى لا تشمل الاستعاذة أيضاً ما هو ممدوح منه فإن ذلك لا يستعاذ منه بل يتطلب العبد حضوره وحصوله.
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن هاتين الآيتين والفرق بينهما بإذن الله .
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة.
نعود إلى ما كنا نتكلم عنه فيما يتعلق بالمثال الأول وهو الفرق بين الآيتين في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ وقوله سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾:
نعم قرأنا عليكم بيان هذا الفرق بين هاتين الآيتين وأنا الآن سأذكر لكم شرح هذا الكلام لعله أن يتضح بشكل أجلى وأوضح فالله سبحانه وتعالى قال في الآية الأولى ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ وقلنا لكم سابقاً بأن ال هنا هي قد جاءت لإفادة معنى الاستغراق فهي جنسية استغراقية أي أن نوعها للجنس ودلالتها وفائدتها في علم البلاغة هي الاستغراق ف"ال "هنا ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ معناها ودلالتها كأنك تقول ومن شر كل نفاثة في العقد بل إن دلالة ال هنا أقوى من دلالة كل بل إن لأن كل تارة كما هو معلوم في أصول الفقه كل تارة تدل على العموم الكامل المستغرق وتارة تدل على العموم الظاهر الأغلبي الذي لا يستغرق فال هنا إنما جاءت للدلالة الاستغراقية الكاملة لكل أنواع ما دخلت عليه فعندنا ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ جاءت ال هنا الاستغراقية للدلالة على أن السحر شر كله من أوله إلى آخره جاءت للدلالة هنا على أن السحر شرٌ كله من أوله إلى آخره لا خير فيه مطلقاً البتة لأحد من الناس فشره غالب على خيره في كل موطن وفى كل زمن وفى كل مكان فليس عندنا سحر يكون تارة فيه خير فيه نفع وسحر فيه ضرر وفيه شر وإيذاء أبداً وهذا الذي يظنه بعض الناس قد جاءت الآية لإبطاله ولدحضه ولإزالته من الأذهان تماماً فليس هناك سحر يكون لعمل الخير سحر يكون للربط بين الزوجين سحر للتأليف بين القلوب سحر للبحث عن المفقود سحر للدلالة عن أمر يكون لك فيه حاجة ونحو ذلك أو في تحصيل خير تبحث عنه ومن هذا الكلام أبداً كل السحر من أوله إلى آخره كله شرٌ في شر وبلاء في بلاء ومعصية في معصية فليس هناك نوع من أنواع السحر فيه خير مطلقاً بدليل ماذا؟ بدليل آيات منها هذه الآية فالله عزّ وجلّ هنا قال ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ أي أمرك أيها المؤمن أن تستعيذ بهذه السورة العظيمة الجليلة من كتاب الله سبحانه وتعالى أن تستعيذ من شر كل نفاثة في العقد انظر من شر كل نفاثة في العقد من دون استثناء أبداً فكل ساحرة أو ساحرو إنما جاء هنا بذكر المؤنث هنا من أجل الأغلبية فقط لأن أغلب من كان ينفث بالسحر في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم كن الساحرات فجاء هنا ذكر الساحرات بلفظ المؤنث لبيان حال الأغلب هناك فكل سحر من أوله إلى آخره هو شر في شر من دون استثناء ولذا جاءت ال هنا لتؤكد هذه الحقيقة وتقرر هذه المسألة وتجليها وتوضحها بكل أنواع العموم المستغرق الذي لا يخرج منه شيء بل السحر شرٌ كله من أوله إلى آخره إذا هذه هي الآية الأولى ما الذي يدل على هذا المعنى؟ وما الذي يؤكده ؟ يؤكده الآية التي تليها مباشرة، لأن الله سبحانه وتعالى هنا قال ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ أي استعذ برب الفلق من شر كل نفاثة في العقد ثم لما جاء الحسد لم يأتي الأمر على هذا النحو بل قال سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ شَرِّ ﴾ ماذا؟ ﴿ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ أي استعذ برب الفلق من شر حاسد إذا حسد، لما لم تأتي ال هنا ؟ لما لم تأتي الآية على هذه الصيغة :ومن شر الحاسد إذا حسد؟ لما المغايرة بينهما لا شك أنها مقصودة فأنت تقرأ كتاب الله لا تقرأ مجلة من المجلات أنت تقرأ كلام العليم الخبير سبحانه وتعالى فغاير بينهما ليبين لك أن هناك فرق بين السحر الذي هو شرٌ كله من أوله إلى آخره وبين الحسد الذي يستثنى منه شيء يسير فمنه ما هو خير ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مطلوب من المرء المسلم فلأجل هذا المطلوب هذا المرغوب من الحسد لم تُذكر ال ليبين لك أيضاً في مفهوم المخالفة أن السحر ليس فيه خير مطلقاً لأن الحسد لما كان فيه شيء من الخير لم تأتي ال معه لأن ال لو جاءت هنا لاستغرقت كل أنواع الحسد بينما الحسد كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا حسد إلا في اثنتين ) فنفى الحسد ونهى عنه لكنه استثنى نوعين من أنواع الحسد. إذا الحسد كله شرٌ ولكنه يسثنى منه شيء يسير فللإشارة إلى هذا المستثنى اليسير لم تأتي ال هنا لأنها لو جاءت لشملت كل أنواع الحسد من دون استثناء ولكن لكي يتحقق المرء من العموم المقصود في قوله سبحانه وتعالى ومن شر كل نفاثة في العقد جاءت المغايرة بينهما فالعموم في مسألة الحسد وإن كان التنكير يفيد شيئاً من العموم ولكن هذا التنكير لا يدل على العموم الذي دلت عليه ال فانظر إلى التفريق الذي جاء في هذه السورة وهو ظاهر بيّن من كل وجه خصوصاً إذا جمعت بين الآيتين فهنا يتبين لك أن ربك سبحانه وتعالى أراد أن يخبرك أنك يجب عليك أن تستعيذ من شر السحر كله أوله وآخره ولا تظن أن هناك شيئا من السحر فيه خير أما بالنسبة للحسد فاستعذ منه وهذا الأصل فيه أنه شر ولكن لا تستعذ منه استعاذة كاملة مستغرقة لكل أنواعه لأن منه ما هو خير وهو قليل ويسير كما سبق في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، واضح الكلام، واضح للجميع؟ اقرأ المثال الثاني.
قرأ الطالب:
المثال الثاني :قوله تعالى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾[طـه: 71] لما قال تعالى في ولم يقل على ؟ مع أن الظاهر إرادة التصليب والتعليق، تجد في كثير من كتب التفسير أن في هنا بمعنى على وهذا وإن كان مشهوراًَ في كتب التفسير لكنه تفسير لجزء من المعنى لذا فهو ليس بجيد إذا أُريد إيضاحه.
أكمل الشيخ:
قف قليلاً هنا، الآن أنا أريدك أن تنتبه لقضية وهي أن هذا التفسير تفسير في بمعنى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ تفسير في بمعنى على هنا هذا تفسير لكنه تفسير إيش؟ لجزء من المعنى فلا تظن أنا نقول عن هذا التفسير أنه خطأ، لا وإنما أقول لك إن هذا تفسير إيش؟ لجزء من المعنى لأني لو قلت لك أنك خطأ ستذهب إلى كتب التفسير فتجد أن أئمة كثرة فسروا في هنا بمعنى على وهذا ليس خطأ ولكن الكلام أن هذا التفسيرهو تفسير بجزء من المعنى وليس تفسير لكامل المعنى فكامل المعنى سيأتيك أما تفسير في بمعنى على فهو تفسير لجزء من المعنى، واصل بارك الله فيك.
قرأ الطالب:
لذا فهو ليس بجيدٍ إذا أُريد إيضاح المعنى الكامل للآية لأن الله تعالى لو أراده لقال على ولم يقل في وإنما المراد أن فرعون من شدة غيظه عليهم هددهم بأنه سيصلبنهم تصليباً شديداً حتى كأنهم من شدة التصليب ستحفر أجسادهم في وسط الجذوع كما لو أدخلت مسمار في جدار فحرف في دل على العلو مع الظرفية وهذا المعنى لا يؤديه حرف على كما هو ظاهر.
أكمل الشيخ:
نعم هذا هو المراد فعندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ من المتكلم الآن ؟
أجاب أحد الطلبة:
فرعون.
أكمل الشيخ:
على لسان من ؟ على لسان فرعون، فرعون عليه لعنة الله يخاطب من؟ يخاطب السحرة الذين آمنوا بموسى عليه السلام فيهددهم ويتوعدهم فيقول لهم ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ فالآن تهديد ولأصلبنكم اللام هذه اللام الواقعة في إيش؟
أجاب أحد الطلبة:
لام القسم .
أكمل الشيخ:
لام القسم واقعة في جواب القسم تقدير الكلام ماذا؟
أجاب أحد الطلبة:
والله لأصلبنكم.
أكمل الشيخ:
والله لأصلبنكم، تقدير الكلام والله لأصلبنكم وأيضاً جاءت نون التوكيد وتعالى ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ فكل الكلام تأكيد في تأكيد فهو قد امتلأ حنقاً وغيظاً من هؤلاء السحرة الذي كان من قبل يستعين بهم إذا هم قد آمنوا بموسى وأصبحوا عليه لا له فانقلب عليه الأمر رأساً على عقب فهددهم تهديداً شديداً :والله لأصلبنكم في جذوع النخل، في جذوع النخل جاءت في هنا للدلالة على معنى للظرفية مناسبٌ هنا معنى الاستعلاء باقي لم يذهب وهذا الذي قلت لك بأن حروف المعاني التي لها معنى أصلي لا تذهب المعنى الأصلي بل المعني الأصلي يبقى ولكن هناك معنى زائد جاء ليضاف إلى المعنى الأصلي معنى فيه هنا معناها إيش؟ الظرفية ودل السياق على أن المراد أنهم سيعلقون على جذوع النخل فإذاً اجتمع عندنا هنا حرفان، حرف ظاهر وهو في وحرف ليس بظاهر حرف مخفي وهو إيش؟
أجاب أحد الطلبة:
على .
أكمل الشيخ:
على، فهو يهددهم بأنه سيصلبهم على جذوع النخل وهذا التصليب لن يكون تصليباً عادياً معتاداً لأنه يعلقهم تعليقاً على جذوع النخل؟ لا، وإنما من شدة التصليب ستحفر أجسادهم في هذه الجذوع التي صلبها عليهم تصليباً شديداً قوياً فليس التثبيت بمسمار ولا اثنين ولا ثلاثة ولا غير ذلك وإنما هو تصليب شديد وتعليق قوي جداً حتى أنه من شدة هذا التصليب مما في قلبه من الغيظ والحنق عليهم أراد أن يحفر لأجسادهم في هذه الجذوع ولذا جاء حرف في هنا ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ فكأنه جعل هذه الجذوع ظرف لهؤلاء السحرة لأجساد هؤلاء السحرة الذين آمنوا بموسى عليهم السلام وعلى من آمن معه فإذاً أراد من هذا التصليب أن يكون قوياً مبالغاً فيه جداً فجاءت هذه الآية بهذا الحرف للدلالة على المعنى الظاهر لو قلنا لكم أن حرف على حل محل في هنا هل تدل على هذا المعنى؟ ما دلالة حرف على هنا ؟ الاستعلاء المجرد يعني لو فرض أن الآية كانت على هذا النحو ولأصلبنكم على جذوع النخل لكان الأمر إيش؟ مجرد أنه سيصلبهم ويعلقهم على جذوع النخل ولكن لما جاءت فيه دلت على معنى آخر أن هذا التصليب شديد جداً يناسب ما في قلبه من الحنق والغيظ على هؤلاء المؤمنين وأنه سيجعل هذه الجذوع ظرف لهم وسيدخلهم فيها واضح الكلام، تفضل اقرأ.
قرأ الطالب:
المثال الثالث قوله تعالى ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾[مريم:47] السين الأولى أتت هنا للدلالة على المستقبل القريب أي أن إبراهيم عليه السلام وعد أباه أنه سيستغفر له في الزمن القريب ولو قال سوف أستغفر لك ربي لدل على زمن أبعد وهو خلاف مراد إبراهيم عليه السلام الذي بلغ من إحسانه لأبيه وحرصه على هدايته ما بلغ من شدة ما لقيه منه من وعيد وطرد وتهديد وغير ذلك، فهذه السين إشارة إلى نوع من الكمالات الخلقية التي اختص الله بها هذا النبي الكريم ومن وُفق من عباده الصالحين .
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، الآن انظر إلى كلمة ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ﴾ من إبراهيم الخليل عليه السلام إلى أبيه يعني تقرؤون في كتاب الله عزّ وجلّ ما نال إبراهيم الخليل عليه السلام من أبيه ناله شيء كبير جداً وهدده بالطرد وهدده بأنه سيرميه وأنه وأنه هدده تهديدات كثيرة فهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم كيف قابل أباه؟ قابله بكثير من ماذا ؟ بكثير من الرحمة كثير من الشفقة كثير من المحبة لهدايته والحرص البالغ على إخراجه مما هو فيه وهذا خلق نبوي اختص به بعض الأنبياء وليس أيضاً كل الأنبياء بل كانت الصفة الكاملة والكمال في هذا الخلق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال للملكين ( لا لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عزّ وجلّ ) أن يخرج ممن ؟ من أصلابهم، إبراهيم الخليل كان أيضاً كذلك في رحمته وشفقته وعطفه على الناس لم يكن شديداً قوياً وإنما كانت الشدة والقوة من صفة من أنبياء الله عليهم جميعاً الصلاة والتسليم من ؟ موسى ونوح عليهم السلام أما بالنسبة لمحمد صلوات ربي وسلامه عليه كذلك إبراهيم الخليل عليه السلام كانت من صفتهم الرحمة والشفقة واللين الزائد والتحمل الكبير جداً ولذا كانت هذه من صفات الكمال التي اختص بها ربنا سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ونبيه الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام .
إذاً هذا الأمر هو عبارة عن كمالات خلقية للدلالة على هذا الكمال الخلقي منه عليه الصلاة والسلام جاء حرف السين عندما قال سبحانه وتعالى عن حاله وهو يتكلم مع أبيه سأستغفر لك ربي بمعنى إيش؟ سأستغفر إيش؟ قريب لأن السين للتنفس ولإعطاء شيء من الأمد القريب أما بالنسبة لسوف فإنها تدل على التنفيس ماذا؟ التنفيس البعيد، فلم يقل سوف استغفر سيكون هناك مدة، لكن سأستغفر بمعنى أني سأستغفر الآن لك وهذا من كمال خلقه ويعني ما جعل الله في قلبه من الرحمة والشفقة على من؟ على الناس جميعاً حتى على من ابتعد عن نور الله وكفر بعبادة الله سبحانه وتعالى، اقرأ .
قرأ الطالب:
وقريبا منه ما قاله عطاء الخرساني في المقارنة التي عقدها بين استغفار يوسف ويعقوب عليهما السلام قال: طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ.
أكمل الشيخ:
تأمل هذه العبارة، وانظر إلى موطن الاستدلال من القرآن طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ يعني تطلبها من شاب غير أنك تطلبها من كبير في السن أين الدلالة من كتاب الله عزّ وجلّ على هذا المعنى انظر إلى استدلال هذا الإمام رحمه الله.
أكمل الطالب:
ألم ترى قول يوسف عليه السلام ﴿ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [يوسف:92] وقال يعقوب عليه السلام ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾[يوسف:98].
أكمل الشيخ:
نعم بالنسبة ليوسف شباب فوعد اخوته بماذا ؟ ﴿ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ يعني مباشرة فلم يأتي بأي حرف من حروف إيش؟ التنفيس لا السين ولا سوف لم يأتي بشيء بل قال ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ كأنه جزم لأنه حقه فكأنه أعطاهم إياه فرجا من الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن اخوته فيما فعلوه به وبأخيه فقال ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ بالنسبة للأب يعقوب عليه السلام ماذا قال؟ ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾ فاستدل بهذا عطاء الخرساني رحمه الله على أن طلب الحوائج من الشباب من يوسف ومن كان في هذا أسهل منه من الشيوخ لما حصل في نفس يعقوب عليه السلام على هؤلاء الأبناء الذين فعلوا به ما فعلوا فقال ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾ وهذا موطن قد يُوافق عليه عطاء وقد يخالف يعني المسألة مسألة استنباط ويعني تدرج في الأخذ من كتاب الله عزّ وجلّ إن وافقت أو خالفت الأمر في ذلك يسير، من الممكن أيضاً كذلك أن نأخذ في بعض الأمثلة التي جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ في هذا الباب وقد ذكر الله سبحانه وتعالى لنا في هذا الشأن أمثلة ليست بالقليلة مطلقاً لكن سنترك الكلام عن بقية الأمثلة فيما يتعلق بحروف المعاني إلى ما نستقبل وقبل ذلك أريد منكم أن تتأملوا معي أنتم أن تتأملوا معي بعض حروف المعاني في كتاب الله عزّ وجلّ دعني أنا وإياكم نأخذ في قوله سبحانه وتعالى في سورة الكوثر سورة قصيرة في قوله سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾[الكوثر:1-2] هذه الفاء من الممكن أن تكون ماذا؟ هل ممكن أن تكون عاطفة ؟ نأخذ مثلا على ذلك هل ممكن أن تكون عاطفة ؟ لا يمكن أن تكون عاطفة لا معنى لها على أنها عاطفة، هل ممكن أن تكون سببية ؟ ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ فبسبب ما أعطيناك ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ هل ممكن أن تكون سببية؟ ممكن، ممكن تكون أيضاً، هل ممكن أن تكون شرطية؟ في جواب الشرط؟ لا ما في شرط هنا أليس كذلك؟ هل ممكن أن تكون فصيحة أي تفصح عن شيء محذوف ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ فبما أعطيناك ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ ممكن ؟ ممكن لكن أقربها إلى الذهن ما هو؟ استئناف كامل ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ كأنه فيه انقطاع بيّن بين الآية الأولى وبين الآية الثانية ؟ لا ، أقربها ما هو أن تكون إيش؟ سببية لأن المفروض هنا ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ فبسبب ما أعطيناك وأنعمنا عليك إيش؟ ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ فبسبب هذا بسبب ما أوليناك من النعم عندئذ صلِّ لله عزّ وجلّ وانحر له سبحانه وتعالى.
اسأل الله عزّ وجلّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
15-12-08, 03:24 PM
تفريغ الدرس التاسع عشر:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أيها الأحبة حياكم الله مرة أخرة في مجلس من مجالس الجنة أسأل الله عز وجل كما جمعنا وإياكم في مثل هذه المجالس المباركة أن يجمعنا جميعاً ومن يستمع إلينا في الفردوس الأعلى من الجنة .
كنا في الحديث عن المرحلة الثانية المتعلقة بحروف المعاني وقد سمعنا وقرأنا أمثلة على حروف المعاني وعلى أثرها في فهم كتاب الله عز وجل وفي هذه الحلقة نواصل ما كنا بدأناه في ضرب هذه الأمثلة وإن كان هناك من سؤال قبل أن ننتقل إلى بقية الأمثلة أرجو ذلك.
قال أحد الطلبة :
بسم الله الرحمن الرحيم . المثال الرابع في قوله تعالى : ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: 25]. الهز تحريك الشيء وفعله يتعدى لنفسه فنقول هز الرمح أو الشجرة ونحو ذلك وفي هذه الآية أعده بإلى ليضمن الهز معنى الإدناء والإماله والتقعيد من فاعل الهز وهي مريم عليها السلام وفي هذا مزيد كرامة لمريهم عليها السلام .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، الآن اكتبوا الآية : ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾. أصل الهز في لغة العرب هو تحريك الشيء وهذا الفعل في اللغة لا يحتاج إلى حرف يتعدى به فأنت تقول لأحد هز الرمح أو تقول هززت الشجرة ونحو ذلك من الكلمات والعبارات لا تحتاج أن تعدي هذا الفعل بحرف فلا تقول هززت إلى الشجرة أو هز إلى الرمح ونحو ذلك لكن هذه الآية الكريمة عدي فيها هذا الفعل بقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ فما سر ذلك وما سببه؟
قال أحد الطلبة :
بيان ذلك أن المنصوص عليه في الآية أنها جاءت إلى جذع نخلة لا إلى نخلة كاملة ومع هذا أمرت أن تهز الجذع وتميله نحوها ومن كرامة الله لها أن الجذع لم يستجيب لهزها فقط بل وسيميل نحوها إجابة لجذبها لها بيديها الضعيفتين غاية الضعف وهذا أبلغ في الإعجاز وأدل على قدرة العزيز الوهاب جل وعلا ثم جاءت الباء في ﴿ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ وهي للإلصاق لتؤكد عليها أن تمكن يديها من الجزع حال هزها غاية ما تستطيع من التمكن وهذا أمر لها بفعل كل ما في وسعها من الأسباب الدنيوية.
أجاب الشيخ :
نعم هذا هو ما يبين لك بعض أسرار هذه الآية الكريمة الله سبحانه وتعالى يقول فيها : ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ كما ذكرنا سابقاً الهز لا يحتاج إلى حرف يتعدى به ولكنها عديت هنا بالباء لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ هذه الباء كما ذكرنا أن من معانيها الإلصاق فالمقصود هنا أن تتمسك بهذه الشجرة تمسكاً قوياً شديداً جداً بحيث أنها عندما تمسك بها يكون هذا المسك مسكاً قوياً شديداً متمكناً منها فهذه من جهة الباء ودلالتها على الإلصاق وأيضاً جاء حرف إلى ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ليكون هذا الهز فيه جر وجذب إليها هذا الجزع وهو جزع فيما يظهر كما قاله جماعة من السلف أنه مجرد جزع لا نخلة كاملة لأن الله عز وجل إنما ذكر جذع نخلة ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ولم يقل وهزي إليك النخلة وإنما ذكر جذع النخلة قد يقال بأنه ذكر الآن بعض ما يهز من أجل أنه هو المقصود بالمسك والجذب يعني ذكر شيئاً وأراد الكل قد يقال هذا وهذا له وجه صحيح في العربية ولكن ظاهر اللفظ ولا مانع البقاء على ظاهر اللفظ لأنه ليس هناك ما يمنع منه أبداً ظاهر اللفظ إنه إنما هزت جذع نخلة وجذع النخلة لا يكون معه رأس فيها ثمرة وفيه جذوع ولكن هو جذع مجرد من صلب هذه الشجرة وهذا الجذع فيه ما فيه من أنواع اليبس قد يكون ميتاً أصلاً ليس بحي إذا كان جذعاً مجرداً ليس نخلة كاملة فعندئذٍ أمر الله سبحانه وتعالى هذه المرأة الضعيفة التي هي في حال المخاض أمرها أن تهز جذع النخلة وأن يكون هذا الهز في حال كونها ممسكة إمساكاً قوياً شديداً بهذا الجذع وأيضاً كذلك أن تجذب هذا الجذع إليها هذه الأوامر لهذه المرأة الضعيفة في مثل هذه الحال هل هي أوامر مجردة من وقوع الأثر والاستجابة من هذا الجذع لهذه المرأة الضعيفة مثل هذه الحالة التي لا تستطيعه معها المرأة أن تفعل أدنى شيء كيف بأن تهز جذع نخلة كاملة لكنه بدأ أمر من أجل أن نتعلم نحن جميعاً أن المطلوب والمأمور به في شرع الله سبحانه وتعالى أن تفعل ما تستطيع ما تقدر عليه تفعله ما لاتستطيع فلست مطالباً به ولا يطلب منك ولا تؤمر أن تتكلفه أبداً ولكن تفعل ما تستطيع من الأمور ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَ﴾ [البقرة: 286]. فالآن هي أمرت أن تفعل ما تسطيع فإذا فعلت ألم يحصل الأثر نعم سيحصل الأثر ألم يحصل ما تقصده سيحصل لها لأن الأمر جاء من الله جل وعلا وهذه الأوامر ليست عبثاً وإنما هي جاءت من الله سبحانه وتعالى لترى هذه المرأة الضعيفة الصالحة قدرة الله سبحانه وتعالى في إنقاذها وفي فعل ما لا يمكن أن يحدث لولا أن الله سبحانه وتعالى قدر ويسره لهذه المرأة إذاً فالقضية في قدرة بالله سبحانه وتعالى أراد أن يظهرها لهذه المرأة الضعيفة أمرها بأوامر فطبقت هذه الأوامر فحصل ما أمر به هذا الجذع من الاستجابة لهذه المرأة الضعيفة ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾ يدنو إليك ﴿بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ هذه كلها أوامر جاءت في حال يكون فيها الإنسان في غاية الضعف فإذا حصل للعبد في هذه الحياة الدنيا شيء من ذلك من حال المسكنة حال الضعف حال قلة الناصر حال الفقر الشديد حال بعد الأحبة والأخوة فإنه عندئذٍ ماذا يفعل الواجب عليك أيها العبد أن تفعل كما فعلت هذه المرأة الصالحة أن تفعل كل سبب تستطيعه من أجل درء هذا البلاء الذي حل بك تفعل ما تسطيع ولا تدخر شيئاً أبداً افعل كل ما تستطيع مما له سبب في دفع هذا البلاء الذي حل بك عندئذٍ سيتولى بقية الأمر ربنا سبحانه وتعالى وسيدرء عنك ما تخشى سواء كان في الحياة الدينا أو الحياة الأخرى.
قال أحد الطلبة :
المثال الخامس قوله تعالى : ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعً﴾ [الاسراء: 109]. اللام المفردة لها معاني كثيرة جداً وأصل معانيها الاستفاضة قال ابو السعود في تفسيره لهذه الآية اي يسقطون على وجوههم سجداً تعظيماً لأمر الله تعالى أو شكراً لإنجاز ما وعد به في تلك الكتب من بعثته وتخصيص الأذقان بالذكر للدلالة على كمال التذلل إذ حين إذاً يتحقق الخرور عليها و ... اللام للدلالة على .. الخرور بها كما في قولك فخر سريعاً لليدين وللفم الذقن معروف والمقصود به هنا الوجه.
أجاب الشيخ :
الذقن معروف عند الجميع الله سبحانه وتعالى يصف هؤلاء أنهم ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ سبحان الله هل الخرور يكون للأذقان أم يكون على الجبهه؟ الأصل يكون على الجبهة وعلى الأنف فلما الله سبحانه وتعالى ترك الجبهة هنا ولم يذكرها ترك الأنف لم يذكره هنا وإنما ذكر الذقن فكيف كان الخرور إلى الذقن هذا أمر يحتاج إلى وقفة ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ كيف يخرون للأذقان؟! تأمل معي هذه الآية .
قال أحد الطلبة :
الذقن معروف والمقصود به هنا الوجه كله كما قاله ابن عباس وقتادة وإنما خصت الأذقان بالذكر للدلالة على كمال التذلل وهذا ليس مقصودنا هنا وإنما المقصود أن ذكر اللام هنا عوضاً عن على في قوله : ﴿ لِلْأَذْقَانِ﴾ للدلالة على معنين.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك لماذا ليس مقصود هنا؟ لأن الكلام عن الذقن تابع للمرحلة الأولى لأن الأولى الكلام فيها عن دلالة الكلمات وأما هذه المرحلة الثانية الكلام فيها عن دلالة المعاني إذاً الأولى الكلام فيها عن دلالة الكلمات ونحن الآن نتكلم عن دلالة حروف المعاني فليس لها علاقة هنا لما خص ذكر الذقن في الآية ولم الوجه كاملاً هذا ليس محله هنا وإنما محله في المرحلة الأولى عندما تتأمل الكلمات ترجع كلمة الذقن في اللغة وماذا تعني ولما خص الذقن هنا في هذه الآية وترك الكلام عن الوجه كاملاً ولم فسر ابن عباس وقتادة وغيرهم من أئمة أهل التفسير فسروا الأذقان هنا بالوجوه لما فسروه بهذا ليس هذا الموطن لأن الكلام هنا عن حروف المعاني فالكلام هنا عن قوله سبحانه وتعالى ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ عن اللام هنا ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ الأصل يكون الخرور للأذقان أم على الأذقان يكون على الأذقان لأنه يخر عليها لا يخر لها ولذا جاء هنا حرف اللام عن حرف على لدلالة معينة ستذكر لكن حتى لا أشوش عليك الذهن سأذكر لك لما ذكرت الأذقان هنا ولم تذكر الوجوه سر ذلك أيها المبارك أن الخرور عندما يكون للأذقان يكون أشد ما يكون خضوعا وخنوعاً وذلة ومسكنة لله سبحانه وتعالى كيف هذا؟ أنت قد تخر على جبهتك على أنفك لكن هذا الخرور وإن وقع إلا أن بالنسبة للأذقان لا تصل إلى الأرض وهذا هو الأصل تأمل هيئتك وأنت ساجد إذا سجدت ما الذي يصل إلى الأرض وما الذي لا يصل ما الذي يمس الأرض وما الذي لا يمسها الذي يمس الأرض هو الجبهة والأنف هل بالنسبة للذقن يمس الأرض ؟ لا يمس الأرض فإذا خر الانسان خروراً في تعظيم لله سبحانه وتعالى أي فيه تعظيم كامل لله عز وجل فإن هذا الخرور سيكون معه خرور للأذقان إذا الذقن إلى الأرض فما حال الجبهة ما حال الأنف من باب أولى بل إن الخرور عليها سيكون عظيماً جداً بمعنى إنك تخر للأرض فيه تعيظماً كاملاً لله سبحانه وتعالى فيه إجلالاً لله فيه خوفاً من الله فيه خنوع فيه مسكنه كاملة تامة لربك سبحانه وتعالى هذا الخرور إذا للأذقان فإنه يكون أتم وأعظم وأكمل من أن لو كان للوجوه والجباه والأنف واضح الكلام لم تذكر الجبهة والأنف هنا من أجل أن الخرور على الأذقان أو للأذقان هو الأبلغ فعندما ذكر الأبلغ لم يحتاج إلى ذكر ما هو أقل منه في الدلالة على الخضوع والخشية لله سبحانه وتعالى بقي الآن عندنا مسألة وهي محل الكلام هنا فيما يتعلق لما ذكر حرف اللام ولم يذكر حرف على في هذا الموطن.
قال أحد الطلبة :
وإنما المقصود أن ذكر اللام هنا عوضاً عن على في قوله ﴿لِلْأَذْقَانِ﴾ للدلالة على معنين معنى على وهو الاستعلاء لأن الخرور وقع عليها ومعنى الاختصاص أي اختصاصها بالخرور وخصت هذه الأعضاء بالذكر مع أن اليدين والقدمين تخران أيضاً لأنها هي المقصود الأعظم من الخرور لأن كمال الذل والخضوع إنما يكون بها.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك حرف اللام هذه اللام لها دلالة في لغة العرب وهذه الدلالة هنا هي الاختصاص وكأنه خص الأذقان بالخرور على الأرض لما جاء لام الاختصاص هنا ولم تأتي على؟ لأن على لو جاءت هنا لدلت على الاستعلاء المجرد دلت على أنك جعلت هذا الذقن مستعلياً على الأرض يعني لامس الأرض مستعلياً عليها في خرورك وسجودك لله سبحانه وتعالى ولكن لم تأتي على هذه لم تأتي بمعنى جديد لم تأتي بمعنى كامل يبين شدة ما وقع لهذا العبد من الخرور وشدة ما وقع له من خشية الله سبحانه وتعالى وإن كان الكلام الآن عن أئمة في دين الله عز وجل مع عباد الله سبحانه وتعالى عندهم كمال خشوع وكمال خشية وكمال خوف لربنا سبحانه وتعالى أثنى الله عليهم في هذه الآية ﴿ويَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ فأثنى عليهم بهذا الخرور فخرورهم ليس كخرور غيرهم من الناس يعني سقوطهم على الأرض في سجودهم لله سبحانه وتعالى ليس كسجود غيرهم وإنما لهم سجود خاص يدل على كمال التعظيم لهم كمال سجود هذا السجود في صفته يدل على عظيم تعظيمهم لله سبحانه وتعالى فلذا ذكر السجود على هذا النحو ﴿ويَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ اي أنهم خصوا الأذقان بالسجود فسجد مع الوجه سجد أيضاً الذقن سجد مع الجبهة والأنف أيضاً كذلك الذقن فكان الخرور على أكمل ما يكون في توجه العبد لله سبحانه وتعالى حال سجوده وسقوطه على الأرض طالباً التقرب إلى الله سبحانه وتعالى هذا هو المقصود من هذه الحروف التي جاءت والتي قبلها.
قال أحد الطلبة :
ومثله ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات: 103]. فاللام هنا عوضاً عن على للدلالة عن المعنين السابقين اللذين هما الاستعلاء والاختصاص والمعنى أن إبراهيم عليه السلام صرع ابنه اسماعيل عليه السلام على الأرض كما يفهم من السياق وخص الجبين وهما جانبين الرأس من الأمام وبينهم الجبهة بالذكر هنا ليبين أن هناك صرعاً خاصاً بها واقعاً عليها فإبراهيم عليه السلام حتى لا ينظر في وجه ابنه حال ذبحه فيقع منه رحمة له فيتردد جعل وجه اسماعيل عليه السلام جهة الأرض حال إرادته ذبحاً وهذا ليس بتكلف ولا تقول بل هو الذي دلت عليه الآية بكلماتها وأدواتها وسياقها لذا صرح جماعة من السلف بأن هذه هي الهيئة التي أرادها إبراهيم عليه السلام أن يذبح عليها إسماعيل عليه السلام منهم ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك انظر إلى هذه الآية وتأمل معي أيها المبارك تأمل معي عظيم فهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلام ربهم وقبل ذلك سأحكي لك حكاية الآن الآن فيما يتعلق بفهم هذه الآية الله سبحانه وتعالى يقول هنا في هذه الاية العظيمة في سورة الصافات: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ الكلام الآن عن من؟ عن إبراهيم عليه السلام وعن ابنه اسماعيل ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَ﴾ أي ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وتل ابراهيم الخليل عليه السلام تل ابنه اسماعيل ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ إذا ذهبت للتفسير في المأثور تنظر مثلاً إلى تفسير ابن جرير رحمه الله فتقف على هذه الآية لتقرأ تفسير ابن عباس لهذه الآية فيقول لك إن ابراهيم الخليل عليه السلام لما أراد أن يذبح ابنه لم يذبحه على الصفة المعهودة الصفة المعهودة أن يوضع هذا الانسان أو كذلك عندما تريد أن تذبح بهيمة ونحو ذلك أن تضع على جنب أليس كذلك على جنب من الجانبين ثم تقوم بالذبح ابراهيم الخليل عليه السلام لما أراد أن يذبح ابنه اسماعيل عليه السلام لما هم بالذبح لم يفعل هذا لم يجعل ابنه اسماعيل على جنب من الجانبين أبداً لا جنبه الأيمن ولا على كذلك جنبه الأيسر وإنما فعل صفة أخرى ما هي هذه الصفة؟ أنه جعل وجه ابنه اسماعيل عليه السلام إلى الأرض ثم لما أراد الذبح أخذ هذه السكين فأدخلها من تحت حلق ابنه اسماعيل عليه السلام وهم بالذبح على هذه الصفة فالوجه الآن وجه اسماعيل عليه السلام على الصفة وابراهيم الخليل يذبح على هذه الصفة ابن عباس لما ذكر هذا الكلام من أين أتى به كثير من طلبة العلم بل كثير من الناس لما يقرأ هذه الآية يظن أن هذا الوصف لهذه العملية التي حصلت قضية ابراهيم انه أراد أن يذبح ابنه اسماعيل أن هذا من ما أخذه ابن عباس من بني إسرائيل وهذا ليس بصحيح أبين ذلك بعد الفاصل .
فاصل تلفزيوني
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين حياكم الله مرة أخرى أيها الأحبة ونعود للكلام عن قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ هذه الآية التي وصف الله عز وجل بها اسلام إبراهيم الخليل وكذلك ابنه اسماعيل لله عز وجل في هذا الأمر العظيم ذكر هذه الصفة وذكرت أن ابن عباس من معه .. قتادة ومجاهد وغيرهم من الأئمة فسروا هذه الآية وفجعلوا ذبح أو إرادة ذبح ابراهيم الخليل لابنه اسماعيل عليهما السلام على صفة محددة وهي أن ابراهيم الخليل جعل ابنه اسماعيل على جهة يكون فيها الوجه متجهاً إلى الأرض واراد أن يذبحه على هذه الصفة هذا الكلام من ابن عباس ومن وافقه على هذا الأمر لم يأتي من كتب بني إسرائيل ولم يأخذه عن صحف تقدمت من الكتب السابقة صفحة ما جرى بين ابراهيم الخليل وبين ابنه اسماعيل أبداً وإنما أخذه من هذه الآية وهذا ما أريد أن تنتبه له عندما لا تفهم كلام ابن عباس أو كلام ابن مسعود أو كلام أحد من أئمة أهل العلم من الباب لا تجنح كثيراً إلى أن تقول هذا من ما أخذ عن بني إسرائيل وهذا من ما نقله فلان عن الصحف السابقة وعن الكتب التي تقدمت أمة محمد صلى عليه وسلم أبداً لا تجنح في هذا فإنهم رحمهم الله وإن أخذوا عن بني إسرائيل شيئاً مما لا يخالف ما نحن فيه من ديننا إلا أنه أبداً لم يكثروا من هذا مطلقاً وعندما تنظر في تفسيرهم رحمهم الله سواء كان ذلك في الدر المنثور او تفسير ابن جرير أو تفسير ابن كثير أو في تفسير البغوي أو في غير ذلك من التفاسير أكثر ما نقل عنهم رحمهم الله إنما هو تفسير فهموه من كلام الله عز وجل لا يأخذوه عن بني إسرائيل ولا غيرهم وإنما فهموه من الكلام العربي المبين الذي جاء في كتاب الله عز وجل فلا تجنح كثيراً إذا لم تفهم الكلام أن تقول هذا ما أخذ عن بني إسرائيل لا لم يؤخذ عن بني إسرائيل وإنما أخذ من كتاب الله لكن المسألة إنك لم تفقه ما فقهوه من القرآن ولم تفهم ما فهموه هم من القرآن ولم تدرك من كلمات القرآن ودلالتها ومن حروف المعاني ودلالتها ما أدركوه هم الذين هم أخذوا القرآن واستمعوا إليه وفهموه وهم أصحاب لغة يتكلمون بلسان عربي بين واضح لا لبس فيه فلما تقرأ هذه الآية ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أولاً ابراهيم الخليل عليه السلام أمر بماذا؟ بالذبح المجرد أليس كذلك قال الله عز وجل في حكاية هذا الأمر : ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ [الصافات: 102]. هل أمر أن يذبح على صفة معينة؟ لا إنما أمر أن يذبح ما كيفية الصفة لم يحدد الله عز وجل هذه الصفة هذا النبي الكريم الخليل الذي وصفه الله عز وجل فقال : ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: 114]. ابراهيم كان من الرحمة وكان من الشفقة وكان من الحلم وكان فيه من ما جعله الله عز وجل في قلب هذا النبي من السؤده والرفق بالناس شيء لا يوصف وهذا من كمال وعظمة هذا النبي ولذا كان هو أفضل الأنبياء بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولذا كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه يكثر من ذكر ابراهيم الخليل يكثر من ذكره جداً ويكثر من الثناء عليه يقول إن الله عز وجل هو الذي تولى الثناء على ابراهيم الخليل في كتابه في كثير من المواقف هذا النبي أمر بالذبح ولم يؤمر بكيفية معينة للذبح فقد خيره الله عز وجل في ذلك فاختار صفة ينفذ فيها الأمر الذي جاء من الله عز وجل وأيضاً يجمع بين استجابته لأمر الله وبين رحمته لابنه التي جعلها الله عز وجل في قلبه فجمع بين الأمرين وهذا من كمال تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى لأنه نفذ الأمرين هو مأمور بأن يرحم ابنه وأن يشفق عليه وأن يكون لطيفاً به مراعياً لجميع أحواله ومأمور أيضاً أن لا يرتكب شيئاً يكون فيه أثر على نفسه ويكون فيه بقية فكر تتعلق بأمر من أوامر الله عز وجل فجمع بين هذا كله بين الرحمة التي جعلها الله في قلبه بل التي أمر الله عز وجل نبيه ابراهيم وأمر غيره أيضاً أن تكون في قلوب الآباء على الأبناء هذه الرحمة الفطرية المغروسة بين الأبن وأبيه هذه موجودة وباقية وهي شرعية وفطرية وكونية موجودة في قلب الخليل إبراهيم لم يبعدها ابراهيم ولم يزلها لما استمع إلى أمر الله سبحانه وتعالى بل نفذ الأمران جميعاً أما الأمر الأول هو أنه سيذبح ولم يرده شيئاً عن أن يقدم ابنه قرباناً لله سبحانه وتعالى استجابة لأمره لم يرده شيء عن ذلك ولكنه أيضاً يجمع مع ذلك الرحمة واللطف والرأفة والشفقة بهذا الابن وبنفسه أيضاً في حاله مع ابنه فجاء على هذه الصفة بأن رمى ابراهيم ابنه اسماعيل على الأرض تله تلاً قوياً شديداً حتى لا يفكر ولا يتردد فتله والتل لا يكون إلا بقوة وشدة ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَ﴾ الجميع أسلم لله عز وجل وأريد أن تتخيل هذا الموقف ايها المؤمن المسألة ليست هينة ليست القضية ذبيحة تذبحها وتقدمها لله عز وجل تشتريها بمبلغ من مال القضية أنها عندك ابنك وهو أحب الناس إليك وما جاءك إلا بعد تعب وجهد وزمن وتحبه محبة شديدة جداً ترى الدنيا كلها في هذا الابن ابن صالح ابن تقي ابن بار بأبيه ابن قد جمع الله عز وجل فيه أنواع من ما يجعل الأب شديد التعلق بهذا الابن شديد المحبة له ولذا قال ابن القيم رحمه الله في كلامه عن هذه الآية وعن تفسيره إن ربنا سبحانه وتعالى لعله اطلع على تعلق ابراهيم الخليل بهذا الابن وشدة محبة الله فأراد أن يخلص محبة الله عز وجل التي قلب ابراهيم الخليل لربه سبحانه وتعالى فلا يخالطها شيء لا يليق بها حتى وإن كانت محبة الأب لابنه وهذا الذي جرى ايضاً لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع ابنه ابراهيم عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم فكذلك ابراهيم مع ابنه اسماعيل فأمره هذا الأمر فاستجاب لله سبحانه وتعالى فجعل وجه ابنه اسماعيل إلى الأرض جعل هاتين العينين اللتين قد ينظران إلى ابراهيم الخليل وهو يقدم على ذبح ابنه اسماعيل في هذه الحال الشديدة مع الإسلام الكامل لله سبحانه وتعالى لله سبحانه وتعالى في هذا الموقف العظيم والسكين بيد ابراهيم الخليل وهو يقدم على ذبح هذا الابن الكريم البار الرحيم بل هو نبي من أنبياء الله عز وجل يقدم على هذا الذبح فجعل وجه إلى الأرض وأخذ السكين يريد أن يذبح وقد استجابا جميعاً وأسلما لله سبحانه وتعالى ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ [الصافات: 103، 104]. هذه الصفة كاملة هي التي أشار إليها ابن عباس ومجاهد وقتادة ودلت عليها الآية في حرف من حروف المعنى وهو قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أي أن التل كان من جهة الجبين وهذا التل هو الذي أوصل هذا الرأس إلى الأرض والتل كان من جهة الجبين ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أي تله تلاً يوصل به جبينه إلى الأرض فوصل الجبين هنا "ال" هذه في الجبين "ال" جنسية بمعنى أنه أوصل كل الجبين فإذا أوصل كل الجبين معناه أنه أوصل طرفي الجبين هذا وذلك أوصله جميعاً إلى الأرض لم يوصل طرفاً واحداً دون طرف وإنما أوصل الطرفين جميعاً طرفي الجبين إلى الله سبحانه وتعالى أوصلهما طاعة لله قرباناً إلى الله فجعلهما يماسان الأرض هكذا من جهته حتى لا ينظر هو إلى عين ابنه اسماعيل حال الذبح فلم يأمره الله سبحانه وتعالى بذلك فلم القسوة ولم الجفاء لم يأمره الله سبحانه وتعالى أن يضع عينيه بعيني ابنه اسماعيل حال ذبحه أبداً لم يأمره بذلك وإنما أمره بالذبح مطلقاً وهذا هو كمال الإيمان وكمال اليقين وكمال الرحمة وكمال الشفقة التي يحبها الله سبحانه وتعالى من عبده حين تنفذ الأمر الذي يأتيك من الله عز وجل وتنفذ معه أيضاً هذا الأمر المعين وتنفذ معه أيضاً الأوامر الأخرى التي جاءتك من الله سبحانه وتعالى بأن شفيقاً رحيماً بالناس من أولهم لآخرهم فأنت عندما تريد أن تنكر منكراً أو تنفذ أمراً تأمر وتنهى وقلبك مليء بالرحمة مليء بالشفقة مليء بالرأفة على هؤلاء الناس الذين تريد انت أن تخرجهم من الظلمات التي هم يعيشون فيها إلى النور الذي أراد الله عز وجل أن يهدي الخلق إليه هذا هو بعض ما يتعلق بهذا الآية ولكني أردت الإشارة فقط إلى حرفين من حروف المعنى في هذه الآية وهو أولاً اللام الموصلة لام الصلة هذه وأل الجنسية في قول ﴿ لِلْجَبِينِ﴾ الكلام واضح .
قال أحد الطلبة :
وهذه أمثلة أخرى أدعها للقارئ الكريم المثال السادس قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك: 16]. اتفق أئمة السلف على أن الذي في السماء هو الله جل في علاه.
أجاب الشيخ :
نعم وهذا بلا خلاف بينهم أن الذي في السماء هو الله سبحانه وتعالى وهذه هي عقيدة ليست هي عقيدة أهل السنة والجماعة فقط بل هذه عقيدة المسلمين من أولهم إلى آخرهم حتى دخلت فيهم البدع الله سبحانه وتعالى هو الذي على السماء ولا يكون سبحانه وتعالى إلا على هذه الصفة جل في علاه فالعلو المطلق له سبحانه وتعالى علو الذات وعلو القهر وكل أنواع العلو ثابتة له سبحانه وتعالى ولا ينكر ذلك إلا من فسدت فطرته هو الذي ينكر هذا العلو فتارة يقول إن الله في كل مكان أعاذنا الله سبحانه وتعالى من مثل هذا القول ومنهم من يقول أن الله سبحانه وتعالى لا يوجد في هذا الكون ليس في علو ولا في سفل ولا في يمين ولا في شمال ونحو ذلك مما يقوله بعض الفلسفة فالله سبحانه وتعالى قد أثبت له العلو المطلق في أكثر من ثلاثمائة آية في كتاب الله وفي السنة أحاديث كثيرة في هذا الباب بل إن في ما ترى من أحوال المخلوقات حتى من غير الانسان ما يثبت علو الله سبحانه وتعالى وأنت تنظر إلى البهائم إذا ارادت أن تجرأ وأن تبتهل إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وأن تتضرع إليه جل وعلى في أمر من الأمور إنما هي أن ترفع رأسها إلى السماء وقد شوهد ذلك النظر في القديم والحديث إذا أرادت أن تستسقي الله سبحانه وتعالى فإنها تستسقي بأن ترفع عينيها ورأسها إلى العلي الكبير سبحانه وتعالى هذه حقيقة ثابتة في الفطرة بل إنها عقيدة ثابتة في قلب الانسان لا يستطيع أحد أن ينكرها مطلقاً عندما تريد أن تدعوا الله أين تتجه في دعاءك إلى ربك سبحانه وتعالى تتجه إلى اليمين تقول هكذا يا رب تتجه إلى الشمال أو إلى الأمام أو الأسفل أو إلى الخلف أين تتجه إذا أردت أن تدعو الله سبحانه وتعالى ليس لك إلا الله وأين الله ؟ الله في العلو المطلق سبحانه وتعالى هذه عقيدة ثابتة هي ثابتة عند المسلمين جميعاً عند الصغار والكبار وقد سألت طفل في الخامسة من عمره كنت معه فقلت إذا أردت أن تدعوا الله ماذا تقول قال أقول يارب "كلمة غير مفهومة) قال ربي فوق والله في الخامسة من عمره .
سألت أخر في السادسة من عمره قلت حبيبي إذا أردت أن تدعوا الله عز وجل كيف تدعو؟ قال أقول يارب أدخل أبي وأمي الجنة قال ربي أنا .
يا سبحان الله يا أخي هذه عقيدة موجودة في الفطرة تريد أن تنكرها من أجل فلسفة وكلام فارغ دعوا هذا عنا جميعاً أيها المسلمون دعوا عنا هذا الكلام الفارغ الذي لا معنى له أن ينكر الانسان علو ربه سبحانه وتعالى فهذه جريمة من أعظم الجرائم ولذا حصل لبعض هؤلاء المبتدعة من بعض هؤلاء الفسقة الفجرة في حق ربهم سبحانه وتعالى عندما أن يسبح ربه يقدس ربه كما سمع .. الريفي وهو ساجد يدعو يقول سبحان ربي الأسفل يقول هكذا سمع وهو يدعو في سجوده يقول سبحان ربي الأسفل لأنه لا يريد أن يثبت العلو الذي أثبته الله لنفسه وهكذا يصل عقل الانسان إلى هذا الحد الأدنى في عدم تعظيمه لله سبحانه وتعالى ينزل الأمر من الله عز وجل بتسبيحه سبحانه وتعالى بأنه الأعلى ويأمرك في حال سجودك في حال أدنى موضع تكون فيه أنت في حال أن يصل هذا الرأس بما فيه من الجبهة والأنف بل حتى الذقن يصل إلى الأرض فتقول سبحان ربي الأعلى تنزه الرب في هذا الموطن لأنه الآن أنت في موطن تحتاج فيه أن تثبت علو ربك سبحانه وتعالى الذي فوق عرشه جل وعلا ثم يقول هذا الخسيس هذا الفاجر ، سبحان ربي الأسفل . وكل مؤمن بل إن رسولنا صلى الله عليه وسلم ومن تبعه بإحسان إلى يومنا هذا لا يقولون إلا سبحان ربي الأعلى هذه العقيدة هي المؤمنة لا أريد أن أدخل في كلام المنطق طويلاً في هذه القضية لكن يكفي بالفطرة التي أورثها الله عز وجل في قلبك إياك إياك أن تتعرض لهذه الفطرة بشيء يفسدها وبشيء يكدرها فإن ربك سبحانه وتعالى هو العلي المتعال سبحانه وتعالى هو العلي المتعال جل في علاه استوى على عرشه وهو يقضي بين خلقه وهو مستوي استواء يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى كيف الله أعلم . تريد أن أصف لك استواء الرب كيف يكون هذا من الذي يعلم ذات الرب سبحانه وتعالى وكيفية هذه الذات حتى يستطيع أن يصف استواءه جل وعلا على عرشه لا ندري ولكن نعلم ما معنى الاستواء ونثبت هذا يقيناً وحقاً طاعة لله عز وجل في كتابه وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته واتباعاً لإجماع المسلمين إجماعاً يقينياً قطعياً في هذه المسائل أسأل الله عز وجل أن يهديني وإياكم للتي هي أقوم.
قال أحد الطلبة :
لكنه متفق أيضاً على أن السماء على أي تأويل كانت لا يمكن أن تكون ظرفاً للكبير المتعال سبحانه وتعالى فإذاً ما المراد بـ "في" هذه الآية قيل بمعنى على وهذا حقاً ولكن بقي في معناها بقية فتأمل.
أجاب الشيخ :
نعم أكمل هذه أمثلة للأذهان يعني الإنسان يفكر فيها أو يتأمل وينظر في كلام أهل العلم.
قال أحد الطلبة :
المثال السابع: قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ﴾ [الفرقان: 25].
المثال الثامن: قوله تعالى : ﴿ السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: 18].
أجاب الشيخ :
هذه الحروف الباء في ﴿بِالْغَمَامِ﴾ الباء في ﴿ السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ لها دلالة تأملها راجع في كتب التفسير ستجد كلاماً يبين لك المعنى ويوضح لك المراد.
قال أحد الطلبة :
المثال التاسع: الفعل مر – ومروا – ويمرون ، ونحو ذلك في كتاب الله تعالى تارة يتعدى بالباء وتارة يتعدى بعلى كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف: 105]. مع قوله تعالى : ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين: 30]. فلما عدي في الآية الأولى بعلى ولما عدي في الآية الثانية بالباء .
أجاب الشيخ :
نعم هذه المغايرة لابد أن تنبته لها تارة فعل مر بعلى وتارة يتعدى بالباء فلما هذا لسر وحكمة ممكن أن نطلع على كتب التفسير وعلى ما ذكرنا لك من الكتب المعينة في حروف المعاني ستجد أن هناك فرق في الدلالة السياق كان يناسب هنا أن يأتي حرف الباء وهناك في السياق ما يجعل المناسب في هذا الموطن أن يأتي حرف على تدل الاستعلاء وباء تدل على الملاصقة فتارة المرور يناسب أن يكون بملاصقة وتارة المرور يناسب أن يكون بعلو وهذا من إعجاز كتاب الله سبحانه وتعالى.
قال أحد الطلبة : المثال العاشر التغاير بين العطف بالواو والفاءفي أوائل سورتي المرسلات والنازعات.
أجاب الشيخ :
نعم سبق الكلام عن سورة النازعات بالنسبة لسورة المرسلات تأملها أنت بنفسك وستجد بإذن الله ما يفرج صدرك.
ننتقل بعد ذلك إلى قضية لها علاقة بحروف المعاني نعرضها لها سريعاً وهي ما يسمى بالتضمين هذا المصطلح التضمين مصطلح له علاقة قوية جداً بحروف المعاني لابد أن نعرض له عرضاً سريعاً حتى يتضح لك الأمر بشكل أتم وأكمل فنعرض لمصطلح التضمين الوارد عند البيانيين وعند النحاة بل وعند المفسرين سنعرض لهذا المصطلح ونبين المقصود منه وننقل لك أمثلة يسيرة عليه ثم بعد ذلك ننتقل بإذن من الله سبحانه وتعالى وإعانة إلى المرحلة الثامنة.
قال أحد الطلبة :
التضمين كلمة تدور في كتب اللغة بين العروبيين والأدباء والنحويين والبيانيين ولكل طائفة من هؤلاء معنى خاص يفسرون به التضمين والذي يهمنا من هؤلاء هم طائفة البيانيين وكذلك بعض النحاة فالتضمين الذي نقصده هنا هو إشراب الفعل معنى فعل آخر ليدل الفعل الأول على معناه الأصلى وعلى المعنى الذي دل عليه السياق.
أجاب الشيخ : نعم هذا الدرس سنقف عنده طويلاً بإذن الله عز وجل في حلقة قادمة أسأل الله عز وجل لي ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا من أهل الفقه في الدين ومن أهل التأويل اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
15-12-08, 03:47 PM
تفريغ الدرس العشرين:التضميـــــــن
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه وسل تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أيها الأحبة حياكم الله مرة أخرى في روضة من رياض الجنة وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً وإيماناً كاملاً ولساناً ذاكراً وعيناً من خشيته دامعة اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
كنا في الكلام عن حروف المعاني ووقفنا عند مسألة التضمين ولعلنا نواصل بإذن الله في هذه الحلقة ولكن لعلنا نعيد القراءة من أول مسألة التضمين.
قال أحد الطلبة :
التضمين: كلمة تدور في كتب اللغة بين العروبيين والأدباء والنحويين والبيانيين ولكل طائفة من هؤلاء معنى خاص يفسرون به التضمين والذي يهمنا من هؤلاء هم طائفة البيانيين وكذلك بعض النحاة فالتضمين الذي نقصده هنا هو إشراب الفعل معنى فعل آخر ليدل الفعل الأول على معناه الأصلى وعلى المعنى الذي دل عليه السياق وهذا التضمين لايقول به كل النحاة وإنما يقول به الخليل وسيبويه وتبعهم على ذلك البصريون ونصره بن جني في الخصائص وبن القيم في بدائع الفوائد وبه يقول جمهور المفسرين وعلى رأسهم بن جرير الطبري وأبو السعود والقرطبي وغيرهم كثير يقول بن جني في الخصائص :ولو جمع التضمين لجاء منه كتاب يكون منه مئين أوراقاً ويقول أيضاً ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئاً كثيراً لا يكاد يحاط به ولعله لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتاباً ضخماً ثم قال فإنه فصل من العربية حسن لطيف .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذا بالنسبة للتضمين وكذلك بالنسبة لتعريف التضمين ومن يقول به من أهل العلم التضمين هو أن تأتي بفعل وهذا الفعل من المعلوم أن له معنى ثم تعدي هذا الفعل بحرف لا يناسب هذا الفعل في أصله وإنما جاء هذا الحرف جاء ليعدي هذا الفعل تعدية يكون فيها تضمين للفعل الأول الفعل الأصلي يضمن فعل آخر يناسب السياق الذي جاء في الآية فهذا هو التضمين التضمين في أصله ما هو عندنا فعل جاء وهذا الفعل من المعلوم إنه لمعنى أصلي في اللغة مثل أن نقول ذهب أو أكل أو قرأ أو صلى ونحو ذلك من الكلمات والأفعال في كتاب الله عز وجل هذه الكلمات عندما تنظر فيها فإنها لا معنى أصلي في لغة العرب لا إشكال في ذلك .مثلاً كلمة يريدون في القرآن الإرادة لها معنى أصلي أليس كذلك معنى الإرادة يهم بالشيء يريد أن يفعل شيئاً فلها معنى معلوم عند الناس جميعاً هذه الإرادة في أصل المعنى هناك حيناً يأتي ما يراد به أن يضاف لها معنى آخر كيف يكون هذا في لغة العرب أن تعد الإرادة بحرف لا يناسبها في الأصل ليدل هذا الحرف على معنى آخر على معنى أيضاً كذلك على فعل آخر يضمن هذا الفعل الأصلي فيدل الآن بدلاً أن كان يدل على معنى واحد أصبح يدل على معنين بل حيناً يدل على أكثر من معنين يدل على ثلاثة معاني ونحو ذلك هذا النوع من البلاغة في كتاب الله عز وجل يسمى بالتضمين وهذا النوع من البيان أو هذا النوع من علم المعاني لم يقول به كل النحاة بل إن الكوفيين رحمهم الله من النحاة لا يقولوا به بل أنكروه وجعلوا بدل هذا جعلوا أن الحرف هو الذي يتنقل في المعنى فإذا مثلاً جاءنا كما في قوله تعالى في الآية السابقة: ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: 71]. ذكرنا الكلام عن مسألة في وتضمينها للحرف الآخر وهو على بالنسبة للكوفيين ماذا يقولون؟ يقولون بأن في هنا جاءت وحلت محل على وانتهى الأمر يعني أن الحروف تتناوب فتارة في تأتي في محل على وتارة على تأتي في محل في وهكذا أي أنها كل حرف يقوم مقام الآخر هذا القول هو الذي يقول به الكوفييون أما جمهور النحاة وهو القول الذي يقول به المحققون من علماء اللغة وكذلك يقول به جمهور المفسرين أن هناك تضمين في مثل هذه الآيات لأن التضمين يعطي نوعاً من البلاغة من الفصاحة من البيان زائد عن ما كان في الأصل ومن تأمله في كتاب الله عز وجل وجده كثيراً جداً ولذا لعلك استمعت لقول بن جني أن هذا لو جمع في لغة العرب لجاء في مئين أوراقاً يعني في أوراق من مئات الأوراق من الأمثلة التي جاءت في لغة العرب ووقع فيه التضمين وهذا القول أصبح هو القول السائر الآن عند المفسرين بل حتى عند أهل اللغة وأصبح القول الثاني ضعيف جداً قلما تجد أهل العلم من يقول بالقول الثاني الذي قال به الكوفيون.
قال أحد الطلبة :
وقد أقر استعمال التضمين المجمع اللغوي في القاهرة بثلاث شروط :
الشرط الأول: تحقيق المناسبة بين الفعلين والتي تسمى العلاقة .
الشرط الثاني: وجود قرينة تدل على المعنى الملحوظ مع الأمن من اللبس.
الشرط الثالث: ملائمة التضمين للذوق العربي.
أجاب الشيخ :
نعم هذه شروط التي ذكرها المجمع اللغوي في القاهرة ووافق على التضمين وعلى إثباته وأنه أسلوب من أساليب الفصاحة في لغة العرب ولكنه اشترط شروطاً ثلاث وهذه الشروط موافق لما جاء في النص العربي موافقة لما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقة أيضاً لما جاء في الشعر والنثر العربي الفصيح فتحقيق المناسبة بين الفعلين لابد أن يكون هناك مناسبة بين الفعلين وايضاً لابد من وجود قرينة بين هذين الفعلين تدل على هذا المعنى الجديد الذي طرأ على المعنى الأول كذلك أن يكون هذا التضمين ملائم للذوق العربي لا يكون من ما ينفر عنه الذوق العربي السليم فإن هذا لا يصلح تارة بعض التضمين يكون متكلَّفاً شديد التكلف مثل هذا التضمين لا معنى له لأن التضمين إنما جاء ليزيد الكلام قوة وفصاحة وبيان فلا يكون متكلفاً عندئذ لا يزيد الكلام قوة وفصاحة وإنما يزيده ضعفاً وانكساراً وانحطاطاً فلا يصلح التضمين أبداً أن يكون متكلفاً يحتاج إلى كثير من البيان وكثير من الإيضاح وإلى مقدمات ونحو ذلك لا يصلح التضمين أن يكون بهذا الشكل أبداً وإنما التضمين يكون مناسباً للذوق العربي بمعنى إنك إذا ذكرته لمستمع يتكلم بلسان عربي وإن كان ليس فصيحاً فصاحة كاملة ولكنه يعرف اللسان العربي ويتكلم به عندما يسمع التضمين الذي تذكره في آية من الآيات أو في نثر من النثر العربي عندما يسمع هذا التضمين يجد أنه مناسب ملائم للذوق لا يشعر أنه متكلف يحتاج إلى دليل وإلى قرينة وإلى برهان واضح وإلى مقدمات ونحو ذلك من الكلام هذا لا يناسب ما نحن فيه لأن التضمين إنما هو فصاحة وبيان وقوة في التعبير لايناسبها التكلف أبداً سنأتي بعد ذلك إلى فائد التضمين وإلى أمثلة وأنا أعلم أن الأمثلة هي التي ستوضح المعنى قد يكون المعنى فيه شيئاً من اللبس ولكن الأمثلة ستوضح لك هذا جلياً بإذن الله جل وعلا.
قال أحد الطلبة :
فائدة التضمين: فائدته الإيجاز والاختصار بدل استخدام كلمتين استخدمنا كلمة واحدة الأمثلة على ذلك المثال الأول قوله تعالى : ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الانسان: 6].
أجاب الشيخ :
نعم انتبه معي إلى المثال الآن الفائدة هي الإيجاز والاختصار وهذا مقصد من مقاصد اللغة العربية أن تأتي بالكلام بإيجاز باختصار يعني في الكلام المتين في الكلام الفصيح في الكلام الذي ينظم نظماً ونحو ذلك هذا الأفضل فيه أن يكون مختصراً أما في الكلام الذي يكون فيه شرح وبسط ونحو ذلك هذا يكون واضحاً للسامع بشكل أكبر أما بالنسبة للكلام الذي يُنظَم نَظْماً أو يأتي بعبارة عربية فصيحة بليغة فإنه غالباً ما يستخدم فيه الإيجاز والإيضاح، ومن أدوات الإيجاز والإيضاح ما يسمى بالتضمين نأخذ الآن الأمثلة مثالاً مثالاً.
قال أحد الطلبة :
المثال الأول قوله تعالى: ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ ﴿ يَشْرَبُ بِهَ﴾ عادة فعل يشرب أن يعدى بمن وقد عدي هنا بحرف الباء والسر في ذلك بتضمين فعل يشرب بفعل يروى فيكون المعنى عيناً يشرب منها ويروى بها عباد الله فجاءت الآية في أتم أساليب البلاغة والإيجاز لأن المقصود ليس شربهم فقط بل يشربوا ويَرْوَوْا لذا عديت بالباء ولو قال يروى فقط بدل الشرب لما دلت على لذة الشرب.
أجاب الشيخ :
الآن تأمل هذه الآية ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ الشرب عادة عندما تتكلم أنت بلسانك في هذا العصر عندما تريد أن تتكلم عن الشرب هل تعد الشرب بالباء أم ماذا؟ شربت بالكأس أو شربت من الكأس؟ تقول شربت من الكأس هذا هو المعتاد في الكلام جاءت الآية على غير هذا الاستعمال المعتاد جاءت الآية لتقول ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾فعندما تتأمل الحال هذه عين وهذه العين عادة يشرب منها ولا يشرب بها العين كيف يشرب بها الكأس ممكن أن يشرب به لكن العين كيف يشرب بها لا يمكن أن يشرب بها فعينا يشرب بها وكان الأصل في الاستعمال المعتاد ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾منها ﴿عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ فلما جاءت الباء هنا محل من هذا هو الكلام عندك الآن لفظ يشرب إذا عديت بمن فهي على أصلها أنه شرب هذا الماء وانتهى الأمر لكن بالنسبة لها إذا عديت بالباء فإنها تضمن معنى آخر الفعل الأصلي يبقى على معناه الأصلي وهو الشرب ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾ ولكن أضيف لهذا الفعل يشرب أضيف له معنى آخر وهذا المعنى الآخر تضمنه فعل آخر هو يروى لأن يروى عادة تعد بماذا؟ تقول ارتويت بالماء فعادة هذا الفعل يروى في لغة العرب يعد بالباء فجاءت الباء هنا لتلفت نظرك إلى فعل لم يذكر ولكنه مضمن لفعل يشرب كأن الآية جاءتك على هذا النحو ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ ﴾ منها ويروى ﴿بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ .
ما الذي حصل ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾ منها جاء فعل يشرب وبقي وحذف منها ثم ويروى حذف الفعل وبقي حرف التعدية الذي يناسب الفعل الآخر وجيء بفعل واحد الفعل الأول وجيء بحرف واحد الذي يناسب الفعل الذي حذف بقي عندنا فعل وحذف الحرف الذي يتعدى به وبقي عندنا حرف وحذف الفعل الذي يعدي به هذا الحرف فمن الأربعة حذف اثنان وبقي اثنان والآية باقية على معناها بأوجز عبارة وأوضح إشارة وأفصح كلام ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَ﴾ أي عيناً يشرب منها ويروى بها عباد الله فهم لا يشربون الشرب مجرد لا يشربون شرباً يكون معه ارتواء ليس شرب مجرد في الجنة ما في شرب والله أن تبقى ظمآن قليلاً بل إن الشرب يقدرونه تقديراً بمعنى ماذا ؟ تشرب حتى تروى ما فيه زيادة ولا نقص يعني بعضنا فإن كان ظمآن جداً فإنه يشرب ويشرب بحسيباً فمن الشرب هذا قد أصابته التخمة من الماء تأذى من كثرة ما شرب سواء من الماء أو من أنواع العصير ونحو ذلك في هذه الحياة الدنيا فيشرب يشرب يظن أنه بحاجة فإذا انتهى فإذا هو قد جاوز أو انه لا يجد ما يريد فيشرب قليلاً ويبقى عنده شيئاً من الظمأ، في الجنة ما في هذا الكلام تشرب وتروى وارتواءك بقدر حاجتك يقدروها تقديرا مقدرة فتشرب تشرب ينتهي الشراب أنت ارتويت استوفيت حقك تماماً من هذا الشراب فشربت بقدر ما تحتاج إليه في جنات عدن أسأل الله لنا جميعاً من فضله.
قال أحد الطلبة :
المثال الثاني قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج:25]. ﴿ يُرِدْ فِيهِ ﴾ أصل فعل الإرادة يتعدى بنفسه ولا يحتاج إلى فعل حتى يعديه فتقول أردت كذا وكذا وأراد فلان كذا وكذا من غير حاجة إلى فعل يعديه إلى مفعوله .
أجاب الشيخ :
بالنسبة للأفعال في اللغة العربية منها ما يتعدى بنفسه تقول أردت الخير لفلان أردت العلم لفلان أردت الصحة لفلان أردت كذا وكذا أردت المال أريد أن أخذ مال أردت الدعوة أردت الصلاة أردت قراءة القرآن وهكذا فهذا الفعل فعل الإرادة أراد يتعدى بنفسه لا يحتاج إلى حرف يعديه بينما عندنا أفعال تحتاج إلى حرف يعديه مثل ما مر علينا بفعل الشرب تقول شربت من الماء لا تقول شربت الماء هكذا إلا إذا كنت تريد شرب الماء مجرداً فعندما تتأمل هذه الأفعال في لغة العرب تجد أنها تختلف منها ما يتعدى بحرف ومنها ما لا يتعدى بحرف مثلاً أن تقول ذهبت ذهبت هل ممكن أن تلغي حرف التعدية الذي يأتي بعد ذهب فتقول ذهبت المدرسة ذهبت المسجد ذهبت الحلقة هكذا لا وإنما لابد من حرف تعدية فتقول ذهبت إلى المسجد قدمت من المسجد وهكذا ونحو ذلك عندنا إذاً كلمات في اللغة لابد من حرف يعديها حتى في استخدامنا نحن ، في السليقة موجودة إلى الآن لابد من حروف لبعض الأفعال وهناك بعض الأفعال لا تحتاج إلى حروف بالنسبة للإراد الواردة في هذه الآية ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ الإرادة من المعلوم أن تتعدى بنفسها لا تحتاج إلى حرف يعديها ابداً فلِمَ عديت بحرف فيه هنا في هذا الموطن من كتاب الله عز وجل.
قال أحد الطلبة :
فالآية هنا عدت فعل يرد بـ فيه وهو حرف جر ليضمن والله أعلم فعل الإرادة معنى مناسباً لحرف الجر وهو فعل الهم كما ذكره بن القيم رحمه الله في زاد الميعاد فيكون المعنى ومن يرد أن يلحد في البيت الحرام أو يهم فيه بهم ظلم وسوء وإلحاد فإن الله سيذيقه من العذاب الأليم.
أجاب الشيخ :
احسنت بارك الله فيك تأملتم المعنى جيداً لأن الآن الله سبحانه وتعالى يريد أن يحذر من جاء إلى هذا البيت الحرام أن يعتدي فيه بأي نوعا من الاعتداء مهما كان هذا الاعتداء أي إلحاد في البيت الحرام أي أي ميل عن السبيل الحق عن الصراط المستقيم في البلد الحرام أمره يختلف ليس كغيره فالآية تقول لك ﴿ وَمَنْ يُرِدٍْ﴾ يرد فيه الإرادة أصلها ماذا؟ هي عادة تطلق على الإرادة الجازمة بأن يرد إرادة جازمة كاملة تامة بالبيت الحرام أن يفعل فيه شيء فيه إلحاد في فسق فيه فجور فيه اعتداء على الأعراض فيه اعتداء على الدماء فيه اعتداء على الأموال فهذا التهديد من الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ لكن هل المراد فقط الذي يريد فيه إرادة جازمة كاملة تامة فقط هذا هو الآن جاءه الوعيد من الله سبحانه وتعالى بأن يذيقه من عذاب أليم فقط هل هذا هو المراد ؟ لا لو كان هذا هو المراد لاقتصرت الآية على قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ﴾إلحاداً ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ بدون" في "لم تأتي الآية على هذا ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ وإنما تأتي الآية ﴿ وَمَنْ يُرِدْ﴾ إلحاد ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فمجيء فيه هنا له مغزى.
فاصل قصير أيها الأحبة نبين بعد بإذن الله عز وجل مجيء هذا في هذه الآية وما مغزاة في كتاب الله سبحانه وتعالى .
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حياكم الله أيها الأحبة كنا نعيش مع قول سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ذكرنا لكم أن الإرادة لو كان المراد هنا فقط الإرادة الجازمة أن يرد أن يلحد بهذا البيت العظيم إلحاداً ظاهراً بيناً لا يمنعه إلا مانع منه وأن هذا التهديد وهذا الوعيد إنما جاء لمثل هذا الذي أراد إرادة كاملة تامة فلم تأتي "في" هنا كانت الآية تقول لك : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ﴾ إلحاداً ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ولكن مجيء فيه هنا يدلك على معنى آخر نبه عليه ابن القيم رحمه الله ونبه عليه غيره أيضاً من أئمة أهل التفسير وهو أن الإراد هنا ضمنت معنى الهم وهذا المعنى يدركه الأئمة رحمهم الله ولذا يحرمون ويشددون وينكرون على من هم ولو مجرد الهم في الإلحاد بالبيت الحرام من أي أخذوا هذا المعنى أخذوه من هذه الآية فإذا حرم الأئمة رحمهم الله عليكم أن يكون هناك هم مجرد في محاولة الإلحاد في البيت العظيم أي محاولة الإلحاد ما هو الإلحاد أن تميل عن الصراط المستقيم هناك شيء من المحادة لله سبحانه وتعالى بأي شيء من أنواع المحادة أن تقترف معصية كبيرة أن تجاهر بنوع فسق في البيت الحرام أن تعتدي على مسلم سواء في عرضه تسبه تشتمه تعتدي على امرأة مسلمة ترميها في عرضها ونحو ذلك أو كذلك في مالاً تعتدي على مسلم فتأخذ ماله تعتدي عليه في بدنه وتضربه فتسبب له أذى لا يستحقه هذا كله من الإلحاد بالبيت العظيم ولذا جاءت الآية: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ الفي هنا دلت في بادئ الأمر على ماذا؟ على الظرفية واضح أي أن الإلحاد وقع في البيت الحرام ثم جاء بعد ذلك هذا الحرف الباء ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ﴾ عندنا إذاً كم حرف ؟ حرفان عندنا فيه الحرف الأول وعندنا بعد ذلك الباء فالفي دلت على الظرفية أن هذا الإلحاد وقع في البلد الحرام والباء هنا دلت على الإلصاق المجرد هي دلت على الإلصاق أن هذا الهم وهذه الإرادة ألصقت بالبلد الحرام لكنها جاءت هذه الباء تكلمنا عن "فيه" وانتهينا منها الآن سنتكلم على حرف الباء هنا ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ الفي دلت على الظرفية بظاهرها ولكن الباء هنا دلت على معنى آخر وهو تضمي فعل الإرادة فعل الهم بمعنى أن الله سبحانه وتعالى ينهاك فيقول لك ﴿ وَمَنْ يُرِدْ﴾ في البيت الحرام إلحاداً بظلم هذا هو المعنى الأول الذي دل عليه ظاهر المعنى الثاني ومن يهم بالبيت الحرام بإلحاد ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فضمن فعل الإرادة فعلاً آخر وهو فعل الهم ما الذي دلنا على فعل الهم هذا أي حرف؟ الباء الذي سبق كلمة إلحاد. من أين أخذنا هذا أخذناه لأن الإرادة أصلاً تتعدى بنفسها لا تحتاج إلى هذه الباء فلما جاءت الباء دلتنا على أن الفعل الذي سبقها ضمن بمعنى آخر وهو الهم هنا لم الهم؟ لأن الباء تعدي عادة فعل الهم ولأن السياق دل على هذا الفعل واضح الباء لأن عندما تقول هممت تقول بكذا وكذا أو هممت كذا وكذا هممت بدخول الجامعة هممت بالسفر إلى كذا وكذا لابد وأن تعدي فعل الهم بحرف الباء فالباء إذاً هنا دلت على فعل هذا ما هو ؟ هو الهم لم هو الهم ؟ لأنه من المعتاد أن تعد هذه الكلمة بحرف الباء ولأن السياق دل على أن هذا الفعل هو المناسب لهذه الكلمة وهي الإرادة والإلحاد ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ فإذاً أيضاً كذلك عندنا الآن في الاية عندنا كلمتان دلت على معنين عندنا كلمتان في الأصل أنهما يدلان على معنى واحد ودل على معنين دل على معنى أربع كلمات لأن الإرادة لا تحتاج إلى تعدية بل تتجاوز مباشرة تذهب إلى المفعول به وهو الإلحاد يرد الإلحاد ثم عندنا الهم يتعدى بالباء فحذفت كلمة الهم حذفت هذه وجيء بالباء للدلالة عليها وأيضاً كذلك بالنسبة للإرادة عدي الباء للدلالة على الفعل وهكذا المقصود هنا أن تتبين أن هذا الاختصار دل على معنى مضمن في الكلمة الأولى ومن هنا تفهم استنباط الأئمة لهذا الأحكام من مثل هذه الآيات فلم يحرموا مجرد الهم لم يأتوا بشيء جديد من عنده وإنما جاء بشيء أخذوه وفهموه من كتاب الله سبحانه وتعالى .
وهذا يبين لك عظم الأماكن المقدسة وأن أمرها عند الله عز وجل جليل ليس بالهين أبداً وأنها أماكن لها قدرها لها عظمتها ولها حرمتها عند الله سبحانه وتعالى يبين ذلك ايضاً الآيات كثيرة جداً في كتاب الله سبحانه وتعالى لكن ليس الكلام عن الآيات الأخرى ولكن الكلام عن هذه الآية وإلا يكفيك في هذا سورة البلد التي استفتحها الله سبحانه وتعالى بقوله : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد: 1، 2]. أي يا محمد إنما أحل لك هذا البلد ساعة من النهار فقط ثم عادت حرمته إلى يوم القيام والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً التي تبين لك هذا التعظيم الذي جعله الله عز وجل لهذا المكان المقدس وهو يبين لك لم حرم الله عز وجل مجرد الهم فقط أن يكون عندك هم بشيء من الإلحاد في البلد الحرام فإنك عندئذٍ متوعد من الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وهذا العذاب يكون في الدنيا قبل الآخرة كما بين الله عز وجل شيئاً من ذلك في سورة الفيل .
قال أحد الطلبة :
المثال الثالث قوله تعالى: ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنبياء: 77]. ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ﴾ الأصل في نصر أن يتعدى بعلى فيقال نصرت فلان على فلان ونصرت المحسنين على الكافرين فالآية هنا عدت فعل نصر بلفظ من لتضمين نصرناه بمعنى انتقمنا له فيكون المعنى انتقمنا من الذين كفروا بأن نصرناه عليهم .
أجاب الشيخ :
نعم هذا أضاح أيضاً من جهة التضمين ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُو﴾ فإن نقرأ من المعلوم أنه يتعدى بحرف على فتقول نصرت المسلمين على الكافرين أسأل الله عز وجل أن ينصر أمة الإسلام على أمم الكفر جميعاً فهذا الفعل نصر يتعدى عادة بعلى تقول نصرت فلاناً على فلان ولكن الآية لم تأتي بهذا الآية جاءت ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ ما هو الفعل المناسب للسياق الذي يتعدى بمن هنا؟ هو فعل انتقم فعندنا انتقم تقول انتقمت من فلان أو تقول انتقم فلان من فلان فالله سبحانه وتعالى عدى هذه الكلمة ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ عداه بهذا الحرف من ليبين لك أنه ليس انتصاراً مجرداً لم يكن هذا نصر للنبي على قومه وهو انتصار مجرد لا وهو انتصار فيه انتقام ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ أي ونصرناه على القوم وانتقمنا منهم فهو انتصار متضمن للإنتقام لأن من هنا يناسبها اللانتقام في مثل هذا السياق.
قال أحد الطلبة :
المثال الرابع في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرً﴾ [النساء: 2]. ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى﴾ الأصل في فعل أكل أن يتعدى بنفسه فتقول أكلت كذا وكذا فالآية هنا عدت فعل الأكل بحرف إلى لتضمين الأكل معنى الجمع والضم فيكون المعنى ولا تأكلوا أموالهم ولا تجمعوها وتضموها إلى أموالكم حال كون هذا الضم فيه من الإضرار ما في أكل أموالهم بالباطل إذ ليس النهي عن مجرد الأكل فقط وإنما النهي عن أي ضرر وإضرار بأموال الأيتام حتى لو لم يكن أكلاً وهذا المعنى دلت عليه كلمة إلى .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل هذه الآية : ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ الأكل من المعلوم أنه يتعدى بنفسه تقول أكلت كذا وكذا لا يحتاج إلى حرف" إلى" لا يحتاج حرف يتعدى به ولا تقول أكلت إلى كذا وكذا وإنما يتعدى بنفسه كما هو معلوم في الكلام المعتاد فالآية لم تأتي على هذا النحو وإنما جاءت ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ فما فائدة هذا الحرف؟ الفائدة هنا أن كثيراً من الناس يظن أن النهي إنما جاء فقط عن الأكل وإذا قلت له كيف فهمت هذا ؟ قال لك الآية إنما نهى فقط عن أكل أموال اليتامى ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ وإذا سمع أحد يقول له يا أخي لا يجوز الإضرار بمال اليتيم والضعيف والمسكين والمرأة والصغير والسفيه ونحو ذلك لا يجوز أن تتعدى عليه بأي نوع من الأنواع الضرر مطلقاً حتى وإن كان هذا الضرر مجرد جمع تجمعه إلى مالك أن تضعه مع مالك فيتضرر من جهة خفية فلا يجوز لك هذا محرم بل هو من أكبر الكبائر من الكبائر العظيمة جداً عند الله سبحانه وتعالى يقول لك يا أخي وين هذا أين هذا من كتاب الله سبحانه وتعالى هذا مسطر في كتاب الله وبين وواضح وعندما تكلم أهل العلم في ذلك تكلموا عن علم وبيان وعن استدلال من كتاب الله فالنهي هنا عندما جاء في هذه الآية ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ إلى هذه ليس لها معنى لو كان المقصود مجرد فقط الأكل لأن هذا الفعل لا يتعدى بإلى أبداً في لغة العرب لما جاء هذا الحرف هنا دل على هذه التعدية المهمة التي توضح المنهي عنه في هذه الآية ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ جاءت هنا لتبين لك أن مجرد الإضرار لا يناسب أبداً لم لأن الأكل هنا لو تأملنا الأكل هو أخذ هذا المال وأكله يأكل هذا المال بمعنى أنه يستعمله استعمال مباشر في ما يحتاج إليه من أمور دنياه إلى ما الكلمة التي تناسب السياق هنا وتناسب الحرف الذي عدي به هذا الفعل فعل الأكل الذي هو إلى هنا ما الكلمة التي تناسب هذا السياق وتناسب هذا الحرف إلى في هذا الموطن ما هي الكلمة؟ الجمع والضم معنى الكلام إذاً يكون: ولا تأكلوا وتضموا ولا تجمعوا أيضاً أموالهم إلى أموالكم أي في حال كون هذا الجمع والضم فيه إضرار عليهم كل ذلك منهي عنه مجرد الجمع والضم لأن الكلمة المناسبة هنا للسياق والتي أيضاً تناسب حرف التعدية إلى هي الجمع والضم هي الجمع فجاء النهي عن أكل المال وجاء النهي عن أيضاً مجرد الجمع والضم الذي فيه إضرار لهؤلاء الأيتام من أين أتينا بهذا المعنى الجمع والضم أتينا به من حرف التعدية الذي هو إلى لأن الذي يناسب السياق هي هذه الكلمة الجمع والضم حرف التعدية" إلى" واضح الكلام فإذاً النهي عن جميع الأحوال التي فيها شيء من الإضرار بأموال الأيتام بأي طريقة كانت فإن الله عز وجل حرم هذا الإضرار أشد التحريم بأي نوع كان هذا الإضرار بالأكل أو بغير الأكل .
قال أحد الطلبة :
جزاكم الله خيراً يا شيخ سبق وشرحت فضيلتك قول الله عز وجل : ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: 23]. فلو طبقنا هذه القاعدة فنقول يكفي أن يقال فجاءها المخاض إلى لأن جاء هذا الفعل يتعدى بنفسه جاء فلان كذا أو فجاءها المخاض إلى فستقوم بنفس المعنى فلم أضيف الألف ليصبح المعنى ﴿ فَأَلجأها﴾ ؟
أجاب الشيخ :
يعني ألف التعدية لما جاء هنا هو المقصود إذا أردنا أن نطبق هذه القاعدة المقصود هنا في هذه القاعدة هو التضمين فالذي حصل الآن أن فعل جاء ضمن فعل آخر وهو فعل ألجأ فعندنا جاء أصلاً فعل وعندنا ألجأ فعل مضمن بهذا الفعل أما بالنسبة لأجاء فأجاء هذه للتعدية وقد ذكرت لك سابقاً الفرق بين مثلاً عندما نقول نام وأنام ذهب وأذهب ما الفرق بينهما يعني الآن مسألة الإلجاء من أين جاءتنا؟ جاءتنا من هذه الهمزة من همزة التعدية .
(وسأل أحد الطلبة) فجاءها المخاض فألجأها إلى .
أجاب الشيخ :
جاءت للاثنين معاً لكن همزة التعدية لها دلالة كبيرة جداً في مسألة الإلجاء يعني أن تقول جاء محمد إلى خالد هل هناك إلجاء إذاً فالإلجاء في إلى لم يأتي واضحاً صريحاً وإنما جاء معنى الإلجاء هنا جاء من شيئين جاء من همزة التعدية الآن ما الذي جاء بمريم عليها السلام إلى جذع النخلة ما الذي جاء بها؟ جاء بها المخاض أليس كذلك فأنا أقول كأني قلت مثلاً ذهب وأذهب ذهب محمد إلى كذا أذهب محمد فلان كذا فمحمد هو الذي اضطر فلان هذا إلى الذهاب يعني هو الذي فعل بفلان الذهاب لأن هو الذي هو أذهبه كذلك أنام لما أقول نام محمد أنام محمد محمد الآن هو الذي ماذا هل هو الذي نام أم هو الذي أنام ؟ هو الذي أنام سمع وأسمع هو الذي أسمع فالمخاض هو الذي فعل ماذا؟ فعل المجيء بمريم إلى جذع النخلة فهذا الذي حصل الآن ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ﴾ أي أن المخاض هو الذي جاء بمريم ليس من اختيارها وليس من هواها ورغبتها لما جاء المخاض إلى جذع النخلة ما هناك دلالة على أن المجيء من المخاض جاء المخاض لمريم عند جذع النخلة لكن أجاء معناه أن الذي جاء بمريم عند جذع النخلة هو ماذا؟ هو المخاض هو الذي جاء بمريم عند جذع النخلة فأجاءها هو الذي فعل بها المجيء أما مسألة الإلجاء فهي فُهِمت من مجموع هذا الكلام مع السياق ودلالة السياق دلالة لابد أن تكون ثابتة في هذا كله فعندنا دلالة الحرف ودلالة السياق فالمجيء ثابت والإلجاء إلى المجيء ثابت والذي دلنا على هذا المعنى هو السياق مع حرف التعدية مع أيضاً كذلك إلى هنا لأنه جاء كما تعرف تارة تتعدى بنفسها وتارة لا تتعدى بنفسها فعديت بنفسها هنا لبيان مزيد حال المجيء لأنها واصلة بين مريم وبين مجيئها إلى جذع هذه النخلة.
قال أحد الطلبة :
المثال الخامس قوله تعالى : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]. ﴿يُخَالِفُونَ عَنْ﴾ الأصل تعديته بنفسه وقد عدي بعن لتضمن مخالفة معى الإعراض أي يخالفون حال كونهم معرضين .
أجاب الشيخ :
نعم ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ الأصل كما هو معلوم أن تقول خالفت فلاناً والآية لو جاء على هذا النحو ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمره لكان الكلام مستقيم في الظاهر ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمر الله سبحانه وتعالى بل إن هذا هو الأصل المعتاد فلم جاءت عن هنا ما سر مجيء عن هنا تأملوها؟ تضمين ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ أي أن هذه المخالفة لم تكن غير مقصودة وإنما مخالفة فيها إعراض لأن عن تقول أعرضت عن كذا وكذا فجاءت عن للدلالة على الفعل المحذوف وهو الإعراض ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمره حال كونهم معرضين عن أن الذي يخالف وهو ليس بالمعرض ليس الخطاب له هنا. نقف عند هذا الحد . أسأل الله عز وجل لنا ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته اللهم أنر قلوبنا بكتابك وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أم أسماء
15-12-08, 03:50 PM
تفريغ الدرس الواحد و العشرين:بداية المرحلة الثالثة:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنياء والمرسلمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين.
حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة، وكنا تكلمنا سابقاً عما يتعلق بالمرحلة الثانية والتي تدور في محورها عن حروف المعاني وأنا أشعر بل وأعلم أن الكلام عن حروف المعاني في كتاب الله عز وجل لا يمكن أن يكون بمثل هذه العجالة، ولكن يكفينا ضرب المثال في هذا الباب تأصيل القواعد العامة وذكر الحدود التي لابد منها في هذا الباب، أما ما يتعلق ببعض التفاصيل والدخول في بعض الحروف وذكر بعض المعاني وذكر الخلاف عند شدة النظر في المضائق فهذه مسألة أخرى بإمكان طالب العلم أن يتجوازها بإذن الله عز وجل وبإعانة منه إذا دأب على دراسة هذا الأمر وعلى تفحصه والبحث فيه والنظر في كلام أهل العلم وهو أمر ليس بالعسير أبداً ولكن يحتاج إلى شيء من الهمة شيء من بذل ما في الوسع في تعلم العلم الشرعي، والذي من أعظمه وأكبره وأكمله وأتمه ما يتعلق بكتاب الله سبحانه وتعالى، إذاً هذه المراحل يكفي فيها ما سبق من جهة التقعيد ،وكذلك من جهة ضرب المثل يكفي فيها ما سبق. وننتقل بعد ذلك حتى لا يطول بنا المقام ننتقل إلى المرحلة الثالثة إن كان هناك من سؤال قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة فمن الآن.
سأل أحد الطلبة :
جزاكم الله خيراً يا شيخ ، ذكرنا في الحلقة السابق ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك: 16]. وعلمنا أن الله عز وجل في السماء وقلنا أن "في" بمعنى "على" فكيف يكون ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ﴾. "على" السماء، فمن باب أولى أن الله عز وجل استعلى فوق السماء واستعلى فوق كل شيء.
أجاب الشيخ :
هذه المسألة راجعة إلى تقعيد هذه المسألة، والكلام فيها راجع إلى مسألة عقدية كبيرة جداً وتكلمنا عنها سابقاً في مسألة علو الله سبحانه وتعالى، والدخول في هذه الآية تبدأ بمجيء حرف "في" محل حرف "على" هنا قد لا يناسبه هذا المقام ولكن أشير إلى ذلك إشارة، أولاً المراد قطعاً ويقيناً أنه سبحانه وتعالى "على" السماء لأنه جل وعلا ليس في السماء بمنع الظرف ليس هكذا أبداً بل المراد أن الله سبحانه وتعالى على السماء فهو جل وعلا عالٍ فوق سمواته سبحانه وتعالى فهذا هو المراد يقيناً لكن الكلام في مسألة أخرى، وهي لما جاء حرف "في" مكان حرف "على" في هذه الآية، ما سر ذلك إذا كان المراد هو العلو والاستعلاء المطلق لله سبحانه وتعالى على خلقه وليس العلو المجرد وإنما العلو الذي فيها قهر وفيه غلبة لأن المقام الآن مقام تهديد ومقام ووعيد ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾ [الملك: 16]. ﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبً﴾ [الملك: 17]. الكلام كله من قبيل التهديد والوعيد مع فلما جاء حرف "في" مع حرف "على" هنا هذا خلاف بلاغي لا علاقة له بالمسألة العقدية ولكن ينظر فيها المتأمل ويحاول أن يبحث في أسرار الله سبحانه وتعالى ليبحث ما السر في مجيء هذا الحرف مكان هذا الحرف أما كمسألة عقدية فهي مقررة ومبسوطة في كتب العقائد الجواب عن السؤال الأخير لما جاء هذا الحرف مكان هذا الحرف قد يجول في ذلك الفكر ولكن مما سبق أن تباحثت به مع بعض طلبة العلم ممن لهم عناية في هذا الباب فكأننا خرجنا بأن حرف "في"، جاء هنا لبيان مزيد تمكن قدرة الرب سبحانه وتعالى ـ من الخلق في جميع أحواله لأن حرف "على" يدل على الاستعلاء: استعلاء قهر استعلاء غلبة استعلاء ذات من الله سبحانه وتعالى، وحرف يدل على معنى الظرفية. فقوة الرب سبحانه وتعالى وغلبته وقهره لعباده جل وعلا هو ليس فقط من العلو المطلق إنما هناك جنود لله سبحانه وتعالى في السماء والأرض فجنوده سبحانه وتعالى منها الملائكة وجنوده سبحانه وتعالى منها الرياح وجنوده سبحانه وتعالى منها هذه النجوم وجنوده سبحانه وتعالى هذه الكائنات الصغيرة والكبيرة في هذا الخلق فكل الخلق من أوله لأخره إنما هو من جند الرب سبحانه وتعالى فهناك جنود عظام كبار وهناك جنود بلغوا من الدقة مابلغوا وأنت ترى أن هذه الدنيا قد يفعل بها هذا الجندي الصغير مثل الأمراض الفتاكة التي تكون من بعض الفيروسات التي لا ترى إلا بالمجاهر التي تكبر مساحات شاسعة جداً أضعاف لا تكاد تعرف لها قدراً و حداً هذه الفيروسات الصغيرة تجد أنها في المكان والتأثير على هذه المخلوقات أعظم من المخلوقات الكبيرة ،أولاً لأنها شديدة الأثر وثانياً أنها دقيقة جداً ، فالمقصود أن جنود الله سبحانه وتعالى في سماءه وفي أرضه ليس لهم حد وليس لهم حصر فيناسب هنا في هذا الموطن، والإشارة الآن إلى التهديد والوعيد بقوة الله سبحانه وتعالى، وبما له سبحانه وتعالى من الجنود في السماء والأرض، يناسب هنا أن يأتي حرف في لأن هؤلاء الجنود هم محيطين بك هم معك في هذه الأرض فيناسب هنا ذكر الظرفية ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾. الله سبحانه وتعالى في علوه ولكن جنوده في السماء والأرض فيناسب ذكر "في" هنا الدالة على الظرفية في السماء والدالة على الظرفية في الأرض ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك: 16]. فالكلام عن السماء ﴿ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾. والكلام عن الأرض، ﴿ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾. ففي السماء له سبحانه وتعالى جنود وفي الأرض له جنود فناسب أن تأتي الإشارة هنا إلى شيء من جنوده جل وعلا الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى في سماءه وهناك من الجنود من هم أيضاً في أرضه جل في علا فقيل: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، فمن في السماء تضمنت الإشارة إلى علو الله عز وجل لأنها على معناها الأصلي في الاستعلاء الظرفية هنا باقية والمعنى الذي جاء في هذه هو الاستعلاء لأن الكلام عن الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك إشارة إلى جنود الله سبحانه وتعالى الذين هم في السماء وهذه الإشارة دل عليها هذا الحرف الذي هو حرف "في" .واضح هذا اجتهاد في الاستنباط قد يصيب وقد يخطئ ولكن ذكرت لك ما وقفنا عليه بعد تباحث ونظر طويل في هذه الآية والله عز وجل أعلم بمراده.
سأل أحد الطلبة :
جزاك الله خيراً عن هذا الشرح والإيجاز لكن هنا في سؤال نرى كل هذا الإعجاز البلاغي في القرآن من تضمن ومعاني في الحروف حجة على أن هذا القرآن ليس من كلام البشر وإنما هو تنزيل رب العالمين، ولكن كيف يكون حجة على الأعاجم؟
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذا السؤال ليس له علاقة مباشرة بما نحن وفيه ولكن يتعلق بعموم هذه الدروس التي تتكلم شيء من إعجاز كتاب الله سبحانه وتعالى من جهة والفصاحة والبيان والبلاغة والبديع ونحو ذلك :هذا القرآن نزل حجة في هذا الجانب على من يتكلم بلسان عربي مبين سواء كان هذا الكلام أخذه سليقة عربية :عاش بين العرب فأخذه عنهم أو تعلمه بعد ذلك وأدرك فصاحة هذه اللغة وأدرك ما فيها من أنواع العلوم التي تتعلق بالمعاني تتعلق بالبديع تتعلق بالبيان تتعلق بأمور راجعة كلها إلى مسألة الفصاحة وعلو الكعب في إيضاح المقصود فهو في أصله ليس إلى كل يعني هذا الإعجاز ليس موجه إلى كل الناس أولهم وآخرهم إنما هو في مبدئه موجه إلى من يتكلم بلسان عربي مبين هذا الأمر والأمر الآخر وهو أننا حقيقة لا نريد كل من يتكلم بلسان عربي مبين بمثل هذه الدروس وبمثل هذا البيان وإنما نريد من يقرأ كلام الله عز وجل ومن له اهتمام وعناية بهذا القرآن أما من لا عنده شيء من الاهتمام بكتاب الله سبحانه وتعالى ،من لا يطالع هذا القرآن ولا يقرأه مجرد قراءة ،كل مدة طويل قد يمكث عن كتاب الله عز وجل اسبوع أو اسبوعين أو ثلاثة وأربعة ما اطلع على كتاب ،الله ليس له ورد يومي من كتاب الله سبحانه وتعالى فأيضاً هذه الدروس خصوصاً فيما يتعلق بالمراحل السبعة لطالب فهم القرآن ليست له وإنما الكلام مع من له همة في فهم كتاب الله عز وجل له رغبة في معرفة هذا إعجاز هذا القرآن حتى يقر هذا الإعجاز في قلبه بدءاً يعني حتى يقر هذا التعظيم هذا الإجلال لكتاب الله في قلبه هو أصلاً ونحن الآن وللأسف الشديد نعيش في زمن تعظيم كتاب الله سبحانه وتعالى قد ضعف في أفئدة كثير من المسلمين بل وضعف في أفئدة كثير من طلبة العلم فتجد أن علاقته مع كتاب الله سبحانه وتعالى أن قراءته لهذا القرآن أن تدبره بالقرآن أن حياته مع كتاب الله سبحانه وتعالى ،أن خضوعه ، ذله ،بكاءه مع كتاب الله هذا ضعيف جداً سبب ذلك هو عدم فهمه الفهم الوافي الكافي لكتاب الله سبحانه وتعالى فالدروس إذن في هذه المرحلة هو موجه لطلبة العلم لأجل أن يقتربوا من كتاب الله عز وجل أكثر وأكثر ولأجل أن يدركوا عظمة هذا القرآن ولأجل أيضاً أن ينقلوا بعد ذلك ما تعلموه وما فهموه إلى عموم المسلمين باسلوب يكون سهلاً ميسراً قريبا إلى أذهانهم قريباً إلى أفئدتهم يكون معه شيء من جذب هؤلاء المسلمين إلى كتاب ربهم لأن الدعوة الحقة لا تكون إلا من خلال كتاب الله سبحانه وتعالى فإذا رأيت دعوة من الدعوات لا تتعلق بكتاب الله تعلقاً كاملاً فاعلم أن هذه الدعوة ليست دعوة حقة وليست دعوة سليمة بل هي دعوة يعتبرها النقص يتخللها الخطأ والخطأ البين، وإنما الدعوة تكون من كتاب الله سبحانه وتعالى وهداية الناس تكون من كتاب الله سبحانه وتعالى وربط الناس بدين الله يكون من خلال كتاب الله جل وعلا فمن أنسب ما يكون إذا تعلمت ذلك وفهمته وأدركته وجلست أمام الناس تريد أن تعلمهم أن تهديهم أن تبين لهم أن يكون ذلك من القرآن فأنت فهمت فهماً خذ من هذا الفهم ما ترى أن الناس يستوعبونه أن الناس يفهمونه وأوصله لهم وبذلك تربط بينهم وبين كتاب الله وأنت إذا ربطت بين أي مسلم وبين كتاب الله سبحانه وتعالى تكون قد هديته إلى صراط المستقيم واتركه بعد ذلك فإن كتاب الله هو الذي سيتولاه وهذا القرآن مع كل الناس في كل أوقاتهم في كل أماكنهم يستطيعوا أن يقرءوا القرآن في السيارة في الطيارة وهو ماشي على قدمية وهو في بيته وهو متكئ وهو مضطجع وهو في شغله وعمله وهو في فراغه وراحته هذا القرآن مع الناس في كل وقت يستطيع أن يقرأ ولو من قصارى السور فإذا ربطته بكتاب الله ودخلته مع هذا القرآن عندئذٍ قد تكون حقاً قد هديته إلى صراط الله المستقيم. هذا الذي نريده الآن أما الكلام مع غير المتكلمين باللغة العربية فلهم كلام آخر ولهم حديث آخر قد يكون هذا النوع من الحديث يناسبهم ولكن من وجه آخر ، وقد يكون هناك أنواع من الكلام أنواع من الحديث أنواع الحوار تناسبهم أكثر من هذا النوع من البيان والإيضاح واضح يا إسلام جزاك الله خير.
قرأ أحد الطلبة :
المرحلة الثالثة: معرفة دلالة الجملة الواحدة وما يتعلق بها ثم دلالة الجمل التي تتكون منها الآية :
تمهيد الجمل لها أثر في معرفة الترجيح وإدراك أكمل المعاني وأتم أوجه التفسير عند الكلام عن كتاب الله عز وجل ولذلك فلا بد أن يكون طالب العلم عارفاً بكثير من قواعد النحو واللغة وأوجه الإعراب و معاني الجمل التي تدل عليها في علم البلاغة وفي الأخص علم المعاني والبديع .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذه المرحلة هي المرحلة الثالثة انتهينا من موضوع الكلمة ثم انتقلنا بعد ذلك إلى حروف المعاني ثم بعد حروف المعاني ارتبطت هذه الكلمات بهذه الحروف فكونت لنا جمل فالكلام الآن إذن عن المرحلة الثالثة المتعلقة بالجمل والمقصود هنا معرفة دلالة الجملة: لكل جملة دلالة في لغة العرب هناك هذه الجمل لها دلالة لن نقف طويلاً عند هذه المرحلة لا وإنما سنعرض لها عرضاً يكون مناسباً للحال لأن الكلام عن الجمل قد يكون فيه شيء من المشقة شيء من الصعوبة نؤجل هذا إلى دروس أخرى ولكن الذي أريده الآن منك في هذه الدروس أن تفهم فهماً مبدئياً لما يتعلق بالجمل في كتاب الله عز وجل حتى لا يعسر عليك هذا الأمر حتى لا ينخرم معك هذا التسلسل: عندك تسلسلاً الآن تسير عليه عندك درج تصعد من خلاله تريد أن تصل إلى فهم كتاب الله سبحانه وتعالى هذا التسلسل خذه مرحلة مرحلة إذن لابد أن نمر على الجمل ولو لم نقف عليها طويلاً لكن لابد أن نمر عليها حتى تفهمها ولو فهماً يسيراً يكون معه فتح مجرد أبواب ونوافذ يسيرة في هذا الشأن بعده بإذن الله عز وجل لك أن تواصل ما شئت.
إذا معنى المرحلة الثالثة ما يتعلق بمعرفة دلالة الجملة في كتاب الله سبحانه وتعالى هذه الجملة لها دلالة وإذا تكونت مع جمل أخرى يكون لها دلالة هامة.
دلالة الجملة في كتاب الله سبحانه وتعالى إذا جاءتنا جملة فإن لها ولاشك دلالة معينة وهذه الدلالة تختلف: فحيناً تكون دلالة هذه الجملة تكون بحسب موقعها من الإعراب قد تكون الجملة كلها من أولها لأخرها قد تكون جملة ابتدائية قد تكون جملة خبرية يعني واقعة في محل رفع خبر قد تكون في محل نصب خبر كان في محل نصب اسم إن ونحو ذلك فالجملة قد تكون في أصلها الجملة لا تكون إلا أردناها من جهة الإعراب الجملة لا تكون إلا خبراً من المعلوم أن المبتدأ لا يكون إلا مفرداً ن المبتدأ في العرب لا يكون إلا مفرداً فما يتعلق بالجمل الجمل لا تكون إلا بالنسبة للجمل إذا أردت أن تكون منها جملة إسمية فإن المبتدأ يكون مفرداً لا يكون جملة أبدا وعندنا الخبر قد يكون مفرداً وقد يكون جملة.
من جهة دلالة الجملة عندئذ الجملة لا تكون إلا خبراً هذه مسألة والأمر الآخر هذه الجملة قد تكون فعلية وقد تكون اسمية وللجملة الفعلية دلالة وللجملة الاسمية دلالة أخرى الجملة أيضاً قد تكون حالية ودلالتها إذا كانت حالية لها معنى آخر قد تكون كذلك جملة اعتراضية تعترض بين الجمل الأخرى فهذه لها دلالة. قد تكون هذه الجملة تفسيرية تفسر ما قبلها ونحو ذلك من أنواع الجمل في كتاب الله عز وجل لن نعرض هذا كله وإنما أذكره لك الآن فقط لمجرد العلم حتى في ذهنك بعدئذٍ بإمكانك أن تبحث عنه ما شئت ولكن سأختص هنا بالكلام عن الجملة الإسمية والجملة الفعلية وذلك أن الجملة الإسمية وردت كثيراً في كتاب الله جل وعلا والجملة الفعلية قد وردت كثيراً في كتاب الله فنريد أن نقصر الكلام على الجملة الأسمية والجملة الفعلية أما ما عدا ذلك فأولاً هذه الجمل قد لا تكون تكررت كما تكررت الجمل الإسمية والفعلية وأيضاً بإمكانك أن تقف عليها بعد حين بإذن الله بالاستعانة ببعض المراجع التي تكلمت في هذا الشأن.
قرأ أحد الطلبة :
الجملة تنقسم في لغة العرب إلى اعتبارات :
اعتبار محلها من الإعراب .
اعتبار الجمل ليس لها محل من الإعراب .
وهناك تقسيم آخر للجمل جملة إسمية وجملة فعلية وجملة وشبه الجملة فشبه الجملية إما أن ظرفية أو جار ومجرور وإنما المهم من جهة التفسير ما له علاقة بعلم المعاني مما له أثر في تفسير القرآن الكريم وهذه الجمل هي الجملة الإسمية ودلالتها الجملة الفعلية ودلالتها الجملة الحالية الجملة المعترِضة الجملة التفسيرية وسنقصر كلامنا في هذا البحث على جملتين أولاً الجملة الإسمية وقد اخترنا منها الجملة الابتدائية أو الاستئنافية على قول ابن هشام.
الجملة الاسمية تتكون من مبتدأ وخبر وهذا دليل على أنها جملة إسمية فالجملة الإسمية التي صدرها إسم ، فكل جملة صدرها إسم فهي في علم المعاني تدل غالباً على الدوام واللزوم والاستمرار .
أجاب الشيخ :
انظروا الآن إلى الانتقال بما يتعلق بعلم النحو إلى الانتقال فيما يتعلق بعلم المعاني فعندنا الآن في مبدأ الكلام كنا نقول بعدها جملة إسمية نسيمها هكذا جملة إسمية لما جئنا إلى علم المعاني أردنا أن نفهم ما الذي تدل عليه الجملة الإسمية الجملة الإسمية في علم المعاني لها دلالة هي في علم النحو تسمى جملة إسمية أما في علم المعاني ماذا لها من الدلالة تدل على الدوام واللزوم والاستمرار.
فاصل تليفـزيـونـي
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين حياكم الله مرة أخرى أيها الأحبة ونواصل الكلام عن الجملة الإسمية .
الجملة الإسمية لها دلالة في علم المعاني وذكرنا هذه الدلالة وهي الدوام واللزوم والاستمرار هذه هي دلالة الجملة الإسمية .
الجملة الفعلية هذه تسميتها في علم النحو لكن من جهة علم المعاني لها دلالة ما هي دلالة الجملة الفعلية في علم المعاني تدل على معنى مغاير للمعنى الأول فتدل على الحدوث والتجدد إذن الجملة الإسمية تدل على اللزوم والاستمرار والدوام والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد هذه الدلالة للجمل في لغة العرب لابد من العناية بها عندما تريد أن تفهم فهماً كاملاً لكتاب الله عز وجل فهما عالياً فهماً يكون معه إدراك لغالب ما جاءت دلالة الآيات عليه.
نأخذ بعض الأمثلة لأنه كما يقال بالمثال يتضح المقال أخشى أن يكون الكلام فيه صعوبه لكن بإذن الله بأخذ الأمثلة وشرحها وبسطها يتضح المقال وإن كان هناك من سؤال بالمباشرة يسأل عن الأمر حتى يكون الوضوح على أكمل وجه بإذن الله جل وعلا .
قرأ أحد الطلبة :
الجملة الإسمية مثالها ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2]. ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص:2]. ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة:2]. ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: 1، 2]. وغيرها كثير الحمد دائما لازما له سبحانه لا ينفك عنه بأي وجه من الوجوه .
أجاب الشيخ :
نعم نقف قليلاً هنا الآن الآية ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . هذه الجملة هل هي جملة إسمية أو جملة فعلية جملة إسمية لأن الحمد إسم : إذا أردنا أن نعربها إعرابا سريعاً ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ماذا نقول ﴿الْحَمْدُ﴾ مبتدأ ﴿ لِلَّهِ﴾ جار ومجرور ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ مضاف ومضاف إليه : ربِّ بدل، نعم إما خبر وإما بدل وإما أيضاً كذلك يجوز أن تعرب صفة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿الْحَمْدُ﴾ إذن جملة إسمية جاءت مبتدأ فهذه الجملة الآن لو أردنا أن نفهم دلالتها في علم المعاني لما أعربنا هذا الإعراب تابع لعلم النحو والآن سننتقل لعلم المعاني لأنه هو الذي له أثر كبير جداً فيما يتعلق بعلم التفسير علم المعاني يقول لك أن هذه الجملة تدل على الدوام اللزوم والاستمرار ﴿الْحَمْدُ﴾ بالنسبة لله سبحانه وتعالى هل هو مستحق للحمد تارة دون تارة وحينا دون حين وزمنا دون زمن وفي مكان دون مكان أم أنه مستحق دائماً سبحانه وتعالى للحمد مستحق استحقاق دائم وكامل للحمد الله سبحانه وتعالى يستحق هذا الحمد دون انقطاع فأنت لما تقرأ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كأنك تحمد الله سبحانه وتعالى حمداً دائماً ثابتاً مستقراً لازماً لا ينفك عنه بأي حال من الأحوال هذه دلالة الجملة الإسمية أيضاً كذلك عندما تقول ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذه جملة إسمية عبارة عن مبتدأ وخبر ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذه الجملة الإسمية مبتدأ وخبر تدل على الدوام على اللزوم على الاستمرار لأن صفة الصمدية عن الله سبحانه وتعالى لا تنفك عنه أبداً فهو صمد سبحانه وتعالى دائماً لا تنفك عنه هذه الصفة بأي حال من الأحوال مطلقاً إذن أيضاً كذلك نأخذ المثال الثالث ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ هذه جملة أيضاً إسمية ﴿ ذَلِكَ﴾ إسم إشارة ﴿ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ فإذن هذه الجملة الإسمية تدل على أن هذه الصفة للكتاب صفة مستمرة دائمة ثابتة لا تنفك عنه مطلقا.
أيضاً كذلك في سورة يس ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه الصفة ﴿ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه جملة إسمية في وصف كتاب الله سبحانه وتعالى ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه الدلالة بالنسبة للجملة الإسمية هي دالة على الدوام و الثبوث والاستمرار بحيث لا ينفك هذا الوصف مطلقاً .هذا بما يتعلق بالجملة الإسمية وتأمل هذا كثيراً في كتاب الله سبحانه وتعالى وسيأتي لك أمثلة يتبين فيها الفرق بين دلالة الجملة الإسمية ودلالة الجملة الفعلية وإنك إذا خلطت بين دلالة هذه مع تلك فعندئذ يحصل نوع من ضعف المعنى وهذا لا ينبغي أبدا بل ينبغي أن تحمل الكلام على أتم الوجوه وأكمل أنواع البيان والفصاحة.
اقرأ ما يتعلق بالجملة الفعلية وكما قيل: وبضدها يتبين الأشياء يتبين لك الآن الفرق بين الجملة الإسمية والجملة الفعلية ويكتمل المعنى بإذن الله .
قال أحد الطلبة :
ثانياً الجملة الفعلية الأصل في دلالتها أنها تدل على الحدوث والتجدد مثال ذلك ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّ﴾ [مريم: 12]. ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾ [مريم:15].
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك بالنسبة للآية الأولى ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ قوله سبحانه وتعالى ﴿ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ هذه جملة فعلية ﴿ خُذِ﴾ فعل أمر الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت يعني خذ يا يحيى الكتاب بقوة فالأمر من الله عز وجل أمر الله سبحانه وتعالى نبيه يحيى بأن يأخذ الكتاب بقوة تقدير الكلام خذ أنت الكتاب بقوة خذ إذن جملة فعلية الآن دلالة الجملة الفعلية هنا ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ دلالة الجملة الفعلية هل بنفسها دلالة الجملة الإسمية لا بدليل أنك ستفرق الآن بين دلالة هذه الجملة وبين دلالة الآية الأخرى وهي قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾ سترى الفرق بين دلالة هذه الآية ودلالة تلك الآية فالآية الأولى جاءت فيها الجملة فعلية والآية الثانية جاءت الجملة فيها إسمية انظر الفرق بين دلالة الجملتين.
قرأ أحد الطلبة :
وجه الدلالة الأخذ الذي أمر به يحيى وصف أنه يكون بقوة خذ فعل أمر وهذا الأخذ يحتاج إلى تجدد في الأخذ وهذا يتبين في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله سبعين مرة) وفي لفظ (مائة مرة) .
أجاب الشيخ :
الحديث في صحيح مسلم كما هو معلوم وذكر في هذا الحديث من أجل بيان ما الذي أمر به يحيى. الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه يحيى عليه السلام ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ الآن هذه الجملة الفعلية التي أمر بها يحيى فعل الأمر هذا: دل على شيء هذه الدلالة هي دلالة التجدد والحدوث معنى هذا الكلام أن الله عز وجل أمر نبيه يحيى أن يأخذ هذا الكتاب بقوة ويتابع هذا الأخذ مرة بعد مرة وتارة بعد تارة وحيناً بعد حيناً لأنه لا يمكن أن يستديم نبي الله يحيى أخذ الكتاب بقوة في كل أحواله هو لا يستطيع ذلك لا يستطيع ذلك عليه السلام وإنما المطلوب منه هو أن يجدد الأخذ فيأخذ مرة ثم يجدد هذا الأخذ مرة ثانية ثم ثالثة يتابع نفسه فيما يتعلق بأخذ الكتاب بقوة ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ فهو أمر له بأن يأخذ هذا الكتاب بقوة وأن يتابع نفسه وأن يجدد هذا الأخذ مرة بعد مرة وحيناً بعد حين لأنه لن يستطيع أن يستديم أخذ الكتاب بقوة لما لم يستطع أخذ الكتاب بقوة داعياً في كل أحواله ؟هذا غير مستطاع من البشر، بدليل ماذا؟ بدليل أن النبي صلى عليه وسلم أخبر عن نفسه كما في صحيح مسلم (أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله سبعين مرة) ما معنى يغان على قلبي ؟ يعني يفتر صلى الله عليه وسلم عن الذكر شيئا من الوقت يغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى من عاداته صلوات ربي وسلامه عليه أنه دائم الذكر لله عز وجل حيناً يفتر صلوات ربي وسلامه عليه كما القاضي عياض وكما قال النووي وكما قال غيرهما من أهل العلم ليغان على قلبي أي أنه يحصل في قلبه صلوات ربي وسلامه عليه بعد قليل فتور قليل عن مسألة الذكر عن مسألة إدامة الذكر الكامل التام لله سبحانه وتعالى لأنه غير مستطاع للبشر والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها فيحصل منه صلى الله عليه وسلم حيناً أنه يفتر عن الذكر قليلاً فإذا ذكر بعد ذلك صلى الله عليه وسلم استغفر الله سبعين مرة في لفظ آخر استغفر الله مائة مرة هذا هو المفروض فيحصل للإنسان ضعف يسير في ذكره لله عز وجل وفي عدم مداومته على الاتصال بالله سبحانه وتعالى الاتصال الكامل التام فيحصل ضعف يسير فيستغفر صلى الله عليه وسلم لإزالة هذا الغان: الغان هو أن يكون هناك شيء غبار يسير جداً يقع على قلب بعض الصالحين بل على كل الصالحين على رأسهم إمامهم صلى الله عليه وسلم فإنه يغان على قلبه قليلاً ثم ينتبه فيذكر الله عز وجل فيستغفره سبعين أو مئة مرة .
إذا كان هذا يقع من محمد صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق وأشرف الخلق وأفضل الخلق صلوات ربي وسلامه عليه فكيف بيحيى عليه السلام ولا شك أنه دونه في المنزلة فإذاً الذي أمر به يحيى أن يأخذ الكتاب ولكن أخذ الكتاب بقوة والاستمرار على ذلك وهذا اللزوم الدائم والتام لا يمكن أن يكون من بشر لا يمكن أن يقع من بشر كائن من كان ولذا أمر بهذا الفعل حتى يكون تجدد وهذا تنبيه لك أنت أيها المؤمن وهذا الذي أقصده لا أقصد أن تفهم الآية فهماً مجرداً عن واقعك وعن حياتك التي تعيشها أنت فالكلام ليس عن يحيى وحده ولكن الكلام عنك أنت تستفيد بما ذكره الله عز وجل عن نبيه يحيى فالكلام بالنسبة لك هو موجه من أجلك من أجل أن تعتبر أن تتعظ أن تأخذ الموعظة والذكرى الحسنة التي يحيا بها قلبك الكلام عن يحيى عليه السلام من أجلك أنت من أجل ماذا من أجل أن تأخذ هذا الكتاب بقوة وتعلم يقيناً أنك حينما تريد أن تأخذ هذا الكتاب بقوة والكتاب بالنسبة لنا هو القرآن فنحن مأمرون أن نأخذ الكتاب ولكن هذا الأخذ لا يمكن ان يكون على صفة الاستدامة دائماً وإنما من الممكن أن يكون أن أجدد وأن أتابع نفسي فأنا أخذ أوامر القرآن وأترك نواهي القرآن وأفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأترك ما نهى عنه صلوات ربي وسلامي عليه ولكني أعلم يقيناً أنني لن أستطيع أن أستديم على ذلك في كل حياتي من أولها لآخرها ولذا شكى الصحابة رضوان الله عليهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (إذا كنا معك ذكرنا الجنة والنار) أصبحوا في حالة من الإيمان عظيمة جداً لكنهم إذا عافسوا النساء وخالطوا الأولاد ذهب هذا منهم حتى أن حنظله قال عن نفسه "نافق حنظلة نافق حنظلة" وليس هذا هو كذلك ليس هو النفاق وإنما هو أن المؤمن في أحيان يرتفع وفي أحيان يضعف قليلاً يأتيه غان على قلبه يأتيه ما يغطي هذا القلب من غشاء خفيف الذي يبعده عن ربه سبحان وتعالى فيحتاج بعد ذلك إلى تجدد إلى حدوث إلى أن يزيل هذا الغان إلى أن يذكر هذا الإيمان إلى أن ينظف هذا القلب فهذا هو المراد هنا ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ ونحن مأمورون أن نأخذ الكتاب بقوة فهذا هو أخذ الكتاب بقوة أن نقبل على كتاب الله سبحانه وتعالى بقوة تجدد الإيمان مرة بعد مرة ولذا جعلت لنا هذه المحطات عندنا في اليوم الواحد كم محطة :عندنا الفجر هذه محطة تقترب فيها من الله وتكون صلاتك مخبتة وخاضعة لله سبحانه وتعالى ،وبعد الفجر في ذكر وورد عظيم الناس في هدوء والليل قد غطى والصبح بتوه قد بدأ هناك سكون في هذه المحطة لتجدد فيها عهدك بالله وتجدد فيها قربك منه جل وعلا ثم تلهى في دنياك وتعمل وتشقى وتخالط وتعاكس وتكلم هذا وتخاصم هذا ثم تعود إلى المحطة الثانية :وهي صلاة الظهر فتعطيك شيئاً من الإيمان ثم تذهب قد ترتاح وقد تعمل ثم صلاة العصر تجدد لك الإيمان قليلاً ثم المغرب ثم العشاء ثم إذا جاء الليل جاءتك محطة كبيرة جداً تسمى قيام الليل هذا القيام يجدد لك إيمانك يجدد لك صلتك بربك ولهذا ذكرنا لك سابقاً ما يتعلق بقوله سبحانه وتعالى في سورة المزمل:﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلً﴾ [المزمل: 1، 2]. وأن هذا الأمر جاء في أوائل بعثته صلى الله عليه وسلم ولم لأنه بحاجة ماسة إلى الغذاء بحاجة ماسة إلى هذا الارتباط بحاجة ماسة إلى هذه العلاقة القوية المتينة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى في حال الدعوة في حال مخالطة الناس في حال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل في حال أيضاً طلب الرزق الحلال وهو بحاجة إلى محطات بحاجة إلى تجديد ولذا جعلت محطات يومية ومحطات شهرية مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر ومحطات سنوية مثل شهر رمضان تجدد فيه الإيمان لسنة كاملة عندك أيضاً الحج عندك فرصة أن تجدد إيمانك مع الله عز وجل بالحج إلى بيت الله الحرام هذه كلها عبارة عن محطات تقوي إيمانك بعد أن يهدى وضعك قليلاً وهذا هو المقصود ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾. جاء الأمر هنا بالجملة الفعلية ليبين لك أنك بحاجة دائمة إلى التجديد إلى الإحداث إلى إحداث إيمان بعد أن يضعف تحتاج إلى إحداث إما أن تظن أنك بإمكانك أن تستمر في أعلى عليين في مسألة الإيمان فهذا لا يمكن ولن يحصل لأحد كائن من كان إن هذه هي الحياة الدنيا وقد أوجدها الله عز وجل وأوجدك فيها من أجل أن تخالط الناس ولذ إذا خالط الناس سينقص إيمانك ولو حشرت نفسك في صومعة من الصوامع وأخذت تتعبد إلى الله سبحانه وتعالى قد لا ينقص الأمر الروحاني الذي في قلبك ولكن الإيمان سينقص كثيراً لأن المأمور به بالنسبة لك أن تخالط الناس وأن تصبر على آذاهم في سبيل الله عز وجل. نعم هذه المخالطة قد تجعل هذا الإيمان يضعف قليلاً قد تشعرك بشيء من قسوة القلب قد تشعر بشيء من الظلمة في قلبك بسبب مخالطة هؤلاء الناس الذين ابتعدوا عن نور الله عن وحي الله عن هداية الله عن دين الله ولكن كيف تعيد لنفسك النشاط بالتجدد والإحداث الذي دلت عليه هذه الجملة الفعلية . نأخذ الجملة الإسمية ليتبين لنا هذا من ذاك. اقرأ فيما يتعلق بتفسير قول الله عز وجل ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاَ﴾.
قرأ أحد الطلبة :
أما قوله تعالى ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. أي سلمه وهو عبارة عن تنزيه وتخلية وهي ثابتة له فدلت على الاستمرار والثبوت فكانت جملة إسمية.
أجاب الشيخ :
واضح هذا الفرق بين الجملتين الآن سأوضح لك الفرق وأريد منك أن تعيد لي الفرق لأن هذا الفرق سيوضح لك دلالة الجملة الإسمية ودلالة الجملة الفعلية فكونوا معي في هذا الأمر عندنا الآن دلالة الجملة الفعلية قد تقدم وهي الحدوث والتجدد وضربنا لها مثلاً بالنسبة للجملة الإسمية التي تلتها مباشرة ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. فدلالة الجملة الإسمية هنا جاءت الدلالة على الاستمرار على اللزوم على الدوام كيف كان هذا ؟
الآن هذا السلام الذي منح ليحيى عليه السلام ممن كان؟ من الله سبحانه وتعالى وهي صفة ثابتة دائمة لا تنفك عنه ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ حين ولد جاءه السلام ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ كذلك حين موته فهو أيضاً متصف بهذه الصفة وحين ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. فهذه المواطن الثلاث والتي تتضمن حياة الإنسان من أولها إلى آخرها يولد ثم يموت ثم يحيا الحياة الأخرى الكاملة السرمدية هذه المواطن الثلاث تكون حياته كلها من أولها إلى آخرها فالسلام عليه ثابت في كل هذه المواطن فلا يناسب هنا أن تأتي الجملة الفعلية التي تدل على الحدوث والتجدد وإنما صفة ثابتة لازمة يناسبها الجملة الإسمية ولذا كانت الآية التي قبلها جملة فعلية وهنا جاءت الجملة جملة إسمية واقرن هذا بذاك في آيات كثيرة من كتاب الله عز وجل تأمل أيضاً في سورة الكافرون ستجد هذا واضحاً بيناً في دلالة الآيات عند المغايرة في هاتين الجملتين .
نسأل الله عز وجل علماً نافعاً وعملاً صالحاً اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
20-12-08, 02:19 AM
الدرس الثاني والعشرون :بداية المرحلة الرابعة ـ دلالة السياق
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين .
أيها الأحبة حياكم الله في روضة جديدة من رياض الجنة وكنا قد قطعنا سابقاً شوطاً في الكلام عن المراحل السبعة : فتكلمنا عن المرحلة الأولى وعن المرحلة الثانية وعن المرحلة الثالثة وبإذن الله في هذه الحلقة التي أسأل الله عز وجل أن يجعلها مباركة سنتكلم عن مرحلة مهمة بل هي غاية في الأهمية وهي المرحلة الرابعة التي تتعلق بدلالة السياق دلالة السباق واللحاق فكنا من قبل تكلمنا عن مسألة الكلمة في المرحلة الأولى ثم في الثانية تكلمنا عن حروف المعاني التي تربط بين هذه الكلمات ثم تكلمنا في المرحلة الثالثة عن الجمل التي تتكون من هذه الكلمات وهذه الحروف تكونت الجملة ثم تكونت الجمل هذه الجمل جميعاً كونت آية هذه الآية دخلت في سياق قبلها آيات وبعدها آيات فما تأثير دلالة السياق على هذه الآية ونقصد بالسياق السباق واللحاق أي ما يسبقها وما يلحق بها سيكون الكلام بإذن الله عز وجل في هذه المرحلة عن دلالة السياق.
قال أحد الطلبة :
بسم الله الرحمن الرحيم المرحلة الرابعة دلالة السياق من اللحاق والسباق في فهم كلام الله جل وعلا:
ودلالة السياق من الدلالات المهمة التي يكاد يطبق أهل التفسير على اعتبارها وقد نص على أهمية دلالة السياق وعلى اعتباره من أهم الدلالات التي ينبغي للمفسر أن يعتبرها جماعة من أهل العلم منهم مسلم بن يسار فقال إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده. ذكره بن كثير ومن التابعين سليمان بن يسار ممن صرح بدلالة السياق والأخذ بها وممن قال ذلك أيضاً صالح بن كيسان الإمام المشهور ومنهم بن جرير والعز بن عبد السلام وبن عطية صاحب المحرر الوجيز في التفسير وهو من أجود كتب التفسير والقرطبي رحمه الله في تفسيره وشيخ الإسلام بن تيمية في عدد كثير من المواطن في المجموع وغير ذلك كثير، وأيضاً بن القيم رحمه الله خصوصاً في كتاب التبيان في أقسام القرآن وهو من أجود كتبه رحمه الله كذلك أبو السعود في تفسيره وبن كثير وكذلك الراجي صاحب التفسير الكبير ومنهم الزركشي كما في كتابه البرهان ومنهم أيضاً بن جزي الكلبي وكذلك الآلوسي والشوكاني وصديق حسن خان وغيره من أهل العلم.
أجاب الشيخ :
نعم هؤلاء جميعاً أيها الأحبة هؤلاء جميعاً نصوا على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات ، كل من وقفت على قولهم من أهل العلم فإنه يؤكد على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات فإذا غاب عنك هذا المعنى فافهم أنك قد فقدت شيئاً عظيماً في فهم دلالة السياق المؤثرة جداً على معنى هذه الآية التي تنظر فيها فإذا نظرت في آية من الآيات لابد وأن تنظر فيما قبلها وما بعدها حتى تتبين المعنى الكامل لهذه الآية في ضمن الآيات جميعاً فإن الآية هذه لم تأتي منفردة هكذا مقطوعة مبتورة ليس لها علاقة بما قبلها وما بعدها وإنما جاءت في ضمن سياق محدد معين هي عبارة عن حلقة في سلسلة فإذا انقطعت هذه السلسلة ولم يبقى إلا حلقة واحدة عندئذٍ ينخرم المعنى ويضعف كثيراً فأرجوا أن تنتبه لهذا لأن كما ترى أكثرت من ذكر العلماء الذين قالوا بهذا الكلام لأجل أن تتقرر الحقيقة هذا الكلام ليس كلام واحد من أهل العلم أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة لو أراد الإنسان أن يجمع كلام أهل العلم في هذه المسألة في مسألة دلالة السياق لجمع بذلك مجلد كبيراً فقط في الإشارة بل والدلالة النصية على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات فمن المتقدمين عدد من أهل العلم ومن المحققين عدد ومن المتأخرين عدد وممن صنف في هذا العصر أيضاً عدد كبير من أهل العلم كلهم يؤكدون على أهمية دلالة السياق في فهم الآية وسنضرب لك بإذن الله عز وجل أمثلة توضح هذا بجلاء، توضح أهمية فهم دلالة السياق في أثره في إدراك المعنى الكامل للآية .
قال أحد الطلبة :
ودلالة السياق إما أنها تخصص العام أو تقيد المطلق وفي مقابل ذلك تطلق المقيد أو تعمم الخاص أو أيضاً ترجح عند اختلاف المفسرين والأمثلة في هذا أكثر من أن تحصى ولو أن طالب علم تفرغ لها لجمع فيها شيئاً كثيراً. ومن أمثلة ذلك:
المثال الأول قوله سبحانه وتعالى في سورة النازعات: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾ [النازعات: 15، 16]. إلى آخر الآيات فأنت حينما تقرأ هذه القصة في كتاب الله جل وعلا فإنك تعجب من موضعها فالسورة كلها من أولها لآخرها في النزع والموت ثم ما بعد الموت ثم الراجفة ثم الرادفة والحافرة ثم في قيام الطامة الكبرى فما علاقة قصة موسى عليه السلام بهذه السورة ؟
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك ما علاقة قصة موسى عليه السلام بهذه السورة؟
أنت تنظر سورة النازعات أصلاً سميت ماذا سميت النازعة الكلام كله عن النزع عن الموت عن القيامة عن الراجفة عن الرادفة عن الكفار إذا أنكروا البعث ما الدليل على إثبات هذا البعث وكل الآيات تتكلم عن الموت عن البعث عن ما يتعلق باليوم الآخر عن أهوال يوم القيام وثم في آخر السورة ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾ [النازعات: 34-36]. فالكلام كله من أوله لآخره يتعلق بالموت والحشر وقيام الساعة فقصة موسى مع فرعون ما علاقتها بهذه الأحداث؟ ما علاقتها بالموت؟ وما علاقتها بالبعث؟ ما علاقتها بأهوال اليوم الآخر؟
هذا السؤال هنا وإذا أدركت هذه العلاقة بين هذه القصة وبين هذه السورة ستدرك عظمة هذا القرآن ستدرك بديع ما تفهمه من كتاب الله عز وجل إذا تأملت وتدبرت هذه الآيات العظيمة وستدرك أيضاً أن هناك من المعاني الكثيرة الجليلة غائبة عن ذهنك وبعيدة عن تأملك وتدبرك وسبب ذلك أن هناك انفصام كبير وقلة اهتمام فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل وإلا كان في الأصل من المفروض أن مثل هذه القصة إذا جاءت في مثل هذا الموطن أن يسأل الإنسان نفسه لم تأتي مثل هذه القصة في مثل هذا السياق ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ [النازعات: 13-15]. ماالرابط بينهم هل هناك انفصال بين هذه الآيات وبين قصة موسى أم هناك رابط متكامل بين هذه الآيات وهذه القصة نعم هناك رابط يكمل بين هذه الآيات ما هو نسمع :
قرأ الطالب :
والذي لا يتأمل في دلالة هذا السياق يغيب عنه جداً هذا المعنى إذا تمر عليه قصة موسى عليه السلام وكأنها في أية سورة أخرى ذكر الله فيها هذه القصة وهذه غفلة عن دلالة السياق فإن الله لما قص هذه القصة في هذه السورة كان لابد أن يكون لها معنى خاص في هذا السياق وهذا المعنى الذي دل عليه السياق هو أن الله عز وجل لما ذكر تكذيب كفار أهل مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عنهم أنهم قالوا: ﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ *أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً *قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ *هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ [النازعات: 10-15]. فلما ذكر تكذيبهم وردهم لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الساعة ثم أخبر عن قوته جل وعلا ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل هذه الآيات وتأمل السياق: الآيات تقول لك بعد أن ذكر الله عز وجل الموت وما يتعلق بالبعث يعني أخبر عنها خبراً ثم ذكر تكذيب هؤلاء الكفار لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالبعث فقال سبحانه وتعالى حكاية عنهم، ﴿ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ *أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً *قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ يعني إذا حصل هذا فهذا خسران،﴿ قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ فقال الله عز وجل: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ يعني إنما زجرة نفخة واحدة قوية زجرة نفخة فيها قوة ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ كذبوا فعاد الرب سبحانه وتعالى لإثبات حقيقة البعث ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عن قصة موسى فقال ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ ما جزاء هؤلاء المكذبين؟ قال: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ فالرابط بينهما هنا أن هؤلاء المكذبين إن أصروا على تكذيبهم وعلى استبعادهم لقيام الأرواح بعد الموت وأنكروا البعث وأنكروا الحياة الآخرة فاتركهم ودعهم وذكرهم إن أرادوا أن يتذكروا بشيء قد سبق من أحوال الأمم السابقة وهو ما جرى لموسى مع قومه ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ يا محمد صلى الله عليه وسلم إن أنكر هؤلاء وكفروا وردوا ما أخبرت به ولم يؤمنوا بهذه المعجزة العظيمة التي جاءت مع محمد صلى الله عليه وسلم لا تكترث لهم كثيراً ولا تظن أنهم غلبوا في الأرض وأنهم على قوة يمتنعون فيها عن عذاب الله سبحانه وتعالى أبداً لكن ذكرهم بما جرى لموسى مع قومه ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ فإن أنكروا ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ ماالذي جرى مع موسى وقومه ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [النازعات: 15-17]. إلى آخر هذه الآيات فهو تذكير لما جرى مع موسى وقومه والذي جرى مع موسى وقومه قص الله عز وجل في هذه السورة وتأمل ما قص لأن قصة موسى واسعة طويلة مكررة في كتاب الله عز وجل لم يذكر منها الله سبحانه وتعالى في هذا الموطن إلا ما يناسب هذه السورة وفقط وهو ذكر جزاء هؤلاء الكافرين المعاندين الذين أبوا دعوة موسى عليه السلام ذكر الله خبرهم بدءاً ثم ذكر جزاءهم ذكر خبرهم في تكذيبهم ثم ذكر جزاءهم وكأنه يشير إلى هؤلاء القوم أنكم إذا كذبتهم وأنكرتم الحافرة وزعمتم أنه ليس هناك زجرة وليس هناك ساهرة فإن جزاءكم سيكون كجزاء قوم موسى حين كذبوا موسى عليه السلام .
قال أحد الطلبة :
قال سبحانه وتعالى : ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ أي إن لم يؤمن هؤلاء الكفار بالبعث والنشور ولم يصدقك يا رسول الله بما أخبرت به فدعهم فإن مصيرهم كمصير قوم موسى ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ ويدل على ذلك قوله جل وعلا: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ [النازعات: 25]. وذلك لأن كلمة "نكال" إنما تطلق في اللغة على التعذيب والتأديب الذي يكون فيه عبرة للغير لأن النكال في أصل اللغة يدل إنما هو الرجوع يقول نكلت عن كذا أي رجعت عنه فأخذ الله عز وجل فرعون وقومه أخذة يكونوا فيها عبرة وعظة لمن جاء بعده إن كانوا يعقلوا ، فذكَّر الله أهل مكة بما جرى لفرعون وقومه تهديداً لهم بأنهم إن كذبوا محمداً كما كذب فرعون وقومه موسى عليه السلام فإن مصيرهم كمصير أولئك .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك واضح الآن وجه الرابط هذه القصة جاءت كما ذكرت لك إنما ذكر فيها ما يناسب السياق ومن أنسب ما يكون لهذا السياق هو ما ذكره الله عز وجل في قصة موسى من قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ فذكر هذا النكال أن الله عز وجل أخذه نكالاً والنكال إنما هو العذاب الذي يقع على إنسان من هؤلاء الناس يقع عليه عذاب ويكون فيه عبرة لغيره وهذه العبرة تكون سبباً في رد غيره عن سلوك طريقه ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ﴾ هنا ليس المقصود النكال الذي هو العذاب المجرد لا وكان بالإمكان استخدام هذه الكلمة كلمة العذاب ولكن المراد هنا ان هذا الذي وقع من الله سبحانه وتعالى في تعذيبه لقوم موسى عبارة عن أمر شديد عظيم حتى أنه بلغ من عظمته وشدته أنه أصبح نكالاً وعبرة لغيرهم أن يسلكوا طريقهم فكل من أراد أن يسلك طريقهم ودربهم وما فعلوه مع نبيهم عليه السلام فإنه ينكل ويرجع ويعود لأنه رأى ما حل بهم فالله سبحانه وتعالى يذكر هؤلاء بالنكال الذي وقع على قوم موسى عليه السلام لكي ينكلهم عن طريقهم ويعودوا عن تكذيبهم كما كذب أولئك وإن أصروا فإن مصيرهم كمصير أولئك القوم لذا عادت الآيات بعد ذلك للتذكير بأمور الآخرة والسماء الدنيا وما خلق الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا لهم ثم بعد ذلك جاء الكلام عن أهوال يوم القيامة.
قال أحد الطلبة :
هذا هو المعنى الذي دل عليه السياق وهو معنى زائد عن دلالة الآيات بمفردها ولكن السياق دل على هذا المعنى بوضوح وهذا النوع من الدلالة هو من الدلالة على أمر زائد على دلالة اللفظ وهذا أحد أنواع دلالات السياق أن يدل السياق على شيء جديد لم يدل عليه اللفظ .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك نعم هذا هو المقصود وتأمل الآيات في قصة موسى ستجد هذا واضحاً بيناً وخصوصاً في آخرها ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [النازعات: 25، 26]. يعني إن كنتم تخشون ففي ذلك عبرة لكم يأهل مكة ويا من أنكر بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من قيام البعث بعد الموت نأخذ المثال الثاني .
قال أحد الطلبة :
المثال الثاني في سورة الصف قوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: 5]. من المتقرر أن سورة الصف من أولها إلى آخرها في الجهاد فقص الله تعالى قصة موسى عليه السلام والذي يظهر أنها ليست لها علاقة بالجهاد ولكن دلالة السياق لها دلالة هنا لابد أن تظهر وإلا يكون الكلام منقطعاً بعضه عن بعض وهذا لا يَرِدُ في كتاب تعالى.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك نعم هذا المثال نريد منه أيضاً أن نقرر دلالة السياق وأثر هذه الدلالة في فهم الآية بنفسها فهذه الآية مرت وذكرت ضمن آيات وهي في سورة تتكلم عن الجهاد وفيها أن موسى عليه السلام يقول: ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾. لو أردت أن أخذ هذه الآيات بمجردها بمفردها لَفهمت فهماً أن موسى يشتكي إلى الله عز وجل من حال قومه ويخاطب قومه فيقول لم تؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول حق من عند الله سبحانه وتعالى فهذا الفهم لهذه الآية بهذه السورة المجردة فقط يعطيك جزء من المعنى فقط ، أما كامل المعنى الذي جيء بالآية في هذه السورة من أجله لن يتبين لك مطلقاً يعني لو سئِلت لما جاءت هذه الآية في هذه السورة ما الجواب نعم أنا فهمت دلالة الآية بمفردها وهذا ظاهر ولكن ما دلالة هذه الآية في السورة بكاملها وما علاقة هذه الآية بما قبلها وما بعدها هل هناك انقطاع كامل بين هذه الآية وبين ما سبق وبين ما لحق لا وإنما هناك اتصال وتكامل بين هذه الآيات في الدلالة على المراد وهذا التكامل يظهر لك عند النظر في حال هذه السورة وفي قصة موسى عليه السلام.
السورة كما ذكرنا لك في الجهاد بدليل أن الله عز وجل قد حكى في أولها : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: 4]. وكذلك بالنسبة لآخر السورة : ﴿ يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ [الصف: 10، 11]. فالكلام إذن عن الجهاد في أول السورة وفي آخرها فكيف نربط بين هذه الآية وبين ما تقدم وبين ما تأخر هذا ما سنتكلم عنه بإذن الله جل وعلا.
فـاصـــــــــــــل تليفـزيـونـــــــــــــــــــــي
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين حياكم الله مرة أخرى في روضة من رياض الجنة .
كنا نتكلم عن هذه الآية وعن علاقتها بالسورة بما تقدم وما تأخر وأريد أن أؤكد على قضية وهو أن فهم الآية بمجردها هذا يلغي كثيراً من المعنى يعني عندما تتبين في هذه السورة وفي دلالة هذه السورة وفي السياق الذي جاء الكلام عنه ومن أجله في هذه السورة :عدم الربط بين الآيات يلغي كثيراً من هذا المعنى وهذا لا يناسب ابداً في كتاب الله سبحانه وتعالى لا يناسب ابداً أن تقول بأن هذه الآية جاءت في الكلام عن قصة موسى وقصة عيسى عليهما السلام وانتهى الأمر ما علاقة ما تقدم وما تأخر هذا لا يكون حتى في الكلام العربي الفصيح لا يكون حتى في الكلام العربي الذي تتناقله أو تأخذه عن عربي فصيح اما شعراً أو نثراً أو نحو ذلك فكيف إذا كان الكلام عن كتاب الله عز وجل وكان النظر في كلام الله سبحانه وتعالى في هذا القرآن المعجز في كل أحواله ومن أحواله في الإعجاز الإعجاز في البيان والفصاحة والقوة في إيراد المعنى المراد على أكمل وجه من دون أن يكون هناك شيء من الضعف وشيء من الانقطاع في دلالة المعاني هذا لا يكون أبداً في كلام الله سبحانه وتعالى وإنما يكون في أفهامنا نحن إنما يكون لقصور في ادراكاتنا أما في كلام الله عز وجل فثق ثقة كاملة أن هذا لا يمكن أن يكون في كلام الله سبحانه وتعالى في هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم ما نزل الله سبحانه وتعالى على عبدٍ من عباده فإذاً لنأخذ في هذه الآية ونحاول أن نقف على سر إراد هذه الآية والآية التي تليها في هذا السياق فالسياق في شأن وهذه القصة في ظاهرها في شأن فما سر الجمع بينهما ؟هذا من نريد أن نقف عليه.
قال أحد الطلبة :
فعند تأمل قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ تجد في هذا إشارة إلى قصة موسى عليه السلام في سورة المائدة قوله تعالى: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة: 21]. إلى قوله : ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24]. فأشارت الآيات إلى نوع من أذى قوم موسى له وهو التخلي عنه في موضع الجهاد حيث خذلوه في اشد المواقف الذي هو في أشد حاجة إليهم فلما ذكرت الآية هذه القصة من موسى وقومه أرادت أن تذكر امة محمد أن لا يقولوا له كما قال قوم موسى له ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن عندما تنظر في قوم موسى مع موسى عليه السلام ماذا كان جواب قوم موسى لموسى عندما دعاهم للجهاد ؟
موسى دعاهم للجهاد قد أخبر الله عز وجل عن ذلك في سورة المائدة دعاهم إلى الجهاد فقال لهم: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: 21]. فدعاهم إلى الجهاد دعاهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أن يقوموا إلى الجهاد في سبيل الله وان يدخلو الأرض المقدسة وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح لهم هذه الأرض المقدسة ماذا كان جواب قوم موسى لموسى عليه السلام : ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾. موقف في غاية الخزي في غاية الخسة قلة المروءة فضلاً أن يكون هناك دين وفضلاً أن يكون هناك طمع في ما عند الله عز وجل في الآخرة لوكان هؤلاء الناس لهم طمع في المروءة فقط لو كان لهم طمع في مكارم الأخلاق لما قالوا هذا الكلام فكيف والأمر أعظم من هذا بكثير الذي يأمرهم هو الآن نبي من الأنبياء بل من أولي العزم من الرسل فيقول لهم : ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ فيأتونه بهذا الجواب الذي هو في غاية اللؤم يقولون لنبيهم عليه السلام ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾. هذا الجواب يقولونه لقائد لهم فضلاً أن يقوله قوم لنبيهم عليه السلام فالله عز وجل اراد أن يذكر أتباع محمد صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بالقتال وذلك أن سورة الصف تنزلت في أوائل الأمر بالجهاد فجاءت هذه الآيات في أوائل السنة الثانية من الهجرة في بداية القتال والجهاد وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بدأ كما تعلمون الغزوات بالمهاجرين بدءاً ثم شيئاً فشيئاً حتى وقعت موقعة بدر الكبرى فتنزلت هذه السورة في هذا الحين حتى تنبه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا تقول لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال اليهود عليهم من الله اللعنة والغضب كما قالوا لنبيهم موسى عليه السلام فلا يقول لنبيهم محمد : ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَ﴾ وإنما يقولا له قولاً يليق بمقامه صلى الله عليه وسلم فكان هذا كان أن تنبه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر وإلى هذا التحذير والوعيد الشديد الذي حصل ووقع لبني إسرائيل بسبب معصيتهم لنبيهم موسى عليه السلام فاستجابوا لأمر محمد صلى الله عليه وسلم وقاموا إلى داعي الجهاد وقالوا كلمات عظيمة جليلة ما زال التاريخ يحفظها في مقابل مقولة أولئك القوم لنبيهم قبحهم الله.
قال أحد الطلبة :
وإنما يقولون كما قال المقداد بن الأسود "إنا لا نقول كما قال قوم موسى ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾ وإنما نقول اذهب انت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون" .
لذلك فقد جاءت إشارة لهذا المعنى في أول السورة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:2] وأن الذي يقول ما لا يفعل يكون مصيره مصير موسى وقومه.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك وهذا الذي نريد أن نصل إليه والآن سأبين لك أمر فيما يتعلق بسورة الصف واربطه بما تقدم من الكلام سورة الصف ما السبب في نزولها ما السبب في نزول سورة الصف؟ ذكر الترمذي رحمه الله في سننه وكذلك غيره أن سبب نزول سورة الصف أن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان منهم عبد الله بن سلام رضي الله عنه جلسوا مجلساً في المدينة فقالوا: لِنسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل فلما اجتمعوا على هذا كأنهم يريدون الجهاد فذهبوا إليه صلوات ربي وسلامه عليه فسألوه فأنزل الله عز وجل الأمر بالجهاد أنزل فرضية الجهاد فلما علموا أن الذي فرض عليهم والذي سألوا عنه كان سبباً في وجوب الجهاد عليهم كأنهم شعروا بأنهم قد استعجلوا أمراً كان لهم فيه أناه فهم الآن يشعرون بأنهم لم يستعدوا استعداداً كاملاً للجهاد وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل في هذا الحين فتنزل الأمر بالجهاد عليهم فشعروا من أنفسهم ضعفاً عن القيام بواجب الجهاد فكأنهم ترددوا في الأمر فأنزل الله عز وجل هذه الآية مباشرة على هؤلاء الصحابة الذين سألوا عن أفضل العمل فأجيبوا بالجهاد في مثل هذا الحين أن أفضل العمل في مثل هذه الأوقات هو الجهاد فتنزل عليهم الأمر بالجهاد فلما ترددوا وتلكؤوا بعد أن كان هم السبب في طلب أفضل العمل وفي سبب فرضية الجهاد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزلت عليهم هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ قبل السؤال وقبل الفرض كان الأمر فيه سعة لما سألتهم ونزل الفرض اختلف الأمر فليس لكم الآن أن تنكصوا وتتراجعوا قد فرض الجهاد فتنزل قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ . تطلبون الجهاد وتريدونه ثم لم فرض تتراجعون تتلكأون لا ليس لكم هذا ﴿ كَبُرَ مَقْتًا﴾ المقت هو شدة الغضب ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 3] . انظر كيف تغير الأمر كان في البدء سؤال عن أفضل الأعمال فنزل عليهم فرض الجهاد فلما تلكئوا تغير الأمر نزل وانتهى نزل الفرض من الله سبحانه وتعالى والإجابة فنزلت : ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ أن تقولوا قولاً ثم لا تفعلون بموجب هذا القول وهذا الحديث قد حكم عليه الترمذي حسن صحيح وكذلك ممن صححه شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله والحديث صحيح إسناده صحيح ذكرت لك من حكم بالصحة عليه من أهل العلم إذاً هذا الكلام من مبدأه إلى نهايته في الجهاد وفي النكول عن الجهاد بعد فرضيته وهذا الذي حذر الله منه عز وجل قوم محمد صلى الله عليه وسلم ممن آمنوا به أن يقعوا في ما وقع فيه قوم موسى بعد أن آمنوا به عليه السلام واضح بين الآن كيف جاءت هذه القصة في هذا السياق في هذه السورة .
قال أحد الطلبة :
المثال الثالث :اختلف السلف رحمهم الله تعالى في المراد بقول الله تعالى : ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾[التكوير: 15، 16]. في سورة التكوير:
- فمنهم من قال هي الكواكب والنجوم جاء ذلك عن علي وابن عباس رضي الله عنهما واختاره جماعة من السلف .
-ثانياً: قالوا المراد بالخنس والجواري الكنس البقر الوحشي والضباع التي تكون في الصحاري والبراري فإنها تخنس إذا رأت الانسان والخنوس هو الاختباء والاختفاء مع تأخر .
والكنس أي أنها تكنس وتعود أي أنها ترجع إلى أماكنها التي تسمى الكناسة
أجاب الشيخ :
والكناسة تطلق على المكان الذي يعود إليه من يختبيء فالكناسة مكان يخفى فيه الشيء يختبيء فيه الانسان يختبيء فيه الحيوان يخفى فيه أي أمر كان لحاجة من الحاجات
أكمل الطالب :
وتعود إلى أماكنها الكناسة هي المكان الذي يبيت فيه الحيوان ونحوه جاء ذلك عن جماعة من السلف مجاهد وإبراهيم النخعي .
ومن المرجحات التي ترجح القول الأول دلالة السياق فإن السورة من أولها جاءت بذكر الكواكب والنجوم والصبح والليل فكان أولى بالذكر بعد هذه الكواكب هو ما يناسبها من أحوال بقية الكواكب الأخرى لذلك كان أظهر في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ هي الكواكب التي تخنس وتختفي وتتأخر حيناً وتجري في حين آخر في وقت الليل ثم تكنس فتبيت قليلاً في مكان لا يعلمه إلا الله عز وجل ثم تعود إلى شريانها وخلوصها .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن لو تأملت في كلام المفسرين في قوله سبحانه وتعالى ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ تجد أن هناك من يقول أن هذه الجواري وهذه الأشياء التي تخنس منهم من يقول أنها النجوم والكواكب ومنهم من يقول أنها البقار والضباع ونحو ذلك لأنها هذه كما أنها تخنس هذه الكواكب و نحوها والنجوم فكذلك هذه تخنس لأنها إذا اشتد عليها الحر واحتاجت إلى الراحة فإنها تدخل من مكانها التي هي فيه وتذهب إلى أماكن تناسبها فتبيت فيها فاختلف المفسرون في هذه الآية هل المراد الكواكب والنجوم أو المراد البقر الوحشي والضباع وما في معناها ما الذي يرجح هذا من ذاك؟
-يرجحه السياق .
ماذا يرجح السياق؟
-يرجح أن المعنى الأول هو الأظهر وهو أن المراد الكواكب والنجوم والدليل أن السورة في أولها ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ *﴾ [التكوير: 1، 2]. فالكلام كله عن الكواكب وعن النجوم وعن السماء ...وإذا جاء كلام بعد هذا يحتمل هذا أو ذاك فإن قرينة السياق تدل على أن المراد هي الكواكب والنجوم وما في معناها واضح الآن الترجيح بدلالة السياق.
قال أحد الطلبة :
المثال الرابع من سورة الماعون قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ [الماعون: 1، 2]. فدلالة السياق أن هذه الصفات ليست من صفات أهل الإيمان بل هي من صفات الكافرين المكذبين فلا يمكن أن مؤمناً كامل الإيمان وهو يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فدلالة السياق هي التي تظهر المعنى الكلي .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل في سورة الماعون وقد تكلمت إشارة في هذا السورة فيما تقدم والآن نريد أن نقف قليلا معها بشكل أوضح وأكمل.
الآن هذه السورة أولاً هل هي من آواخر ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم أو من أوائل ما نزل ؟ من أوائل ما نزل سورة مكية ونزلت في أوئل البعثة هذه السورة بما تأمر وعن ماذا تنهى ؟
السورة في أولها يقول الله سبحانه وتعالى فيها : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ *وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ عندما تريد أن تفسر هذه السورة تفسيراً فيه فهم جزئي للآيات فعندئذٍ ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ أي أن هذا الذي يكذب بالدين ايضاً كذلك ﴿يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ ونحو ذلك لكن هذا الفهم لهذه السورة وهو الذي يقع في قلوب كثير من الناس وللأسف الشديد عندما يسمع هذه السورة لا يعرض في باله أن الله عز وجل قرن بين أمور عظيمة جليلة كبيرة الشأن جداً الآن.
لو تأملت الاقتران الذي جعله الله عز وجل بين هذه الآيات لهذه السورة لظهر لك معنى جلي معنى واضح لابد أن تقف عليه لابد أن تتأمله كثيراً خصوصاً وأن هذه السورة نزلت من أوائل ما نزل فمعناها أنك لابد أن تخاطب نفسك هل أنت قد فعلت بمضمون هذه السورة أو ان المسألة غائبة عنك أنت الآن في نفسك أنك مسلم وأنك ولله الحمد حافظت على أصول دينك وأنك فعلت كثيراً من الواجبات وتركت كثيراً من المنهيات هل هذا حق أو ليس بحق؟ هل هذا من جهة الواقع واقع نفسك أنت واقع هذه النفس هل هو كما تقول أنت الآن عن نفسك بأنك والله قد فعلت ما ينبغي وتركت ما لا ينبغي؟
تأمل هذه السورة وانظر في نفسك هذه السورة من أوائل ما نزل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أُمِر بها وأَمَر بها من معه من أمته من أجل أن يلتفتوا في هذا الشأن هل طبقوه حقاً أم انهم قد أهملوه وإن كانوا أهملوا فلينظر الانسان في نفسه فقد أخل بشيء يجب عليه أن يأتي به من أوائل ما يجب في أوائل تربيته لنفسه وفي أوائل تزكيته لها وفي اوئل وقوفه مع هذه النفس في ترقيتها إلى الله عز وجل أما ان يؤخر هذا الأمر إلى سنوات قادمة فليس بصحيح أنت في الحقيقة قد تجاوزت هذه السورة فإن لم تفعل بمضمونها يجب عليك الآن أن تعود إلى الوراء لتعود إلى حد السورة وتقف معها قليلاً فما الذي يأمر به الله عز وجل في هذه السورة يقول: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ ما صفته ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ ذكرنا قبل أن هذه الفاء فاء الفصيحة معناه تفصح عن شيء محذوف والمحذوف هنا شرط مقدم معنى الكلام: أرأيت الذي يكذب بالدين فمن كان هذا حاله فإن صفته إنه يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ، إذاً قف قليلاً مع هذه الآيات ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ اي أن من صفة الذي يكذب بالدين أنه يدع اليتيم وأيضاً ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ سبحان الله مجرد عدم الحض معناه أن الانسان قد تلبس بصفة هي من صفات الذين يكذبون بيوم الدين فالذي يكذب بيوم الدين في حقيقته هو الذي يتصف بهذه الصفات أما من كان لا يكذب بيوم الدين وكان من المؤمنين بهذا اليوم فهو أبداً لا يكون ممن يدع اليتيم ولا يكون ممن لا يحض على طعام المسكين انظر النهي مجرد أنه فقط لا يحض فلو كان أيضاً يحسن إلى المسكين لكن لا يحض الناس هذا قد وقع في صفة منكرة من صفات الذي يكذب بالدين وكذلك ما بعدها من الآيات : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾أيضاً هذه من صفات الذين يكذبون بيوم الدين ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ إلى أن قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [سورة الماعون] . يمنع الماعون يعني القلم الذي معك تمنع وأنت لا تحتاج إليه قد تقع في صفة من صفات الذين يكذبون بيوم الدين نقف عند هذا الحد ونكمل بإذن الله عز وجل في حلقات قادمة.
نسأل الله عز وجل أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأن يجمعنا في مستقر رحمته وأن يجعلنا جميعاً من أهل جنته.
اللهم بمنك وكرمك وجودك اجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
22-12-08, 02:43 AM
تفريغ الدرس الثالث والعشرين :تابع الأمثلة على المرحلة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وازدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين.
تكلمنا في الحلقة السابقة عما يتعلق بالمرحلة الرابعة وهي في دلالة السياق من السباق واللحاق وتأثيره في مفهوم الآية في دلالة الآية وفى فهم المعنى الكامل للآية الواحدة وهذا الأمر كما ذكرت سابقاً هو في غاية الأهمية وهذه الأهمية تأتي من وجوه كثيرة جداً يعني تأتي أولاً من تأثيرها في فهم هذه الآية وما تدل عليه أيضاً كذلك أهميتها تأتي من كثرة كلام أهل العلم في أثر دلالة السياق في فهم الآيات وهي من أوجه كثيرة وقد مر أمثلة على ذلك وبقي عندنا أيضا عدداً من الأمثلة سنأخذ فيها بإذن الله عزّ وجلّ فنكمل الآن المثال الخامس معنا أو المثال الرابع، المثال الرابع ثم المثال الخامس ثم إن كان هناك من أسئلة أو نقاش أو حوار لا بأس به بل إنه يزيد الموضوع إثراءً ويعطيه شيء من الفهم الذي قد يكون معه شيء من اللبس في السابق فنزيده وضوحاً وجلاءًا بإذن الله جلّ وعلا، نعم تفضل يا أخي اقرأ.
قرأ الطالب:
بسم الله الرحمن الرحيم المثال الرابع :من سورة الماعون قوله تعالى ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾[الماعون:1-3].
فدلالة السياق أن هذه الصفات ليست من صفات أهل الإيمان بل هي من صفات الكافرين المكذبين، فلا يمكن أن يكون مؤمناً كامل الإيمان وهو يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، فدلالة السياق هي التي تظهر المعني الكلي وكذلك أن منع الماعون ليس من صفات المؤمنين بل هو من صفات الكافرين فسورة الماعون تحث على الأخلاق والصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون؛ لأن الله جعل البراءة منها من صفات المؤمنين والذي يقع فيها فيه صفة من صفات الذي يكذب بيوم الدين وهذا المعنى المترابط لا تفهمه إلا بالربط بين معاني الآيات من أولها إلى آخرها.
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، نعم هذا بالنسبة لدلالة السياق الذي أثر في فهم هذه السورة من أولها إلى أخرها وأنا أؤكد على فهم هذه السورة فهماً جلياً واضحاً لأنه أيها المبارك لا يمكن أبداً أن تُقبل منك دعوة ولا أن يُقبل منك أمر ولا أن يُقبل منك أيضا نهي لا في بيتك في داخل بيتك إن كنت متزوجاً مع زوجتك ومع أولادك ولا يمكن أيضاً كذلك أن يقبل منك أمر ونهيٌ ودعوة إلى خير حتى مع أصحابك بين جيرانك بين الناس في عملك في الشارع في أي مكان آخر لا تظن أن ما معك من الحق الذي تريد أن توصله إلى الناس كاف في قبول دعوتك للناس بسبب هذا الحق الذي بين يديك لا أيها المبارك لابد مع هذا الحق الذي معك لابد وأن يكون معك وسائل ولابد أن تتخذ طرق سليمة وهذه الطرق شُرعت في بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أوائل ما بُعث شُرعت له أمور صلى الله عليه وسلم هذه الأمور تعين على قبول الدعوة، تعين على أن تسد الأفواه التي تريد أن تتكلم في هذه الداعية تعين على ألا يجد هذا المدعو في هذا الداعية نوع إخلال في حق من حقوقه نوع تقصير في شيء من أموره التي تخصه فيدخل منها الشيطان على أخيك فيجعل هذا الأمر سبباً في رد دعوتك، هذه المنافذ للشيطان جاءت هذه الشريعة المطهرة لسدها وبإغلاقها بل وبإحكام الإغلاق من كل وجه كيف يكون هذا ؟أمرتك هذه الشريعة بأن تتحلى بمكارم الأخلاق الكاملة في أوائل دعوتك للناس قبل أن تنطلق داعية إلى الله عزّ وجلّ أمرتك أن تتخذ الزاد الكامل من الأخلاق الوافية الكاملة الشاملة حتى تُقبل منك هذه الدعوة ومن ذلك ما جاء في هذه السورة ولك أن تتأمل أمور قصيرة جداً أمور يسيرة أمور يعني بعض الناس يسميها حقيرة ليست بشيء هذه السورة تنزل في أوائل ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فتخاطبه بماذا؟ أرايت الذي يكذب بالدين ومحمد صلى الله عليه وسلم إنما جاء لإخراج الناس من تكذيبهم بيوم الدين لأجل أن يصدقوا بيوم الدين هذا هو الأمر الأهم الذي بعث من أجله صلوات ربي وسلامه عليه ثم بعد ذلك أرأيت الذي يكذب بيوم الدين في آخر الآيات ويمنعون الماعون، إيش الرابط بين هذا وذاك؟ ما الرابط بين التكذيب بالدين وبين منع الماعون، منع الماعون أن تمنع شيئاً فضلة: لا تحتاجه وليس لك فيه كبير حاجة الآن وكانوا في القديم يضربون مثلاً على ذلك بالقدر وبالفأس ونحو ذلك وفى هذا الزمن عندك حاجات كثيرة يحتاجها الناس جاءك جارك يطلب درايل مثلاً محتاج يحصد حاجة حتى إنه ما يكون موجود في كل البيوت طلب مثلاً حاجة من هذه الحاجات طلب آلة تنظيف طلب منك جهازاً من الأجهزة التي لا توجد عنده أو صاحب لك أو زميل أو إنسان في الشارع طلب منك قلماً وقال يا أخي أريد أن أكتب وأنت معك قلماً أو طلب منك ورقة وأنت معك ورق زائد فضلة لا تحتاج إليه وخذ ما شئت من الأمثلة، طلب منك جارك أيضاً كذلك أن تعيره شيئا لا تحتاج إليه ولا يتأثر باستعماله هو ومن ذلك مثلاًَ يطلب منك يقول والله أنا محتاج الآن وعندي ظرف طارئ وأريدك أن توصلني إلى المكان الفلاني بسيارتك أنا ما معي سيارة فمنعته أنت الماعون الذي هو سيارتك وأنت عندك وقت وعندك قدرة أن توصله وليس هناك ما يمنع فتمتنع من ذلك وأنت تعلم حاجته إلى هذا، هذا كله يا أخي المبارك من منع الماعون، هذا كله أيها المبارك من منع الماعون الذي لا يجوز، كذلك بين النساء بين النساء طلبت منها صحناً تحتاج إليه في تقديم طعام عندها للضيوف والجارة عندها أشياء طيبة وجيدة وجميلة فطلبتها منها فقالت لا بأس يعني أن تعطيها إياه ثم أعطته المرة الأولى فلما بعد مدة طلبته المرة الثانية قالت إيش إللي حاصل؟ المرة الأولى، الثانية، الثالثة فأغلقت الباب ومنعت الماعون هي ما تحتاج إليه والجارة لم يعهد منها لا تكسير ولا إضرار بهذا الماعون الذي بين يديها والذي رزقها الله عزّ وجلّ إياه فتمنعها من ذلك بدون سبب بدون يعني إضرار وقع من هذه الجارة عليها وخذ ما شئت من الأمثلة الكثيرة، يا أخي الماعون هذا هو الدائر بين الناس في أمورهم فيأتي الله عزّ وجلّ ليصف أن الذي يكذب بيوم الدين أن من أوصافه أنه يمنع الماعون، هذا كله تحذير من هذه الأوصاف التي لا ينبغي أبداً أن يتحلى بها إنسان كائناً من كان فضلا عن مسلم فضلا عن داعية.
فهذه ليست من أوصاف أهل الإيمان أبداً و إنما هي من أوصاف الذين يكذبون بيوم الدين.
فما تمنع شيء ليس عليك فيه ضرر، ولصاحبك فيه مصلحة أو لجارك فيه مصلحة أو لأخيك فيه مصلحة لا تمنع شيئاً من ذلك فإن هذه ليست من صفات المؤمنين، وإنما من صفات الذين يكذبون بيوم الدين لأن من يصدق بيوم الدين ويعلم إنه إن قدم هذا فإن هناك جزاء في يوم الدين فإذاً هو ينتظر الثواب الذي سيأتيه في اليوم الآخر في يوم الدين وقت الحساب فلذا لن يمنع بل يقدم وإنما يمنع من لم يكن ينتظر الثواب لأجل هذه الدنيا نعم صحيح، قد تعطيه قلمك فيستعمله يعني الحبر يقل قليلاً قد يتأثر شيئاً ما، لكنك إن حسبت أمر الآخرة فإنه إذًا الحسبة ظاهرة بينة أن الراجح الذي لا إشكال فيه أنك تقدم أنك تنتظر شيئاً عند الله عزّ وجلّ فيه إحسان أحسنت به إلى أحد من الناس سواء كان مسلماً أو كافراًَ سواء كان إنساناًَ أو حيواناً كل ذلك مما أمر الله عزّ وجلّ بالإحسان فيه بل حتى ولم يكن حيوان حتى بالنسبة للشجرة والحشرة ونحو ذلك، أنت مما أمرت أن تحسن حتى إلى هذه الأشياء فضلا عما هو أعلى منه فضلا عن أخيك المسلم فضلا أن يكون من أقرب الناس إليك ومن أهل رحمك وممن لهم حق عليك هذا أمر يختلف.
إذا فهذه السورة أيها المبارك عندما تتأمل فيها وتنظر تجد أن القضية ليست بالهينة أبداً أنها تأمرك أمراً واضحاً جلياً بما يتعلق بمكارم الأخلاق مع الناس جميعاً وهذا ذكرت لك سابقاً وأعيده الآن أنه لا يمكن أبداً أن تقبل دعوة من إنسان كائناً من كان حتى يتحلى بهذه الأخلاق الكريمة التي أمر الله عزّ وجلّ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بها في أوائل دعوته وفى أوائل مبعثه وقد ذكرت لكم حديث مالك بن عوف الجشمي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح قال يا رسول الله إلى ما تدعو؟ قال ( لا شيء إلا الله والرحم ) لا شيء ما عندي شيء أخر إلا الله والرحيم، وكذلك في حديث عمرو بن عبس السلمي في صحيح مسلم قال بأي شيء أرسلك الله؟ قال ( بصلة الأرحام وكسر الأوثان ) وفى حديث أبي ذر لما أرسل أخاه أُنيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إلى ما يدعو؟ قال: يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له وبمكارم الأخلاق.
انظر إلى أمر عجيب جداً في التواصي بين هذه وتلك وهذا كله مأخوذ من هذه السورة لن نفهمه من قوله سبحانه وتعالى ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ ولا من قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ ولا من قوله سبحانه وتعالى ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ لا، إنما فهمناه من مجموع السورة من السياق الذي جاء فيه الأمر بهذه الأشياء في هذه السورة القصيرة لأن مبدأها كان بقوله سبحانه وتعالى ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ واضح الكلام ؟ أكمل قراءة.
قرأ الطالب:
المثال الخامس :قوله تعالى في آخر آية الديّن ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾[البقرة:282].
أكمل الشيخ:
نعم الآية طويلة في سورة البقرة آية الدين معروفة في آخرها ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ هذا الأمر أنا أريد أن أسألكم قبل أن تقرأ يا أخي الفاضل الآن ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ هل تسمعون مني أستدل بهذه الآية على أن تقوى الله شرط في طلب العلم أليس كذلك؟ لأن الله عزّ وجلّ يقول ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ فيقول لك بأن تقوى الله شرط في تحصيل العلم؛ لأن الله عزّ وجلّ قال ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ وهذا الكلام إن نظرت إليه على وجه الدقة هذا الكلام ليس بصحيح أبداً من جهة كونها شرط؛ لأن الآية هنا لم تدل على الشرطية أبداً ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ أين الشرط ؟ الواو هذه لا تدل على الشرطية مطلقاً وإنما أن تكون عاطفة أو غير ذلك هذا بحسب السياق ولكنها ليس هناك شيء في لغة العرب يدل على الشرطية وهو يتعلق بالواو، الواو لا تكون دالة على الشرط في أي حال من أحوالها مطلقاًَ بمعني بأسلوب آخر ليس هناك واو شرطية في لغة العرب واضح ليس هناك واو شرطية في لغة العرب مطلقاً فمن أين أخذنا هذه الفائدة أن التقوى لابد منها لتحصيل العلم؟ إذا كان ليس هناك شرط ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ وليست هذه الواو شرطية فمن أين أخذنا هذه الفائدة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ كيف أخذناها؟ طالب العلم عندما يتكلم عن هذه المسائل لابد أن يتكلم بعلم لا يرمِي الكلام هكذا يستدل بآية ولا يدرى من أين جاءت الدلالة فيها فإن ظن أن هناك شرط فليس فيه شرطاً أبداً وكما قال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله في هذه الآية قال: لا معني للشرط هنا أبداً في تفسيره لهذه الآية قال لا معني للشرط هنا أبداً ليس هناك ما يدل على الشرطية مطلقاً، إذاً من أين جاءت الدلالة أو الاشتراط أو يعني أنه لابد من التقوى حتى تحصل العلم من أين أخذنا هذا؟ لعلنا نسمع، أقرأ.
قرأ الطالب:
الرابط بين هاتين الجملتين هي الواو والواو في لغة العرب لا تأتي للشرط أبداً وكثير من الناس يستنبط أن تقوى الله شرط في التعليم وليس في الآية ما يدل على ذلك أبداً ولكن هناك في لغة العرب ما يسمى بدلالة الاقتران والالتزام وهي من أنواع دلالة السياق فهذه الواو دلت على وجود اقتران والتزام.
أكمل الشيخ:
بين ماذا وماذا على وجود اقتران والتزام بين ماذا وماذا؟ بين التقوى والعلم هناك دلالة إيش دلالة؟ دلالة الاقتران والالتزام ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ هذه الواو هي وإن كانت عاطفة لكن هذا العطف ليس عطفاً مجرداً وإنما عطف قرن بين تقوى الله وبين العلم فدل هذا السياق بهذا الاقتران على أنه لمن أراد أن يطلب العلم لابد له من تقوى الله سبحانه وتعالى هذه الدلالة وكثير من النحاة بل كثير من البلاغيين ينكرون هذه الدلالة لا يقولون بها وإنما يقول بها جماعة من المحققين وممن يعني ذكر هذا المعنى في هذه الآية شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وهو من أئمة هذا الفن،.
أكمل القراءة لآخر المثال ثم نوضح الأمر أكثر وأكثر بإذن الله تعالى.
قرأ الطالب:
فآية الدين اشتملت على مسائل يجب على الإنسان تعلمها وخُتمت الآية بقوله تعالى ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ فدلت الآية على أن هذا العلم يحتاج إلى تقوى فهذه الواو لا تدل على ذلك بل التي دلت على معنى الشرط هي دلالة السياق.
أكمل الشيخ:
نعم واضح الآن، الآن لما تتأمل آية الدين آية الدين تتكلم عن ماذا؟ عن المعاملات، عن كتابة الدين وعن المرأة إذا شهدت، وكذلك إذا احتيج إلى كتابة، الآية كلها تتكلم عن ماذا ؟عن أحكام المعاملات التي فيها توثيق للعقود التي تحصل بين الناس، هناك عقود بين الناس نزلت هذه الآية لبيان ما يتعلق بهذه العقود ومتى تلزم الكتابة ومتى لا تلزم الكتابة فالآية كلها تتكلم عن أحكام دقيقة جداً تتعلق بمعاملات تدور بين الناس وأنتم تعلمون أن المعاملات التي تدور بين الناس خصوصاً في المعاملات المالية التي فيها دين وفيها يعني قرض وانتفاع وهبة ونحو ذلك هذه المسائل غالباً ما يكون فيها ماذا؟ يكون فيها إيش؟ يكون فيها إشكال بين الناس، أليس؟ كذلك تجد أن أكثر خلاف الناس الآن يتعلق بالأمور إيش المالية وتجد أن بعضهم مثلا أدان فلان فلم يكتب عليه فأنكر الآخر وهكذا تجد أن أكثر مشاكل الناس في هذا الزمن بل من أزمان إنما هي مشاكل مالية تتعلق بعدم الكتابة أو هناك كتابة ضاعت أو أن هناك إرث ولكن هذا الإرث لم يسجل بالكامل ولم يحصر الورثة ونحو ذلك فهي مشاكل تتعلق بمعاملات الناس هذه المشاكل التي تتعلق بمعاملات الناس تحتاج أنت حتى تدرك أحكامها بشكل واضح جلي لأن المشكلة فيها ليست في إدراك الأحكام الكلية لا ليس في أن تدرس كتاب مثلا كتاب البيوع أو كتاب القضاء أو كتاب الحدود والقصاص في كتب الفقه تدرس هذه الكتب في الفقه ثم بعد ذلك تكون عالماً جليلا قادراً على الحكم بين الناس والفصل بين الخلق، لا. هذا لا يكفى أنت تدرس في كتب الفقه أصول هذه المسائل لكن إذا دخلت للفصل بين الناس عندئذ تحتاج إلى أشياء كثيرة جداً تحتاج إلى فهم واقعة المتخاصمين قبل أن تأخذ هذه الواقعة ثم تعرضها على الكتاب والسنة وعلى أقوال أهل العلم، فتحتاج أولاً أن تفهم هذه الواقعة وأن تفهم صورتها وتحتاج إلى أشياء كثيرة جداً حتى تستطيع أن تحكم بين الناس وأن تقضي بين هذا وذاك وأن تصلح بين الناس في خصوماتهم وأن تحكم للمظلوم وتأخذ بحقه من الظالم وكذلك بالنسبة للمعتدي والمعتدى عليه وأشياء كثيرة جداً تقع بين الناس، هذه الأمور يا أخي المبارك ليست بالهينة وليست بالقليلة تحتاج منك إلى ممارسة للعلم وممارسة لأحوال الناس علم بأحوال الناس أيضاً كذلك وعلم بالأحكام الشرعية وعلم بتنزيل هذه الأحكام على أحوال الناس على واقعهم هذه الأمور أيها المبارك هي أمور ليست بالهينة أمور عظيمة جداً وحتى تتعلمها تعلماً يعني كاملاً أو شبه كامل وحتى تكون من أهل العلم فيها اللذين يدان لهم بأن يحكموا على الناس في هذه المسائل ويؤهل أن يكون قوياً للفصل بين الخلائق في هذا الباب لابد وأن يكون ماذا؟ معه علم يصحبه تقوى، فربط الله عزّ وجلّ بين التقوى هنا التي تكون سبباً في تحصيل العلم الذي تعرف به هذه المسائل العظيمة من أولها إلى آخرها ولذا قال ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ العلم النافع في مثل هذه المواطن التي هي موطن مهلك لكثير من الناس.
أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن هذه المرحلة بإذن الله .
- فاصــــــــــــــــــل تلفزيونـــــــــــــــــــــي-
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حياكم الله أيها الأحبة في مجلس من مجالس الجنة.
كنا تكلمنا عما يتعلق بقوله سبحانه وتعالى ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ وذكرنا كلام شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله في الإشارة إلى أن دلالة الاشتراك بين العلم والتقوى في هذه الآية لم تأتِ من مجرد الحرف العطف فإن الواو العاطفة هنا ليس فيها شرط مطلق ليس فيها شرط مطلق وإنما هذه الدلالة التي أخذها أهل العلم من أنه لابد من أجل العلم النافع أن يكون هناك تقوى أخذوها من دلالة السياق لأن هذه الواو لما قرنت بينهما جمعت بين التقوى والعلم في سياق واحد فعلم أنه لزوماً من أجل العلم أن يكون هناك تقوى والمقصود بالعلم هنا هو العلم إيش ؟ النافع، المقصود بالعلم هنا هو العلم النافع، نعم هو العلم النافع هو الذي لابد من أجل تحصيله أن يكون هناك تقوى، تقوى لله سبحانه وتعالى.
ننتقل بعد ذلك إلى مسألة مهمة جداً فيما يتعلق بالسياق وهي أنك تقرأ في كتاب الله عزّ وجلّ قصص كثيرة، الكتاب هذا الكتاب العظيم القرآن فيه قصص كثيرة هذه القصص في كتاب الله عزّ وجلّ عندما تتأمل في سياقها تجد عجبا نعم تجد عجبا لما؟ لأن هذه القصص عندما تذكر لا تجد أنها تذكر بحسب واقعها التاريخي، يعني كيف وقعت في بداية الأمر قصة كذا وكذا ثم في نهاية الأمر انتهت على كذا وكذا هذا لا تجده في كتاب الله عزّ وجلّ إلا قليلاً نعم هو موجود لكنه قليل، وتعجب من هذا الأمر تأمل القصص في كتاب الله من هذه القصص التي ذُكرت ترتيباً قصة يوسف عليه السلام، لكن بالنسبة لكثير من القصص الواردة في كتاب الله لم تأتي على هذا النحو وإنما تنظر إليها تنظر إلى القصة بحسب تسلسلها من جهة الزمن فتجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر القصة على وجه لم تترتب معه ترتيباً زمنياً واضحاً محدداً بل إنه يذكر لك أوسط القصة في أول الآيات ثم يذكر لك حيناً يذكر لك ما وقع في أول القصة من جهة الزمن يذكره في آخر القصة، أضرب لكم مثلا على هذا أنتم تتذكرون على هذا في كتاب الله عزّ وجلّ في جزء عمّ وقع هذا أيضاً عندما تتأمل في سورة عبس تأمل في سورة عبس كيف ذكرها الله عزّ وجلّ في مبدئها ماذا ؟ ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴾[عبس:1-3] هل هذه القصة من جهة الترتيب الزمني وقعت على هذا النحو؟ هل أول ما فُعل في هذه القصة وأول حدث وقع في هذه القصة هو أنه صلوات ربي وسلامه عليه عبس في وجه هذا الأعمى؟ لا، وإنما قبل ذلك ماذا؟ جاء الأعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل عليه وقال: علمني مما علمك الله، كما هو معلوم في أسباب النزول وقد ذكرها الترمذي رحمه الله في الجامع وذكرها غيره فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: علمني مما علمك الله، فأعرض عنه صلوات ربي وسلامه عليه وكان منشغلاً بصناديد قريش يعلمهم، ثم جاء مرة ثانية فألح على النبي صلى الله عليه وسلم علمني مما علمك الله فأعرض عنه ثم جاء ثالثة علمني مما علمك الله فزجره النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً، نهره قليلاً صلوات ربي وسلامه عليه عندئذ انظر في هذه السورة هل نزلت على هذا النحو هل قيل جاء الأعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب أن يعلمه ثم كذا وكذا إلى آخر السورة هل جاء على هذا النحو؟ لا، لم يأتي هكذا لما ما السبب ما السر؟ لم بدأ الرب سبحانه وتعالى في هذه السورة بهذه الآية ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ فكأنه بدأ من إيش ؟ من منتصف السورة أليس كذلك؟ لم يبدأ من أولها وإنما بدأ من منتصفها هذا العبوس الذي وقع منه صلوات ربي وسلامه عليه وقع في منتصف القصة فأخذ الله عزّ وجلّ هذه الواقعة هذه الحادثة ذكرها في أول السورة في مبدأ ذكر القصة ما السر في ذلك وما سببه؟ هذا من دلالة السياق .
الآن أنا لو سألتك هذه السورة التي تنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسماة بسورة عبس ما الحكمة من تنزلها عليه صلوات ربي عليه وسلامه؟هل هي ذكر هذه الحادثة هذه الواقعة أن تحفظ تاريخياً هل هذا هو المراد؟ لا، ليس هذا هو المراد، أبداً إذاً فعندما نتأمل قوله سبحانه وتعالى ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ تأمل هذا جيداً عبس وتولى في مبدأ القصة لم ؟ لأن هذه السورة حين تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم لم تتنزل من أجل أن تحكي لنا حكاية وتروي لنا قصة أبداً لم يكن هذا مطلقاً وإنما تنزلت لتبين أمراً عظيماً جليلاً مأخوذًا ومستفادًا من هذه القصة أن الداعية إذا أقبل إليه من أراد أن يتعلم دين الله عزّ وجلّ شريفاً كان أو وضيعاً أميراً كان أو مأموراً وزيراًَ كان أم صغيراً أيا كان حاله غنياً أم فقيراً امرأة كانت أم رجلا كبيراً كان أم صغيراً أياً كان حاله من أقبل على دعوة الله عزّ وجلّ فإنه الأولى بأن يعلم كائناً من كان غيره لأنه إذا أقبل فحقه عليك أيها الداعية أن تقبل عليه ولا أن تنشغل بغيره فإذا انشغلت بغيره مهما كان هذا الغير فإنك قد خالفت المنهج الذي ارتضاه الله عزّ وجلّ وأمر به محمد صلى الله عليه وسلم بل وعاتب محمد صلى الله عليه وسلم على حادثة وقعت في هذا الأمر وفى هذا الشأن. واضح الكلام؟
المقصود هو التنبيه هو التربية هو التأديب هو التهذيب هو التزكية المأخوذة من هذه القصة، فالذي حدث هو العبوس وهو موطن القصة وهو المراد فذكر في أولها واضح ؟
تأمل هذا في مثال آخر وستراه جلياً بإذن الله عزّ وجلّ نعم لعلك تقرأ.
قرأ الطالب:
التقديم والتأخير في السياق له حكمة مثال قصة موسى عندما أمر قومه أن يذبحوا بقرة فجاءت هذه في أول السورة ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾[البقرة:67] وكان المتبادر أن يأتي بأول القصة الواردة في قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾[البقرة:72] والسر في ذلك والله أعلم.
أكمل الشيخ:
قف هنا.
أكمل الشيخ:
الآن تأمل معي قصة موسى عليه السلام مع قومه التي قصه الله عزّ وجلّ في سورة البقرة يقول الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ على لسان موسى عليه السلام يتوجه لقومه يقول لهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ﴾ هذه أول القصة لو تأملت القصة التي جاءت في هذا الموطن من كتاب الله سبحانه وتعالى ثم اقرأ أكمل القراءة في سورة البقرة ستجد أن الله قال بعد ذلك في حكاية ما جرى لهؤلاء القوم قال ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾ أليس هذا هو أول ما وقع في هذه الحادثة؟ أول ما وقع من هؤلاء القوم أن واحداً منهم قتل آخر واحداً من بني إسرائيل قتل رجلاً آخر فاختلفوا في هذا المقتول من الذي قتله وأرادوا أن يترافعوا إلى موسى عليه السلام في شأن هذا القتيل.
إذًا فقوله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾ هل هذا من أول ما وقع من جهة الزمن في هذه الواقعة هل هو كذلك ؟ هو كذلك بلى، وإذ قتلتم نفساً هو كذلك وقع في أول القصة زمناً لكن هو من جهة ترتيبه في القرآن هل هو أول ما ذكر في كتاب الله عزّ وجلّ حينما ذكرت هذه القصة؟ لا، وإنما ذكر في آخرها في آخرها تماماً تأمل أن الله عزّ وجلّ قد ذكرها في الآخر تماماً فلم سبحانه وتعالى أخر ذكر أول القصة لآخرها آول القصة زمناً لآخر القصة ذكراً في القرآن وقدم ما وقع في وسط القصة زمناً قدمه فذكره في أول القرآن حين ذكر هذه القصة؟ ما السر في ذلك هل أشكل عليك قبل ذلك أصلاً وأنت تقرأ سورة البقرة؟ هل تأملت لما التقديم والتأخير في هذه القصة؟ أنا أريدك بعد ذلك أن تنتبه لهذا فإن كثير من قصص القرآن حصل فيها هذا فإذا كنت لم تنتبه قبل فانتبه الآن ومن الملام مما يلام عليه طالب العلم في هذا ألا ينتبه لأنك لست كأحد الناس مع كتاب الله أنت طالب علم لكتاب الله سبحانه وتعالى فلابد أن تنتبه ألا يمر عليك الأمر هكذا مروراًَ سريعاً وإنما تتفقه في كتاب تتفهم تتدبر شيئاً ما.
فانظر إلى سر ذكر القصة على هذا النحو وعدم ترتيبها على جهة الزمن كما هو المعتاد في ذكر القصص أياً كانت.
قرأ الطالب:
والسر في ذلك والله أعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة هو ذكر إعراض اليهود قبحهم الله عن تنفيذ أوامر الله عزّ وجلّ وليس المقصود من إيرادها ذكر حادثة القتل ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾ وهذا تلحظه بيناً في قصة أصحاب الكهف وفى سورة الأنفال في موقعة بدر.
أكمل الشيخ:
أحسنت يا بارك الله فيك، الآن الكلام الذي سمعت هو في بيان السر في هذا الموطن تأمل أنت معي هذه القصة، هذه القصة سيقت من أجل ماذا؟ من أجل ماذا سيقت؟ من أجل بيان إيش ؟ شدة إعراض اليهود عن أمر الله عزّ وجلّ فكان المناسب إذا كان هذا هو المقصود وليس المقصود هو ذكر القصة وذكر الحكايات وإنما المقصود أخذ العبرة منها ولذا ما كان موطناً لأخذ العبرة يذكر في أوائل الكلام في أوائل القصة حتى ما تشغلك القصة عن المقصود لو ذُكرت القصة هكذا بترتيبها الزمني قد تنشغل عن المقصود بالحادثة وما جرت عليه وكيف فعل موسى معهم وكيف فعلوا هم، وهل هذا الرجل الذي ضرب بجزء من البقرة التي ذبحوها بالفعل رجعت له الحياة ثم ماذا قال ومن اتهم قد تنشغل بهذا وهذا ليس هو المقصود بل المقصود هنا أن تنتبه للحكمة والغاية والهدف الذي من أجله سيقت هذه القصة ما هو؟ هو بيان شدة إعراض هؤلاء اليهود عن أمر الله سبحانه وتعالى ولذا جاء الكلام في أولها في مبدئها في قول موسى عليه السلام ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ قالوا ماذا ؟ ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ﴾ قبحهم الله من الذي يأمر الآن مهرج من المهرجين إنسان من عامة الناس إنسان لا يعقل لا يفهم لا يدرك؟ صبي من الصبيان ؟
يأمرهم موسى عليه السلام نبي الله يأمرهم فيقول إن الله يعني ما يقول تقول على الله أنتم تؤمنون أنه نبي فهل من الممكن أن يأتي نبي فيتقول على الله عزّ وجلّ ويمزح معكم في موطن كهذا يسخر معكم في قضية من هذه القضايا فيقول إن الله كذا فتقول أتتخذنا هزوا تمزح معنا تلعب تهزأ بنا، لا حول ولا قوة إلا بالله لذا جاء الكلام في أولها في بيان حال هؤلاء اليهود مع موسى عليه السلام و بيان حال شدة إعراض هؤلاء اليهود وشدة قسوة قلوبهم في تقبلهم لأوامر الله سبحانه وتعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة القصة معروفة عندكم والله عزّ وجلّ يأمركم أن تذبحوا بقرة لتزيلوا هذا الإشكال ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ ولو فعله صلى الله عليه وسلم لكان بالفعل من الجاهلين يحكي عن الله عزّ وجلّ أمراً وأنتم تظنونه سخرية وضحك ولعب ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ فبين الله عزّ وجلّ مبدأً قدم ما يتعلق ببيان شدة إعراض هؤلاء اليهود عن أوامر ربهم سبحانه وتعالى وعن قسوة قلوبهم وعن قبح تصرفهم وعن قبح كلامهم وتعبيرهم في حديثهم عن ربهم جلّ وعلا ولذا قالوا في الآيات الأخرى يد الله إيش؟ مغلولة، انظر كيف التعبير تعبير سيئ قبيح فأراد الله سبحانه وتعالى أن يبين لنا حال هؤلاء اليهود وهذا هو المقصود هنا ولذا سورة البقرة لو تأملت سورة البقرة جاءت لتبين لأهل الإسلام كيف يتعاملون مع هؤلاء اليهود.
من معاني سورة البقرة –جاءت لعدة معاني- أنها جاءت لتبين لنا الطريقة التي نتعامل بها مع اليهود، وبالنسبة لسورة آل عمران جاءت لبيان حال أهل الكتاب من النصارى وكيف نتعامل معهم وما حالهم وما شأنهم وكيف يكون أمرهم مع أهل الإسلام ثم جاءت بعد ذلك سورة النساء لتبين هذا كله مع أهل الكفر مع أهل الكتاب من اليهود مع أهل الكتاب من النصارى فهذه السور العظام الثلاث سورة البقرة آل عمران النساء من مقاصدها العظام ومما تنزلت من أجلها وكانت هذه الأمور من لب ما جاءت في هذه السور هو الكلام عن كيفية تعامل أهل الإسلام مع اليهود بدءاً ثم مع النصارى ثم مع عموم الكفار، واضح هذا في هذه القصة؟
انظر أيضاًَ كذلك فيما يتعلق بقصة أصحاب الكهف ستجد هذا بينا فيما يتعلق بسورة الأنفال في قصة موقعة بدر وما جرى فيها تجد هذا بينا ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾[لأنفال:1] فبدءاً كان الكلام هل هو عن قصة بدر وما جرى وكيف خرجوا وكيف وقع القتال وكيف وكيف؟ لا وإنما جاء الكلام في سورة الأنفال عن موقعة بدر كل ذلك جاء تبعاً لأي شيء؟ للكلام عن الأنفال لأن هذا هو المقصود من تنزل السورة بدءاً الكلام عن الأنفال وما حكم الله عزّ وجلّ فيه وكيف يكون حال الناس فيه ولأن بعض الصحابة تكلموا في هذه المسألة يريدون الغنائم كما كانت توزع عليهم الغنائم وكما كانوا يريدون أن توزع الغنائم فطلبوا أمراً ليس لهم فأنزل الله عزّ وجلّ ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [لأنفال:1] فجاء الكلام في يسألونك عن الأنفال لأنها هي المقصود الأعظم من تنزل هذه السورة العظيمة في الكلام عن ما يتعلق بحقوق الخلق وبحق الرب سبحانه وتعالى وفى تقسيم الرب سبحانه وتعالى للحقوق بين الخلائق ثم جاء بعد ذلك مايتعلق بموقعة بدر وهذا الذي ينبغي أن تنتبه له فيما يتعلق بالنظر في قصص القرآن.
سأل أحد الطلبة :
يا شيخ ذكرتم يعني يلزم في السياق أن يكون مشتملاً على رابط، يعني كيف يكون الرابط ؟
أجاب الشيخ:
الرابط يعني السياق هو الرابط بنفسه تارة يكون الرابط ظاهراً واضحاً يعني ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ الرابط هنا ما هو ؟
أجاب أحد الطلبة :
نحن نسأل عن الرابط.
أكمل الشيخ:
هل هناك أحد منكم ممكن أن يخبرنا عن الرابط هنا ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ أنا سمعت كلمة، من قال العطف؟ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ الرابط هنا هو ماذا؟
أجاب أحد الطلبة :
الواو .
أكمل الشيخ:
هو الواو بين الجملة الأولى والجملة الثانية ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ جملة ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ جملة ثانية، جاءت هذه الواو للربط بين الجملتين لما نظرنا إلى هاتين الجملتين بهذا الرابط بهذا السياق بالسياق الذي سبق في الكلام عن مسائل الدين والكتابة ونحوها عندئذ أخذنا هذا المعني فهذا هو الرابط، الرابط تارة يكون ملحوظاً مذكوراً وتارة يكون خفياً يدل عليه السياق. واضح، لكن لابد من الرابط يعني في قصة موسى في سورة الصف ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾[الصف:5] الرابط ما هو هنا؟ المذكور الظاهر الصريح؟
أجاب أحد الطلبة :
الواو أيضاً .
أكمل الشيخ:
أيضا الواو﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ ﴾ يعني الآن لو كان الكلام منقطعاً مبتورًا على ما قبله لجاء الكلام هكذا إذ قتلتم نفساً، إذا قال موسى لقومه بدون الواو فجاء هذه الواو لتعطف على ما تقدم لتدل على أن هناك ترابط بين هذا وذاك نقف عند هذا الحد نريد أن نأخذ دقيقتان فقط فسريعاً أريد أسئلة.
أم أسماء
22-12-08, 02:44 AM
سأل أحد الطلبة :
لم كانت ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ ولم تكن فيعلمكم الله بدل من ويعلمكم الله؟
أجاب الشيخ:
لم هنا يحتاج الأمر إلى شيء من الإيضاح في الفرق بين الواو والفاء للدلالة هنا جاءت من خلال العطف لم تأتي من خلال الفاء التي تارة قد تكون للشرط ليس المراد بالشرط هنا لم هذا؟ لأن هناك ليس شرط، وإنما هناك دلالة اقتران والتزام بين هذا وذاك، لعلى أقتصر على هذا البيان حتى ما يأخذ علينا الجواب أكثر من هذا الأمر قد يحتاج إلى شيء من التفصيل فإن كان هناك أسئلة أخرى؟
سأل أحد الطلبة :
أثابكم الله فضيلة الشيخ ذكرتم أن عدم الربط بين الكلام فيه إخلال بل لا يكون في كلام الله عزّ وجلّ فهناك آية مثلاً في سورة الرحمن أو آيات يعني لها سباق ولها لحاق وهي قول الله عزّ وجلّ ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾[الرحمن:33] ذكر بعض المعاصرين ممن يفسر القرآن بما يسمى بالإعجاز العلمي أن هذه الآية هي في الصعود إلى القمر والصعود إلى ما وراء ذلك والآية معلوم أن ما قبلها تتكلم عن يوم الحساب ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ﴾[الرحمن:31] وما بعدها أيضاً يتكلم عن يوم القيامة ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾[الرحمن:41] فما موقفنا من هذا التفسير .
أجاب الشيخ:
كلام جيد ولكن يظهر أن السؤال يحتاج إلى شيء من التطويل والتفصيل في الإجابة والوقت قد أزف لم يبقَ معنا عدد من الثواني قليلة ولذا أستسمحكم عذراً أن نؤجل هذه الأسئلة إلى الحلقة القادمة بإذن الله وسنجعلها في الأسئلة حتى ننتهي من الإجابة عن جميع الإشكالات قبل ننتقل إلى المرحلة التي تليها.
أسأل الله عزّ وجلّ أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً .
اللهم نور قلوبنا بكتابك اللهم نور قلوبنا بكتابك يا ذا الجلال والإكرام
اللهم اجعله قائدنا وهادينا إلى صراطك صراط الحق يا رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أم أسماء
24-12-08, 03:00 AM
تفريغ الدرس الرابع والعشرين :
موضوع السورة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
حياكم الله أيها الأخوة في روضة من رياض الجنة أسال الله عزّ وجلّ أن يجعلها مباركة عليّ وعليكم وعلى جميع الأخوة المستمعين.
كنا فيما سبق تكلمنا عن المرحلة الرابعة وأخذنا في الحديث عن دلالة السياق والتي تتعلق بالسباق واللحاق، ووقفنا على بعض الأسئلة لبعض الأخوة، تفضل .
سأل أحد الطلبة :
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ذكرتم في المرحلة السابقة أن عدم الربط بين الكلام فيه إخلال بالمعنى بل لا يكون في كلام الله عزّ وجلّ فنجد مثلاً آية في سورة الرحمن فسرها بعض المعاصرين ممن يفسر بالتفسير العلمي أو الإعجاز العلمي، يعني سلك في ذلك مسلكاً غريباً وعدم مضيه على نمط السلف فالآية قلبها سباق وبعدها لحاق وسياق الآية كله في يوم القيامة ويوم الحساب والجزاء فالآية التي هي ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ﴾[الرحمن:33] فسر هذه الآية بأنه الصعود للقمر مع أن الآية ما قبلها يتكلم عن يوم الحساب ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ﴾ وما بعدها أيضا عن يوم الجزاء،﴿ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ﴾[الرحمن:39].﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ﴾[الرحمن:41] فما موقفنا من هذا التفسير.
أكمل الشيخ :
نعم أحسنت بارك الله فيك، يعني بالنسبة لمثل هذه الآية وعند النظر في سباقها وفى لحاقها يُعلم يقيناً بدءاً أن الآية تنزلت حين تنزلت لبيان هذا الغرض وهو ما يتعلق باليوم الآخر ولكن هذا المعني لازم أن يكون خاصاً فيما جاء فيه السياق يعني قد يستنبط من السياق دلالة أو قد يستنبط من الآية نفسها دلالة قد لا يكون السياق يدل عليها مباشرة مبدءاً، ولكن لا مانع عند توسيع النظر في الآية أن يكون هناك نوع استنباط من الآية نوع فهم لها فهما يكون فيه شيئاً من السعة لدلالة الآية فعندئذ أصل الآية تكون في الكلام عن اليوم الأخر وفى بيان ما يجرى في ذلك اليوم وأن الإنسان في حاله وفى قوته هذه إنما هو ضعيف لا يستطيع شيئاً إلا بسلطان من الله سبحانه وتعالى والتحدي هنا جاء فيما يتعلق بأن ينفذ هذا الإنسان الضعيف في ملكوت الله سبحانه وتعالى بقوته وحوله فأصل الكلام جاء فيما يتعلق باليوم الآخر وقوة هذا الإنسان في ذلك اليوم العظيم ولكن لا بأس أن يكون هناك استنباط لدلالة يدل عليها ألفاظ الآية تدل عليها الكلمات التي وردت في الآية يدل عليه سياق الآية بنفسها وإن خارجاً عن السياق العام للآيات يكون استنباطاً زائداً خارجاً ويعني ممكن أن يسمى بأنه استنباط يعني من عموم كلمات الآية فعموم كلمات الآية وإن كان السياق لا يدل على هذا المعني بنفسه إلا أن عموم هذه الألفاظ للكلمات هي تدل أيضاً على أن التحدي هذا إذا كان في اليوم الآخر فهو أيضاً ثابت في الحياة الدنيا فهو في مبدئه وفى أصله متوجه إلى التحدي في ذلك الموقف العظيم لأن السياق دل عليه ولكن أيضاً كذلك هذا التحدي أيضاً ثابت في الحياة الدنيا ولن يستطيع أحد أن ينفذ في أقطار السماوات والأرض إلا بسلطان من الله سبحانه وتعالى.
أما الكلام عن الوصول إلى القمر ونحو ذلك فهذا لا ينبغي أبداً في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى، لأن أصلاً أقول هذه النظرية في أن الإنسان وصل إلى القمر ونحو ذلك يعني كثير من أهل العقل ينكرها ويقول إنه الإنسان لم يصل حقيقة إلى سطح القمر وأن هذا الذي يجرى إنما هو عبارة عن خدع إنما هي كما يقال سينما ليس هناك شيء حقيقي في الوصول إلى الأرض وأن هذه الإثباتات التي يؤتى بها مدخولة وأن هناك دلائل علمية أن الإنسان لم يصل حقيقة إلى القمر فالدخول في هذا الباب أنه في الدليل على الوصول إلى القمر ونحو ذلك هذا الكلام لا ينبغي حقيقة أن يتقوله إنسان يتكلم عن كلام الله سبحانه وتعالى في تفسيره ونحوه ولكن يتكلم بكلام علمي عام يعني الذي ثبت حقيقة من أن الإنسان استطاع أن ينفذ في أقطار وأن يصل إلى طباق عالية في السماوات وأن هذه الاتصالات الموجودة الآن على وجه هذه الأرض وأصبح الإنسان يستخدمها في كل أموره أن من خلالها استطاع الإنسان أن يصل إلى مدى معين في أقطار هذه السماوات فوصل إليها فاستطاع أن يرسل هذه الدبابات التي من خلالها نقل الصوت نقلت الصورة نقلت أشياء كثيرة جداً من خلال هذه الدبابات، فإذاً يكون الكلام ما ثبت علماً يقيناً أما بعد ذلك مما قد يكون الإنسان فيه شيء من التقول على كلام الله سبحانه وتعالى وشيء من تحميل الكلام ما يحتمل فينبغي للإنسان أن يتركه فإذا الكلام عن مثل هذه الآية مثل هذا المعني لا بأس به، ولكن أيضاً كذلك لابد وأن يكون معه إشارة للمعني الأصلي الذي تكلمت عنه الآية لأن هناك معنى أصلي دل عليه السياق وهناك معنى فرعي دلت عليه الكلمات التي جاءت في هذه الآية، واضح؟ أحسنت بارك الله فيك ، هل هناك سؤال آخر ؟
سأل أحد الطلبة :
جزاك الله خير يا شيخ، سؤال قد يقول قائل لماذا البحث والتدقيق في معاني بعض هذه الجمل التي لا تنبني عليها أحكام عملية شرعية ؟
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك ، يعني تقصد تضرب مثال لنا في هذا.
أجاب الطالب :
مثال كالجوار الكنس.
أكمل الشيخ :
نعم ﴿ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾[التكوير:15-16] يعني تقصد لما الكلام عن مثل هذه الآيات وعن معانيها وعن اختلاف السلف فيها وعن الراجح من المرجوح فيها مع أنه لا ينبني عليها حكماً عملياً يعني حكماً فقهياً حلال وحرام ونحو ذلك؟ هذا جيد.
هذا السؤال حقيقة يعني يتبادر إلى أذهان كثير من الناس عند الكلام عن تفسير كلام الله سبحانه وتعالى وهذا النوع من السؤال إنما يرد حقيقة أن الإنسان في تصوره لدين الله سبحانه وتعالى يكون قد حصر نفسه في مسائل الحلال والحرام عندما يتكلم عن مسائل هذا الدين العظيم يكون قد حصر نفسه بين أهم ما يتعلمه في شرع الله هو ما يتعلق بالحلال والحرام، وقد سبق الكلام أن هذا ليس بصحيح أبدا وقد تكلمنا في بداية هذه الحلقات عن كتاب الله عزّ وجلّ وأنه إن هذا الكتاب تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم كان هناك قضايا كبرى جداً قبل مسائل الحلال والحرام تكلمنا في مسألة التدرج سمعتم ما ذكرنا في مسألة التدرج وأن هذا الدين عندما جاء لم يبدأ بمسائل الحلال والحرام لا تشربوا الخمر لا تقربوا الزنا، لا، لا أبداً وإنما بدأ بماذا؟ في تقرير حقيقة عظيمة وهي ما يتعلق بالإيمان بالله عزّ وجلّ بالتوحيد توحيد الألوهية توحيد الربوبية ما يتعلق بالإيمان بالله سبحانه وتعالى بتوقيره بتعظيمه بتعزيره، بالخوف منه بالتوكل عليه بالتعلق به بالعلم أنه لا يكون شيء في هذا الكون إلا بأمر منه سبحانه وتعالى .إذاً هذه الحقائق هي التي تنزل القرآن أول ما تنزل من أجلها ولذا لا تجد في السور التي تنزلت في بادئ البعثة لا تجد أبداً أنها تكلمت عن الحلال والحرام إلا قليلاً جداً وإنما كان الحلال والحرام أي المسائل الفقهية الفرعية إنما كان ذلك متأخراً وأكثره جاء في المدينة في السور المدنية أما السور المكية فالكلام كان عن حقيقة أعظم من مسائل الحلال والحرام من جهة الأحكام الفقهية الفرعية الكلام جاء عن تقرير مسائل الإيمان عن التعظيم عن التقديس وهذا الذي رفع أصاحب النبي صلى الله عليه وسلم الذي رفعهم أنهم لما جاء القرآن تعلموه كما تنزل فقر الإيمان في قلوبهم بعد ذلك جاء العمل لكن قبل العمل لابد وأن يكون هناك إيمان ولا يمكن أن يكون هناك عمل أي حلال وحرام بهذه المسائل الفرعية الفقهية إلا وقد استقر الإيمان استقراراً كاملاً في القلب عندئذ إذا ورد الأمر استجاب الإنسان وإذا ورد النهي انتهى الإنسان فإذا يجب أن نعلم أن الدين ليس هو حلال وحرام ليس هو فقه فقط مسائل فرعية فقهية أحكام الطهارة الصلاة الصيام أحكام النكاح والطلاق والحدود والقصاص ونحو ذلك البيوع :لا هذه جزء من دين الله عزّ وجلّ شيء من دين الله عزّ وجلّ ولذا إذا تنبهت إلى تآليف أهل العلم في علوم الشرع تجد ماذا؟
تجد عندنا: كتب اختصت في مسائل ماذا؟ الاعتقاد، وكتب اختصت في مسائل الفقه، وكتب اختصت في مسائل التفسير، وكتب اختصت في الحديث، وكتب اختصت باللغة أيضاً وغير ذلك من أنواع الفنون في شرع الله عزّ وجلّ فإذا الفقه واحد من ماذا؟ واحد من علوم كثيرة وليس هو أهم العلوم أبداً وليس هو أعظم العلوم وأجل العلوم مطلقاً إنما هو ثمرة للعلم بمسائل الكتاب والسنة فيما يتعلق بالحلال والحرام.
أن هناك من العلم : العلم الذي يدخل في القلب. و تعلمون العلم الذي تكلم عنه الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك السلف ينقسم إلى قسمين:
- علم الذي يسمى العلم بالله .
-وعلم بأوامر الله سبحانه وتعالى :
والعلم بالله عزّ وجلّ يدخل فيه العلم بألوهيته والعلم بروبوبيته بأسمائه وصفاته ويدخل فيها أيضا العلم بما أخبر به سبحانه وتعالى مما يقع في الآخرة مما يقع عند الموت قبل ذلك مما يقع أيضاً في الجنة والنار فهذه العلوم أكثر بكثير من مسائل الحلال والحرام هذه العلوم ما يتعلق بالعلم بالله بالعلم بما أخبر الله عزّ وجلّ به فيما سيأتي من أهوال يوم القيامة فيما سيقع للإنسان بعد انقسام الناس فريق في الجنة وفريق في السعير هذه المسائل أعظم بكثير مما يتعلق بمسائل الحلال والحرام ولذا أضرب لك مثلاً ولا أطيل وإلا هذا أصل كبير جداً عند أهل العلم يعني يحتاج حقيقة إلى بيان وإيضاح وهذا موطنه لكن لا نستطيع أن نطيل أكثر من ذلك أضرب لك مثلاً فيما يتعلق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما يتعلق بالتابعين أيضاً انظر إلى أفضل الصحابة من هو؟ أبو بكر، بما فضُل أبو بكر على سائر الصحابة بما فَضُل هذا الصحابي على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أجاب أحد الطلبة :
بشيء وقر في قلبه.
أكمل الشيخ :
بشيء وقر في قلبه، هذا الذي وقر في قلبه ما هو ؟ هل هو من مسائل العلم بالحلال والحرام ؟ أبداً، وإنما هو ماذا ؟ العلم بالله سبحانه وتعالى، والتعظيم لله، والتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه هي الحقيقة، ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام من ؟
أجاب أحد الطلبة :
معاذ.
أكمل الشيخ :
معاذ رضي الله عنه هو أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام ويحشر أمام الناس برتوة أمام أهل العلم برتوة يعني يتقدمهم رضي الله عنه وأرضاه فإذا هذا معاذ أعلم الأمة بالحلال والحرام ومع ذلك هل هو أفضل من أبو بكر ؟
أجاب أحد الطلبة :
لا .
أكمل الشيخ :
لا، أبو بكر أفضل منه بدرجات كثيرة جداً بما؟ بشيء وقر في قلبه.
ولذلك انظر إلى مثل آخر يوضح لك هذه القضية تماماً بل هو يمكن أوضح في بيان هذه الحقيقة من المثل الأول وهو ما يتعلق بأفضل التابعين من أفضل التابعين ؟
أجاب الطلبة :
سعيد بن المسيب.
أكمل الشيخ :
لا أبداً ليس سعيد بن المسيب، الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم.
أجاب أحد الطلبة :
أويس القرني.
أكمل الشيخ :
أويس القرني، أفضل التابعين بالنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم .الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك لنا هذا الأمر أبداً هذا التفضيل لأنه سيعلم أننا سنقيس الأمور بمثل هذه المقاييس معي، سنقيس هذه الأمور بمقاييس من هذا النوع يعني سنأتي ونقول والله سعيد بن المسيب أعلم وأفقه وأخذ الفقه عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أجلة التابعين وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر وكان وكان وكان في سيرته كذا وكانت الصلاة لا تفوته أبداً بل تكبيرة الإحرام أربعين عاماً لا تفوته مع الإمام وكان أيضاً كذلك يقول لم أرى ظهر مصلي قط إنما كان يصلى في الصف الأول وغير ذلك كثير في فضائله رحمه الله رحمة واسعة وكان حقيقاً بهذا التفضيل لكن لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظر الله عزّ وجلّ بعلم منه سبحانه وتعالى أخبر هذا النبي صلى الله عليه وسلم عن حال التابعين فجاء الخبر ممن ؟ من العليم الخبير سبحانه وتعالى بأن أفضل التابعين من ؟ أويس القرني.
لو قارنا بين علم سعيد بن المسيب رضي الله عنه بالحلال والحرام وبين علم أويس القرني في الحلال والحرام أيهما أكثر علماً بمسائل الحلال والحرام ؟
أجاب الطلبة :
سعيد بن المسيب.
أكمل الشيخ :
سعيد بن المسيب وأين هذا من ذاك، أويس لم يذكر بشيء من كبير العلم بالحلال والحرام أبداً لم يذكر بشيء من هذا مطلقاً لم يكن فقيهاً أبداً ولم يكن يفتي الناس ولم يكن يعلم الناس في مجالس الذكر ولم يكن أيضاً كذلك ممن اختص في هذا الباب أو طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب جمعه ولم يكن أيضاً ممن أخذ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتاويهم في مسائلهم في أقضيتهم كما فعل سعيد بن المسيب إنما كان رحمه الله ورضى عنه وألحقنا به كان تميز بأمر واحد وهو فيما يتعلق بأعمال القلوب يعني اهتمامه بعمل القلب هذا الذي فيه توقير عظيم لله سبحانه وتعالى وفيه تعزير لله وفيه أيضا كذلك تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه تعزير لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي قر في قلب أويس القرني هو الذي جعل أويس أفضل إيش ؟ جعله أفضل التابعين، بينما لو قارنت بينهما فيما يتعلق بمسائل الحلال والحرام والعلم بها قد فضُل سعيد بن المسيب كثيراً على أويس القرني. إذاً التفضيل ليس عائد إلى ما يتعلق بمسائل الحلال والحرام أبداً وإنما هذه من مسائل التفضيل ومما يفضُل به المرء على غيره ولكن ليست هي المناط الكامل والواحد في هذا الباب وإنما هناك مناط آخر وهناك حقيقة أخرى أعظم بمسائل الحلال والحرام مع عظيم قدرها وجليل منزلتها عند الله عزّ وجلّ ولكن أيضاً كذلك هناك ما هو أجل وما هو أعظم العلم بمسائل الحلال والحرام لا شك أنه من الدين ومن أعظم ما يتطلبه المرء ومن العلم النافع ولكن أيضاً هناك ما هو أعظم منه وما هو أجل منه وهو ما يتعلق بالعلم بالله عزّ وجلّ العلم برسول الله صلى الله عليه وسلم العلم بأهوال اليوم الآخر والعلم بحقائق هذه الدنيا الصغيرة الحقيرة والعلم بحقائق ذلك اليوم العظيم المهول فيما يتعلق بيوم القيامة هذا الذي نريده أن يقر وأن يستقر فيما يتعلق بالكلام عن هذه الآيات وغيرها.
عندما تتكلم عن سورة التكوير ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾[التكوير:1-2] إلى آخرها ثم تتكلم عن الجوار الكنس ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾[التكوير:15-17].
هذه الحقائق أيها المبارك إذا فهمتها فهماً جيداً واضحاً جلياً تكون سبباً في ما ذا؟ في توقير الله عزّ وجلّ وفي زيادة الإيمان وهذا هو الأهم وهذا الذي ينبغي أن يكون في البدء قبل العلم بمسائل الحلال والحرام وما أكثر من يعلم مسائل الحلال والحرام الآن بل يفتي الناس وهو يواقع الحرام وهو تارك للواجب، كم من الناس الآن يعلم الحلال والحرام ويفتي الناس ولكنه إن رأيته في نفسه فإذا هو من أبعد الناس عن فعل أوامر الله سبحانه وتعالى ومن المرتكبين للنواهي التي نهي الله عزّ وجلّ لما؟ لأن الإيمان لم يقر في القلب واضح الكلام إذا لما الكلام عن هذه الآيات من أجل هذا؟ هذه الآيات هي التي تغرس الإيمان في القلب هي التي تملأ القلب إيماناً هي التي تحشو هذا الفؤاد يقيناً بالله عزّ وجلّ ولذا يحتاج إليها العبد كثيراً حتى يزيد إيمانه وحتى يرتفع مستوى اليقين والمعرفة بربه سبحانه وتعالى واضح؟ هل هناك سؤال آخر.
سأل أحد الطلبة :
شيخ، كان هناك خلاف كافي في إعراب سورة الفاتحة فلو نمر عليها مراً سريعاً من الجملة الإسمية والفعلية يكون فيه زيادة للإيضاح أكثر.
أكمل الشيخ :
يعني في إعراب سورة الفاتحة والنظر فيما كان منها اسم وما كان منها فعل نجد الجملة الاسمية والفعلية لا بأس لكن لعلي أحيل السؤال عليكم أنتم وأنا معكم، فسريعاً نعرب سورة الفاتحة سريعاً وإن كان هناك من خطأ صححناه لا بأس لكن نريد إعراب سريع بقي خمس دقائق على منتصف الحلقة فنريد أن ننتهي من الإعراب قبله فسريعاً.
أجاب أحد الطلبة :
أعرب السورة ؟
أكمل الشيخ :
من أعوذ بالله .
أكمل الطالب :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أعوذ فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره
بالله جار ومجرور متعلق بقوله أعوذ.
أكمل الشيخ :
متعلق بمحذوف تقديره أقرأ أو أعوذ بالفعل، جميل.
أكمل الطالب :
الفاعل ضمير مستتر وجوبه تقديره أنا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من حرف جر والشيطان مجرور والرجيم صفة للشيطان.
بسم الله الرحمن الرحيم: فالباء حرف جر اسم مجرور والجار والمجرور يتعلق بمحذوف ذلك المحذوف عند البصريين يقدرونه اسما أي ابتداء باسم الله وعند الكوفيين يقدرونه فعل أي أن أبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله ، الله مضاف لكلمة اسم والرحمن نعت لكلمة الله الرحيم نعت أيضاً تابع للنعت الأول.
الحمد لله رب العالمين: الحمد مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره لله جر ومجرور متعلق بمحذوف خبر رب العاملين رب بدل لكلمة لله أو صفة، رب مضاف والعالمين مضاف إليه.
أكمل الشيخ :
بدل أو صفة.
أكمل الطالب :
بدل أو بيان أو صفة.
أكمل الشيخ :
و صفة يعني أقصد بيان وفيه بعض شيء .
أكمل الطالب :
الرحمن: أيضاً نعت لكلمة لله أو رب العالمين.
الرحيم: أيضاً نعت تابع للنعت الأول.
مالك يوم الدين: فمالك أيضاً تابع للنعت الأول يوم الدين فمالك مضاف ويوم مضاف إليه يوم مضاف والدين مضاف إليه أيضاً.
إياك نعبد: إياك مفعول مقدم لقوله نعبد، نعبد فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره نحن، وإياك الواو حرف عطف.
إياك: أيضاً معطوف على إياك الأولى فهو مفعول به مقدم على فعله والفعل نستعين.
ونستعين: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره والفاعل ضمير مستتر وجوباً أيضاً تقديره نحن.
اهدنا الصراط المستقيم: اهدنا فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت النون هنا مفعول به مبنى على السكون.
أكمل الشيخ :
يعني فعل أمر هو هنا ماذا يسمى تلطفاً وتأدباً مع الله عزّ وجلّ يقال عنه فعل إيش؟
أجاب الطالب :
يعود الله سبحانه وتعالى.
أكمل الشيخ :
يكون فعل أمر إذا كان الأمر موجه إلى الله سبحانه وتعالى يقال عنه أنه فعل؟
أجاب الطلبة :
فعل دعاء.
أكمل الشيخ :
فاصل قصير ثم نعود إلى استكمال إعراب سورة الفاتحة بإذن الله عزّ وجلّ.
فـاصــــــــــــــل تليفـزيـونـــــــــــــي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
حياكم الله أيها الأحبة مرة أخرى، وكنا في الحديث عن إعراب سورة الفاتحة سريعاً وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[الفاتحة:6] نعم أكمل .
أكمل الطالب :
قوله تعالى ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فاهدنا هنا فعل دعاء فاعل ضمير مستتر يعود على الله عزّ وجلّ، النون هنا هو نون الجماعة مبنى على السكون في محل نصب مفعول أول لقوله اهدنا.
الصراط المستقيم: صراط مفعول ثان لإهدنا المستقيم نعت لكلمة الصراط.
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ فصراط هذه بدل من الصراط الأولى صراط مضاف.
أكمل الشيخ :
أحسنت، بدل إيش؟ بدل ماذا؟
أجاب الطالب :
بدل من صراط المستقيم.
سأل الشيخ :
نوع البدل؟
أجاب الطالب :
بدل كل من كل.
أكمل الشيخ :
لا ليس كل من كل، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، بدل كل من كل، أو بعض من كل؟
أجاب الطالب :
بعض من كل.
أكمل الشيخ :
تأمل من جهة المعني لأنها تتبين من جهة المعنى لأنها تتبين من جهة المعنى ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾[الفاتحة:5-6].
هل صراط الذين أنعمت جزء من الصراط المستقيم ؟ أو هو هو؟
أجاب الطلبة :
هو هو .
أكمل الشيخ :
لا يلبس عليك الكلام.
أجاب الطلبة :
هو هو .
أكمل الشيخ :
هو هو، هو صراط واحد فيكون إذا نوع البدل ما هو أنا أردت أن أقف عند هذه بالذات يعني حتى هو ماذا ؟ بدل كل من كل .
أكمل الطالب :
صراط بدل كل من كل من صراط الأولى صراط مضاف
والذين مضاف إليه وهو اسم موصول مبنى في محل جر .
أنعمت عليهم: أنعمت هنا فعل وفاعل والفاعل هو التاء مبنى على الفتح في محل رفع عليهم جار وهو يتعلق بقوله أنعمت والجملة هنا لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فغير هذه بدل من الضمير الموجود في عليهم.
أكمل الشيخ :
بدل من عليهم أو بدل من الصراط ؟
أجاب الطالب :
بدل من الضمير الموجود في عليهم، يعني المجرور بعليهم .
سأل الشيخ :
تقدير الكلام، ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾؟
أجاب الطالب :
يعني صراط الذين أنعمت على الذين يعني منعم.
أكمل الشيخ :
أي نعم، غير المغضوب عليهم، يعني أنعمت عليهم إذا كانت بدل من الضمير في عليهم يقود المعني إلى ماذا ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ﴾ يعني إذا كانت بدل منها أنعمت على غير هؤلاء وليس هذا هو المقصود، أليس كذلك؟﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ فصراط بدل من ماذا أو غير بدل من ماذا؟ من جهة المعني تأملوا المعنى الآن، الآن ما المقصود ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ فهي بدل من ماذا؟
أجاب الطالب :
يظهر أنها بدل من الضمير الموجود في عليهم.
أكمل الشيخ :
الذي في عليهم، تقدير الكلام ممكن تعبر لي عن تقدير الكلام إذا كانت بدل من أنعمت عليهم، يعني أنعمت عليهم لو كانت بدل من أنعمت عليهم يكون الكلام أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم يعني أنعمت على غير المغضوب عليهم هذا هو المقصود هنا؟
هكذا البدل يكون يعني من جهة معني الآية هذا هو المراد أو أن المراد صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، فيكون بدل من صراط؟
أجاب طالب :
لكن لو كانت مثلاً بدل من...
أكمل الشيخ :
أو بدل من المضاف إلى الصراط؟ صراط مضاف أليس كذلك ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ﴾ أليس هنا مضاف ومضاف إليه.
أجاب أحد الطلبة :
لأن الضمير هنا يعود هو أيضا على الذين.
أكمل الشيخ :
يعود على الذين.
أجاب الطالب :
نعم يعود على الذين أنعم الله عليهم.
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، هو ممكن أن يكون هذا من الضمير في عليهم ممكن أن يكون أيضاً من ماذا؟ من المضاف إليه، عندنا مضاف ومضاف إليه أين ؟ في صراط الذين: صراط مضاف ومضاف إليه صراط الذين أنعمت عليهم، فيكون المعنى غير المغضوب عليهم أي صراط غير المغضوب عليهم بدل من المضاف إليه في؟
أجاب أحد الطلبة :
نعم هو بدل من المضاف إليه وقد يكون أيضا بدل من الضمير لأن الضمير هنا يعود على المضاف إليه، الضمير هنا في عليهم يعود على المضاف إليه.
أكمل الشيخ :
يعود على المضاف إليه يعود على المضاف إليه مضاف إلى الصراط.
أجاب الطالب :
نعم.
أكمل الشيخ :
أنعمت عليهم، جيد جميل .
أكمل الطالب :
غير مضاف
والمغضوب عليهم المغضوب إليه إضافة غير إليه عليهم أيضاً جار ومجرور يتعلق بقوله المغضوب لأن المغضوب اسم مفعول، ولا الضالين الواو حرف عطف، لا هنا بمعنى غير فهي معطوفة على غير المتقدمة وظهر إعرابها فيما بعدها فما بعدها الضالين، والضالين هنا اسم مجرور بالياء نيابة عن الكسرة وهذا والله أعلم.
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، نفع الله بك يا أخي، هل بقي شيء آخر ؟
إذاً ننتقل إلى المرحلة الخامسة، معنا بإذن الله عزّ وجلّ المرحلة الخامسة والمتعلقة بفهم موضوع السورة وما يتعلق به عندنا شيء يسمى موضوع السورة نحن انتهينا في الحلقة السابقة مما يتعلق بماذا؟ بالسباق واللحاق لكن الآن نعود أيضاً كذلك للمراحل السابعة من أولها بدأنا بإيش أول ما بدأنا بماذا؟ أول مرحلة أو ما بدأنا، بالكلمة أليس كذلك ؟ ثم صعدنا بعد الكلمة إلى ما يتعلق بحروف المعني، ثم صعدنا إلى الجملة، ثم صعدنا إلى السياق لأن هذه الجمل عبارة عن آية في آخر الأمر ثم هذه الآية هناك سباق وهناك لحاق لما انتهينا من هذا السباق واللحاق هذا السباق واللحاق هو عبارة عن آيات أليس كذلك مجموع هذه الآيات تكون ماذا ؟
أجاب الطلبة :
سورة
أكمل الشيخ :
تكون سورة أليس كذلك؟ إذاً تكونت عندناً سورة كاملة هذه السورة بكاملها من أولها إلى آخرها لها غرض لها معنى لها قصد أتت من أجله فإذا الكلام في هذه المرحلة عن ما يتعلق بموضوع السورة أو ما يسمى بمقصود السورة، مقصود السورة من أولها على آخرها بعد أن انتهينا من السباق واللحاق إذاً نتوسع قليلاً إلى درجة أعلى وهو ما يتعلق بالسورة كلها من أولها إلى آخرها، لعلنا نقرأ، من الذي كان يقرأ معنا، اقرأ بارك الله فيك.
أم أسماء
24-12-08, 03:01 AM
تابع تفريغ الشريط الرابع والعشرين
قرأ الطالب :
بسم الله الرحمن الرحيم المرحــــــــلة الخــــــــامســـة:
فهم موضوع السورة وما يتعلق به المقصود بموضوع السورة إذا أطلق هو المعنى العام وهو الذي أنزلت السورة من أجله أو هو الموضوع الذي تدور عليه آيات سورة ما، هذا هو المقصود بموضوع السورة أو مقصود السورة وهذا الاسم لهذا العلم لم يكن موجوداً عند السلف كشأن كثير من العلوم التي كانت ممارسة عند السلف لكن لم تكن التسمية موجودة كعلم النحو والبلاغة وأصول الفقه ومصطلح الحديث وغير ذلك.
أكمل الشيخ :
أريد أن أقف معك قليلاً هنا، كثير من العلوم التي وجدت الآن ولها تسميات من قديم الزمان لم تكن موجودة بهذا الاسم عند السلف فلا يعترض عليك معترض في علم تسمعه الآن أن يقول لك بأن هذا العلم ليس مذكوراً عند السلف أو ليس مذكوراً عند من تقدم من أهل العلم فهذا الإيراد ليس بصحيح، لأن هناك علوم كثيرة جداً كانت موجودة ولكنها ليس لها تسمية خاصة فعندما نتكلم مثلاً عن علم البلاغة مثلاً علم النحو هل هذه العلوم كانت موجودة قديماً في بادئ الأمر لم تكن موجودة بهذه التسمية وإنما نشأت وتطورت شيئاًَ فشيئاً وهي قطعاً كانت موجودة في الكلام قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدت معه صلوات ربي وسلامه عليه ثم وجدت بعده أيضاً كذلك وهكذا فإذا مسألة التسميات لا ينبغي أن تكون محل رد واعتراف إذا قيل هناك علم اسمه مقصود السورة أو موضوع السورة فلا يرد على هذا أن يقال أن أين هذا العلم من كلام من تقدم من هذا العلم خصوصاًَ من كان في زمن الصحابة ومن بعدهم هناك كانت العلوم مدسوسة داخلة في الكلام دون أن يكون لها تسميات خاصة وانظر مثلاً إلى ما يتعلق بمصطلح الحديث مصطلح الحديث متى نشأ؟ هذه التسمية متى نشأت؟ إنما نشأت متأخرة جداً إنما عرفت في أواسط القرن الرابع ثم جاء القرن الخامس وتطورت قليلاً وهكذا حتى القرن السادس يعني أصبح عندنا علم يسمى بعلم مصطلح الحديث يسمى بهذه التسمية مصطلح الحديث ولكن قبل ذلك لم يكن هناك شيء يسمى بهذه التسمية مع أن علم مصطلح الحديث موجود قديماً جداً موجود في كلام التابعين موجود في كلام بعد التابعين ولكن كتسمية إنما جاءت التسمية متأخرة فعدم وجود التسمية لا يدل على أن العلم ليس له أثر، واضح؟ أكمل.
قرأ الطالب :
وإنما دليل من قال به هو الاستقراء والتتبع لطريقة الأئمة في تفسير كتاب الله وهذا العلم أي علم موضوع السورة لم يطرأ كثيراً في كتب التفسير لا المتقدمين ولا المتأخرين ولهذا أسباب :
-أن فيه نوع من الجرأة على تفسير كتاب الله جلّ وعلا ولهذا أنكره جماعة من أهل العلم من المتأخرين وكان هذا الإنكار ردة فعل لتكلف الناس ذكر مقصد السورة فيها تكلف وبعد.
-ثانياً أن كثيراً من كتب التفسير إنما تناولت تفسير كتاب الله جلّ وعلا من خلال مدرسة تفسير الآية والكلمات كما هو حال مدرسة أهل الأثر وأهل الرأي أما الربط بين الآيات فلم يفرد له أحد من الأئمة كتاباًَ في التفسير ممن تقدم وهذه هي الأسباب في قلة الكلام حول موضوع السورة .
ولهذا اختلف العلماء في هذا العلم على ثلاثة أقوال :
القول الأول: لا تناسب بين السورة والآيات مطلقاً أو غالباً وهو قول جماعة من المتأخرين منهم الشوكاني في فتح القدير.
أكمل الشيخ :
هذا القول، الآن هناك من يقول من أهل العلم أن السورة لا يقال عنها إنها تنزلت من أجل مقصود واحد ومن أجل غرض واحد لأن هذه السورة في الأغلب أنها تنزلت بحسب الوقائع، فعندما يحدث أمر فعندئذ تنزل هذه الآيات في بيان هذا الأمر الذي تنزلت من أجله ثم يأتي آخر واقعة أخري وثالثة ورابعة وخامسة ثم تجمع هذه الآيات فتكون في سورة واحدة فيقول كيف يكون هناك ترابط بين هذه السورة من أولها إلى آخرها في معنى واحد والآيات أصلا تنزلت في أوقات مختلفة في أزمان مختلفة في أماكن مختلفة في بيان أحكام مختلفة فكيف يكون الترابط بين هذه وتلك هذا قول جماعة من أهل التفسير وهو قد قال به جماعة ممن تأخر ممن كتب في هذا الأمر وممن شدد فيه جداً الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه فتح القدير وكان يُعَرِّضُ في كلامه هذا بالإمام البِِقَاعِي في كتابه ماذا؟ في كتابه سيأتي الآن تأملوا الآن أنا أتكلم الآن بين إمامين سيأتي هذا الكلام بين الإمام الشوكاني رحمه الله وبين الإمام البقاعي، الإمام البقاعي صنف مصنفاً جليلاً في هذا الباب كبيراً والإمام الشوكاني رحمه الله اعترض عليه في هذا الشأن نريد أن نقف قليلاً بين هذين الإمامين فانتبه للكلام هنا انتبه للكلام هنا لأنه سيفتح لك أمراً في القول الوسط بين هذا وذاك ومن الذي اختار القول المتوسط بين هذين الإمامين أرجو أن تنتبه للكلام لأنها محل خلاف ولا تظن أننا لما عنونا لهذه المرحلة بموضوع السورة أن معناه نقر هذا تماماً في كل سورة لا، ولكن هناك قول وسط لابد منه وقد استخدمه أهل العلم الأكابر من المحققين من المفسرين في هذا القول وهو مهم ومفيد جداً فيما يتعلق بفهم كلام الله سبحانه وتعالى لعلك تقرأ شيئاً من كلام الإمام الشوكاني .
قرأ الطالب :
قال الإمام الشوكاني في فتح القدير: اعلم أن كثيراً من المفسرين جاءوا بعلم متكلف وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه وتعالى وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف فجاءوا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلاً عن كلام الله سبحانه وتعالى حتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدمه حسب ما ذكره في خطبته.
أكمل الشيخ :
نعم هذا هو القول الأول، قوة كلام الإمام الشوكاني رحمه الله يعني تكلم كلاماً شديداً عن هذا الأمر، ننظر في المقابل إلى كلام الإمام البقاعي في هذا الشأن، نعم .
قرأ الطالب :
القول الثاني: أنه ما من آية أو سورة إلا ولها موضوع خاص بها وما من آية إلا ولها مناسبة بينها وبين الآية التي قبلها وهذا هو القول الذي نصره برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المتوفي سنة خمس وثمانين وثمانمائة في كتابه - نظم الدرر في تناسب الآيات والسور- واختاره السيوطي وغيره.
أكمل الشيخ :
نعم هذا هو القول وجنح إلى أن كتاب الله عزّ وجلّ محكم ومعنى أنه محكم معنى أنه كل آية بينها وبين التي تليها ترابط بل بين كل سورة والتي تليها ترابط ولذلك تكلف الإمام البقاعي في كتابه هذا الكبير الجليل نظم الدرر في تناسب الآيات والسور يعني تكلف تكلفاً في الربط بين السور وأن ما من سورة إلا ولها معنى خاص بها وهذا المعني يناسب السورة التي تليها فاجتهد في هذا وتوسع في الكلام جداً عن هذا الأمر وعندما ترى كتابه سترى شيئاً عجباً حقيقة ترى قوة الذهن في محاولة استنباط المسائل لكنه من أجل ما فيه من التكلف تارة تطمئن إلى كلامة وتارة نوعاً ما تنقبض من هذا التكلف الذي قد يطرأ في بعض المواطن بل في كثير منها إذاً هذا القول الثاني ننتقل بعد ذلك إلى القول الثالث والذي أريدك أن تنتبه له وأن تصغي سمعاً إلى كلام الأئمة رحمهم الله في هذا الباب لأنه مفيد جداً فيما يتعلق حتى في استنباط مسائل الحلال والحرام ليس فقط فيما يتعلق بالأمور العقدية القلبية لا حتى في مسائل الحلال والحرام بل حتى في مسائل التربية والاخلاق في تهذيب الناس وفى تربيتهم وفى تهذيب النفس قبل ذلك ستستفيد كثيراً فيما يتعلق بموضوع السورة وكيفية الاستنباط منها في فهم كلام الرب سبحانه وتعالى، نعم لعلك تواصل.
قرأ الطالب :
القــــول الثالــــث: أن ما من سورة في الأغلب إلا ولها موضوع تدور عليها وكذلك الآيات فالآية في الأعم الأغلب تكون متصلة بما قبلها وما بعدها، لكن لابد لمن أراد أن يخوض في هذه المسالك من أمرين :
الأمر الأول أن يكتفي بما ظهر له من الموضوع وتناسب الآيات من دون تكلف ولا تنطع على خلاف ما جري من البقاعي رحمه الله.
الأمر الثاني أن يكون الخائض في هذه المسالك عالماً لأقوال السلف في تفسير الآيات والسور التي يريد أن يستنبط لها مناسبة أو موضوعاً معيناً وأن يكون مطلعاًَ عارفاً بعلوم البلاغة بفروعها الثلاثة البيان، البديع ، المعاني.
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيكن إذاًَ لا مانع من الخوض في هذا المسلك على هذا القول الثالث، ولكن أولاً هذا الاستنباط وهذا يعني الاستنتاج من هذا الترابط لا يكون في كل كتاب الله سبحانه وتعالى قد لا يظهر لك في كثير من المواطن إنما قد يكون أغلبي أو قد يظهر لك في كثير من المواطن أيضاً ولكنه لا يكون عاماً في كل السور هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: هناك أمور لابد أن تنتبه له:
- أنه ما كان ظاهراً بيناً حتى مقبولاً عند السامع مقبولاً عندك أنت، مقبولاً عند أهل العلم، عند طلبة العلم عند السامعين لمثل هذا الكلام بدون تكلف فهذا هو الحق وهذا هو الصواب أما ما كان فيه تكلف وتلحظ أنك تحتاج إلى كثير من المقدمات والممهدات والتوطئة حتى يقبل منك هذا الكلام فهذا لا داعي له، هذا لا داعي له في الكلام عن مقاصد السور وعن موضوع السور، وإنما خذ الكلام السهل اليسير الواضح الجلي الذي يفرح به من سمعه أما الكلام الذي تحتاج أن تقنع فيه من أمامك إقناعاً بالحجة والبرهان ونحو ذلك ومقدمات ومطولات فلا داعي له فإن التكلف في هذا الباب لا داعي له مطلقاً وإنما هو من باب أنك إن أحط به أخذت منه علماً لطيفا جيداً مناسباً في سعة الفهم لكلام الله سبحانه وتعالى وهذا تجده في كلام كثير من المفسرين المحققين وسنأتي إلى ضرب أمثلة على هذا الكلام نعم .
-الأمر الآخر أن الذي يتكلم في هذه المسائل لابد وأن يكون عالماً بكلام السلف رحمهم الله في التفسير لأنك إن استنبطت استنباطاً وأبعدت فيه عن كلام السلف فقد أخطأت، إذاً إذا تكلمت في هذه المسائل لابد وأن يكون هناك رابط بين كلامك أنت واستنباطك هذا وبين كلام السلف كلام الصحابة كلام التابعين كلام ما بعد التابعين كلام الأئمة رحمهم الله في تفسيرهم لكتاب الله أما إن استنبطت شيئاً هو معارض لكلامهم مخالف لما جاء عنهم فاعلم أن هذا التفسير أو هذا الاستنتاج الذي ظهر لك ليس بصحيح وأن هذا المقصد الذي ظهر لك في هذه السورة ليس بصواب فإذا فلابد وأن يكون هناك عدم تخالف عدم تعارض بين كلامك وبين كلام السلف رحمهم الله نعم أكمل.
قرأ الطالب :
وهذا القول الثالث هو القول الأقرب وهي طريقة بن العربي في تفسيره فقد ذكر أنه ألف كتاباً كبيراً في ذلك ومنهم الرازي في تفسيره والطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير وقرره أيضاً الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن ويستخدمها شيخ الإسلام بن تيميه وتلميذه ابن القيم وجماعة من المحققين من أهل العلم.
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، نقف عند هذا الحد ونواصل بإذن الله عزّ وجلّ فيما نستقبل، أسأل الله عزّ وجلّ لنا ولكم علماً نافعاً وعلماً صالحاً وأسأله سبحانه وتعالى أن ينور قلوبنا وبصائرنا وأسماعنا وجوارحنا بكتابه . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
03-01-09, 10:37 PM
تفريغ الدرس الخامس والعشرين:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
حياكم الله أيها الأخوة في روضة من رياض الجنة أسأل الله لنا ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً وإيماناً كاملاً ولساناً ذاكراً وعيناً من خشيته دامعة اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
كان الكلام في ما تقدم في المرحلة الخامسة هو ما يتعلق بموضوع السورة ووقفنا عند القول الثالث المتوسط بين القول الأول الذي جنح إلى إبطال هذا الأمر وإلى إنكاره إما إنكاراً كلياً أو إنكاراً أغلبياً وإلى القول الثاني الذي جنح إلى إثبات هذا الأمر في كل سورة وأن هناك ترابط بين السور وهناك ترابط كامل أيضاً كذلك بين الآيات لا يمكن أن ينخرم أبداً فإذاًَ سنقف الآن مع القول الثالث الذي رأيت أن هو القول الأقرب والأصوب وهو القول الذي يناسب ما جاء عن الأئمة المحققين في هذا الباب.
قرأ أحد الطلبة:
القول الثالث وهذا القول الثالث هو القول الأقرب، وهي طريقة ابن العربي في تفسيره فقد ذكر أنه ألف كتاباً كبيراً في ذلك ومنهم الرازي في تفسيره أيضاً والطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير وقرره أيضاً الزركشي أيضاً في كتابه البرهان في علوم القرآن ويستخدمها شيخ الإسلام بن تيميه وتلميذه ابن القيم وجماعة من المحققين من أهل العلم وبما يراجح هذا القول أنه هو الصواب لما جاء في قوله تعالى ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾[هود:1].
وقوله تعالى ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِير﴾[النساء:82].
هذه الآيات تدل على أن جميع آيات القرآن محكمة وأنه لا خلاف فيه وهذا مدح لكتاب الله عزّ وجلّ وكمال المدح إنما يتم إذا كانت الآيات متناسبة مع قبلها وما بعدها غالباً وإذا كانت السورة في مجملها تحوي موضوعاً أو مقصوداً واحداً أو عدة مقاصد تدور عليها فإن هذا هو تمام الإحكام وتمام نفي الاقتراب والاختلاف.
أكمل الشيخ:
نعم هذا هو الأمر الأول القرآن محكم، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن هذا الأمر بأنه محكم ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾هذا الكتاب أحكمت آياته ثم فصلت وهذا التفصيل جاء من لدن حكيم خبير سبحانه وتعالى فأيضاً كذلك لما تتأمل مسألة الإحكام تجد أنها من أثر هذا الإحكام أن يكون هناك ترابط وأن يكون هناك وأن يكون هناك تواصل بين هذه الآيات على الأقل يكون أغلبياً لا تكون الآيات مقطعة الأوصال بين كل آية وآية كذلك فيما يتعلق بالسورة الكاملة المتكاملة فإن السورة إنما سميت سورة كاملة لأجل أنها تحوي موضوعاً كاملاً فإذا تكلم عن أمر عظيم أو عن أمور عظيمة وهذه الأمور بينها شيء من الترابط فإذا من دلالة إحكام هذا القرآن أن يكون هناك شيء من الترابط بين الآيات التي دخلت تحت مسمى سورة واحدة من سور القرآن.
إذا هذا هو الدليل الأول الذي استند إليه من قال بوجود هذا التناسب بين الآيات وبين السورة الواحدة من أولها إلى آخرها نعم.
نأتي بعد ذلك إلى كلام قد يكون أوضح قليلا فيما يتعلق بكلام أهل العلم في هذا الباب.
قرأ أحد الطلبة:
ويدل على ذلك أيضاً فعل السلف فإن من تأمل كلامهم في التفسير وجد أنهم يعتبرون بمقاصد السور، ولذا قد لا يفهم المرء وجه تفسير السلف حتى يربط بين كلامهم وبين مقصود السورة التي أنزلت من أجله، وسيأتي أمثلة على ذلك.
أكمل الشيخ:
هذا ما يتعلق بتقرير تفسير السلف بكتاب الله عزّ وجلّ ونأخذ الآن في الأمثلة حتى يتضح النقاط، قد يكون الكلام إلى الآن لم يتضح وضوحاً كاملاً ولكن بالأمثلة أرجو أن يكون الكلام أوضح وأتم بالنسبة للمستمع.
قرأ الطالب:
المثال الأول سورة الفاتحة فإن مقصودها أن تجمع علوم القرآن بحيث تكون كالمقدمة لكتاب الله جلّ وعلا والفاتحة لجميع مقاصده وأغراضه ولذا أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب، والسبع المثاني) .
أكمل الشيخ:
إذا جاء خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وهناك أحاديث أخرى أيضا في صحيح مسلم وفى غيره من كتب الحديث وهى أحاديث صحيحة ثابتة هذه الأحاديث أخبرت أن هذه السورة المسماة بسورة الفاتحة هي من تسمياتها أنها أم القرآن ما معني أم القرآن؟ معناها التي تجمع معاني القرآن، الأم في أصلها إنما سميت هذه التسمية في لغة العرب أم بمعني أنها تجمع جامع، تجمع ما يتعلق بشيء من الأشياء فهذه السورة سميت أم القرآن لأنها جامعة لجميع معاني القرآن ولذا أصبحت هذه السورة وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل السور فسورة الفاتحة هي أعظم سور القرآن وهي أفضل هذه السور من أولها إلى آخرها فهذه السورة إنما كانت كذلك لأنها جمعت مقاصد القرآن كله من أوله إلى آخره فعندما تقرأ في هذه السورة يجب أن تعلم ذلك فانظر في مقصد السورة في موضع السورة هي فاتحة وإنما سميت فاتحة أيضاً كذلك إضافة إلى تسميتها بأم القرآن إنما سميت فاتحة من أجل ماذا؟ أنها إيش ؟ افتتح بها القرآن العظيم افتتح بها هذا الكتاب العظيم فسميت فاتحة، ومعني أنها فاتحة يعني تفتح لك كل العلوم التي جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى فكل علم في كتاب الله راجع إلى هذه السورة المسماة بسورة الفاتحة.
فهذا ما يتعلق مثلا بسورة الفاتحة وأن من مقاصدها ومن موضوعها أنها جمعت علوم القرآن من أولها إلى آخرها فمن أراد علم القرآن فلينظر في سورة الفاتحة يجد أن أصول علوم كتاب الله عزّ وجلّ قد جمعت فيها، مثال آخر.
قرأ الطالب:
المثال الثاني سورة البقرة مقصدها والغرض منها يدور حول الضرورات الخمسة وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض هذا هو المقصد الأكبر.
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، الآن سورة البقرة أنت تقرأ في سورة البقرة عندما تقرأ في سورة البقرة وأنت في بالك ما الذي جاءت هذه السورة من أجله فعندئذ تقرأ وأنت تستوعب وتدرك أحكام هذه السورة العظيمة التي جاء فيها بيان لمسائل هي من أهم مسائل هذا الدين هذه السورة جاءت لما يتعلق بالضرورات الخمس وتأمل هذا في كتاب الله عزّ وجلّ تأمله في سورة البقرة الضرورات الخمس التي هي ماذا؟ ضرورات ماذا؟
أولا: أول شيء حفظ ماذا؟ حفظ الدين.
ثانياً: حفظ النفس.
ثالثاً: حفظ العقل.
رابعاً: حفظ المال.
خامساً: حفظ العرض.
نعم فعندنا هذه الضرورات الخمس جاءت سورة البقرة لحفظها وبيانها وتسليط الضوء على أحكامها من أجل أن يتضح الأمر جلياً هؤلاء القارئين لكتاب الله عزّ وجلّ وخصوصاً القارئين لسورة البقرة فيما يتعلق فيما جاءت به هذه السورة ولما تنزلت وما الغرض منها هذه السورة جاءت لحفظ هذه الضرورات الخمس وجاء معها أيضاً ما أشرنا إليه سابقاً فيما يتعلق بالكلام عن ؟
أجاب أحد الطلبة:
في الكلام عن اليهود .
أكمل الشيخ:
في الكلام عن اليهود نعم أحسنت بارك الله فيك، في الكلام عن اليهود وعن كيفية التعامل معهم وعن ما في قلوبهم من الحقد والبغضاء لأهل الإيمان وما يجب على المسلمين تجاه هؤلاء اليهود فإذا هذه السورة تناولت موضوعين الموضوع الأول فيما يتعلق بالضرورات الخمس، والموضوع الثاني فيما يتعلق بمعاملة اليهود الذين هم من أهل الكتاب هذا الأمر فيما يتعلق بأن سورة البقرة جاءت لبيان ما يتعلق بالضرورات الخمس هذا سمعته بنفسي من شيخنا الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله ويقول إني نظرت كثيراً في سورة البقرة وتأملت فيها فمما ظهر لي أن من مقاصد هذه السورة العظيمة ما يتعلق بالضرورات الخمس وحفظ الضرورات الخمس، واضح هذا الكلام، اقرأ المثال الثالث .
قرأ الطالب:
المثال الثالث سورة آل عمران وهي تتمة للضرورات الخمس ففضح للعدو الثاني وهم النصارى.
أكمل الشيخ:
نعم وهذا واضح، تأمل سورة آل عمران أيها المبارك ستجد أن هذا بيّن فيما يتعلق بالضرورات الخمس وفى الكلام عن النصارى بالذات، فضلاً من أن تتأمل اسمها، اسم السورة ما هو؟ سورة آل عمران، فبدأً من مطلع السورة ومن اسمها فأنت تعلم أنها تتحدث عن آل عمران ومن المعلوم أن آل عمران هم ماذا؟ هم من أصل هذه الطائفة وهم النصارى فآل عمران ومريم عليها السلام والكلام عن هذه العائلة المباركة ثم ما حصل بعد ذلك من مولد عيسى عليه السلام ثم نزول الإنجيل وهكذا هذا كله عائد إلى ما يتعلق بدين النصارى.
قرأ الطالب:
المثال الرابع سورة النساء هي تتمة للضرورات الخمس وأضافت مقصودين أضافت فضح المنافقين والكلام عن أحكام النساء .
أكمل الشيخ:
هذا واضح تأملها أيها المبارك تأملها الكلام عن كل مثلاً بما يخصه قد يطيل الكلام قليلاً لكن تأملها بنفسك فستجد هذا ظاهراً بإذن الله نعم.
قرأ الطالب:
المثال الخامس سورة المائدة، ذكر شيخ الإسلام أنها تدور حول الحلال والحرام وبيان الأحكام وحتى القصص التي وردت في هذه السورة لم تأتي للعظة والعبرة وإنما جاءت لاستنباط الأحكام ولم يمكن لهم فهم ذلك أو استنباطه إلا بعد فهم موضوع السورة وأنها نزلت للأحكام.
أكمل الشيخ:
نعم مثلا خذ هذه سورة المائدة، سورة المائدة تعرضت لمسائل الحلال والحرام بل هي من السور الطوال التي جاء فيها بيان المسائل الفقهية فيما يتعلق بأن هذا حلال وهذا حرام بياناً واضحاً شافياً وهو من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا قالت عائشة إن ما نزل في سورة المائدة محكم وليس بمنسوخ، وهذا مما أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها لكن تأمل هذه السورة سورة المائدة جاء فيها أيضاً ذكرٌ لعدد من القصص جاء فيها ذكر لقصة موسى عليه السلام وجاء فيها إخبار عن بعض أحوال الأمم السابقة العجيب في الأمر أن شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله ذكر أن مما يستنبط منه الأحكام في هذه السورة ما يتعلق أيضاً بالقصص الواردة في قصة موسى عليه السلام الواردة في غيرها من القصص الواردة في هذه السورة وذلك لأن هذه السورة من أولها إلى آخرها جاءت أصلاً ومقصوداً فيها بيان الحلال والحرام فعندما يرد شيء مما يخالف هذا في الظاهر فإن الإمام يعمل ذهنه وفكره ويستنبط من هذه القصص ما يتعلق أيضاً بمسائل الحلال والحرام.
هذا أيضاً كذلك مما يعني ذ كره الأئمة رحمهم الله ومنهم شيخ الإسلام بن تيميه فيما يتعلق بسورة المائدة، نعم أكمل.
قرأ الطالب:
المثال السادس سورة الكهف فهي نزلت لتدور حول الابتلاء وبيان أنواعه تارة يكون بالنعم كذي القرنين، وتارة يكون بالنقم كفتية الكهف وبيان ثمرته.
أكمل الشيخ:
نعم هذه السورة عندما تتأمل فيها فإن مما يظهر للمتأمل والعلم عند الله سبحانه وتعالى أنه يقرأ ما يتعلق بالابتلاء فمن مبدأهم مبدأ السورة كان الكلام عن ماذا ؟ عن فتية الكهف وهم فتية آمنوا بالله عزّ وجلّ وكان من ثمرة هذا الإيمان أنهم إيش؟ ابتلوا وطردوا واحتُبِسوا في كهف من الكهوف سنين عدداً فحصل لهم فتنة وابتلاء ثم تنتقل بعد ذلك إلى بقية السور تجد أن هذا الأمر أيضاً جلي وواضح، فتارة يكون الابتلاء بالنعم كما في سورة الكهف في قصة ماذا؟ قصة ذي القرنين فيها ابتلاء بالنعم مكنه الله عزّ وجلّ في هذه الأرض وهيأ له من كل شيء ماذا؟ سببا، جعل له أسباب يستطيع بها أن يصل إلى ما يريد فهيأ الله سبحانه وتعالى لذى القرنين أسباب في المكنة في هذه الأرض فهذا ابتلاء بالنعم وذاك ابتلاء بالنسبة لقصة أصحاب الكهف بالمحن، فإذا هناك تتأمل سورة الكهف تجد أنها من أولها إلى آخرها عبارة عن ابتلاء.
قال أحد الطلبة:
وأيضاً قصة صاحب الجنتين ابتلاء بالنعم أيضاً.
أكمل الشيخ:
نعم قصة صاحب الجنتين ابتلاه الله عزّ وجلّ بماذا؟
أجاب أحد الطلبة:
بالجنة والنعم والخيرات في الجنة فجحد أمر الله وأنكر البعث وكان ممن فُتنوا بهذه النعمة.
أكمل الشيخ:
نعم أحسنت بارك الله فيك، إذاً فأنت تتأمل هذه السورة كذلك حتى في آخرها في قصة يأجوج ومأجوج وما يتعلق بأخبارهم هذا كله من الابتلاء الذي يبتلي الله به عزّ وجلّ في هذه الحياة الدنيا فإذا من أولها إلى آخرها يعني قصة وقعت في أول الزمان بالنسبة لنا حصلت قديماً قصة أصحاب الكهف ثم في آخر الزمان يكون ما يحصل من مأجوج ومأجوج وهكذا الصورة عندما تتأملها تجدها من أولها إلى آخرها تتكلم عن الابتلاء سواء كان بالنعمة أو بالنقمة، عندما تقرأ هذه السورة وأنت تستحضر هذا المعني ستجد أنك تفقه وتفهم من هذه السورة ما لم تكن فهمته من قبل.
قرأ الطالب:
المثال السابع سورة العنكبوت تدور حول الفتنة بشتى أنواعها وصنوفها وهناك شريط سورة العنكبوت للشيخ صالح آل الشيخ فقد بيّن روابط الآيات في هذه السورة.
أكمل الشيخ:
نعم للشيخ كلام جميل جداً حقيقة في شريط سمعته قديماً فيما يتعلق بمقاصد السور وكان مما ضربه مثلاً في هذا الشريط الجيد الجميل القوي في كل شئونه إذا تأملت إلى الاستنباط إلى الفهم إلى المثل الذي ضربه ضرب مثلاً فيما يتعلق بسورة العنكبوت وأن سورة العنكبوت من أولها إلى آخرها مع تنوع المواضيع التي تكلمت عنها ومع تنوع الآيات والأخبار التي جاءت في هذه السورة إلا أن موضوع الابتلاء من أول السورة إلى آخرها تجد أنه ظاهر بين واضح وتأمل السورة كذلك وإن حصل لك أن تستفيد من هذا الشريط ستجد فيه علماً ليس بالقليل أبداً .
قرأ الطالب:
المثال الثامن سورة الصف نزلت لتدور حول الجهاد.
المثال التاسع سورة الفلق نزلت حول إزالة الشرور الظاهرة وكيفية التعوذ منها فكما أن الله جعل النهار يسبق الليل قادر أن يفلق هذه الشرور الظاهرة ويخرج منها الخيرة.
أكمل الشيخ:
بارك الله فيك، الكلام إذاً في سورة الفلق قد تقدم أليس كذلك؟ تكلمنا عن ما يتعلق بسورة الفلق وهذا ظاهر بيّن فتأمل سورة الفلق تجد أنها من أولها إلى آخرها تدور حول إزالة الشرور الظاهرة، كل الشرور لكن خص الله منها عزّ وجلّ في آخرها الشرور الظاهرة في الآيات الأخيرة الثلاث تجد أنها تتكلم عن الشرور الظاهرة ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾[الفلق:1-2]هذا عام، ثم خص سبحانه وتعالى ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾[الفلق:3]الشر المتعلق بالزمان ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾[الفلق:4-5].
الثانية ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾الشرور المتعلقة بالأشخاص ممن فيهم شر .
التي منها الحسد إذا فهذه السورة تتكلم عن الشرور الظاهرة وعن كيفية إزالتها ومن أقوى ما يزيل هذه الشرور الظاهرة ويقشع أثرها ويذهب خطرها ما جاء في هذه السورة العظيمة.
نعم المثال العاشر.
قرأ الطالب:
المثال العاشر سورة الناس حول إزالة الشرور الباطنة وكيفية التعوذ منها وهذه الشرور الباطنة النافذة الاستعاذة برب الناس ملك الناس كلهم.
أكمل الشيخ:
نعم وقد أيضا كذلك سبقت الإشارة إلى ما يتعلق بسورة الناس لأن الله سبحانه وتعالى هو الظاهر من أولها يقول ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ ﴾من شر ماذا ؟ ﴿الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴾[الناس:1-5]
فالكلام كله عن ماذا ؟ عن الوسوسة عن الخنوس وعن هذا الشر الذي يكون خفياً على الإنسان فسورة الناس تعيذ الذي استعاذ بها مما يخافه من الشرور الباطنة الخفية التي تأتي من قبل الشياطين فيما يتعلق بالوسوسة ونحوها نزلت هذه السورة لبيان هذا الأمر العظيم بيان هذا الأمر فإذا سورة الناس في الشرور الباطنة وسورة الفلق في الشرور الظاهرة فإذاً قد أعاذك الله عزّ وجلّ من كل الشرور من أولها إلى آخرها من الشرور الظاهرة بسورة الفلق ومن الشرور الباطنة بسورة الناس لكن هناك شرط لابد منه هو ماذا ؟
أجاب أحد الطلبة:
الاستعاذة .
أكمل الشيخ:
الاستعاذة لكن قبل ذلك عندنا ثلاث سور تتعوذ بها أليس كذلك؟ تتعوذ بثلاث سور فسورة جاءت لإزالة الشرور الظاهرة إن كانت موجودة وسورة جاءت لتخلصك من الشرور الباطنة إن كانت موجودة وهاتان السورتان أيضاًَ كذلك جاءتا لحمايتك من الشرور الظاهرة والباطنة ولكن هذا كله بشرط جاء قبلها وهو ماذا ؟
أجاب أحد الطلبة:
هو تحقيق التوحيد.
أكمل الشيخ:
هو تحقيق التوحيد الذي جاء في أي سورة ؟ سورة قل هو الله أحد سورة الإخلاص.
إذاًَ التعلق بالله سبحانه وتعالى بأنه هو الله أحد ثم بعد ذلك تتعوذ به بعد الإيمان الذي استقر في قلبك فعندئذ ستنزل حماية كاملة حفظ كامل كفاية كاملة من الله سبحانه وتعالى ولن يستطيع أي كائن كائنا من كان ولو أتي إبليس بنفسه لكي يضرك بأمر من الأمور لن يستطيع ولو جمع جنوده في البر والبحر لن يستطيع أن يتعرض لك بشيء.
أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن المرحلة الخامسة بإذن الله .
فاصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل تلفزيونـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
حياكم الله أيها الأحبة مرة أخرى في الكلام عن تفسير كتاب الله سبحانه وتعالى وكان الكلام عن المرحلة الخامسة، ويظهر أن آية سورة هود قرأت المر، والآية كما هو معلوم ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾نواصل ما كنا بدأناه فيما يتعلق بالمرحلة الخامسة والآن نريد أن نصل إلى أمر إذا ظهر لنا من جهة ما يتعلق بأن هناك من السور ما لها موضوع محدد معين وأن هذه السور إذا فُهم معناها فعندئذ يكون هناك ظهور فيما يتعلق بالاستنباط وفهم لكتاب الله عزّ وجلّ وقد ذكرت لك أمثلة من كلام الأئمة رحمهم الله في هذا الشأن وفى هذا الباب لكن نريد أن نعرف ما الوسيلة التي يمكن أن نصل من خلالها إلى ما يتعلق بمقصود السورة وأنا أنبه وأكرر أن هذا الأمر لا ينبغي تتكلف فيه إن جاء هكذا، جاء بنظر في كتاب الله سبحانه وتعالى بذكر لأحد من أهل العلم ونحو ذلك أما التكلف في هذه المرحلة فلا تتعنى لأنه لا يناس أبدا وقد يكون من الجرأة على الغيب الذي نُهينا عنه.
فالآن نريد أن نقف عند ما الطريقة التي من خلالها نستطيع أن نستخرج وأن نستظهر موضوع السورة فلعلنا نقرأ في هذا الأمر.
قرأ الطالب:
كيف يمكن أن نستخرج المقصود العام للسورة وهذا يمكن بإحدى ثلاث وسائل أن ينص العلماء من أهل التحقيق على أن مقصود السورة كذا وكذا كما نصوا على أن مقصود سورة الإخلاص هو العلم الخبري بوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية وأن سورة الكافرون مقصودها هو بيان التوحيد العملي الطلبي وهو المسمى بتوحيد الألوهية.
أكمل الشيخ:
نعم هذا مثل أهل العلم ينصون على هذا وقد نص مثلا بن القيم رحمه الله على هذا الأمر، فنص على أن سورة الإخلاص جاءت في توحيد المتعلق بماذا ؟ بالله عزّ وجلّ ما يجب لله سبحانه وتعالى يعني صفته سبحانه وتعالى ولذا أيضاً ثبت في الصحيح أن الرجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما سأله عن تكرار هذه السورة وقد مر الحديث عنها سابقاً فقال: إنها صفة الرحمن، وإني أحب أن أقرأ بها.
فهذه السورة جاءت في بيان صفة الرب سبحانه وتعالى في بيان الإخلاص له جلّ وعلا في معرفة ما له من العظمة والقدر وما له من أنواع التنزيه والتقديس جلّ في علاه فهذه السورة لها مقصد، عندما ننظر مثلاً إلى سورة أخرى سورة الكافرون فالمقصد هناك مختلف نعم جميعها تتكلم عن التوحيد ولكن هنا الموضوع يختلف والمقصد يغاير المقصد الذي في السورة الأخرى هي متكاملة لكن هذه لها موضوع وتلك لها موضوع، فإذا نظرنا في سورة الكافرون ما الموضوع الذي يمكن أن نقول إن سورة الكافرون تتكلم عنه ؟
أجاب أحد الطلبة:
التوحيد.
أكمل الشيخ:
التوحيد، أي أنواع التوحيد؟
أجاب الطالب:
توحيد الألوهية .
أكمل الشيخ:
الذي هو إيش ؟
أجاب الطالب:
توحيد العبادة.
أكمل الشيخ:
توحيد العبادة الذي هو توحيد ماذا؟ التوحيد الطلبي، يعني العملي ماذا يجب عليك أنت تجاه ربك سبحانه وتعالى أما بالنسبة لسورة الإخلاص فعن ماذا تتكلم؟ توحيد ماذا؟
أجاب أحد الطلبة:
الخبري .
أكمل الشيخ:
الخبري الذي هو ماذا؟ ما يتعلق بإيش ؟
أكمل الشيخ:
بالأسماء والصفات، والكلام عن الخبر عن الله سبحانه وتعالى عن أسمائه عن صفاته، أما بالنسبة لسورة الكافرون فالكلام هنا عن ما يجب عليك أنت تجاه الرب سبحانه وتعالى، واضح الفرق بين السورتين؟ هذه في التوحيد، وتلك في التوحيد لكن هذه في توحيد الإخلاص في التوحيد الخبري في توحيد الأسماء والصفات ولكن تلك في التوحيد العملي الطلبي الذي أنت تتوجه فيه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتوحيد والبراءة من الشرك ونحو ذلك.
قرأ الطالب:
كذلك نصوا أن سورة النحل نزلت في النعم وشكرها، وامتنان الله بها على عبادة.
ثانياً أن يكون موضوع السورة ظاهراً من اسمها أو من أولها أو بهما معاً مثل سورة القيامة من اسمها ومن مطلعها فمقصود السورة هو الكلام عن يوم القيامة لكن عندما تصل إلى قوله تعالى ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾[القيامة:16-17].
فتقول ما علاقة هذه الآيات بموضع السورة ومقصدها، فنقول هذه الآيات لابد لها من رابط بما قبلها وفى هذا إشارة إلى أن مثل هذه السورة لا ينبغي لأي عبد أن يمر عليها مروراً من دون أن يتذكر في هذا اليوم وهو يوم القيامة الذي ورد ذكره في هذه السورة فمن قرأها فلا تعجل بقراءتها.
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، الآن نقف قليلاً مع هذا الأمر فعندما تريد أن تستنبط موضوعاً لسورة من السور انظر مثلاً لسورة القيامة سورة القيامة لما تنظر إلى اسمها فإنك تقرأ مباشرة إيش؟ سورة القيامة، تقرأ في مطلعها فإذا هي تتكلم عن يوم القيامة ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾[القيامة:1]عندما تقرأ في سورة القيامة فيمر بك الكلام كله الآن عن يوم القيامة هذا ظاهر بيّن ويمر بك قول الله سبحانه وتعالى ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾هذه الآيات هل لها تعلق مباشر فيما يتعلق بيوم القيامة هل لها تعلق مباشر بذكر يوم القيامة وأهوال اليوم الآخر تأمل ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾الكلام عن ماذا ؟ عن جمع القرآن وعن نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرك بهذا القرآن لسانه يستعجل به فإذا فهمت مقصود السورة من مبدأها ومن مطلع السورة فعندئذ سيراودك أمر هل هناك ربط بين هذه الآيات وبين موضوع السورة التي تكلمت عنه وهو ما يتعلق بيوم القيامة هل هناك ربط بين هذا وذاك نعم هناك رابط بينهم ما هو هذا الرابط؟ هو الذي أريدك أن تحرك الذهن قليلاً في محاولة الاستنباط والاستنتاج وقد تكلم عن ذلك أهل العلم فانظر إلى قوله سبحانه وتعالى في حديثه مع نبيه ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾هنا هذه الآية عندما جاءت في هذا الموطن في الكلام عن يوم القيامة لا تحرك به لسانك لتعجل به لما نُهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تحريك اللسان على جهة عجلى بكتاب الله سبحانه وتعالى لما نُهي عن ذلك ما السبب؟
أجاب أحد الطلبة:
وكأن الله يريد منا أن نقرأ في هذه المواضع بتأني وتدبر.
أكمل الشيخ:
نعم هو نُهي بدأً صلى الله عليه وسلم لما؟ ما السبب الذي نُهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة القرآن على هذا النحو، هذا الكتاب عظيم جليل فلن يقرأه قارئ مهما كان أن يقرأه على جهة يكون فيه استعجال نوع من العجلة لا ينبغي هذا أبداً حتى وإن كان القارئ من هو محمد صلى الله عليه وسلم ولذا جاء التأديب من الله عزّ وجلّ لهذا النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ بعجلة من أجل ماذا ؟ خوفاً من أن يتفلت القرآن فهو من باب الحرص على تبليغ كتاب الله عزّ وجلّ وعلى تمام هذا التبليغ من دون أن يكون هناك أدنى نقص أو تغيير ونحو ذلك فكان يستعجل صلوات ربي وسلامه عليه حفظاً لكتاب الله وخشية أن يتفلت منه وأن يبلغ كما نزل وأن يكون هناك كتابة مباشرة للتنزيل فكان يحرك اللسان صلوات ربي وسلامه عليه حرصا على تبليغ الكتاب كما أنزل.
فهذا الحرص لا يناسب هذا الحرص مع العجلة لا يناسب مقام القرآن ولذا جاء التأديب من الله سبحانه وتعالى بهذا النهي اللطيف من الله عزّ وجلّ ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ما قصدك يا محمد المقصود أن يبلغ القرآن كما أنزل فجاء الخبر من الله عزّ وجلّ بأن القرآن سيبلغ كما أنزل لما إن علينا جمعه في قلبك وفي صدرك وقرأنه ثم أنك تقرأ للناس وتبلغه ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ﴾فأيش ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾يعني الكلام كله الآن على أن سينزل هذا القرآن على قلبك سيجمع في فؤادك ستبلغه وسيحفظ لك ولن يحصل هناك نقص فالله عزّ وجلّ هو الذي حفظ هذا الكتاب من النقص ومما قد يشوب الكتب الأخرى من الدواخل ونحو ذلك.
إذا أُمن هذا على محمد صلى الله عليه وسلم فالواجب أن تكون القراءة من دون عجله جاء هذا الكلام وهذا الحديث من السورة لأمرٍ وهو ما ذكرته يا إدريس - الطالب - من الكلام عن أن هناك تربية لابد أن نترباها نحن مع كتاب الله عزّ وجلّ خصوصاً في مثل هذه المواطن الكلام الآن عن أمرٍ إيش؟ عن أمرٍ عظيم أمر شديد، الكلام عن يوم القيامة، ويوم القيامة يوم عظيم جليل الذي عظمه هو الله سبحانه وتعالى والذي أخبر عن أهواله هو الله عزّ وجلّ والذي سماه تسميات كثيرة في كل تسمية دلالة على عظمة هذا اليوم أيضا هو الله عزّ وجلّ فسماه تارة إيش؟ القيامة، وسماه تارة ماذا؟ القارعة، وسماه تارة ماذا؟ الحاقة، وسماه أيضاً كذلك الحاقة، وأسماء كثيرة وردت كل اسم هو أشد من الاسم الذي قبله أسماء شديدة جداً لهذا اليوم فالله عزّ وجلّ هنا يتكلم عن يوم القيامة إذا كان الكلام عن يوم القيامة هل يناسب أن تُقرأ السور سريعاً بشكل عجلي لا يجب أن يكون التأني هنا أبلغ وأكثر ويكون التدبر أكبر ولذا جاء هنا لما جاء الحديث عن يوم القيامة جاء الكلام هنا بأنك يا محمد صلى الله عليه وسلم لا تحرك به لسانك لتعجل به خصوصاً في هذه المواطن، ونحن كذلك خصوصاً في مثل هذه المواطن ما يناسب أبداً أن نحرك بالقرآن لساننا على عجل وأن نقرأ القرآن في حال سرعة وهذرمة لكتاب الله سبحانه وتعالى لا، وإنما نتأنى في قراءة كتاب ربنا خصوصاً عندما يكون الكلام عن يوم القيامة فلا تحرك به لسانك أيها المسلم أيها المؤمن لتعجل به، الله قد حفظه وضبطه سبحانه وتعالى وبلغه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم إليك فإياك إياك والعجلة محمد صلى الله عليه وسلم تعجل في بادئ الأمر حرصاً على حفظ هذا القرآن وضبطه وإتقانه وتوثقاً من إملائه كما أنزل عليه وأنت الآن ليس لك عذر مطلقاً، بل قد أزال الله عزّ وجلّ حتى لمحمد صلى الله عليه وسلم فأنت من باب أولى قد حفظ القرآن فإذا قرأت القرآن فلا تعجل ولا تحرك به لسانك سريعاً وإنما خذه شيئاً شيئاً واقرأه حرفاً حرفاً تدبره لتكون قراءتك لمثل هذه السور العظيمة قراءة كما كانت قراءة الفضيل بن عياض قراءة شهية بطيئة حزينة كأنه يخاطب إنساناً هذا الذي ينبغي لك عندما تقرأ مثل هذه السور التي تتكلم عن يوم القيامة واضح المقصود الآن؟
هذا إن أخذناه لما فهمنا موضوع السورة من أولها إلى آخرها تتكلم عن ماذا؟ تتكلم عن يوم القيامة وعما يجري للإنسان بعد الموت مباشرة تأملوا السورة من أولها إلى آخرها هي أبداً حينما ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾[القيامة:29-32]وهكذا كل الكلام عن ما بعد الموت وعن قيام الساعة وعن هذه الأهوال فجاء الكلام إذاًَ في هذا المقطع من السورة ملحقاً بالكلام عن يوم القيامة على نحو يفهمه من فتح الله قلبه لنور كتابه، واضح.
قرأ الطالب:
ثالثاً الاستقراء، والاستقراء يكون نافعاً عند الأصوليين إن كان كاملاً أو أغلبياً أما الاستقراء الجزئي فلا عبرة به وهذا مثله كما في سورة الصف والمتأمل لهذه السورة يعلم أنها نزلت في الجهاد بالسيف والسنان كذلك سورة الماعون بالاستقراء أنها جاءت لمكارم الأخلاق الواجب على المؤمن التحلي بها ومن انتقص شيئاً منها فقد ترك شيئاً من واجبات الدين ومن اتصف بالصفات التي نهت عنها فقد اتصف بصفات الذين يكذبون بيوم الدين.
أكمل الشيخ:
نعم هذه هي الوسائل التي يمكن أن نستعين بها لاستخراج مقصود السورة نعيدها سريعاً عندنا ثلاث وسائل نستخدمها من أجل أن نستنبط موضوع السورة من أجل أن نفهم ما موضوع السورة التي جاءت من أجلها فعندنا الوسيلة الأولى ما هي ؟ الوسيلة الأولى؟
أجاب أحد الطلبة:
وصف المحققين من أهل العلم على ذلك.
أكمل الشيخ:
نعم أن ينص محقق من أهل العلم على ذلك من الأمثلة أن ينص محقق من أهل العلم على هذا الأمر، هل عندكم أمثلة مر بنا أمثلة على هذا، كما نص من مثلا؟
أجاب أحد الطلبة:
كما نص شيخ الإسلام بن تيميه على أن مقصود سورة المائدة أنها تتعلق بالأحكام والأوامر والنواهي.
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، أنها تتكلم عن الحلال والحرام وما يتعلق بذلك هذا جيد وجميل، الوسيلة الثانية ما هي؟
أجاب أحد الطلبة:
أن يكون موضوع السورة ظاهر جلي كأن يكون اسمها مثلا متعلق بموضوع معين وضربنا مثلاً بسورة القيامة من اسمها يدل على موضوعها.
أكمل الشيخ:
أحسنت يعني نظرنا في اسم السورة ثم نظرنا في مبدأ السورة الاسم والمبدأ وختام السورة كلها تتكلم عن موضوع واحد، الوسيلة الثالثة؟
أجاب أحد الطلبة:
الاستقراء الكامل، أما الاستقرار الجزئي فلا عبرة به .
أكمل الشيخ:
نعم الاستقراء الكامل أو الاستقراء الأغلبي كلاهما حجة ولا شك أن الاستقراء الكامل أقوى ولكن أيضاً الاستقراء الأغلبي في مثل هذه المواطن يكفي فعندنا استقراء كامل واستقراء جزئي استقراء كامل واستقراء أغلبي هذا هو المعتبر أما الاستقراء الجزئي فلا عبرة به.
سأل أحد الطلبة:
ما معني كلمة الاستقراء؟
أجاب الشيخ:
الاستقراء أن تأتي في هذا الموطن، دعني أضرب لك مثلا في هذا الموطن أن تأتي إلى سورة من السور تستقرأ هذه السورة آياتها من أولها إلى آخرها فتنظر هي تتكلم عن ماذا فتنظر إذا كانت الآية جميعاً تتكلم عن موضوع محدد معين فعندئذ يكون هذا الاستقراء كامل إذا نظرت في هذه الآيات وجدت أنها لا تتكلم كلياً عن موضوع واحد وإنما أغلبياً أغلب هذه السورة تتكلم عن موضوع واحد فإذاً بقية الآيات بالإمكان أن تتبع لهذه الآيات الغالبة على السورة .
سأل أحد الطلبة:
شيخ هل يمكن أن نقول السياق أو السباق واللحاق ؟
أكمل الشيخ:
لا السباق واللحاق قد يكون جزئياً في عدد من الآيات السباق واللحاق عندما فرقنا بينهم السباق واللحاق قد يكونا في جزء من السورة وهذا هو الفرق بينهما يعني قد يأتينا سباق ولحاق يدل على معني آية من الآيات من دون أن يدل على معني السورة كلها من أولها إلى آخرها لكن الكلام هما عن سورة من أولى آية فيها إلي آخر آية هذا هو الفرق يعني المرحلة الخامسة قريبة من المرحلة الرابعة ولكن الفرق بينهما أن المرحلة الرابعة تتكلم عن آية وقبلها سباق وبعدها لحاق وهذا السباق واللحاق يكون الموضوع فيها واحدا، لكن الآن الكلام على ما هو أوسع من هذا وهو أن تكون السورة من أولها إلى آخرها تتكلم عن موضوع محدد معين تصور سورة المائدة من أولها إلى آخرها سورة طويلة جداً ومع هذا هي من السبع الطوال ومع هذا يقول مثل هذا الإمام أنها تتكلم عن مسائل الحلال والحرام خذ أمثلة كثيرة سورة العنكبوت تتكلم عن الابتلاء ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾[العنكبوت:2]عن الفتنة من أولها كلها عن الفتنة من أولها إلى آخرها وعن فتنة الناس وعن ابتلاء المؤمن وابتلاء الكافر ونحو ذلك تأمل سورة الصف أيضاً من أول آية إلى آخر آية تتكلم عن الجهاد وهذا ظاهر وبيّن وواضح عن الجهاد عموماً، وخذ ما شئت يعني لو تأملت ما سبق من الكلام عن المعوذات تجد هذا ظاهراً في السورة من أولها إلى آخرها أما بالنسبة للسباق واللحاق فيكون في مجموعة الآيات لا يلزم أن يكون في سورة من أولها إلى آخرها واضح، بقي شيء؟
ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة السادسة.
أم أسماء
03-01-09, 10:38 PM
قرأ الطالب:
المرحلة السادسة جمع الآيات التي تتكلم عن موضوع واحد في موضع واحد ويسمى في المصطلح المعاصري بالتفسير الموضوعي وهو الذي ألف فيه الإمام اللغوي الشنقيطي أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن، المقصود بهذه المرحلة أن نأخذ من كل سورة المقطع والغرض لإنزالها ليتضح لك المقصود عند جمعها مع الآيات الأخرى، مثال ذلك المثال الأول ما قصّه الله تعالى من أحوال السماء يوم القيامة أنها تمور موراًَ وأنها تنفطر وأنها تنشق بالغمام وأنها تطوي كطي السجل للكتب إلخ.
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، الآن المرحلة السادسة لو تأملت أيضاً كيف بُنيت لتجد أنها بُنيت على المراحل السابقة لأن الآن انتهينا من الكلمات ثم انتهينا من حروف المعني انتهينا من الجملة الرابعة انتهينا من ماذا؟ من السباق واللحاق، ثم انتهينا من ماذا؟ الخامسة المقصود العام للسورة، إذاً وصلنا إلى السورة بكاملها فإذا فهمنا السورة وموضوع السورة من أوله إلى آخره بقي أن ندرك ما يتعلق بماذا؟ الآيات جميعاً في كتاب الله عزّ وجلّ أن نجمع الآيات التي تكلمت عن موضوع واحد وهذا الجانب من الآيات التي تكلمت عن موضوع واحد يدخل فيه شيء كثير فيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ ويتعلق أيضاً بالمطلق والمقيد ونحو ذلك، لأن الآيات التي تتكلم عن موضوع واحد إذا جمعت فإنها ماذا؟ فإنها يبين بعضها بعضاً.
ونقف عند هذا الحد أيها الأحبة ونواصل بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة أسأل الله عزّ وجلّ لي ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً وإيماناً كاملاً ولساناً ذاكراً وعيناً من خشيته دامعة، اللهم اجمعنا جميعاً في الفردوس الأعلى من الجنة يا ذا الجلال والإكرام. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله صحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أم أسماء
03-01-09, 11:00 PM
تفريغ الدرس السادس والعشرين:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين، حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة، أسأل الله عز وجل أن يجمعنا جميعاً رياض الجنان في مستقر رحمته في جوار حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم كنا في الكلام عن المرحلة السادسة وسنبدأ بإذن الله في هذه المرحلة عوداً نقرأ من أول هذه المرحلة .
قال أحد الطلبة:
المرحلة السادسة جمع الآيات التي تتكلم عن موضوع واحد في موضع واحد ويسمى في المصطلح المعاصر بالتفسير الموضوعي وهو الذي ألف فيه الإمام اللغوي الشنقيطي أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن المقصود من هذه المرحلة أن نأخذ من كل سورة المقطع والغرض من إنزالها ليتضح لك المقصود عند جمعها مع الآيات الأخرى المثال الأول ما قصه الله سبحانه وتعالى من أحوال السماء يوم القيام أنها تمور موراً وأنها تتفطر وأنها تنشق بالغمام وأنها تطوى كطي السجل للكتب إلى آخره فهذه الآيات جميعاً تتكلم عن موضوع واحد وهو السماء لذلك ينبغي له أن يعرف أن هناك أمراً عظيماً في تغاير هذه الألفاظ بعضها مع بعض في موضوع واحد وهو حال السماء في اليوم الآخر .
أجاب الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك الآن تأملوا معي أيها الأحبة عندنا ما يتعلق بجمع الموضوع الواحد في مكان واحد من آيات في كتاب الله عز وجل عندنا آيات كثيرة تكلمت عن موضوع واحد وتفرق هذا الكلام في سور كثيرة من كتاب الله عز وجل هذه الآيات التي تكلمت عن الموضوع المحدد المعين لو جمعت فإنه عندئذٍ ستحلق أن هذا الموضوع قد اكتمل وتم من كتاب الله عز وجل بمعنى أنك عندما تقرأ آية في كتاب الله في أية سورة من السور فإذا هي تتكلم عن موضوع مثلاُ قصة موسى عليه السلام ثم تقرأ في سورة اخرى قصة موسى في سورة ثالثة رابعة خامسة عاشرة وهكذا تكررت كثيراً في القرآن عندما تنظر في هذه القصة وقد تنوع ذكرها في كتاب الله عز وجل ألا يتبين لك أمر جديد ويعني قضية قد تكون تظهر لك فيما سبق فيما يتعلق لو جمعت هذه الآيات من أولها إلى آخرها بلى سيظهر لك وهذا مطلوب لأنك تلحظ كثيراً من السلف عند تفسيرهم لكلام الله عز وجل يجمع هذه الآيات ويفسر هذه الآيات بالآية الأخرى التي وردت في سورة أخرى
وهذا ما يسمى بتفسير القرآن بالقرآن فتجمع الآيات في قصة ما أنت لو جمعت مثلاً قصة موسى في كتاب الله عز وجل ما تبين لك الأمر جلياً (............)موسى عليه السلام كما في سورة القصص إلى كل ما وقع له عليه السلام في كل ما ذكره الله عز وجل من عبر وعظات في هذه القصة إذا لم تجمعها فإنها ستكون مشتتة مفرقة ليست بداخل الوضوح الكامل في ذهنك لكن اجمع هذه الآيات من كتاب الله عز وجل وهو ما يسمى بالتفسير الموضوعي في الاصطلاح المعاصر سيظهر لك الموضوع جلياً جداً وسيتبين لك الأمر
أضرب لك مثلاً الآن ليتضح هذا الأمر بل لتضح هذه القضية بشكل لتكون معه شيئاً من الرغبة في فهم كتاب الله سبحانه وتعالى على هذا النحو كيف يكون هذا الأمر خذ مثلاً ما يتعلق بأحوال السماء في يوم القيامة الله عز وجل تكلم عن السماء في يوم القيامة في موطن واحد فقط ، في مواطن كثيرة جداً أليس كذلك إذاً هذا الكلام عن حال السماء في مواطن كثيرة جداً في كتاب الله عز وجل هل هو لتكرار هذا الوصف فقط أم هناك أمر جديد في كل مرة يتكلم القرآن عن هذه السماء وعن أحوالها في يوم القيامة هناك أمر جديد هناك وصف جديد هناك خبر عن حال هذه السماء يختلف عن الخبر الذي جاء في سورة أخرى هناك ولا شك اختلاف نعم هناك شيء من السرادق في بعض الآيات ولكن أكثر الآيات ليس فيها هذا السرادق وإنما فيها إخبار بصفة أخرى بحال ثانية لهذه السماء وما يقع لها في يوم القيام أضرب لك مثلاً على هذا بعدد من الآيات تكلمت عن حال السماء في يوم القيامة انظر مثلاً إلى قوله جل وعلا في سورة الطور وهو يتكلم عن السماء ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرً﴾[الطور:9].
هذا المور ما هو في لغة العرب عند المفسرين في كلام الصحابة ومن بعدهم (.............)اللغوين ماهو المور في لغة العرب ، هو الاضطراب والحركة الشديدة هذا هو المور وهذا هو التفسير الواضح البين حتى في كلام السلف رضوان الله عيلهم أجمعين ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرً﴾. أي انها تضطرب وتتحرك هذه السماء إذا اضطربت وتحركت وتغيرت أي بدأت في التغير عن حالها الذي كانت عليه في الدنيا هي في هذه الدنيا كيف حال هذا السماء أتراها مضطربة تتغير أم أنها ثابتة مستقرة هي ثابتة مستقرة في هذه الحياة الدنيا في الآخرة تختلف إذاً هناك حركة واضطراب في الآخرة لم تكن في الحياة الدنيا عندما تنظرأيضاً في الآيات الأخرى التي وصفت حال السماء في قوله عز وجل : ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[الذاريات: 47].
في قوله أيضاً عز وجل: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادً﴾[النبأ:12]. أي في هذه الحياة الدنيا ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادً﴾. معنى الشداد أي قوية متينة ولذا قال الله عز وجل في سورة تبارك : ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾[تبارك: 3]. اي أن السماء ليس فيها أي فطور ليس فيها أي انشقاق محكمة متينبة وكما في الآيات الأخرى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾. وبأيد هنا معناها بقوة وليس جمع أيدي هنا مع إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى على وجه يليق به ولكن المقصود هنا هو ذكر القوة أن السماء بنيت بقوة بإحكام فهي متينة محكمة ليس بها فطور ليس بها شقوق سبع طباقاً شداداً عظيمة بخلاف الأصل فيها من التشقق وفيها من الضعف ما فيها هذا هو حال السماء في الدنيا ما حال السماء في الآخرة اختلف الأمر جلياً اختلف ففي الآخرة قال الله عز وجل بدءاً في سورة الطور : ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرً﴾. أي تبدأ في الحركة تبدأ في الاضطراب تبدأ في التغير ثم بعد ذلك أخبر الله عز وجل أن هذا الاضطراب وهذه الحركة يكون بعدها انفطار والانفطار هو بداية الانشقاق النبي صلى الله عليه وسلم قام الليل حتى تفطرت قدماه بمعنى بدأت في التشقق
فالانفطار هو بداية التشقق ثم بعد ذلك عندنا بعد الانفطار عندنا التشقق الكامل الواضح : ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾[الانشقاق: 1]. ﴿وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾[الحاقة:16]. المقصود أن الاخبار عن الانشقاق والتشقق جاء بعد ما يتعلق بالانفطار وهذه حال ثالثة للسماء إذاً في البداية تحركت واضطربت ثم بدأت في الانفطار بداية التشقق ثم انشقت بالفعل ثم بعد ذلك ما يكون في حال هذه السماء أخبر الله عز وجل أيضاً في سورة عم بخبر جديد عن هذه السماء فقال سبحانه وتعالى : ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابً﴾[النبأ: 19].
بعد أن انشقت وبدأت بالتشقق إذا هي الآن ليس مجرد تشقق وإنما هو أمر أعظم من من ذلك بكثير وهو أنها فتحت فأصبحت أبواب أبواب ظاهرة بينة للعيان بل أن سياق هذه الآية يدلك على أن السماء كلها من أولها لأخرها أصبحت ماذا أبواب ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابً﴾. يعني كأن السماء كلها أصبحت أبواب فأنت إذا نظرت إلى السماء في اليوم الآخر بعد هذه البدايات لها إذا هي بعد ذلك كلها من أولها إلى آخرها أبواب أبواب لتنزل الملائكة كما قال الله عز وجل: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلً﴾[الفرقان:25].
تشقق بالغمام الأبيض يفتح السماء استعداداً لنزول ملائكة الله عز وجل إذاً هذه مرحلة من مراحل احوال السماء في يوم القيام عندنا بعد ذلك مرحلة تكلمنا عليها سابقاً وهي ما يتعلق بقوله سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾[الأنبياء:104]. وكما قال سبحانه وتعالى في سورة أخرى في سورة التكوير : ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾[التكوير:11]. وذكرنا معنى كشطت قبل وتكلمنا أن تفسير هذه الآية ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾هو ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾. إذاً هذه الأحوال للسماء بدءاًَ من أنها تضطرب وتتحرك ثم يحصل لها إنفطار ويحصل لها انشقاق يحصل لها بعد التفتح الشديد لهذه السماء ونزول الغمام الأبيض من خللها ثم بعد ذلك ما يحصل أن هذه السماء تطوى كطي السجل للكتب هذه أخبار عظيمة جداً عن أحوال هذه السماء إذا جمعت هذه الأخبار تبين لك ما الذي يحصل للسماء الدنيا في يوم القيام كذلك أخبر الله عز وجل من أحوال هذه أنها تكون وردة كالدهان الآية في سورة الرحمن: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾[الرحمن : 37].
الانشقاق يحصل ثم بعد ذلك تكون السماء وردة كالدهان وردة ذكرنا لكم معناها أنها تكون بلون الورد هي ما يتغير لونها بعد هذه الزرقة أصبحت تميل إلى لون الورد فيها شيء من الحمرة مع اضطراب اللون ليست حمرة قانية صافية وإنما هي حمرة يخالطها ألوان أخرى ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾. الدهان هنا إشارة إلى الدهن معنى أن هذه السماء يكون فيها مع هذه اللون صبغة الزيت يعني فيها كالمهل والمهل هو الزيت المغلي الذي يتقطع في حركته فانظر إلى هذه الحال للسماء تصور الآن السماء التي تراها عندما تكون في يوم القيامة فأنت ترى هذه الحال العظيمة للسماء تجد السماء تضطرب تتحرك تجد أنها بدأت تنفطر ثم تنشق ثم تتفتح تفتحاً عظيماً ثم الغمام الأبيض ينزل من خلل السماء وأنت تنظر إليها ثم يحصل بعد ذلك أن الله سبحانه وتعالى يطوي هذه السماء يقشعها قشعاً جل وعلا ثم أن هذا اللون للسماء يتغير ويضطرب تصبح كالمهل فيها شيء من صبغة الزيت ونحو ذلك هذه الحال للسماء عندما تنظر إليها الآن بنظر فكرك بنظر تأملك بنظر خيالك عندئذٍ توقن ما الذي سيحدث في هذا الموقف العظيم لكن دون جمع هذه الآيات لا يتحقق لك هذا لكن إذا جمعت هذه الآيات في موطن واحد تبين لك ما سيحدث للسماء في اليوم الآخر كذلك اجمع ما سيحصل للجبال أيضاً في اليوم الآخر الله عز وجل أخبر عن الجبال بأحوال عظيمة شديدة جداً فما الذي يحصل للجبال في ذلك الموقف تأمل ما قصه الله عز وجل هل هو خبر واحد لا أخبر عن الجبال بأحوال كثيرة وأخبر عن غير الجبال عن الأرض أيضاً بأحوال كل ذلك من أجل أن تتخيل وأن تتصور وأن تدرك ما الذي سيجري لهذا الكون من أوله لآخره في يوم القيامة وهذا من أعظم ما يجعل الإيمان بالله عز وجل على أعلى ما يكون وعلى أتم ما يكون لأنك عندما أنت نفسك الضعيفة المسكينة ثم تنظر إلى هذه السماء العظيمة التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها كسفاً كل سماء مسيرة خمسمائة سنة كسف كل سماء فقط يعني سمك كل سماء خمسمائة سنة ثم بعد ذلك يحدث لها ما يحدث فأنت يعني ماأنت في هذا الكون العظيم يوم القيامة لست بشيء هذه الجبال العظيمة التي تراها يعني أعلى جبل كما يذكرون ارتفاعه عن سطح الأرض فقط قرابة ثماني كيلو مترات تحت الأرض ثلاثة أضعاف إذا أردنا أن نأخذ حجمه بالكلية عند الثلث فوق الأرض وعندك الثلثان تحت الأرض إذاً كم كيلو تقريباً عظم هذا الجبل اضرب ثمانية في ثلاثة كم أربعة وعشرين كيلو متر ارتفاع هذا الجبل مع ذلك تقرأ في كتاب الله ما الذي سيحدث في هذه الجبال (............)ولا شيء ﴿كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ﴾[القارعة: 5]. بل إنها تسير سيراً ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرً﴾[الطور:10]. لم تصبح شيء لما تتأمل هذا وتتأمل ما يجري يوم القيامة وتتأمل الآيات التي تكلمت عن هذه الأمور يقر في قلبك تعظيم الله سبحانه وتعالى وتعظيم قدرة الله عز وجل الذي فعل بهذه الكائنات العظيمة ما فعل إذاً ما حالك أنت ما موقفك يوم القيامة وأنت ترى هذه الكائنات كيف تطورت كيف تغيرت كيف حصل بها ما حصل معي في هذا فيما يتعلق بجمع الآيات التي تكون موطن واحد في موضع واحد وضربنا مثلاً فيما يتعلق بالسماء الأحوال الكثيرة سنتجاوز هذا لأن الكلام عن الجبال وما يتعلق بها سوف يطول تكلمنا عن السماء وهناك آيات أخرى أحوال الجبال ندع هذا إلى المثال الثاني مباشرة واتمنى من قارئ لكتاب الله عز وجل أن ينظر في أحوال الجبال في كتاب الله تجد عجباً يثير عنده شيء من الخوف من ربه سبحانه وتعالى الذي فعل بهذه الجبال مع عظمها مع كبير حجمها وقوة صلابتها مع ذلك بأمر واحد منه سبحانه وتعالى أصبحت هذه الجبال لاشيء تأمل الآيات الواردة في شأن الجبال اجمعها من كتاب الله عز وجل ستجد عجباً من العجب وستلحظ بيناً إنك عندما تقرأ هذه الآيات من كتاب الله ستلحظ أنك أمام شيء عظيم سيحدث في اليوم الآخر .
سأل أحد الطلبة:
بالنسبة للآيات التي تذكر قصة موسى عليه السلام نجد من كثرتها قد هناك دلالة على أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخاطب رسوله ويقول له أنت ترى حال موسى فاصبر على حالك لقرب قصة موسى من قصة محمد صلى الله عليه وسلم.
أجاب الشيخ:
هذا صحيح عندما تتأمل ما يتعلق ما جرى لموسى مع قومه موسى جرى له مع هؤلاء اليهود شيء عظيم جداً شيء لا يكاد أن يوصف تأمل ما ذكره الله عز وجل من حال هؤلاء اليهود موسى وجد من فرعون ما وجد ووجد من هؤلاء اليهود من قومه ما وجد فعندما يكون هذا مع بني إسرائيل مع اليهود بالنسبة لموسى فلا شك أن هذا يهون على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما وجد وهو بعد ذلك يهون علينا جميعاً ما نجد من أقوامنا نحن من منا وجد كما وجد موسى من قومه بعضنا وللأسف الشديد يواجه أبوه أو أخوه أو أمه أو أحد من أقاربه أو جار له أو صاحبه بكلمة أو شيء من العتاب وقد شيء من الإيذاء له في أمر من أموره أو طرد من البيت أو نحو ذلك في قضية هو كان يقصد منها أمراً دعوياً شرعياً يريد أن يأمر بمعروف أن ينهى عن منكر ثم يواجه بقوة من أحد من أطراف عائلته أو أحد ممن هو قريب منه فعندئذ يحصل ما يحصل من الغضب أحياناً ندم على أنه أقدم على ما أقدم عليه (..............)أحياناً يعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك يترك الدعوة إلى الله عز وجل أو إنه أيضاً كذلك حيناً يريد أن يأخذ الأمر أمر شخصي نفسي فيواجه الأمور بقوة بحزم بشدة فإذا واجهه أبوه مثلاً بكلمة ردها مرة أو مرتين ونحو ذلك وهذا ما ينبغي أبداً إنما واجهك ما واجه الأنبياء عليهم السلام فلاشك أن من هذه القصة قصة محمد صلى الله عليه والسلام لاشك أن هناك من العبر والعظات الكثير الذي ليس بالقليل ابداً.
قال أحد الطلبة:
المثال الثاني في الآيات المتعلقة بالخمر والفرق بينها وبين خمر الآخرة ومراحل تحريمها وأنها مرت بأربع مراحل ولا يكفي الاستدلال بتحريمها بدليل واحد فقط وإنما تجمع الآيات الأخرى ليتبين لك بقية الأوجه التي حرمت الخمر من أجلها فقد يقول لك إنسان إن قوله تعالى : ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾[المائدة: 90].
أجاب الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك نعم تأمل هذه الآية الله عز وجل نهى عن الخمر بقوله سبحانه وتعالى : ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. قد يأتيك إنسان فيقول لك الله عز وجل أمرني بأن أجتنبه شيئاً ما معنى أجتنبه يعني أبتعد عنه قليلاً لم يحرمه كما حرم الميتة ولحم الخنزير قد يقول قائل هذا نتكلم عن هذه المسألة بعد فاصل قصير فابقوا معنا بارك الله فيكم
فـاصـــــــــــــــــــــــــــــــــل تليفـزيـونــــــــــــــــــي
بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله أيها الأخوة مرة أخرى في روضة من رياض الجنة قد كان الكلام سابقاً فيما يتعلق بقوله عز وجل : ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾[المائدة: 90]. جاء النهي بقوله سبحانه وتعالى : ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. عندما تتأمل هذا النهي بقوله عز وجل ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. قد يأتيك قائل وقد قيل لي هذا حصل أن اتصل علي متصل من خارج بلادنا وقال لي أنتم تقولون الخمر فلم حرام ليس بحرام قلت له كيف ليس بحرام فقال أبداً ليس بحرام لأن الله عز وجل إنما قال ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. والحرمة عندما تؤخذ من قوله سبحانه وتعالى حرمت أو حرام عليكم فهذه ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. وهذه حرام وحرمت ففرق بينهما بدليل أن الله فرق بين هذه وتلك قلت له طبعاً لابأس التفريق بين العبارتان وارد ولكن ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. يعني اجتنب واترك قال لا ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. يعني ابتعد عنه قليلاً لو أنك قاربته مرة من مرات لا بأس يعني كأن ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. يعني مش كويس بالعبارة التي يذكرها ونحو ذلك، فحصل كلام في مسألة الخمر وما يتعلق بها ونريد الآن نحن الآن في الكلام عن أي مسألة عن أي مرحلة عن مرحلة جمع الآيات التي تتكلم عن موضوع واحد من جمع الآيات التي تتكلم عن الخمر في القرآن سواء كان الخمر من خمر الدنيا أو من خمر الآخرة يتبين له قطعاً ويقيناً أن الله عز وجل حرم الخمر بل يتبين له ما الحكمة من تحريم الخمر يتبين له بجلاء ما بينه الله عز وجل في القرآن من تحريم الخمر قبل هذا أريد أن أقف قليلاً عند قوله سبحانه وتعالى ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. لأن كثير من الناس يورد مثل هذه الشبهة أو أمثالها في الاعتراض على تحريم أمر ما معلوم من الدين بالضرورة أنه محرم معلوم بإجماع أهل العلم من السلف والخلف أن الخمر حرام بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بإجماع أهل العلم وبالقياس الصحيح وبغير ذلك لكن اريد أن اقف قليلاً مع مثل هذا الإراد الذي يريده حقيقة عدد من المسلمين بسبب ما أورده أهل الاستشراق وما أورده أهل الباطل عليهم في هذا الباب ولذا يخصصون في هذه المسائل ويظنون أن الأمر فيها ليس بالشديد ولا بالعظيم يعني تأمل قول الله عز وجل : ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾. لن أتكلم عن الآية هذه بعينها لكن ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. تأملها في كتاب الله عز وجل المنهيات التي نهى الله عز وجل عنها بقوله ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. ما هي تذكرون شيئاً منها مثل ماذا ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾[الحجرات: 12]. ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾[الاسراء: 32]. أيضاً كذلك ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[الاسراء: 34]. أيضاً كذلك: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾[الحج: 30]. الآن تأمل في أحد يقول أن الرجس من الأوثان منهي عنه نهي بسيط يعني تقاربه مرة الرجس من الأوثان هي الأصنام يعني لو قيل فاجتنبوا في الخمر إنها طيبه ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾. قول الزور حرام أو حلال حرام بإجماع المسلمين أيضاً كذلك النهي عن قربان مال اليتيم ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[الأنعام: 152]. هل أحد يقول ان الاقتراب من مال اليتيم بغير التي هي أحسن حلال من المسلمين هل يقول أحد بهذا أنه حلال أبداً مع أنه لم يأتي في كتاب الله عز وجل النهي عنها بلفظ حرمت انظر أيضاً الزنا أعاذنا الله وإياكم من كل ذلك ﴿وَلَا تَقْرَبُو﴾. هل هناك من يقول أن الزنا حلال لأن الله عز وجل لم ينه بلفظ حرمت لا ولا ينبغي أن يكون هذا أبداً فعندما تتأمل هذه الآيات التي نهي عنه بلفظ اجتنبوه بلفظ لا تقربوا تجد أنها منهيات قد أجمع أهل الإسلام (..............)على أنها محرمة فمن أراد أن يقول أن الخمرة ليست محرمة تحريماً شديداً لأن الله عز وجل لم يحرمها بلفظ التحريم وإنما حرمها ونهى عنها بلفظ ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾فيلزمه أن يقول أن كل هذه المنهيات أيضاً ليست منهيات شديدة وإنما منهيات يسيرة (.........)بأن الزنا كذلك النهي عنه ليس نهياً شديداً وإنما نهي يسير كذلك يقول (.........)أيضاً كذلك ليس منهياً نهياً شديداً كذلك الأوثان والأصنام والأرجاس وقول الزور وغير ذلك كثير يلزمه أن يقول أن هذه المنهيات غير منهي نهياً شديداً وهذا ما قال به أحد من أهل العلم بل من أهل الإسلام لايقولوا به وإنما هو التمسك بحبال الشيطان في هذا الباب هذا الشخص المتصل ذكرت له هذه الآيات قلت له ولو هذه الآيات جاءت بـ ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾﴿وَلَا تَقْرَبُو﴾. إذاً فهل هذه الأمور ليست محرمة تحريماً شديداً في دين الله عز وجل ابحث عن آية واحدة في كتاب الله عز وجل نهت عن هذه الأمور بلفظ حرمت لا تجد أو حرام لا تجد فما كان منه إلا أن وقف وهذا ما أريد منك يا طالب العلم في مثل هذه المسائل يعني لم تجمع الآيات في موطن واحد التي تكلمت عن لفظ الاجتناب والابتعاد يتبين الحقيقة أن لفظ الاجتناب في كتاب الله عز وجل لم يرد قط في مسألة أن تبتعد عنه قليلاً وأن المحرم ليس تحريم شديد لا لفظ الاجتناب إذا جاء في كتاب الله عز وجل فإنما يرد في الأمر المحرم التحريم العظيم الشديد، يبقى هناك سؤال قد يرد عليك أو قد يرد أيضاً في ذهنك انت إذا انتبهت إلى كتاب الله العظيم ويقال لك إنه إذاً لما جاء النهي عن الخمر عن الزنا عن أكل مال اليتيم عن سوء الظن عن قول الزور جاء عنها بهذه الألفاظ وجاء النهي عن الميتة وعن الدم ولحم الخنزير لما يبقى عندك سؤال لكن إنه الإشكال السابق قد زال أليس كذلك الإشكال بأن ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾لم تدل على التحريم الشديد قد زال لأنه قد قرنت بأشياء محرمة باتفاق المسلمين ولا أحد يقول من أهل الإسلام إنها ليست محرمة تحريماً شديداً يبقى فقط سؤال ينبغي أن تجيب عليه لأنه قد يورد عليك ويقال لك إذاً لما جاء النهي عن حرمت في الميتة والدم ولحم الخنزير وبقي النهي في ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾في هذه المسائل تأمل هذا في كتاب الله وهذا ما أريده أن تجمع الآيات من أجله في موطن واحد عندما تجمع الآيات التي فيها النهي ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾وعندما تجمع الآيات التي فيها النهي بحرمت سيتبين لك أمر عجيب وأمر غاية في بيان عظمة هذا القرآن أنت الآن عندما تتأمل هذا الذي ذكرت لك ونهى الله عنه بلفظ ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾تجد أنه هذه الأمور جميعاً مما ترغبه النفس وتتطلبه وترغب في الحصول عليه الله عز وجل نهاك بهذا اللفظ عن الخمر عن الأنصاب عن الأزلام نهاك عن الزنا نهاك عن أكل مال اليتيم جمع المال هذا والناس يحرصون حرصاً شديداً على هذا المال نهاك عن هذه الأمور بهذا اللفظ لما هذه الأمور بطبيعة الإنسان البشري يريدها يرغب فيها له تتطلب يقصدها حريص على أن يحصل بفطرته فجاء النهي عنهابلفظ ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾لأن التحريم هنا لا يكفي وإنما يجب عليك أمران الأمر الأول أن لا تقترفها لأنها حرمت عليك ويجب عليك كذلك أمر آخر وهو أن تباعد عنها عن فاجتنبها لا تقربها أصلاً فإذاً في لفظ ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾﴿وَلَا تَقْرَبُو﴾.في حقيقة الأمر هنا أمران أمر بعدم الوقوع وأمر بالمباعدة ولذا جاء النهي ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾في هذا لكن أنظر في الأشياء التي حرمت بهذا اللفظ بلفظ التحريم ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾[المائدة:3]. هل الميتة الناس تقبل عليها بنفسها لها رغبة فيها الميتة لحم الخنزير بقذارتها النفس السليمة بفطرتها لا تقبل عليه كذلك الدم هل الانسان يرغب في الدم وأن يشربه وأن يأكله إنما يفعل ذلك من كان منكوساً في فطرته فإذاً هذه الأشياء لا تحتاج أن تباعد عنها لأن نفسك البشرية تباعد عنها بطبيعتها فيكفي فيها لفظ ﴿حُرِّمَتْ﴾. لأنها لا تحتاج إلى مباعدة لأن النفس تبتعد عنها بطبيعتها فجاءت ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾( ......)عنها فكفى فيها أن تحرم عليك لأن النفس لا ترغب فيها أما لو جئت إلى الزنا والعياذ بالله جئت إلى أكل المال جئت إلى ما يتعلق بالخمر جئت إلى الأنصاب والأزلام هذه التي تؤكل فيها أموال الناس بالباطل وبعض الأشياء التي تظن أنها تخبرك بالغيب بشيء من الغيب أو نحو ذلك هذه أشياء مرغبة ومحببة إلى النفس فلا يكفي فيها أن لا تقع كما في الميتة والدم ولحم الخنزير وإنما ينبغي لك أن تكون بعيد حتى لا تقع لأنك إن اقتربت قد تقع أيهما أبلغ في النهي الآن حرمت أم فاجتنبوا فاجتنبوه فبين لنا هذا المثل حين جمعنا الآيات جمعنا النهي ﴿فَاجْتَنِبُو﴾هذا اللفظ في القرآن جاء على أي نحو وجمعنا ﴿حُرِّمَتْ﴾جاء في القرآن على أي نحو عندما تجمع هذا مع ذلك يتبين لك أن النهي ﴿فَاجْتَنِبُو﴾أبلغ من النهي ب﴿حُرِّمَتْ﴾. من هذا واضح الكلام .
قال أحد الطلبة:
والآيات التي ذكرت فيها خمر الدنيا ومراحل تحريمها فمنها مثلاً ما غاير بين السكر والرزق الحسن ليبين أن السكر ليس رزقاً حسناً ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[النحل: 67]. ومنها ما نهى عن قربان الصلاة حال السكر فمن أراد أن يشربها فلا يشربها إلا في الليل وفي هذا تضييق لوقت شربها في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾[النساء: 43]. ومنها مادلت على حصول الإثم الكبير بها قال تعالى: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾[البقرة: 219]. ومنها ما صرحت بالتحريم والأمر باجتنابها كما قال تعالى : ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[المائدة: 90]. إلى قوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾[المائدة: 91]. وفي هاتين الآيتين الأخيرتين اشتملت على ثمانية في أدلة على تحريم الخمر.
أجاب الشيخ:
نعم أحسنت بارك الله فيك المقصود هنا لما تجمع هذه الآيات فإنك سيتبين لك المزيد على ما سبق فيتبين لك أوجه كثيرة جداً في تحريم الخمر في القرآن يعني قوله سبحانه وتعالى عن خمر الآخرة: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾[الصافات: 47]. الآن هنا هذه الآية تأمل ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾هذا نفي لماذا ما معنى الغول؟ الغول هو الأخذ بشدة الغول هوفي أصل اللغة الأخذ بشدة بمعنى أن معلوم ان خمر الدنيا تأخذ الانسان بالأمراض فتسبب له أمراض شديدة كأنه تغوله غولاً بمعنى أنها تسبب له من الأمراض التي تقيده في حركته تثبت هذا الجسد عما يراد منه من القوة والنشاط والصحة والعافية فهذه الخمر الدنيا ليست كخمر الآخرة ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾فعندما تنظر في هذه الآية ينفي الله عز وجل عن خمر الآخرة أن فيها غول فإذاً خمر الدنيا فيها غول هذا دليل على تحريمها إذا كان في غول يعني في أخذ شديد للأمراض ونحو ذلك إذا كان فيها هذا فإنه لا يجوز للإنسان العاقل فضلاً عن المسلم أن يعرض نفسه لهذا الغول كذلك ﴿وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾فمعنى ﴿يُنْزَفُونَ﴾هنا نهي عن أي شيء ؟ هي أن هذه الخمر لا تأخذ الإنسان بشدة والأمراض ونحو ذلك وأيضاً كذلك لا تنزف عقل الانسان لا تذهب عقل الانسان لا تنزف هذا العقل لا تذهبه فإذاً هذه الخمر في الدنيا ماذا تفعل بعقل الانسان؟ تذهبه وتفسده وإذا كانت كذلك تذهب عقل الانسان فالإنسان مكلف فإذا ذهب عقله معناها هو بنفسه أذهب التكليف عنه وهذا لا يجوز له ولا أيضاً كذلك ﴿وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾أيضاً كذلك أنه هو يسبب لنفسه إنزاف العقل وكذلك أيضاً بالنسبة لا ﴿يُنْزَفُونَ﴾أنها ليس هناك ما يعرض لهذا الشارب للخمر في الآخرة ليس هناك ما يعرض له من الأشياء التي تجعله يبتعد عن الخمر بل خمر الآخرة كلما شربت منها كلما ازدت رغبة فيها بخلاف خمر الدنيا التي تأخذ الإنسان بأنواع من الأمراض بأنواع من الإنزاف تنزفه قد ذكر أهل الطب في الحديث وذكره قبلهم ابن عباس رضي الله عنهم أن الخمر تسبب للإنسان كثرة الحاجة إلى إخراج الفضلات في ( .....)خصوصاً ما يتعلق بالأشربة ونحو ذلك فهي منزفة له من هنا وهناك لعقله ولجسده ولغير ذلك فعندما تتأمل ما وصف الله عز وجل به خمر الدنيا من جهة أنه وصف خمر الآخرة فأثنى عليه بأشياء ونفى عنه أشياء علم أن هذه الأشياء المنفية عن خمر الآخرة هي ثابتة في خمر الدنيا لأنها ما أصبحت مدح.
لخمر الآخرة وخص خمرة الآخرة بهذا المدح إلا أن خمر الدنيا فيه هذه الأمور فإذاً عندما تتأمل وتجع الآيات التي في الخمر وتتكلم مع عاقل يريد أن يفهم وأن يدرك لا شك أنك ستصل معه إلى (كلمة غير مفهومة)ثابت أن هذه الخمر حرام بكتاب الله عز وجل حرام بالسنة الصحيحة الثابتة حرام بإجماع أهل العلم حرام بالعقل والفطرة السليمة حرام من كل وجه واجمع هذه الآيات تجد أمر جميل وجيد فيما يتعلق بالكلام عن هذه الخمر لأن بعض الناس قد بلي فيه بلاء عظيماً فلا تستطيع أن تنزع منه هذا الأمر إلا بأن تأيته من كل وجه كما فعل القرآن مع المشركين بالنسبة لدين التوحيد جاءهم من كل صوب من كل فوج جاءهم من هنا وهناك من فوقهم ومن أسفل منهم جاءهم من كل وجه من أجل أن يقرر قضية التوحيد لأن مسألة الشرك قد علقت بقلوبهم فاحتاجوا أن يأتيهم الأمر من كل وجه حين تسمع أن شارب الخمر مدمن عليها فما تستطيع أن تقنعه بآية بآيتين بأن تأتيه من كل وجه تأتيه بالآية والحديث والإجماع والسنة والعقل والفطرة ومن كل وجه تأتيه فأنت بحاجة لهذا وهذه طريقة قرآنية ثابته في كتاب الله عز وجل بأن يبذل الداعية ما يستطع من كل وجه حتى يستطيع أن يقنع المخالف بترك هذه المخالفة والامتثال بالأمر الذي جاء عن الله عز وجل واضح ننتقل بعد ذلك إلى المثال الثالث .
قال أحد الطلبة:
المثال الثالث ويمكن أن نمثل بهذا التدرج للشريعة في أحكامها بالجهاد ايضاً فقد مر بمراحل كان في أول الأمر محرماً أي :﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾[النساء: 77]. ثم جاء الإذن به ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾[الحج: 39]. والإذن هنا يدل على أن هناك منعاً صادقاً ثم قتال من يلينا فقط قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[التوبة: 123]. ثم جاء الأمر بالجهاد وقتال الكفار قال تعالى : ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾[البقرة: 191]. ولا يعني ذلك أن هذه الآيات السابقة قد ذهبت من أصل الاستدلال بل هي باقية قد يحتاج إليها في بعض العصور والأزمان.
أجاب الشيخ: نعم هذا هو المقصود عندما مثلاً تجمع الآيات التي وردت في الجهاد فأنظر إلى أول ما جاء في الجهاد في قوله سبحانه تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾[النساء: 77]. هذه الآية فيها أمر ظاهر بين فيما يتعلق بالأمر في كف اليد يعني كف يدك وإياك وإياك والقتال وقد ذكر أبو السعود في تفسيره أنه نزل أكثر من بضع وسبعون آية تنهى عن القتال فتصور أكثر من سبعين آية هذه الآيات جميعها تنهى عن القتال هذا في أول البعثة فعندنا أكثر من سبعين آية في كتاب الله تنهى عن القتال وقد ذكر شيخ الإسلام بن تيمية وكذلك بن القيم وغيرهم من أهل العلم أن كل آية تأمر بالعفو والصفح والأخذ بالحسنة ونحو ذلك أنها تنهى عن القتال لأنها لما أمرت بالعفو والصفح إذاً فلا قتال ولا جهاد وذكروا أيضاً ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾[الكافرون: 6]. لأنه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الكافرون ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾معنى أن هذا الأمر هو المطلوب في شيء آخر بعد لا في هذه المرحلة إنما يؤمر الداعية أن يقول لهؤلاء الذي عارضوا الدعوة وحاربوها أن يقول لهم لكم دينكم ولي دين بدون قتال وبدون جهاد بالسيف ونحو ذلك إذاً هذه المرحلة كانت ثابتة أنها امتدت مدة طويلة جداً من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن انتقل إلى المدينة بل إنه حتى في المدينة مضت سنتان بدون قتال إنما بدأ القتال في السنة الثانية هذه المرحلة لا ينبغي أن تنسخ عندما تجمع الآيات جميعاً في الجهاد لا ينبغي أن تقول هذه المرحلة قد نسخت وانتهت تماماً لا وإنما هي باقية محكمة ولكنها تنزل في حينها فانظر إلى الآية الأخرى التي بعدها أيضاً والتي جاء فيها الإذن: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُو﴾[الحج:39]. هناك إذن في مرحلة يكون فيها الأمر متقارب فما يكون هناك منع ولا أمر إنما إذن ثم جاء الأمر بعد ذلك بالنسبة للجهاد بأن نقاتل الذين يلوننا :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾[التوبة : 123]. بعد ذلك جاء الأمر بقتال الكفار عموماً : ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾[البقرة: 191]. هذا التدرج لا ينبغي أن ينبغي أن لا يغيب عن بالك عندما تجمع الآيات جميعاً فلا ينبغي أن يغيب عن بالك هذا التدرج فتنتبه إلى آخر آية وردت في كتاب الله عز وجل تنزلت في هذا الشأن ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ثم بعد ذلك تقول هذا هو الأمر يجب قتال المشركين حيث وجدناهم وحيث لقيناهم لا وإنما تأخذ بهذا التدرج نقف عند هذا الحد ونكون هنا قد انتهينا من المرحلة السادسة ونبدأ بإذن الله في الحلقة القادمة في المرحلة السابعة أسأل الله عز وجل لي ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
03-01-09, 11:17 PM
تفريغ الدرس السابع والعشرين:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
حياكم الله أيها الأخوة في روضة أخرى من رياض الجنة هذا ثبت في حديث أنس وقد خرج هذا الحديث الإمام أحمد والإمام الترمذي في جامعه ونصه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الله قال ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال : حلق الذكر ) والحديث حسنه الهيثمي وكذلك المنذري وأيضاً الترمذي وجماعة وإسناده لا بأس به، فلما نستفتح هذه الحلقات وهي حلقة من حلقات الذكر فإذاً هي روضة من رياض الجنة بخبر النبي صلى الله عليه وسلم وقد استعمل هذه اللفظة وهذا المصطلح استخدمه أهل العلم كثيراً فلو تأملت كتب العلم في كلامها عن حلق الذكر وفى فضل حلق الذكر لوجدت أن هذا الأثر يورد كثيراً في هذا الباب وكذلك أورده أيضاً ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب وأورده غيره من الأئمة إذا استخدام هذه اللفظة لا بأس بها أولاً لأنها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصف بها حلق الذكر ثم إن أهل العلم قد جروا وهذا مما يؤكد أولاً ثبوت هذا الحديث وأيضاً يؤكد أن استعمال هذه العبارة في مثل هذا الموطن لا بأس به نعم، ندخل في المرحلة السابعة .
سأل أحد الطلبة:
شيخ ذكرتم أن تناسب الآيات والسور فأين يكون موقع البحث عن أسباب النزول ؟
أكمل الشيخ:
أين يكون البحث عن أسباب النزول؟ أحسنت بارك الله فيك، الكلام عن أسباب النزول بل عن أمور أخرى كثيرة لم تذكر في هذه المراحل أولاً ينبغي أن يعلم أن هذه المراحل إنما هي من قبيل التمهيد والتوطئة لما يتعلق بالكتب المصنفة في علوم القرآن، عندنا عدد كبير جداً من علوم القرآن هذه الكتب لا غني عنها أبداً فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عزّ وجلّ وهذا الذي تدرسونه لا يعني أنه يغنيك عن تلك أبداً إنما هي توطئة وتمهيد لكي تستفيد من هذه الكتب بأكبر قدر ممكن، مشكلة كثير من طلبة العلم في هذا الباب أنه يقبل على كتب علوم القرآن على مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية في التفسير على كلام الإمام السيوطي في عدد من كتبه على قواعد منثورة لأهل العلم في هذه الأبواب ولكنه لم يمهد نفسه ولكن يهيئ هذه النفس بأمور تجعل من فهم تلك الكتب أمراً ميسراً واضحاً جلياً بل تجعله يستطيع أن يفهم تلك الكتب فهماً كاملاً فهذا هو المقصود هنا المقصود هنا أن ننتقل من المرحلة الأولية التي فيها توطئة وتهيئة ثم بعد ذلك نكون قد دخلنا في حيز النظر في كتب أهل العلم في الإتقان للإمام السيوطي في البرهان للإمام الزركشي وغير ذلك من الكتب أو أيضاً في مقدمة شيخ الإسلام بن تيميه في علوم التفسير هذا من جهة فليس ما ذكروه بمستغن عنه أبداً وإن ما نذكره لك هو توطئة وتمهيد لتلك الكتب هذه جهة الأمر الآخر أن ما يتعلق بأسباب النزول ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ ما يتعلق بأشياء كثيرة ستجدها في كتب أهل العلم ما يتعلق بأن أولى التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بكلام الصحابة والتابعين ثم بلغة العرب ونحو ذلك من الكلام الذي تجده مسطراً في كتب علوم القرآن هذا الكلام هو مضمن في الحقيقة لهذه القواعد أيضاً كذلك لو تأملتها بشيء من التوسع شيء من البسط فعندما نتكلم مثلاً عن معرفة القواعد والضوابط التي تعين على الترجيح عند اختلاف المفسرين هذه القاعدة يدخل فيها كلام كثير جداً للأئمة رحمهم الله فيما يتعلق بعلوم القرآن فإن كثيراً من هذه القواعد في كتب علوم القرآن تعينك في ماذا ؟ في الترجيح فهي عبارة عن قواعد للترجيح أيضاً انظر إلى القاعدة التي قبلها المرحلة السادسة ذكرت لك ما يتعلق بجمع الآيات التي تكلمت عن موضوع واحد محدد معين هذه الآيات عندما تجمعها تبين لك الناسخ والمنسوخ تبين لك ما يتعلق بأشياء كثيرة حتى تبين لك ما يتعلق بأسباب النزول لأنك إن ضمنت الآيات ثم نظرت في تفسير الآيات وقد اخترنا لك من كتب التفسير تفسير ابن جرير أو تفسير بن كثير أو الدر المنثور عندما تنظر في تفسير هذه الآيات هذه الكتب المصنفة في التفسير بالمأثور قد ذكرت أسباب النزول فإذًا هذه الأمور ستأتي معك تبعاً لهذه القواعد المنثورة ولكنها ستأتي ليس على أنها أصل في الباب وإنما تستفيد منها في معرفة وفهم الآيات وإذا عرفتها كأصل عندئذ تحتاج أن تتوسع بعد هذه القواعد بعد هذه المراحل تكون قد هيئت نفسك للدخول فيما يتعلق بالكتب المصنفة في علوم التفسير وتكون قد أخذتها بعد توطئة بعد تمهيد بعد استعداد علمي لفهم هذه الكتب المصنفة المهمة في هذا الباب ولذا أذكر لك أمراً فيما يتعلق بالنظر في هذه الكتب والدخول في هذا العلم بدون توطئة وتمهيد هو الذي جعل كثيراً من الناس ممن يقرأ هذه الكتب في علوم القرآن لا يشعر بأهميتها فعندك عدد كبير جداً من طلبة العلم درسوا الإتقان مثلاً في علوم القرآن للإمام من ؟ للإمام السيوطي رحمه الله، الإتقان في علوم القرآن عندما كنا نحن نقرأه في الجامعة أو كانوا أيضاً الأخوة كذلك يقرأونه في الجامعة ويتدارسونه هل شعر الإنسان بشيء من فائدة هذه الكتاب في تفسيره لكلام الله عزّ وجلّ ؟ قد يكون الشعور بسيط وليس بالكبير لم؟ لأنه لم يفهم هذه القواعد على وجهها ولم يفهم كيف يطبقها على كتاب الله سبحانه وتعالى وهذا الأمر الذي لا نريده نريد أن تستعد وأن تتهيأ عندما تقبل على هذه الكتب تكون عندك من الآلة تكون عندك من التهيئة ما تستطيع به بإذن الله عزّ وجلّ أن تفهم هذه الكتب فهماً جلياً واضحاً بيناً وإلا فمقدمة شيخ الإسلام بن تيميه في علوم التفسير جليلة لكنها لم يتعرض لكل مسائل التفسير كتاب البرهان للزركشي في علوم القرآن أيضاً جليل ولكنه أيضاً لم يتعرض لكل شيء وأنت عندما تقرأ في البرهان مثلاً لن تستطيع أن تستوعب منه ما كتبه ذاك الإمام إلا إذا كان عندك من المقدمات ما يهيئك لفهم هذه الكتب واضح الكلام؟ إذا لا نستغني عن هذه الكتب أبداً وإنما هنا فيه إشارات وفيه أبواب وفيها مفاتيح تهيئ لكل شيء مما يتعلق بهذه الكتب المهمة الجليلة التي صنفها أئمة أهل العلم ممن كتب في تفسير كتاب الله عزّ وجلّ، نعم ندخل في المرحلة السابعة اقرأ.
قرأ الطالب:
بسم الله الرحمن الرحيم المرحلة السابعة معرفة القواعد والضوابط التي تعين على الترجيح عند اختلاف المفسرين فأولاً ينبغي أن يعلم أن الاختلاف عند الأئمة في التفسير أقل منه في سائر العلوم فإن الناظر في كتب المفسرين يدرك إدراكاً بيناً أن اختلاف السلف في تأويلهم لكتاب الله ليس كاختلافهم في سائر الحلال والحرام بل هو دون ذلك بكثير وأكثر ما وقع من الاختلاف عند السلف هو من قبيل اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد كما قرره ابن حزم رحمه الله وتبعه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم وابن رجب وغيرهم كثير من أئمة السلف وذلك راجع إلى أن هذا الكتاب محكم بين ظاهر فيما يدل عليه كما قال تعالى ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴾[البقرة:2].
وقال: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾[هود:1].
ومما يدل على ذلك أيضاً أنه قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[النحل:44].
فهو مأمور بالبيان ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم أن يتخلف عما أمر به ومع ذلك فإن تفسيره صلى الله عليه وسلم للفظ القرآن قليل أيضاً فإذا تقرر هذا فإن أكثر الخلاف في التفسير إما وقع من المتأخرين من السلف وكثرة الخلاف عند المتأخرين تعود إلى أسباب.
أكمل الشيخ:
نعم هذه المقدمة فيما يتعلق بالخلاف عند المفسرين إذا أردنا أن نعرف القواعد والضوابط التي تعين على معرفة الراجح عند اختلاف المفسرين يجب أن نعلم أن هذا الاختلاف عند المفسرين رحمهم الله ليس بالكثير أبداً الاختلاف عند المفسرين قليل جداً إذا ما قورن بالاختلاف عند أهل الفقه مثلاً أو عند أهل الأصول أو عند أيضاً كذلك أهل الحديث فالاختلاف عند المفسرين قليل إذا ما قورن بغيره خصوصاً فيما يتعلق بتفسير السلف يعني تفسير الأئمة الأوائل رحمهم الله الخلاف بينهم قليل وإن ما جرى الخلاف عند المتأخرين وتوسع لأمور ستسمع بعضها ولكن أريدك أن تنتبه لقضية وهي أن الله عزّ وجلّ أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نُزِّل إليهم لأن الله عزّ وجلّ قال عن نبيه ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ فهذا أمر من الله عزّ وجلّ بأن يبين للناس ما نُزِّل إليهم، النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا عنه من تفسيره لكتاب الله عزّ وجلّ لم يأتِ عنه إلا أحاديث قليلة في تفسير هذا الكتاب العظيم يعني تفسيره للفظ القرآن وإن كان فعله صلى الله عليه وسلم من أوله إلى آخره حياته صلوات ربي وسلامه عليه من أولها إلى آخرها إنما هي تفسير لكتاب الله ولكن الكلام الآن عن التفسير اللفظي أن يفسر القرآن بلفظه لم يأتي كثير في السنة في تفسيره لكلام الله عزّ وجلّ وذلك لأن هذا القرآن في أصله ماذا واضح وظاهر بيّن فمن يقرأه وهو يتكلم بلسان عربي مبين سيفهم هذا الكلام فلا حاجة إلى تفسير الواضح وتبيين البيّن وإنما الحاجة لتبين ما لم يتضح فعندئذ لم يكن الكلام منه صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن كثيراً كذلك بالنسبة للصحابة وإن كان الأمر أكثر لكن أيضاً لم يكن بالكثير كما هو الحال عند المتأخرين إذاًَ القرآن في أصله واضح ولذا قل الخلاف جداً عند السلف رحمهم الله في تفسيرهم لكلام الله عزّ وجلّ وهذه القضية يجب أن تنتبه لها لأنك تتعامل مع كتاب الله عزّ وجلّ وجل فإذا كنت على يقين بأن أكثر ما جاء من الآيات إنما هي محل إجماع في تفسيرها وتأويلها فعندئذ يكون في نفسك نوع طمأنينة نوع ثقة بالاستفادة من كلام أهل العلم في تفسيرهم لكلام الله عزّ وجلّ بحيث أن المسائل المختلف فيها قليلة إذاً فالبقية هي محل ماذا ؟ هي محل المختلف فيه قليل فالبقية تكون محل ماذا ؟ اتفاق، محل إجماع منهم رحمهم الله إذاً عندما تقرأ كتاب الله وتعلم أن الاختلاف في تأويل كتاب الله قليل يطمئن النفس تطمئن هذه النفس وترتاح إلى أن تتعلم كتاب الله وأن تتفقه فيه وتتفرغ لمسألة الاستنباط والبيان والإيضاح ومزيد إخراج المعاني اللطيفة والجميلة من كتاب الله سبحانه وتعالى أما مسألة الاختلاف فالحمد لله فهي قليلة، نعم هناك اختلاف موجود ولكنه قليل جداً إذا ما قورن باختلاف الفقهاء واختلاف المحدثين أو اختلاف اللغويين كذلك، هذه هي التوطئة والتمهيد الذي لابد منه قبل الخوض فيما يتعلق بالقواعد المرجحة عن المفسرين.
قرأ الطالب:
أولاً ضعف الآلات التي تعين على فهم القرآن في اللغة والنحو والبلاغة وسائر علوم اللسان وكذلك ضعف ما يتعلق بالأصول التي يستعين بها المرء على فهم آيات الكتاب كأصول الفقه وأصول الحديث ونحو ذلك.
أكمل الشيخ:
نعم هذا هو الأمر الأول الذي حقيقة تلحظه بيّن في كثير من المتأخرين عندما يتعرض لكلام الله عزّ وجلّ في تفسيره فهذه الآلات حينا تكون ضعيفة لا تكون قوية فعندئذ يكون نظره في كلام الله عزّ وجلّ بل نظره في كلام السلف في كلام الأئمة المحققين في هذا الباب ليس نظراً كاملاً وافيا وإنماً يكون نظره فيه ضعف فيه قصور فعندئذ يخالف فلا يعجبه كلام من تقدمه ولا يرتاح إليه ولا يطمئن فيأتي بمخالفة لهذا القول لكلام من تقدمه من أهل العلم فيحصل هنا خلاف يأتيه الآخر فيخالفه لأن نظر هذا يختلف عن نظر ذاك فإذا تقرر هذا حصل عندئذ خلاف كبير جداً فيما يتعلق بتفسير الآيات ولذا تلحظ أن كتب التفسير المتأخرة فيها خلاف واسع بينما تجد أن كتب التفسير المتقدمة لا تجد فيها هذا الخلاف الذي يسمى بخلاف التضاد أو الخلاف الذي فيه تعارض بين الأقوال بينما عند كثير من المتأخرين تجد هذا ظاهر وهذا هو السبب الأول وهناك سبب آخر لابد وأن ننتبه له جيداً لأنه له أكثر كبير فيما يتعلق بالفهم الخاطئ لتفسير كثير من آيات كتاب الله عزّ وجلّ، أقر.
قرأ الطالب:
ثانياً أن كثيراً من كتب المفسرين عند المتأخرين لم يكن على جادة السلف في علوم الكتاب والسنة بل كانوا في علوم الاعتقاد على طريقة أهل البدع سواء كان ذلك من الابتداع فيما يتعلق بتوحيد الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات أو كان ذلك في غير مسائل الاعتقاد كبدعة التقليد والتمذهب من غير نظر في الدليل أو الحجة التي أخذ منها هذا القول ولذا نشأت أقوال في السلف لم تأتي عن السلف رحمهم الله بسبب تعصب المفسر لعقيدته أو مذهبه أو لشيخه أو لفنه الذي يتقنه ونحو ذلك.
أكمل الشيخ:
نعم، ولذا نشأت أقوال في التفسير لم تأتي عن السلف رحمهم الله سبب هذه الأقوال هو حيناً أن يكون هناك خلاف في الاعتقاد فعندنا المفسر وهو يريد أن يفسر عقيدة وظنها أنها الحق فأخذ يفسر كتاب الله عزّ وجلّ وقد بنى هذا التفسير على ما اعتقد فأخذ يئول كتاب الله سبحانه وتعالى يحمله على محامل وإن كانت بعيدة يدعى المجاز البعيد يأتي بقرائن كثيرة جداً يريد أن يؤول هذه الآية لتتوافق مع ما كان قد اعتقده قبل هذه الآية فلذا يحصل الخلاف حيناً يكون أيضاً ليس لخلاف عقدي وإنما يكون لخلاف فقهي فيأتي متمذهب بمذهب من المذاهب مذهب الحنفية المالكية الشافعية الحنابلة وغير ذلك من المذاهب فيريد أن يفسر كتاب الله عزّ وجلّ ليوافق هذا الموطن من كتاب الله ما اعتقده هو من القول في هذه المسألة فعنده راجح في هذه المسألة بناه على تمذهبه بمذهب محدد معين فيقول بهذا القول فإذا جاءت الآية أراد أن يفسر الآية لكي توافق ما ذهب إليه وما اختاره وما ارتضاه من المذاهب وهذا الأمر كثير أيضاًَ كذلك في كتب التفسير وهي في أكثر كتب التفسير التي تأثرت بنوعين من البدعة إما أن يكون هذا الابتداع يتعلق بالعقيدة بالتوحيد فيريد أن يفسر القرآن تفسيراً يوافق مذهبه وعقيدته وإما أن يكون بالبدعة الأخرى وهي بدعة التعصب الممقوت الشديد الذي يتعصب فيه الإنسان لقول إنسان كائناً من كان من الناس ثم يأخذ يفسر الآيات ويئول أيضاً كذلك الأحاديث التي جاءت في هذا المعني من أجل أن توافق مذهبه فتلحظ هذا حقيقة في كتب الأحكام كتب أحكام القرآن وهي كثيرة التي صنفت في أحكام القرآن سواء كانت مصنفاً في المذهب الحنفي في المذهب المالكي في المذهب الشافعي في المذهب الحنبلي تجد أن من تعصب لهذه المذاهب إذا أراد أن يفسر آيات الأحكام في كتاب الله سبحانه وتعالى تجد أنه يلوي عنق هذه الآيات لتوافق ما ذهب إليه هو فينتبه لهذا وتجده أيضاً عن بعض المفسرين الذين امتلئوا ببعض العقائد المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة فيحرف الآيات ويريد أن يجعل الآية إلا أن تدل على هذا المعني وهي أبعد ما تكون عن ذلك فينتبه لهذين النوعين من كتب التفسير حتى لا تؤثر على القارئ في فهمه للآية التي يطلع على كلام المفسرين فيها.
قرأ الطالب:
ثالثاً قلة الاطلاع على تفاسير السلف ومعرفة ما يثبت منها وما لا يثبت وهذا الباب الناس فيه على طرفي نقيض منهم يهمل الأسانيد إهمالاً كلياً فلا يعتد بها في الآثار المروية عن السلف ومنهم من يبالغ في ذلك حتى أنه يعامل ما جاء من الآثار في أبواب السلف كمعاملة ما أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الحلال والحرام وهذا وذاك كلاهما خطأ في فهم منهج السلف.
أكمل الشيخ:
أحسنت يا بارك الله فيك، سنواصل بإذن الله بعد فاصل قصير ثم نعود إلى استكمال النقطة الثالثة التي تتعلق بأسباب حصول الخطأ في التفسير عند كثير من المتأخرين.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين حياكم الله أيها الأحبة مرة أخرى كنا في الكلام عن أسباب حدوث الخطأ في كثير من كتب المتأخرين ووقفنا عند السبب الثالث، نواصل ما كنا قرأناه نعم اقرأ.
قرأ الطالب:
المنهج الحق بين هذا وذاك هو أن الأسانيد التالفة المكذوبة الموضوعة التي تُروى بها هذه الآثار لا يعتد بها مطلقاً أما ما كان صحيحاً أو حسناً أو ضعفه يسير لضعف الراوي أو إرسال أو نحو ذلك من أسباب الضعف فإن الأصل في مثل هذه المرويات أن تقبل وأن يعتد بها ما لم يكن في متنه نكارة أو شذوذ فعندها لا ينظر في هذا المتن مطلقاً ولا يعتد به في حال من الأحوال بل لو جاءنا أثر ظاهره الصحة وفى متنه نكارة فأنه لا يقبل بل يضعفه الإسناد ويرد على من رواه وهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة من المتقدمين والمتأخرين رحمهم الله ومثال ذلك أسانيد تفسير ابن جرير الطبري لو تعاملنا معها كتعامل أهل الحديث مع كتب الحديث لرددنا أكثرها لكن أهل العلم تقلبوا كتابه وما فيه من الأسانيد وقد ذكر الإمام أحمد أن ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير ومن نُقل عنه جواز التساهل في ذلك عبد الرحمن بن مهدي فإنه قال لو روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب تساهلنا وقال الإمام أحمد الأحاديث في الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجئ شيء فيه حكم.
أكمل الشيخ:
أحسنت يا بارك الله فيك، نعم هذه المسألة أيها الأحبة من أهم ما يكون لطالب علم التفسير وعلم الحديث في آن واحد فالآن أنت مفسر تريد أن تتعرض للتفسير عندك أسانيد تُروى بها تفاسير السلف رحمهم الله فكيف تتعامل مع هذه الأسانيد التي تُروى في كتب التفسير عندنا أسانيد تُروى في كتب التفسير وهذه الأسانيد قد تعامل معها أهل الحديث تعاملاً خاصاً مختص بالأسانيد المروية في كتب التفسير هناك من الناس من يتعامل مع هذه الأسانيد المروية في كتب التفسير، كن معي سندخل الآن في مسألة يعني مسألة دقيقة جداً تتعلق بعلم الحديث ولها علاقة بعلم التفسير وتستطيع أن تقول على عكس هذا الكلام مسألة دقيقة جداً تتعلق بعلم التفسير ولها علاقة بعلم الحديث فهي من هنا وهناك الكلام في هذه المسائل يأتي على طرفين هناك من يقول بأن الأسانيد التي في كتب التفسير يتعامل معها كالأسانيد التي في كتب الحديث ورُوي بها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيريد أن يعامل الأسانيد المروية في كتب التفسير كما يتعامل مع الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث المختصة بالحلال والحرام ونحو ذلك فينظر مثلاً في سنن أبي داود في أسانيده في تحقيق الكلام في صحة الحديث من ضعفه كما أنه ينظر نفس النظر في تفسير ابن جرير الطبري في تفسير ابن كثير في تفسير البغوي في كل التفاسير التي تنقل الأحاديث وتنقل الآثار بالإسناد وهذا مما لا ينبغي أبداً فإن أهل الحديث وهم أهل الحديث الذين أخذ عنهم الاصطلاح وأخذ عنهم علم الحديث أصلاً أخذ عنهم لم يتعاملوا مع كتب التفسير كما يتعاملوا هم مع كتب الحلال والحرام مع الكتب المروية بالأسانيد التي فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يُروى فيه حلال وحرام بل جعلوا لهذه شأن وقدر وجعلوا لتلك شأن وقدر آخر فإذا ما يتعلق بالأسانيد المروية في كتب التفسير كان أهل الحديث يتساهلون فيها هذا وجه يتساهلون فيها ولا يشددون بل إن نظرهم غالباً ما ينصب على المتن فإن كان المتن مستقيم وليس فيه نكارة وليس فيه مخالفة لظاهر الآية والآثار الأخرى التي تُروي في نفس الباب جاءت متوافقة معها فعندئذ أهل الحديث يقبلون هذا الإسناد الذي رُوي فيه هذا المتن لتوافقه مع دلالة الآية لتوافقه مع بقية الآثار ليس فيه مخالفة ليس فيه نكارة ليس فيه شذوذ فيقبلونه و يتحملونه وإن كان في الإسناد ضعف يسير إن كان في الإسناد جهالة يسيرة إن كان في الإسناد إرسال أو انقطاع يسير ونحو ذلك فإنهم يتحملون هذا ولا يشددون في ذلك كما نقل الكلام عن الإمام أحمد رحمه الله وهذا بيّن ظاهر في نقول أهل الحديث في كتب التفسير التي صنفوها رحمهم الله فإن ابن جرير من أئمة التفاسير الأكابر وهو أيضاً من علماء الحديث الأكابر وقد اختار لتفسيره أسانيد قوية عنده صالحة لما يتعلق بالتفسير فهو إمام في الحديث إمام في التفسير فانتقى من الأسانيد ما ضمنه هذا التفسير العظيم وقبل بعض أهل الحديث منه هذا وما زالوا يروون هذا الكتاب ويعظمونه ويجلونه بل إنهم يعدون هذا الكتاب من أعظم ما صنف في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى وانظر إلى غيره أيضاً ممن صنف في كتب التفسير من أهل الحديث انظر إلى ابن أبى حاتم و من المعلوم أن تفسير ابن أبى حاتم هو من أنظف الكتب التي رُويت فيها الأسانيد بالآثار التي فسر التابعون فيها آيات الكتاب العزيز وذلك أن هذا الإمام وهو ابن أبي حاتم رحمه الله جاء ليجمع الآثار القوية المتينة التي ليس فيها مخالفة ولا شذوذ ولا نكارة في كتاب واحد فجمع هذا الكتاب العظيم، الكتاب من المعلوم فُقد منه ما فُقد وجد منه قطعة وقد طبع منه جزء والبقية منه مخطوط لكن فيه جزء كبير منه لم يعثر عليه إلى الآن لكن محل الشاهد هنا أن أهل الحديث عندما يتعاملون مع تفسير ابن أبى حاتم يتعاملون معه وكأنهم يتعاملون مع كتاب صحيح في جمع الآثار التي فسر بها التابعون آيات الكتاب، كيف هذا ؟
انظر إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يتكلم عن تفسير بن أبى حاتم إذا أراد أن يتكلم عن تفسير ابن أبى حاتم يقول ماذا؟ قال : ابن أبي حاتم في صحيحه هكذا عبارته رحمه الله ابن القيم لا يكاد يذكر تفسير ابن أبي حاتم إلا ويقول: قال ابن أبى حاتم في صحيحه ويقصد في تفسيره فهم يصفون هذا الكتاب بأنه ماذا ؟ بأنه صحيح ويجعلون هذا الوصف ثابتاً لهذا الكتاب لم؟ لأجل أن هذا الكتاب وإن وجدت فيه بعض الأحاديث أو بعض الآثار المنقطعة بعض الآثار التي فيها جهالة في الرجال إلا أن في جملة ما رُوي في هذه الكتب من الآثار أنها مستقيمة سليمة ليس فيها شذوذ ليس فيها نكارة ليس فيها ما يستغرب وإنما هي موافقة لمعاني الآيات موافقة لما جاء عن السلف رضوان الله عليهم أجمعين في تفسير هذه الآية ولذا في التفسير يخففون في الشرط ولا يتشددون في هذا الباب كثيراً هذا كان ديدنهم وهذه هي طريقتهم ويعني من شدد في هذا الباب كما هو حال بعض المعاصرين أجحف فيما يتعلق بالآثار المروية في التفسير ولذا تجد أنه يحقق مثلاً كتاب في التفسير ككتاب مثلا ابن كثير أو كذلك غيره من الكتب تجد أنه في الأغلب إذا مر على هذه الأحاديث الآثار المروية يقول لك الإسناد ضعيف الإسناد ضعيف الإسناد ضعيف الإسناد منقطع يا أخي الفاضل ليس الأمر على النفي أبداً ليس الأمر على هذا النحو في التعامل مع هذه الكتب مطلقاً هذه الآثار هي التي اعتمدها أهل العلم في تفسير كلام الله عزّ وجلّ وإذا أردنا أن نسقطها سنسقط جملة كبيرة جداً من الآثار المروية في كتب التفسير وهذا لا ينبغي مطلقاًَ يعني سنترك كثير مما جاء عن السلف في تفسير كلام الله من أجل هذا العمل وهذا لم يكن منهم تأمل كلام الأئمة المحققين رحمهم الله في تفسيرهم لكلام الله كيف كان وكيف يكون إنما كان على هذا النحو انظر إلى المحققين منهم كيف ساروا مع هذه الكتب كيف تعاملوا معها أنت أيضاً أيها المبارك سر على طريقتهم أما أن تأخذ القواعد التي أصلها أهل الحديث لأجل التعامل مع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسائل الحلال والحرام في مسائل الاعتقاد ونحو ذلك ستأخذ هذه القواعد تريد أن تطبقها على الآثار المروية في التفسير فإن هذا فيه غبن لهذه الآثار وفيه ظلم لها وفيه عدم حسن تعامل معها وأهل الحديث الذين صنفوا وقعدوا في هذه المسائل هم الذين أيضاً تعاملوا أيضاً مع هذه الأسانيد وهذه المرويات على نحو آخر وهذا ليس بخاص فيما يتعلق بالحديث والتفسير ، لا حتى فيما يتعلق ببقية العلوم فعند المفسرين أولاً أسانيد مقبولة ليست مقبولة عند أهل الحديث يقبلها أهل الحديث في التفسير ولا يقبلونها في الحديث لأنها أسانيد قد نُقلت بها الآثار وقبلها الأئمة رحمهم الله في نقل الأخبار في هذا الشأن عن التابعين عن أتباع التابعين بل أيضاً عن الصحابة ولن يقبلوها في الحديث لأنهم رأوا أن هذه الأسانيد لم تبلغ من القوة ما يصحح به الحديث إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصوصاً إذا كان في الحلال والحرام، الكلام في هذه المسألة قد يطول قليلاً ولكن أكتفي بهذا القدر وأرجو أن يكون الكلام واضحاً لأنه قد يلبس وقد يأتيك إنسان فيقول لما لا نتعامل مع هذه الأسانيد كما نتعامل مع تلك الأسانيد بل إن بعضهم قد قرأت هذا قريباً لبعض المصنفين أراد أن يعامل كتب التاريخ كما تعامل أهل الحديث مع كتب الحديث ومن أراد أن يتعامل هذه المعاملة مع كتب التاريخ على طريقة أهل الحديث في كتب الحديث فإنه سيخرج بنتيجة وهو أنه لا يثبت لأمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً من التاريخ أبداً إلا اللهم أقل القليل المروي في الصحيحين وفى غيرها من الكتب التي اختصت بالصحيح ولم ترضَ إلا أعالي الأسانيد ويكون هذه الكتب المصنفة في التاريخ تكون كلها لا معني لها ولا قيمة منها لأجل أن أسانيدها ليست على صنو وليست على قدر الأسانيد المروية في كتب الحديث وهذا ظلم لتلك الكتب وظلم لهذه الفنون بل إن الله عزّ وجلّ لم يأمرنا بذلك بل أمرنا سبحانه وتعالى أن نجعل لكل شيء قدراً فالأسانيد التي تُروى بها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لها قدر أما الأحاديث التي تروى في فضائل الأعمال ونحوها لها قدر وكذلك ما يتعلق بالآثار لها ليست كقدر الأحاديث المرفوعة وهكذا يعني أنزل كل شيء منزله وكما في الأثر المروي عن عائشة (أنزلوا الناس منازلهم) فكل شيء ينزل في منزلته أما أن تجعل هذا لذاك فكأنك تأتي بثوب مفصل لإنسان كبير يعني الذي يتعامل مع كتب التفسير كتعامله مع كتب الحديث فيما يتعلق بالأسانيد كأنه يأتي بثوب مفصل لإنسان كبير في حجمه ثم يريد أن يلبسه فتى صغير أو أيضاً العكس يأتي بثوب مفصل لإنسان صغير في حجمه في عمره فيريد أن يلبس هذا الثوب لإنسان كبير في حجمه لا لكل فن لبوس خاص به ولكل طائفة تعامل مع هذا الفن الذي اختصوا به يجب أن تعطي كل فن حقه وقدره ولا تخلط بين الفنون فلا تظلم هذا وذاك ولا تظلم هذا بذاك ونحن لا نرضى أيضاً كذلك لأهل أصول الفقه أن يتعرضوا لعلم مصطلح الحديث لأنهم لا يفهمون في هذا الباب فيتعرضون من كتب أصول الفقه فيتعرضون لأصول الحديث فيقعدون القواعد ويبنون البناء فيما يتعلق في كيفية التصحيح والتضعيف فتجد عجبا في هذا الباب لا ينتهي تجد في كتب أصول الفقه عجباً لا ينتهي ولا ينقضي مطلقاً وأنت تنظر في كتب أصول الفقه كيف تعاملوا مع أسانيد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك إلا للخوف الذي حصل عند بعض الناس فيما يتعلق بالفنون فحكموا من هذا الفن على ذاك الفن ومن ذاك الفن على هذا الفن فحصل ما حصل في مزج العلوم على صفة لا تنبغي أبداً إنما لكل علم ما يكون مناسباً له ولكل فن ما يكون خاصاً به، واضح الكلام،الآن نبدأ ندخل في مسألة وهي ما يتعلق باختلاف المفسرين من أي نوع هو ونعرض سريعاً حتى ننقضي منها بإذن الله عزّ وجلّ وأتأكد من أنها وصلت بالصورة المرتضاة، أقرأ، والمقصود باختلاف المفسرين
قرأ الطالب:
والمقصود باختلاف المفسرين هو اختلاف التضاد وهو أن يكون القول معارضاً للقول الآخر بحيث لا يمكن أن يجمع بينه وبين القول الثاني لا أن أحد القولين فيه زيادة على الآخر ونحو ذلك فهذا ليس مقصوداً هنا فإن كثيراً من كلام الأئمة أهل السنة فيه زيادة على تفسير أهل السلف فهذا من باب الاستنباط والتدبر والتفكر في آيات الكتاب العزيز وهذا محمود من السلف والخلف وليس هو اختلاف تضاد ولذلك ينبغي أن يعلم أن قول القائل بهذا القول لم يأتي عن السلف في التفسير لا يعني أن هذا التفسير باطلاً ينكر على قائله فهذا ليس بصحيح وإنما ينظر في هذا التفسير فإن كان معارضاً مناقضاً لما جاء عن السلف رد على صاحبه وإن كان تابعاً له مع زيادة دل عليها السياق فإنه يكون مقبولاً بل محموداً يثنى على صاحبه بالعلم والفضل.
أكمل الشيخ:
أحسنت يا بارك الله فيك، لا يعني أن هذا التفسير باطل وهذه المسألة أريدك أن تنتبه إليها قبل أن نختم هذه القاعدة وهي أن المراد باختلاف المفسرين هو ما يتعلق باختلاف ماذا؟ اختلاف إيش ؟ اختلاف التضاد، اختلاف التعارض أما إذا كان الاختلاف مجرد أن المتأخر زاد على المتقدم من دون خلاف بينهم خلاف تعارض فإن هذا ليس بمذموم أبداً وإنما هو ممدوح إذا كان هذا المعني الذي استنبطه صحيحاً فإن هذا يكون ممدوحاً ليس بمذموم أبداً وإنما الذم متى ؟ الذم إذا كان هناك اختلاف تعارض وتناقض وجاء إنسان بقول متأخر فيه مخالفه لكل من تقدمه من أهل العلم ومعارضة لهم يريد أن يفسر الآية على جهة يكون فيها إبطال للتفسير السابق مع إجماع أهل العلم على ذاك التفسير أو على تفسير لا يوافق هذا التفسير الحادث هذا هو المقصود أما أن يأتي بزيادة يأتي باستنباط يأتي بفائدة يأتي بأمر مستحسن ومعنى لطيف من كلام كتاب الله عزّ وجلّ يستنبطه من الآيات فإن هذا لا إشكال فيه ولذا لما تتأمل في كتب أهل العلم تجد هذا كثير جداً يعني تأمله مثلاً في تفسير التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور تجد أنه استنبط أشياء كثيرة جداً لم يسبق إليها أبداً وهي جملية عند أهل العلم ممدوحة ليست بمذمومة لأنه ليس هناك تعارض بينها وبين ما يذكره هو وإنما هي موافقة لما جاء عما تقدمه من أهل العلم انظر مثلا إلى ما سطره ابن القيم أيضاً كذلك في كتابه الفوائد تجد أشياء جميلة غاية في الجمال والروعة يرتاح إليها الناظر ويأنس بها المتأمل لما؟ لأنها موافقة ليست مخالفة وإنما فيها زيادة في الاستنباط زيادة في الدلالة وهذا كثير جداً في كلام أهل العلم إذاً المعارضة التي ينهي عنها والاختلاف الذي يحتاج إلى ترجيح هو الاختلاف الذي فيه تضاد فيه تعارض أما الاختلاف الذي مجرد زيادة خلاف تنوع زيادة في المعني استنباط تفقه تأمل تفكر تدبر فهذا مما لا إشكال فيه عند الأئمة رحمهم الله لا من تقدم ولا أيضاً من تأخر، نعم نريد أن نعرض الآن إلى قضية مهمة في هذه القاعدة وهي ما يتعلق بالقواعد القاعدة الآن معنا عندنا مرحلة سابعة تضم معني وهو أن عندنا أقوال في كتب التفسير حصل فيها خلاف بين المفسرين فنحتاج إلى قرائن إلى قواعد ترجح عند اختلاف المفسرين فنريد أن نتكلم عما يتعلق بهذه القواعد التي تعينك على الترجيح عند اختلاف المفسرين ترجح قولاً على قول نتكلم سريعاً عن هذه المسألة ثم نعود بإذن الله عزّ وجلّ إلى فتح باب الأسئلة.
قرأ الطالب:
القواعد، القواعد كثيرة تصل إلى مائة قاعدة وقد صنفت في ذلك رسائل جامعية منها:
قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور/ حسين بن على بن الحسين الحربي وهناك كتاب آخر اسمه قواعد التفسير جمعاً ودراسة للدكتور/ خالد السبت، وهناك قواعد منثورة في كتب المتأخرين منها ما ذكره الطاهر بن عاشور في أول كتابه ومنها ما ذكره ابن السعدي في أول كتابه في التفسير وهناك قواعد مبثوثة في كتاب مقدمة التفسير لشيخ الإسلام وهناك أيضاً قواعد مهمة للغاية في الفوائد وفى فوائد الفوائد وفى بدائع الفوائد لابن القيم وللسيوطي رحمه الله كذلك فوائد جيدة ذكرها في عدد من كتبه وفى كتاب البرهان للزركشي والإتقان وعموم كتب علوم التفسير لا تخلو من فائدة في هذا الباب.
أكمل الشيخ:
أحسنت يا بارك الله فيك، نعم هذا الكلام عن الكتب التي صنفت شيئاً فيما يتعلق بالقواعد هناك مصنفات جيدة في هذا الباب وقد جمعت هذه القواعد بعض المصنفات المعاصرة وقد ذكرت لك منها رسالة جامعية اسمها قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور/ حسين الحربي وهذا الكتاب من أجمل ما يكون في الكلام عن قواعد الترجيح عند المفسرين وهو مفيد إلى الغاية وهو مفيد إلى الغاية هناك كتاب آخر للدكتور/ خالد السبت اسمه قواعد التفسير جمعاً ودراسة وهذان الكتابان لعلهما يكفيان كافي هذا الباب في مسألة القواعد المعينة على الترجيح عند اختلاف المفسرين فأرجو أن تستفيد منهما إن أمكنك أن تحصل على نسخة من هذا الكتاب أو من ذاك فإن هذا مفيد لك إلى الغاية لأنها جمعت هذه القواعد بينتها ضربت الأمثلة تكلمت عن الترجيح ذكرت أقوال المفسرين الأوائل في هذا الكتاب وهذا كما ذكرت لك مفيد جداً في هذا الباب لأن الكلام عنها هنا تفصيلاً يطول جداً ولا داعي له فما دام أن هذه القواعد قد خدمت فنكتفي بخدمة هؤلاء المهتمين بعلم التفسير لها.
أسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
اللهم إنا نسألك بفضلك وجودك وكرمك أن تجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا ذا الجلال والإكرام.
ويبقي لنا حلقات قليلة نستكمل فيها بإذن الله ما بقي لنا من هذه المراحل وكذلك نأخذ مثلاً فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عزّ وجلّ . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء
08-01-09, 12:02 AM
تفريغ الدرس الثامن والعشرون من طرف الطالبة ومض جزاها الله خيرا
~ دروس سلسلة روائع البيان في تفسير القرآن ~
بسم الله الرحمن والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ..
حياكم الله أيها الأحبة مرة أخرى في ~ روضة من رياض الجنة ~ ..
كان الكلام عن المرحلة السابعة بما يتعلق القواعد التي نستعين بها عند الترجيح ف ما إذا اختلف مفسر مع مفسر آخر ,فعندنا اختلاف بين المُفسرين يقع في بعض الآيات كيف نرجح بين هذا وذاك.
هناك قواعد كثيرة مبحوثة في كتب التفسير وقد جمعت متأخرا ، وقد ذكرنا لكم ببعض الكتب التي اعتنت بهذا الشأن، ولكن الآن نريد أن نتكلم عن هذه القواعد من جهة إجمالية كيف نقف عليها كيف نجدها في كتب التفسير ،
وأريدك أن تنتبه إلى قضية ، أن هذه القواعد وإن جُُمعت عند المتأخرين إلا أنها في كتب المتقدمين رحمهم الله ممن توسع و بسط الكلام في التفسير عندك تفسير ابن جرير رحمه الله, و تفسير ابن سعود رحمه الله, وكذلك تفسير الطاهر بن عاشور وكذلك تفسير, الإمام السعدي رحمه الله, و لغيرهم من الأئمة ممن بسط الكلام في التفسير.
هناك قواعد ما زالت مبثوثة في هذه الكتب لم تستخرج لم يستفد منها إلى الآن تارة لأن الباحث الذي يريد أن يجمع هذه القواعد تارة لأنه يريد قاعدة منصوص عليه ،
يريد أن يكون الإمام المفسر أن هذه القاعدة منصوص عليها عنده في كتابه فيقول وهذه قاعدة في كذا وكذا فينص على أنها قاعدة وينص على أنها مرجح عند الاختلاف ونحو ذلك وهذا لا يلزم ،
بل إن ما تأخذه من أهل العلم إذا عرفت طريقتهم ومنهجهم في كتبهم أكثر مما تأخذه من بعض الألفاظ .
فإذا ًعرفت طريقة الإمام في كتابه عندئذ تأخذ من القواعد وتستنبط من الفوائد من كتابه ما لا يكون منصوص عليه, وهذه أيضا أيها المبارك هي طريقة أهل العلم عندما تنظر في كتب أهل العلم الأكابر، رحمهم الله من المحققين في كتب التفسير، تجد أنهم يستنبطون قواعد ليس هناك نقص عليها في كتاب إمام من الأئمة وإنما أخذوها من مُطلق الكلام مُجمل التفسير ونحو ذلك، فأخذوا هذا الكلام لأنه تكرر عندهم في عدد من المواطن وأشار إليه في أكثر من موضع وهكذا يأخذون هذه
القاعدة ويستفيدون منها ويبنون عليها قاعدة جديدة في فهم كلام الله سبحانه وتعالى .
:: قرأ الطالب ::
بسم الله الرحمن الرحيم وهناك قواعد مذكورة في كتب المتأخرين منها ما ذكره الطاهر بن عاشور في أول كتابه, ومنها ما ذكره السعدي في كتابه في أول كتابه في التفسير وهناك قواعد مبثوثه في كتاب مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ، وهناك قواعد مهمة في الفوائد وفي بدائع الفوائد لإبن القيم ، وللسيوطي كذلك فوائد جيدة ذكرها في عدد من كتبه ، وفي كتاب البرهان للزركشي ، والإتقان للسيوطي.
وعموم كتب علوم التفسير لا تخلو من فائدة في هذا الباب .
:: تـع،ليق الشـيخ ::
هذا الكلام الذي سمعته أيها المبارك لا بد أن تنتبه إلى قضيه مهمة،
وهي أن كتب علوم القرآن لا تخلو أبدا من فوائد جليلة في هذا الشأن، ولكن في أحيان كثيرة الذي يحصل أن الذي يقرأ هذه الكتب ليس عنده من الأهلية, لأن يفهم ما ذكره الأئمة رحمهم الله وأن يفهم أثر هذه القاعدة في تفسير كلام الله ،
ولكن ما ذكرناه لك في هذه الدروس هو مُعين لئن تقف على تلك الفوائد في كتب علوم القرآن .
لو تصفحت كتاب الإتقان للسيوطي رحمه الله ستجد فوائد عظيمة فيما يتعلق بفهم كتاب الله عز وجل وقد تزهد بها إن لم تُدرك كيف تستفيد منها ولكن إن أدركت هذا ـ وأرجو أن نكون وصلنا إلى هذه المرحلة ـ إن أدركت هذا بالفعل ستقف على فوائد جليلة جدا ًمن كتاب الإتقان للسيوطي رحمه الله ومن كتاب البرهان للزركشي ، كتب كثيرة صُنفت في علوم القرآن.
أريد الآن أن أوضح هذا وأن أُجليه في مثال نأخذه وإن كان مثال يسير ولكن الخوض في هذا الباب في اختلاف المفسرين قد يطول بنا جدا ، وأريد أن نأخذ مثلا واحد من كتاب الله عز وجل نفسره كنموذج على ما تقدم من هذه المراحل السبعة، بل وعلى ما قبلها من الكلام عن مراحل الثلاثة في المستوى، بل وعلى ما قبلها أيضا على التوطئة وذكر الأهداف ونحو ذلك.
فنذكر الآن مثال واحد وأضيفوا ما تقدم من الامثلة عند اختلاف المفسرين ، كما ذكرنا لكم عندما اختلف المفسرون في لفظ ( الزينة ) ، في قوله تعالى : ( ولا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) ذكرنا لكم أن المفسرون اختلفوا في هذه الآية ما الزينة هنا هل
الزينة الظاهرة أو الزينة الباطنة , وذكرنا لك أن الراجح هنا الزينة الظاهرة هي المراد في هذه الآية (إلا ما ظهر منها) ، أي إلا ما ظهر من الزينة الظاهرة ،
وذكرنا لك دليل الترجيح وهو ما سميناه [ بلغةالقرآن ]، وهذه من دلائل الترجيح القوية في كتاب الله عز وجل ، لغة القرآن ، فلغة كتاب الله عز وجل من المرجحات بمعنى على معنى فلفظ الزينة في كتاب الله عز وجل إذا تكرر فإنما يُُراد به الزينة الظاهرة ، كما بينّا من آيات كثيرة وردت الزينة فيها .
فإذا المراد بالآيات الأخرى هي الزينة الظاهرة وهذا واضح بيّنْ ، فعندما يختلف المُفسرون في آية ذكر فيها كلمة الزينة فعلى أي المحملين نحمل هذه اللفظة على المحملة في كتاب الله عز وجل كثيرا أو على محمل لم يرد في كتاب الله ولا في موضع واحد ورودا ً بينا ظاهرا ً على أي المحملين نحملها؟ نحملها على ما ورد في كتاب الله عز وجل كثيرا وهذا ما يسمى بلغة القرآن ،
أي مفردة تكررت في كتاب الله عز وجل في أكثر من موطن، عندما ننظر في هذه المُفردة ونجد أنها وردت بمعنى خاص محدد ثم تكررت في موطن وأصبح هذا الموطن محل اختلاف عندئذ نقيس هذا الموطن على بقية المواطن ،وهذا الموضع في ذكرها هنا لابد وأن يكون هنا موافق لتلك المواضع الأخرى التي وردت في كتاب الله عز وجل .
وهذا كثير أي ما يتعلق بالترجيح من خلال لغة القرآن ليس بالقليل أبد ًوهي من القواعد المرجحة الكبيرة, ولكن وللأسف الشديد في الحقيقة ليس هناك من أفرد هذه القاعدة كمرجح ممن كتب في قواعد الترجيح عند المفسرين لم يتلفت إليها التفاتا كبيرا مع أهميتها، ومع أن السلف رضوان الله عليهم أجمعين بل و الخلف من المحققين منهم اعتنوا بهذا الأمر جدا ً .
أضرب لك مثلا آخر على هذه المسألة حتى يوضح لك هذا الأمر بالنسبة لقواعد الترجيح
:: مثال ::
لفظة ( البأس ) في كتاب الله عز وجل تكررت كثيرا ، عندما يرد في موطن من ,المواطن لفظة فيها ذكر ( البأس ) فأي المعنيين تحمل على معنى هذا أو على ذاك .
الآن لفظة ( البأس ) الواردة في سورة الكهف اقرأوا أولا بداية الكهف , قال الله تعالى: ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر به بأسا شديدا ولم يجعل له ولدا ً )
(بأسا شديدا) لفظة البأس : هنا هل المراد بها البأس الدنيوي أو البأس الأخروي ؟
أسألكم الآن لكي أحرك الفهم قليلا إلى فهم ما يتعلق بالترجيح من خلال قاعدة من قواعد الترجيح عند المفسرين .
لفظة البأس : هنا هل المراد بها البأس الدنيوي أو البأس الأخروي ؟
قال طالب : الأخروي .
قال الشيخ : هل ممكن أن تذكر لي ما سبب القول بأن البأس هنا يراد به البأس
الدنيوي أو البأس الأخروي ؟
قال الطالب : لينذر بأسا شديدا .
قال الشيخ بعد نقاش ..
عندما ننظر في هذه الكلمة ، فتأملوا ( البأس ) في كتاب الله عز وجل ، تكررت أكثر من
25 مرة هذه الكلمة تكررت كثيرا فعندما تتأمل فيها لن تجد إلا إنها تتعرض بما يتعلق
بالبأس الدنيوي لا البأس الأخروي .
إذا ً هذه الكلمة عندما تكررت في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي كل المواطن الأخرى
يكون الكلام فيها عن بأس دنيوي فجاءت في هذا الموطن حصل عندنا الآن اختلاف
كما اختلفتم ، قيل إنها في البأس الأخروي وقيل في البأس الدنيوي ،
فما المرجح الذي يرجح هذا من ذاك ؟
المرجح عندما ننظر في هذه اللفظة وكيف دارت في كتاب الله عز وجل ، انظر لهذه
اللفظة وكيف دارت في القرآن فعندئذ تستطيع أن ترجح لأن هذا البأس الذي جاءت الندارة به من الله سبحانه وتعالى يتعلق بالبأس الدنيوي لا الأخروي .
نعم ساعة الكلام و بسط الكلام ممكن أن يقال أن هذا البأس في الدنيا وفي الآخرة ,ولكن بالنسبة للآخرة لا يكون مقصوداً بنفس العبارة أو لفظ الكلمة ، وإنما يكون مُستنبط من سعة اللفظ ، لأن الندارة تكون في الآخرة كما تكون في الدنيا ، ولكن لفظة البأس لم تأتي في كتاب الله عز وجل إلا في الدنيا ،
ولكن لفظة البأس في الآخرة لم تأتي في كتاب الله عز وجل إلا في الدنيا فيكون الإنذار
بدءا بالبأس الذي حذرهم الله عز وجل منه في الدنيا ( ليُنذر بأسا ُ شديدا من لدنه )،أي
في الدنيا قبل أن يكون ذلك في الآخرة ,وإلى ذلك أشار الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره .
:: سؤال من أحد الطُلاب ::
جزاكم الله خيرا يا شيخ بالنسبة فضيلتك للغة القرآن نرجع إلى لغة القرآن، في
المرحلة السابقة جمع آيات القرآن التي تدور في موضع واحد هل هناك اختلاف بينهم
أم الاختلاف بالمسمى فقط ؟
:: يجيب الشيخ ::
ليس هناك اختلاف جذري بينهما أبدا ً،ولكن الاختلاف أيضا ليس من جهة التسمية المجردة وإنما الاختلاف بالنسبة للمرحلة السادسة تتعلق بضمن الآيات التي وردت في موضوع واحد محدد، أما ضمن الكلمات جمع الكلمات التي وردت في كتاب الله عز وجل هذا لا يسمونه بالتفسير الموضوعي إنما يسمى بلغة القرآن، مفردات القرآن،الألفاظ التي جاءت في كتاب الله عز وجل .
لذا لو ألحقت هذه اللفظة ، لفظة ( البأس ) ، لفظة (الزينة ) ، لفظة ( فاجتنبوه ) ، (حُرمت ) كما سبق هذه الألفاظ ولو جمعتنها تكون منها مادة يسيرة وتكون مبدأية لمادة أكبر وأوسع وهذا من العلم الجميل النافع الذي يستحق أن يبذل الإنسان نفسه،
وأن يجمع فيه ما استطاع من كلام المحققين من أهل العلم أن يجمع ما يتعلق بـ مفردات القرآن ، أو لغة القرآن .
وقد صنف الأئمة رحمهم الله قديما كتبا في هذا الباب ولكنها تحتاج إلى مزيد من تصنيف وتحرير وتهذيب وجمع ، وحقيقة مزيدا من الجهد الذي قد لا يتحمله إلا من بذل نفسه ووقته ورغب في تعلم كتاب الله سبحانه وتعالى وبذل قي ذلك الغالي و النفيس .
:: الأمثـلة ::
منها ما جاء في تفسير قول الله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) .
في كُذبوا قراءتان :
الأولى: كُذَّبُوا، بضم الكاف وتشديد الذال وكسرها،
والأخرى: كُذِبُوا ، بضم الكاف و كسر الذال وتخفيفها .
فعلى قراءة التشديد يكونوا المعنى، حتى إذا استيأس الرسل من إيمان من كذّبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم بما لحقهم من الدلائل والامتحان وتأخر النصر .
وبهذا قالت عائشة رضي الله عنها وصحت الرواية عنها بذلك و به قال قتادة ورجحه أبو جعفر النحات، وقال هو أشبه بالمعنى وهو أعلى اسنادا ً .
:: تعليق الشيخ ::
الآن هذه الآية قول الله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) .
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ) من الذي استيأس الآن ؟ الرسل ، استيأسوا من ماذا ؟ من ايمان قومهم ، وظنوا من الذي ظن هنا ؟ الرسل أو القوم ، وظن القوم أن الرسل كذبوا ؟ القوم ، هذا الذي جاء عن عائشة كما في الصحيح ، أن الضمير هنا وظنوا أنهم قد كذبوا هذا عائد إلى القوم معنى الآية إذا ً :
حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أي من القوم أن الرسل قد كذبوا ،
هذا هو المعنى الأصلي الذي جاء عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عدد كبير من السلف وهو أقوى المعاني في تفسير الآية لأن في الأصل عود الضمير يعود إلى أقرب مذكور ، ما هو أقرب مذكور هنا حتى إذا استيأس الرسل ممن؟ من
قومهم، جار ومجرور أليس كذلك، حتى إذا استيأس الرسل من قومهموظنوا قومهم أنهم أي الرسل قد كذبوا .
هذا هو المعنى الجلي الواضح للآية، وليس معناه أن الرسل بأنفسهم ظنوا أنهم قد كُذبوا أو كذبوا من الله هذا ظن لا يمكن أن يكون أبدا .
ومن فسر الآية على هذا النحو فقد أخطأ وإن كان قد جاء أنه حكي عن بعض السلف رحمهم الله ولكنه خطأ في تفسير الآية قال به من قال وهذا خطأ في تفسير الآية وإذجاء به عن جاء .
هذا القول الأول لتفسير الآية وهناك تفسيرات أخرى للآية نريد أن ننظر في مرجح هذا التفسيرعلى تلك التفاسير ..
:: قراءة الطالب ::
وذهب الحسن وقتادة إلى أن المعنى حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم وأيقنت الرسل أن قومهم قد كذبوهم، فيكون الضميران في ظنوا وكُذبوا يعودان على الرسل وظن بمعنى اليقين، وضعف هذا القول الطبري لأجل مخالفته لجميع أقوال الصحابة في الآية واستعمال العرب الظن بمعنى اليقين .
أما على قراءة تخفيف الذال فذهب ابن عباس رضي الله عنه وابن مسعود وسعيد بن جبير ومُجاهد والضحاك وغيرهم من المعنى حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم وظن الرسل أن القوم كذبوهم .
فيعود الضميران في ظنوا وكُذّبُوا إلى الرسل إليهم وهم القوم .
:: تعليق الشيخ ::
إذا لدينا كم تفسير للآية ؟ ثلاثة تفاسير .
التفسير الأول .. الذي ذكرناه لك، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم وظن القوم أن الرسل أن قومهم كُذبوا.
التفسير الثاني .. حتى إذا استيأس الرسل من قومهم وظن أيضا الرسل أن قومهم كذبوهم ..
التفسير الثالث .. حتى إذا استيأس الرسل وظن القوم أن القوم قد كذبوا الرسل .
عندما نتأمل القراءة في ترجيح بين هذا وذاك ، ستجد أن بظهور الترجيح التفسير الأول هو الأظهر في الآية لما سيذكر الآن المُصنف.
:: قراءة الطالب::
وروي عن أبي عباس رضي الله عنه وابن مسعود وسعيد بن جبير أن معنى الآية، حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنت الرسل أنهم قد كُذِبوا فيما وُعدوا من النصر , فيكون الضمير في ( ظنوا ) وفي ( كذبوا ) عائد على الرسل، وهذه القاعدة تُضعف هذا القول، وذلك لما فيه وصف الرسل من بسوء الظن بربهم وهذا يفتح بصالح المؤمنين فضلا ً عن من فُضل بالنبوة والرسالة،
فمقام النبوة عظيم قد اصطفى الله لها أفضل الخلق على الإطلاق وأعرفهم بالله تعالى وقد ردت عائشة رضي الله عنها هذا القول بما ألمحت له من برفعة مقام النبوة ولما عُلم من حال الأنبياء والرسل .
:: فاصل ونواصل ::
كان الكلام عن قوله تعالى ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) وفي آية لفظ ( قدْ كُذِّبوا ) ، وذكروا الأقوال الثلاثة في هذا الباب لكم .
كذلك التفسير الأخير .. إذا استيأس الرسل وظن أتباع الرسل أنهم كذبوا الرسل وهناك قول ثالث والذي أشرنا إلى أنه ضعيف ولا ينبغي أن يُقال به لما فيه من قدح لمقام النبوة بل إن حتى عائشة رضي الله عنها وأرضاها رفضت هذا القول وردته ردا ًعنيفاً رضي الله عنها وعن أبيها , وذلك لما ذكرت لك من أن فيه شيء من الظن بالانتباه من أن يظنوا الظن بربهم سبحانه وتعالى أو نسبة هذا الظن إلى الأنبياء مع ربهم جل وعلا،فتفسير الآية على هذا النحو ( وظنوا أنهم قد كُذبوا ) أي حتى إذا استيأس الرسل وظن الرسل أنهم قد كُذبوا من ربهم وهذا الظن لا ينبغي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ولا يكون من الصالحين .فإذا هذا التفسير يُضعفه أن فيه تقليل وفيه نوع من الإنزال من مقام النبوة.و الذي يُرجح التفسير الأول فهناك قراءة أخرى من قرأ الترجيح القراءات التي ترد في الآية الواحدة وعندنا :( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا ) هذه للقراءة مُحتملة ،
وأما القراءة الأخرى ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) , من الذي كذب هنا ؟ هم أتباع الرسل وظنوا أنهم كذبوهم هؤلاء وغلب على ظنهم أن أقوامهم لن تؤمن لهم، ولن تتبعهم فيما دعوهم إليهم فحصل هذا الأمر ، استيأس الرسل من أقوامهم وظنوا أنهم لن يؤمنوا بهم، وظن القوم أن الرسل كُذبوا من ربهم سبحانه وتعالى .
وهذا الظن الذي يليق بهذا القوم وما عليه من الكفر والإعراض عن دعوة أنبيائهم .
فإذا من المُرجحات في هذا المعنى ما يتعلق بما يسمى ب ( القراءات ) .
وهذا المثل على قاعدة من قواعد الترجيح ، فعندنا القراءات تُرجح ، ولغة القرآن تُرجح وعندنا أشياء كثيرة من القواعد ذكرها أهل العلم أنها تُقارب المئة قاعدة ترجح عند اختلاف المفسرين .
وبهذا نكون بعون الله وتوفيقه، وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه تعالى، نكون قد انتهينا من ما يتعلق بالمراحل السبعة، وبهذا نكون انتهينا أيضا مما يتعلق بالمستوى الأول الذي وجه لعموم المسلمين بمراحله الثلاث، وانتهينا من المستوى الثاني الموجه لطلبة العلم فيما يتعلق بمراحلة السبعة المراحل السبعة لطالب فهم القرآن .
ويبقى علينا أخيرا أمران :
الأمر الأول: أن نستقبل أسئلتكم الواردة على ما مر ّ في الكلام أي كان السؤال فيما يتعلق بمبدأ الكلام وفي وسطه أو في آخره بعد ذلك نُريد أن نأخذ نموذج وسأجعل اختيار النموذج لكم أنتم تختارون نموذجا مما تُريدون أن نُفسره من كتاب الله سبحانه وتعالى وتعرض إلى الآيات تفسيرا ً فيه إيضاح لكل ما سبق بإذن الله جل وعلا .
أم أسماء
08-01-09, 12:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثاني من الدرس
:: أسئلة خاصة بما سبق ::
في المرحلة السادسة تكلمت عن السماء في مراحلها الأخروية ليوم القيامة (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةًكَالدِّهَانِ) فهناك صور فلكية للسماء مثل هذه الوردة بمثل لون الورد موجودة في المساجد أو على الأنترنت وقرن واضعها بالآية هل هناك اختلاف في التفسير أو يجوز ذلك ؟
:: إجابة الشيخ ::
أحسنت يا بارك الله فيك حقيقة لم يكن ورد هذا الأمر عندي مع أني اطلعت على هذه الصورة ولكن لم يأتي في خاطري أنهم كانوا يُفسرون هذه الآية بهذه الصور التي تُعرض للسماء على هذا النحو .
ولا أذكر في حقيقة أني وقفت على من صور هذه السماء وقال أنها كالوردة التي كذا وكذا ، ففسر انشقاق السماء في أنها الآن وأنها صورت بهذه المراصد الفلكية المعاصرة وهذا في حقيقته ليس بصحيح أبدا ً، الآية هذه تتكلم عن الإنشقاق في يوم القيامة (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةًكَالدِّهَانِ) الإنشقاق هنا المراد به في يوم القيامة وليس الإنشقاق في الدنيا وإلا لكان الكلام كله مُتعلق بالقيامة (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةًكَالدِّهَانِ) فالكلام هنا عن السماء وعن انشقاقها وليس عن مرصد يُصور في مرصد من المراصد الكلام عن السماء من أولها إلى آخرها ، تتشقق ، تتحور ، تمور ، وتضطرب فليس الكلام عن موضع دون موضع .
نعم لو قيل هذه الصورة مُشابهه للمعنى الذي جاء في قوله تعالى (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةًكَالدِّهَانِ) ، فيقال إنه من الممكن تقرب الآية ويوضح المقصود من الآية بمثل هذه الصورة بأن هذا الإنشقاق للسماء قريب في الدنيا وأصبحت السماء فيه كالوردة الدهان أو نحو ذلك ، فلما يراها الإنسان يُقرب له الآية ، لا على أن هذه الآية جاءت في هذا الموطن أبدا .
ثم إن لا أحد من المُفسرين قال (فَكَانَتْ وَرْدَةًكَالدِّهَانِ)، أي كانت كالوردة يعني من جهة الشكل ، إنما وردة ذكرها المُفسرون من جهة اللون أما من جهة الشكل إنها تُشبه الوردة فأنا لم أقف على كلام أحد من أئمة المُفسرين مُطلقا ، فهذا نوع من الخطأ في الإستدلال في الآيات ..
أو لو قالوا هذا يوضح يفسر ليُقرب الذهن، ولو أني لا أحبذه أبدا ً وهذا فرق بين هذه الآية والآية التي سألت عنها يا إدريس، قول الله تعالى : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ).
فهذه الآية بالنسبة للتي ذكرت في يوم القيامة قطعا ً والكلام عن انشقاق الآية ، والآية التي ذكرها الأخ ادريس فهي أيضا تتكلم عن يوم القيامة وعن الناس في أنهم لا يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السموات والأرض يوم القيامة وقد ذكرت آيات كثيرة في هذا المعنى، منها ما ذكرها الله تعالى في سورة القيامة : (يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ *كَلَّا لَا وَزَرَ) أي لا ملجأ ،( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍالْمُسْتَقَرُّ ) .
كذلك في السور الأخرى : ( ويقولون حجرا ً محجورا ً )، أي تقول الملائكة حجرا ً محجورا ً أي قد حُجر عليكم فلا سبيل إلى هروبكم فهذا هو المقصود من الآية (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ )هذا التحدي الذي وقع في الآخرة للجن والانس هو أيضا واقع في الدنيا ،
أنا ذكرت أنه من الممكن يُستفاد من المعنى استفادة أي ليس المعنى الأصلي ولكن بإيحاء أن يُستفاد منها هذا ، ولكن ليس في الآية التي ذكرت حتى الإيحاء فيه ...... لأن الآية نصا ً (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةًكَالدِّهَانِ) لا شك أن الكلام هنا عن الإنشقاق للسماء في الآخرة ومن زعم أن السماء تنشق الآن فقد خالف قوله تعالى : ( فارجع البصر هل ترى من فطور ) السماء ليس لها فطور ، ليس فيها انشقاق الآن ومن زعم أن السماء تنشق الآن فقد خالف نص الكتاب ، أما ما يتعلق بالآية الأخرى فالإيحاء فيها يُقبل .
:: سـ،ؤال ::
كان البعض يقول إن الله سبحانه وتعالى يضع علامات وإشارات في هذه الحياة تدل على إمكانية حدوث ذلك يوم القيامة ، كأنه يبرهن للكفار ويثبت الحدوث بوضع علامات صغيرة يُثبت من خلالها إنها تمكن الحدوث وهي كإشارة صغيرة .
:: تـعـ،لق الشيـ،خ ::
أحسنت يا بارك الله فيك وهذا ما ذكرناه مع الآية التي ذكرها الأخ إدريس (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) أما آية قد جاءت بالنص على أن شيئا لا يحدث في هذه الحياة الدنيا هذا الكلام عن انشقاق السماء (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) هذا الإنشقاق هل يمكن أن يكون في الدنيا ؟ لا يمكن لأن الله عز وجل أخبر أن هذه السماءلم تنفطر ولم تنشق ، بل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرجع البصر ، ويُكرر البصر والنظر مرة ، وثانية وثالثة ورابعة وعاشرة ومئة ومئتين وألف ينظر للسماء ، ليس فيها فطور ، ليس فيها انشقاق وإنما السماء لها أبواب في هذه الحياة الدنيا .
هذا التفسير للآية حتى من جهة الإيحاء الذي تشير إليه لا يمكن فبعض الإيحاء مقبول كما أشرنا في الآية السابقة ، أما هنا في هذه الآية لا يمكن والإيحاء مرفوض لأنه سيكون فيه تعارض في نفي الإنشقاق لهذه الحياة الدنيا .
:: مُـداخـ،لة ::
أمْر النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر وتكرار النظر هذا ينطبق للبشر فيما بعد حتى لو بالتلسكوب أو بمكبرات ؟
:: تعـ،ليق الشيخ ::
نعم حتى بالنسبة لنا ، وليس النظر خاصا ً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إنما هو لأجل أن يزيد إيمانه صلى الله عليه وسلم بربه ويقينه مع علو هذا الإيمان أمره أن يتفكر بهذا الكون وينظر في هذه السماء هل فيها من فطور مع عظمها وسعتها ومع شدة ما يعتليها ومع ذلك ليس بها فطور .
فتنظر إليها هل بها من فطور، هل بها من شقوق ، هل فيها عيب ، هل فيها خلل ، هل ينزل شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى ، وهل هناك شيء ينزل هكذا عبثا ، إنما ترى ونحن نعلم يقينا إن ما ينزل من السماء شيئا إلا بقدر من الله سبحانه وتعالى ،
ولو أن أبواب السماء فتحت علينا لرأينا شيئا عجبا لكن كل شيء ينزل بمقدار.
فنحن يجب علينا أن نتفكر في الكون ونُعيد النظر مرة بعد مرة في النظر إلى السماء وفي آيات الله الكونية عموما ً هذا مما طُلب منا ونحن تبعا ً لمحمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن .
:: سـ،ؤال ::
الذين يخْتصون بالإعجاز العلمي بعضهم يسقط بعض الآيات القرآنية على حوادث مثل ( وردة كالدهان ) وهكذا فهل يشترط لمن يُسقط هذا إن يكون عالما ً بالتفسير ؟
:: إجابة الشيخ::
لا شك ونحن ذكرنا ذلك من شروط من الكلام لهذه المسائل لما يتعلق بتفسير كلام الله تعالى خصوصا من المتأخرين ذكرنا أسباب الخطأ عند المتأخرين سواء كان المتأخر يُفسر القرآن باللغة أو يُفسره بالرأي أو بالإعجاز العلمي يُفسره بأي شيء آخر.
من أسباب الخطأ بل هو من أعظم الأسباب وأجلّها هو أنه يُفسر كلام السلف وهو غائب عنه مُطلقا ً !
وهذا لا ينبغي أبدا ًوإنما إذا أردت أن تفسر آية من القرآن فانظر أول ما تنظر في كلام السلف ونبهنا على هذا مرارا ًَ ، قبل أن تستنبط وقبل أن تستخرج قبل أن تتدبر وتتفكر قبل ذلك لا بد وأن تكون وقفت على كلام السلف لكي يكون لك كالإضاءة في هذا الطريق تنير لك هذا الطريق لا تزل بك القدر أنت في آلاتك في فقهك ، في فهمك لكلام الله عندك من أنواع الضعف ما عندك ، ومن جهة اللغة لا من جهة السياق لا من جهة الإدراك ، لا من جهة شدة النظر والفحص لكلام الله تعالى فعندئذ لا بد أن تستنير لكلام السلف رحمهم الله ،
فإذا أردت أن تستنبط فائدة تستخرج تربية من القرآن أردت أن تتكلم بالإعجاز العلمي قبل ذلك لا بد لك أن تعود لكلام السلف رحمهم الله وتنظر فيه حتى يضعوا لك الحدود العامة التي لا يجوز لك أن تتجاوزها وأن تتخطاها أبدا ً وهذا هو الخطأ الآن فقط ، هذا هو خطأ يقع فيه الإعجاز العلمي الآن والذي نلحظه أنه بلغ مبلغا جميلا وجيدا فيما يتعلق في دقة النظر وعدم التقول على الله تعالى بخلاف ما تقدم في أول الأمر ،ولكن بقي أمران :
1ــ الحال أن هناك حاجة لكلام السلف رحمهم الله ،
2ــ وهناك حاجة للنظر في لغة العرب التي نزل بها هذا القرآن ،
فالقرآن نزل بلسان عربي مبين.
فإذا ً لا بد أن تستضيء بكلام السلف في فهم الآيات حتى تضبط هذا الإعجاز وحتى لا يحدث فيه ما يحدث من خلل وأيضا لا بد وأن يكون هذا الإستنباط أيضا موافقا ً لكلام العرب ، قد يكون بلسان عربي مُبين لا تستخرج معنى لا توافقه اللغة من أي وجه ولا يمكن أن يأتي في لغة العرب بأي حال من الأحوال فإذا انضم هذا وذاك مع الإتقان الموجود فما يتعلق بالاعجاز العلمي فأرجو أن يحصل نفع كثير وخير أرجو أن لا يكون قليلا ً .
:: سـ،ؤال ::
نجد في القرآن الكريم كذلك في السنة الشريفة ذكر عدد معين مثل سبعة ، فسبعة نجدها كثيرا في القرآن الكريم سبعة أو سبعين أو سبعمئة أو سبعمائة ألف مثلا نجد آية في قوله تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ)، ثم نجد أيضا في آية أخرى ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا)، فنجد كثيرا سبعة ، كذلك في الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من صام يوما في سبيل بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا." متفق عليه وهذا لفظ البخاري.) رواه البخاري ، وأيضا قال " من صام يوما في سبيل الله باعد الله عنه النار سبعين خريفا " يعني تحديد هذا العدد بالتحديد ما المراد منه ؟
:: إجابة الشـيـ،خ ::
أيضا لو تأملت كلام العرب رحمهم الله من كان منهم أسلم ومن كان قد تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنك ستجد هذا الرقم سبعة كثير ستجده في الجاهلية قبل الإسلام وستجده في الإسلام حتى كلام العرب ، العرب يحبون هذا العدد ويكثرون من ذكره كثيرا ، وأيضا جاء في الكتاب والسنة كثيرا ًجاء على نحو متكرر ، لما هذا أولا أريد أن تنتبه لقضية وهي ما تتعلق بالعدد له مفهوم مخالفة ولكن مفهوم مخالفة للعدد ضعيف عند الأصوليين ، هذه مسألة أصولية ، فكل الأعداد من أولها إلى أخرها في لغة العرب المخالفة منها ضعيف .
فلما تقول مثلا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا السبع الموبقات " مفهوم المخالفة من هذا الكلام أن السبع الموبقات هي فقط هذه السبع لوحدها ولكن هذا المفهوم ، مفهوم لا يكون قويا ً جدا ًإنما يكون فيه شيء من الضعف، أي لا يأخذون به بشكل كامل ثابت كالنص ،
لا مفهوم المخالفة عموما فيه ضعف ليس بالقليل فإذا جاء هذا في العدد سبعة ، فإن العدد سبعة في الكتاب والسنة لا يُراد به التحديد وإنما يُراد به التكثير.
(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم ) المراد هنا التكثير ،" باعد الله عنه النار سبعين خريفا " المراد هنا التكثير .
" يدخل أمتي الجنة سبعون ألفا من غير حساب ولا عذاب " أيضا المراد هنا التكثير .
" سبعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يتماسكون بالأيدي يدخلون الجنة من باب واحد" ، هذا في الصحيح كثير ورد يُلفظ سبعين ألف وورد سبعمائة ألف المقصود أن العدد سبعة ومضاعفاته أكثر ما ترد في الكتاب والسنة من باب التكثير لا لحد السبعة .
فما يعني يراد بها التكثير ويُراد بها العشرة لا وإنما قريب من السبعة أو يزيد عنها أو ينقص عنها قليلا ً لكن يعني يقال السبعة للتكثير أي أن هذا العدد غير مراد أبدا ًهو مراد ، ولكن الكلام هل يُراد سبعة تجد بذاتها وبعينها بدون زيادة ولا نقصان لا وإنما يُراد أن هذه السبعة أو ما يقاربها زيادة قليلة أم نقصان قليل .
:: مُداخلة ::
بالنسبة للسموات السبع والأرضين السبع فيجب أن تعتقد أن هذا عدد ثابت من السموات .
:: تعـ،ليق الشـ،يخ ::
نعم بالنسبة للسموات والأرضين السبع وللطواف سبع بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة سبع ، ونحو ذلك أعدادا ًَ مُرادة بنفسها.
ولكن الكلام عن الأعداد غالبا ًما تأتيك في الثواب أيضا في العقاب في الإخبار عن جزاء المؤمنين ، أيضا عن عقاب المجرمين ونحو ذلك هذا في أغلبه يُراد به التكثير ، أما بالنسبة لهذه الأمور يجب أن يُراد نصا ً من دون زيادة أو نُقصان .
:: سـ،ؤال سـ،ريع جدا ً::
شيخ تكلمان عن السباق واللحاق بالنسبة لتناسب الآيات فهل هناك كتب اهتمت لتناسب السور فيما بينها ؟
:: إجابة الشـيـ،خ::
يوجد ولكن هذا المبحث لم أرد أن أدخل فيه لأن فيه ما فيه ، يعني لا أستطيع أن أثبته ولا أرده ، أئمة أهل التفسير تركوه ولم يتعرضوا له بإثبات ولا برد ولذا لم يتعرض له إلا القله من علماء التفسير فأحببت أن أتركه لأنه أسلم ولا أتعرض له بنفسي ولا بأثبات ..
نقف إلى هذا الحد ونواصل بإذن الله عز وجل في الحلقة القادمة ، أسأل الله لنا ولكم علما ً نافعا ً وعملا ً صالحا ً .
انتهى ولله الحمد والمنه
أم أسماء
08-01-09, 12:08 AM
تفريغ الدرس التاسع والعشرون
~ آخر دروس سلسلة روائع البيان في تفسير القرآن ~
بســم الله الرحمـن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملا يا أكرم الأكرمين.
كنا في الكلام عن سورة التكوير، عن هذه السورة العظيمة، وكان الكلام وقف عند قول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [التكوير: 7]، وجرى الحديث بأن المراد هنا بالنفوس هؤلاء الناس إذا حُشروا في يوم القيامة فإن منهم من يُحشر مع قرينه من أهل العلم والفضل والدعوة والخير والصلاح والبر والإحسان، ومنهم من يُحشر مع قرينه وزوجه الذي شابهه في هذه الحياة الدنيا في الشر والضياع والشرك وأكل المال الحرام وفي دفع اليتيم وفي عدم الحث على طعام المسكين وفي مقارفة الكبائر أيان كانت.
فالناس في يوم القيامة يكونون أزواجًا، لكن هؤلاء الأزواج ليسوا على هيئةٍ تختار أنت زوجك الذي يكون معك، لا، وإنما الله عزّ وجلّ هو الذي يقسم هؤلاء الخلائق جميعًا، فيا أيها المبارك كن على ذكرٍ بيِّنٍ واضحٍ ظاهرٍ جدًا من هذه القضية، من تريد أن تكون معه في يوم القيامة، من هو الزوج الذي تريد أن تكون أنت زوجًا له في هذا الموقف العظيم؟ من هم الناس الذين ترغب أنت أن يكونوا لك صحبٌ وتحشر أنت وإياهم يوم القيامة تحت لواءٍ واحدٍ؟ وتكون أنت وإياهم في مكانٍ واحد؟
يحدث في هذا الكون من الأشياء العجيبة الغريبة وأنت معهم إما في أمانٍ كاملٍ تامٍ، وإما في فزعٍ وهولٍ تامٍ، فاختر ما دمت في أرض الإمكان، ما دمت في هذه الحياة التي هي حياةٌ يمكن فيها العمل اختر الآن أيها المبارك، اختر الآن تريد مع من أن تسير في يوم القيامة، أن تسير من مكان دفنك إلى أن تسير إلى جنة ربك أو -والعياذ بالله- إلى نار ربك، هذا المسير سيكون أزوجًا، ﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ﴾ [الواقعة: 7]، سيحشر الناس أزواجًا.
ولذا تأمل في آية من آيات كتاب ربك وهو يحكي هذا الموقف العظيم، هذه القضية في مسألة الأزواج ليست مسألة هينة أبدًا، لا، من كان معك في هذه الحياة الدنيا وكان زوجًا لك –أي مصاحبًا وخليلا ورفيقًا أنت وإياه تتعاونان على أمورٍ كثيرة- سيكون هو صديقك عند خروجك من قبرك، سيكون هو صديقك عند دخولك إما إلى جنة ربك وإما إلى نار ربك سبحانه وتعالى، تأمل قول الله عزّ وجلّ حين يقول عن حال عباده –بل عن حال المجرمين بخصوصهم- مع ناره سبحانه وتعالى ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ﴾ [الفرقان: 12، 13]، كيف؟ ﴿ مُقَرَّنِينَ ﴾، ما الصفة؟ ﴿ مُقَرَّنِينَ ﴾، كيف مقرنين؟ ما معنى هذا الكلام؟ مقرنين هي بنفسها ما ذكره الله عزّ وجلّ هنا ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [التكوير: 7]، نعم هي بنفسها معنى تلك الآية.
ما الحال؟ ما الذي يجرى؟ الذي يجري أيها المبارك أنك عندما تُبعث ليوم القيامة وتُبعث للحساب وتُبعث لنزول الجبار سبحانه وتعالى والفصل بين الخلائق عندئذٍ سيكون من حالك ومن شأنك أنك تقدم على الله عزّ وجلّ مع أقرانك ومع أصحابك ومع زملائك ومع من كان لك شكلا وخليلا في هذه الحياة الدنيا ستقدمون جميعًا فإذا فُصل بين الخلائق وكان ذاك من أهل النار ومن أهل الشر ومن أهل الضلال ومن أهل البعد ومن أهل الغيِّ ومن أهل الشرك ومن أهل معصية الله عزّ وجلّ والبعد عن دينه وعن شرعه ونهجه جل في علاه ممن تكبر على الله وتعاظم على أوامر الله ماذا سيكون حاله؟ الذي سيكون من حاله في ذلك الموقف أنه عندما يُرمى في نار جهنم سيُبحث عن أقرانه، سيُبحث عن أصحابه وعن زملائه وعن من شاكلوه في هديه وعن من أعانوه على معصية ربه ثم يُرمون جميعًا في نار جهنم فيُقرنون جميعًا ﴿ مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ ﴾ [الفرقان: 13]، أي يُجمعون في مكانٍ ضيِّقٍ في نار جهنم قد قُرن بعضهم مع بعض، سُلسلوا جميعًا بسلسلة واحدة.
فذا الذي أعان أخاه على معصية الله في الدنيا بكلمةٍ أو بقولٍ أو بمالٍ أو بفعلٍ أو بشيءٍ من هذه الأمور عندما أسمعه الكلمة الحرام في الحياة الدنيا سيُسمعه كلمة لكنها ليست من جنس الحرام، لكنها ليست من جنس الحرام وإنما هي كلمة فيها صراخ، فيها عويل، فيها صياح، أين؟ في نار جهنم، سيُسمع صاحبه، لكن ما الذي سيُسمعه؟ سيسمعه صراخًا، عويلا، سيسمعه بكاءً مرًا لما أسمعه تلك المعاصي في الحياة الدنيا كان جزاؤه أن يسمعه ذاك الصراخ في الحياة الآخرة.
جزاءٌ من جنس العمل، لما أعانه على معصية الله في الدنيا بفعلٍ أو بمال كان جزاؤه أيضًا أن يراه بعينه وهو يُعذب بعذاب الله عزّ وجلّ، يُقرنون جميعًا بسلسلة، لا يُفصل بينهم، هذا هو العدل المطلق من الله سبحانه وتعالى لما تعاونت على تضييع -مثلا- صلاة الفجر بالسهر إلى الليل، يسهر الإنسان إلى قُبيل الفجر ثم ينام كما ينام البعير ثم لا يستيقظ إلى صلاة الفجر إلا وقد طلعت الشمس أو أيضًا كذلك قد فات الوقت ودخل وقت الظهر، أو يتركها مطلقًا، هؤلاء الذين تعاونوا على السهر على معصية الله ثم على تفويت أمر الله ماذا سيكون من حالهم في يوم القيامة في نار جهنم أنهم سيسهرون جميعًا، ولكن أين؟ في مكانٍ ضيقٍ مقرنين قد سُلسل بعضهم مع بعض، سيُجمعون جميعًا.
قال المفسرون في قوله وكنتم ﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ﴾ [الواقعة: 7]، وقالوا أيضًا في قوله سبحانه وتعالى ﴿ ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ ﴾ [الفرقان: 13]، قالوا هو أن يُضرب بهذا المجرم في نار جهنم كما يُضرب بالمسمار في الجدار، فيؤخذ هؤلاء المجرمين فيُضربوا ضربة في نار جهنم كما يُضرب بالمسمار في الجدار، ثم ينظر بعضهم إلى بعض، هكذا ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [التكوير: 7]، هذا هو التزويج الذي يكون في يوم القيامة.
وسيكون في الجنة أو في النار، نعم في الجنة هناك تزويج، ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الـطور: 21]، تُلحق الذرية الصالحة بالرجل الصالح، فإذا كان من أبنائك وبناتك –بل حتى من والديك- من نقص عنك في درجتك –كما ثبت في الآثار- تدخل الجنة فتقول يا رب أين أبي؟ أين أمي؟ أين ابني؟ أين ابنتي؟ أين أخي؟ أين أُختي؟ فيقول الله عزّ وجلّ ( إنا لا نسوؤك في هذا اليوم )، ثم يأمر ملائكته سبحانه وتعالى فيُرفعون معك في جنّات نعيم، أنت من المقربين وهم من الأبرار فيُرفعون من أجلك إلى مكانك وإلى مُستقرك.
إذًا هذا معنى قوله سبحانه وتعالى أو شيء من معنى قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [التكوير: 7]، ثم ذكر الله عزّ وجلّ أمرًا عظيمًا كان يحصل من الجاهلية الأولى وما زال يحصل حتى في الجاهلية المعاصرة إذا قال الله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9]، في يوم القيامة هناك قصل بين الخلائق وهناك حساب، يُخبر الله سبحانه وتعالى عن الموءودة، والموءودة هي الطفلة التي تُذبح وهي صغيرة، يذبحها أبوها أو أخوها أو من كان وليًا لأمرها بدون ذنبٍ جنته، وبدون شيءٍ اقترفته، فيأتي هذا المجرم هذا الطاغية هذا المتجبر إلى هذه النفس البريئة هذه النفس الطاهرة هذه التي تنظر إلى الحياة الدنيا لتوها في مطلع سنيها تنتظر ماذا سيكون من أمرها، إذا هذا المجرم يأخذ بها فيذبحها ذبحًا ويقتلها قتلا بدون ذنب، وبدون جُرمٍ حصل منها، فماذا يكون لها مع هذا المجرم في يوم القيامة؟
هذا المجرم حينما فعل هذا الفعل الشنيع الفظيع لا يكون أبدًا أن الله عزّ وجلّ يُحاسبه حسابًا بينه وبين نفسه، لا، جرمه أعظم من ذلك، وذنبه أكبر من ذلك، وإنما الذي سيكون من حاله ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9]، أي يكون السؤال أمام الخلائق جميعًا في هذا الجرم الفظيع والذنب العظيم، فتسأل الموءودة ربها سبحانه وتعالى: يا رب سل هذا بأي ذنبٍ قتلني؟ يا رب سل هذا بأي ذنبٍ أزهق روحي؟ سيحصل السؤال من هذه الموءودة الطفلة المسكينة لربها جلّ وعلا، وتنتظر من ربها أن يفصل بينها وبين هذا الذي اعتدى على روحها، فالموقف عظيمٌ وشديدٌ، وهذا ليس خاصًا بالموءودة الطفلة، وإنما أيضًا للطفل، بل يكون لكل من اعتدى على ضعيفٍ مسكينٍ فقيرٍ لا دافع له ولا عنده من يدرأ عنه فيعتدي عليه.
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ ﴾ وُئدت ﴿ سُئِلَتْ ﴾ هي ﴿ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾، فيأتيها السؤال من الله عزّ وجلّ ومن ملائكة الله أيضًا لها ﴿ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾، فما الجواب؟ لا جواب، إنما هو الظلم، إنما هو البغي، إنما هو الاعتداء، وهذا يبين لك عظيم حرمة الدماء في دين الله عزّ وجلّ، فإنه من أهوال يوم القيامة –ولك أن تتأمل هذا جيدًا- أن تُسأل الموءودة بأي ذنبٍ قُتلت، عجبًا لهذا الأمر!
من أهوال يوم القيامة أن تُسأل الموءودة بأي ذنبٍ قُتلت؟ نعم من أهوال يوم القيامة، لأن هذا السؤال سيكون عظيمًا سيكون كبيرًا، سيكون شديدًا، السائل هو الله عزّ وجلّ لهذه الموءودة، والقاتل موجودٌ يرى بأم عينيه ما الذي يحصل في هذا الكون، فهذا هولٌ من أهوال يوم القيامة، بل هو من الأهوال العظيمة جدًا في يوم القيامة، لأن الخلق سيتجهون إلى هذا القاتل، سينظرون ماذا يفعل به جبار السماوات والأرض وقد اعتدى على هذه النفس الضعيفة، ولذا كان هذا الموقف من أهوال يوم القيامة، كأن الشمس قد كسفت، وكأن النجوم قد تساقطت، وكأن البحار قد سُجّرت.
هذا الذي يحدث بالنسبة للموءودة، نعم هو هولٌ من أهوال يوم القيامة، لأن السؤال سيكون شديدًا، والأمر سيكون عظيمًا حينا تسأل الموءودة عمن اعتدى عليها، ولذا أيها المبارك إياك إياك ثم إياك إياك ثم إياك إياك وأمر الدماء، إياك إياك إياك إياك وأن تقترف ذنبًا فيه تعلقٌ بدمٍ لنفسٍ حرم الله عزّ وجلّ أمرها، فإياك إياك وأمر الدماء، إياك إياك وأمر الأنفس، إياك وإياك أن تعتدي على نفسٍ حرم الله عزّ وجلّ أن تعتدي عليها وأن تقترف في حقها شيئًا لم يُبحه لك الله عزّ وجلّ، إيّاك ثم إياك فإن الأمر عظيم، ويكفيك في هذا أن الله عزّ وجلّ جعل أمر الموءودة هولا من أهوال يوم القيامة.
ثم قال سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴾ [التكوير: 10، 11]، ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾، هذه الصحف يوم القيامة لها شأنٌ ولها حالٌ، وذلك أن الخلائق حينما يُحشرون يوم القيامة فإنه في حال حشرهم ينتظرون ماذا يُفعل بهم، الذي يُفعل بهم أن هناك أمور قد أُعدت لهم فيما تقدم من حياتهم الدنيا، ومن هذه الأمور أن هناك صحفًا كانت تُكتب عليهم في هذه الحياة، وهذه الصحف لا تُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها أبدًا، ﴿ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ [الكهف: 49]، كل ما فعلت في هذه الحياة الدنيا من خيرٍ أو شر فإن هذه الكتب قد حوته، وقد أحصته، وقد حفظته لك، فإذا جاء يوم القيامة فهذه الكتب طُويت وأُعدت لك، ثم بُني عليها النتيجة، كما أنك في هذا الامتحان الذي في الحياة الدنيا، عندك إجابة تكتبها في ورقة، ثم تؤخذ هذه الورقة وتُصحح لك، ثم تأتيك النتيجة إما راجح وإما ناجح وإما راسب، إما درجتك عالية وإما درجتك منخفضة.
هذا الذي يحدث في يوم القيامة قريب من هذا المنظر تمامًا، لكنه في امتحانٍ يختلف عن امتحان الدنيا، نعم يختلف اختلافًا كبيرًا، تصور أيها المبارك أن الناس كلهم قد جُمعوا في مكانٍ واحد وفي صعيدٍ واحد، ثم أمر الله عزّ وجلّ بهذه الصحف أن تتطاير بين الناس، ثم الناس ينظرون إلى هذه الصحف ما الذي يُصيبهم منها، فجأة إذا صحيفة قد توجهت لك أنت، صحيفة من هذه الصحف التي نُشرت قد توجهت لك أنت، ماذا سيكون حالك؟ بأي يدٍ ستستقبل هذه الصحيفة؟ باليمين؟ أرجو من الله جلّ وعلا لنا جميعًا ذلك، بالشمال؟ أسأل الله عزّ وجلّ أن يُعيذنا من هذا الموقف العظيم، هذا الموقف المخزي، من الناس من يستقبل هذا الكتاب بيمينه، فهنيئًا له، ومن الناس من يستقبل هذا الكتاب بشماله من وراء ظهر، فيا حسرةً عليه والله، نعم يا حسرةً عليه، الموقف ليس بالهين، هل هناك من يستطيع أن يقلب هذا الكتاب من الشمال إلى اليمين؟ لن يوجد أحدٌ يقدر على ذلك في ذلك الموقف العظيم.
فإذًا أيها المبارك تصور ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾، نُشرت أي بمعنى أنها تطايرت، نُشرت على الخلائق وفُتحت، لما تطايرت على الناس فكل إنسانٍ عندما وقع هذا الكتاب بإحدى يديه إذا هو يفتح هذا الكتاب وينشره ليقرأ، يقرأ هذا الكتاب وماذا كُتب فيه، ولك أن تتأمل في يومٍ واحدٍ فقط من أيام حياتك أنت، أنت الآن تُملي هذه الصحف، أنت الذي تُمليها في الحياة الدنيا، لك أن تتأمل هذه الصحف الآن في الحياة الدنيا قبل أن تتطلع عليها في الآخرة.
احسب عملك في يومٍ واحدٍ من دون أن تتعنى لشيءٍ معين، ابدأ اليوم، بدأت في هذا اليوم من بعد الفجر إلى أن تقوم من نومك، ما الذي يحدث؟ الذي يحدث أنك صليت الفجر مع الجماعة، الحمد لله، قرأت وردك، الحمد لله، قرأت حزبك من القرآن، الحمد لله، قمت وخرجت إلى عملك بنيةٍ صالحة، الحمد لله، صليت الضحى، الحمد لله، جاء الظهر وصليت النافلة الراتبة قبل الظهر، الحمد لله، صليت الظهر خاشع متوجهًا إلى الله عزّ وجلّ منيبًا مُخبتًا، الحمد لله، أديت الراتبة الحمد لله، عدت إلى راحتك تستعد لبقية يومك، العصر كذلك أربعًا قبل العصر، ثم قرأت وردك وحزبك من القرآن، جاء المغرب أيضًا كذلك، ذهبت في عملك في طلب رزقك، وكل ذلك بطاعة لله عزّ وجلّ وبخشيةٍ منه، ثم انتهى يومك ونمت على ذكرٍ لله عزّ وجلّ وعلى قراءةٍ لأورادك، فإذا أنت في يومٍ ستسر إذا رأيت هذه الصحيفة في يوم القيامة.
لكن اقلب هذا الأمر أسيسرك يوم القيامة أن يُقال فلان واقع فلانة حرامًا؟ أيسرك هذا أن تجد في صحيفتك فلان زان؟ فلان آكل الربا، فلان كذب، فلان ضيع الصلاة لم يصلها مع جماعة المسلمين، ضيع الصلاة لم يصلها في المسجد، ضيع الصلاة أخرها عن وقتها، أتُسر بهذا إذا وجدته يوم القيامة؟ لن تُسر، وتكذب إن قلت ستسر، وإن قلتها عنادًا سترى ما الذي يحدث لك في ذلك الموقف العظيم، إن ظلمت إنسانًا ستسر أن يُقال ظلم فلانًا؟ أكل ماله، كذب عليه، اعتدى عليه، كان ضعيفًا فرأى في نفسه قوة فجاءه بالبهتان والظلم والاعتداء، لن تفرح به، هذه هي صحفك أيها المؤمن، هذا الذي ستراه في يوم القيامة فانتبه لذلك، فانتبه لذلك هذه الصحف إذا ملئت والله لن يستطيع إنسانٌ كائنًا من كان أن يمحو منها شيئًا، قد أُثبتت عليك، فلن يستطيع أن يمحو منها شيئًا.
أيها الأحبة، فاصلٌ قصير ثم نعود لاستكمال تفسير هذه السورة.
فــاصــــــــــــــــل تليفزيونـــــــــــــــي
بســم الله الرحمٰن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
حياكم الله أيها الأخوة مرةً أخرى، ونواصل الكلام عن تفسير هذه السورة عند قول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ [التكوير: 10]، وتم الكلام عن الصحف وعن واقعها، وهذا الأمر الذي أُريده منك أيها المبارك أن يبقى منك في ذهنك أن تتذكر هذه الحال وأن تتذكر هذه الصحف إذا مُلئت، بعد ذلك قال الله عزّ وجلّ وهو يُبين هولًا أخرة من أهوال يوم القيامة ﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴾ [التكوير: 11]، وقد سبق الكلام عن السماء وعن مراحلها وعن ما يتعلق بكشطها، وأن هذه المرحلة التي ذكرها الله عزّ وجلّ في هذه السورة من أواخر ما يقع من أهوال يوم القيامة، وهي مُفسرةٌ بقوله سبحانه وتعالى ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ [الأنبياء: 104].
بعد ذلك قال الله تعالى ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾ [التكوير: 12]، وهذه الجحيم لها أمرٌ عجيبٌ جدًا في يوم القيامة، وقد أخبر الله عزّ وجلّ هنا أن الجحيم سُعرت، وهذا التسعير هو تسعيرٌ خاصٌّ يكون في يوم القيامة استعدادًا لأهل النار الذين سيُلقون فيها، وإلا فإن نار جهنم –أعاذنا الله وإياكم من ذلك- كأنها قد سُعرت قديمًا، وقد ثبت عند الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا عليه وهو في حكم المرفوع أنه قال "أوقد على النار ألف عامٍ حتى احمرت" معنى احمرت أنها بدأت تشتعل، بدأ لهبها يظهر، "ثم أوقد عليها ألف عامٍ حتى ابيضت"، معنى ابيضت أن لهبها بدأ يظهر دخانًا فغطى هذا الدخان الأبيض هذه النار، "ثم أوقد عليها ألف عامٍ حتى استودت، فهي سوداء مظلمة".
ولذا قال سلمان الفارسي وابن عبّاس والضحاك بن مزاحم وجماعة من أهل العلم في تفسير هذه الآيات "كل شيءٍ في النار فهو أسود"، أهلها سود، ودوابها سود، ووحوشها سود، وأغلالها سود، ودخانها أسود، ونارها سوداء، وكل أكلها أسود، طعامها أسود، وشرابها أسود، وكل ما فيها أسودٌ في أسودٌ، وهذه حقيقة في نار جهنم أن كل ما فيها أسود فليس فيها قطعة من نورٍ أبدًا، لا يدخل إليها نور ولا يخرج منها نفس، هذه هي النار التي ستسعر في يوم القيامة، ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾ [التكوير: 12].
وهذه النار إذا أقبلت في يوم القيامة وسُعرت فإن لها هولٌ عظيمٌ على الناس، ولها وقعٌ شديدٌ، ومن هولها أنها عندما تزفر فإن ملائكة الله عزّ وجلّ وأنبياء الله عزّ وجلّ حتى إبراهيم الخليل يجثو على ركبتيه، وقد رُوي عن ابن عباس أنه قال عن قوله سبحانه وتعالى ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴾ [الفرقان: 12]، هذا الزفير عبارة عن هواء حارٌّ يخرج من النار يوم القيامة، قال عن هذه الآية "عندما تزفر جهنم يجثو الأنبياء، حتى إن إبراهيم الخليل عليه السلام ليجثو على ركبتيه ، فيقول ربي ربي لا أسألك اليوم إلا نفسي، ربي ربي لا أسألك اليوم إلا نفسي، ربي ربي لا أسألك اليوم إلا نفسي"، من هول الأمر إنما تُسعر جهنم في يوم القيامة، هذا إبراهيم الخليل، هذا أبو الأنبياء، هذا شيخ التوحيد، هذا حاله!، فما حالنا نحن؟ ما أمرنا نحن؟، الأمر ليس بالهين أيها المبارك.
ولذا أيضًا جاء عن جبريل في حديث ابن عباس موقوفًا عليه أنه قال عن جبريل عليه السلام "إذا ذفرت جهنم فإن جبريل يقول اللهم سلم سلم اللهم سلم سلم اللهم سلم سلم"، هذا كلام جبريل وهذا كلام إبراهيم الخليل، فما حال الناس في ذلك الموقف العصيب؟ ما حال المجرمين؟ ما حال الكفرة؟ ما حال الفجرة؟ ما حال الذين يرتكبون منهيات نهى الله عزّ وجلّ عنها في الليل والنهار؟ في اليوم مراتٍ كثيرة، ما حالهم؟ ما شأنهم؟ إذا كان هؤلاء جثوا على الركب، هؤلاء سيفعلون ماذا؟، أمرٌ عظيم ليس بالهين أبدًا، هذه نار جهنم، شأنها وحجمها وعظمها، ألا يكفيك أن الله أضافها لنفسه فقال ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾ [الهمزة: 6]، الأمر ليس بالهين أبدًا، فعندما تُسعر النار هذا من أعظم أهوال يوم القيامة، ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾ [التكوير: 12]، ثم بعد ذلك إذا سُعرت الناس ماذا يحدث للناس؟ يحدث للناس قنوط، يأس، خوفٌ رهيب، رهبة.
بعد ذلك تقدم الجنة، ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾ [التكوير: 13]، تقدم جنة الله عزّ وجلّ، تقدم رحمة الله سبحانه وتعالى، تقدم هذه الجنان، هي من وراء النار ولكن يراها أهل الإيمان قد أزلفت قربت، فيرتاحون لذلك ويطمئنون، ويأتيهم من روحها ويأتيهم من ريحها فتطمئن الأنفس وتهدأ النفوس قليلا لأن جنة الله قد أقبلت، ولأن رحمة الله قد شُرعت، ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾ [التكوير: 13] قُربت لأهل الإيمان، فتصور هذا الحال، فتصور حال أهل الإجرام وهم يرون النار ويعلمون وأنهم من أهلها، وتصور حال الجنة وقد تزينت لقاطنيها وسكانها وهو يعلم أنه سيُحرم منها، وتصور أنت أيها المؤمن والنار تزفر وأنت في أمان قد أمنت من الفزع الأكبر، وهدأت نفسك وأنت ترى الجنة وتتمنى متى ينقضي الحساب فتكون من أهلها، الأمر ليس بالهين أيها المبارك، فهذه ستٌ بعد البعث، وتلك ستٌ قبل البعث.
بعد ذلك أنت أيها المؤمن أيها المبارك يُخبر الله عزّ وجلّ عن حالك كما يُخبر عن حال ذاك المجرم فيقول الله سبحانه وتعالى في ختام هذه الست وفى ختام تلك الست بعد هذه الأهوال العظام وبعد هذه الأمور الكبار يقول الله عزّ وجلّ لك ويذكرك ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾[التكوير:14] ستعلم أنت ماذا أحضرت في يوم القيامة ستعلم نفس ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾ ستعلم هذه الأنفس ما الذي جاءت به إلى يوم القيامة لا إله إلا الله إذا كنا سنعلم ما الذي سنأتي به في يوم القيامة ألا نأتي بحسنات نتقرب بها إلى الله يا أخي الحسنات أبوابها واسعة، والسيئات والله أبوابها ضيقة ولكن النفس والهوى، عندك من أبواب الحسنات أشياء عظيمة عندك الصلاة عندك الصيام عند كذلك غير هذه العبادات عندك الإحسان إلى اليتيم والمسكين والصغير والضعيف، عند التسبيح والتهليل والذكر وما أسهلها وما أهونها على الإنسان لو أنه عالج نفسه وغالبها ورباها على ذكر الله سبحانه وتعالى إذاًَ أيها المؤمن أيها المبارك الأمر يسير ولكن أين القلوب التي تتفتح لكتاب الله عزّ وجلّ ؟ أين القلوب التي تريد أن ترتوي بكتاب الله سبحانه وتعالى ؟ أين القلوب التي تريد أن تحيا بكتاب الله جلّ وعلا ؟ أين القلوب التي تريد من هذا القرآن أن يكسر الأقفال التي وضعها الشيطان على قلب هذا الإنسان يريد منها أن يحرمه من الجنان ويريد منها أن يقذف به في مدارك ودركات النيران أين أنت أيها المؤمن من كتاب ربك؟ والله لو تأملنا آيات قليلات من كتاب الله لساقنا هذا القرآن إلى عظيم من الإيمان لساقنا إلى رفعة من الجنان والأمر يسير يا أخي هي ساعة لكن تعيش هذه الساعة مع كتاب ربك، نعم هي ساعة لكن هذه الساعة تكون أنت مع الله عزّ وجلّ مع كلام الله هي ساعة ولكن تقبل فيها على تدبر كلام ربك سبحانه وتعالى هي ساعة ولكنها تتصل بها برحمن السماوات والأرض بهذا الرحمن الرحيم بهذا القريب ممن اقترب منه إذا أتيته تمشي أتاك هرولة جلّ وعلا تريد أعظم من هذا الإحسان تتقرب إليه شبراً يتقرب إليك ذراعاً جلّ وعلا تريد أعظم من هذه الرحمة بين يديك كلام رب الأرباب سبحانه وتعالى لما لا تعيش معه في لحظات تكون أنت أيها المؤمن في حياة تخرجك قليلا عن طور هذه الحياة الدنيا وما فيها من التعب وما فيها من النكد وما فيها من الأشغال وما فيها من الهموم ولكن ساعة تكون أنت فيها قد أحط نفسك بكلام ربك فاسمع هذا القرآن بكل جوارحك ليس بأذنيك فقط بكل جوراحك تسمع هذا القرآن بقلبك تسمع هذا القرآن بأذنيك تسمع هذا القرآن أيضاً بجوارحك بقشعريرة جلدك تسمع هذا القرآن من كل وجه عشها ساعة مع كتاب ربك، نعم عشها ساعة أيها المؤمن أيها المبارك عشها ساعة مع كتاب ربك ستجد الفرق العظيم بين حياة بدون القرآن ومع حياة مع القرآن ستجد الفرق الكبير الشاسع بين حياة يكون غذاؤها من كتاب الله وبين حياة يكون غذاؤها من الشيطان، نعم ستجد الفرق العظيم أيها المبارك ولكن أعيد وأكرر عليك كتاب ربك، كتاب ربك، كتاب ربك، عليك بهذا الكتاب العظيم ثم أبشر فوالله ليكونن معك هذا الكتاب في الحياة الدنيا ووالله ثم والله ثم والله ليكونن معك هذا الكتاب معك في قبرك والله ثم والله ثم والله ليكونن معك هذا الكتاب بعد نشرك والله ثم والله ثم والله ليكونن معك هذا الكتاب وأنت فوق الصراط وليكونن معك هذا الكتاب عندما تدخل جنة ربك نعم سيكون معك وسيقال لك اقرأ وارتقِ كما كنت ترتل في الدنيا ستصعد لكن أين ؟ تصعد في الدرجات العالية من الجنات أين ؟ إلى درجات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى نعم أيها المؤمن درجات والله هي الدرجة الواحدة في جنات عدن لو قيل لك في ذاك الموقف تشتريها بماذا لتشترينها بكل شيء تشتريها بروحك تشتريها بأمك وأبيك تشتريها بكل الناس من حولك تشتريها بكل حال من أحوالك والآن تستطيع أن تحصل درجات عالية في الجنان بأمر يسير بأن تعيش حياة سعيدة ولذة والله ليست بالقليلة لكن مع القرآن جرب هذا أيها المؤمن لا تحرم نفسك لم تحرم نفسك؟ لم تحرم نفسك هذا ؟ ما السبب ؟ ما تستطيع أن تجعل ساعة لكتاب ربك ساعة تكون فيها أنت والقرآن أحبه تصاحب كتاب الله عزّ وجلّ تستطيع لكن رتب أوقاتك، رتب هذا اليوم الذي أعطاك الله عزّ وجلّ إياه هذه الدقائق هذه اللحظات رتبها قليلاً اجعل لكتاب الله عزّ وجلّ حظاً ساعة واحدة مع كتاب الله ساعة واحدة تقبل فيها على كلام ربك ساعة واحدة يكون فيها المرء مع الله ومع كلام الله يقرأ ويتدبر ويتأنى حين يقرأ إذا كان كذلك، والله أبشر بالخير ستفرح عظيما وستفرح شديداً وستفرح والله في كل موطن ولن يكون الأمر في فرحك أن يكون هذا خاصاً بك لا، وإنما فرح أيها المؤمن لن يقتصر عليك بل سيفرح بك كل من يشفعهم الله عزّ وجلّ أو يجعلك شفيعاً لهم في يوم القيامة هذه الأمور أيها المبارك أريد أن تبقي منك على وأنت على ذكر وأنت على كتاب ربك ونحن في ختام هذه الدروس التي أريده منها أن تتعلق بكتاب ربك لا تتعلق بأحد من الخلق كائناً من كان الذي أريده من هذه الدروس أن تتوجه بعد ذلك إلى كلام الله وأن يكون هو مهربك وهو ملجأك وهو حصنك لا تتوجه إلى أحد من الناس كائناً من كان إلا إلى كتاب ربك ستجد فيه الحل لكل المشاكل من أولها إلى آخرها ستجد فيه إزالة الهموم كلها من أولها إلى آخرها ستجد فيه الناصر والمعين في كل الأمور من أولها إلى آخرها قد عاش في رياضه رسولنا وحبينا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنستغني نحن أن نعيش في هذه الرياض؟ كلا والله، إذاً فلنقبل على كلام ربنا، إذاً فلنأتي إلى كلام الله عش مع هذا الكتاب أيها المبارك ساعات وسترى ما الذي يحدث في قلبك؟ وما الذي يجري لجوارحك؟ وما الذي يجرى للدنيا جميعا من حولك ؟ ستتغير الدنيا من حولك نعم ستتغير ستهدي الناس أنت لكن بكلام الله وستخرج الناس من الظلمات إلى النور لكن بأي شيء؟ بكلام الله وسيأتي الناس إلى دين الله أفواجا بأي شيء؟ بكتاب الله كل هذا يكون بهذا القرآن العظيم إذا أقبلت عليه وإياك ثم إياك أن يأتيك ما يشغلك عن هذا القرآن فإنه والله خسارة ليس بعدها خسارة ونكر للجميل من الله عزّ وجلّ الجليل الجميل بأن منّ عليك بهذه النعمة العظيمة إذاً أيها المبارك تعلق بكتاب الله وكن قريباً من الله وعليك بكتاب الله ثم أبشر وأبشر وأبشر بنور من الله سبحانه وتعالى هذا القرآن نور.
أسأل الله عزّ وجلّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، اللهم إني أسألك بجودك وكرمك اللهم إني أسألك برحمتك اللهم إني أسألك بقوتك اللهم إني أسألك بجبروتك اللهم إني أسألك بأنك رب السماوات والأرض، يا ربنا ويا خالقنا ويا رازقنا يا ذا الجلال والإكرام ربنا إلهنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا يا ذا الجلال والإكرام اللهم ربنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا من هذا القرآن العظيم نوراً في قلوبنا اللهم اجعل لنا منه نوراً في قلوبنا اللهم اجعل لنا منه نوراً في قلوبنا اللهم ونوراً في أسماعنا اللهم ونوراً في بصائرنا اللهم ونوراً في بصائرنا اللهم ونوراً في أبصارنا اللهم ونوراً في أبصارنا اللهم واجعل لنا منه نوراً يا ذا الجلال والإكرام عن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ومن تحتنا ومن أمامنا ومن خلفنا واجعل لنا نوراً يا ذا الجلال والإكرام اللهم اجعله هادينا وقائدنا إلى جناتك جنات النعيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيراً يا شيخ ونفعنا الله بهذا الشرح الرائع، نريد أن نعرف كيف يمكننا الاستفادة الفعلية من هذه الدروس، ربما يعني أحدنا يجد هذه المراحل السبعة وتعلمها والمراحل الثلاثة الأوائل بالنسبة لعموم المسلمين ولكن لا يستطيع أن يطبقها فما السبيل كي يطبقها بمثل هذه المراجع الكثيرة التي كتبناها وعلمناها؟
سأل الشيخ:
السؤال عن كيفية تطبيق هذه المرحل؟
أكمل الشيخ:
الاستفادة منها بالفعل كي نفهم كتاب الله عزّ وجلّ .
أكمل الشيخ :
جيد تقصد الاستفادة الفعلية؟ حقيقة فيما ذكرت سابقاً أنا حرصت على الشيء العملي الفعلي يعني حاولت أن يكون هناك شيء علمي وفعلي وهذا الذي جربته يعني مع نفسي وجربته معه الأخوة والأحبة أيضاً كذلك في شرح هذه المراحل سواء كانت ثلاثة أو المراحل السبعة فأريد منك أيها المبارك فقط أن تحاول أن تطبق هذا بشيء من الهمة شيء من الجهد وهذا سهل ويسير ليس بالعسير أبداً يعني هذه المراحل التي تراها ليست بالعسيرة أبدا خصوصاً الثلاثة الأولى يعني تحدد من أين تبدأ تقبل على كلام الله عزّ وجلّ بتلاوته بتأني وترك العجلة أن تختار كتاباً ميسراً في التفسير هذه يسيرة سلهة ممكنة التنفيذ أليس كذلك ؟ هذا الذي أريده الأشياء التي أمامك ليست صعبة أبداً وإنما قد يضع الشيطان حواجز دونك ودونه فتقول أين أنا والمراحل الثلاثة أين أنا والمراحل السبعة أين أنا من فهم كلام الله عزّ وجلّ هذا كله من الشيطان أن تستعذ من الشيطان وأقبل على كلام الرحمن سبحانه وتعالى ثم أبشر بالخير لكن ابدأ، دع عنك الهواجس دع عنك هذه الخواطر التي هي خواطر نستطيع أن نقول إنها خواطر ليست من الله أبدا وإنما تكون من الشيطان يعني هذه الحواجز والصعوبة، أبداً ليست صعبة لكن أقبل وإذا أقبلت على الله فأبشر بإعانة وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى، واضح إذاًَ الجواب أنك أقبل وسترى بإذن الله عزّ وجلّ كل خير. بهذا نختم هذه الحلقات وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025, Developed By uaedeserts.com