المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تكملة آداب الطالب في نفسه ( تفريغ )


أم الفوارس
06-07-08, 06:46 PM
http://www.almdni.com/up/uploads/fe0d6a4b14.jpg (http://www.almdni.com/up)


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المقدمة >>

http://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=14477


أدب الطالب في نفسه

http://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=15211

الآن نكمل

http://up.joreyat.org/07Jul2008/181653db0a4fkhym.gif


2- الْخُصْلَةُ الْجامِعَةُ لِخَيْرَيْ الدُّنْيا وَالآخِرَة؛ (مَحَبَّةُ الله تَعالى وَمَحَبَّةُ رَسولِهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَتَحْقيقِها بِتَمَحضِ الْمُتابَعَةِ وَقُفُوِ الأَثَرِ لِلمْعصومِ.
قالَ الله تَعالى: " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"

[ آل عمران: 31]


الشرح:

لا شك أن المحبة لها أثر عظيم في الدفع والمنع، إذ أن المُحب يسعى غاية جهده في الوصول إلى محبوبه، فيطلب ما يرضيه وما يقرِّبه منه، ويسعى غاية جهده لاجتناب م يبغضه محبوبه، ويبتعد عنه. ولهذا ذكر ابن القيم في (روضة المحبين): أن كل الحركات مبنية على المحبة، كل حركات الإنسان، وهذا صحيح لأن الإرادة لا تقع من شخص عاقل إلا لشيء يرجو نفعه أو يدفع ضرره، وكل إنسان يحب ما ينفعه، ويكره ما يضره، فالمحبة في الواقع هي القائد والسائق إلى الله عزوجل تقود الإنسان وتسوقه، وانظر إلى الذين كرهوا ما أنزل الله، كيفَ قال الله:
"ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه فَأَحْبَطَ أَعْمَالهم"ْ

[ محمد: 9]

صارت نتيجتهم الكفر، لأنهم كرهوا ما أنزل الله، فالمحبة كما قال الشيخ هي: الجامعة لخيري الدنيا والآخرة.
أما محبة الرسول عليه الصلاة والسلام فإنها تحملك على متابعته ظاهراً وباطناً لأن الحبيب يُقلِّد محبوبه حتى في أمور الدنيا، تجده مثلاً يقلده في اللباس.. في الكلام، حتى في الخط، نحن نذكر بعض الطلبة في زماننا كانوا يُقلِّدون الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في خطه، مع أن خطه- رحمه الله- ضعيف، ما تقدر تقرأه، لكن من شدة محبتهم له، فالإنسان كلما أحب شخصاً حاول أن يكون مثله في خصاله.
فإذا أحببت النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذه المحبة سوف تقودك إلى اتباعه صلوات الله وسلامه عليه.
ثم ذكر الآية التي يسميها علماء السلف آية المحنة، يعني الإمتحان، لأن قوماً ادَّعوا أنهم يحبون الله فقال الله تعالى:
"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي"

[ آل عمران: 31]

أين الجواب؟ الجواب المتوقع: فاتبعوني تصْدُقوا في دعواكم، لأن الشرط والمشروط، إن كنتم تحبون الله فاتبعوني تصدقوا في دعواكم، لكن جاء الجواب: فاتبعوني يحببكم الله، إشارة إلى أن الشأن كل الشأن أن يحبك الله عزوجل، هذا هو الثمرة، وهو المقصود، لا أن تحب الله، لأن كل إنسان يدَّعي ذلك وربما يكون ظاهرك محبة الله، لكن في قلبك شيء، لا يقتضي أن الله يحبك، فتبقى غير حاصل على الثمرة.

* * *



وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَهذا أَصْلٌ مِنْ هذِهِ (الْحِلْيَةِ) وَيَقَعان مِنْها مَوْقِعَ التّاجِ مِنَ الحُلَّةِ، فيا أَيُّها الطَّلاب! ها أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَرَبَّعْتُمِ للدَّرْسِ وَتَعَلَقْتُمْ بَأَنَفَسِ عِلْقٍ (طَلَبِ الْعِلْمِ)؛ فَأُوَصّيكُمْ وَنَفْسيَ بِتَقْوى الله تعَالى في السِّرِ وَالْعَلانِيَّةِ؛ فَهِيَ الْعُدَّة، وَهِيَ مَهْبِطَ الْفَضائلِ، وَمُتَنَزَّلِ الْمَحامِدَ، وَهيَ مَبْعَثُ القُوَّةِ، وَمِعْراجُ السُّمُو، والرّابِط الْوَثيق عَلى الْقُلوبِ عَنِ الْفِتَنِ، فَلا تُفَرِّطوا.


الشرح:

صدق- رحمه الله وعفا عنه- ويدل على ذلك قوله تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا"

[ الأنفال: 29]

تفرِّقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وبين الطاعة والمعصية، وبين أولياء الله وأعداء الله.. إلى غير ذلك.
وتارة يحصل هذا الفرقان بوسيلة العلم، يفتح الله على الإنسان من العلوم، وييسر له تحصيلها أكثر ممن لا يتقي الله.
وتارة يحصل له هذا الفرقان بما يلقيه الله تعالى في قلبه من الفراسة.
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن يكن فيكم محدثون فعمر)
فالله تعالى يجعل لمن اتقاه فراسة يتفرس بها. فتكون موافقةً للصواب.
فقوله تعالى: "يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا" يشمل الفرقان بوسائل العلم والتعلم، والفرقان بوسائل الفراسة والإلهام أن الله تعالى يُلهم الإنسان التقي ما لا يُلهم غيره، وربما يظهر لك هذا في مجراك في طلب العلم، تمر بك أيام تجد قلبك خاشعاً منيباً إلى الله، مقبلاً عليه، متقياً له، فيفتح الله عليك مفاتح ومعالم كثيرة، ويمر بك غفلة ينغلقُ قلبك، وكل هذا تحقيق لقول الله تبارك وتعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ"

[ الأنفال: 29]

إذا غفر الله للعبد أيضاً فتح عليه أبواب المعرفة قال الله تعالى:"إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) واسْتَغْفِرِ اللهَ"

[ النساء: 105- 106]

ولهذا قال بعض العلماء: ينبغي للإنسان إذا اسْتُفتي أن يقدِّم استغفار الله حتى يبين له الحق، لأن الله قال: " لِتَحْكُمَ"، ثم قال: " واسْتَغْفِرِ اللهَ".

* * *


2- كُنْ عَلى جادَّة السَّلَفِ الصّالِحِ: كُنْ سَلَفِياً عَلى الجادَّة؛ طَريق السَّلَفِ الصّالِحِ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ الله عَنْهُمْ، فَمَنْ بَعْدِهِمْ مِمَّنْ قَفا أَثَرَهُمْ في جَميعِ أَبْوابِ الدّينِ؛ مِنَ التَّوْحيدِ، وَالْعِباداتِ، وَنَحْوِها، مُتَمَيِّزاً بِالتْزامِ آثارِ رَسولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْظيفِ السُّنَنِ عَلى نَفْسِكَ، وَتَرْكِ الْجِدالَ، وَالْمِراءَ، وَالْخَوْضِ في عِلْمِ الْكَلامِ، وَما يَجْلبُ الآثامَ، وَيَصُدُّ عَنِ الشَّرْعِ.

الشرح:

هذا من أهم ما يكون، أن الانسان يكون على طريقة السلف الصالح في جميع أبواب الدين، من التوحيد والعبادات والمعاملات وغيرها.
كذلك أيضا يترك الجدال والمراء، لأن الجدال والمراء هو الباب الذي يقفل طريق الصواب، فإن الجدال والمراء يحمل المرء على أن يتكلم وينتصر لنفسه فقط، حتى لو بان له الحق تجده: إما أن ينكره، وإما أن يؤولِّه على وجه مستكره انتصاراً لنفسه وإرغاماً لخصمه على الأخذ بقوله.
فإذا رأيت من أخيك جدالاً ومراءً، بحيث يكون الحق واضحاً ولكنه لم يتبعه ففر منه فرارك من الأسد، وقل: ليس عندي إلا هذا، اتركه.
وكذلك الخوض في علم الكلام مضيعة للوقت، لأنه يخوض في أشياء من أوضح الأشياء.

مرَّ عليَّ اليوم في دراسة بعض الطلبة، يقول: ما هو العقل؟

عرِّفه لي لغةً واصطلاحاً وعرفاً وشرعاً؟!!

هذا ماله تعريف، لكن علم الكلام أدخل علينا الأشياء هذه، يجد الواحد مرة: إيش العقل هذا؟ سبحان الله!!
الظاهر أن الذي يقعد يفكر في تعريف العقل صار مجنوناً لأن هذا أمر واضح ما يحتاج إلى تعريف، لكن هؤلاء – أهل الكلام- صَدّوا الناس عن الحق وعن المنهج السلفي البسيط بما يوردونه من الشبهات والتعريفات والحدود وغيرها.
وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الرد على المنطقيين، يتبين لك الأمر، أو في (نقض المنطق) وهو مختصر وأوضح لطالب العلم، يتبين لك ما هم عليه من الضلال، ما الذي حمل علماء جهابذة على أن يسلكوا باب التأويل في باب الصفات؟! إلا علم الكلام.
لو كان كذا لكان كذا، لو كان مستوٍ على العرش حقيقة لزم أن يكون محدوداً لماذا؟ لأن العرش محدود!! لو كان يُرى لزم أن يكون في جهة، ولو كان في جهة لكان جسماً، وهلم جرَّى.. يعطونك من هذا الكلام الذي يضيعك، وهم يظنون أنهم يهدونك سواء السبيل.

فإذاً من المهم لطالب العلم أن يترك الجدال والمراء، وأن يترك ما يَرِدُ على ذهنه من الإيرادات، اترك هذه الأشياء، لا تتنطع، اجعل علمك سهلاً ميسِّراً.
يعني الأعرابي يأتي ببعيره يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن مسائل الدين، ثم ينصرف بدون مشقة، لأنه ليس عنده إلا التسليم، أما المناقشات والمراء والجدال، فهذا يضر الإنسان، فالشيخ أبو بكر جزاه الله خيراً ألمح إلى هذا الأمر، وما يجلب الآثام ويصد عن الشرع.

* * *

أم الفوارس
06-07-08, 07:50 PM
قالَ الذَّهبِيِّ- رَحِمَهُ الله تَعالى- : ( وَصَحَّ عَنِ الداّرقُطْنِيّ أَنَّهُ قال ما شَيْءٌ أَبْغَضُ إلِيَّ مِنْ عِلْمِ الْكَلامِ. قْتُ: لَمْ يَدْخُلِ الرَّجُلَ أَبَداً في عِلْمِ الْكَلامِ وَلا الْجِدالِ، وَلا خاضَ في ذلك، بَلْ كانَ سَلَفِياً).

الشرح:

يبغضه مع أنه لم يدخل فيه، لكن لما له من نتائج سيئة، وتطويل بلا فائدة وتشكيك لما هو متيقن، وإرباك للأفكار، وهجر للآثار، ولهذا ليس شيءٌ فيما أرى أضر على المسلمين في عقائدهم من علم الكلام والمنطق، وكثير من علماء الكلام الكبار أقَّروا في آخر حياتهم أنهم على دين العجائز، ورجعوا إلى الفطرة الأولى، لِما علموا من علم الكلام.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في (الفتوى الحموية): [ وأكثر من يُخاف عليه الضلال، هم المتوسطون من علماء الكلام، لأن من لم يدخل فيه فهو في عافية منه، ومن دخل فيه وبلغ غايته فقد عرف بطلانه وفساده ورجع].
وصدق رحمه الله، وهذا هو الذي يُخاف في كل علم، يُخاف من الأنصاف الذين ما عرفوا الطريق لأنهم لم يروا أنفسهم أنهم لم يدخلوا في العلم فيتركوه لغيرهم، ولم يبلغوا غاية العلم والرسوخ فيه فيَضلون ويُضلون.
لكن علم الكلام خطير لأنه يتعلق بذات الرب وصفاته ولأنه يبطل النصوص تماماً ويحكِّم العقل، ولهذا كان من قواعدهم: أن ما جاء في النصوص من صفات الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: قسم أقره العقل، فهذا نقره بدلالة العقل لا بدلالة السمع.
الثاني: قسم نفاه العقل، فيجب علينا نفيه دون تردد لأن العقل نفاه، ولكن عقل من ؟! قال الإمام مالك رحمه الله: ليت شعري بأي عقل تنكر الكتاب والسنة أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أخذنا بقوله وتركنا من أجله الكتاب والسنة هذا لا يمكن.
الثالث: قسم لم يرد العقل بنفيه ولا بإثباته، فمن قال: إن شرط الإثبات دلالة العقل، قال: يُرد، لأن العقل لم يثبته، ومن قال: إن من شرط قبوله أن لا يرده العقل، قال: إنه يُقبل، وأكثرهم يقول: إنه يُرد ولا يُقبل، لأن من شرط إثباته أن يدل عليه العقل.

وبعضهم يتوقف، قالوا: إذا لم يثبته العقل ولم ينفه، فالواجب علينا أن نتوقف وكل هذه قواعد ما أنزل الله بها من سلطان، ضلوا بها وأضلوا والعياذ بالله، وارتبكوا وشكُّوا وتحيَّروا، ولهذا أكثر الناس شكًّا عند الموت هم أهل الكلام، يترددون: هل الله جوهر أم عَرَض؟ هل هو قائم بنفسه أو بغيره؟ هل يفعل أم لا يفعل؟ هكذا.. عند الموت فيموت وهو شاكٌّ، نسأل الله السلامة والعافية.
لكن إذا كانت طريقته طريقة السلف الصالح، سهل عليه الأمر ولم يرد على قلبه شك ولا تشكيك ولا تردد.

* * *




وَهؤلاءِ هُمْ (أَهْلُ السُّنَةِ وَالْجَماعَةِ)، الْمُتَّبِعونَ آثارَ رَسولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَما قالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابن تَيْمِيَّةِ – رَحِمَهُ الله تَعالى- : [ وَأَهْلُ السُّنَةِ: نَقاوَةُ الْمُسْلِمينَ، وَهُمْ خَيْرُ النّاسِ للنّاسِ]. فَالزَمِ السَّبيلَ." وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ "

[ سورة الأنعام: 153]


الشرح:

اعلم أن من المتأخرين من قال: إن أهل السنة ينقسمون إلى قسمين: مفوِّضة ومؤوِّلة، وجعلوا الأشاعرة، والماتريدية، وأشباهمم من أهل السنة، وجعلوا المفوِّضة هم السلف، فأخطؤوا في فهم السلف وفي منهجهم، لأن السلف لا يفوضون المعنى إطلاقاً، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن القول بالتفويض من شر أقوال أهل البدع، والإلحاد)، واستدل بذلك بأننا إذا كنا لا ندري معاني ما أخبر الله به عن نفسه من أسماء وصفات، جاءنا الفلاسفة وقالوا: أنتم جهال، ونحن الذين عندنا العلم، ثم يتكلموا بما يريدون، وقالوا: إن المراد بالنص كذا وكذا، ومعلوم أن معنىً للنص خيرٌ من توقفٍ فيه وأنه ليس له معنىً.
فانتبهوا لهذا، لأن بعض الناس يرى أن أهل السنة والجماعة يدخل فيهم المتكلمون من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم.

ثم يقول – من العجب العجاب- طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم.
سبحان الله !! وكيف تكون طريقة السلف أسلم وطريقة الهلف أعلم وأحكم؟ وهل يمكن أن تكون طريق أعلم وأحكم وليست أسلم؟ بل يلزم من كون طريقة السلف أعلم وأحكم أن تكون أسلم بلا شك، لأن شخصاً يقول: هذا النص له معنىً وأنا أؤمن به، أعلم بلا شك وأحكم من شخص يقول: لا أدري، فلا سلامة إلا بالعلم والحكمة، فهذا تناقض عظيم، ولهذا كان القول الصحيح في هذه العبارة: أن طريقة السلف أعلم وأسلم وأحكم.

ويلزم من كوننا نحث الطلبة على منهج السلف، يلزم من ذلك تحريضهم على معرفة منهج السلف، فنطالع الكتب المؤلفة في ذلك، كـ (سير أعلام النبلاء)، وغيرها حتى نعرف طريقهم، ونسلك هذا المنهج القويم.

* * *


3- مُلازَمَةُ خَشْيَةِ الله تَعالى:
التَّحَلّي بِعِمارَةِ الظّاهِرِ وَالْباطِنِ بِخَشْيَةِ الله تَعالى؛ مُحافِظاً عَلى شَعائِر الإسْلامِ، وَإِظْهارِ السُّنَةِ وَنَشْرِها بِالْعَمَلِ بِها وَالدَّعْوَةِ إِلَيْها؛ دالاًّ عَلى الله بِعِلْمِكَ وَسَمْتِكَ وَعَمَلِكَ، مُتَحَلِياًّ بِالرُّجولَةِ، وَالْمُساهَلَةِ، وَالسَّمَتِ الصَالِحِ. وَمَلاكُ ذلكَ خَشْيَةُ الله تَعالى، وَلِهذا قالَ الإمامُ أَحْمَد – رَحِمَهُ الله تَعالى- : (أَصْلُ الْعِلْمِ خَشَيْةُ الله تَعالى)


الشرح:

وهذا الذي قاله الإمام أحمد صحيح: أصل العلم خشية الله، وخشية الله هي الخوف المبني على العلم والتعظيم، ولهذا قال الله تعالى : "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"
[فاطر: 28]
فالإنسان إذا علم الله عزوجل حق العلم، وعرفه حق المعرفة، فلا بد أن يكون في قلبه خشية الله؛ لأنه إذا علم ذلك علم عن رب عظيم عن رب قوي عن رب قاهر عن رب عالم بما يسر ويخفي الإنسان، فتجده يقوم بطاعة الله عزَّ وجلَّ أتم قيام : "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ".
قال العلماء: والفرق بين الخشية والخوف: أن الخشية تكون من عظم المخشي، والخوف من ضعف الخائف، وإن لم يكن المخوف عظيماً، ولهذا يخاف الصبي من فتى أكبر منه قليلاً.

والحاصل: أن الخشية تكون من عظم المخشي، والخوف يكون من نقص الخائف،ولهذا بعض الناس يخاف من لاشيء لأنه رعديد يعني جبان ولهذا يضرب المثل بالرجل يخاف من ظلاله، ولكن قد يقال: خِفِ الله.
"فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"

[ آل عمران: 175]

وهنا في مقابلة فعل هؤلاء الذين يخافون من الناس.
* * *


فَالزَمْ خَشْيَةَ الله في السِّرِ والْعَلَنِ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْبَرِيَّةِ مَنْ يَخْشى الله تَعالى وَما يَخْشاهُ إِلاّ عالِمٍ، إِذَنْ فَخَيْرُ الْبَرِيَّةِ هُوَ الْعالِم، وَلا يَغِبْ عَنْ بالِكَ أَنَّ الْعاِلمَ لا يُعَدُّ عالِماً إِلاّ إِذا كانَ عامِلاً، وَلا يَعْمَلُ الْعالِمُ بِعِلْمِهِ إلا إِذا لَزِمَتْهُ خَشْيَةُ الله.
وَأَسْنَدَ الْخَطيبُ الْبَغْدادَيّ – رَحِمَهُ الله تَعالى- بِسَنَدٍ فيه لَطيفَةٍ إِسْنادِيَّةٍ بِرِوايَةِ آباءٍ تِسْعَة، فَقال: أَخْبَرَنا أَبو الْفَرَجْ عَبْدِ الوَّهاب بن عَبْدِ الْعَزيز بن الْحارِثِ بن أسَد بن اللَّيْثِ بنْ سُلَيْمان بن الأّسْوَدِ بن سُفْيانٍ بن زَيْدٍ ابْنِ أُكَيْنَةَ بن عَبْدِ الله التَّميمي من حفظه؛ قال: سَمِعْتُ أَبي يَقول: سَمِعْتُ أَبي يَقول: سَمِعْتُ أَبي يَقول: سَمِعْتُ أَبي يَقول: سَمِعْتُ أَبي يَقول: سَمِعْتُ أَبي يَقول: سَمِعْتُ أَبي يَقول: سَمِعْتُ أبِي يَقُول: سَمِعْتُ عَلِيّ بنْ أَبي طالِبٍ يَقول: (هَتَفَ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجابَهُ، وَإِلا ارْتَحَلْ)وَهذا اللَّفْظُ بِنَحْوِهِ مَرْوِيٌّ عَنْ سُفْيانِ الثَّوْرِيِّ رَحِمُه الله تَعالى- .


الشرح:
قوله: (لا يعد عالماً) يعني عالماً ربانياً، وأما كونه عالماً ضد الجاهل، فهذا يُقال، إن الذي ألف (المنجد) رجل نصراني وفيه من معرفة اللغة العربية الشيء الكثير، وإن كان فيه غلطات كثيرة وأشياء تؤخذ عليه من الناحية الدينية، لكن العالم الذي يعمل بعلمه هو الذي يصدق عليه أنه عالم رباني، لأنه يربي نفسه أولاً، ثم يربي غيره ثانياً.
(هتف العلم...) إذاً لابد من العمل بما علم، لأنه إذا لم يعمل بعلمه صار من أول ما تسعر بهم النار يوم القيامة.

وعالم بعلمه لم يعملاً معذبٌ من قبل عباد الوثن

هذه واحدة، إذا لم يعمل بعلمه، أورث الفشل في العلم وعدم البركة ونسيان العلم لقول الله تعالى:
"فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ"

[ المائدة: 13]

وهذا النسيان يشمل النسيان الذهني والعملي، قد يكون بمعنى ينسونه ذهنيًّاً، أو بمعنى ينسونه: يتركونه، لأن النسيان في اللغة العربية يُطلق بمعنى الترك.أما إذا عمل الإنسان بعلمه فإن الله تعالى يزيده هدىً .
قال تعالى: "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى"

[ محمد: 17]

ويزيده تقوى، ولهذا قال: "وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ" إذا عمل بعلمه ورثه الله تعالى علم مالم يعلم، ولهذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
وتُروى هذه اللفظة: العلم يهتف بالعمل – يعني يدعوه- فإن أجابه وإلا ارتحل –أي العلم -، وهذا واضح لأنك إذا عملت بالعلم تذكرته كلما عملت.
وأضرب لكم مثلا برجل عرف صفة الصلاة من السنة وصار يعمل بها كلما صلى
هل ينسى ما علم؟ لا ينسى، لأنه تكرر، لكن لو ترك العمل به نسي، وهذا دليل محسوس على أن العمل بالعلم يوجب ثبات العلمولا ينساه.

* * *

أم الفوارس
06-07-08, 08:19 PM
*
*
*


4- دَوامَ الْمُراقَبَةِ:
التَّحَلي بِدَوامِ الْمَراقَبَةِ لله تَعالى في السِّرِ وَالْعَلَنِ؛ سائِراً إِلى رَبِّكَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجاءِ، فَإِنَّهُما لِلْمُسْلِمِ كَالجناحَيْنِ لِلطَّائِرِ، فَأَقْبِلْ عَلى الله بِكُلِّيََتِكَ، وَليَمْتَلِئ قَلْبَكَ بِمَحَبَّتِهِ، وَلِسانَكَ بِذِكْرِهِ، وَالاسْتِبْشارِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرورِ بِأَحْكامِهِ وَحِكَمهِ سُبْحانَهُ.

الشرح:

هذا من المهم؛ دوام المراقبة لله، وهذا من ثمرات الخشية أن الإنسان يكون مع الله دائماً يعبد الله كأنه يراه.
يقوم للصلاة فيتوضأ وكأنه ينفذ قوله تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ"

[ المائدة: 6]

يقوم يتوضأ وكأنه ينظر إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم وهو يتوضأ، ويقول: (من توضأ نحو وضوئي هذا)، كمال المراقبة.. وهذا أمر مهم.

وقوله: (يكون سائراً بين الخوف والرجاء فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر) هذا أحد الأقوال في هذه المسألة، وهي: هل الأولى للإنسان أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء؟ أو يغلِّب جانب الخوف؟ أو يغلِّب جانب الرجاء؟

الإمام أحمد رحمه الله يقول: ينبغي أن يكون خوفه ورجاه واحداً فأيهما غلب هلك صاحبه.
ومن العلماء من يفصٍّل ويقول: إذا هممت بطاعة فغلب جانب الرجاء، فإنك إذا فعلتها قبلها الله منك ورفعك بها درجات-من أجل أن تقوى -، وإذا هممت بمعصية فغلب جانب الخوف حتى لا تقع فيها، فعلى ذلك يكون التغليب لأحدهما بحسب حال الإنسان.

ومنهم من قال: بحسب الحال على وجه آخر، فقال: أما في المرض فيغلب جانب الرجاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه).

ولأنه إذا غلب في حالة المرض جانب الخوف فربما يدفعه ذلك إلى القنوط من رحمة الله، في حال الصحة يغلب جانب الخوف لأن الصحة مدعاة للفساد كما قال الشاعر الحكيم:

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

والذي أرى: أن الإنسان يجب أن يعامل حاله بما تقتضيه الحال، وأن أقرب الأقوال في ذلك: أنه إذا عمل خيراً فيغلب جانب الرجاء، وإذا همَّ بسيئة فليغلب جانب الخوف، هذا أحسن ما أراه في هذه المسألة الخطيرة العظيمة.
إذا قال قائل: تغليب جانب الرجاء هل يجب أن يكون مبنياً على سبب صالح للرجاء، أو يكون رجاء المفلسين، الإجابة: الأولى.
إنسان مثلاً يعصي الله دائماً وأبداً ويقول: رحمة الله واسعة، هذا غلط، لأن إحسان الظن بالله ورجاء الله لا بد أن يكون هناك سبباً ينبني عليه الرجاء وإحسان الظن، وإلا كان مجرد أمنية، والتمني كما يقول عامة أهل نجد: التمني رأس مال المفاليس- الي ماعندهم شيء-.

* * *



5- خَفْضُ الْجَناحِ وَنَبْذُ الخُيَلاءِ وَالْكِبْرِياء:
تَحَلَّ بِآدابِ النَّفْسِ؛ مِنَ الْعَفافِ، وَالْحِلْمِ، وَالصَّبْرِ، وَالتَّواضُعِ لِلْحَقِّ، وَسُكونِ الْطائِرِ؛ مِنَ الْوَقارِ، وَالرَّزانَةِ، وَخَفْضِ الْجَناحِ، مُتَحَمِّلاً ذُلَّ التَّعَلُّمِ لِعَزَّةِ الْعِلْمِ، ذَليلاً لِلْحَقِّ.


الشرح:

قوله: (تحلَّ بآداب النفس..) لأن المقام يقتضي هكذا أن يكون عند طالب العلم عفة عما في أيدي الناس، وعفة عما يتعلق بالنظر المحرم، وحلم لا يُعاجل بالعقوبة إذا أساء إليه أحد، وصبر على ما يحصل من الأذى مما يسمعه إما من عامة الناس وإما من أقرانه وإما من معلمه فليصبر وليحتسب، والتواضع للحق وكذلك للخلق، يتواضع للحق بمعنى: أنه متى بان له الحق خضع له ولم يبغ سواه بديلاً، وكذلك للخلق فكم من طالب فتح على معلمه أبواباً ليست على بالٍ منه، ولا تحقرنَّ شيئاً.
وقوله: (سكون الطائر، من الوقار..) هذه أيضاً ينبغي لطالب العلم أن يبتعد عن الخفة سواء في مشيته أو في معاملته للناس وألا يكثر من القهقهة التي تُميت القلب وتذهب الوقار، بل يكون خافضاً للجناح متحلياً بالآداب التي تليق بطالب العلم,

وقوله: (متحملاً ذل التعلم لعزة العلم) هذا جيد، يعني أنك لو أذللت نفسك للتعلم، فإنما تطلب عزَّ هذا العلم، فيكون تذليلها بالتعلم؛ لأنه ينتج ثمرة طيبة.

* * *



وَعَلَيْهِ؛ فَاحْذَرْ نَواقِضَ هذِهِ الآداب، فَإِنَّها مَعَ الإِثْمِ تُقيمُ عَلى نَفْسِكَ شاهِداً عَلى أَنَّ في الْعَقْلِ عِلَّةً، وَعَلى حِرْمانٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَإِيّاكَ وَالْخُيَلاءِ؛ فَإِنَّهُ نِفاقٌ وَكِبْرِياءٌ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ شِدَّةِ التَّوَقّي مِنْهُ عِنْدَ السَّلَفِ مَبْلَغاً

الشرح:

الخيلاء هذه تحدث للإنسان طالب العلم، وللإنسان كثير المال، وللإنسان سديد الرأي، وكذلك في كل نعمة أنعم الله بها على العبد، ربما يحدث له فيها خيلاء.
والخيلاء هي: إعجاب بالنفس مع ظهور ذلك على هيئة البدن، كما جاء في الحديث: (من جرَّ ثوبه خيلاء...)
فالإعجاب يكون بالقلب فقط. فإن ظهرت آثاره فهو خيلاء.

وقوله: (فإنه نفاق وكبرياء) أما كونه (كبرياء) فواضح، وأما كونه: (نفاق) فلأن الإنسان يُظهربمظهر أكبر من حجمه الحقيقي، وهكذا المنافق يظهر بمظهر المخلص المناصح وهو ليس كذلك.

* * *




وَمِنْ دَقيقِهِ ما أَسْنَدَهُ الذَّهْبِيِّ في تَرْجَمْةِ عَمْرو بن الأَسْوَدِ الْعَنْسِّي الْمُتَوَفّى في خِلافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوان- رَحِمَهُ الله تَعالى- أَنَّهُ كانَ إِذا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَبَضَ بِيَمينِهِ عَلى شِمالِهِ، فَسَئُلِ عَنْ ذلكَ؟ فَقالَ: مَخافَةَ أَنْ تُنافِقَ يَدي.
قُلْتُ: يُمْسِكُها خَوْفاً مِنْ أَنْ يَخْطُرَ بِيَدِهِ في مَشْيِتهِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِنَ الْخُيَلاءِ، وَهذا الْعارِضُ عَرض لِلْعَنْسِيِّ- َرحِمَهُ الله تَعالى-.
وَاحْذَرْ داءَ الْجَبابِرَةَ: (الْكِبر)؛ فَإِنَّ الْكِبْرَ وَالْحِرْصَ وَالْحَسَدَ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ الله بِهِ، فَتَطاوُلُكَ عَلى مُعَلِّمِكَ كِبْرِياء، وَاسْتِنْكافُكَ عَمَّنْ يُفيدُكَ مِمَّنْ هُوَ دونَكَ كِبْرِياء، وَتَقْصيرُكَ عَنِ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ حَمْأَةَ كِبرٍ، وَعُنْوانُ حِرْمانٍ.

الْعِلْمُ حَرْبٌ لِلْفَتِيِّ الْمُتَعالي كَالسَّيْلِ حَرْبٌ لِلْمَكانِ الْعالي



الشرح:

داء الجبابرة وهو (الكبر) وقد فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع تفسير وأبينه وأوضحه فقال: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس). وبطر الحق: هو ردُّ الحق، وغمط الناس: يعني احتقارهم وازدرائهم.

وقوله: (إن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عُصى الله به) يريد فيما نعلم لأننا نعلم أن أول من عصى الله عزوجل هو الشيطان حين أمره الله تبارك وتعالى أن يسجد لآدم لكن منعه الكبرياء، أبى واستكبر وقال: "أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا"
[ الإسراء: 611]

وقال: "هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ"

[ الإسراء: 62]

وقال: "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"

[ الأعراف: 12]

فقوله: (أول ذنب عُصى الله به) يعني باعتبار ما نعلم، وإلا فإن الله تعالى قال للملائكة:" إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ"

[ البقرة: 30]

قال أهل العلم: إنما قال الملائكة ذلك لأنه كان على الأرض أمة من قبل آدم وبنيه، وكانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء.

ثم ذكر أمثلة، قال: (تطاولك على معلمك كبرياء) التطاول يكون باللسان ويكون أيضاً بالانفعال، قد يمشي مع معلمه وهو يتبختر، ويقول فعلت وفعلت، وكذلك أيضاً استكبارك عما يفيدك من علوم كبرياء، وهذا يقع أيضاً لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم يستكبر ولا يقبل.

وقوله: (تقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان) نسأل الله العافية، هذا نوع من الكبر، ألاّ تعمل بالعلم.

وقوله: ( العلم حرب للفتى المتعالي) يعني أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يُدرك العلم، لأن العلم حرب له، (كالسيل حرب للمكان العالي)، صحيح؟ نعم، المكان العالي ينفض عنه السيل يميناً وشمالاً ولا يستقر عليه.

* * *


فَالزَمْ – رَحِمَكَ الله- اللُّصوقَ إِلى الأَرْضِ، وَالإِزْراءَ عَلى نَفْسِكَ، وَهَضْمِها، وَمُراغَمَتِها عِنْدَ الاسْتِشْرافِ لِكِبْرياءٍ أَوْ غَطْرَسَةٍ، أَوْ حُبِّ ظُهورٍ، أَوْ عُجُبٍ.. وَنَحْوِ ذلكَ مِنْ آفاتِ الْعِلْمِ الْقاتِلَةِ لَهُ، الْمُذْهِبَةِ لِهَيْبَتِهِ، الْمُطْفِئَةِ لنِورِهِ، وَكُلَّما ازْدَدَتْ عِلْماً أَوْ رِفْعَةً في وِلايَةٍ، فَالزَمْ ذلكِ؛ تَحْرُزْ سَعادَةً عُظْمى، وَمَقاماً يُغْبِطُكَ عَلَيْهِ النّاسُ، وَعَنْ عَبْدِ الله بن الإِمام الْحُجَّة الرّاوِيَةِ في الْكُتُبِ السِّتَةِ بَكْرٍ بن عَبْدِ الله الْمُزْنّي- رَحِمَهُما الله تَعالى- قال:
سَمِعْتُ إنْساناً يُحدِّث عَنْ أَبي، أَنَّهُ كانَ واقِفاً بِعَرَفَةَ، فَرَقَّ، فَقال: (لَوْلا أَنّي فيهمْ؛ لَقُلْتُ: قَدْ غُفِرَ لَهُمْ)، خَرَّجَهُ الذَّهْبِيِّ، ثُمَّ قال:
(قُلْتُ: كَذلِكَ يَنْبَغي لِلْعَبْدِ أَنْ يُزْري عَلى نَفْسِهِ وَيَهْضُمُها).


الشرح:

وهذه العبارات التي تطلق عن السلف، مثل هذا يريدون به التواضع، وليسوا يريدون أنهم يُغَلِّبون جانب سوء الظن بالله عزوجل أبداً، لكنهم إذا رأوا ما هم عليه خافوا وحذروا وجرت منهم هذه الكلمات، وإلا فإن الأولى للإنسان أن يُحسن الظن بالله ولا سيما في هذا المقام، في مقام عرفة الذي هو مقام تضرع إلى الله عزوجل ومقام استغفار، ويقول مثلاً: إن الله لم ييسر لي الوصول إلى هذا المكان إلا من أجل أن يغفر لي لأني أسأله المغفرة، والله تعالى يقول:

" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر: 60]

لكن تظهر هذه العبارات من السلف من باب التواضع وسوء الظن بالنفس لا بالله عزَّ وجل.

* * *



6- الْقَناعَةُ وَالزَّهادَة:

التَّحَلي بِالقَّناعَةِ وَالزَّهادَة، وَحَقيقَةُ الزّهُدْ: (الزُّهْد بِالحَرامِ، وَالابْتِعادِ عَنِ حِماه؛ بِالكَفِّ عَنِ الْمُشْتَبَهاتِ وَعَنِ التَّطَلُّعِ إِلى مافي أَيْدي النّاس"


الشرح:

التحلي بالقناعة من أهم خصال طالب العلم، يعني أن يقتنع بما اتاه الله عز وجل ولا يطلب أن يكون من الأغنياء والمترفين، لأن بعض طلبة العلم وغيرهم تجد يريد أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين، فيتكلف النفقات في المأكل والمشرب والملبس والمفرش ثم يثقل كاهله من الديون، وهذا خطا؛ لكن عليك بالقناعة فهي خير زاد للمسلم.

قال: (وحقيقة الزهد...) كأنه أراد بالزهد هنا الورع، لأن هناك ورعاً وزهداً.
والزهد أعلى مقاماً من الورع، لأن الورع ترك ما يضر في الآخرة والزهد ترك مالا ينفع في الآخرة، بينهما فرق.
الفرق الذي بينهما: المرتبة التي ليس فيها ضرر وليس فيها نفع، فالوَرِع لا يتحاشاها، والزاهِد يتحاشاها ويتركها، لأنه لا يريد إلا ما ينفعه في الآخرة.


* * *


وَيُؤْثرُ عَنِ الإِمامِ الشّافِعّي- رَحِمَهُ الله تَعالى- :
لَوْ أَوْصى إِنْسانٌ لأَعْقَلِ النّاسِ؛ صُرِفَ إِلى الزُّهادِ.

الشرح:

الله أكبر !! يعني في الوصية لو قال: أوصيت لأعقل الناس،يُصرف لمن؟ إلى الزهاد، لأن الزهاد هم أعقل الناس، حيث تجنبوا مالا ينفعهم في الآخرة، وهذا الذي قاله رحمه الله ليس على إطلاقه، لأن الوصايا والأوقاف والهبات والرهون وغيرها ترجع إلى معناها في العُرف، فإذا كان أعقل الناس في عرفنا الزهاد صُرف لهم ما أوصى به الزهاد، وإذا كان أعقل الناس هم ذوو المروءة والوقار والكرم بالمال والنفس صُرف إليهم.

* * *


http://up.joreyat.org/07Jul2008/181653db0a4fkhym.gif

*
*
*

ضوء الحياة
07-07-08, 05:38 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله في جهدكِ أختي أم الفوارس

ووفقكِ لكِ خير

مزن
07-07-08, 10:03 AM
:icon57:جزاكِ الله خيرا أم الفوارس:icon57:
كلمات كالدرر
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما

شموخ
09-07-08, 06:05 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،،

الله يجزاكِ خييير

ويرفع قدركـ


عملكم هذا تفريج كرربة : )

الكثيير يبحثون عن الشرح في النت .. ولا يجدونه

نفع الله بكم أمّته ..

:icon57:

دولت عزت
10-07-08, 08:01 PM
جوزيتى الجنه حبيبتى انا تعبت من كثرة الكتابه وراء الشيخ وكنت متردده فى دخول الإمتحان اما بعد ان قرات موضوعك سهل على المذاكره جزاك الله الف خير شكـــرا

أم كلثوم
14-07-08, 06:23 PM
بارك الله فيك ام الفوارس على التفريغ

ثقل الله به الموازين ........... اللهم آمين

الدر المنثور
16-07-08, 03:08 AM
جزاك الله خير الجزاء أم الفوارس
كنت فى حاجه ماسه لهذا التفريغ
أرجو ان تكملى فى اقرب وقت لأننى على مشارف اختبار فى الحلية

فتاة بقلب أمة
16-07-08, 04:23 AM
جزاااااااااااك الله خير ..

ياليتني شفته من أول :(
قدر الله وما شاء فعل .. كنت أسأل عن تفريغ للدروس وبحثت في النت ولم أجد شيئا

أثابكِ المولى ورفع قدرك وجعله في ميزان حسناتك
..

أم جنى
18-07-08, 06:56 AM
ما شاء الله كلمات غاليه بارك الله فيكى حبيبتى ونفعكى ونفع بكى
اللهم ارزقنا العلم والعمل

إيمان مصطفى عمر
12-08-08, 02:57 PM
جزاك الله خيرا حبيبتي أم الفوارس

نكمل أحبتي تفرغ الأشرطة ان شاء الله

على هذا الرابط

http://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?goto=newpost&t=19009


حياكن الله

سمية بنت إبراهيم
12-08-08, 09:12 PM
بوركتِ حبيبتي أم الفوارس
سلمت تلك الأنامل التي كتبت .. والأعين التي سهرت وجهدتِ

أسأل الله أن يكتب أجرك .. ويعلي قدركِ .. ويتقبل منا ومنكِ صالح العمل

أختكِ

الدر المنثور
14-08-08, 03:05 AM
بوركت اليمان

زدنى علما
06-12-08, 09:25 AM
ما شاء الله


بارك الله مجهودك أختى الغالية أم الفوارس :)

جعله الله فى ميزان حسناتك

ام مريم المصرية
11-12-08, 02:13 PM
شكرا اختنا الكريمة علي مجهودك العظيم:icon57:
وجزاكم الله عنا خيرالجزاء ويعيننا علي الاستذكار والجد في طلب العلم ويجعله الله في ميزان حسناتكم:icony6:

بنت السلام
16-12-08, 10:03 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم وحعله فى ميزان حسناتكم
وجزاكم الله خيرا

شوقي للجنه
20-12-08, 09:48 PM
جزاك الله الفردوس الاعلى أخيتي أم الفوارس
فقد كنت أبحث عن تفريغ الدرس في النت ولم اجد وسهلت علينا ربي يسهل عليكي

الأماني
23-12-08, 01:59 PM
ما شاء الله تبارك الرحمن

نفع الله بك غاليتي أم الفوارس ...

ام صفا
23-12-08, 02:34 PM
جزاكِ الله خيرا أم الفوارس
كلمات كالدرر
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما

الدرة اليتيمة
23-12-08, 10:23 PM
متى يمكنني أن أختبر وما هي طريقة الإختبار؟

حور الجنان
26-12-08, 06:30 PM
جزاك الله كل الخير اخيتي الحبيبة ام الفوارس
بارك الله لك تلك الانامل ..
أسعد الله ايامك بكل الخير ..

ام مريم المصرية
30-12-08, 11:39 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا اخواتي علي هذا المجهود العظيم
ولدي استفسار انا لم اجدفي الرابط السابق سوي نصف الفصل الاول والرابط اعلاه يبدا من الفصل الثالث واريد ان ترسلي لي باقي الفصل الاول والفصل الثاني ان كان هناك تفريغ لهما والله يجزيكي عنا خير الجزاء

أمـة الخبيـراللطيف
02-01-09, 03:05 PM
جزاكِ الله خيرا أم الفوارس
كلمات كالدرر
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما

أم عبيدة الأثرية
04-01-09, 10:15 PM
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أخيتي الحبيبة أم الفوارس جزاك الله خيرا الجزاء علي هذه الافادة أسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يجعلها في ميزان حسناتك ويرزقك الفردوس الاعلي انه ولي ذالك والقادر عليه.

خلود أم يوسف
13-01-09, 10:32 PM
ما شاء الله جزاكن الله خير

شمسة
18-01-09, 02:15 PM
شرح المتن > شرح حلية طالب العلم لابن عثيمين > موافق للنسخة المطبوعة

للتحميل
هنا (http://www.4shared.com/get/69398361/6f26df58/_____.html;jsessionid=6CABBE4D4C1DE7BF5E8F39124C56A64B.dc115)

خلود أم يوسف
18-01-09, 02:18 PM
بوركتِ يا اللؤلؤ المكنون