المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهمة والنهمة في طلب العلم


أم أسماء
09-02-08, 03:44 PM
كبر الهمة في العلم:


من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، مركز السالب والموجب في شخصك، الرقيب على جوارحك، كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيراً غير مجذوذ، لترقى إلى درجات الكمال، فيجرى في عروقك دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفاً إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطاً يديك إلا لمهمات الأمور.
والتحلي بها يسلب منك سفاسف الآمال والأعمال، ويجتنب منك شجرة الذل والهوان والتملق والمداهنة، فكبير الهمة ثابت الجأش، لا ترهبه المواقف، وفاقدها جبان رعديد، تغلق فمه الفهاهة.
ولا تغلط فتخلط بين كبر الهمة والكبر، فإن بينهما من الفرق كما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع.
كبر الهمة حلية ورثة الأنبياء، والكبر داء المرضى بعلة الجبابرة البؤساء.
فيا طالب العلم ارسم لنفسك كبر الهمة، ولا تنفلت منه وقد أومأ الشرع إليها في فقهيات تلابس حياتك، لتكون دائماً على يقظة من اغتنامها، ومنها: إباحة التيمم للمكلف عند فقد الماء، وعدم إلزامه بقبول هبة ثمن الماء للوضوء، لما في ذلك من المنة التي تنال من الهمة منالاً، وعلى هذا فقس ، والله أعلم.

النهمة في الطلب:


إذا علمت الكلمة المنسوبة إلى الخليفة الراشد علي بن أبى طالب رضى الله عنه: ”قيمة كل امرئ ما يحسنه” وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها، فاحذر غلط القائل: ما ترك الأول للآخر وصوابه: كم ترك الأول للآخر!
فعليك بالاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وابذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق، ومهما بلغت في العلم، فتذكر:”كم ترك الأول للآخر”!
وفي ترجمة أحمد بن عبد الجليل من ”تاريخ بغداد” للخطيب ذكر من قصيدة له:
لا يكون السرى مثل الدنى *** لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء كلما أحسن المر *** ء قضاء من الإمام على

حلية طالب العلم ،الفصل الخامس،آداب الطالب في حياته العلمية
للشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله رحمة واسعة.

شمعة الإخاء
11-02-08, 02:47 AM
علو الهمة


إعداد: سيد محمد بن جدو


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه ورقة أحببت أن أجعلها تنبيهاً لأصحاب الهمم العالية، واستنهاضاً وتحريكاً لمن قصرت بهم هممهم عن الحرص على معالي الأمور، وقد راعيت فيها الإيجاز، وحرصت على وضوح الفكرة –قدر المستطاع- والله أسأل أن يجعل كل ذلك خالصاً لوجهه الكريم.


تعريف علو الهمة:
الهمة في اللغة : ما هم به من الأمر ليفعل .
الهمة في الاصطلاح : الباعث على الفعل ، وعرف بعضهم علو الهمة بأنه : استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور . قال الشاعر مصوراً طموح المؤمن


إذا كنت في أمر مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم


وعرف ابن القيم علو الهمة بقوله :
"علو الهمة ألا تقف -أي النفس- دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم ، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات"(1).

الحث على علو الهمة والتحذير من سقوطها:
قال الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه: "لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته"(2).
وقال ابن القيم: "لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه"(3).

وقال ابن نباتة رحمه الله:

حاول جسيمات الأمور ولا تقل *** إن المحامــد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا *** عن غاية في الطلاب سباق

أقسام الهمة:
تُقَسَّم الهمة تقسيمين:
فتقسم من حيث الرفعة وضدها
إلى عالية وساقطة.
وتقسم من حيث الاستعداد الفطري
إلى وهبية ومكتسبة.

وليس معنى أن منها ما هو فطري أنها لا سبيل لزيادة رفعتها بل هي مثل باقي الصفات العقلية والخلقية كالذكاء والذاكرة وحسن الخلق . قال ابن القيم: "وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات فإذا حثثت سارت ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم أو كسلاً فالجأ إلى الموفق ، فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، ولن يفوتك خير إلا بمعصيته"(4).

مراتب الهمم:

عن أبي كبشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أو كلمة نحوها، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربع نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعلمت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح"(5).

وعلى نحو هذا التقسيم والتمثيل النبوي ينقسم الناس وتتفاوت منازلهم في الهمة:

1 – منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس لـه همة في الوصول إليها ويصدق عليه

قول الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

2 – ومنهم من لا يطلب إلا سفاسف الأمور ودناياها ويجتهد في تحصيلها ، وهذا –إن اهتدى– يكون سباقاً للخيرات
: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".

3 – وفريق ساقط الهمة يهوى سفاسف الأمور ويقعد به العجز عنها، فهو من سقط المتاع وهو كمن

وصف الشاعر:

إني رأيت من المكارم حسبكم *** أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم يوما *** في مجلس أنتم به فتقنعوا(6)


4 – وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله فهنيئاً له ومن أمثالهم الأسلمي وعكاشة بن محصن وبين كل مرتبتين مراتب كثيرة تتفاوت فيها الناس تفاوتاً بينا.

وإذا استعرضنا التاريخ نجد أن العلية من الناس والقادة الذين تركوا أثرهم في التاريخ هم أصحاب الهمم العالية .

ومن أمثلتهم في القديم :
1 – ربيعة بن كعب الأسلمي الذي قال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سل" فقال: أسألك مرافقتك في الجنة... (7).
2 – عكاشة بن محصن بادر فقال : "ادع الله أن يجعلني منهم ...".
3 – أبو بكر الذي قال: "ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها ، قال نعم وأرجوا أن يكون منهم ...".
4 – أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـه: "ألا تسألنِ من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله فنَزع نَمِرَةً كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى نمل يدب عليها فحدثني حتى إذا استوعب حديثه قال اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني"(8).
5 – قصة ابن عباس مع صاحبه الأنصاري الذي طلب منه ابن عباس أن يرافقه في جمع العلم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال محمد بن حسن في كتابه الهمة طريقك إلى القمة :
"وترى اليوم من تفاوت الهمم أمراً عجباً، ... فإذا اطلع المرء على أحوال الخاصة من المسلمين وهم طلاب العلم والدعاة وباقي الملتزمين بشرع الله الحريصين عليه سيصاب بالدهشة لما يراه من فتور الهمم ... فمنهم من إذا اطلع ساعة أو ساعتين في اليوم ظن أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل ومنهم من إذا خرج لزيارة فلان من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى ما عليه من حق يومه ، ومنهم من تتغلب عليه زوجه وعياله فيقطع عامة وقته في مرضاتهم ، ومنهم من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الأشرطة ، وحضور محاضرة أو اثنتين في الأسبوع أو الشهر ، ومنهم من غلب عليه الركون إلى الدنيا والتمتع بمباحاتها تمتعاً يفضي به إلى نسينا المعاني العلية ، ومنهم من يقضي عامة وقته متشبعاً لقطات إخوانه ومطلعاً على ما يزيد علمه رسوخاً في هذا المجال ... ولا أزعم أن جمهور الصحوة قد فاتهم أن يكونوا ممن يجمع الشمل ويقصر الاعتذار والشكاية ويصبح نموذجاً يحتذى به ، ولكن أقول جازماً بأنهم – إلا القليل – لم يستثمروا هممهم حق الاستثمار ، ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم حق الارتقاء".

ومن أمثلة هذا الرهط القليل: حسن البناء الذي سأله مدرسه عن أعجب بيت قالته العرب إليه فقال قول طرفة :


إذا القوم قالوا: من فَتىً؟ خِلْتُ أنني *** عُنِيتُ فَلَمْ أكْسَلْ ولم أتَبَلَّدِ

وأوى ليلة إلى فراشه بعد نصب شديد فأخذ ورقة وقلما وجعل يكتب مقالاً ينشره في الجريدة فدخل عليه أحد المقربين منه المشفقين عليه فوعظه في نفسه فرد عليه في ذلك أجمل رد.

وهذا الشيخ ابن باز قضى خمسين سنة من عمره الوظيفي لم يتمتع بإجازة ، وذلك الشيخ: غلال الفاسي يقول:


أبعد بلوغي خمس عشرة ألعب *** وألهو مع اللاهين حولي وأطرب
ولي نظر عالٍ ونفس أبية *** مقاماً على هَامِ المَجَرَّةِ تَطْلُبُ

ثمرات الهمة العالية:

(1) تحقيق كثير من الأمور التي يعدها عامة الناس خيالاً يتحقق ومن أمثلة ذلك بناء أمة مؤمنة في الجزيرة العربية التي يشيع فيها الجهل والشرك وذلك في فترة وجيزة ، وابن ياسين استطاع أن يقود بعصابة قليلة من أصحابه المربِّيين دولة انتصرت على جيوش الأسبان بعد استشهاده ، والإمام حسن البنا نادى في أمته الميتة بأمور اعتبرت من الخيالات وهو القائل: "أحلام الأمس حقائق اليوم وأحلام اليوم حقائق الغد"(9).
(2) الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد.
قال معاذ رضي الله عنه على فراش الموت: "اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا ولا طول المكث فيها لجري (لعله لكري) الأنهار ولا لغرس الأشجار ، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل وظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر"(10).
(3) البعد عن سفاسف الأمور ودناياها:
لما فرَّ عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس من العباسيين أهديت إليه جارية جميلة فنظر إليها وقال: "إن هذه من القلب والعين بمكان وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عن ما أطلبه ظلمت همتي ، ولا حاجة لي بها الآن وردها على صاحبها"(11).
(4) صاحب الهمة العالية يعتمد عليه وتناط به الأمور الصعبة وتوكل إليه:
وهذا أمر مشاهد معروف فإن المديرين والرؤساء عادة يطمحون للعمل مع صاحب الهمة العالية ويستعدون للتضحية معه حتى ولو كلفهم ذلك الكثير. وقد قيل: "ذو الهمة وإن حط نفسه تأبى إلا العلو، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً"(12).
(5) صاحب الهمة العالية يستفيد من حياته أعظم استفادة وتكون أوقاته مثمرة بناءة.
وقال الإمام ابن عقيل الحنبلي : إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح"(13).
وكان الإمام النووي يقرأ كل يوم اثني عشر درساً شرحاً وتصحيحاً ، ويقول لتلميذه بارك الله في وقتي(14).
ويقول د. مَارْدِن: "كل رجل ناجح لديه نوع من الشباك يلتقط به نحاتات وقراضات الزمان ، ونعني بها فضلات الأيام والأجزاء الصغيرة من الساعات مما يكنسه معظم الناس بين مهملات الحياة . وإن الرجل الذي يَدَّخِرُ كل الدقائق المفردة وأنصاف الساعات والأعياد غير المنتظرة والفسحات التي بين وقت وآخر ، والفترات التي تنقضي في انتظار أشخاص يتأخرون عن مواعيد مضروبة لهم ، ويستعمل كل هذه الأوقات ويستفيد منها ليأتي بنتائج باهرة يدهش لها الذين لم يفطنوا لهذا السر العظيم الشأن"(15).
(6) صاحب الهمة العالية قدوة للناس .
(7) تغيير طريقة حياة الشعوب والأفراد :
يقول الشيخ محمد الخضر حسين: "يسموا هذا الخلق بصاحبه إلى النهايات من معالي الأمور فهو الذي ينهض بالضعيف فإذا هو عزيز كريم، ويرفع القوم من السقوط ويبدلهم بالخمول نباهة وبالاضطهاد حرية وبالطاعة العمياء شجاعة أدبية ... أما صغير الهمة فإنه يَيْصُر بخصومه في قوة وسطوة فيذوب أمامهم رهبة، ويطرق إليهم رأسه حطة ثم لا يَلْبَثُ أن يسير في ركبهم ويسابق إلى حيث تحط أهواؤهم"(16).

وسائل ترقية الهمة :

1 – المجاهدة : قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".
2 – الدعاء الصادق والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.
3 – اعتراف الشخص بقصور همته.
وهذا يستلزم أيضاً أن لا ينكر أنه قادر على تغيير همته وتطويرها إلى الأحسن.
4 – قراءة سيرة السلف الصالح.
يقول ابن القيم: "... ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية فإذا هو يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد وفي ثبت كتب أبي حنيفة وكتب الحميدي و... فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعبادتهم وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع فصرت أستزري ما الناس فيه وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد"(17).
وقال محمد بن علي الأسلمي: قمت ليلة سَحراً لآخذ النوبة على ابن الأَخْرَمِ فوجدت قد سبقني ثلاثون قارئاً ولم تدركني النوبة إلى العصر(18).
5 – مصاحبة صاحب الهمة العالية.
6 – مراجعة جدول الأعمال اليومي ومراعاة الأولويات والأهم فالمهم.
7 – التنافس والتنازع بين الشخص وهمته.
ومعنى ذلك أن على مريد تطوير همته أن يحمل نفسه أعباءً وأعمالاً يومية لم تكن موجودة في حياته بحيث يحدث نوع من التحدي داخل النفس، ويجب أن تكون هذه الإضافة مدروسة بعناية وإحكام حتى لا يصاب الشخص بالإحباط.
8 – الدأب في تحصيل الكمالات والتشوق إلى المعرفة يقول عمر بن عبد العزيز رحمهُ الله: "إن نفسي تواقة وإنها لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه..." (19).
9 – الابتعاد عن كل ما من شأنه الهبوط بالهمة وتضييعها مثل :
أ – كثرة الزيارات للأقارب بدون هدف شرعي صحيح ولا غرض دنيوي فيه فائدة معتبرة .
ب – كثرة الزيارات للأصحاب فيكثر المزاح وتقل الفائدة .
ج – الانهماك في تحصيل المال بدعوى التجارة وحيازة المال النافع للإسلام وأهله ، ثم ينقلب الأمر إلى تحصيل محض للدنيا وانغماس فيها .
د – تكليف الموظف نفسه بعملين صباحي ومسائي دون ضرورة لذلك .
هـ - كثرة التمتع بالمباحات .
و – الاستجابة للصوارف الأصرية استجابة كلية أو شبه كلية .
يقول محمد بن حسن موسى: "وقد دخلت علينا في حياتنا الأسرية كثير من التقاليد الغريبة في أمر الاحتفاء الزائد بالأهل والأولاد ودعوى ضرورة بناء مستقبلهم وغير ذلك مما حاصله نسيان الكفالة الإلهية والضمان الرباني"(20).
ز – التسويف قال الشاعر :


ولا أؤخر شغل اليوم عن كسلٍ *** إلى غدٍ إن يوم العاجزين غَدُ

ح – الكسل والفتور .
قال الصاحب: "إن الراحة حيث تعب الكرام أوْدَع لكنها أوضع والقعود حيث قام الكرام أسعل لكنه أسفل" (21) وقال الشاعر:


كأن التواني أنكح العجز بنته *** وساق إليها حين أنكحها مهرا
فراشاً وطيئاً ثم قال له اتكئ *** فَقُصْراكما لا شك أن تلدا فقرا

ط – مُلاحظة الخلق وتقليدهم والائتساء بهم ، فأكثر الخلق مفرطون .

مظاهر علو الهمة :

1 – تحرقه على ما مضى من أيامه وكأنه لم يكن قط صاحب الهمة المتألق المنجز لكثير من الأمور .
2 – كثرة همومه وتألمه لحالة المسلمين .
3 – موالاته النصيحة وتقديم الحلول والاقتراحات لمن يرجو منهم التغيير والإصلاح.
4 – طلبه للمعالي دائماً .
5 – كثرة شكواه من ضيق الوقت .
6 – قوة عزمه وثبات رأيه وقلة تردده ، فهو إذا قرر أمراً راشداً لا يسرع بنقضه ، بل يستمر فيه ويثبت عليه حتى يقضيه ويجني ثمرته ، ولا شك أن كثرة التردد ونقض الأمر من بعد إبرامه من علامات تدني الهمة.


لكل إلى شأو العُلا حركات *** ولكن قليل في الرجال الثبات

كيفيَّة استثمار همم الناس :

للناس ثلاثة أقسام :
1 – قسم ضائع مضيع يترك إلى حين إفاقته .
2 – قسم محافظ على الفرائض .
- فهذا القسم إن كان من أهل اليسار والغنى يوجه إلى المشاركة والتنافس في أعمال الخير العامة مثل بناء المساجد وإغاثة المنكوبين ومساعدة الجمعيات والهيئات الإسلامية الخيرية .
- إن كانوا من ذوي الدخول المتوسطة يوجهون إلى سماع الدروس والخطب التي يعدها خطباء مرموقون .
- توجيه الشباب وتحميسهم للمشاركة في الجهاد .
- التوضيح والتنبيه والقيام بالنصيحة وبيان أن باستطاعتهم توجيه جهودهم إلى ما هو أنفع .
- توجيههم للقراءة النافعة .
3 – قسم – وهو المعول عليه بعد الله سبحانه وتعالى – ملتزم بدينه ومحافظ عليه يطمح إلى القيام بما يجب عليه وهذا يوجه إلى :
- الانتساب إلى جمعية أو هيئة لها برنامج عمل محدد .
- الانتساب إلى جماعة إسلامية صالحة من الجماعات المنتشرة في العالم الإسلامي تعمل بجد وإخلاص لإقامة دين الله سبحانه وتعالى .
- توعية الشخص المنصوح بأن يختار لنفسه مجالاً يبدع فيه .

محاذير أمام أهل الهمم العالية :
1 – صاحب الهمة العالية تحلق به همته دائماً فتأمره بإنجاز كثير من الأعمال المتداخلة في وقت واحد فليطعها بقدر ولا يستبعد ما تأمره به وفي الوقت نفسه لا يَقُمْ به كلِّه بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من إسعاف همته له بالقيام به .
2 – صاحب الهمة العالية معرض لنصائح تثنيه عن همته وتحاول أن تذكره دائماً بأنه ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ... فالحصيف لا يلتفت إلى هذه النصائح إلا بقدر .
قال ابن نباتة السعدي :


أعاذلتي على إتعاب نفسي *** ورعيي في الدجى روض السهادِ
إذا شام الفتى برق المعالي *** فأهون فائت طيب الرقادِ

3 – صاحب الهمة معرض لسهام العين والحسد فعليه بالأذكار المأثورة ليدرأ عن نفسه ما قد يصيبه .
4 – صاحب الهمة تعتريه فترْة وضعف قليل لما يراه من تدني همم غالب الخلق فلا يحزن وليوطن نفسه على الإحسان والنصيحة .
5 – أهل الهمة العالية قد يكونون مفرطين في بعض الأمور التي ربما لا يرون فيها تعلقاً مباشراً بعلو هممهم مثل حقوق الأهل والأقارب ، فعلى من أصيب بشيء من ذلك أن يصلحه ولو بالقدر الذي يبعد عنه سهام اللائمين .
6 – قد تؤدي الهمة العالية بصاحبها إلى التحمس الزائد فيستعجل ويرتكب من الأخطاء ما كان يمكن تلافيه بقليل من التعقل وحساب العواقب ، وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية ، وأن الأمر لا يحسم بين عشية وضحاها .
7 – أهل الهمة العالية قد يتعرضون لإثارة الخلافات الفقهية بينهم فينتج عن ذلك الذم والمقت ومن أمثلة ذلك التعرض للجماعات الإسلامية العاملة في الساحة ، ومن أصبح ذلك ديدنه فستتخلف همته وتقعد به عن معالي الأمور .
8 – قد يتعرض صاحب الهمة إلى عدم المداومة مع أن أبرز سمات صاحب الهمة العالية المداومة وعدم الانقطاع وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل"(22).
فهمة متوسطة العلو تدوم خير من همة عزيمة متقطعة يقول أبو المواهب بن صَرْصَرَى : لم أَرَ مِثْل أبي القاسم ابن عساكر ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذر والاعتكاف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور فقد أسقط عن نفسه ذلك ... (23).
وقال أبو العباس ثعلبٌ: "ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو خمسين سنة"(24).
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل الهمة العالية وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمالنا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
هذه الورقات ملخصة من كتاب الهمة طريق إلى القمة للشيخ محمد بن حسن بن عقيل موسى ، أجزل الله له المثوبة وبارك في وقته وعمله .

شمعة الإخاء
11-02-08, 02:55 AM
نماذج نيرة من أصحاب الهمم العالية:


ما أجمل الحديث عن سيرة سلفنا الصالح، وما أجمل ذكراهم والنهم في قراءة سيرتهم، وتتبع منهجهم.. ذلك لأنهم منابر عصرنا، ونور دربنا، نهتدي بهم ونحن نمضي في طريقنا..

ولعلنا في ختام استطلاعنا نقف على بعض أخبار أولئك الأفاضل علنا نصل إلى ما وصلوا إليه، وإلا فإن التشبه بالكرام فلاح..

فلنر كيف كان حال السلف مع طلب العلم، وكيف كان الواحد منهم يسهر ليله، ويضني جسده، ويبقى وحده مستأنساً بكتبه، مستعيضاً بها عن الأهل والأصحاب.. فلله درهم.

قيل لبعض السلف "بم أدركت العلم؟ قال بالمصباح والجلوس إلى الصباح " وقيل لآخر فقال ((بالسفر والسهر والبكور في السحر))..

وحكى شيخ الإسلام النووي عن شيخه الإمام الجليل أبي إسحاق المرادي:
قال "سمعت الشيخ عبد العظيم- رحمه الله- يقول: "كتبت بيدي تسعين مجلدة وكتبت سبعمائة جزءا"

قال النووي "قال شيخنا" "ولم أر ولم أسمع أحداً أكثر اجتهاداً منه في الاشتغال، كان دائم الاشتغال في الليل والنهار".

ولم يكن العلم في ذلك الوقت ميسراً وسهلاً، بل لا بد من السفر وشد الرحال..
وهذا بطبيعة الحال يتبعه ترك الأهل والأولاد وتحفل التعب والمشاق روي عن الرازي ما يدهش اللب من علو همته في الرحلة لتحصيل العلم إذ قال:
"أول ما رحلت أقمت سبع سنين، ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى طرسوس، ولي عشرون سنة".
سأضرب في طول البلاد وعرضها*** لأطلب علماً أو أموت غريبا
فإن تلفت نفسي فلله درها ***وإن سلمت كان الرجوع قريبا

والحقيقة أن انتشار العلم كان بفضل الله تعالى ثم بجهد وتعب هؤلاء الرجال الأفذاذ ولعل ذكر الجزء يغني عن ذكر الكل ولو ذكرناه لطال بنا المقام.
فلنتذكر إخوتي أن هذه الدنيا زائلة لا محالة ، وأنها لا تساوي شيئاً فلماذا التكالب عليها والغرق في ملذاتها ؟ ولو فكر الإنسان بعقله سوف يعلم أن هناك أمورا يجب عليه أن يفيد منها ويحفل بها ما دام يعيش فسحة العمر والذي يرى في نفسه ذلك لا بد أن يرفع من مستواه وذلك ليس عيباً ، بل العيب أن نبقى كما نحن .

من أجل تواصل هادف مثمر ~
17-01-10, 11:14 AM
رفع الله قدر الجميع ...

حفيدة ابن تيمية
18-01-10, 01:23 AM
بارك الله فيكم على هذه الطرح الرائع
اللهم ارزقنا علواً فى الهمة