سؤال عما يقتضيه النهي

[أم شيماء]

السلام عليكم

شيخنا بارك الله فيكم هل النهي يقتضي الفساد أم لا يقتضيه مع الدليل ؟

وجزاكم الله خيرا

[عبد السلام بن إبراهيم الحصين]

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:

الصحيح من أقوال أهل العلم أن النهي يقتضي الفساد، وهو قول جمهور أهل العلم، ويدل على ذلك ما يلي:
1- قوله عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن العمل المخالف لما هو عليه مردود، ومعنى كونه مردودًا أي وجوده كعدمه، فلا فائدة فيه ولا يعتد به.
2- أن الصحابة كانوا يستدلون على فساد العبادات والعقود بالنهي عنها، وهذا مشتهر بينهم؛ فدل على أن النهي يقتضي الفساد، ومن ذلك أن ابن عمر استدل على فساد نكاح الْمُحرِم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: ((لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح، ولا يخطب))، واستدل الصحابة على فساد نكاح المحلل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
لكن أنبه على أمرين:
الأول: قد يكون النهي لحق العبد، أي مراعى فيه حق العبد فقط، فيتوقف على رضى من له الحق.
مثال ذلك: النهي عن استقبال الرُّكبان، وهم الباعة القادمون من خارج المدينة، الجاهلون بأسعار السلع في المدينة، فنهى رسول الله عن استقبالهم، والشراء منهم قبل أن يدخلوا المدينة أو القرية؛ لما في ذلك من استغلال جهلهم بالسعر، ولما فيه من تفويت المصلحة على من بداخل المدينة، لكن لو اشترى شخص منهم، فقد فعل ما نُهي عنه، لكن يتوقف البيع على رضى من له الحق، وهم الركبان، فإن أحبوا أمضوا العقد، وإلا فسخوه إذا قدموا المدينة فتبين لهم أن هذا الذي اشترى منهم قد غبنهم.

الثاني: النهي إنما يقتضي فساد المنهي عنه إذا كان هذا الفعل المنهي عنه يترتب عليه أثر يطلبه المكلف في العادة، كما في الصلاة، يترتب عليها براءة الذمة، وكما في البيع يترتب عليه انتقال الملك.
أما إذا كان الفعل ينتهي بمجرد فعله، وليس له أثر يطلبه المكلف بعده، فلا يقتضي الفساد؛ لأنه ليس هناك شيء يقتضي فساده، كما في النهي عن شرب الخمر، فإذا شرب المكلف الخمر فلا يقال يقتضي فساد المنهي عنه، وكما في النهي عن الأكل بالشمال، فإذا أكل بشماله، لا يقال يلزم منه فساد الأكل بالشمال؛ لأن المفسدة قد وقعت، وذهب أثرها.

والمسألة فيها كلام طويل، وتفصيلات كثيرة، وأحيلكم على كتاب العلائي: تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد، وكتاب اقتضاء النهي الفساد بين ابن تيمية والعلائي لأبي بكر البغدادي.