سأل ابن القاسم شيخه الإمام مالك عن الغناء فأجابه قائلا:قال الله تعالى : فماذا بعد الحق إلا الظلال أفحق هو؟ ومن أحكام مالك الفقهية أن الرجل إذا أشترى جارية فوجدها مغنية كان له ردها بهذا العيب، وسئل الشافعي عن الرجل تكون له القينه فيجمع أصحابه لتسمعهم الغناء فقال:هذه دياثة وصاحب الجارية ديوث، والرسول يقول ((لا يدخل الجنة ديوث))، وأبو حنيفة يرى الغناء من الذنوب التي يجب تركها والابتعاد عنها وتجب التوبة منها فورا،قال أصحاب أبي حنيفة في المار يسمع الغناء يجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه.
والإمام أحمد كغيره من الأئمة يرى حرمة الغناء،وقد سأله مرة ولده عبد الله عن الغناء فقال:الغناء ينبت النفاق في القلب فلا يعجبني. ويقول الفضيل بن عياض: الغناء رقية الزنا. أي الموصل إليه.
ويقول ابن القيم عن الغناء((فإنه رقية الزنا،ومنبت النفاق،وشرك الشيطان،وخمرة العقل،وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل،لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه)).
نعم إنه خمر العقول ولذلك يقول الشاعر:
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه وانظر إلى النسوان عند ملاهي
من اللهو المحرم الاستماع إلى الغناء المصحوب بموسيقى مهما كان هذا الغناء مباحا للأدلة التي سوف نوردها في تحريم الموسيقى، وكذلك الغناء المائع الذي يثير كوامن الغريزة والشهوة، وكذلك الغناء الذي فيه وصف امرأة معينة، وكذلك الغناء الذي يدعوا إلى شعارات كافرة، ومبادئ ضالة .. وما شابه هذا ..
أولاً: أدلة تحريم الغناء والموسيقى من كتاب لله:
الآية الأولى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين قال ابن مسعود:( هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو) ورددها ثلاثاً.
الآية الثانية: واستفزز من استطعت منهم بصوتك قال مجاهد صوت إبليس:(هو الغناء والمزامير واللهو ).
الآية الثالثة: أفمن هذا الحديث تعجبون،وتضحكون ولا تبكون،وأنتم سامدون قال ابن عباس:هو الغناء وهي لغة أهل اليمن،أسمد لنا أي تغن لنا الطبري.
الآية الرابعة: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصديه والمكاء:التصفير، والتصديه: التصفيق.
ثانياً: أدلة تحريم الغناء والموسيقى من السنة النبوية:
الحديث الأول: قال النبي :(ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) البخاري، المعازف:من جوامع الكلم تدخل تحتها جميع أنواع آت الطرب واللهو.
الحديث الثاني: قال النبي : (إن ربي عز وجل حرّم عليَ الخمر،والميسر والكوبه والقين) صحيح الإمام أحمد ،والكوبه :الطبل
الحديث الثالث: قال النبي: في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف،فقال رجل من المسلمين:يا رسول الله ومتى ذلك.قال:(إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمر) صحيح الترمذي. القيان: جمع قينه وهي المغنية.
الحديث الرابع: قال النبي:( الجرس مزامير الشيطان) رواه مسلم.
الحديث الخامس: قال النبي:( لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب وجرس)رواه مسلم. إذا كان الجرس سببا لنفور الملائكة فكيف بالآلات الموسيقية على أحدث الأجهزة الإلكترونية،التي تحرك كل شعرة وعرق في الإنسان..؟
الحديث السادس: قال النبي :(إني لم أنهى عن البكاء ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان) قال شيخ الإسلام بن تيميه في كتاب الاستقامة قال هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء فنهى عن الصوت الذي يفعل عند النعمة وهو الغناء.
الحديث السابع: وعن نافع قال:( كنت ردف ابن عمر ،إذ مر براع يزمر، فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق،قال لي:يا نافع هل تسمع سيئاً؟ فقلت:لا ،فرفع إصبعيه من أذنيه،وقال:كنت مع النبي فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا)صحيح أبو داود.
الحكمة في التحريم :
إن المتتبع لمجالس الغناء الفاسق، ومسارح الطرب، وأماكن اللهو .. وما يصحبها من معازف وآلات ..فماذا يجد؟
يجد الرقص الخليع من مومسات امتهن الرذيلة والفاحشة. يجد كؤوس الخمر تدار هنا وهناك.. يجد العربة والصياح يتعالى من أفواه السكارى والمخمورين.. يجد الكلمات البذيئة الفاحشة العارية من الحياء والخجل، يجد الاختلاط الشائن
بين عوائل متحللة حيث التخلع والمراقصة وهدر النخوة والشرف .. وباختصار يجد التحلل والإباحية في أسوأ تبذلها ومظاهرها.. وتلك خطة المستعمرين يغرقون الأمم التي استعمروها بسيول الأغاني الموبقة، وبافتتاح المسرح الماجن، وبالخمر، وبالنساء .. كيلا تصحوا لواجب أو تنهض إلى معروف،أو تدعوا إلى خير . ومن المعلوم أن أمة الإسلام في الماضي لم تصل إلى ذروة العظمة والمجد والقوة .. ولم تملك أكثر المعمورة شرقاً وغرباً إلا بطرح مظاهر الخلاعة المجون التي حرمتها
شريعة الإسلام..إلا بالتزام النظم الرباني منهاجا وتشريعا وتطبيقا..إلا بالجدية ألحقه التي كانت من خصائص الرجال والشباب والصغار والكبار ..إلا باستشعار الجيل كله مسؤولية الإسلام..ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها..
فإن أردتم لأجيالكم العزة، ولأمة الإسلام النصر ،فليس أمامكم من سبيل لا اتباع النظام الرباني،واستشعار المسئولية،وحب الشهادة في سبيل الله ،حتى تعيدوا لأمتكم المجد والمهابة.. وليس ذلك على الله بعزيز