27-05-12, 10:47 AM | #1 |
جُهدٌ لا يُنسى
تاريخ التسجيل:
18-05-2006
المشاركات: 956
|
منهج السلف في تعلم القرآن وتعليمه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]. وقال عز وجل﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. وقال عز وجل : ﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ [طه: 113]. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه» متفق عليه . أما بعد: • قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّي رحمه الله : (أنزلَ اللهُ القرآنَ على نبيهِ صلى الله عليه وسلم ، وأعلمه فضل ما أُنزل عليه ، وأعلَم خلقَه في كتابه وعلى لسان رسوله أن القرآنَ عصمةٌ لمن اعتصم به ، وهدى لمن اهتدى به ، وغنى لمن استغنى به ، وحرزٌ من النار لمن اتبعه ، ونورٌ لمن استنار به ، وشفاءٌ لما في الصدور ، وهدى ورحمةٌ للمؤمنين ، ثم أمر الله عز وجل اسمُه خلقَه أن يؤمنوا به ، ويعمَلوا بمُحْكَمِه ، فيُحِلُّوا حلاله ويُحَرِّموا حرامه ، ويؤمنوا بمُتَشَابهِه ، ويعْتَبروا بأمثَالِه ، ويقولون آمنّا به كلٌ من عند ربنا ، ثم وعدهم على تلاوته والعمل به النجاةَ من النارِ والدخولَ إلى الجنة، ثم ندبَ خلقَه إذا هم تَلوُا كتابَه أن يتدبروه، ويتفْكَروا فيه بقلوبهم، وإذا سمعوه من غيرهم أحسنوا استماعه، ثم وعدهم على ذلك الثوابَ الجزيلَ، فله الحمد) . إلى أن قال رحمه اللهَ: (ثم إن اللهَ عزَّ وجلَّ حثَّ خلقَه على أن يتدبَّروا القرآنَ، فقال عز وجل: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24] وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82] ألا ترونَ رحمكم الله إلى مولاكُم الكريمِ كيف يحثُّ خلْقَه على أن يتدبروا كلامَه، ومن تدبرَ كلامَهُ عرفَ الربَ عزَّ وجلَّ، وعرفَ عظيمَ سُلطَانِه وقدرته، وعرف عظيمَ تَفَضُّلِه على المؤمنين، وعرفَ ما عليه من فرضِ عبادته ، فألزَم نفسَه الواجبَ، فَحَذِر مما حذَّره مولاه الكريم ، ورَغِب فيما رغَّبه ، ومن كانت هذه صِفَتُه عند تلاوته للقرآنِ وعند استِمَاعه من غيره كان القرآن له شِفاءٌ، فاستغنى بلا مَال، وَعزَّ بلا عشيرة ، وأَنِسَ مما يستوحش منه غيرُه، وكان همُّه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها متى أتعظُ بما أتْلُو، ولم يكن مُرادُه متى أَخْتِم السورة، وإنما مراده متى أَعْقِلُ عنِ اللهِ الخِطابَ، متى أزْدجرُ، متى أعْتَبرُ، لأن تلاوةَ القرآن عبادةٌ، لا تكون بغفلة، والله الموفق لذلك) آداب حملة القرآن: ص: 69. • وقد طَبّقَ السلفُ هذه الآياتِ والأحاديثَ واقعاً عملياً ولذلك كان منهجُهم في تعلُّمِ القرآن موافقاً لمرادِ الله سبحانه ومرادِ رسوله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبدالرحمن السلمي رحمه الله (حدثنا من كان يُقْرئنا من أصحاب رسولِ الله إنهم كانوا يأخذون من رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عشَر آياتٍ فلا يأخذون في العشرِ الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعملِ قال فتعلمنا العلمَ والعمل) الدر المنثور 69. وقال أبو العالية الرياحي رحمه الله: (تعلموا القرآنَ خمسَ آياتٍ خمسَ آياتٍ فإنه أحفظُ عليكم وجبريل كان ينزل به خمسَ آيات خمسَ آيات) السير 4/211. • فكان السلفُ رحمهم الله يتمثلون في تعليمهم القرآن تنزيلَه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منجَّماً على ثلاثٍ وعشرين سنة ويعلمون الحكمةَ العظيمةَ في ذلك وهي التي أشار إليها ربُّنا سبحانه بقوله: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ أي كالتوراة الكتب السابقة قال الله: ﴿ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]. • إن القرآنَ كلَّه حقٌ، والحقُ ثقيل وكذلك وصفَهُ اللهُ فقال: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5] ولهذا ينبغي أخذَهُ رويداً رويداً حتى يكون التالي يُثَبِّت الأولَ في الفؤاد ويُرسِّخه حفظاً وفهماً وعملاً ويقيناً ولهذا قال ابُن مسعود رضي الله عنه : (لا تهذّوا القرآن كَهَذِّ الشِّعر ولا تنثروه نثر الدَّقْل وقِفُوا عند عَجائبه وحَرِّكُوا به القلوبَ) مصنف ابن أبي شيبه 2/256 وقال أيضا (اقرؤوا القرآنَ وحرِّكوا به القلوبَ ولا يكن همُّ أحدِكُم آخرَ السورة ) شعب الايمان 2/360 أي سواءٌ في القراءة أو في الحفظِ أوفي الفهمِ. • كان الصحابةُ يعلمونَ أنَّ حفظَ القرآنِ ليس هو الغايُة بل أهمُّ منه وأعظم تعلُّمُه وتدبُّره وفهمُه والعملُ بما فيه ، امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. وامتثالاً لقول رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه: «خيرُكم من تعلم القرآن وعلمه » متفق عليه. فالمقصودُ الأعظمُ هو تعلُّم ما فيه من الهُدَي والنور والإيمان وتعليمِ الناسِ ذلك والعمل به كما قال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49]. فدلَّ على أَنَّهم تعلَّموه وعَمِلوا به ثم حَفِظُوه في صدورهم لا أَنَّهم بمجرد حِفَظِه صاروا من الذين أوتوا العلم . • وفي الصحيح عن أَبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ ما بعثني الله به من الهُدى والعلمِ كَمثَلِ الغيث الكثيرِ أصابَ أرضاً فكان منها نقيَّة قَبلَت الماء فأنبتت الكلأَ والعشبَ الكثيرَ وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناسَ فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفةً أخرى إنما هي قِيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً فذلك مَثَلُ من فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فَعَلِم وعلَّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هُدَى الله الذي أرسلت به» [متفق عليه]. • قال الحسن البصري رحمه الله (كان الرجلُ إذا طلب العلمَ لم يلبث ان يُرى ذلك في بصره وتخشُّعه ولسانه ويده وصلاته وزهده) سنن الدارمي 1/118. • القرآنُ هو العلمُ كلُّه كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120] والألف واللام للإستغراق، ومما استقر عند أهل العلم أنَّ العلمَ إذا أتى جملهً ذهب جملةً وإنما يُؤخذ مع الأيامِ والليالي كما قال الزهري وغيرهُ من أئمةِ السلف رحمهم الله . • إنَّ من سنن الله أنَّ الشيءَ الحسنَ لن تَذُوقَ لَذَّتَه وتنتفع به حتى تأخُذَه رويداً رُويداً حتى في لذات الدنيا فالشراب الممتع النافع مثلاً هو الذي يتحسَّاه شاربُه قليلاً قليلاً وأما الاستعجال في الشيء فإنه يُفقده لذَّتَه قال تعالى: ﴿ ولَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ [طه: 114] وقال سبحانه: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16]. • كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه يقسِّمون القرآنَ حسبَ السُور فكانوا يختمونه كلَّ جمعة، يقرؤون في اليومِ الأول بعد الفاتحة ثلاث سور (البقرة وآل عمران والنساء )، وفي اليومِ الثاني خمساً، ثم سبعاً، ثم تِسعاً، ثم إحدى عشرةَ، ثم ثلاثَ عشرةَ ( آخرها الحجرات )، ثم يختمون بالمفصَل (من ق إلى الناس)، وقد جمعَ بعضُ المتأخرين أوائلَ هذه المقاطعِ في كلمة ( فمي بشوق) الفاء الفاتحة ، والميم المائدة ، والياء يونس ، والباء بني إسرائيل (الإسراء)، والشين الشعراء ، والواو الصافات ، وأخيراً ق ، وفم المؤمن دائما بشوق إلى كتاب الله، وهذه الطريقة أفضل الطرق في تحزيب القرآنِ وتجزئته، لأنها تُعَين على فهم المعاني. وهذا الترتيبُ يصلحُ في المراجعةِ والقراءةِ أَمَّا في الحفظ فيستحسن أن يُقلبَ فيبدأ الطالب بالمفصَّل ثم الذي يليه حتى يكون أيسرُ للحفظِ وفهمِ المعاني، وأيضاً لقلةِ آياتِ الأحكامِ في هذا الجزء وما تحتاج إليه من جمع بين النصوص وبيانِ الناسخ والمنسوخ ونحوه . نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلنا ممن يتدبرُ كلامَه ويعملُ بما فيه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصَحْبه أجمعين . * * * المصدر :موقع حلقات جامع شيخ الاسلام ابن تيمية التعديل الأخير تم بواسطة عابرة سبيل ; 28-06-12 الساعة 05:25 AM سبب آخر: حجم الخط |
01-06-12, 12:13 AM | #2 |
~مستجدة~
تاريخ التسجيل:
06-05-2012
الدولة:
أرض العلم
المشاركات: 24
|
جزك الله خيرا
|
01-06-12, 04:06 AM | #3 |
~مستجدة~
|
جزاكـ الله خيرا...
|
06-06-12, 10:46 PM | #4 |
~مشارِكة~
تاريخ التسجيل:
12-05-2010
المشاركات: 73
|
جزاك الله خيرا على الموضوع القيم
وجعله في ميزان حسناتك يوم القيامة |
11-10-13, 09:55 PM | #5 |
|الحياة العيش مع القرآن|
|طالبة في المستوى الثاني 2 | |
جزاكم الله خيراً ونفع الله بك ورزقنا واياااكم تدبر كلامه والعمل به كما يحب ويرضى سبحانه
|
12-10-13, 12:19 AM | #6 |
| طالبة في المستوى الثاني 1 |
تاريخ التسجيل:
27-09-2013
المشاركات: 387
|
اللهه يجازيك كل خير
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي | مسلمة لله | روضة آداب طلب العلم | 31 | 02-08-16 12:15 PM |
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين | أم خــالد | روضة القرآن وعلومه | 15 | 14-02-10 02:56 AM |
نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به | طـريق الشـروق | روضة القرآن وعلومه | 8 | 22-12-07 03:50 PM |