تابع اداب معلم القران ومتعلمه

[طالبة للحق]

ذكرنا اداب معلم القران وها نحن بصدد اداب المتعلم وهو شق غاية فى الاهمية يجهله كثير من المتعلمين نسال الله العمل بما نعلم:جميع ماذكر من قبل من اداب المعلم فى نفسه اداب للمتعلم ومن ادابه:
ان يجتنب الاسباب الشاغلة عن التحصيل الا سببا لابد منه للحاجة،وينبغى ان يطهر قلبه من الادناس ليصلح لقبول القران وحفظه واستثماره فقد صح عن رسول الله انه قال:الا ان فى الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهى القلب..وقد احسن القائل بقوله:يطيب القلب للعلم كما تطيب الارض للزراعة،وينبغىان يتواضع لمعلمه ويتادب معه وان كان اصغر منه سنا واقل شهرة ونسبا وصلاحا وغير ذلك ،ويتواضع للعلم فبتواضعه يدركه وقد قالوا نظما:
العلم حرب للفتى المتعالى............................كالسيل حرب للمكان العالى
وينبغى ان ينقاد لمعلمه ويشاوره فى اموره ويقبل قوله كالمريض العاقل يقبل قول الطبيب الناصح الحاذق وهذا اولى ..
فصل:ولايتعلم الا ممن كملت اهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن انس وغيرهما من السلف:هذا العلم دين فانظروا عمن تاخذون دينكم.وعليه ان ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال اهليته ورجحانه على طبقته فانه اقرب الى انتفاعه به،وكان بعض المتقدمين اذا ذهب الى معلمه تصدق بشىء وقال:اللهم استر عيب معلمى عنى ولا تذهب بركة علمه منى.وقال الربيع صاحب الشافعى رحمهما الله ما اجترات ان اشرب الماء والشافعى ينظر الى هيبة له.وعن امير المؤمنين على بن ابى طالب رضى الله عنه قال :من حق المعلم عليك ان تسلم على الناس عامة وتخصه دونهم بتحية،وان تجلس امامه ،ولا تشيرن عنده بيدك ولا تغمزن بعينيك ولا تقولن قال فلان خلاف ما تقول ،ولا تغتابن عنده احدا ،ولا تسارر جليسك فى مجلسه نولاتاخذ بثوبه اذا قام ،ولا تلح عليه اذا كسل ولاتعرض اى تشبع من طول صحبته ..وينبغى ان يتادب بهذه الخصال التى ارشد اليها على كرم الله وجهه ،وان يرد غيبة شيخه فان تعذر عليه ردها فارق المجلس.
فصل:ويدخل على شيخه كامل الخصال متصفا بما ذكرناه فى المعلم متطهرا مستعملا للسواك فارغ القلب من الامور الشاغلة وان لايدخل بغير استئذان اذا كان الشيخ فى مكان يحتاج الى استئذان وان يسلم على الحاضرين اذا دخل ويخصه دونهم بالتحية ،وان يسلم عليه وعليهم اذا انصرف كما جاء فى الحديث(فليست الاولى احق من الثانية)ولا يتخطى رقاب الناس بل يجلس حيث ينتهى به المجلس الا ان ياذن له الشيخ فى التقدم او يعلم من حالهم ايثار ذلك ،ولا يقيم احدا فى موضعه فان اثره غيره لم يقبل اقتداء بابن عمر رضى الله عنهما الا ان يكون فى تقديمه مصلحة للحاضرين او امره الشيخ بذلك ،ولا يجلس فى وسط الحلقة الا لضرورة نولا يجلس بين صاحبين بغير اذنهما وان فسحا له قعد وضم نفسه.
فصل:وينبغى ايضا ان يتادب مع رفقته وحاضرى مجلس الشيخ،فان ذلك تادب مع الشيخ وصيانة لمجلسه ،ويقعد بين يدى الشيخ قعدة المتعلمين لاقعدة المعلمين ولايرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة،ولايضحك ولا يكثر من الكلام من غير حاجة ولا يعبث بيده ولا بغيرها ولايلتفت يمينا ولا شمالا من غير حاجة بل يكون متوجها الى الشيخ مصغيا الى كلامه.فصل:ومما يتاكد الاعتناء به ان لايقرا على الشيخ فى حال شغل قلب الشيخ وملله واستنفاره وروعه وغمه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشق عليه ويمنعه من كمال حضور القلب والنشاط ،وان يغتنم اوقات نشاطه.ومن ادابه ان يتحمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله ،ويتاول لافعاله واقواله التى ظاهرها الفساد تاويلات صحيحة فما يعجز عن ذلك الا قليل التوفيق او عديمه ،وان جفاه الشيخ ابتدا هو بالاعتذار الى الشيخ واظهر ان الذنب له والعتب عليه فذلك انفع له فى الدنيا والاخرة.
فصل:ومن ادابه المتاكدة ان يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه فى جميع الاوقات التى يتمكن منه فيها ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير ،ولا يحمل نفسه ما لايطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل .وهذا يختلف باختلاف الناس والاحوال .واذا جاء الى المجلس فلم يجده انتظر ولازم بابه ولا يفوت وظيفته الا ان يخاف كراهة الشيخ لذلك بان يعلم من حاله الاقراء فى وقت بعينه .وانه لايقرئ فى غيره ،اذا وجد الشيخ نائما او مشتغلا بمهم لم يستاذن عليه بل يصبر الى استيقاظه او فراغه او ينصرف والصبر اولى كما كان بن عباس رضى الله عنهما وغيره يفعلون،وينبغى ان ياخذ نفسه بالاجتهاد فى التحصيل فى وقت الفراغ والنشاط وقوة البدن ونباهة الخاطر وقلة الشاغلات قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة،فقد قال امير المؤمنين عمر بن الخطاب:تفقهوا قبل ان تسودوا معناه :اجتهدوا فى كمال اهليتكم وانتم اتباع قبل ان تصيروا سادة فانكم اذا صرتم سادةمتبوعين امتنعتم من التعلم لارتفاع منزلتكم وكثرة شغلكم ،وهذا معنى قول الشافعى رضى الله عنه:تفقه قبل ان تراس فاذا راست فلا سبيل الى التفقه.فصل:وينبغى ان يبكر بقراءته على الشيخ اول النهار لحديث النبى:اللهم بارك لامتى فى بكورها)وينبغى ان يحافظ على قراءة محفوظه وينبغى الا يؤثر بنوبته غيره فان الايثار مكروه فى القرب بخلاف الايثار بحظوظ النفس فانه محبوب،فاذا راى الشيخ مصلحة فى الايثار فى بعض الاوقات لمعنى شرعىفاشار عليه بذلك امتثل امره ،
ومما يجب عليه ويتاكد الوصية به الا يحسد احدا من رفقته او غيرهم على فضيلة رزقه الله اياها وان لايعجب بنفسه بما خصه الله وذلك بان يذكر نفسه انه لم يحصل ما حصله بحوله وقوته وانما هو فضل من الله ولا ينبغى ان يعجب بشىء لم يخترعه بل اودعه الله تعالى فيه،وطريقه فى نفى الحسد ان يعلم ان حكمة الله تعالى ان جعل هذه الفضيلة فى هذا فينبغى الا يعترض عليها ولا يكره حكمة ارادها الله تعالى ولم يكرهها والله اعلم
المصدر:التبيان فى اداب حملة القران للشيخ ابى زكريا يحى بن شرف الدين النووى الشافعى