العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . بوابة الملتقى . ~ . > موسـميات > قســـم الحـــج

الملاحظات


قســـم الحـــج أحكام، فتاوي، أشرطة، كتب متعلقة بالحج

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-09-14, 01:39 PM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي ملف شهر ذي الحجة وأحكام الأضحية " متجدد بحول الله وقوته "

أحكام عشر ذي الحجة وفضائلها


[BACKGROUND="100 #FFCCFF"]


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإننا ولله الحمد نستقبل موسماً عظيماً شريفاً ألا وهو عشر ذي الحجة التي أقسم الله عز وجل بها قال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2] وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا.
ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء.
فدلت الآية والحديث على أن هذه العشر هي أفضل أيام العام ولياليها أفضل ليالي العام ماعدا ليلة القدر فحري بالمسلم أن يجتهد في هذه الأيام غاية الاجتهاد في الطاعات من صلاة وصيام وصدقة وقراءة للقرآن وغيرها ويعين على ذلك أمور منها:
النية الصادقة في بذل الجهد في الطاعات إذا دخلت هذه الأيام فإن النية الصالحة من أعظم ما يعين العبد على حصول مراده قال الله تعالى:
﴿ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70].
فإذا علم الرب من قلب العبد أنه سيجتهد في العبادة إذا بلغه الله العشر فإن الله يعينه.
ومن الأمور التي ينبه عليها؛ الدعاء.
فيكثر المسلم من دعاء الله أن يبلغه العشر ويعينه فيها على الإكثار من الطاعات فإن العون على مرضاة الله بيد الله سبحانه وأسعد الناس بذلك من دعاه وتذلل له فإنه الكريم لا يخيب من رجاه ودعاه.
معاشر المسلمين:
إن أعظم ما يُتعبد لله به هو ما افترضه الله على عباده فقد جاء في الحديث الإلهي قوله تعالى: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه.
فيعتني المسلم دائماً وخاصة في هذه العشر بالواجبات أشد من عنايته بالمستحبات لأنها ما وجبت إلا لشدة تأكدها.
ويدخل في هذا الصلوات المفروضات فيعتني بتكميلها وأدائها جماعة ويدخل في هذا بر الوالدين وصلة الأرحام.
وهناك نوع من العبادات يستحب ويتأكد هذه الأيام فيشرع صيام تسع ذي الحجة كلها.
وآكد ما يصام منها يوم عرفة فإنه يسن صومه لحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: يكفر السنة الماضية والباقية. رواه مسلم.
وقَالَ صلى الله عليه وسلم « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ». رواه مسلم.
قال ابن رجب رحمه الله:
"ويوم عرفة هو يوم العتق من النار فيعتق الله من النار من وقف بعرفة و من لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم و من لم يشهده لاشتراكهم في العتق و المغفرة يوم عرفة." انتهى كلامه.
ومن العبادات المشروعة في هذه العشر التكبيرُ من غروب شمس آخر يوم من ذي القعدة في الأسواق والشوارع والبيوت ويستمر هذا التكبير إلى مغيب شمس آخر يوم من أيام التشريق.
ومن التكبير ما يعرف بالتكبير المقيد ويكون عقب الصلوات المفروضات من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وسمى هذا بالتكبير المقيد لأنه يقال دبر الصلاة المكتوبة حيث يكبر المصلي بعد سلامه مباشرة قائلا:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ويكررها ما شاء. ثم يقول بعد ذلك أذكار الصلاة المعروفة.
ومن العبادات المشروعة يوم النحر الأضحية والمقصود الأعظم منها إراقة الدم تقرباً لله عز وجل قال تعالى ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ.... ﴾ [الحج: 37].
ولهذا فذبح الأضحية أفضل من الصدقة بأضعاف أضعاف ثمنها.
ويستحب التضحية بالأسمن والأعظم من بهيمة الأنعام قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32] ومن ذلك تعظيم الأضاحي، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.
وقال أبو أمامة بن سهل: كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمّنون. رواه البخاري معلقا.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم
[/BACKGROUND]
[BACKGROUND="100 #FFCCFF"]
الخطبة الثانية:
أما بعد فأنبه في هذا المقام إلى أن إعطاء المال للجمعيات التي تتولى ذبح الأضحية خارج البلاد مخالف لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله سؤالا هذا نصه:
هل الأفضل في هذا الزمان دفع الأضاحي إلى البلاد الفقيرة أم ذبحها هنا؟
فأجاب إجابة طويلة أسوقها بتمامها لما فيها من الفوائد، قال رحمه الله:
هذا سؤال مهم وهو دفع قيمة الأضاحي إلى بلاد فقيرة ليُضَحَّي بها هناك، فإن بعض الناس يفعل هذا، بل يزيد على ذلك أنه يضع دعايةً في الصحف أو غير الصحف لحث الناس على بعث الأضاحي إلى بلاد أخرى، وهذا يصدر في الغالب عن جهل بمقاصد الشريعة، وعن جهل بالحكم الشرعي.
المقصود بالأضحية: المقصود الأول: هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها: فإن الذبح من أكبر العبادات، بل قرنه الله عزَّ وجلَّ بالصلاة: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162] على القول بأن النسك هنا هو الذبح.
فالذبح نفسه عبادة؛ لا يمكن أبداً أن تحصل هذه العبادة إذا ما أرسلت الدراهم إلى بلاد أخرى ثمناً لأضحيةٍ، وذُبِحَت هذه الأضحيةُ عنك، وقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37].
المقصود الثاني: أن الإنسان إذا أرسلها إلى بلاد أخرى فإنه يفوته ذكرُ اسمِ الله عليها: وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ﴾ فجعل ذكرَ اسمِ الله عِلَّةً لهذه المناسك التي جعلها الله عزَّ وجلَّ، وهذا الذكر سيفوته إن كان الذبح هناك، وربما يذبحها من لا يسمِّي أصلاً.
المقصود الثالث: أنه إذا أرسلها إلى الخارج يفوته الأكل منها: وقد قال الله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28] والأمر بالأكل منها للوجوب على رأي كثير من العلماء، فإذا أرسلتَها إلى الخارج فاتك القيام بهذا الأمر، سواء كان واجباً أم مستحباً.
المقصود الرابع: أنه إذا أرسلها إلى الخارج خَفِيَت الشعيرةُ العظيمة التي جعلها الله تعالى في بلاد المسلمين عوضاً عن الشعيرة العظيمة التي جعلها الله تعالى في مكة، فالشعيرة التي تكون في مكة هي: الهدي، والشعيرة التي تكون في بلاد المسلمين الأخرى هي: الأضحية، فالله سبحانه وتعالى جعل هذه الشعائر؛ ذبح الهدي في مكة، وذبح الأضحية في البلاد الأخرى لِتُقام الشعائر في بلاد الإسلام كلها، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى لمن أراد الأضحية شيئاً من خصائص الإحرام، كتجنب الأخذ من الشعر مثلاً.
المقصود الخامس: أن هذه الشعيرة ربما تموت بالنسبة لأبنائنا وبناتنا: فإذا كانت الأضحية في البيت فإن الأهل كلهم يشعرون بها، ويشعرون أنهم على طاعة، فإذا أُرْسِلَت دراهم فما الذي يُدْرِيهم بها؟ فتفوت هذه الشعيرة.
فنقول: من الخطأ الواضح أن ترسَل قيم الأضاحي إلى خارج البلاد ليُضَحَّى بها هناك؛ لأن كل هذه المصالح وربما أشياء أخرى لا تحضرني الآن كلها تفوت بهذا الأمر.
المقصود السادس: أن الناس يبدؤون ينظرون إلى الأضحية نظرةً ماديةً فقط، وهي: إطعام الجائع: وهذا أيضاً ضرر، وقد قال الله تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ وإذا كنت صادقاً في أن تتعبد لله في الأضحية، وأن تنفع إخوانك المسلمين فضحِّ في بلدك، وأرسل الدراهم والأطعمة والأكسية إلى البلاد الأخرى.
ما الذي يمنعك؟! لهذا أرجو منكم -بارك الله فيكم- أن تبينوا للناس أن هذا خطأ، وأن لا يصرفوا قيمة ضحاياهم إلى البلاد الأخرى، بل يضحوا في بيوتهم. انتهى كلامه رحمه الله.
عباد الله:
من أراد أن يضحي فإنه يمسك عن شعره وأظفاره حين تغيب شمس آخر يوم من ذي القعدة وذلك يكون برؤية الهلال أو بإكمال الشهر ثلاثين يوماً.
وبعض الناس يظن أن الإمساك عن الشعر والظفر يكون من فجر اليوم الأول من ذي الحجة وهذا خطأ والصواب ما تقدم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان لهُ ذبحٌ يذبحُهُ، فإذا أَهَلَّ هلالُ ذي الحجةِ، فلا يأخذَنَّ من شعرِهِ ولا من أظفارِهِ شيئًا، حتى يُضحِّي."
رواه مسلم.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم بلغنا هذه العشر وأعنا فيها على طاعتك يا جواد يا كريم.





[/BACKGROUND]



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
قديم 24-09-14, 01:48 PM   #2
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

[background="100 #ffccff"]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فضل عشر ذي الحجة:
روى البخاري - رحمه الله - عنِ ابن عبَّاس - رضيَ الله عنهما - أنَّ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلاَّ رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع مِن ذلك بشيء)).

وروى الإمام أحمد - رحمه الله - عنِ ابن عمر - رضي الله عنهما - عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهنَّ مِن هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهنَّ منَ التَّهليل، والتَّكبير، والتَّحميد))، وروى ابنُ حبان - رحمه الله - في صحيحه عن جابر - رضيَ الله عنه - عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الأيام يوم عرفة)).

أنواع العمل في هذه العشر:
الأول: أداء الحج والعمرة، وهو أفضل ما يعمل، ويدل على فضله عدَّة أحاديث، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((العمرة إلى العمرة كَفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلاَّ الجنة))، وغيره منَ الأحاديث الصحيحة.

الثاني: صيام هذه الأيام أو ما تَيَسَّرَ منها - وبالأخص يوم عَرَفة - ولا شك أنَّ جنس الصيام من أفضل الأعمال، وهو ما اصطفاه الله لنفسه؛ كما في الحديث القدسي: ((الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي)).

وعن أبي سعيد الخُدري - رضيَ الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما مِن عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلاَّ باعدَ الله بذلك اليوم وجهه عنِ النار سبعين خريفا))؛ متَّفق عليه؛ أي: مسيرة سبعين عامًا.

وروى مسلم - رحمَه الله - عن أبي قتادة عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفرَ السَّنَة التي قبله والتي بعده)).

الثالث: التكبير والذِّكر في هذه الأيام؛ لقوله - تعالى -: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذِّكر فيها؛ لحديث ابن عمر - رضيَ الله عنهما - عند أحمد - رحمه الله - وفيه: ((فأكثروا فيهنَّ منَ التهليل والتكبير والتحميد)).
وذَكَرَ البخاري - رحمه الله - عنِ ابن عمر، وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبران ويكبِّر الناس بتكبيرهما.

وروى إسحاق - رحمه الله - عن فُقهاء التابعين - رحمة الله عليهم - أنهم كانوا يقولون في أيام العشر: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

ويُسْتَحب رفع الصَّوت بالتَّكبير في الأسواق والدور والطُّرُق والمساجد وغيرها؛ لقوله - تعالى -: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185].

ولا يجوز التكبير الجماعي، وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التلفُّظ بصوتٍ واحد، حيث لم ينقلْ ذلك عنِ السلف، وإنما السنة أن يكبِّرَ كل واحد بمفرده، وهذا في جميع الأذكار والأدعية؛ إلاَّ أن يكون جاهلاً، فله أن يلقن من غيره حتى يتعلمَ، ويجوز الذِّكْر بما تَيَسَّر من أنواع التكبير، والتحميد، والتسبيح، وسائر الأدعية المشروعة.

الرابع: التَّوبة والإقلاع عنِ المعاصي وجميع الذُّنوب، حتى يترتبَ على الأعمال المغفرة والرَّحمة، فالمعاصي سبب البُعد والطَّرد، والطاعات أسباب القُرب والود، وفي الحديث عن أبي هريرة - رضيَ الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حَرَّم الله عليه))؛ متفق عليه.

الخامس: كثرة الأعمال الصالحة مِن نوافل العبادات؛ كالصلاة، والصَّدَقة، والجهاد، والقراءة، والأمر بالمعروف، والنَّهي عنِ المنكر، ونحو ذلك؛ فإنها منَ الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام، فالعمل فيها - وإن كان مفضولاً، فإنه أفضل وأحب إلى الله منَ العمل في غيرها، وإن كان فاضلاً حتى الجهاد الذي هو من أفضل الأعمال؛ إلاَّ من عقر جواده، وأهريق دمه.

السادس: يشرع في هذه الأيام التَّكبير المطلق في جميع الوقت؛ من ليل أو نهار إلى صلاة العيد، ويشرع التكبير المُقَيَّد، وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة التي تصلَّى في جماعة، ويبدأ لِغَيْر الحجاج من فجر يوم عرفة وللحجاج من ظهر يوم النحر، ويستمر إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق.

السابع:
تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهو سنَّة أبينا إبراهيم - عليه الصَّلاة والسلام - حين فدى الله ولده بذبْح عظيم، وقد ثبت أنَّ النَّبي - صَلَّى الله عليه وسلم - ضَحَّى بِكَبْشينِ أملحينِ أقرنينِ ذبحهما بيده، وسَمَّى وكبر ووضع رجله على صفاحهما؛ متفق عليه.

الثامن: روى مسلم - رحمه الله - وغيره عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره))، وفي رواية: ((فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي))، ولعلَّ ذلك تشبُّهًا بمَن يسوق الهَدْي، فقد قال الله - تعالى - : {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: 196]، وهذا النَّهي ظاهرُه أنه يخص صاحب الأضحية، ولا يعم الزوجة ولا الأولاد؛ إلاَّ إذا كان لأحدهم أضحية تخصُّه، ولا بأس بِغَسْل الرأس ودلكه، ولو سقط منه شيء منَ الشَّعْر.

التاسع: على المسلمِ الحِرْص على أداء صلاة العيد حيث تُصلَّى، وحضور الخطبة والاستفادة، وعليه معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد، وأنه يوم شكر، وعمل بر، فلا يجعله يوم أشر وبطر، ولا يجعله موسم معصية وتوسع في المحرَّمات؛ كالأغاني، والملاهي، والمسكرات ونحوها، مما قد يكون سببًا لِحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر.

بعد ما مر بنا ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستغل هذه الأيام بطاعة الله وذكره وشكره، والقيام بالواجبات، والابتعاد عنِ المنهيَّات، واستغلال هذه المواسم والتَّعَرُّض لنفحات الله؛ ليحوز على رضا مولاه.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.






[/background]
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
قديم 24-09-14, 02:05 PM   #3
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

[BACKGROUND="100 #FFCCFF"]
ملخَّص الخطبة:
  1. فضل عشر ذي الحجة.
  2. استحباب الإكثار من ذكر الله تعالى فيها.
  3. فضل صيام عشر ذي الحجة.
  4. فضل الأُضحية.
  5. من أحكام الأُضحية.
  6. وقت الأُضحية وشروطها.
  7. صفة الحج.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، إنَّ من رحمة الله لعباده أن جعلَ لهم مواسمَ للطاعات، يتنافسُ المسلمون فيها بصالح الأعمال، فضلًا من الله ورحمة، والله ذو الفضل العظيم.
أيُّها المسلم، من هذه الأيام أيامُ عَشْر ذي الحجَّة، فهي أيامٌ معظَّمة في شرع الله، لها خصوصيَّة في مزيد الطاعة والإحسان، وقد نوَّه الله بها في كتابه العزيز؛ قال تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1-2]، والمراد بها عشرُ ذي الحجة، وقال تعالى: {وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ} [الحج: 28]، والمراد بالأيام المعلومات: هي عشرُ ذي الحجَّة.
ودلَّت سنَّة رسول الله على فضلها، وأنَّه يُشرع التنافس فيها في صالح العمل، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من أيَّامٍ العملُ الصالح فيهنَّ أحبُّ إلى الله من هذِه العَشْر)). قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيءٍ))[1].
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من أيَّامٍ العملُ فيها أعظم عند الله سبحانه ولا أحبُّ إليه من العمل في هذه الأيام - يعني: عَشْر ذي الحجَّة - فأكثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد))[2].
قال البخاري - رحمه الله -: "كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العَشْر يكبِّران، ويكبِّر الناس بتكبيرهما"[3]؛ بمعنى: أنَّهما يحيِيان هذه السنَّة، فيذكرون الله جلَّ وعلا، يقومان - رضيَ الله عنهما - بذكر الله، فيقتدي النَّاس بهما، فيذكرُ الجميع ربَّ العالمين.
وكان عمر بن الخطاب أمير المؤمنين - رضيَ الله عنه - بمنى يكبِّر عقِب الصلوات، ويكبِّر في فُسْطاطِه وعلى فراشِه وفي مجلسه، ماشيًا وقاعدًا، وهكذا كانوا يُحيون هذه السنَّة ويعظِّمونها، فيذكرون الله جلَّ وعلا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيُّها المسلم:
في هذه الأيّام المباركة يُشرَع لك التزوُّد من صالح العمل؛ والتوبة إلى الله ممَّا سلف وكان من سيِّئات الأقوال والأعمال.
أيُّها المسلم:
إنَّ هذه الأيامَ العشر اجتمعت فيها أنواعٌ من العبادة؛ الصلاة والصوم والصدقة والحجّ، فاجتمعت أنواع هذه الطاعة؛ الصلاة والصدقة والصوم والحج، فأكثِر من فعل الطَّاعة، وبادِر إلى الفرائض، وأكثِر من النوافل، وفي حديث ثوبان - رضيَ الله عنه -: ((عليك بكثرة السُّجود، فإنَّك لا تسجُد لله سجدة إلا حطَّ الله بها عنك خطيئة، ورفع لك بها درجة))[4].
ويُسنُّ صيامُ هذه التِّسع لمَنْ قدر على ذلك، ففي مسند الإمام أحمد - رحمه الله - أنَّ النبيَّ كان يصوم تسعَ ذي الحجة ويومَ عاشوراء وثلاثةَ أيام من كلِّ شهر[5].
وأفضلها وآكدُها صومُ يوم عرفة لمَنْ لم يكن حاجًّا، يقول – صلَّى الله عليه وسلَّم - في صيام يوم عرفة: ((أحتسبُ على الله أن يكفِّر سنةً قبله وسنةً بعده))[6].
فعظِّموا هذه الأيامَ، فإنَّها أيّامٌ عظيمة عند الله، شُرِع لكم فيها أنواعٌ من الطاعة، فتزوَّدوا من صالح العمل.
أيُّها المسلم:
شُرِع لنا أيضًا في يوم النَّحر أن نتقرَّب إلى الله بذبح الأضاحي عبادةً لله، وقربةً نتقرَّب بها إلى الله، والله - جلَّ وعلا - قد حثَّنا على ذلك، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162-163]، وقال جلَّ وعلا: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [التكاثر: 2].
وكان نبيُّكم – صلَّى الله عليه وسلَّم - كثيرَ الصلاة، كثيرَ النَّحْر، وقد حثَّ على الأضاحي ورغَّب فيها بقوله وفعله؛ فمن قوله: ما ثبت عنه أنَّه قال: ((ما عمل ابنُ آدم يومَ النَّحر أحبُّ إلى الله من إراقة دمٍ، وإنَّه يأتي يومَ القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإنَّ الدَّم ليقع من الله بمكانٍ قبلَ أن يقَع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا))[7]. وقال لمَّا سُئل: ما هذه الأضاحي؟ قال: ((سنَّةُ أبيكم إبراهيم)). قالوا: ما لنا منها؟ قال: ((بكلِّ شعرةٍ حسنة)). قالوا: الصوف؟ قال: ((وبكلِّ شعرةٍ من الصوف حسَنة))[8].
ونبيُّكم حافَظ عليها مدَّةَ بقائِه في المدينة، فما أخَلَّ بها سنَةً من السنين كلَّ مدةِ بقائِه في المدينة، منذ هاجَر إلى أن توُفِّيَ، وكان يُعلِن هذه السنَّة ويظهرها للملأ؛ قال أنسٌ - رضيَ الله عنه -: "كان رسول الله إذا صلَّى يومَ النَّحر أُتيَ بكبشَيْن أقرنَيْن أملحَيْن، فرأيتُه واضعًا قدمَه على صفاحهما، يسمِّي ويكبِّر، فيذبحهما بيده، صلوات الله وسلامه عليه"[9]، ممَّا يدلُّ على عظيم هذه السنَّة.
أيُّها المسلم:
ليس الهدفُ منها اللَّحم، ولكنَّها قربةٌ تتقرَّب بها إلى الله، قال الله - جلَّ وعلا -: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج: 37]، إذًا فذبحُها أفضلُ من الصَّدقة بثمنها.
والمسلم يضحِّي عن نفسه وعن أهل بيته، أحيائهم وأمواتهم، فإنَّ نبيَّنا كان يضحِّي بكبشَيْن؛ أحدُ الكبشين عن محمَّد وآل محمَّد، والثاني عمَّن لم يضَحِّ من أمَّة محمَّدٍ صلوات الله وسلامه عليه[10]. فضحِّ عن نفسك، وضحِّ عن أهل بيتك، قليلٍ وكثير.
وسنَّة محمَّدٍ دلَّت على أنَّ الشاةَ الواحدة تغني الرجلَ وأهلَ بيته؛ قال أبو أيوب الأنصاري - رضيَ الله عنه - لمَّا سُئل عن الأضاحي في عهد رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "كان الرَّجل منَّا يضحِّي بشاةٍ واحدةٍ عنه وعن أهل بيته، حتى تباهى الناس فكانوا كما ترى"[11]. بمعنى: أنَّ الرجلَ إذا ذبح أضحيةً واحدةً عنه وعن أهل بيته، الأحياء منهم والأموات، وأشركهم جميعًا في ثوابها؛ نالهم ذلك الثوابُ بفضل الله، فليس الهدف التعدُّد، إنّما الهدفُ التقرُّب إلى الله تعالى.
أيُّها المسلم:
وأمّا الوصايا التي أوصى بها الأمواتُ؛ فينفِّذها المسلم كما كانت، لا يزيد ولا يُنْقِص، لا يُدخِل فيها ما ليس منها، ولا يُخرج منها من هو فيها، وإذا عجز ريع الأوقاف عن الأضحية في عام فأخِّرها ولو عامًا آتيًا، وإذا كان الرجلُ قد أوصَى بعدّة أضاحي وعجز في ثلثه عن القيام بها كلِّها؛ فلا بأسَ أن تجعلها في شاةٍ واحدةٍ، وتُشرك الجميع، إذا كان الموصي واحدًا أوصى بعدَّة أضاحي فلم يكن غلَّة ذلك الوقف تغطِّي الجميع.
أيُّها المسلم:
إنَّ نبيَّنا جعل للأضاحي وقتَ ابتداء، فابتداءُ ذبحها من بعد نهاية صلاة عيد النَّحر، يقول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ صلَّى صلاتَنا ونسك نسكنا؛ فقد أصاب السنَّة، ومَنْ ذبَح قبل الصلاة؛ فليُعِد مكانها أخرى))[12].
وبيَّن السِّنَّ المعتبَر في الأضاحي، وأنَّها الثني أو الجذع من الضأن، وفي الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي المَعز سنة، وفي الجذع من الضأن ستَّة أشهر، فلا يجزئ الأضاحي إلا من بهيمة الأنعام؛ من الإبل والبقر والغنم.
ولابدَّ من سلامتها من العيوب التي تمنَع الإجزاء؛ لأن المقصدَ التقرُّبُ إلى الله بالطيِّب؛ قال تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [البقرة: 267]؛ فنهى أن يُضحَّى بالعوراء البيِّن عَوَرُها، وهي التي انخسفت عينُها أو برزت، فلا تبصِر بها ولو كانت قائمة، ونهى أن يضحَّى بالمريضة البيِّن مرضُها، والتي ظهر أثر المرض عليها في مشيها وفي أكلها وفي شربها، ونهى بأن يضحَّى بالعرجاء البيِّن ضَلْعُها، ونهى أن يضحَّى بالعَجْفاء الهزيلة التي لا تُنْقِي.
وجاء أيضًا النهيُ عن أعضَب القرن والأُذُن؛ ما كان القَطْع في الأُذُن أو القَرْن أكثر من النِّصف، وكُره نقصٌ فيها، قال عليٌّ - رضيَ الله عنه -: "أمرنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نستشرف العينَ والأذن".
فكلُّ ذلك مكروهٌ التضحيةُ به، أمَّا العيوب الأربعة من العرَج والعوَر والمرَض والهُزال؛ فتلك لا تجزئ مطلقًا، وما كان أشدَّ منها كذلك.
أيُّها المسلم:
تقرَّب إلى الله بها، وتولَّ ذبحَها إن كنت تقدر على ذلك اقتداءً بنبيِّك، واحضُر ذبحَها؛ فإنَّها من شعائر الدين، وعظِّموها - رحمكم الله - كما أمركم بذلك ربُّكم، واذبحوا أضاحيكم في بلادكم، ولا تكِلوها إلى مَنْ لا تعلمون أمانته ونزاهته، من أولئك الذين يطلبون إخراجها والتبرُّع بها، ليتولَّوا ذبحَها في غير بلادكم، وكثيرٌ منهم ليسُوا على مستوى المسؤولية في ذلك، فتولُّوا بأنفسكم الإشرافَ على هذه السنَّة، الإشرافَ على هذه العبادة ومباشرتها، فإنَّها طاعةٌ لله وقُرُبةٌ تتقرَّبون بها إلى الله.
يُروى في الحديث - وإن كان فيه مقالٌ - أنَّ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لفاطمة – رضيَ الله عنها -: ((قُومي إلى أُضحيتِكِ فاشهديها، فإنّه يُغفَر لكِ بأوَّل قطرةٍ من دمها))[13].
لا شكَّ أنَّها طاعةٌ لله، وقربةٌ يتقرَّب بها العبادُ إلى الله، يُحيون سنَّة نبيِّهم وسنَّة أبيهم إبراهيم، يتقرَّبون بذلك إلى الله، ليس الهدفُ اللَّحْم، ولكن الهدف العبادة لله، ليرغموا أعداءَ الإسلام الذين يتقرَّبون إلى قبور الأموات، ويذبَحون لهم وينذرون لهم، والمسلمُ يتقرَّب بذبحه إلى الله طاعةً لله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
ليس الهدفُ غلاء الثمَن مطلقًا، إنّما الهدفُ السلامة من العيوب، وخيرُ الأمور أوساطُها، ولا يلزَم التقصِّي في أغلى الثمَن وفي نحو ذلك، فإنَّ الهدفَ الطاعةُ، والمهمُّ السلامةُ من العيوب، وخلوِّها من العيوب التي تمنَع الإجزاءَ أو التي تنقص الثوابَ، فاتقوا الله يا عباد الله، وتقرَّبوا إلى الله بما يُرضيه.
أسأل اللهَ لي ولكم التوفيق والسَّداد لما يحبُّه ويرضى، إنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
حجاجَ بيتِ الله الحرام، أتَيتم لهذا البلد الكريم من أقطار الدنيا، وتجشَّمتم المشاقَّ، وفارقتُهم البلد والولدَ والوالد والأهل والمال، وأنفقتم في سبيل ذلك ما استطعتم، استجابةً لأمر الله؛ حيث يقول: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، وإجابةً لنداء الخليل – عليه السَّلام - حيث قال الله عنه: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ * لّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 27-28]، ويقينًا ببشرى محمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ حجَّ هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسق؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه))[14].
فاحرِصوا على الإخلاص لله في القول والعمل، وأن يكونَ العمل موافقًا لشرع الله، فإنَّ الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، يَبتغي به عامله وجهَ الله والدَّار الآخرة: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} [الكهف: 110].
يا أخي الحاجُّ:
اعلَم أن نبيَّنا جعل للبيت مواقيتَ أربعة، أمَر كلَّ حاجٍّ أو معتمرٍ أن ينوي الحجَّ أو العمرة من هذه المواقيت الأربعة التي جعلها الله حمًى للحرم، كما جعل الحرم حمًى لمكة، وجعل مكة حمًى لبيته العتيق. ونبيُّنا وقَّت هذه المواقيت، وأمر المسلمين أن يُهلُّوا بالنسك منها، فقال: ((يهلُّ أهلُ المدينة من ذي الحُلَيْفَة، وأهل الشام ومصر من الجُحْفة، وأهل اليمن من يَلملَم، وأهلُ نجد من قَرْن، هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممَّن أراد الحجَّ والعمرة، ومن كان دونَ ذلك فمهلَّه منذ أنشأ، حتَّى أهل مكَّة يُحرِمون من مكَّة))[15].
أخي الحاجُّ المسلم:
إذا أتيتَ عند واحدٍ من هذه المواقيت فانوِ النسكَ الذي تريد، وأنتَ مخيَّر بين أنساكٍ ثلاثة، بين أن تقول: "لبَّيك اللهمّ حجًّا"، فهذا حجّ مفرد، وبين أن تقول: "لبَّيك اللهمَّ حجًّا وعمرة"، فهذا قِرانٌ بين نُسكين، وبين أن تقول: "لبّيك اللهمّ عمرة متمتعًا بها إلى الحج"، فهذا يسمَّى تمتّعًا. وهذه النّسك بإجماع المسلمين أنَّ كلَّ واحدٍ منها مجزئ، ولكنَّ المحقِّقين قالوا: إنَّ أفضلَها لمن ساق الهديَ أن يقرِن، ومن لم يسُق الهديَ أن يتمتَّع، وإن أفرد فلا شيءَ عليه، الكلّ جائزٌ ومؤدٍّ للواجِب.
فإذا قلتَ: "لبّيك اللهمَّ حجًا"، وأتيتَ بيتَ الله الحرام، فإن شِئت فطُف بالبيت واسعَ بين الصفا والمروة، ولكن يبقى عليك إحرامُك إلى يومِ النحر، فتذَهب إلى عرفة ومزدلفة، فإذا رميتَ جمرةَ العقبة وحلقتَ أو قصَّرت من رأسك حللتَ من إحرامِك، ويبقى عليك طوافُ الإفاضة والسعي، هذا إن لم تسعَ مع طوافِ القدوم، وإن سعيتَ مع طوافٍ قبلَ الحجّ سَقَط عنك السعي، لكن طواف الإفاضة لابدَّ منه.
والقارنُ بين الحجِّ والعمرة، القائل: "لبَّيك اللهمَّ حجًّا وعمرةً" هو كالمُفرِد، له أن يسعى مع طوافه للقدوم، وله أن يؤخِّر السعيَ إلى أن يَسعى مع طواف الإفاضة يوم النَّحْر.
أمَّا المتمتِّع؛ فإنَّ عليه طوافًا وسعيًا لعمرته؛ لأنَّه يتحلَّل بعد ذلك، وعليه طوافٌ وسعيٌ آخَر لحجِّه، هكذا سنَّة محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم.
أخي الحاجُّ المسلم:
فإذا دخل اليومُ الثامن من ذي الحجة، إن كنت متمتِّعًا فأحرِم للحج، وإن كنتَ قارنًا أو مُفرِدًا باقيًا على إحرامك فاذهب مع الحجَّاج جميعًا إلى منى، ويصلِّي بها المسلمون الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل صلاةٍ في وقتِها، يصلُّون الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والمغرب ثلاثًا في وقتها، والعشاء في وقتها ركعتين، والفجر بلا شكٍّ غير مقصورة ركعتين؛ لأنَّه لا جمع إلا في عرفة ومُزْدَلِفَة.
ثمَّ يتوجَّه الحجَّاج يومَ التاسع بعدَ طلوع الشمس إلى عرفة، يقِفون في ذلك الموقِف العظيم وفي هذا اليوم العظيم طاعةً لله، واقتداءً بنبيِّهم ، يُكثِرون من ذكر الله والثناء عليه، ودعائه ورجائه، والتضرُّع بين يديه، فما رُئي الشيطان في موضعٍ هو أصغَر ولا أحقَر ولا أغيَظ منه ما رُئي يومَ عرفة.
ثم بعد غروب الشمس ينصرِف الحاجُّ إلى مُزْدَلِفَة، فيصلُّون بها المغرب والعشاء إذا وصلوا إليها جمعًا وقصرًا، كما يصلُّون الظهر والعصر بعرفَة جمعًا وقَصْرًا في وقت الظهر، ويبيتون بها، وللعَجَزَة من النساء والضعفاء الانصرافُ من بعد نصف الليل، والأقوياء يبقون حتى يصلُّوا بها الفجر، فيذكرون الله ويُثنون عليه.
وقبل طلوع الشمس يفيضون إلى منى، فيرمي المسلم جمرةَ العقبة بسبع حصيات، ثمَّ يحلق أو يقصِّر من رأسه، ثمَّ قد حلَّ له كلُّ شيءٍ حرم عليه بالإحرام من الطِّيب ولبس المَخِيط وتقليم الأظافر وقصِّ الشَّعر وغير ذلك، ما عدا النساء؛ فلا يحصل له إلا بعدما يكمل نسكَه، ثمَّ يطوف بالبيت، ويسعَى بين الصَّفا والمروة، وقد حلَّ من كلِّ نسكه.
يبيت الحاجُّ بمنًى ليلةَ الحادي عشر والثاني عشر، يرمُون الجمارَ بعد زوال الشمس، ويمتدُّ الرميُ إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني، ومَنْ تعجَّل في يومين خرج من منًى قبل غروب الشمس، ومن تأخَّر باتَ بها ورمَى بعد زوال الشمس.
فاتَّقوا الله في نسككم، وأدُّوه كما أمركم بذلك ربُّكم، والزموا السكينة والوقار في كلِّ أحوالكم، واعلموا أنَّ لهذا البيت حرمته وأمنه، قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: 67]، وقد توعَّد الله مَنْ همَّ بسوءٍ في الحرم أن يعاقبَه بمجرَّد نيَّته، وإن لم يفعل: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
فالزَموا السكينة في أحوالكم كلِّها، وتدرَّعوا بالصبر والحلم والأناءة، وكونوا أعوانًا على الخير والتقوى، جمع الله القلوب على طاعته، وتقبَّل من الحجَّاج حجَّهم، وردَّهم سالمين آمنين، إنَّه على كلِّ شيءٍ قدير.
واعلموا - رحمكم الله -: أن أحسن الحديث كتابُ الله، وخير الهَدْي هَدْي محمَّدٍ ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصلُّوا - رحمكم الله - على عبد الله ورسوله محمَّد، امتثالاً لأمر ربِّكم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه البخاري في الجمعة (969) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.
[2] أخرجه أحمد (2/75)، والبيهقي في الشعب (3750) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه، قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (5446): "إسناده صحيح"، وله شاهد من حديث ابن عباس عند الطبراني في الكبير (3/110)، جوَّد إسناده المنذري في الترغيب (2/24)، وقال الهيثمي في المجمع (4/17): "رجاله رجال الصحيح". وأورد الألباني الحديث في ضعيف الترغيب والترهيب (733، 735).
[3] صحيح البخاري: كتاب العيدين، باب: فضل العمل في أيام التشريق. وقد وصله أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في الشافي، والقاضي أبو بكر المروزي في العيدين. كما في فتح الباري لابن رجب (9/8).
[4] أخرجه مسلم في الصلاة (488).
[5] أخرجه أحمد (5/271، 6/248، 423)، وأبو داود في الصوم (2437)، والنسائي في الصيام (2372)، والبيهقي في الكبرى (4/284) عن بعض أزواج النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد اختلف في إسناده، وصححه الألباني صحيح أبي داود (2129).
[6] أخرجه مسلم في الصيام (1162) من حديث أبي قتادة - رضيَ الله عنه.
[7] أخرجه الترمذي في الأضاحي (1493)، وابن ماجه في الأضاحي (3126) من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الترمذي: "هذا غريب"، وصححه الحاكم (4/222)، وتعقبه الذهبي والمنذري، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (526).
[8] أخرجه أحمد (4/368)، وعبد بن حميد (259)، وابن ماجه في الأضاحي (3127)، والطبراني في الكبير (5/197)، والبيهقي في الكبرى (9/261) من طريق عائذ الله عن أبي داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، وصححه الحاكم (3467) لكن في السند أبو داود قال البوصيري في الزوائد (3/223): "اسمه نفيع بن الحارث وهو متروك"، وقال البخاري ـ كما في سنن البيهقي ـ: "عائذ الله المجاشعي عن أبي داود روى عنه سلام بن مسكين لا يصح حديثه"، وانظر تخريجه في السلسلة الضعيفة (527).
[9] أخرجه البخاري في الأضاحي (5554، 5558، 5564، 5565)، ومسلم في الأضاحي (1966) بمعناه.
[10] أخرج أبو داود في الضحايا، باب: في الشاة يضحى بها عن جماعة (2810)، والترمذي في الأضاحي، باب: العقيقة بشاة (1521)، وابن ماجه في الأضاحي، باب: أضاحي رسول الله صلى الله عليه وسلم (3121) عن جابر رضي الله عنهما قال: شهدت مع رسول الله الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه رسول الله بيده وقال: ((بسم الله والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضحِّ من أمتي))، قال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، والعمل على هذا عند أهل العلم"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2436).
[11] أخرجه مالك في الضحايا (1050)، والترمذي في الأضاحي، باب: ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت (1505)، وابن ماجه في الأضاحي، باب: من ضحى بشاة عن أهله (3147)، وقال الترمذي: "هذا صحيح"، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1216).
[12] أخرجه البخاري في الجمعة (955، 983)، ومسلم في الأضاحي (1961) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، ولفظه: ((من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم)).
[13] أخرجه أحمد (1/95، 105، 108، 125، 128، 132، 149، 152)، وأبو داود في الضحايا (2804)، والترمذي في الأضاحي (1498)، والنسائي في الضحايا (4372، 4373، 4376)، وابن ماجه في الأضاحي (3143)، وقال الترمذي: "هذا صحيح"، وصححه ابن خزيمة (2914)، وابن حبان (5920)، والحاكم (1720)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (2544).
[14] أخرجه الحاكم (4/222) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه وصححه، وتعقبه الذهبي، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (528).
[15] أخرجه البخاري في الحج (955، 983)، ومسلم في الحج (1961) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(16) أخرجه البخاري في الحج (1524)، ومسلم في الحج (1181) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه.

[/BACKGROUND]
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
قديم 24-09-14, 02:16 PM   #4
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

[background="100 #ffccff"]
الحمد لله العليم القدير، دلَّ خلقُه ورزقُه على قدرته، وبرهن تدبيرُه لما خلق على علمه وحكمته؛ {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ} [الحجر: 86]، وقال الملائكة - عليهم السلام -: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة: 32]، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، امتَنَّ على عباده، فخلقهم ورزقهم وكفاهم، وإلى دينه ومرضاته هداهم؛ {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198].

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نصح لأمته، فدَلَّهم على ما ينفعهم، وحذرهم مما يضرُّهم؛ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، اختارهم الله – تعالى - لصُحبة نبيّه، فكانوا خير هذه الأمة إقامةً لدين الله - تعالى - ونصرة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وقيامًا بحقِّه، ووفاء له، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعدُ:
فاتَّقوا الله ربكم، واغتنموا ما بقي من أعماركم، واعتبروا بما ضاع مِن أوقاتكم، واتَّعظوا بمن مضوا قبلكم؛ فإنكم سائرون على دربهم، صائرون إلى مصيرهم، ولا مفرَّ منَ الله - تعالى - إلاَّ إليه، ولا نجاة إلاَّ بصدق التَّوَجُّه إليه - سبحانه - وتعلق القلوب به - عزَّ وجلَّ - وإخلاص العمل له وحده دون سواه، {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البيِّنة: 5].
أيها الناس:
اختَصَّ الله - تعالى - بعض الأزمنة بعبادات فُضلت بها على غيرها منَ الزمان، كما اختصَّ ثلث الليل الآخر دون سائر اللَّيل والنهار، بتجلِّيه - سبحانه - للمُستغفرينَ من عباده والسائلين والداعين، واختص يوم الجمعة بهذه الصلاة العظيمة، وبساعة الإجابة فيها، واختص رمضان بوجوب صيامه، ومشروعية الجماعة في قيامه.
واختُصتْ عشرُ ذي الحجة باجتماع أمَّهات العبادات فيها، فكان العمل الصالح فيها أفضلَ منه في غيرها؛ فالصلاة، والدعاء، والصدقة، والجهاد، وقراءة القرآن، وذِكْر الله - تعالى - وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف، والنَّهي عنِ المنكر، وغيرها منَ القُرُبات - هي في عشر ذي الحجة أفضل منها في غيرها؛ لحديث ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ الله - عز وجل - ولا أَعْظَم أَجْرًا من خَيْرٍ يعمله في عَشْرِ الأَضْحَى))، قِيلَ: ولا الجِهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجِهَاد في سبيل الله - عز وجل - إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فلم يَرْجِعْ من ذلك بِشَيْءٍ))؛ رواه البخاري، والدارمي واللفظ له.
إنَّ هذه العَشْر المبارَكات التي نبتدئها اليوم أو غدًا هي أفضل أيام السَّنة، والعمل الصالح فيها - أيًّا كان نوعه - أفضل منه في غيرها، وهي تقع في آخر شهر من السنة، فكأنها تعويض للمفرطين في عامهم؛ ليتداركوا أنفسهم، ويعوضوا فيها ما فاتهم، ويدركوا بها منزلة من سبقهم، ومن فضل الله - تعالى - أنها كانتْ في آخر العام؛ فإنَّ العبدَ يَتَذَكَّر بنهاية سنته نهاية عمره، ويندم على ما فرط في أيامه الخالية، ويعقد العزم على استثمار ما بقي من حياته، فإذا هو يستقبل هذه العشر المباركة؛ ليفي بوعده لربه، ويصدق مع نفسه.
إنَّ الله - تعالى - حين جَعَل هذه العشر المباركات أفضل أيام السنة، فإنَّه - سبحانه - اختَصَّها بخصائص ليستْ في غيرها، وجعلها زمنًا لعبادات لا تكون في سواها، فهي زمن أداء ركن الإسلام الخامس، فأولُ أيام الحج فيها وهو يوم التروية، وفيها ركنُه الأعظمُ، وهو الوقوفُ بعرفة، ويُتَوَّجُ خاتمتُها وهو يوم النحر بأكثر أعمال الحج، وهي: الرمي، والنحر، والحلق، والحل من الإحرام، والطواف بالبيت، والسَّعي بين الصفا والمروة.
إنها اختُصت بهذه الأيام الثلاثة العظيمة، وفيها مناسك الحج وشعائره الكبيرة، ففي اليوم الثامن يبدأ الحجاج مناسكهم، وفي اليوم التاسع يقفون بعرفة، وهو من أعظم الأيام وأفضلها، ويعتق الله - تعالى - فيه منَ النار ما لا يعتق في غيره من سائر الأيام؛ كما في حديث عَائِشَة - رضي الله عنها -: أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من يَوْمٍ أَكْثَر مِن أَنْ يُعْتِقَ الله فيه عَبْدًا من النَّارِ من يوم عرفة، وإنه لَيَدْنُو، ثم يُبَاهِي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))؛ رواه مسلم.
وهو اليوم الذي نزلتْ فيه آية الإخبار بكمال الدِّين، وتمام النِّعمة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعَرَفة؛ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنَّ رجلاً منَ اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا - معشرَ اليهود – نزلتْ، لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيُّ آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، قال عمر: قد عَرَفْنَا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلتْ فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائمٌ بعَرَفَة يوم جمعة"؛ رواه الشيخان.
فكان الإخبار عن كمال دين الإسلام، وتمام نعمة الله - تعالى - به علينا، ورضاه بالإسلام لنا دينًا في اليوم التاسع من هذه العشر المباركة، فاختصتْ بهذا الفضْل العظيم.
وفيها ليلة جَمْعٍ، حين يبيت الحجاجُ بمُزدلفة، ويذكرون الله - تعالى - فيها بعد الفجر إلى الإسفار؛ قال الله - تعالى - في فضْل هذا الذِّكر في ذلك المشعر المبارك: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198].
واختُصت العشر بيوم النحر، وهو العيد الأكبر، وهو أفضل من عيد الفطر؛ لاختصاصه بكثير من الشعائر والعبادات، وفيه تُراق الدماء؛ تعظيمًا لله - تعالى - ولا تذبح الضحايا والهدايا قبله، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، فكان التَنَسُّك بالدِّماء لله - تعالى - في خاتمة هذه العشر المبارَكة، وكان آخر يوم منها وهو اليوم العاشر عيدًا كبيرًا للمسلمين، يذكرون الله - تعالى - فيه على ما هداهم، ويشكرونه على ما أعطاهم؛ {فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36 - 37]، وثبت فضله في حديث عبدالله بن قُرْطٍ - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ أعظم الأيام عند الله - تبارك وتعالى - يوم النحر، ثم يوم القر))؛ رواه أبو داود.
ومَن أراد أن يضحيَ، فليمسك عن شعره وأظفاره، من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
ومن خصائص هذه العشر المبارَكة: أنَّ الله - تعالى - نصَّ في كتابه العزيز على ذكره فيها؛ فقال - سبحانه -: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 27].
فالأيام المعلومات هي العشر في قول أكثر السلف والعلماء، ومن ذكره - سبحانه - فيها ما شرع فيها منَ التكبير؛ تعظيمًا لله - تعالى - وإعلامًا بفضيلة هذه العشر، وإظهارًا لشعائرها.
وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أَيام أَعْظَمُ عِنْدَ الله، وَلاَ أَحَبُّ إليه الْعَمَلُ فِيهِنَّ من هذه الأَيَّامِ العَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، والتحميد))؛ رواه أحمد، قال البخاري - رحمه الله تعالى -: ((وكان ابن عُمَرَ وأبو هريرة يَخْرُجَانِ إلى السُّوقِ في أَيَّامِ العَشْرِ، يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ الناس بتكبيرهما))، وروى الدارمي، عن سَعِيد بن جُبَيْر - رحمه الله تعالى -: أنه كان إذا دخل أَيَّام العَشْرِ اجتهد اجْتِهَادًا شَدِيدًا؛ حتى ما يكاد يقدر عليه)).
فحَرِيٌّ بالمسلم أن يشكرَ الله - تعالى - على فضلها وفضْل العمل الصالح فيها، وهي أيام قلائل، وأن يشكره - عز وجل - على ما شرع فيها من أمهات العبادات، والأعمال الصالحة، وأن يشكرَه - عز وجل - على بُلُوغها، وهو في أمْنٍ وعافية، ولديه قدرة على الاجتهاد فيها بما يرضي الله - تعالى - ومن دلائل الشكر فيها حبس النَّفس على الطاعات، ومجانَبة المحرَّمات.
أعوذ بالله منَ الشيطان الرجيم، {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتَّقوا الله - عباد الله – وأطيعوه؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [الحشر: 18 - 19].
أيُّها المسلمون، هذه الدُّنيا التي نعيشها لن نخلَّدَ فيها، وهي لن تبقى إلى الأبد، فلها نهاية كما كان لها بداية، ونحن نعلم أنه في كل يوم يموت خلق كثير ويدفنون، ولا بدَّ أن نكونَ يومًا من الأيام منهم، طال ذلك أم قصر.
والدُّنيا بأفراحها وأتراحها، ومسراتها وأحزانها، ويسرها وعسرها ينساها الناس بمفارقتها؛ بل إن الواحد يصيبه عسر شديد، ومصيبة كبيرة، ثم مع مرور الأيام يزول عسرُه، وينسى مصيبتَه، ويذهب همُّه وغمه، وكذلك الإنسان تصيبه سراءُ فيفرح بها فرحًا شديدًا، ومع الأيام ينساها ويزول فرحه.
وهكذا ما يلحق أهل الإيمان والتقوى من مشقَّة حبس النَّفس على الطاعات، وكفها عن الشهوات؛ فإنَّهم ينسون ذلك بمجَرَّد انتهاء وقته، وذهاب مشقَّته؛ فالصَّائم الذي جاع وعطش ينسى معاناته مع الجوع والعطش بمُجَرَّد فطره، والحاج الذي لحقه منَ المشقة والزحام وطول الانتظار ما لحقه، ينسى ذلك بِمُجَرَّد إتمام حجه، وانقضاء نسكه.
وأهل الشَّهَوات المُحَرَّمَة ينسون لذَّة شهواتهم ومتعتها، بمجرَّد مفارقتها، وتبقى السيئات في صحائفهم، والأوزار تثقلهم، والهموم والأحزان تملأ قلوبهم، وهذا مِن عذاب الدُّنيا قبل عذاب الآخرة.
ونجد هذا المعنى واضحًا كل الوضوح في حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((يُؤْتَى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصبغ في النار صبغة، ثُمَّ يقال: يا ابن آدم، هل رَأَيْتَ خَيْرًا قط؟ هل مر بك نَعِيمٌ قَط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ويؤتى بِأَشَدِّ الناس بؤسًا في الدُّنْيَا من أهل الجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رَأَيْتَ بُؤْسًا قط؟ هل مَرَّ بك شِدَّةٌ قط؟ فيقول: لا، والله يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رأيت شِدَّةً قَطُّ))؛ رواه مسلم.
فحريٌّ بالمسلم أن يعتبرَ بذلك، وأن يعمر وقته بطاعة الله - عزَّ وجَلَّ - لعلمه أنَّ ما يلحقه من مشقَّة العبادة يزول ويبقى له أجرها، يتنعم به خالدًا مخلدًا في دار النعيم، وأن يجانبَ المحرَّمات؛ ليقينه أنَّ لذَّتها تزول بزوالها، ويبقى وِزرها عليه، وأن يستفيدَ منَ الأزمان الفاضلة، والأوقات المبارَكة التي اختَصَّها الله - تعالى - بشعائره العظيمة، فيعظمها كما عظمها الرَّبُّ - تبارك وتعالى - ويخصها بكثرة النوافل والقُرُبات، وإنَّ الخسران كلَّ الخسران أن يصرفها العبد في اللهْوِ والغفلة، والتمتُّع بما حرم الله - تعالى - عليه، ولربَّما كانتْ هذه العشر آخر موسم مبارك يدركه العبد في حياته، فلعلَّ الموت يبغته في أي لحظة؛ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ} [آل عمران: 30].


[/background]

التعديل الأخير تم بواسطة رقية مبارك بوداني ; 24-09-14 الساعة 02:22 PM
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
قديم 24-09-14, 02:27 PM   #5
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

[background="100 #ffccff"]
اختيارها وتفضيلها

الحمد لله العلي الأعلى؛ خلق فسوى، وقدر فهدى، وإليه الرجعى، نحمده كما هو أهل أن يحمد، ونشكره كما ينبغي له أن يشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عمَّ فضله على العالمين فخلقهم ورزقهم وهداهم إلى ما ينفعهم، ودفع عنهم ما يضرهم، ووسعت رحمته كل شيء فرحم بها خلقه، ونال المؤمنون الحظ الأوفر منها {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ لا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه، تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أتقى هذه الأمة قلوبا، وأزكاهم عملا، وأكثرهم علما، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل؛ فإن الأيام قد أسرعت بنا إلى قبورنا، وأنقصت شهورنا وأعوامنا، وما ذاك إلا من أعمارنا، ولن نجد أمامنا إلا أعمالنا، فتزودوا من العمل الصالح في حياتكم ما يكون سببا لنجاتكم وفوزكم في آخرتكم {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أيها الناس: من المتقرر في عقيدة المسلم أن الخلق والاصطفاء والأمر بيد الله عز وجل، وأن ذلك من خصائص ربوبيته سبحانه وتعالى؛ فالرب تبارك وتعالى يخلق ما يشاء، ويصطفي من خلقه ما شاء، ويأمر عباده بما يريد، وعلى عبيده القبول والامتثال والتسليم والإذعان {أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [الأعراف:54] وفي آية أخرى {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:75].
إن الله سبحانه وتعالى خلق الملائكة وفضل بعضهم على بعض؛ كما فضل جبريل على سائر الملائكة عليهم السلام، وفضل من شهدوا بدرا من الملائكة على من لم يشهدوها.

وخلق البشر ففضل بعضهم على بعض؛ فاختص المؤمنين منهم بالإيمان، واختص الأنبياء من المؤمنين بنبواتهم، واختص الرسل من الأنبياء برسالاتهم، واختص أولى العزم منهم بما وهبهم من العزم، واختص الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما السلام بالخلة، واختص الكليمين موسى ومحمد عليهما السلام بكلامه. والاصطفاء ثابت في القرآن فإن الله تعالى قال {قُلِ الحَمْدُ لله وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل:59] وعباده الذين اصطفى هم المؤمنون به عز وجل، الموحدون له، من الملائكة والنبيين والإنس والجن؛ فإن الله تعالى اصطفاهم من سائر خلقه بالإيمان، وخرج عن هذا الاصطفاء إبليس اللعين ومن تبعه من الكافرين والمنافقين.

ولما استعظم المشركون أن يُختار محمد عليه الصلاة والسلام من سائرهم نبيا ورسولا {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزُّخرف:31] كانت حجة الله تعالى عليهم {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزُّخرف:32] ولما اعترض المشركون على الاصطفاء واشترطوا ليؤمنوا فقالوا {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ الله} كانت حجة الله تعالى عليهم {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124].

واصطفى الله تبارك وتعالى لعباده من الدين أحسنه وأقومه وأنفعه، فارتضاه لهم دينا، وأبى غيره {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلَامُ} [آل عمران:19] وفي الآية الأخرى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] وبالإسلام وصى النبيون عليهم السلام أتباعهم وذرياتهم {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132].

وخلق الله عز وجل الأرض ففضل بعضها على بعض؛ كما فضل أرض الحجاز بمكة والمدينة، وفضل مكة بحرمها ومسجدها ومشاعرها المقدسة عرفات ومزدلفة ومنى، التي هي مواضع الحج والنسك وتعظيم شعائر الله تعالى، وفضل المدينة بحرمها ومسجدها وبمسجد قباء وجبل أحد، ووادي العقيق المبارك، وفضل أرض الشام فباركها، وجعلها موطنا لأنبياء بني إسرائيل، وبارك مسجدها وما حوله، وجعله مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وخلق الله تعالى الزمان ففضل بعضه على بعض؛ كما فضل رمضان على سائر الشهور، وفضل أيام الجمعة وعرفة والنحر على سائر الأيام، وفضل ليلة القدر على سائر الليالي، وفضل ثلث الليل الآخر على سائر أجزاء الليل، وفضل ساعة الجمعة على سائر الساعات، وفضل العمل في الليالي العشر الأخيرة من رمضان فاختصها بالاعتكاف والاجتهاد دون سائر الليالي، وفضل العمل في أيام عشر ذي الحجة على العمل في غيرها، واختصها بأمهات الأعمال والعبادات.

وليس لأحد من الخلق أن يعترض على ذلك، أو يناقش فيه، أو يزعم تفضيل إنسان أو مكان أو زمان أو عمل لم يفضله الله تعالى، وإلا كان منازعا لله تعالى في ربوبيته، مشاقٍّ له عز وجل في أمره وحكمه {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:68] وفي الآية الأخرى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].

وعشر ذي الحجة عشر عظيمة مباركة، فضلها الله تعالى على غيرها من الأيام، فأقسم سبحانه بها في كتابه العزيز {وَالفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] جاء في حديث جابر عند أحمد: أنها عشر ذي الحجة، واختصها الله تعالى بذكره سبحانه {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:27] فالأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، وقد اختار الله تعالى أن يكون العمل الصالح فيها أفضل منه في غيرها؛ كما جاء في حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: (ما الْعَمَلُ في أَيَّامِ العشرِ أَفْضَلُ من العمل في هذه، قالوا: ولا الْجِهَادُ؟ قال: ولا الْجِهَادُ إلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلم يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) رواه البخاري.

وفي لفظ لأبي داود: (ما من أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فيها أَحَبُّ إلى الله من هذه الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْر، قالوا: يا رَسُولَ الله، ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ قال: ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله إلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلم يَرْجِعْ من ذلك بِشَيْءٍ).

وفي رواية للدارمي: (ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى... وكان سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه).

وما اختار الله تعالى فضيلة العمل الصالح في عشر ذي الحجة على غيرها إلا لعظيم منزلتها عنده عز وجل، وهو سبحانه يخلق ما يشاء ويختار، ويفضل من الأيام والأعمال ما يشاء.

وقد دل على فضلها حديث جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة، قال: فقال رجل: يا رسول الله، هنَّ أفضل أم عِدَّتُهن جهادا في سبيل الله؟ قال: هنَّ أفضل من عِدَّتِهِن جهادا في سبيل الله) صححه ابن حبان.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره) اهـ.

ومما يدل على فضل عشر ذي الحجة وقوعُ يومين عظيمين فيها هما يوم عرفة ويوم النحر:
أما يوم عرفة فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من يَوْمٍ أَكْثَرَ من أَنْ يُعْتِقَ الله فيه عَبْدًا من النَّارِ من يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فيقول ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ) رواه مسلم.

وأما يوم النحر فجاء فيه حديث عبدِ الله بن قُرْطٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ) رواه أبو داود.

وقد ذكر ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى أن أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان باعتبار أيام التروية وعرفة والنحر، وأن ليالي عشر رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة باعتبار ليلة القدر فيها.

وذكر ابن رجبٍ رحمه الله تعالى: ((أن مجموع عشر ذي الحجة أفضل من مجموع عشر رمضان وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها)) اهـ.

أسال الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يوفقنا للعمل الصالح الذي به يرضى عنا، وأن يقبل منا ومن المسلمين صالح الأقوال والأعمال، إنه سميع قريب.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله....

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وجِدُّوا واجتهدوا في هذه العشر المباركات، واقدروها حق قدرها كما فضلها الله تعالى على سائر أيام العام، وعظموا فيها حرمات الله عز وجل {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30] وفي الآية الأخرى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ} [الحج:32].

أيها المسلمون: مما يلاحظ على الناس في هذه الأزمان المتأخرة عناية كثير منهم بعشر رمضان الأخيرة حتى إن كثيرا منهم يعتكفون في المساجد، أو يشدون رحالهم فيجاورون في الحرمين أو المسجد الأقصى، وهذا عمل طيب، وسعي مشكور، ولكن كثيرا منهم يَغْفُلُون عن عشر ذي الحجة رغم أن العمل فيها أفضل من العمل في عشر رمضان؛ كما هو ظاهر الأحاديث.

ومع انفتاح الدنيا على كثير من الناس باتوا يستغلون كل إجازة قصيرة أو طويلة، بما في ذلك إجازة عيد الأضحى في الترفيه واللعب والغفلة، بالنزهة في البراري والمنتجعات والاستراحات، وكثير منهم يشدون رحالهم فيسافرون للترويح واللهو، فيقضون الأيام المباركة التي فُضِّل العمل فيها على سائر الأيام فيما لا ينفعهم، ولربما ألحقوه بما يضرهم من تضييع الجمع والجماعات، والتهاون بالصلوات، وترك نوافل العبادات، والغفلة عن ذكر الله تعالى وشكره، وقد يشاهدون في أسفارهم ومنتزهاتهم منكرات لا يستطيعون إنكارها، ولا يفارقونها فيتحملون آثام سكوتهم عنها، ولاسيما من يسافرون خارج البلاد، وقد يوقعون أنفسهم أو أولادهم فيما حرم الله تعالى عليهم وهم في غنى عن ذلك.

فالحجاج يقدمون من كل فج، ويتحملون كثرة النفقات، ومشقة السفر، وشدة الزحام والانتظار في المطارات؛ لأداء مناسكهم، وتعظيم شعائر الله تعالى، وذكره في الأيام المعلومات، وهؤلاء على العكس من ذلك، يتحملون مشقة الرحلة، وعَنَتَ السفر ونفقاته فيما يشغلهم عن عمارة هذه الأيام بذكر الله تعالى وعبادته، وحري بكثير منهم -ولو احتاطوا- أن يقعوا في الوزر، ولا يسلموا من الإثم هم ورفقتهم من أهلٍ وولد في أيام عظمها الله تعالى، وفضل العمل الصالح فيها، فأي حرمان ينتظر هؤلاء! وأي خسارة يخسرونها في هذا الموسم المعظم؟!

ألا فاتقوا الله ربكم، واستعدوا لما تستقبلونه من عشركم، بالعمل الصالح الذي تجدونه ذخرا لكم؛ فإن مشقة العمل الصالح تزول ويبقى الأجر، وإن لذة المعاصي تزول ويبقى الوزر. وإن من الخسران أن تكون هذه العشر المباركة عند الناس كغيرها من الأيام، فلا يعظمونها كما عظمها الله تعالى، ولا يخصونها بمزيد عمل واجتهاد، فكيف إذا قضوها في الرحلات والأسفار والترويح والغفلة عن ذكر الله تعالى؟!

عباد الله: أكثروا في هذه العشر المباركة من ذكر الله تعالى فقد وصاكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بذلك؛ كما في حديث ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله وَلاَ أَحَبُّ إليه الْعَمَلُ فِيهِنَّ من هذه الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ والتحميد) رواه أحمد.
(وكان ابنُ عُمَرَ وأبو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إلى السُّوقِ في أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ الناس بِتَكْبِيرِهِمَا) رواه البخاري معلقا.

والأضحية عمل مبرور، وسعي مشكور، ونفقة لله تعالى مخلوفة، مع ما يستفيده المضحي من الانتفاع بلحمها، وشكر الله تعالى عليها، فهو المنعم بها، وهو المكافئ عليها، ولا يأخذ سبحانه منها شيئا {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ} [الحج:37].

ومن كان في نيته أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره من أول ليالي العشر؛ لما جاء في حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَنْ يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شيئا) وفي رواية (فلا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا ولا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا) رواه مسلم.

وصلوا وسلموا على نبيكم....




[/background]
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
قديم 24-09-14, 03:25 PM   #6
وداد بنت محمد
معلمة بمعهد خديجة
مستشارة في معهد العلوم الشرعية
|طالبة في المستوى الثاني بمعهد لعلوم الشرعية 2 |
افتراضي

جزاكم الله خيرا

في المرفقات ملفات جاهزة للطباعة - بالألوان - : )

لغرض التوزيع والنشر
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg أعمال العشر من ذي الحجة 2.jpg‏ (19.1 كيلوبايت, المشاهدات 6940)
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx دعاء يوم عرفة.docx‏ (75.4 كيلوبايت, المشاهدات 445)
نوع الملف: docx يوم عرفة.docx‏ (133.2 كيلوبايت, المشاهدات 447)
نوع الملف: docx فضل العشر من ذي الحجة.docx‏ (489.0 كيلوبايت, المشاهدات 501)



توقيع وداد بنت محمد

التعديل الأخير تم بواسطة وداد بنت محمد ; 24-09-14 الساعة 03:27 PM
وداد بنت محمد غير متواجد حالياً  
قديم 24-09-14, 04:07 PM   #7
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

[BACKGROUND="100 #FFFF99"]


[/BACKGROUND]
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
قديم 24-09-14, 04:12 PM   #8
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

[background="100 #ffff66"] ملخص
لأحكام عيد الأضحى المبارك في السنة المطهرة
· يستحب للمسلم يوم العيد أن يتجمل ، ويلبس أحسن ثيابه ويتطيب أُسوةً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
· ويستحب له أيضا أن يغتسل ، وليس ذلك سنة لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، ولكنه من سنة الصحابة ، فقد فعله ابن عمر رضي الله عنه وقال به جمع من التابعين ومالك والشافعي وغيرهم .
· يُسَنُّ تأخير الأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن بريدة رضي الله عنه قال : »كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يَطْعَم ، ويوم النحر : لا يأكل حتى يرجع فيأكل من نسيكته«حسن.رواه الترمذي وابن ماجة وغيره .
· ثم يخرج من بيته ( من السنة أن يذهب ماشيا لقول علي : » من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا «حسنه الألباني في صحيح الترمذي) إلى المصلى لأداء صلاة العيد ، جاهرا بالتكبير في الطريق حتى يصل إلى المصلى ، ويستمر بالتكبير حتى تبدأ الصلاة ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :» كان يخرج يوم الفطر ، والأضحى إلى المصلى ، فأول شيء يبدأ به الصلاةُ ... « البخاري ( 956 ) ومسلم ( 889 )
· وقت التكبير : قال ابن تيمية رحمه الله : [ أصح الأقوال في التكبير ، الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة : أن يُكَبِّرَ من فجر يوم عرفة ، إلى آخر أيام التشريق ... ] أي من فجر التاسع/ يوم عرفة يبدأ التكبير ويستمر قي العاشر (يوم النحر / العيد) ، ثم يستمر في أيام التشريق وهي الحادي عشر ، والثاني عشر حتى عصر الثالث عشر .صح ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود
قال تعالى : ) واذكروا الله في أيام معدودات( . وعلى هدي المصطفى سار المسلمون الأوائل فكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ، ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا . وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وعقب الصلوات ، وعلى فراشه ، وفي فسطاطه ، ومجلسه ، وممشاه تلك الأيام جميعا وكانت ميمونة رضي الله عنها تكبر يوم النحر ، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد وغيره فكانوا يجهرون بالتكبير في الطرقات وفي المصلى ، أما اليوم فالناس يمشون صامتين أو يتحدثون ، تاركين تعظيم شعائر الله إما حياءً أو جهلاً بالسنة . وحتى في المصلى يجلسون أيضا صامتين أو يتحدثون بينما تنوب عنهم مكبرات الصوت ببث التكبير المسجل والله المستعان . فتنبه أخي المسلم واجعل قدوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واحرص على اتباع السنة في نفسك وبَيِّنْها لإخوانك وحضهم عليها .
· وانتبه أخي المسلم _ وفقك الله ورعاك _ واحذر من بدعة التكبير الجماعي ، فالسنة أن يكبر كل أحد بمفرده ولا بأس إن تصادف مع غيره دون قصد ، بل لا يجوز له تقصد المخالفة . أما عن كيفية التكبير فلم يصح فيها حديث نبوي إنما صح عن ابن مسعود قوله : » الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبرولله الحمد « رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح. وصح عن ابن عباس قوله : » الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر وأجل ، الله أكبر على ما هدانا « رواه البيهقي بسند صحيح . فعليك أخي المسلم بالإقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم ، ودع عنك ما أحدث الناس من زيادات في التكبير بالغوا في بعضها وشطوا ، فكل خير في اتِّباع من سلف ، وكل شر في ابتداع من خلف .
· وصلاة العيد في المصلى هي السنة لأحاديث كثيرة منها الحديث المذكور أعلاه عند النقطة الرابعة ومنها:
* ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال :» كان صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى في يوم العيد ، والعنزة تحمل بين يديه ،فإذا بلغ المصلى نصبت بين يديه، فيصلي إليها وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيء يستتر به«
العَنَزَة : مثل نصف الرمح له سنان ، كالحربة وكالعكازة . وهذا يدل على أهمية السترة للمصلي . فالأحاديث حجة قاطعة على أن السنة في صلاة العيد أن تؤدى في المصلى ، وبذلك قال جمهور العلماء .
- قال الإمام البغوي في شرح السنة :»السنة أن يخرج الإمام لصلاة العيدين إلا من عذر ، فيصلي في المسجد «
- وقال الحافظ في فتح الباري : » واستُدِلّ به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد ، وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد ، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده « والحكمة من الصلاة في المصلى اجتماع الناس في مكان واحد ، أما تعدد المصليات فقد نبه العلماء على كراهته ، لأنه يخالف المقصود الشرعي .
· حكم صلاة العيد ، وحكم خروج النساء والأطفال إليها : الراجح فيها أنها واجبة على الرجال والنساء، لما يلي:
* ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما – أنه أمر الناس بالخروج إليها ، وأمر بخروج النساء العواتق ( أي الحُيَّض ، أي البالغات ) ، وذوات الخدور ( المستترات في البيوت ) ، والحُيَّض ( غير الطاهرات بسبب الحيض ) ، وأمر الحُيًّض أن يعتزلن الصلاة ، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ، حتى أمر من لا جلباب لها أن تُلْبِسَها صاحبتُها . قال العلامة الشوكاني في السيل الجرار : »وهذا يدل على أن هذه الصلاة واجبة وجوبا مؤكدا على الأعيان لا على الكفاية..« قال العلامة الألباني في تمام المنة : » فالأمر المذكور يدل على الوجوب ، وإن وجب الخروج وجبت الصلاة من باب أوْلى كما لا يخفى، فالحق وجوبها لا سنيتها فحسب ... «
* وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أيضا – فيما رواه أبو داود وابن ماجة بسند حسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد قال : » اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة ، وإنَّا مُجَمِّعون « قال الشوكاني في المرجع السابق : » ومن الأدلة على وجوبها : أنها مُسْقِطَةٌ للجمعة إذا اتفقا في يوم واحد ، وما ليس بواجب لا يُسْقِطُ ما كان واجبا « ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم داوم عليها جماعة إلى أن مات . * أما وقتها فيبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال .
· ولا يُصَـلى قبل صلاة العيد ولا بعدها ، فعن ابن عباس رضي الله عنه : » أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين ، لم يُصَلِّ قبلها ولا بعدها .. «رواه البخاري وغيره . كذلك ولا يُصَـلَّى في المصلى تحية المسجد حيث أن هذه الصلاة خاصة بالمسجد فقط .

· ولا يُشرَعُ لها أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة، كما ثبت عند البخاري ومسلم وغيره في أحاديث كثيرة.
· وصلاة العيد ركعتان تبدأ الأولى – كسائر الصلوات – بتكبيرة الإحرام ، ثم يُكَبَّرُ فيها سبع تكبيرات ، يلي ذلك القراءة ، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الانتقال ، ثم القراءة ، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه مع تكبيرات العيد الزوائد( السبع والخمس ) تماما كما لم يصح الرفع في تكبيرات الجنازة ، نعم فعله ابن عمر رضي الله عنه ، فمن ظن أن ابن عمر لا يفعله إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم فله أن يرفع مثله .
· ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم ذِكْرٌ معين بين تكبيرات العيد، لكن قال ابن مسعود : بين كل تكبيرتين حمدٌ لله عز وجل ، وثناءٌ على الله
· ومن فاتته الصلاة جماعة يصلي ركعتين . * والخطبة تكون بعد الصلاة ، تُفتتحُ بالحمد لله ، ولم يكن يفتتحها صلى الله عليه وسلم بالتكبير كما يُفعلُ اليوم، ولا يصح التكبير بين أضعافها ولا يصح فصلها إلى خطبتين كالجمعة ، وما ورد في ذلك ضعيف جدا. وحضور الخطبة ليس واجبا ، بل لمن أحب .
· وإذا جاء العيد يوم جمعة ، فإن صلاة العيد تُسقِطُ الجمعة – كما تقدم – ولا يجب عليه أن يصلي الظهر، فقد ثبت أن ابن الزبير صلى بالناس ركعتي العيد يوم الجمعة ولم يزد عليهما حتى صلى العصر ، وإن صلى المسلم الظهر جاز له ، ومن أراد أن يصلي الجمعة فلا بأس . * وكان الصحابة رضي الله عنه يقولون في التهنئة بالعيد: » تقبل الله منا ومنكم « وإتباعهم في ذلك أولى من استبدالها بالذي هو أدنى كقولهم: كل عام وأنتم بخير وما شابهه. * والسنة أن يخالف المسلم الطريق يوم العيد ، فيذهب في طريق ويرجع من المصلى في طريق آخر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:» كان النبي إذا كان يوم عيدٍ خالف الطريق«رواه البخاري (986 ) .

عسى أن يستجيب المسلمون لاتِّباع سنة نبيهم ، ولإحياء شعائر ديتهم كما قال تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ( وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، جعلنا الله وإياكم ممن يحرص على اتباع هديه والسير على نهجه....
و تقبل الله منا ومنكم
جمع وتلخيص أبي معاذ السلفي
[/background]
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
قديم 30-09-14, 03:21 PM   #10
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

[BACKGROUND="100 #FFFF99"]



111 فائدة في الحج للنساء .. د.راشد سعد العليمي
111 Benefits in pilgrimage (Hajj) for women
بعض الدروس المستقاة من حج عام 1432هـ .. تقبله الله
الحج أيام معدودات .. فاشعليها نورا وضياء
(أَحْكَامُ النِّسَاءِ فِي الحَجِّ) للشَّيخِ "مُصطَفى العَدويّ"
المرأة الداعية في الحج
مفكرة أعمال المرأة المسلمة في الحج
أحكام حج المرأة
الحج والمرأة القدوة

رسائل قلبية إلى الأخت المكية
الـزوجـان في الحـج
هكذا فلتكن رحلة العمر ..
وصايا ووقفات.. لحج المؤمنات
وقفات في رحلة الإيمان (يوميات حاجة)
خصوصيات النساء في الحج 30
نصيحة للمرأة في الحج والعمرة

أحكام تختص بها المرأة في الحج
كيف تكونين مشرفة حملة حج ناجحة
المرأة والحج خصوصيات النساء في الحج
المرأة والحج من أحكام النساء في الحج
رسائل إلى المرأة في الحج
أحكام تختص بالمرأة في الحج والعمرة !
أحكام الحج للمرأة
[/BACKGROUND]

التعديل الأخير تم بواسطة رقية مبارك بوداني ; 30-09-14 الساعة 03:23 PM
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسير قوله تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون مثقفة جداً روضة القرآن وعلومه 0 18-03-14 03:56 PM
إذا قــرح القلب ... أمــــ هـــانـــئ روضة المتحابات في الله 25 26-02-11 07:48 PM
هدية عبر الايميل ((محبة الله ورضاه )) ؟؟؟؟!!!! كريمة عاشور روضة المتحابات في الله 4 21-09-10 02:42 AM
السيره النبويه ورده الياسيمن روضة السنة وعلومها 84 13-03-08 07:39 PM


الساعة الآن 02:55 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .