العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ > دورات رياض الجنة (انتهت)

الملاحظات


دورات رياض الجنة (انتهت) إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، رياض الجنة مشروع علمي في استماع أشرطة مختارة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-07-08, 08:53 AM   #1
حياة القلوب
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 18-07-2008
المشاركات: 25
حياة القلوب is on a distinguished road
افتراضي صفحة فوائد دروس كتاب الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحبائي في الله
إن شاء الله تعالي سيتم وضع التفريغات الخاصة بدورة شرح كتاب الصيام من متن
" بلوغ المرام "
أسال الله أن يجازكن خير الجزاء وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع.
حياة القلوب غير متواجد حالياً  
قديم 30-07-08, 08:53 AM   #2
حياة القلوب
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 18-07-2008
المشاركات: 25
حياة القلوب is on a distinguished road
افتراضي

الفهرس
حياة القلوب غير متواجد حالياً  
قديم 30-07-08, 10:46 AM   #3
حياة القلوب
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 18-07-2008
المشاركات: 25
حياة القلوب is on a distinguished road
c5 تلخيص الدرس الأول

~:: الدرس الأول ::~


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

:: تعريف الصيام لغة وشرعاً ::

الصوم لغة: مطلق الإمساك.

الصوم شرعاً : هو إمساك مخصوص عن شهوتي الفرج والبطن في زمن مخصوص، ألا وهو نهار رمضان، أو غيره إن كان نافلة.


:: متي شرع الصوم؟ ::

أول ما شرع الصوم بعد الهجرة كان يوم عاشوراء، لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم: لم تصومونه؟ قالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، فصامُهُ شكراً لله ، فقال صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منكم ) لأنكم غيرتم وبدلتم ما جاءكم به موسى، ونحن لا نغير ولا نبدل- فصامه وأمر الناس بصيامه ، وفي بعض الروايات: (أنه صلى الله عليه وسلم لما نوى صيامه بعث إلى أهل المدينة منادياً: (من كان ممسكاً فليبق على صيامه، ومن أكل أو شرب فليمسك بقية يومه) ، وكان ذلك في السنة الأولى ، ثم في السنة الثانية فرض رمضان، وأصبح صوم عاشوراء نافلة علي الندب والاستحباب.
ولا يعني سؤال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن صوم يوم عاشوراء أنه صامه تبعاً لهم ، فصوم يوم عاشوراء كان معلوماً عند العرب قبل الإسلام، كانوا يصومونه ويجددون فيه كسوة الكعبة، فكان معلوماً لديهم، ولكن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود -وهم أهل كتاب- ليعلم ما هو السبب عندهم، فذكروا له نجاة موسى من فرعون، فبين لهم أنه أحق بموسى منهم فصامه.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أراد مخالفة اليهود في صوم هذا اليوم، فندب إلى صوم اليوم التاسع مع اليوم العاشر؛ ليكون مغايراً في الصورة والهيئة لما كان عليه اليهود في صومهم.


:: معني (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) ::

قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] بين أنه كتب على من قبلنا ثم بين عدده: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، فبعض العلماء يقول: أياماً معدودات هي سوى رمضان، كما جاء في الأحاديث: صوم الثالث والرابع والخامس عشر من كل شهر، أو صوم ثلاثة أيام من كل شهر على، ومالك يقول: ثلاثة أيام من كل شهر، من كل عشرة أيام يوم: يوم واحد، ويوم إحدى عشر، ويوم إحدى وعشرين، والحسنة بعشر أمثالها. والبعض يقول: (أياماً معدودات) هي بعينها شهر رمضان، ولكن جاء التكليف أولاً بصورة التخفيف: (أياماً معدودات)، فيستقبله المكلف في صورة التقليل؛ فتهون عليه، ثم لما اطمأنت النفوس، وأحبت الصوم جاءهم بكماله: (( شهر رمضان )). إذاً: كانت بداية الصوم بالتخفيف والتدريج، ثم أكمل الشهر وأكملت الفرائض، وانتهى الأمر كما جاء في قوله سبحانه في ختام عمره صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] ومنا هنا يقول مالك :ما كمل لا يحتمل زيادة، ولا يجوز فيه النقص ؛ لأنك إذا زدت عليه كأنك تقول: الخبر بالإكمال غير صحيح، فبقي عليه هذه حتى يكتمل اكتمالاً تاماً، فهذا خطأ، ولهذا كان مالك يقول: من سن سنة وظن أنها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة . إذاً: شهر رمضان لا يقبل نقصاً ولا يقبل زيادة،

التعديل الأخير تم بواسطة حياة القلوب ; 30-07-08 الساعة 11:05 AM
حياة القلوب غير متواجد حالياً  
قديم 31-07-08, 12:29 PM   #4
طالبة التوحيد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 03-07-2006
المشاركات: 230
طالبة التوحيد is on a distinguished road
افتراضي تلخيص الشريط الأول من أشرطة بلغ المرام-كتاب الصيام-للشيخ عطية سالم

كتاب الصيام من أعظم كتب الفقه دراسة وتحصيلاً وعملاً وتطبيقاً، والمؤلف ابن حجر رحمه الله ساق في هذا الكتاب نحواً من خمسين حديثاً، اشتملت على كل ما يتعلق بالصيام فرضاً أو نفلاً أداءً أو قضاءً.
تعريف الصيام:
الصوم لغة:
مطلق الإمساك: إمساك عن طعام، إمساك عن كلام.
{ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا } [مريم:26] ، خيل صيام وخيل غير صائمة، أي: صيام تمسك عن الجري، ويقول العرب عن الثريا: كأنها علقت بمصام في مصامها، أي: في موقفها عن الحركة والسير.
والصوم شرعاً:
وهو: إمساك مخصوص عن شهوتي الفرج والبطن في زمن مخصوص، ألا وهو نهار رمضان، أو غيره إن كان نافلة.

موضوع الصيام في كتاب البخاري:
البخاري رحمه الله بدأ في كتاب الصيام بإثبات المشروعية، ثم تكلم عن أحكام الصيام فيما بعد، وعقد فوق الستين باباً لأحكام الصيام، وخمسة أحاديث في ليلة القدر، وتسعة أبواب في الاعتكاف، ومجموعها حوالى ثمانين باباً، فما توسع أحد في باب الصوم كتوسع البخاري رحمه الله.

متى شرع الصوم؟
1-أول ما شرع الصوم: بعد الهجرة في يوم عاشوراء، ( لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم: لم تصومونه؟ قالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، فصامه شكراً لله، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم -أي: لأنكم غيرتم وبدلتم ما جاءكم به موسى، ونحن لا نغير ولا نبدل- فصامه وأمر الناس بصيامه ) ، وفي بعض الروايات: ( أنه صلى الله عليه وسلم لما نوى صيامه بعث إلى مياه أهل المدينة منادياً: من كان ممسكاً فليبق على صيامه، ومن أكل أو شرب فليمسك بقية يومه ) ، وكان ذلك في السنة الأولى، ثم في السنة الثانية فرض رمضان، ونسخ فرضية يوم عاشوراء، وأصبح على النافلة والندب والاستحباب.
ولا يعني سؤال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن صوم يوم عاشوراء أنه صامه تبعاً لهم، لا ، فصوم يوم عاشوراء كان معلوماً عند العرب قبل الإسلام، كانوا يصومونه ويجددون فيه كسوة الكعبة، فكان معلوماً لديهم، ولكن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود -وهم أهل كتاب- ليعلم ما هو السبب عندهم، فذكروا له نجاة موسى من فرعون، فبين لهم أنه أحق بموسى منهم فصامه.
ويمكن أن يقال من جانب آخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما جاء المدينة مهاجراً يحب أن يوافق اليهود من باب المسايرة، وليبين أنه أتى بما جاء به الأنبياء قبله، فكان يصلي ستة عشر شهراً من أول مقدمه المدينة مستقبلاً لصخرة بيت المقدس، حتى أن اليهود استدلوا بذلك على أنه تابع لهم،

وجاء عنه-صلى الله عليه وسلم- أنه أراد مخالفة اليهود في صوم هذا اليوم، فندب إلى صوم اليوم التاسع مع اليوم العاشر؛ ليكون مغايراً في الصورة والهيئة لما كان عليه اليهود في صومهم.
2-ولما شرع الصوم في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] بين أنه كتب على من قبلنا ثم بين عدده: { أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } [البقرة:184].
أ‌-(أياماً معدودات) هي بعينها شهر رمضان، ولكن جاء التكليف أولاً بصورة التخفيف: (أياماً معدودات)، عليك الصيام، فتقول: سيكثر الصيام؟ قال: لا، لا، بل أيام، فيستقبله المكلف في صورة التقليل؛ لأن الأيام جمع قلة، فتهون عليه.
ب‌-ثم لما اطمأنت النفوس، وأحبت الصوم جاءهم بكماله: (( شهر رمضان ))، وبين سبحانه أحكام هذا الشهر وفضله.
إذاً: كانت بداية الصوم بالتخفيف والتدريج،إلى أن كمل بصيام شهر رمضان كاملا.

ثم أكمل الشهر وأكملت الفرائض، وانتهى الأمر كما جاء في قوله سبحانه في ختام عمره-صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة:3] ، ومن هنا يقول مالك رحمه الله: ما كمل لا يحتمل زيادة، ولا يجوز فيه النقص؛ لأنك إذا زدت عليه كأنك تقول: الخبر بالإكمال غير صحيح، فبقي عليه هذه حتى يكتمل اكتمالاً تاماً، فهذا خطأ، ولهذا كان مالك يقول: من سن سنة وظن أنها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله يقول: (( وأكملت ))، وهذا يأتي ويقول: بقي هذه، فهذه الذي جئت بها أنت هل محمد صلى الله عليه وسلم يعرفها أو لا يعرفها؟ إن كان يعرفها ولم يخبرنا بها فيكون قد كتم، وإذا كان لا يعرفها، فشيء لم يعرفه محمد بن عبد الله هل تعرفه أنت؟! إذاً: شهر رمضان لا يقبل نقصاً ولا يقبل زيادة.
ومن هنا افتتح المؤلف مبحث باب الصيام.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّه-صلى الله عليه وسلم-:{ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ, إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا, فَلْيَصُمْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([1]) .
651- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ-رضي الله عنه- قَالَ-صلى الله عليه وسلم-:{ مَنْ صَامَ اَلْيَوْمَ اَلَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا اَلْقَاسِمِ}

حرمة تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين احتياطاً
يقول-صلى الله عليه وسلم-:( لا تقدموا -أو لا تتقدموا، المعنى واحد- رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه )
مثلاً: كان لك أمر مهم جداً، ونذرت لله إن قضاه الله لك فثاني يوم تصوم، ولا تدري متى يأتي، ولا متى يقضى، فقضي لك يوم السابع والعشرين من شعبان، ففي الغد سيكون يوم ثمان وعشرين، وفي الحديث: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين)،لكن يجوز لك الصيام بصفة خاصة؛ لأنك ستصوم قبل رمضان بيوم أو بيومين لا لرمضان، وإنما لنذرك الأول الذي التزمت به، فلا دخل لصومك مع رمضان.
السبب من منع الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين احتياطا:
1-لأنه إذا فتح باب النوافل قبل رمضان بيوم أو يومين، واستمر الناس على ذلك؛ سيظن الناس بعد زمن طويل أن اليوم واليومين من رمضان، فيزيدون فيه، والزيادة مرفوضة.
2- جميع أركان الإسلام محفوفة بزمن، فمثلاً: الصلاة قال الله عنها:{لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } [الإسراء:78] ، { كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء:103] فلا يصح أن تصلي قبل دخول الوقت، ولا يجوز لك أن تؤخرها حتى يخرج الوقت، فإن خرج الوقت تكون قضاءً وليست أداءً، كذلك الحج قال الله: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } [البقرة:197] ، وكذلك الزكاة { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام:141]
فجميع الأركان محددة ومقيدة بزمنها، فرمضان مقيد بالزمن، وقد حدث في الأمم الماضية أنهم صاموا اليوم واليومين المنهي عنهما هنا، وقالوا: نصوم يوماً قبله احتياطاً له، ونصوم يوماً بعده احتياطاً له، فكان الصوم الرسمي ثلاثين، وقالوا: للاحتياط نصوم يومين: يوم في الأول، ويوم في الآخر، ومضى الزمن، وطالت المدة، فدخل الاحتياطي في الأصل، وصار الصوم الرسمي اثنين وثلاثين، ثم جاء من بعدهم وهم لا يعلمون بدخول الاحتياطي، وظنوه أنه رسمي، فقالوا: نصوم قبله يوماً احتياطاً، ونصوم بعده يوماً احتياطاً، فصاموا أربعة وثلاثين يوماً، اثنين وثلاثين رسمي، ويومين احتياطاً، فطال الزمن حتى دخل الاحتياطي الثاني في الرسمي، وظن الناس أن الصوم أربعة وثلاثون يوماً، فقالوا: فلنحتاط، فصاموا يوماً قبله ويوماً بعده، وهكذا خمس مرات، حتى زادوا عشرة أيام.
3-درءا للمخالفات الناتجة عن الزيادة.
بعض الأمم السابقة زادوا في رمضان حتى صار أربعين يوماً، فجاءهم في شدة الحر، فعجزوا عن الصيام، فقالوا: الحر شديد، ونحن لسنا قادرين على صيامه، فننقل الصوم عن الأشهر القمرية إلى الأشهر الشمسية، ونزيد عشرة أيام، فصار خمسين يوماً،
وجعلوا الصيام عن أشياء معينة عن كل ما فيه الروح: الغنم والدجاج والسمك، والأشياء النباتية يأكلونها، يعني: صيام لعب، يأكل من النباتيات، ويأكل من الخبز، ويأكل من الفاكهة، فكيف هذا الصيام؟!


حفظ رمضان بسياج محكم،كيف ذلك؟
وضع لرمضان سياج:
فجعل اليوم الذي يشك فيه محرم صومه، فلا يصام المتردد بين شعبان ورمضان.
وجعل في نهايته يوم العيد، ويحرم بالإجماع صوم يوم العيد، إذاً: سلم رمضان من الزيادة في أوله، وسلم من الزيادة في آخره
ولابد أن يفصل بين رمضان وغيره كما جاء في حديث: ( من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال ) ، ليست متابعة ملازمة، بل لابد أن يفصل بينهما، وأقل شيء بصوم يوم العيد، وإن زاد الفصل فلا مانع، ويهمنا أن هذه السنة النبوية جاءت حفظاً لرمضان عن أن يدخله زيادة في أوله، أو يتبعه زيادة في آخره،
هل يمنع تقدم رمضان بيوم أو يومين مطلقا؟
( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان له صوم فليصمه )؛ لأنه إذا كان له صوم يصومه فهو في هذه الحالة سيصوم يوم ثمانية وعشرين أو تسعة وعشرين من شعبان، ولا دخل له في رمضان، إنما يصومه لصومه الذي التزم به، كالنذر يصادف هذا اليوم الثامن أو التاسع والعشرين من شعبان، وبهذا حفظ رمضان، ونحن على هذا النعمة، ولله الحمد.

ما حكم البدء في الشروع في الصيام بعد الخامس عشر من شعبان؟
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) ، لا يتطوع من نصف شعبان،من خمسة عشر شعبان إلى رمضان لا يتطوع، إلا إذا كانت له نافلة ثابتة، كان يصوم الإثنين والخميس، والإثنين والخميس ستأتي في الأسبوع الأخير من شعبان، فيصوم؛ لأنه صامه على نافلة سابقة، أما إذا كان لا يصوم الإثنين والخميس، ولا كان يصوم نوافل، ويوم أن انتصف شعبان قال: أريد أن أصوم، نقول له: لا.

حرمة صوم يوم الشك
وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ-رضي الله عنه- قَال- صلى الله عليه وسلمَ-: { مَنْ صَامَ اَلْيَوْمَ اَلَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا اَلْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-} وَذَكَرَهُ اَلْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا, وَوَصَلَهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ
ما هو اليوم الذي يشك فيه؟
وعلى هذا فاليوم الذي يشك فيه هو اليوم الدائر باحتمالين متعادلين بين كونه نهاية شعبان أو كونه بداية رمضان،فلما أكملنا تسعة وعشرين من شعبان فاليوم الذي من غد، يمكن أن يكون ثلاثين شعبان، ويمكن أن يكون واحد رمضان، فيكون عندنا شك.
ولكن متى يقع الشك؟ هل كل يوم ثلاثين شعبان يحصل فيه شك؟
لا، يكون الشك:
1-إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان فيها غيم، ولم نر الهلال، فلو رأينا الهلال لكان يوم غد رمضان يقيناً، وارتفع الشك.
إذاً: إذا كانت السماء صحواً ليلة الثلاثين من شعبان فلا شك؛ لأنه إما رمضان بالرؤية، وإما شعبان لعدم الرؤية.
ماذا نفعل في صيام يوم الشك؟ هل نصوم أو نترك الصوم؟
فهنا: ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى) قال الله تعالى: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } [النساء:80] أي: ومن عصى الرسول فقد عصى الله، وطاعة الرسول من طاعة الله { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر:7] .
إذاً: لماذا هذا التشديد، وجعل العبادة معصية؟
لئلا يدخل في رمضان ما ليس منه، هذا تقرير المبدأ.، ولكن نحن كطلبة علم، قد نرجع إلى المكتبة ونجد أقوالاً أخرى، ونقرأ في الموسوعات فنجد أن البعض يقول: يصام اليوم الذي يشك فيه احتياطاً لرمضان، وقال بعض السلف: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان، إذا جئنا إلى الفلسفة العقلية يمكن أن نجد لها مجالاً، ولكن لا، حتى العقل يردها، فأنت أتريد أن تجعل احتياطاً لرمضان؟ جزاك الله خيراً، وبارك الله فيك، فهل أنت أشد حرصاً على رمضان من رسول الله؟ إذاً: العقل يقول لك: لا، أنت غلطان؛ لأن الرسول أشد احتياطاً منك، والرسول أشد حرصاً على رمضان منك، وقد نهاك أن تصوم هذا اليوم احتياطاً كما تقول، إذاً: لا نحتاط بصيامه.

ما حكم من صام يوم الشك باعتبار:" أنا أصومه على أنه إن كان من رمضان فقد صمت رمضان، وإن لم يكن من رمضان وثبت أنه من شعبان فأنا أعتبره نافلة"؟
الإمام مالك رحمه الله يقول: يمتنع صوم يوم الشك.يقول مالك : لو فعل ذلك لا يصح له رمضان إن كان رمضان، ولا يصح له نافلة إن كان من شعبان، يعني: أتعب نفسه بالجوع والعطش بدون فائدة وبدون مقابل.
لماذا لا يصح صيام يوم الشك بهذه النية؟
قال: لأن صوم الفرض لابد فيه من تبييت النية جازماً، أما أن تقول: إن كان وإن لم يكن فلا يصلح.
مثل أن تأتي في الصلاة وتكبر تكبيرة الإحرام: الله أكبر.ولو أنك قلت: الله أكبر.ونويت لو دق إنسان الباب لتركت الصلاة، وذهبت إليه، أو قلت في نفسك: لو ناداني إنسان لانصرفت من الصلاة وذهبت إليه، لو حضر هذا الاعتقاد عند تكبيرك للإحرام لا تنعقد الصلاة؛ لأنها مفروضة على الجزم والقطع، وأنت هنا تنوي إن كان من رمضان فرمضان! لا يا أخي! لا يقبل الله منك هذا، يجب أن تكون النية لرمضان قطعاً، وأنت لست جازماً أنه رمضان قطعاً، أنت عندك شك.
فإن قال: أجعلها نافلة.
قلنا: كلا، أنت لم تنو النافلة، أنت شركت بين النافلة والفرض، وهذا لا يصلح.
إذاً: لا ينبغي لأحد أن تحدثه نفسه أن يصوم اليوم الذي يشك فيه احتياطاً أو تقديراً أو استعداداً أو بأي معنى يخطر بالبال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم اليوم الذي يشك فيه.
فوائد أصولية:
1-والأصوليون يبحثون هذه المسألة فيما إذا كان الفرض والنفل مندمجين ولا فصل بينهما، فهل الجميع يكون فرضاً أو يجزئ من مجموع ذلك الفرض ويلغى الباقي؟ ومثلوا لذلك في الركوع والسجود، فالقدر الواجب في الركوع هو قدر الطمأنينة، وقدره بعض العلماء بثلاث تسبيحات، فإذا أطال في ركوعه بما يسع ثلاثين تسبيحة فهل هذا الركوع الطويل كله هو الفرض في الصلاة أو أن الفرض منه مقدار الثلاث تسبيحات والباقي يعتبر تطوعاً؟ الأصوليون يختلفون في ذلك، وأكثرهم يقول: الفرض معتبر بقدره، وما زاد عنه فهو تطوع.
2-اليقين لا يزول بالشك
حديث: النهي عن صوم يوم الشك؛ هناك قاعدة أصولية أخرى، وهي: أن اليقين لا يرفع بشك، فإذا كنا في شعبان فنحن على يقين من الفطر، فإذا حصل شك في يوم الثلاثين من شعبان، ولم نتبين دخول رمضان من غيره، فنحن على يقين سابق وهو: فطر شعبان، فنستمر على هذا اليقين حتى يأتي يقين آخر ينقلنا عنه، واليقين الآخر إما برؤية، وإما بإكمال العدد كما سيأتي.
وفي نهاية رمضان إذا حصل غيم كما حصل في دخول رمضان فاليقين لا يرفع بشك، فنحن في رمضان على يقين من الصيام، فإذا لم يأت يقين ينقلنا من الصوم إلى الفطر فنبقى على اليقين وهو الصوم، حتى نستيقن ثبوت شوال بعدد أو برؤية.
وقدمنا عن مالك رحمه الله أن من بيّت النية لليوم الذي يشك فيه على أنه إن كان رمضان فلرمضان، وإن لم يكن رمضان فنافلة في شعبان، لو ثبت أنه من رمضان لم يجزئه صوم هذا اليوم؛ لعدم اعتبار تلك النية؛ لأنه لم يجزم ولم يقطع بها، ولم يكن على يقين من رمضان، ولا يحسب له صوم نافلة؛ لأنه أيضاً لم يجزم بنية النافلة.
متى نصوم رمضان؟
1- لثبوته الهلال، والهلال أمر كوني يظهر في كبد السماء، ويراه القاصي والداني، فكل من أعطاه الله نعمة البصر يراه.ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ).
2-إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما.

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 31-07-08 الساعة 01:08 PM
طالبة التوحيد غير متواجد حالياً  
قديم 31-07-08, 04:14 PM   #5
طالبة التوحيد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 03-07-2006
المشاركات: 230
طالبة التوحيد is on a distinguished road
افتراضي تلخيص الشريط الأول من أشرطة بلوغ المرام-كتاب الصيام-للشيخ عطية سالم

تابع تلخيص شرح كتاب الصيام

العبادات المؤقتة:
هنا نذكر منهج الإسلام في بيان التوقيت لكل عبادة مؤقتة، العبادات المؤقتة بالنص هي:
* الصلوات الخمس * وشهر رمضان. *والحج *والعمرة لا توقيت فيها، ولكن جاء توقيت فيها بالمنع: فتمنع العمرة للحاج في :يوم عيد الأضحى، وفي يومين من أوائل أيام التشريق باتفاق، والخلاف في ثالث أيام التشريق، والمانعون يقولون: هذا اليوم ثالث أيام التشريق، والحاج مشغول فيه برمي الجمار.
وبعضهم توسط وقال: إن هو قد رمى وانتهى وتعجل فلا مانع، والمانعون يقولون: لا، وإن تعجل فقد تأخر غيره، فهو يوم محسوب للرمي، فلا يعتمر في ذلك اليوم، أما ما عدا ذلك فالسنة كلها وقت للعمرة، سواء تكررت على رأي المالكية أو لم تتكرر، إذاً: العمرة لا وقت لها.
ومن هنا نتأمل علامات التوقيت، فنجد أن المولى سبحانه ربط المفروض بالتوقيت بعلامات كونية يستوي فيها العامي والمتعلم، بل إن البدوي أعرف بها من الحضري؛ لأنها ألصق بها في حياته،
فرمضان جعل الله سبحانه وتعالى لثبوته الهلال، والهلال أمر كوني يظهر في كبد السماء، ويراه القاصي والداني، فكل من أعطاه الله نعمة البصر يراه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته )، على ما سيأتي تفصيل الكلام في الرؤية وغيرها .
الشريعة مرتبطة بالتوقيت الهلالي:
التوقيت الهلالي هو المعتبر في جميع معاملات المسلمين وعباداتهم؛ ولذا نجد في القرآن بيان تشريع الصوم وتوابعه، من أول قوله تعالى: (( كتب عليكم )) إلى قوله: (( شهر رمضان )) إلى قوله: { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة:187]، ثم يأتي الصوم الأعم:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188]،
ثم يأتي الكلام عن الأهلة:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة:189] أي: في معاملاتهم { وَالْحَجِّ }[البقرة:189] أي: في عباداتهم،
ويلحق بالحج من حيث التوقيت كل العبادات، فالمطلقات يتربصن ثلاثة قروء، فإن لم يكن لها قروء فثلاثة أشهر، وهل هي أشهر إفرنجية أو أشهر عربية هجرية قمرية؟ الثاني.
وكذلك قوله تعالى:{ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2]،
ثم يأتي بعد ذلك: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [المجادلة:4] هل صيام الكفارات يكون بالأشهر القبطية أو بالأشهر القمرية؟ وكذلك بقية العدد: أربعة أشهر وعشراً، تعتبر بالأشهر القمرية.
والعالم الآن فيه سنوات متعددات: شمسية، وقمرية، وميلادية، وكل هذه اصطلاحات عند أصحابها، والمولى سبحانه وتعالى بين للعالم في كتابه الكريم:{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } [التوبة:36]، وهل يمكن أن نحافظ على الأشهر الحرم في سنة ميلادية أو قبطية أو شمسية؟ لا يمكن، فهي أربعة حرم من الاثني عشر، وهكذا بين سبحانه: { فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [التوبة:36]، وهذا يعني: حافظوا عليها، وتعاملوا بها.
من أين تحسب بداية الأشهر القمرية ؟
وهذه الاثنا عشر شهراً من أين تبدأ؟ العرب اختاروا أن تبدأ من محرم؛ لأن السنة العملية عندهم تنتهي بذي الحجة؛ لأنهم كانوا يسيحون في الأسواق، ويقول علماء الأدب: أسواق العرب: شحر ومجاز ومجنة وعكاظ ومنى .
كل هذه كانت أسواقاً تجارية للعرب، يأتون من حضرموت وينزلون في نجد، ثم إلى الحجاز ليحجوا ويحضروا مواسم عكاظ في الحجاز، فإذا انتهوا من هذه الدورة بدءوا سنة جديدة، واعتبروا أول السنة شهر محرم، وكانوا لا يعتبرون سنة بحد معين، وكانوا يؤرخون بالأحداث العظام، نحن في هذه الآونة نسمع الناس يقولون: سنة كسوف الشمس سنة كذا، مثلاً: كسفت الشمس هنا في المدينة عام [1363] هجرية كسوفاً نصفياً، فصار أهل المدينة يؤرخون بذلك، فكانوا في السابق يؤرخون بالأحداث، كما أرخوا -مثلاً- بعام الفيل؛ لأنه كان حدثاً عظيماً جداً في تاريخ مكة.
بدء العمل بالتاريخ الهجري
رفع إلى عمر رضي الله تعالى عنه سند بدين يدفع في شعبان، فتساءل: أي شعبان: الماضي أو الحاضر أو المستقبل؟ فقيل: لابد أن نجعل لنا بداية تاريخ ليضبط لنا هذه الأمور، فاجتمعوا وتشاوروا. أعظم حدث في الإسلام هو الهجرة؛ لأن بها انتقلت الدعوة من موضع الضيق إلى السعة والمواساة،؛ فاختاروا أن يكون عام الهجرة بداية التاريخ الإسلامي.
وكان وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة في ربيع الأول، فقالوا: لا نخرج عن العرف، ولا نجعل أول السنة ربيع، بل نعتبر أول السنة المحرم.
ومضى التاريخ الإسلامي على التوقيت الهجري إلى اليوم بحمد الله، قال سبحانه:{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ } [التوبة:36] فإذا كانت عند الله فلا ينبغي الإعراض عنها، وعلينا أن نأخذ ما هو معتبر عند الله، ونحن نعلم أن ما حدث من الأشهر ومن السنوات السابقة على التاريخ الهجري هي أيضاً عند الله، وحسابها عند الله، ومجراها من عند الله، فهي باعتبار حركة الشمس في الفلك، ولكن المعتبر القمرية، ولماذا؟ نسأل عامة الحاضرين: أولئك الذين يعتمدون التواقيت غير الهلالية بم يعرفون الشهر؟ لا يمكن أن يعرفوه إلا بتخصص جماعة يعينون دخول الشهر وخروجه، ومن هنا عجزوا عن ذلك، واتفقوا على أن يجعلوا شهورهم متفاوتة ما بين ثلاثين وواحد وثلاثين، يقبضون الكفين، فالعظم الناتئ واحد وثلاثون، والمنخفض ثلاثون، وهكذا فاختلف العدد عندهم في عدد أيام السنة، وكما يقال: سنة كبيسة وغير كبيسة، والفرق عندهم يومان، فجعلوا فبراير -شهر الكذب- ثمانية وعشرين، ما وصل إلى الثلاثين، يهمنا أنهم وقعوا في حيرة، واستمر الأمر عندهم على ذلك، أما نحن -بحمد الله- فلم نحتج إلى هذا ولا إلى ذاك، ولا إلى أن ننقص شهراً عن حسابه، إنما القمر آية كونية يضيء بالليل، ويراه القاصي والداني، كل من أنعم الله عليه بنعمة البصر يعرف أن الشهر قد جاء، وسمي الشهر شهراً للشهرة، فهو يشتهر بظهوره، وسمي الهلال هلالاً؛ لأنهم كانوا من عادتهم إذا طلع الهلال رفعوا أصواتهم، ورفع الصوت يسمى إهلالاً وتهليلاً، هلل فلان أي: رفع صوته، ويقال: التهليل والتحميد
سهولة المواقيت الزمانية الشرعية
من توقيت الإسلام للعبادات الصلاة، فربط مواقيت الصلاة بحركة الشمس، فلماذا ذهبنا للشمس؟ ، أما وقت الصلاة فحركة يومية، والشمس يومية، فربطت مواقيت الصلاة اليومية بحركة الفلك اليومي كما قال الله:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78]
-شهر الصوم حركة شهرية وليست يومية، فكان القمر مجزئاً فيها
وبهذا تكون مواقيت العبادات في الإسلام طبيعية، أي: مرتبطة بآيات كونية يدركها العامي قبل المتعلم.
ويبحث العلماء توقيت الصوم، ومتى يدخل الشهر، وما رمضان إلا دورة أيام من دورات الفلك، ليست لأيامه ألوان خاصة، ولا أطوال متخصصة، ولا رياح معهودة، إنه يوم من الأيام، ومعرفة ذلك ببداية الشهر.
نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتقدم رمضان بصوم، ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم اليوم الذي يشك فيه، فمتى نصوم؟؟
1-لثبوته الهلال.
والهلال أمر كوني يظهر في كبد السماء، ويراه القاصي والداني، فكل من أعطاه الله نعمة البصر يراه.ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ).
2-إكمال شعبان ثلاثين يوما.
أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأهم:إذا لم تروا الهلال لغيم،فماذا يكون الحكم؟
أتاهم بالحل والجواب مقدماً:(فإن غم)،يقال: الغمام لأنه يغم الجو،
(فإن غم) أي: ستر وغطى، إما: بغمام وهو السحاب، وإما بقتر، وهو: الغبار التي تثيره الرياح أو الأحداث، فيكون في الأفق طبقة رمادية لا تبصر معها.
باب الصيام فيما يتعلق بدخول شهر رمضان.
وسيأتي المؤلف بالأحاديث التي تدور حول رؤية الهلال،
وهل الرؤية تثبت بواحد أم اثنين؟ وهل الرؤية خبر أم شهادة؟ وهل دخول رمضان كخروجه أو لا؟
شرح حديث: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)
قال المؤلف رحمه الله: [ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ) متفق عليه، ولـ مسلم : ( فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ) ].
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( إذا رأيتموه )
ما هو الذي رأيناه؟ الهلال.
وأصل حديث ابن عمر طويل، واقتصر المؤلف منه على موضع الحاجة، وفيه أنهم تراءوا الهلال -تطلبوا رؤية الهلال-
فهل يتعين على كل واحد أن يراه ليصوم؟
بعض الناس ضعيف النظر، سيصوم على رؤية غيره، إذاً: ( إذا رأيتموه -أي: في مجموعكم، بمعنى: لو رآه واحد منكم فكأنكم جميعاً رأيتموه- فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا ).
معنى (فاقدروا له)قال: ( فإن غم عليكم -بشيء ما- فاقدروا له ) ما معنى (فاقدروا)؟
المعنى اللغوي يدور على معنى:
1-التضييق والقلة،{ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } [الطلاق:7]،
أي: نحتاط ونصوم في اليوم الذي يشك فيه إقداراً للشهر، هذا مدلول فاقدروا وحدها، ولكن لم تقتصر الرواية على قوله: (فاقدروا) بل فسرت بقوله: ( أكملوا العدة ثلاثين ) .
كيف يكون التقدير؟
والمؤلف جاء براوية (فاقدروا) عن عبد الله بن عمر وانتهى، وهذا عند البخاري ، قال: ولـ مسلم : ( أكملوا العدة ثلاثين )، ويريد المؤلف بهذا أن قوله: (فاقدروا) مجمل يحتاج إلى تفصيل، ووجد عند مسلم التفصيل بعدد الأيام،
ولهذا يقول ابن عبد البر في الاستذكار: إن من حكمة مالك وفقهه أنه لما بحث هذا الباب أورد حديث عبد الله بن عمر هذا، ثم أورد حديث ابن عباس الذي فيه: ( فاقدروا له ثلاثين يوماً )،
فائدة لطلاب الغلم:ولهذا مراراً نقول: إن من تأمل إيراد مالك للأدلة في الباب، وأمعن النظر فيها بملكة فقهية، يستطيع أن يعرف مراد مالك ، فيشرح الموطأ بالموطأ، وهذه من دقة ملاحظة الفقهاء، حديث ابن عمر وحديث ابن عباس كلاهما في معنى واحد، فكان من الممكن أن يقدم حديث ابن عباس لأنه أبين، لكن قدم حديث ابن عمر الذي فيه الإجمال، وأردفه بحديث ابن عباس ليرفع الإجمال الموجود في حديث ابن عمر .
2-وبعض العلماء فسر كلمة (فاقدروا له) بأنه بالحساب، قدروا أي: خمنوا، وكيف يقدرون؟ قالوا: بعلم الفلك، وأجمع العلماء عل عدم حساب الصوم بالحساب إلا ما روي عن ابن سيرين .
الفرق بين الإخبار والشهادة؟
الفرق بين الخبر والشهادة دقيق جداً؛ لأن كلاً منهما يخبر عن مغيّب، والفرق بينهما: إذا كان مضمون الكلام -أي: مضمون الخبر- له علاقة بشخص ثالث غير المتكلم والسامع فهو شهادة؛ لأنه يشهد على إنسان ما، وإن كان موضوع الكلام لا يتوقف على شخص ثالث فهو خبر، حينما يقول: طلعت الشمس.
هل يثبت الشهر برؤية عدل؟
إذا رآه مسلم عدل في أول دخوله اكتفي به، وهناك من ينقل عن الشافعي أنه يقول: لابد من شاهدي عدل.
1-من اعتبر رؤية الهلال شهادة قال: لابد من اثنين { وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ} [الطلاق:2]
ومن اعتبر رؤية هلال رمضان خبر فيكتفي بواحد، حتى المرأة، فخبر المرأة وخبر الرجل في باب الأخبار سواء.
ومذهب الجمهور قبول خبر الواحد في دخول رمضان، ويتفقون على وجوب عدلين في خروج رمضان،ففي دخول رمضان الأحوط أن نقبل خبر الواحد؛ احتياطاً لرمضان، وأما الخروج فنحن على يقين من صومنا، فلا يخرجنا خبر الواحد، ونحتاج إلى زيادة تأكيد، فإذا شهد عدلان خرجنا عن الصيام، وكان الشهر تسعةً وعشرين يوماً.

خلاف العلماء في اعتبار المطالع
قوله: ( صوموا لرؤيته ) خطاب لأهل المدينة في ذلك الوقت أو خطاب للأمة كلها؟
1-من قال: هو خطاب لمن كان موجوداً في ذلك الوقت، قال: خاص بهم.
2-ومن قال: هو عام للأمة كلها، قال: إذا رئي في بلد وجب على جميع بلاد العالم الإسلامي أن يصوم.
*** الراجح:ولكن وجدنا الأخبار والعمل على اعتبار كل قطر لمطلعه.
الدليل: كما في قضية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مع كريب ، فـ كريب أرسلته بعض أمهات المؤمنين إلى معاوية رضي الله تعالى عنه وهو خليفة بالشام، فأدركه رمضان بالشام، ورءوا الهلال ليلة الجمعة، وأصبحوا صائمين يوم الجمعة، ثم جاء كريب إلى المدينة وهم في رمضان، فتحادث هو و ابن عباس عن أهل الشام، وعن معاوية وعن رمضان، فقال كريب : أما رمضان فقد رأينا الهلال ليلة الجمعة.
قال: أنت رأيته؟ قال: نعم، رأيته وصمنا وصام معاوية وأمر بالصوم.
فقال ابن عباس : أما نحن -وكان في المدينة- فلم نره إلا ليلة السبت.
فقال: ألا تكتفي برؤية معاوية وصومه؟ قال: لا، بهذا أمرنا رسول الله، فقوله: ( صوموا ) خطاب لكل قطر على حدة.
إذاً: لا يوجد وحدة في هذا، وهل هذا يعيب العالم الإسلامي؟
لا، الوحدة تكون عملياً في غير ذلك، الوحدة تكون على تحكيم كتاب الله، الوحدة تكون في نظام الإسلام وفي تشريعه، الوحدة تكون في أعمال المسلمين بما فرض الله، نوحد الزكاة، نوحد الأموال، هل استطاعوا أن يوحدوا العملة النقدية؟ ما استطاعوا؛ لأنها أمور تختص بالبلد، ولا حاجة لكثرة الكلام في هذا، وإذا ما اتحدت قلوب المسلمين، فبنعمة من الله يستطيعون أن يوجدوا الوحدة بأبسط من ذلك، الآن بدءوا يقولون: وحدة التعرفة الجمركية، وحدة التعرفة البريدية، وحدة كذا، وهم الآن مضطرون إلى أن يوحدوا وسائل المواصلات، وتتبادل الشركات تذاكر بعضها بعضاً اضطراراً.
إذن:هل لكل بلد مطلعه الخاص به؟
النزاع في كون رؤية الهلال رؤية للعالم كله أو ليست رؤية للعالم كله، هذه أمور نظرية وليست عملية، وعلى هذا فكل بلد له مطلعه.
والذي يهمنا أن العالم الإسلامي ينبغي أن يرتبط في دخول رمضان وخروجه بهذه الآية الكونية الكبيرة، ألا وهي: رؤية الهلال، فإن غم عليكم فأكملوا العدة.
هل يصح إثبات الشهر بالحساب؟
أما أن نحسب مقدماً، ونعلن الصوم قبل مجيئه بأيام، ونقول: سيكون يوم كذا، والعيد سيكون يوم كذا، على أساس الحساب والتقدير، فالحساب والتقدير قطعاً لا يخلوان من الخطأ، والله ما تعبدنا ولا كلفنا أن نتحمل هذه المشاق، وإذا عرف الحساب بعض الأفراد فمن الذي يحسب لأهل البادية، وأهل الأرياف الذين لا يعرفون حساباً؟ إن قلت: إن الدولة ستخبرهم.
فكيف بالذين لم تصلهم مواصلات الأخبار؟ وكم يوجد من أهل البادية في الجبال وفي الكهوف! كم يوجد من البوادي بعيدة عن المواصلات! فهؤلاء عندهم توقيتهم، إذا رءوا الهلال لا يحتاجون إلى إخبار ولي أمر، فيصومون لرؤيته، وإذا رءوا الهلال يفطرون لرؤيته، وهكذا.
إذاً: قضية الحساب، وقضية تعميم الرؤية، فيها نظر.
والله أسأل أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يأخذ بنواصينا ونواصي ولاة أمورنا إلى الحق، وإلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 02-08-08 الساعة 01:05 AM
طالبة التوحيد غير متواجد حالياً  
قديم 11-08-08, 07:10 PM   #6
طالبة التوحيد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 03-07-2006
المشاركات: 230
طالبة التوحيد is on a distinguished road
افتراضي تفريغ الشريط الثاني من بلوغ المرام

وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:{تَرَاءَى اَلنَّاسُ اَلْهِلَالَ, فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-أَنِّي رَأَيْتُهُ, فَصَامَ, وَأَمَرَ اَلنَّاسَ بِصِيَامِهِ }رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ,وَالْحَاكِمُ
سبب إيراد المؤلف لهذا الباب:
أتى المؤلف -رحمه الله- بحديث ابن عمر ؛ لأن فيه أن الذي أخبر بالرؤية واحد،وهو ابن عمر.
شرح الحديث:
(تراءى الناس)، أي: كل يرى لعله يراه، لكن ما رآه أحد إلا ابن عمر .
وللأحناف هنا مباحث: [SIZE="5"1-إن كانت السماء صحو ___________فلا يقبلون واحد.
2-وإن كانت السماء غيم___________فلا مانع من قبول رأي الواحد.[/SIZE]


حديث ابن عمر يثبت :قبول خبر الواحد. وهناك فرق بين الإخبار والشهادة.
ونبهنا على الفرق بين أن يكون الأمر خبراً وبين أن يكون شهادة، مواطن الشهادة كما قال تعالى:{ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} أما الإخبار فيكفي فيه الثقة، حتى لو أن امرأة أخبرتنا بخبر فلا نرد ذلك الخبر، وكما قيل: وعند جهينة الخبر اليقين.


["]شرح حديث: (فأذن في الناس أن يصوموا غداً)
قال رحمه الله:[وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال.
فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم.قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم.قال: فأذن في الناس -يا بلال - أن يصوموا غداً ) رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة و ابن حبان،ورجح النسائي إرساله.
[/COLOR]
أتى المؤلف رحمه الله بهذا الخبر، وماذا فيه من زيادة على حديث ابن عمر ؟
ابن عمر يقول:تراءى الناس، ورأيت، وأخبرت، فصاموا.
والأعرابي يقول: إني رأيت، فأخبره،فقال:(فأذن في الناس-يا بلال- أن يصوموا غداً ) ،
الناحية الموضوعية:في الحديثين واحدة، وليست هناك زيادة إلا أن ابن عمر صحابي جليل ثقة، حريص على اتباع سنة رسول الله أكثر من غيره، لكن الأعرابي هذا يسكن البادية، ولا نعرفه،وقد قال الله:{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا}
{ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ }فالأعراب فيهم وفيهم، فجاء المؤلف بحديث شهادة الأعرابي، وهل تثبت شهادته؟هل قال له:أحضر لي شهوداً،أحضر لي مزكين، أين شيخ القبيلة حتى أسأله عنك؟
لا،بل قال: ( أتشهد أن لا إله إلا الله)؟ قال: نعم أشهد.قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم أشهد.
ويتفق العلماء على أن هذا وحده يكفي للعدالة، قالوا: لأن الإسلام يجب ما قبله.


شرح حــديث: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)
وعن حفصة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)رواه الخمسة،ومال الترمذي،والنسائي إلى ترجيح وقفه،وصححه مرفوعاً ابن خزيمة،و ابن حبان،و للدارقطني:(لا صيام لمن لم يفرضه من الليل)

ربط الشيخ-رحمه الله- بين أحاديث الكتاب:[/COLOR]
كأن المؤلف-رحمه الله- يذكر الأحاديث بالتسلسل التشريعي، فذكر أولاً:(لا تصوموا قبل رمضان بيوم أو يومين )،قبل أن يأتي الشهر،فإذاً:ما صمنا اليوم ولا اليومين.
ثم جاء اليوم الذي يشك فيه فقال:( لا تصوموا يوم الشك )،ثم تعدى يوم الشك.قال:(صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) فهذا تسلسل حدثي ماض.
وبعد أن رأينا الهلال، وصمنا لرؤيته، بدأ في بيان الصوم، فإذا كنت رأيت الهلال وثبت عندك وستصوم، فلابد أن تبيت النية بليل.

درجة الحديث:
  1. وهذا الحديث عن حفصة رضي الله تعالى عنها، وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، و ابن عمر يروي عن أخته هذا الحديث،وبعضهم يقول: هذا موقوف عليها، أي: من قولها هي.
  2. والبعض يقول: لا، لقد رفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذه الرواية.
  3. إذاً: حديث تبيت النية للصوم جاء عن حفصة تارة مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة موقوفاً صناعة أو شكلاً على حفصة.

هل الصوم يشترط فيه تبييت النية أو لا يشترط؟
لا، إنما ذلك لا يكون إلا توقيفاً عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً حفصة رضي الله تعالى عنها حينما قالت: لا صيام لمن لم يبيته بليل.لم تأت به من اجتهادها ولا تفكيرها، بل نجزم يقيناً أنها ما قالته إلا بعد أن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤكد هذا أنها زوجه، ومن أقرب الناس إليه، ولا يفوتها مثل هذا، وعلى هذا فهو وإن كان موقوفاً شكلاً على حفصة؛لعدم ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو مرفوع حكماً؛ لأنه ليس مما يحتمل الاجتهاد.
وعلى هذا يكون صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يُجمع -من لم يزمع، من لم يبيت) .
كل هذه ألفاظ جاءت في هذا الحديث وغيره:(الصوم بليل فلا صوم له )،
وكلمة (ليل) هنا: ظرف لنية الصوم نهاراً.

ومتى تكون النية إذاً؟
قالوا: من بعد غروب الشمس أول الليل إلى قبيل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وهذا كله ليل، إذاً: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ليل.
حكم النية في الصوم؟
وهنا يبحث العلماء عن حكم النية في الصوم، فيقسمون الصوم إلى:
صوم رمضان وما في حكمه: صوم النذر، صوم الكفارة.
والقسم الآخر صوم التطوع.
والجمهور على أن صوم رمضان وما يلحقه في الحكم: لا يصح إلا إذا بيت النية من الليل،أي:من عند غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ففي أي لحظة من ذلك الوقت نوى الصوم فقد حصل المطلوب.

هل هناك صيغ لنية الصوم؟
وقوله: (يبيت) هل يشترط أن يأتي بهذه الألفاظ والقوالب لمعانيها، فيقول: نويت الصوم يوم غد الخامس عشر من رمضان سنة ألف وأربعمائة وخمسة عشر بالمدينة المنورة؟ هل يلزم هذا كله؟ لا أبداً.
ونويت الصوم غداً.هل تلزم هذه؟ أيضاً لا.

نية الصيام:
وكونه بعد غروب الشمس علم بثبوت رمضان، وحمد الله أنه أدركه، وغداً سيصوم الناس، وهو مع الناس، فهذه نية، وهذا الإدراك في نفسه هو بنفسه نية، ولو كان نائماً، ولا يدري عن مجيء رمضان، وأيقظه أهله وقالوا: قم! قال: ما الأمر؟! قالوا: قم تسحر.
قال: لماذا؟ قالوا: جاء رمضان.
قال: الحمد لله، وقام فتسحر معهم للصيام غداً،فهذه نية،
فالنية في الصوم هو ورود الصوم على خاطره بالجزم أنه صائم غداً.


وهل يتعين كل ليلة نية لصيام نهارها أم يكفي من أول ما ثبت رمضان أن ينوي أنه صائم الشهر إن شاء الله، وتكون نية بالجملة تشمل الشهر كله؟
بعض العلماء كالحنابلة يقولون: تجزئ.
ويأتون بقاعدة: هل رمضان بأيامه الثلاثين عبادة واحدة أو كل يوم عبادة مستقلة عن الآخر؟ فمن نظر إلى أن رمضان فرضاً واحداً قال: تجزئه نية واحدة.
ومن نظر إلى أن كل يوم فرضاً مستقلاً بذاته قال: لابد لكل يوم من نية.
ما ترجح لدى الشيخ:ما ذهب إليه المالكية من أن كل يوم عبادة مستقلة بذاتها.لأنه:من أفسد صوم يوم من رمضان، مثلاً:- يوم تسع وعشرين من رمضان- فهل أفسد رمضان كله أو هذا اليوم فقط؟ هذا اليوم فقط، إذاً: هذا اليوم عبادة مستقلة بذاتها، فالأولى تبييت النية لكل يوم.


بعض العلماء يقول: بالنسبة للنية الإجمالية من أول الشهر، لو قدر أن هذا الذي نوى إجمالاً طرأ له سفر يبيح الفطر، لكنه اختار الصوم، فهل تجزئه نية الإجمال الأولى أو يتعين عليه لكل يوم نية؟
قالوا: المسافر عليه أن يبيت النية لكل يوم.
وما الذي أخرج المسافر على القول بأن الشهر كله تكفيه نية واحدة؟
لأن المسلم مكلف أن يصوم الشهر كاملاً، لكن المسافر جاءته رخصة، فله أن يصوم، وله أن يفطر، والمقيم ليست عنده رخصة، وليس مخيراً، بل عليه الصوم، فتكفيه النية الأولى، أما إذا أنشأ سفراً، فالسفر يعطيه حق الصوم وحق الفطر، فهذه الليلة لا ندري هل هو في الغد صائم أم مفطر؟ فيتعين على المسافر عند الجميع أن يبيت النية لكل يوم؛ لأنه دائر بين جواز الصوم وجواز الفطر، فلا بد أن يحدد.
أحكام فقهية متعلقة بتبيت النية:وينبه العلماء على أنه من كان عازماً على سفر،وحجز في الطائرة،والموعد غداً في التاسعة صباحاً، والحجز مؤكد، والتذكرة في جيبه، والسيارة ستوصله إلى المطار، إذاً:السفر بالنسبة لهذا 99.9%.
فهذا الشخص يتعين عليه ما دام في بلده أن يبيت الصوم لذلك اليوم الذي هو غداً مسافر فيه، ولماذا؟ لهذا الواحد من عشرة من مائة، لاحتمال أن يتخلف السفر، -مثلاً-: ألغيت الرحلة غصباً عنه،جاء الذي كان سيسافر من أجله،كأن يكون طلب شيئاً من جدة أو من خارج البلاد وتأخر عليه، وعزم أن يسافر ليأتي به،ففي الصباح الحجز الساعة التاسعة، وفي الساعة سبعة جاء الذي يقول له: خذ حاجتك.
إذاً: عليه أن يبيت النية، حتى إذا تعطل السفر يكون قد احتاط ومعه شرط صحة صوم يوم غد، وإن حصل سفر فمع السلامة.
وكذلك المرأة التي تعلم من نفسها مجيء الدورة، ومتعودة أنه يوم كذا تأتي الدورة، وتعلم أن غداً موعد الدورة بعد الظهر، فعليها أيضاً أن تبيت النية للصوم؛ لأن الدورة ليست حركة ميكانيكية مثل الساعة، قد تتأخر إلى ما بعد غروب الشمس،إذاً: تبيت النية للصوم،فإن جاءت الدورة خرجت من الصوم،وإن لم تأت الدورة واصلت الصوم،وصح صومها لهذا اليوم.
لو أكل في يومٍ صومه واجب، وهو غافل عنه، فيمسك حينما تبين له، ويقضي يوماً آخر،
فمثلاً: الصبي يبلغ في نصف النهار،احتلم وأصبح مكلفاً،فيمسك عن الطعام في ذلك اليوم،ولأنه قد أكل فعليه قضاء يومه، وإذا لم يكن قد أكل فكثير من العلماء يقول: يجزئه؛ لأنه قبل البلوغ غير مكلف، واليوم سليم لم يقطعه بطعام.
والآخرون يقولون: لا، يقضي يوماً غيره؛ لأنه لم يبيت الصوم بليل، ومثل ذلك الكافر إذا أسلم أثناء النهار.
والحائض إذا طهرت أثناء النهار، فإنها تمسك لحرمة رمضان، ولأنها أمسكت وصامت نصف نهار، والنهار لا يتجزأ، فعليها أن تقضي هذا اليوم المجزأ.


عدم اشتراط تبييت النية في صوم التطوع
هل يصح للإنسان أن ينشئ نية الصوم للنافلة في النهار بعد طلوع الفجر؟

الجمهور على أنه بالنسبة للنوافل له أن يعقد الصوم في النهار ما لم يكن قد أكل.
إذاً: تبييت الصوم بليل عام، ويستثنى منه النوافل، وما الذي أخرج النوافل من عموم الصوم؟ قالوا: حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فقال: هل عندكم من شيء؟ قلنا: لا.
قال:إني إذاً صائم ) (إني إذاً) أي: في هذا الوقت نويت الصوم،فما دام لا يوجد أكل فسأصوم،وهذا بشرط ألا يكون أكل قبل ذلك.


شرح حديث: (فإني إذاً صائم)
قال المصنف رحمه الله: [ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا.قال: فإني إذاً صائم.ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: أهدي لنا حيس.فقال: أرنيه، فلقد أصبحت صائماً، فأكل )رواه مسلم
].


ربط الأحاديث في الكتاب:
بعدما قدم لنا المؤلف رحمه الله تعالى وجوب تبييت النية في الفرض،جاء بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها الذي يخصص ذاك العموم، ويتعلق بنية النافلة، فتقول -رضي الله عنها-:(دخل علينا النبي-صلى الله عليه وسلم-ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ قالت: قلنا: لا.قال: فإني إذاً صائم ) . وعلى هذا يكون سياق المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها إنما هو بيان لما يستثنى من عموم ( لا صيام لمن لم يبيته بليل ) ، فيخصص هذا العموم بصحة صيام النافلة لمن لم يبيته بليل .

ما هي أقصى مدة يمكن إنشاء نية الصوم للنافلة فيها؟
الجمهور: على أن النافلة تغاير الفرض،ويجوز للإنسان إن لم يأكل أن ينشئ نية صوم من ضحى النهار،وبعضهم يقول: إلى زوال الشمس، و ابن عبد البر يذكر في "الاستذكار" عن البعض: ولو إلى قبل الغروب.
ثم البعض يقول: هذا الذي أخر تبييت الصيام وأنشأه من النهار له ثواب من وقت إنشاء النية إلى غروب الشمس، والجمهور يقولون: له ثواب اليوم كله.
وبعضهم يستدل بما وقع عملياً حينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء من ينادي: ( من كان أكل فليمسك، ومن لم يكن أكل فليصم ) فقالوا: هذا إعلام وإلزام بالصيام في وضح النهار، ولم يعلمهم بالليل، ولم يبيتوا الصوم بالليل، وإنما أنشئوه نهاراً، وبعضهم يقيس الفرض على عاشوراء، وبعضهم يجعل ذلك للنافلة فقط، فالذين يقيسون يقولون: صوم عاشوراء في بادئ الأمر كان فرضاً، ولكنه نسخ لما جاء ما هو أهم منه وهو رمضان.
وبعض العلماء يناقش في كلمة (إني إذاً)، (إذاً) ظرف، فهل معنى (إذاً) يعني: الآن أنشأت نية الصوم أو أني كنت قد بيت النية لصوم، وإذا وجدت شيئاً أكلت، فلما لم أجد شيئاً فأعلمكم أني صائم، يعني: مبيت للصوم من الليل؟ كل هذه أشياء فيها تكلف، وإذا ثبتت لفظة (إذاً) فهي تدل على إنشاء النية نهاراً.


حكم الفطر في صيام التطوع
جاء في حديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءها في يوم وسأل: ( هل عندكم من شيء؟ قالت: بلى، أهدي إلينا -تعني: ليس من عندنا، الله أكبر!- حيس )
والحيس من الحوسة: الدقيق مع التمر مع الأقط مع السمن، الكل يخلط ويعرك ويصير طعاماً، وهو طعام جيد، والنسوة يصنعن ذلك للنفساء؛ لأنه ينفعها لما فيه من التمر والسمن،فقال:(أرنيه،فأكل)،وأخبر أنه كان صائماً،فقالت:كنت صائماً وتأكل؟!قال:(يا عائشة!إنما صاحب التطوع كرجل أخرج من ماله جزءاً ليتصدق به، فإن شاء أمضاه وتصدق به كله،وإن شاء أمضى البعض وأمسك البعض)،وفي الحديث الآخر:(الصائم المتطوع أمير نفسه:إن شاء صام، وإن شاء أفطر).
ولكن المالكية:ينصون عن مالك رحمه الله أنه لا ينبغي للمتطوع أن يفسد تطوعه،والمالكية يشددون في هذا، وينقلون عن مالك:أن من أفطر في التطوع قضى يوماً مكانه.
ويذكرون حديثاً عن عائشة و حفصة -رضي الله عنهما- فيه: (كلا، وصوما يوماً مكانه)،والجمهور على أن النوافل لا تقضى،والقضاء للفرائض.


جاء عن أبي أيوب و أبي طلحة أنهما كانا يفعلان ذلك، يصبح أحدهم فيسأل أهل البيت: عندكم شيء؟ فإن وجد أكل، وإلا صام، وذلك بعد موت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-،وهذا يفيدنا أن إنشاء النية في النهار ليس خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم،وإنما هو تشريع عام، بدليل فعل بعض أصحابه رضوان الله تعالى عليهم.

]شرح حديث: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)
قال رحمه الله: [وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال:(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)متفق عليه،و للترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:(قال الله عز وجل:أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً ) ].
[/SIZE]ربط الحديث بأحاديث الكتاب؟[/SIZE][/COLOR]
انتهينا من مسألة تبييت النية، وما بعد النية إلا الصوم، وما بعد الصوم إلا الإفطار، فجاءنا المؤلف رحمه الله بآداب الإفطار، فذكر حديث: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله عز وجل: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً ) .
إذا صمنا اليوم، واستقبلنا المغرب، هل نبادر بالفطر أو نتأخر عنه احتياطاً؟
جاءنا المؤلف رحمه الله بهذا الحديث القدسي عن الله سبحانه: ( أحب ...) (أحب) أفعل تفضيل، أصلها: أحبب، وأدغم المتماثلين: ( أحب عبادي إلي -يعني: عبادي كلهم محبوبون عندي، لكن أشدهم حباً إلي، وخاصة من الصائمين - أعجلهم فطراً ) الذي يتأخر ويقول: أنتظر بعد غروب الشمس قليلاً حتى أتأكد زيادة، وزاد في صومه نصف ساعة من الليل، فصام النهار، وزاد نصف ساعة، فهل هذا أحب إلى الله أم الذي وقف عند نقطة الصفر؟ تأملوا في أصول التشريع، وسيأتي الحديث الآخر: ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر )،
ما الفرق بين تعجيله وتأخيره؟ وما المشكلة لو جاع الرجل ساعة أو ساعتين زيادة على الوقت المحدد، ففعله هذا على نفسه؟
نقول: لا، قدمنا سابقاً تنبيه العلماء على ضرورة الوقوف عند حد المفروض، ولما سئل مالك رحمه الله: هل يجوز أن يعطي في زكاة الفطر صاعاً وزيادة؟ قال: لا، احص الصاع أولاً وحده، ثم زد ما شئت في غير هذا الحال.
لماذا؟ حتى لا يضيع حد الصاع، ويبقى المشروع محدوداً منتظماً، فإن كان هذا يزيد، وهذا يزيد، وهذا يزيد؛ ضاع الأصل، وهكذا هنا، الله تعالى يقول: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187] ، وبمجرد اكتمال غروب الشمس تحقق الليل، إذاً: هذا حدك، فعجل الفطر بعد ثبوت دخول الليل لا أن تتعجل قبل الغروب، فإذا حافظ الإنسان وحافظت الأمة على هذا، ووقفت عند حد الله في هذا العمل؛ ظل هذا العمل محفوظاً بدون زيادة ولا نقص؛لأنه لا يقبل الزيادة ولا يقبل النقص، ولهذا قال:(أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً )،وجاء في الحديث: ( إذا أدبر النهار من هاهنا، وأقبل الليل من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم )،وبعض العلماء يقولون: أكل أو لم يأكل، وبعضهم يقول: وجب عليه الفطر، كقوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ }يعني: أرضعن، وهنا قال:(أفطر الصائم)،وفي بعض الروايات:( ولو لم تجد إلا لحا شجرة فامضغه)،حتى لا تحسب نفسك على إمساك وصيام؛لأن الليل ليس وقتاً للصيام ولا يصلح له، إذاً: إمساكك جزءاً من الليل مع النهار ليس إلا زيادة جوع وعطش وليس لك فيه أجر.
فحفظ النهار يكون من أوله من حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ويكون من آخره إذا غربت الشمس.
وجاء في بعض الأخبار والروايات:(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر؛لأن اليهود تؤخر الفطر حتى تشابك النجوم في السماء ) .


هل يقدم الفطر ثم يصلي أو يقدم الصلاة ثم يفطر؟
في وقت الفطور يتوجه للصائم أمران: فطره من صومه وصلاته المغرب، فأيهما يقدم؟[/COLO
1-يذكر العلماء-رحمهم الله- عن عمر و عثمان -رضي الله عنهما- أنهما كانا يصليان المغرب ثم يفطران، ولا يكون ذلك تأخيراً للفطر لاشتغاله بالركن.
2-ويذكر ابن عبد البر رحمه الله أن الجمهور على الفطر ثم صلاة المغرب، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه كان يأكل ثلاث تمرات ثم يصلي المغرب )،ولعل هذا أقرب؛ لأن صلاته للمغرب إذا لم يفطر ستكون وهو في صيام، وهذا ليس مشروعاً، وفعل عمر و عثمان رضي الله تعالى عنهما يخالف فعل الجمهور، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على كل فعل، فهو ( كان يتناول ثلاث تمرات ثم يقوم ويصلي المغرب ) ، فهذه السنة، ثم العشاء بعد صلاة المغرب.


شرح حديث: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر)
قال رحمه الله: [ وعن سليمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر)]

على ماذا يبدأ الصائم فطره؟
يقول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أفطر أحدكم فليفطر على -سبحان الله! الإرشاد حتى في نوع الفطور رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد فليحسو حسوات من ماء ) ، وجاء عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه يحسن أن يفطر الإنسان على شيء لم تمسه النار،ويقول العلماء: هذا تفاؤل بأن يجنبه الله النار.
أرشد -صلى الله عليه وسلم- أن يفطر الصائم على رطبات، يعني: إذا كان الرطب موجوداً، وإلا فعلى تمرات، والله لا أدري أيهما أقوى مادة غذائية: الرطب أم التمر؟ يختلفون في هذا، الرطب فيه رطوبة زيادة، والتمر تخلص من كل الرطوبات، وفيه جميع المواد الغذائية، والعرب كانت تعتقد أنه خال من الدهونات، فكانوا يضيفون إلى التمرة الزبدة، والآن اكتشف بأن التمر فيه المادة الدهنية أيضاً، ولا يوجد ثمر يمكن لإنسان أن يعيش عليه المدى الطويل مثل التمر، وتقدم حديث عائشة : هلال فهلال فهلال، شهران طعامكم التمر والماء، وهو كما قالوا: زاد المسافر، وفاكهة المقيم.
وهنا يتكلم علماء الطب النبوي،وسبحان الله! يا إخوان:كان السلف يدرسون الطب والفلك كما يدرسون الصيام والزكاة،وكان غالب العلماء أطباء،جاءنا حافظ من باكستان،كان صاحب مصحة في كراتشي،وصحيح البخاري عنده كصورة في مرآة،حينما تسأله:الحديث الفلاني في البخاري؟إن غيرت حرفاً قال لك: ليس هذا في البخاري،تزيد هذا الحرف يقول: هذا نعم موجود! فكانوا يدرسون الطب، وانظر كتاب الطب النبوي لـ ابن القيم ، والطب للسيوطي، والطب للذهبي ، وهو ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الطب،وتأملوا قصة مريم عليها وعلى نبينا الصلاة والسلام، كانت في ذلك الموقف الحرج { فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ }،أجاءها غصباً عنها، إلى أن أرشدها الله:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ }امرأة في النفاس هل عندها القوة لكي تهز الجذع؟! لكن تهز بقدر ما تستطيع {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا }ولم يذكر تمراً، إذاً: الرطب أحسن في تلك الحالة؛ لأنه أبرد من التمر، ويتفق الأطباء على أن الرطب في تلك الحالة:
- أحسن ما يمكن أن تستقبله المعدة الخالية، وأشد ما يستفيد من حواس الإنسان البصر؛ لأن الجوع يضعف قوة الإبصار، فإذا ما تناول الحلو -وخاصة الرطب- استفاد البصر أكثر من جميع أعضاء الجسم.
-ويقول الأطباء: حينما يكون الإنسان جائعاً ظامئاً فهو في لهفة إلى أن يأكل ويشرب كثيراً، وهذا على المعدة الخالية مضر، فإذا أكل الحلو -مطلق الحلو عندهم- فإنه يكسر شهوة النهم، ويجعل الإنسان يكتفي بالقليل من الطعام، فإذا كان جائعاً عطشاناً وأكل الرطبات انكسرت حدة الجوع، واكتفى بما تيسر، فيكون أنفع له.
إذاً: هذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير الإنسان عند فطره أحد هذه الأنواع.
-قد يقول إنسان: هناك مناطق باردة لا توجد فيها النخل، ولا يوجد فيها رطب ولا تمر، وعندنا فواكه متنوعة من حمضيات وحلويات .إلخ، فنقول: إن لم تجد هذا، فلتأخذ أقرب ما يكون إليه، إن وجدت الزبيب، إن وجدت التين،إن وجدت البرتقال،إن وجدت التفاح،إن وجدت هذه فهو أولى من أن تذهب إلى الماء.


***وهنا لفتة بسيطة:
أولاً: ينبغي للإنسان ألا ينسى نفسه عند الإفطار من دعوة خير؛ لأن الدعاء عند الإفطار مستجاب.
ثانياً: لا ينسى أن يفطر أخاً له، غنياً كان أو فقيراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من فطر صائماً فله كأجره، ولا ينقص من أجره شيء.قالوا: يا رسول الله! ليس كل واحد منا يجد ما يفطر الصائم.
قال: يؤتي الله ذلك على تمرات أو على قبضة سويق أو على جرعة لبن أو على جرعة ماء ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، يا سبحان الله! أجر إنسان صائم طول النهار تحصل مثله على تمرات تقدمها له: شيء من سويق، جرعة ماء، جرعة لبن؟! هذا فضل الله.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليدخل باللقمة ثلاثة الجنة -لقمة واحدة يدخل الله بها ثلاثة-: صاحبها -الذي يمتلكها-، وطاهيها -الذي طبخها-، ومناولها للمسكين ) ، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: ( الحمد لله الذي لم ينسَ خدمنا ) ، الخادم يناول اللقمة للمسكين على الباب فيدخل الجنة، هذا إذا احتسب ذلك لوجه الله.
إذاً: إذا أفطر أحدكم فليفطر على رطبات أو تمرات أو حسيات من ماء .


شرح حديث: (تسحروا فإن في السحور بركة)
قال رحمه الله: [ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تسحروا فإن في السحور بركة ) متفق عليه
].


ربط الحديث بأحايث الكتاب؟
إذا فطرنا، وأكلنا طوال الليل أو نمنا، فبقي السحور، هل أقول: أنا شبعان، أو ما عندي غرض في الأكل؟ لا، لابد من السحور، وليس بلازم أن تمد الموائد، وتعرض الأصناف، بل ولو تمرات، المهم أن تعمل بهذه السنة، وجاء في الحديث أيضاً: ( فرق ما بين صيامنا وصيامهم: أكلة السحر ) .
إذاً: ( تسحروا فإن في السحور بركة ) ، ومن الذي لا يريد هذه البركة؟ الكل يريدها، والبركة تحصل ولو بتمرات وجرعة ماء.

ثم من مباحث السحور:
تأخيره وعدم تعجيله، هل تعجيله تورع وتحفظ؟ لا، بعض الناس يقول: أنا أكلت ونويت، وبقي على الأذان ساعة، ثم يعرض عليه الماء، فيقول: لا، لا، أنا نويت، ماذا يعني هذا؟! هل سيبطل نيتك؟! هل سيبطل صومك؟! مادام الوقت باقياً، ولم يتبين الفجر إلى الآن، فكل واشرب ما شئت، وقد يبيت النية للشهر كله من أول يوم، وكل يوم يأكل ويشرب.
إذاً: عقد النية لصوم الغد لا يمنع الإنسان من أكل ولا شرب ما دام الخيط الأبيض لم يتبين.

المقدار بين السحور وصلاة الفجر؟سئل بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: كم كان بين سحوركم والصلاة؟ قال: قدر خمسين آية، أي: بقدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية كنا نمسك عن الطعام والشراب، ويأتي وقت الصلاة، لا كما يفعل بعض الناس: يؤخر شرب الماء إلى أن يسمع طقطقة الميكرفون للأذان فيبادر إلى الماء، وبعضهم إلى أن يسمع المؤذن يقول: الله أكبر!! لماذا؟! الله جعل حداً لا تتعداه.
شبهة وردها:
ويؤسفني أن البعض يحتج على ذلك الخطأ بحديث أبي داود رحمه الله : ( إذا كان القدح على كف أحدكم فسمع النداء فلا يضعه حتى يقضي حاجته ) .
الرد:
والجمهور على أنه لابد أن يمسك جزءاً من الليل ليضمن إمساكه كامل النهار، على قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فمثلاً: قال الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } [المائدة:6] ، وحد الوجه: منابت الشعر من الجبهة، ولكن قالوا: يزيد قليلاً فوق منابت الشعر؛ ليتأكد أنه قد استوعب الوجه، فكذلك قالوا: يمسك قبل تبين الخيط الأبيض ولو بدقائق، ويفطر بعد أن يكتمل غياب قرص الشمس ولو بدقيقة واحدة، لا أن يكون فطره مع نقطة الصفر أول سقوط القرص، لا، هذا مشترك، ولا يصلح.
2-وقد ناقش البعض هذه المسألة ليلة طويلة مع أفاضل العلماء في المدينة جزاهم الله خيراً، وتمادى الحديث بهم، وأطالوا الأمر، وقال بعضهم: لو كان يأكل والمائدة موجودة وسمع النداء، فلا يقوم عن المائدة حتى يشبع.
فقال لهم شيخ ذاك المجلس: الله يقول: { حَتَّى يَتَبَيَّنَ }والحديث يقول كذا، فقلت: لو سمحتم! إذا أخذنا بنص الحديث فهو يقول:(والقدح على كفه )،لا والمائدة بين يديه،وروح اللغة العربية وجمالها في ألفاظها وتعبيرها؛لأنه قال:(والقدح على كفه) ولم يقل: في الأرض يتناوله، أو في الثلاجة، أو في الترامس يذهب يبحث عنها، بل قال: ( والقدح على كفه) وهل وضع القدح على كفه ليراه؟! وهل وضعه على كفه ليرى كم ثقله؟! إنما تناول القدح من الأرض ليشرب، وفي منتصف المسافة ما بين الأرض وفمه فاجأه الأذان، فلا ترده، خذ غرضك منه؛ لأن تبين الخيط الأبيض فيه من النسبية ما يحتمل شرب الماء الذي في القدح، ولو كنا جميعاً في الصحراء نترقب الفجر، فهل كلنا في لحظة واحدة سنقول: طلع الفجر؟ لا يمكن، سيطلع الفجر ونختلف فيما بيننا؛ فطلوع الفجر وتبين الخيط الأبيض ليس كطلوع الشمس، وليس كغروبها؛ لأن الشمس جرم أمامنا، يبتدئ الطلوع ويبتدئ بالنزول، لكن الفجر خيط، ورؤية الخيط دقيقة، وليس كل الناس يرون هذا الخيط رؤية كاملة.
إذاً: إلى أن نقول ظهر أو لم يظهر يكون هذا قد شرب القدح كله، ولا يضر ذلك صومه.
إذاً: هذا الحديث في حالة ضرورية: رجل رفع القدح من الأرض ليشرب ليصوم غداً، فالرسول قال: لا بأس، خذ حاجتك، فلا ينبغي أن نمطط فيها ونزيد حتى نأتي بالمائدة ونأتي بأنواع الطعام، حتى قال له شيخ ذلك المجلس: يمتد إلى متى؟ قال: إلى أن يشبع، قال: حتى تطلع الشمس؟! قال: ولو! هذه -يا جماعة- هفوة، ونصف العقل لا يقبل ذلك.
فنصيحتي للإخوان: كل شخص بيده ساعة، والجدران معلقة بالساعات والإمساكيات، ومعلن متى يكون الإمساك، ومعلن متى أذان الفجر، ولا يعذر في هذا أحد بجهالة، فليحتط المرء لدينه، وليمسك قبل طلوع الفجر بزمن احتياطاً للنهار.
قد يأتي واحد يقول: هذا الاحتياط من الذي أتى به؟
ابن أم مكتوم و بلال ما كان بين أذان هذا وهذا إلا أن يصعد هذا وينزل ذاك.
فنقول: أنت جعلت وقتاً للصعود والنزول، فاجعل فرقاً بين أكلك وإمساكك، فكفيف البصر عندما يطلع إلى السطح، ويستقبل القبلة، ثم يؤذن؛ سيأخذ دقائق.
يا إخوان: السنة ما كان عليه سلف الأمة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وما كان أحد منهم يفعل مثل هذه الفعلات، وينبغي أن يكون مع تأخير السحور احتياط لأول النهار؛ حفظاً للصوم.
طالبة التوحيد غير متواجد حالياً  
قديم 14-08-08, 11:20 AM   #7
طالبة التوحيد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 03-07-2006
المشاركات: 230
طالبة التوحيد is on a distinguished road
افتراضي تابع تفريغ الشريط الثاني

شرح حديث: (نهى عن الوصال)
[وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال.
فقال رجل من المسلمين: فإنك تواصل يا رسول الله! فقال: وأيكم مثلي؟! إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رءوا الهلال، فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم.كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا ) متفق عليه ].


بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله تعالى آداب الفطر والحث على السحور، جاء بهذه المسألة المشهورة في الصيام.
معنى الوصال:
لغة: الوصال، والوصال: مأخوذ من الوصل، وأصله: وصل الشيء بغيره كما تصل طرفي الحبل.
العرف الشرعي: أن يصل صوم النهار بالليل، ويصير صائماً نهاراً وليلاً، وهذا يسمى وصلاً، ولأنه يتكرر مرة ومرتين سمي وصالاً.
شرح الحديث:
ساق المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ) أي:نهى الصائم أن يصل النهار بالليل سواء مرة واحدة أو كرر ذلك، ولما نهى والحال أنه صلى الله عليه وسلم يواصل، وجد المسلمون نهياً يغاير فعلاً! فقال رجل من المسلمين: نهيتنا عن الوصال وأنت -يا رسول الله- تواصل! ونحن إنما نستن بسنتك ونقتدي بهديك.
وهذا فعلاً سؤال في محله، ولكن بين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا مثله، فقال: ( لست كهيئتكم أو لستم مثلي ) .
ومن هنا يقول الأصوليون: يشترط لصحة القياس أن يستوي الطرفان، فكأنه قال: تقيسون أنفسكم بي، والحال أن هناك فرقاً بيني وبينكم، وما هو الفرق في هذا الباب؟ قال: ( إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني )، وفي بعض الروايات: ( لستم مثلي؛ فإن لي طاعماً يطعمني، وساقياً يسقيني ) .

الحكمة من تحريم الوصال:
الوصال هو زيادة عبادة، فبدلاً من أن يصوم النهار اثنتا عشرة ساعة، فسيصوم الليل معه أيضاً اثنتا عشرة ساعة، ويكون قد صام أربعاً وعشرين ساعة مرة واحدة، وهذه عبادة فيها زيادة حمل النفس على الصبر وتهذيبها و إلخ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا، والغاية البعيدة من تحريم ذلك لها جهتان، وينضمان أو يصبان في غاية واحدة:
الجهة الأولى: لئلا يحمل المكلفون أنفسهم فوق طاقتهم تحت عاطفة حب العبادة، فيأتي الإنسان يعمل عملاً بعاطفة وانفعال، وهو مندفع، وبعد أن يمشي قليلاً يحس بالكلفة، فيريد أن يتراجع لكن بعد أن فات الأوان، ولكن من هنا من البداية لا تواصل.
الجهة الأخرى: لحفظ الدين؛ لأن الذي يحمّل نفسه الوصال، تتكرر عليه السنوات والأيام، ويتقدم في السن، ثم يحصل هناك عنده كراهية للعمل الذي شق عليه، وبعد أن كان يعمله بسهوله صار يعمله بتكلف، وهذا من التشدد المنهي عنه
حكم الوصال
نهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال، هل هذا النهي يقتضي الفساد أم الكراهية أم التحريم؟ ماذا يكون الحال فيه؟
نجد العلماء يبحثون ذلك، فمنهم من يقول: النهي للكراهية. وبعضهم يقول:النهي للتحريم
لماذاالنهي للكراهة، والأصل في النهي التحريم؟

1-قالوا: لأن النهي لعلة ولحكمة يناط بها وهي: الإشفاق على الناس؛ لأن الوصال فيه صعوبة، فنهاهم أن يشقوا على أنفسهم.والآخرون قالوا: لا، النهي يقتضي التحريم، فلا يجوز أن يواصل.
وجاءت بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ) ، لا يكمل إلى الليل، فوقت يأتي السحور يتسحر، يعني: يقطع صومه بأكلة السحور، وهذه رخصة وإباحة، ومواصلة صوم الليل كله مع النهار لا يجوز.
وبعض السلف كـ ابن الزبير و طلحة كانوا يواصلون، وينقلون عن ابن الزبير عجائب : كان يواصل خمسة أيام وستة أيام بلياليها! ولكن فعلاً كان يجد العنت، وإذا انتهت مدة وصاله لا يستطيع أن يأكل ولا يشرب نظراً لحالة المعدة، فكانوا يذيبون له التمر في السمن، ثم يلعق من مجموع التمر والسمن إلى أن يلين المعدة ويرطبها، وتمتص هذا الخليط شيئاً فشيئاً، ثم بعد ذلك يأكل الطعام.
-يذكر ابن عبد البر عن الشافعي رحمه الله أنه قال: الوصال مكروه لمن شق عليه، ومن قدر فليواصل.
-ويقول ابن عبد البر : الجمهور أنه لا يجوز لأحد الوصال، وما ذكر عن بعض الأفراد فهذا اجتهاد شخصي لا يكون حجة على الآخرين، والله تعالى أعلم.

الوصال من خصوصيات النبي عليه الصلاة والسلام
لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال وهو يواصل تساءلوا -وهم محقون في ذلك-: نهيتنا والأصل أننا نتبعك ونستن بسنتك، ونهتدي بهديك وأنت تواصل! فمن حقنا من باب اتباعك أن نواصل لمن قدر عليه.
فبين لهم الفرق، فقال: ( لا، لست مثلكم، إني أبيت -وأكثر الروايات ليس فيها: عند ربي- يطعمني ربي ويسقيني ) ، ( إن لي طاعماً يطعمني، وساقياً يسقيني ).

ما معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-:(عند ربي- يطعمني ربي ويسقيني )؟
هذا اللفظ في هذا الحديث احتار العلماء فيه وإلى الآن، ولم نجد جواباً شافياً في ذلك، إنما هي معجزة لرسول الله، والمعجزة -كما يقال- فوق الطاقة الإدراكية، فوق طاقة العقل؛ لأنها لو نزلت لمستوى إدراك العقل خرجت عن كونها معجزة، جميع المعجزات لا يحيط بها العقل:

وهنا قال بعض العلماء:1- يطعمني ويسقيني من طعام وشراب الجنة،
فقيل: وهل طعام وشراب الجنة لا يفطر؟ قالوا: لا، لا يفطر؛ لأنه ليس من الدنيا، قيل: إذاً ما واصل. وكل الناس ستواصل ويأتيها طعام من الجنة.
فهل نحمل ( يطعمني ويسقيني ) على حقيقة الطعام والشراب أو نحمل ( يطعمني ويسقيني ) على أمر معنوي؟
القضية دائرة بين هذين، فإن حملناه على أكل وشرب حقيقة فليس هناك وصال، ولماذا لست مثلنا؟ ما دام أنك تأكل وتشرب فليس هناك وصال.
وإن حملناه على الأمر المعنوي فما هو إذاً؟
أكثر من أطال في هذا ابن القيم رحمه الله، ونقل عن العلماء، وتوسع في هذه المسألة،
2- وقال: إن العبد إذا اشتد حبه لله، وقويت صلته بالله، كان دوام ذكره لله غذاء له،
ولربما يكتفي بأبسط الأشياء من الطعام، ويغذي الجانب الروحي، وإذا تغذت الروح ساعدت الجسم، بخلاف الجسم، فإذا تقوى الجسم ضعفت الروح، وإذا تقوت الروح قوت معها الجسم،
الرجح:إذاً: قوله: ( أبيت يطعمني طاعم، ولي طاعم يطعمني ) نحاول أن نفهمها، ولكن نعترف بأننا لن نفهمها.الذي يهمنا: أنهم يغايرونه، له طاعم وله ساق، وكيف يكون ذلك؟ نتركها لله ثم لرسول الله.
طالبة التوحيد غير متواجد حالياً  
قديم 14-08-08, 10:00 PM   #8
طالبة التوحيد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 03-07-2006
المشاركات: 230
طالبة التوحيد is on a distinguished road
افتراضي تلخيص الشريط الثالث

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-:{ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ, وَالْجَهْلَ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ}رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ, وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ

ربط الحديث بأحاديث الكتاب:
لم جاء المؤلف بحديث: ( من لم يدع ) بعد حديث النهي عن الوصال، وجعلهما مقترنين؟ فما العلاقة بينهما؟
التأليف فن وحكمة، وأشرنا إلى ما قال ابن عبد البر في إيراد مالك لنصوص رؤية الهلال،حيث قدم حديث ابن عمر :(فاقدروا له )، ثم جاء بحديث ابن عباس:(فاقدروا له ثلاثين )،وقال: حديث ابن عمر مجمل، وحديث ابن عباس يفسره، فأخر المفسر ليكون بياناً للمطلوب، يعني: أن العلماء حينما يوردون الأدلة في الأبواب يكون إيرادهم إياها عن حكمة وعن دلالة خاصة، وليست مجرد رصف أحاديث ونصوص، والله سبحانه وتعالى أعلم.

كنا تساءلنا ما هي العلاقة بين مجيء هذا الحديث وبين النهي عن الوصال؟
لما نهاهم عن الوصال وهم يرغبون في الوصال زيادة في الخير، فكأنه يقول لهم: إذا كنتم تريدون الخير بزيادة فليس في نوعية زيادة العمل،ولكن في إحسانه وفي جودته،وهو أن تحافظوا على صوم النهار من الفجر إلى الليل، وأن تصوموا عما لا يليق بالصائم .

معنى الزور:
قال في الحديث: ( من لم يدع ) يدع: فعل مضارع، وأمره دع كحديث: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) بمعنى: الترك، من لم يترك قول الزور.
لغة-: هو ملتقى نهاية الفم بأول البلعوم، ففيه زاوية.
هذه الزاوية هي الزَور، والعلماء يطلقون عليها الزُور، زَور الإنسان، زَور الحيوان، وسمي الزور زوراً لأنه جاء جانبياً؛ لأن فتحة الفم كان مقتضاها الاعتدال إلى الرقبة، لكن انحنت ونزلت إلى الحلقوم وإلى المعدة.
فالزور: هو ما انحنى عن طريق الاستقامة، ومنه الزائر يأتيك من جانب البيت، لا يأتيك عامداً بطول، مثلاً: يأتي في الشارع، وإذا وصل إلى بيتك انحنى وانعطف على باب مزوره.
وقول الزور: هو القول الذي ينعطف عن الطريق المستقيم.

- فكل قول انحرف عن الصراط السوي فهو زور، أكبر ما يكون في ذلك شهادة الزور -أي: الكذب- يليها بعد ذلك الكذب في القول، يليها أيضاً النميمة، الغيبة، التنابز بالألقاب .
كل هذه قول الزور؛ لأن التنابز بالألقاب يسيء إلى صاحب اللقب، فكان هذا من قول الزور؛ لأنه مغاير للطريق الذي يحبه أو يرضاه صاحب اللقب.
فقول الزور: هو كل قول جانب الحق،
وكما أشرنا: أعلاه شهادة الزور؛ لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ( أنه كان متكئاً بين أصحابه، وحذر من الكبائر، ثم اعتدل وقال: ألا وشهادة الزور، وأخذ يكررها حتى قلنا: ليته سكت ) .
ونحن نعلم -يا إخوان- أن شهادة الزور وقول الزور يكفي في تقبيحها أنها تغير الحقائق، وتقلب الأمور، وتبطل الحق، وتحق الباطل، وتضلل العدالة، وأشياء كثيرة جداً، ومن هنا اهتم لها صلى الله عليه وسلم، وكذلك الكذب، ففرق بين الكذب والصدق كما بين الظلام والنور، وما بين الحق والباطل، وما بين الليل والنهار؛ لأنه أيضاً يغير الوقائع، ويحق الباطل، ويبطل الحق.

ما الفرق بين شهادة الزور والكذب؟
شهادة الزور تتعلق بحق لثالث، والكذب يكون مطلق إخبار، مثلاً: جاء زيد؟ لم يجئ، وهو قد جاء ورآه، فهذا كذب.
وفي الحديث: ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ) ، الرفث: من الزور أيضاً.
إذاً: الفسق يكون بالقول بما يغاير الحق، ويكون بالعين بالنظر إلى ما لا يحل له، ويكون بالسمع حينما يتسمع إلى قول خطأ. اثنان يتكلمان على شخص ثالث بالغيبة أو بالنقيصة، واستمع إليهما، هو لم يتكلم ولكن مجرد سماع، فكما قيل: وسامع الذم شريك لقائله ومطعم المأكول شريك الآكل فإذا تسمع إنسان لاثنين أو جماعة يتكلمون على شخص في عرضه، بنميمة أو بذم أو بكذا، ولم يشارك في الحديث، ولكنه يستمتع بالسماع أو يصغي إليه دون أن ينكر عليهم، فهو مشارك معهم.
والفسق باليد يكون بالبطش وامتدادها واكتسابها ما لا يجوز شرعاً، وكذلك بالقدم حينما يسعى إلى أمر منهي عنه محرم، فكل هذا من أنواع الفسق بالجوارح التي يكون عن طريقها.
معنى العمل بالزور:
قوله: ( من لم يدع قول الزور، والعمل به ) العمل بالزُور يشمل كل عمل منهي عنه؛ لأن الزور باطل، وكل عمل منهي عنه فهو باطل، يبدأ الإنسان في معاملاته أولاً في بيته مع أهله، إذا لم يفِ بالوعد، أو كانت معاشرته فيها نوع من التعالي، أو نوع من الامتنان، أو نوع من التقصير .
فكل ذلك عمل بالزور، أو إذا خرج إلى السوق يتعامل بالمعاملات المنهي عنها، وأعلاها: الربا، ثم التدليس، الغش، فالصانع في صنعته، والأجير في عمله، إذا لم ينصح ولم يؤدِ الواجب الذي عليه فهو عامل بالزور؛ لأنه يأخذ أجراً على غير ما عمل، مثلاً: كان مؤاجراً على يوم كامل، واليوم عمله ثمان ساعات أو عشر ساعات حسب العرف، وهو أخذ يراوغ حتى لم يعطِ من العمل إلا نصف الوقت، أو استئجر على بناية جدار أو صناعة شيء فدلس في البناء ولم ينصح، فمثلاً ربط اللبن بعضه ببعض، ولم يحسن العمل، أي نوع من الغش في الصنعة فهو عمل بالزور.
إذاً: الحديث يحث الصائم على أن يكون صومه -كما قال بعض السلف- عفيفاً كريماً، كما قال جابر : لا يصوم الإنسان حتى تصوم جوارحه.
وصوم الجوارح :
هي أن تصوم العين عن التطلع إلى المحرم، وإذا صادف أمامه شيئاً فجأة غض البصر، ولم يتبع النظرة النظرة، وكذلك إذا سمع قوماً يخوضون في حديث لا يرضي الله أعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإذا رأى جماعة يشتركون في عمل فيه فساد، سواء كان لفرد أو للجماعة أو للأمة من إتلاف المرافق العامة أو نحو ذلك فإنه إن سكت عن ذلك فهو أيضاً داخل في هذا الباب.

عظم ارتكاب الصائم للذنب
هذا الحديث يحمل الصائم على أن يكون مسلماً مثالياً؛ ولهذا يقول العلماء: هل النهي عن قول الزور به خاص برمضان فقط؟ يعني: هل بعد رمضان يكون كيفما شاء، ويعمل كيفما شاء؟ لا، هو محرم قبل أن يأتي رمضان، ومحرم في رمضان وفي غير رمضان، ولكن حرمته في رمضان أشد.
فكذلك قول الزور والعمل بالزور طيلة العام محرم، لكن إذا دخل رمضان فيجب أن يكون أطهر منه في غير رمضان، فإذا كان مرتكباً للزور في غير رمضان فيجب أن يستحي في رمضان ويتركه، وإذا لم يكن مرتكباً له في غير رمضان فمن باب أولى أن يحافظ على صومه، وأن يبتعد كل البعد عن قول الزور والعمل به.
وإذا أخذنا في الجملة بهذا، صار المجتمع الإسلامي في رمضان مجتمع حق، ومجتمع صدق، لا زور فيه، أفراده كلهم على الصدق، أفراده كلهم صادقون، وأفراده كلهم عفيفون، وأفراده كلهم كرام بررة، بعيدون عن الهزل، بعيدون عن المزاح، بعيدون عن الزور، كيف نتصور هذا المجتمع؟! أعتقد أنه يكون مجتمعاً مثالياً وفوق المثالية؛ لأنه تخلق بأخلاق الإسلام.
ويمكن أن نقول أيضاً: من معطيات الصوم تربية النفس على مكارم الأخلاق، وكل ركن في الإسلام نجد له معطيات أخلاقية، ففي الصوم في أول تشريعه في كتاب الله قال سبحانه: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183]، وهنا: ترك الزور قولاً وفعلاً.
وإذا جئنا إلى الصلاة نجد لها أيضاً عطاء وأثراً { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}
وإذا جئنا إلى الزكاة نجد لها عطاءً مزدوجاً { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103].
وإذا جئنا إلى الحج فكذلك الحال، وعلى كل فعطاء الصيام في الناحية النفسية وفي سلوك الإنسان أخلاقياً؛ عطاءً عظيماً.
معنى الجهل
قوله عليه الصلاة والسلام: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة ...) الجهل له مدلولان:
جهل ضد العلم
وجهل ضد الحلم،.
-جهل ضد العلم، فالجهل ضد العلم هو جهل الإنسان بما لا يعلم ويعلمه غيره.

وليس كل جهل مذمة، إذا كان في حدود الطاقة، وفي حدود العامة، هذا أمر عادي؛ لأن الناس كلهم لن يكونوا سواء في العلم، وهذا ليس مطلوباً؛ لأن العلم موجود في الأمة في أفرادها، وفي بعض الجماعات، ولكن الجهل أمر نسبي، ولا ينبغي للمسلم أن يكون جاهلاً جهلاً ضد العلم فيما يلزمه من ضروريات الدين:
لا يحق لإنسان أن يدعي الجهل بأحكام الصلاة؛ لأنها ضرورية وفرض عين.
كذلك لا يصح لإنسان أن يدعي الجهل أو يكون فعلاً جاهلاً بأحكام الصيام أو جاهلاً بأحكام الزكاة، ومعرفة الأنصباء إذا كان من أهلها، وكذلك من أراد أن يحج لا ينبغي له أن يكون جاهلاً بأحكام الحج، هذا من الناحية الدينية، ووجوب طلب العلم لما يلزمه عمله.
2-والجهل الثاني ضد الحلم، وهو:التعدي، الحماقة، إساءة الأدب، انتهاك الحرمات،
وقد قال الشاعر الجاهلي: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا الجهل هنا ضد الحلم، ومراده: لا يأتي إنسان يغضب علينا، فإذا غضب علينا إنسان غضبنا عليه أكثر من غضبه،فتكون:المقابلة بالمثل وزيادة،وهذا الجهل هو المراد هنا:(من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ) أي: ضد الحلم، ومنه تسمية ما قبل البعثة بالجاهلية،فكلمة (الجاهلية) ليست جهلاً عن كل علم،فالعرب كانت عندهم علوم الطب،وعلوم النجوم، وعلوم السير .
إذاً: فليدع الصائم العمل بالجهل، ولذا في الحديث: ( إذا سبه أحد أو شاتمه أحد فليقل: إني صائم ) ؛ لأنه إذا رد عليه خرج عن كونه حلم عنه إن جهل عليه، فيكون الجهل مسايرة من يشاتمه،ومن يسبه، ومن يعتدي عليه،لكن إذا انصرف عنه وقال: إني صائم.ترك الجهل.
أيها الإخوة! هذه الصفات: قول الزور، والعمل به في جميع الشئون، والعمل بالجهالة التي هي ضد الحلم، يجب أن يكون الصائم بعيداً منها، وأن يكون على سعة بال وسعة صدر، وحسن أخلاق؛ ليكون ذلك أدعى لكمال صومه، والله تعالى أعلم.
معنى قوله: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)
من لم يدع هذه الأشياء فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، إذا لم يتركها فليس لله حاجة في أن يصوم؛ لأنه صام عن جزئية من الصوم،والصوم صوم عن كل شيء نهى الله عنه، فمن لم يدع هذه الأشياء فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
سؤال: إذا تركها الإنسان، وأصبح المسلمون على أعلى مثالية في الآداب والأخلاق، فهل لله حاجة في ذلك؟
يقول الفقهاء: هل مفهوم المخالفة مراد في قوله: ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه؟
أي: فهل لله حاجة فيمن لم يرتكب ذلك؟ الجواب: لا، فالله سبحانه وتعالى غني عن عبادة العباد، وغني عن عمل العباد، وإنما مردود العمل راجع إليهم ( إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ) والله غني عن ذلك، لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين.
إذاً: ( فليس لله حاجة في أن يدع ...) ولكن المراد بهذا: أنت تركت الطعام والشراب، وهذا أنت مأمور به، ولكنك تذهب وترتكب قول الزور والعمل به والجهالة، وأنت منهي عنه، فهل إذا لم تأكل ولم تشرب وعملت بالزور، وفرت في خزائن الله زيادة؟ لا، لم يكن تركك الطعام والشراب لحاجة عند الله أو قلة في العطاء، أو لأنه يزيد في خزائنه، كل ذلك لا أصل له، إنما ليس هناك داع أو ليس هناك موجب لأن تبقى على ترك الطعام والشراب وأنت أفطرت بغيره،
كما جاء في حديث المرأتين اللتين صامتا في يوم حار، وسألتا رسول الله أن يسمح لهما بالفطر فأبى، وسمح لغيرهما ولم يسمح لهما، ثم استدعاهما وأحضر قدحاً وأعطاه للأولى وقال: قيئي في هذا.
فتقيأت، وما تقيأت طعاماً: دماً ولحماً عبيطاً -أي: طرياً- حتى تناصف القدح، ثم أعطاه للثانية ففعلت كذلك، ثم قال: ( تصومان عن الحلال -أي: الطعام والشراب- وتفطران على الحرام ) ، أي: على غيبة الناس، كانتا تأكلان لحوم الناس، فهذا الدم العبيط واللحم العبيط الذي قاءتاه من الغيبة: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } [الحجرات:12] ، فهما صامتا عن الطعام والشراب، وأكلتا لحوم المسلمين.
إذاً: هذا تناقض؛ ولهذا جاء الحديث بالعموم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ؛ لأنه لا فائدة له.
وبعض العلماء يقول: الغرض من هذا هو إبطال هذا الصوم وإن أسقط الفرض عنه، ولا نقول: عليه القضاء.
والعجب أن بعض الطوائف -وهم موجودون الآن- يقولون: من كذب على الله أو على رسوله في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة، ومن كذب على أحد من عامة الناس في نهار رمضان فعليه القضاء! ويدينون بذلك نظراً لهذا الحديث: ( فليس لله حاجة في أن يدع ) ويقولون: أي: ليس له حاجة في صومك، فصومك مردود، ويقولون: الكذب يبطل الصوم، فإن كذب على الخلق فعليه القضاء،وإن كذب على الله أو على رسوله فمع القضاء كفارة.
والله أسأل أن يحفظ لنا صيامنا.
تهذيب غريزة الغضبيا إخوان! هل العالم كله معصوم من قول الزور أو العمل به أو الجهل؟ قد يأتي إنسان يمتحن الإنسان -كما يقولون- ويغضب عليه ويصيح، هذه جهالة، ولكن هل أحد يسلم من هذه؟ الرسول لما قال للرجل: ( لا تغضب ) هل معنى ذلك: أن تخلص من غريزة الغضب؟ لا يمكن، من تخلص من غريزة الغضب فلا خير فيه؛ لأن غريزة الغضب تحمي الإسلام؛ لأن من لا غضب عنده ولا غيرة يرى المنكر أمامه ولا يحس به ولا يتغير له، فإذا كانت الغيرة والغضب والحمية موجودة فإنه لحميته ولغضبه ولغريزته تلك يتحرك، حمزة رضي الله تعالى عنه أول إسلامه حمية لرسول الله، قالت له المرأة: انظر ماذا فعل فلان مع ابن أخيك! قالت: رأيت أبا جهل يسب ابن أخيك، وكان آت من القنص بأداة الصيد، فذهب إلى الكعبة ووجد أبا جهل في نادي القوم، فضربه بالقوس على رأسه فشجه، وقال: أتسب محمداً وأنا على دينه؟ منذ متى كنت على دينه؟ الآن فقط، فهذه حمية وغيرة حركته إلى الخير.
وهكذا من فقد الغيرة وفقد غريزة الغضب فلا خير فيه، فهو ميت، لكن لا ينبغي التجاوز في ذلك؛ لأن التجاوز يأتي بضد النتيجة، يغضب لأقل شيء، يثور لأقل شيء، تأتيه الحمية لأبسط الأشياء لا، يجب أن يكون مع الاعتدال والوسطية، وكذلك المرأة إذا تسلطت عليها الغيرة من ضرتها أفسدت حياتها وحياة زوجها، لكن إذا كانت بقدر، وكانت بأمر في حدود الجبلة، فلا بأس، الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءته قصعة الطعام من عند حفصة في بيت عائشة ، و عائشة تعرف بأن حفصة كانت تحسن الطهي، فلما جاء الجارية بالقصعة ضربتها بيدها فسقطت القصعة فانكسرت، وتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: ( غارت أمكم ) .
فهذه غيرة، لكن ما تجاوزت حدها، صبت غضبها على القصعة، وما لمست حفصة بشيء، ولا لمست جانباً آخر بشيء، ولكن موضوع الغيرة هو القصعة، فجمع الطعام وأخذ قصعة من بيت عائشة وقال: ( قصعة بقصعة ) .
وتدارك المسألة.
إذاً: الجهالة لا ينبغي أن تتجاوز حدها، ولا ينبغي أيضاً أن تُطفأ وتُخبأ نارها؛ لأن الإنسان إذا فقد الحمية والغضب يكون فاقد الدفاع أو فاقد الإحساس .
طالبة التوحيد غير متواجد حالياً  
قديم 14-08-08, 10:19 PM   #9
طالبة التوحيد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 03-07-2006
المشاركات: 230
طالبة التوحيد is on a distinguished road
افتراضي تابع تفريغ الشريط الثالث

شرح حديث: (كان النبي يقبل وهو صائم)
قال رحمه الله: [ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه ) متفق عليه واللفظ لـ مسلم ، وزاد في رواية: ( في رمضان ) ].


ربط الحديث بأبواب الكتاب
المناسبة بين هذا الحديث والذي قبله، أنه لما نهى عن قول الزور والعمل به والجهالة ربما يظن بعض الناس بأن ملاطفة، ومداعبة الزوجة من هذا الباب، ويجب أن يترك، فجاء المؤلف بهذا الحديث ليبحث حكم ملاطفة الزوجة بصفة عامة، والملاطفة لا حد لها،ما دامت بعيدة عن علبة اللؤلؤ كما يقولون.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان وهو معتكف يقدم رأسه لـ عائشة ، سريره في الروضة ورأسه في البيت، وتمشط شعره وتدهنه، وهذا العمل من أحسن المداعبة أو المؤانسة للزوجة، ويعجبها أن تجد فرصة مع زوجها بهذه الحالة.
لماذا ضحكت عائشة –رضي الله عنها-؟
كأنه من حلاوة النسبة إليها هي؛ لأن الحدث كان معها هي، وما كان أحد يراه يقبل زوجاته في بيوتهن، إذاً: أخبرت بما وقع معها، وكونه صائماً ويقبلها هذا معناه زيادة معزة ومحبة لها.
اختلاف العلماء في حكم القُبلة للصائم
اختلف العلماء في القبلة للصائم، فهناك:
1- هناك من يمنع مطلقاً، ويقول: من قبل فعليه القضاء.
2- وهناك من يبيح مطلقاً دون أن ينظر إلى شيء، بل قال: إنه مستحب كما قال ابن حزم
3- وهناك من يقول: ليس على الإطلاق، إنما ينظر الشخص في حالة نفسه، وكذلك المفتي يجيز للبعض بنظره واجتهاده، فتباح لمن يملك إربه، وتمنع لمن لا يملك إربه.

أمر مهم:
الفقهاء يذكرون تبعاً للقبلة: أنه من دواعي المؤانسة مع المرأة أن يمتص لسانها، فإذا امتص لسانها هل له أن يبتلع ريقه بعد هذا الامتصاص؟ قالوا: لا؛ لأن هذا إدخال شيء غريب إلى جوفه.
إذاً: القبلة من الخارج ليس فيها ريق، وليس فيها سائل، وليس فيها شيء، لكن إذا امتص لسانها فيحتاط، ولا يبلع الريق في هذه الحالة.

قال المصنف رحمه الله:[ وعن شداد بن أوس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم ) رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه أحمد و ابن خزيمة و ابن حبان ].
ما حكم صيام الحاجم والمحجوم؟1-
1-حُمل على أنه فطر حقيقي، ومشى على هذا الحنابلة.
2- وحمله الجمهور على أنهما أوشكا أن يفطرا.
أما الحاجم : فلإمكان سبق الدم إلى حلقه فجوفه، وهذا نظيره حديث لقيط بن صبرة حيث جاء في باب الوضوء: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) لماذا؟ لأن المبالغة في الاستنشاق قد تنزل الماء إلى داخل أنفه، فيصل إلى الدماغ، فينزل إلى الحلق فيبطل صومه، فالنهي عن المبالغة في الاستنشاق للصائم تحفظاً على صومه من أن يسبقه الماء إلى حلقه فجوفه فيبطل صومه، وكذلك هنا منع الحاجم أن يحجم أحداً تحفظاً على صومه من أن يسبقه الدم إلى حلقه فإلى جوفه فيفسد صومه.
أما المحجوم : فهو تحفظ عليه؛ لأن في الحجامة إخراج الدم، والإنسان إنما يسير بالدم، فالدم في الجسم هو حياة الإنسان، ويسمى الدم نفْساً كما في قولهم: ( ما لا نفْس له سائلة إذا مات في السمن لا ينجسه) فإذا احتجم الإنسان يضعف قليلاً، وقد يحجمه من لا يعرف قانون الحجامة، فيسحب كل الدم، فحينئذ ينهي دم صاحبه، وقد يموت بين يديه! ولكن الخبراء في عمل الحجامة يعرفون المقدار الذي يؤخذ، وفي أي موضع من المواضع، إما بتغير لون الدم، وإما بتغير ريحه، ويعرفون الموضع الذي يحجم فيه كم يمكن أن يؤخذ منه، ويراعون سن المحجوم، فهؤلاء لهم خبرة، فإذا لم يكن الحاجم ذا خبرة، أو أخطأ في خبرته، وتجاوز حد ما يؤخذ من الدم، فحينئذ يكون المحجوم على خطر.
الراجح:فـ(أفطر الحاجم والمحجوم) أي: أوشكا أن يفطرا .

شرح حديث: (رخص النبي بعد في الحجامة للصائم)
قال رحمه الله: [ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم ) رواه الدارقطني وقواه ].


ربط الحديث بالأحاديث السابقة:
انظروا إلى فقه المؤلف رحمه الله! ساق لنا الأحاديث التي بينها التعارض: ذكر أولاً حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم احتجم، ثم حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) . ثم ختم البحث بحديث أنس ، ماذا في حديث أنس ؟ أنس ممن روى الحجامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سئل: (أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا إبقاءً عليه)
فحديث أنس هذا فصل الخطاب.[ قال: ( أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ) ].
حديث أنس فيه فصل الخطاب:
انظروا إلى عرض أنس رضي الله تعالى عنه! لم يقل: رخص النبي بالحجامة للصائم لا.
- بل أتانا بتاريخ الحجامة شرعاً: ( أول ما كرهت الحجامة ) يعني: هو مستوعب لفقه الحجامة من أولها، ما أولها؟ (أول ما كرهت) يعني قبل قصة جعفر لم تكن مكروهة، كانت ماضية في سبيلها، وأول ما كرهت لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جعفر يحتجم، فقال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) .
-قال: [ ( فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ) ].
لما أخبرنا أنس رضي الله تعالى عنه عن بداية كراهية الحجامة بسبب احتجام جعفر رضي الله تعالى عنه، ومرور النبي صلى الله عليه وسلم به وهو يحتجم بالفعل، وقوله لهما: ( أفطر هذان )؛ يأتي أنس بالحكم العملي والفقهي: (ثم رخص بعد ذلك) ثم رخص بعد ذلك في الحجامة للصائم.

إذاً: تكون الحجامة للصائم رخصة، والرخصة تستعمل عند الحاجة، فإذا كان الصائم في حاجة إلى الحجامة نهاراً فعنده رخصة باستعمالها، ولا قضاء عليه، أما إذا كان في غنىً عنها، وعنده ما ينوب عنها، أو عنده سعة ويمكن أن يؤجلها إلى الليل فليست له رخصة فيها، بل يتركها لغيرها أو يتركها لوقت آخر ليس هو فيه صائم،
-وتقدم لنا عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ينظر في حالة الشخص الذي يريد أن يحتجم: إن كان يستطيع أن يتحمل أثر الحجامة من الضعف والفتور، ولا يلجأ إلى الفطر؛ فلا مانع، وإن كان لا يستطيع ذلك فيمتنع من الحجامة.
وهكذا سماها أنس رضي الله تعالى عنه رخصة للصائم، يعني: لا تستعمل إلا عند الحاجة الداعية إليها، والله تعالى أعلم .

شرح حديث: (اكتحل في رمضان وهو صائم)
قال رحمه الله: [ وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم ) رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف، وقال الترمذي : لا يصح في هذا الباب شيء ].


ربط الحديث بأحاديث الكتاب:
هذا مما يتعلق بما يكره للصائم وما يجوز، وقد تكلمنا عن الحجامة، وذكرنا الخلاف الخفيف فيها، وقول أنس : إنها رخصة للصائم عند الحاجة، ثم أتى المؤلف بموضوع الاكتحال، وأتى بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل )،و(اكتحل): افتعل بوضع الكحل، والكحل محله العين،
ماحكم الاكتحال؟
ومن هنا أخذ بعض العلماء أن الاكتحال لا يضر الصائم.
ولكن نص بعض العلماء أن الكحل له حالتان:
حالة يكون خفيفاً جداً لا يتعدى موضعه.
وحالة يصل فيها إلى الحلق، فإذا كان يصل إلى الحلق فقد أفطر الصائم؛
ولذا نص الحنابلة على أن من المبطلات والمفسدات للصوم: إذا اكتحل بما يصل إلى الجوف، وهناك أشياء تسري، وهناك أشياء لا تتعدى موضعها، ولكن تمنع سداً للباب، وجاءت آثار فيها النهي عن الاكتحال بالإثمد المطيب، أو الإثمد المروح.
فمن أجاز الاكتحال للصائم قال: النهي عن نوع خاص وهو الإثمد المروح -يعني: الذي فيه رائحة طيبة-؛ لأن الصائم ممنوع من استعمال الروائح الطيبة، ولكن الإثمد مهما كان مروحاً لا يصل إلى حد أن يمنع الصائم منه من أجل الرائحة، وكراهية الروائح الطيبة للصائم إنما هي من قبيل باب القُبلة، قالوا: لأن عرقا الخصيتين في الإنسان مرتبطة بالأنف، فإذا شم رائحة زكية تحرك عليه العرقان؛ فمنعوا من الروائح الطيبة الصائم والحاج، فالحاج إذا أحرم لا يحق له أن يتطيب؛ لأنه مدعاة إلى الإثارة، إذاً: الطيب من حيث هو ليس ممنوعاً، ولكن الممنوع موجب الإثارة، ومهما يكن في الإثمد من رائحة لا تصل إلى الحد الذي يثير عند صاحبه شيئاً.

العلة من النهي للاكتحال للصائم:
إذاً: النهي عن الاكتحال إنما هو لكونه في العين، والعين منفذ، فإذا وصل إلى الحلق -كما قال الحنابلة- فإنه حينئذ يكون قد أدخل شيئاً إلى الجوف عامداً، وحينئذ يمتنع عليه أن يكتحل.
ما يلحق بالكحل:
والذين يقولون بأن الكحل يؤثر على الصوم يلحقون به:كل معالجة للعين ما عدا الماء،
فيمنعون الَصِبر للعين،
وكذا التوتياء أو الششم أو القطرة، أو أي محلول فيه مادة كيماوية، ويجعلون كل نوع من أنواع المعالجات التي تصل إلى الحلق تابعة للإثمد.
ما يستثنى من المعالجات
أما علاج العين بالماء فهذا أمر جائز، والإنسان يغسل وجه في الوضوء أكثر من مرة، ومن أنواع علاج العين بالماء: إذا كانت هناك رجرجة أو كانت هناك حرارة، أن تأخذ كأساً من الماء البارد العادي، وكما يقول بعض الأطباء: يبيته في الخلاء في الليل، ثم يأخذه صباحاً، ويفتح العين فيه، ويكون الإناء مليئاً بالماء، ويضعه على بؤبؤ العين، ويحرك حاجبيه أو رمشيه، فيدخل الماء البارد تحت الحاجب هنا أو تحت الرمش -كما يقولون- ويصل إلى شحمة العين، فيستخلص الحرارة منها، هذا نوع من العلاج، وينفع من ضعف البصر في بعض الأحيان، لكن لا دخل له ولا سريان له إلى الدماغ.
إذاً: الكحل للصائم ممنوع، ويلحق به كل ما له نفوذ من العين إلى الجوف، واعتبروا العين منفذ، والأنف منفذ، والأذن عند الحنابلة أيضاً منفذ، وكل دواء لهذه الجهات أو عن طريقها يصل أثره إلى الحلق فهو مبطل للصوم، والله تعالى أعلم.

شرح حديث: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه)
قال رحمه الله: [ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه ) متفق عليه.
و للحاكم ( من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ) ، وهو صحيح ].


ربط الحديث بالباب:
ذكر المؤلف رحمه الله من مبطلات الصيام الحجامة، والكحل، ثم جاءنا بمن أفطر أو أكل ناسياً، وكذلك أيضاً إذا احتجم ناسياً أو اكتحل ناسياً.

فما حكم من تعاطى مبطلاً للصوم ناسياً بصفة عامة؟
يأتي المؤلف رحمه الله بهذا الحديث: ( من أكل أو شرب وهو صائم ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) هذا الحديث يعتبر منة من الله سبحانه وتعالى، ولطفاً من الله، فإنه لا يؤاخذ الإنسان في نسيانه: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } [البقرة:286] ،وقال صلى الله عليه وسلم: ( رفع لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .

فإذا نسي الإنسان صومه، وتناول الماء تلقائياً وشرب، أو تناول الأكل تلقائياً وأكل، ثم تنبه بأنه صائم، ماذا يفعل؟ الحديث يقول: ( فليتم )، تذكر أنه صائم فليمسك، ويتم صومه بقية يومه، ولا يفطر بما أكله، قال الله: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187] ، والذي أكل أو شرب في نهار رمضان ما أتم الصوم، بل قطعه، لكن الحديث صريح بأن الإنسان يتم صومه، وأنه فضل من الله، وقد أطعمه الله وسقاه.

وقوله: ( أطعمه الله وسقاه ) هنا واضح، أكل وشرب حتى ولو شبع، كما في بعض الآثار أن جارية دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده ذو اليدين وهما يفطران، فقال: ( هلم إلى الطعام ) ، فجلست وأكلت، ولما انتهوا قالت: أوه! أنا كنت صائمة، نسيت.
فقال لها: أبعدما شبعتِ؟! فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: ( أتمي صومك؛ فإنما أطعمك الله وسقاك ) .
إذاً: تفسير: ( أطعمه الله وسقاه ) واضح، أطعمه ما أكل، وسقاه ما شرب، فالإطعام والسقيا هنا حقيقة واقعية لا تحتاج إلى تأويل، بخلاف ( لي طاعم يطعمني، وساق يسقيني ) ، فهناك فيه الإشكال، أما هنا فلا إشكال، أطعمه الله، أي: ساق له الطعام، وعفا له عن أثره، وصحح له الصيام، فهذه منحة جاءته من حيث لا يعلم.
هل من أكل أو شرب ناسيا عليه قضاء ذلك اليوم؟
والأئمة الثلاثة أبو حنيفة و الشافعي و أحمد رحمهم الله يقولون: من أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه، ويتم صومه ولا شيء عليه.
و مالك رحمه الله يقول: عليه قضاء يوم مكانه.
لماذا -يا مالك - فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أطعمه الله وسقاه ) ؟ قال: نعم، ولكن لم يقل: وليس عليه قضاء.
بل قال له: ( يتم صومه )، وكونه يتم صومه فصومه ماض، لكن في بعض الروايات: ( ولا قضاء عليه ) قال: لا تصح، والله تعالى يقول: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة:187]، وهذا لم يتم، ( أطعمه الله وسقاه ) هذه نعمة من الله، وأنه لم يؤاخذه على الأكل والشرب في رمضان؛ لأنه لو أكل أو شرب عامداً لكان عليه القضاء، ومع القضاء كفارة؛ لأن مالكاً يوجب الكفارة بالأكل والشرب، خلافاً لمن لا يوجبها إلا بالجماع.
فـ مالك أخذ الحديث على الرخصة أو على العفو، وطالب من أكل ناسياً بيوم مكان اليوم،
ولكن الصحيح الواضح أن من أكل أو شرب ناسياً فإنه يتم صومه، وصومه كامل، ولا قضاء عليه، والله تعالى أعلم .
طالبة التوحيد غير متواجد حالياً  
قديم 14-08-08, 11:01 PM   #10
طالبة التوحيد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 03-07-2006
المشاركات: 230
طالبة التوحيد is on a distinguished road
افتراضي

شرح حديث: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه)
[ وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء ) رواه الخمسة، وأعله أحمد ، وقواه الدارقطني ].


ربط الحديث بأحاديث الباب
يسوق المؤلف رحمه الله تعالى في مباحث ما يمنع أو يباح في الصوم ما يتعلق بالقيء، والقيء: هو لفظ المعدة لما فيها من الطعام عن طريق الفم.

معنى ذرعه:
ومعنى: (ذرعه) أي: غلبه، تقول: ضقت بالأمر ذرعاً.
أي: غلبت عليه، فمن غلبه القيء، وخرج بدون رغبة منه ولا إرادة له وهو صائم فإن صومه صحيح، ولا قضاء عليه، سواء كان هذا القيء قليلاً أو كثيراً، تغير أو لو لم يتغير.

الفرق بين القي والقلس؟
القلس: هو أن تخرج المعدة عند امتلائها شيئاً من الماء ملء الفم أو دون ذلك، فهذا يسمى قلساً.
ويكون حديث عهد بأكله وبتناوله.
أما القيء: فيكون الطعام قد تغير لمكثه في المعدة، وكما قيل: إن المعدة تعمل آلياً وكيميائياً، آلياً بمعنى: أنها تتحرك بنفسها على الطعام كالرحا تطحنه، وكيميائياً ما يأتيها من إفراز من المرارة، فإنه يساعد على هضم الطعام، كالحمضيات مثلاً تساعد على إذابة الأجرام، فإذا ما عملت المعدة في الطعام ثم طرأ عليها عدم ارتياح لهذا الطعام، وقد يكون شيء طارئ يتقدمه مثل المغص أو القلق النفسي، أو أسباب أخرى، فلا تقبل الطعام، فتتقلص وتدفعه، فهذه الحالة إذا وقعت بالصائم فهو لم يتسبب فيها، ولم يكن له عمل فيها، ولا رغبة منه، فهذا لا قضاء عليه.

ما معنى استقاء؟
وقوله: (استقاء): الهمزة والسين والتاء -كما يقولون- للطلب، كما تقول: (أستغفر الله) أي: أطلب الله الغفران. (من استقاء) يعني هو الذي طلب القيء بنفسه، وذلك حينما يحس بازدحام الطعام، وإرهاق النفس، وعدم الارتياح، فإنه لا يريحه إلا إخراج الطعام من المعدة، ويسميه الأطباء القدامى (استفراغ) أي: افراغ المعدة مما ازدحم فيها، وقد تكون بالمعدة بعض الأشياء الصفراء والسوداء، وكانوا يعالجون الجسم على حسب تلك الطبائع، فإذا كان بالمعدة شيء من ذلك، وغالباً يكون قديماً، فيأتيها شيء من الطعام لا يوافقها، إما لدهنيات، إما لقلويات، إما لأشياء أخرى، فلا تستطيع المعدة أن تهضمها، ولا يستطيع هو أن يتحمل غثاء المعدة، فلا يجد له راحة إلا استفراغ بعض ما في المعدة.
ما حكم الاستسقاء،وحكم القيء؟
فإذا استقاء هو -أي: حاول وطلب القيء- فإنه يبطل صومه وعليه القضاء،
إذا ذرعه القيء فلا قضاء.

القضية واحدة(الاستقاء-القي) وهي إخراج الطعام من المعدة، ذرعه أو استقاءه! فما الفرق بينهما؟
العلة في طبيعة إخراج هذا الطعام؛ لأنه إذا ذرعه القيء فمعناه: أن المعدة هي التي تقلصت ودفعت الطعام عنها، فيكون دفعها قوياً، وتخرج الطعام على دفعات فلا ترجع منه شيئاً إليها.
أما إذا استقاء فكأنه يسحبه من عنده، وقد يخرج البعض وقد يرجع البعض؛ فلاحتمال رجوع بعض الطعام ممن يستقيء، ورجوع الطعام بعدما يصل إلى الحلق، ورجوعه إلى الجوف مرة أخرى كأنه أدخل الطعام من جديد، فيكون ذلك مفطراً.

كيف يكون الاستقاء،أو الاستفراغ؟
والاستقاء أو الاستفراغ يكون بأحد أمرين:
1- إما بتعاطي ما طبيعته أنه يثير القيء.
2- وإما بإدخال جرم إلى الحلق.
ويجعل عنده قدحاً فتلقي المعدة ما فيها.
وإذا كان صائماً فلا يستطيع أن يتعاطى ما يثير القيء مثل الماء الدافئ الذي فيه قليل من الملح، أو نترات النحاس، أو بعض الأشياء التي يذكر الأطباء أنها تجعل الإنسان يستفرغ حالاً، فالصائم لا يتناول شيئاً من هذا؛ لأن تناوله إياه يفطره قبل أن يستقيء.فإذا وضع إصبعه أو أدخل جرماً إلى حلقه فأثار المعدة فخرج القيء، ففي هذه الحالة يُبطل صومه، ويمسك بقية يومه، وعليه القضاء.

حكم خروج المني من الصائم حال يقظته،وحال احتلامه وهو نام؟
لاشيء عليه حال نومه لأنه لم يتسبب في إخراجه، أما إذا باشر أو تسبب في إخراج المني يقظة فهناك الكلام في القضاء والكفارة.
طالبة التوحيد غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ملخص صفحة اسئلة مراجعة كتاب الصيام أم عبيدة السلفية فقه الصيام 3 28-06-13 10:10 PM
الدليل إلى المتون العلمية أمةالله المتون العلمية 58 17-01-08 10:11 PM


الساعة الآن 02:04 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .