26-09-06, 07:53 PM | #1 |
~ كن لله كما يُريد ~
|
تدبر القرآن .. لماذا .. وكيف ؟
تدبر القرآن .. لماذا .. وكيف ؟
************************ القرآن هادي البشرية ومرشدها ونور الحياة ودستورها ، ما من شيء يحتاجه البشر إلا وبيَّنه الله فيه نصاً أو إشارة أو إيماءاً ، عَلِمه مَنْ عَلِمه ، وجهله من جهله . ولذا اعتنى به صَحْبُ الرسول صلى الله عليه وسلم وتابعوهم تلاوة وحفظاًوفهماً وتدبراً وعملاً . وعلى ذلك سار سائر السلف . ومع ضعف الأمة في عصورها المتأخرة تراجع الاهتمام بالقرآن وانحسر حتى اقتصر الأمر عند غالب المسلمين على حفظه وتجويده وتلاوته فقط بلا تدبر ولا فهم لمعانيه ومراداته ، وترتب على ذلك ترك العمل به أو التقصير في ذلك ، ( وقد أنزل الله القرآن وأمرنابتدبره ، وتكفل لنا بحفظه ، فانشغلنا بحفظه وتركنا تدبره ) وليس المقصود الدعوة لترك حفظه وتلاوته وتجويده ؛ ففي ذلك أجر كبير ؛لكن المراد التوازن بين الحفظ والتلاوة والتجويد من جهة وبين الفهم والتدبر . ومن ثم العمل به من جهة أخرى كما كان عليه سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى - . ولذا فهذه بعض الإشارات الدالة على أهمية التدبر في ضوء الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح . أما التدبر فهو كما قال ابن القيم : ( تحديق ناظر القلب إلى معانيه ، وجمع الفكر على تدبره وتعقله ) وقيل في معناه : ( هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميها البعيدة ) أولاً : منزلة التدبر في القرآن الكريم : ************************* 1- قال الله - تعالى - : " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكرأولوا الألباب " ص : 29] في هذه الآية بين الله - تعالى - أن الغرض الأساس من إنزال القرآن هو التدبر والتذكر لا مجردالتلاوة على عظم أجرها . قال الحسن البصري : ( والله ! ما تدبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتىإن أحدهم ليقول : قرأت القرآن كله ، ما يُرى له القرآنُ في خُلُق ولا عمل ) . 2- قال - تعالى - :" أفلا يتدبرون القرآن .... " النساء : 82] . قال ابن كثير : ( يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة : أفلا يتدبرون القرآن ) ، فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب . 3- قال - تعالى - : " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به"[البقرة : 121] . روى ابن كثير عن ابن مسعود قال : ( والذي نفسي بيده ! إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ) . وقال الشوكاني : ( يتلونه : يعملون بما فيه ) ولا يكون العمل به إلا بعد العلم والتدبر . 4 - قال - تعالى - : " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون " [البقرة : 78] . قال الشوكاني : ( وقيل : (الأماني : التلاوة) أي : لا علم لهم إلا مجرد التلاوة دون تفهم وتدبر ) ، وقال ابن القيم : ( ذم الله المحرفين لكتابه والأميين الذين لايعلمون منه إلا مجرد التلاوة وهي الأماني ) . 5 - قال الله - تعالى - : " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذاالقرآن مهجورا" [الفرقان : 30] . قال ابن كثير : ( وترك تدبره وتفهمه من هجرانه ) . وقال ابن القيم : ( هجر القرآن أنواع ... الرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفةما أراد المتكلم به منه ) . ثانياً : ما ورد في السنة في مسألة التدبر : *************************** 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلانزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ) . فالسكينة والرحمة والذكر مقابل التلاوة المقرونة بالدراسة والتدبر .أما واقعنا فهو تطبيق جزء من الحديث وهو التلاوة أما الدراسة والتدبر فهي- في نظر بعضنا - تؤخر الحفظ وتقلل من عدد الحروف المقروءة فلا داعي لها . 2 - روى حذيفة - رضي الله عنه - : ( أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكان يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ) .فهذا تطبيق نبوي عملي للتدبر ظهر أثره بالتسبيح والسؤال والتعوذ . 3 - عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " ) [المائدة : 118] .فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم التدبر على كثرة التلاوة ، فيقرأ آيةواحدة فقط في ليلة كاملة . 4 - عن ابن مسعود قال : ( كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ) فهكذا كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم الصحابة القرآن : تلازم العلم والمعنى والعمل ؛ فلا علم جديد إلا بعد فهم السابق والعمل به . 5 - لما راجع عبد الله بن عمرو بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن لم يأذن له في أقل من ثلاث ليالٍ وقال : ( لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ) فدل على أن فقه القرآن وفهمه هو المقصود بتلاوته لا مجرد التلاوة . 6 - وفي الموطأ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة يجهر فيها فأسقط آية فقال : يا فلان ! هل أسقطتةفي هذه السورة من شيء ؟ قال : لا أدري . ثم سأل آخر واثنين وثلاثة كلهم يقول :لا أدري ، حتى قال : ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله فما يدرون ما تلي منه مماترك ؟ هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل فشهدت أبدانهم وغابت قلوبهم ؛ ولا يقبل الله من عبد حتى يشهد بقلبه مع بدنه ) . |
26-09-06, 07:59 PM | #2 |
~ كن لله كما يُريد ~
|
ثالثاً : ما ورد عن السلف في مسألة التدبر :
************************** 1 - روى مالك عن نافع عن ابن عمر قال : ( تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة ، فلما ختمها نحر جزوراً ) . وطول المدة ليس عجزاً من عمر ولا انشغالاً عن القرآن ؛ فما بقي إلا أنه التدبر . 2 - عن ابن عباس قال : ( قدم على عمر رجل فجعل عمر يسأل عن الناس فقال : يا أمير المؤمنين ! قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا ، فقلت : والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة . قال : فزبرني عمر ، ثم قال : مه !فانطلقت لمنزلي حزيناً فجاءني ، فقال : ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفاً ؟ قلت : متى ما يسارعوا هذه المسارعة يحتقوا - يختصموا : كلٌ يقول الحق عندي - ومتى يحتقوا يختصموا ، ومتى اختصموا يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا ، فقال عمر : لله أبوك ! لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها ) ، وقد وقع ما خشي منه عمر وابن عباس - رضي الله عنهما - فخرجت الخوارج الذين يقرؤون القرآن ؛ لكنه لا يجاوز تراقيهم . 3 - عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : ( كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورةونحوها ورزقوا العمل بالقرآن ، وإن آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن ، منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به . وفي هذا المعنى قال ابن مسعود : إنا صعب عليناحفظ ألفاظ القرآن ، وسهل علينا العمل به ، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به ) . 4 - قال الحسن البصري : ( إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ، وما تدبُّر آياته إلا باتباعه ، وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول : لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفاً وقد - والله ! - أسقطه كله ما يُرى القرآن له في خلق ولا عمل ، حتى إن أحدهم ليقول : إني لأقرأ السورة في نَفَسٍ ! والله ! ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الوَرَعة متى كانت القراء مثل هذا ؟ لا كثَّر الله في الناس أمثالهم ) . 5 - وقال الحسن أيضاً : ( نزل القرآن ليُتَدَبَّر ويعمل به ؛ فاتخذوا تلاوته عملاً . أي أن عمل الناس أصبح تلاوة القرآن فقط بلا تدبر ولا عمل به . 6 - كان شعبة بن الحجاج بن الورد يقول لأصحاب الحديث : ( يا قوم ! إنكم كلما تقدمتم في الحديث تأخرتم في القرآن ) . وفي هذا تنبيه لمن شغلته دراسة أسانيد الحديث ومسائل الفقه عن القرآن وتدبره أنه قد فقد توازنه واختل ميزانه . 7 - عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : ( لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ (إذا زلزلت) و (القارعة) لا أزيد عليهما أحب إليَّ من أن أهذَّ القرآن ليلتي هذّاً . أو قال : أنثره نثراً ) . 8 - قال ابن القيم : ( ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته ؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهاوعلى طرقاتهما وأسبابهما وثمراتهما ومآل أهلهما ، وتتل في يده مفاتيح كنوزالسعادة والعلوم النافعة ، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه ، وتريه صورة الدنيا والآخرةوالجنة والنار في قلبه ، وتحضره بين الأمم ، وتريه أيام الله فيهم ، وتبصره مواقع العبر ، وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه ومايبغضه وصراطه الموصل إليه وقواطيع الطريق وآفاته ، وتعرفه النفس وصفاتهاومفسدات الأعمال ومصححاتها ، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة . فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها ، وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فيها ، وتميزله بين الحق والباطل في كل ما يختلف فيه العالم ، وتعطيه فرقاناً ونوراً يفرق بهبين الهدى والضلال ، وتعطيه قوة في قلبه وحياة واسعة وانشراحاً وبهجة وسروراًفيصير في شأن والناس في شأن آخر ؛ فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل ، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل ، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل ، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل ، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها ؛ لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل ، وتناديه كلما فترت عزماته : تقدمَ الركبُ ، وفاتك الدليل ، فاللحاقَ اللحاقَ ، والرحيلَ الرحيلَ ) . فاعتصم بالله واستعن به وقل : ( حسبي الله ونعم الوكيل ) . وحتى نتدبر القرآن فعلينا : ******************* 1- مراعاة آداب التلاوة من طهارة ومكان وزمان مناسبين وحال مناسبةوإخلاص واستعاذة وبسملة وتفريغ للنفس من شواغلها وحصر الفكر مع القرآن والخشوع والتأثر والشعور بأن القرآن يخاطبه . 2- التلاوة بتأنٍ وتدبر وانفعال وخشوع ، وألا يكون همه نهاية السورة . 3- الوقوف أمام الآية التي يقرؤها وقفة متأنية فاحصة مكررة . 4- النظرة التفصيلية في سياق الآية : تركيبها - معناها - نزولها - غريبها- دلالاتها . 5- ملاحظة البعد الواقعي للآية ؛ بحيث يجعل من الآية منطلقاً لعلاج حياته وواقعه ، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به . 6- العودة إلى فهم السلف للآية وتدبرهم لها وتعاملهم معها . 7- الاطلاع على آراء بعض المفسرين في الآية . 8- النظرة الكلية الشاملة للقرآن . 9- الالتفات للأهداف الأساسية للقرآن . 10- الثقة المطلقة بالنص القرآني وإخضاع الواقع المخالف له . 11- معايشة إيحاءات النص وظلاله ولطائفه . 12- الاستعانة بالمعارف والثقافات الحديثة . 13- العودة المتجددة للآيات ، وعدم الاقتصار على التدبر مرة واحدة ؛فالمعاني تتجدد . 14- ملاحظة الشخصية المستقلة للسورة . 15- التمكن من أساسيات علوم التفسير . 16- القراءة في الكتب المتخصصة في هذا الموضوع مثل كتاب : (القواعد الحسان لتفسير القرآن) للسعدي ، وكتاب (مفاتيح للتعامل مع القرآن) للخالدي ،وكتاب (قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله - عز وجل) لعبد الرحمن حبنكة الميداني ،وكتاب (دراسات قرآنية) لمحمد قطب . وبــعــد ...... فما درجة أهمية تدبر القرآن في عقولنا ؟ وما نسبة التدبر في واقعناالعملي فيما نقرؤه في المسجد قبل الصلوات ؟ وهل نحن نربي أبناءنا وطلابنا علىالتدبر في حِلَق القرآن ؟ أم أن الأهم الحفظ وكفى بلا تدبر ولا فهم ؛ لأن التدبر يؤخر الحفظ ؟ما مقدار التدبر في دروس العلوم الشرعية في المدارس ، خاصة دروس التفسير ؟ وهل يربي المعلم طلابه على التدبر ، أم على حفظ معاني الكلمات فقط ؟ تُرى ... ما مرتبة دروس التفسير في حِلَق العلم في المساجد : هل هي في رأس القائمة ، أم في آخرها - هذا إن وجدت أصلاً ؟ما مدى اهتمامنا بالقراءة في كتب التفسير من بين ما نقرأ ؟لماذا يكون همُّ أحدنا آخر السورة ، وقد نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ومتى نقتنع أن فوائد التدبر وأجره أعظم من التلاوة كهذ الشعر ؟ أسئلة تبحث عن إجابة ؛ فهل نجدها لديك ؟ بقلم / أحمد البقمي ...... طريق الإيمان |
30-09-06, 08:43 PM | #3 |
معلمة بمعهد خديجة
|
[glint]بوركتِ يا غالية
ورزقتِ سعادة الدارين جزيتِ الفردوس[/glint] |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي | مسلمة لله | روضة آداب طلب العلم | 31 | 02-08-16 12:15 PM |
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين | أم خــالد | روضة القرآن وعلومه | 15 | 14-02-10 02:56 AM |
نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به | طـريق الشـروق | روضة القرآن وعلومه | 8 | 22-12-07 03:50 PM |