العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة اللغة العربية وعلومها

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-08-06, 12:37 AM   #1
أم هشام
نفع الله بك الأمة
c8 أهمية اللغة العربية وحاجة العلوم الشرعية إليها

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد شرّف اللغة العربية وخصها بأمرين عظيمين حيث أنزل كتابه بها واصطفى رسوله من أهلها والناطقين بها، فكانت بذلك وعاء لأصْلَي الإسلام العظيمين: القرآن والسنة. وقد أدرك سلف هذه الأمة الصالح هذه الحقيقة العظيمة فاحتفوا باللغة العربية وأنزلوها المكان اللائق بها وبقدسيتها، وأوجبوا تعلّمها وتعليمها على أنفسهم وأبنائهم، ولم يسمحوا لأنفسهم بالتساهل فيها لأنهم رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم يندب أصحابه بقوله: «أرشدوا أخاكم فقد ضل» عندما لحن رجل في حضرته. ورأوا الفاروق رضي الله عنه تتوالى عه التوجيهات في ذلك، فيكتب إلى أبي موسى الأشعري بقوله: «تعلّموا العربية فإنها من دينكم.. وأعربوا القرآن فإنه عربيّ». ويكتب له في مناسبة أخرى عندما ورده منه كتاب أخطأ فيه كاتبه: «قنّع كاتبَك سوطاً». ويشتد غضبه ويعظم نكيره عندما سمع أعرابياً يقرأ آية سورة براءة: «أن اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولُه..» بجر اللام في (رسوله) ويقول: وأنا بريء مما برئ اللهُ منه. فقال له عمر: ويحك يا أعرابي، كيف تبرأ من رسول الله؟ فقال الأعرابي: ذاك ما علمنيه أصحابُك. فقد قدمتُ إلى المدينة ولا علمَ لي بالقرآن، فأقرأني بعضُ أصحابك هذه الآية كما سمعتَها مني. فقال له عمر: إنها ليست كذلك، وإنما هي (ورسولُه) بضمة على اللام. فقال الأعرابي: وأنا بريء مما برئ اللهُ ورسولُه منه. فأمر عمرُ بعد ذلك بأن لا يقريء القرآن إلا من له إلمام بالعربية. وكل الذي تصدّوا للتفسير من العلماء صدّروا تفاسيرهم بمقدمات أبانوا فيها عن أهمية اللغة العربية لمن يريد أن يتصدى لتفسير القرآن. وذكر السيوطي في «الإتقان» أن على المفسر أن يكون –قبل البدء في التفسير- على إلمام بخمسة عشر علماً، أولها: علم اللغة العربية، وثانيها: علم النحو، ثالثها: علم الصرف.. إلى آخرها. فهذه العلوم الثلاثة التي [ذكرها][2] السيوطي في [كتابه][3] كلها تندرج تحت مسمى عام واحد هو علم اللغة العربية.

وما قيل بصدد المشتغلين بالقرآن وتفسيره، يقال مثله للمشتغلين بالسنة وبيانها وشرحها، ذلك أن القرآن والسنة نصّان عربيان يتسنّمان الذروة في البلاغة والفصاحة، ويشتركان في احتياج المشتغل بهما إلى فقه اللغة التي جاءا بها، والإحاطة بأسرارها ودقائقها وشورادها. وقد مر على ذلك مثال من القرآن. ومن أمثلة ذلك من الحديث اختلاف الفقهاء في حكم جنين بهيمة الأنعام الذي تذبح أمه وهو في بطنها، بسبب اختلاف الرواية في ضبط هذا الحديث: «ذكاة الجنين ذكاة أمه»، فقد رُويت كلمة «ذكاة» الأخيرة بروايتين: الرفع والنصب. ويختلف الحكم الشرعي في كل واحدة منهما عن الأخرى، فرواية الرفع تجعل تذكية أمه مجزية عنها وعنه، أما رواية النصب فتوجب له تذكية كتذكية أمه.

هذا طرف مما يخص المفسر والمحدث. ولو نظرنا إلى الفقيه لوجدناه لا يقل عنهما في احتياجه إلى الفقه في العربية ليكون فقيهاً في الأحكام الشرعية، وفي حديث «الذكاة» المذكور إشارة إلى ذلك. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك ما يروى من الطرائف التي تحدث في مجلس الخليفة هارون الرشيد بين جليسيه العالمين الجليلين أبي يوسف الفقيه، صاحب أبي حنيفة، والكسائي النحوي القارئ، فقد كان أبو يوسف يداعب الكسائي ويحاول إغاظته بالتقليل من شأن علمه الذي نبغ فيه وهو علم النحو والعربية، فأراد الكسائي أن يثبت له أهمية هذا العلم وحاجة الناس إليه وبخاصة الفقهاء، فقال له: يا أبا يوسف، ما رأيك في رجلين رفِع إليك أمرهما رجل يقول عن أحدهما: هذا قاتلُ أخي (بالإضافة)، وقوله عن الآخر: هذا قاتلٌ أخي (بالتنوين)، أيهما تقتصّ منه؟ فقال أبو يوسف: منهما معاً. فقال الكسائي: أخطأت. القِصاص إنما يكون من الأول لأنه هو الذي قتَل وانتهى، أما الثاني فإنه يتوعّد ولمّا يقتل بعد.

هذه بعض الأمثلة والنماذج الموجزة التي تشعِر بأهمية اللغة العربية وتفرّدها وقدسيتها. ذلك أنها اللغة الوحيدة من بين لغات الدنيا التي تتصف بهذه الصفة وتجعلها ميراثاً وأمانة يتلقاها الخلف عن السلف ويبلغونها لمن بعدهم دون أن يكون لهم حرية التغيير أو التصرف فيها. ولهذا نراها لا زالت غضّة طريّة كما كانت عليه قبل أكثر من أربعة عشر قرناً. ويستطيع بها ابن هذا القرن الخامس عشر أن يقرأ ما أنتجه أبناء العصر الجاهي والإسلامي وما بعدهما ويفهم بكل يسر وسهولة، فيما يندر أن تجد لغة يفهم فيها أبناء الجيلِ الجيلَ السابق عليهم. ولعل هذا ما يفسر لنا السبب وراء تلك الحملات العاتية التي تتعرض له اللغة العربية من قبل أعدائها منذ مطلع هذا القرن الميلادي[4] ما [لم] تتعرض له أي لغة أخرى –فيما أعلم- لأن اللغة العربية ليست كهذه اللغات أداة للتفاهم فحسب، وإنما هي وعاء لموروث مقدّس خالد ومنهاج حياة، يتمثّل في القرآن والسنة وما خلفه السلف لنا من شتى العلوم والفنون والمعارف، مما جعل الأعداء حريصين على أن يقطعوا صلتنا بهذا الماضي التليد سالكين لتحقيق ذلك سبلاً متعددة، منها: الدعوة إلى العامّية، لكي يتمزّق شمل العرب بين عامّيات متعددة، وتنقطع صلتهم بالفصحى ومن ثمّ بالقرآن والسّنّة. ومنها: الدعوة إلى إحلال الحروف اللاتينية محل الحروف العربية، لكي لا يستطيع المسلمون قراءة تراثهم المكتوب بالحروف العربية كما حصل في تركيا. ومنها الدعوة إلى إلغاء الإعراب وحركاته لكي ينعدم التفريق والتمييز بين الفاعل والمفعول والمرفوع والمنصوب والمجرور، فيضيع المعنى المراد ويلتبس الفهم، إلى غير ذلك من الدعوات الخبيثة التي نشرها الأعداء في مصر بادئ ذي بدء نظراً لأهميتها وثقلها في العالم العربي، ثم انطلقوا منها إلى بقية البلاد العربية. وقد بدأ هذه الحملات مستشرقون حاقدون، وتلقّفها عنهم عرب مستغربون بكل أسف. ولكن هذه الحملات كلها باءت بالفشل بفضل الله الذي حرس العربية وقيّض لها بعض الغيورين الذين دافعوا عنها ونافحوا بالحجة والبرهان، مما هو محفوظ ومسجل في مناظرات ومحاورات شهدتها حقبةُ الخمسينات في مصر. «ويمكرون ويمكر اللهُ واللهُ خير الماكرين»، «إنّا نحنُ نزّلنا الذكرَ وإنّا له لحافِظون».


إعداد الدكتور محمد بن خالد الفاضل



توقيع أم هشام
من العجائب ، أن البركات التي تنزل على العلم ، تنزل على المجتهد حتى الذي اجتهد في تقليب صفحات الكتاب !!

******************************************
إذا حدّثت ففتش ، وإذا كتبت فقمِّش
******************************************

التعديل الأخير تم بواسطة أم هشام ; 23-12-07 الساعة 09:36 PM
أم هشام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-08-06, 11:41 AM   #2
مسلمة لله
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

جزاك الله خيرا
اعجبتنى مقالة"هذا قاتل اخى"

نسال الله ان يرزقنا الفهم الصحيح
بارك الله فيك اخية



توقيع مسلمة لله
[FRAME="7 10"]ما دعوة أنفع يا صاحبي ** من دعوة الغائب للغائب
ناشدتك الرحمن يا قارئا ** أن تسأل الغفران للكاتب
[/FRAME]
مسلمة لله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-06, 09:17 AM   #3
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
افتراضي

فعلاً ( ويمكرون ويمكر اللهُ واللهُ خير الماكرين)
جزاك الله خيراً يا مشرفتنا" أم هشام "
ونفعنا الله بما قرأنا,, بوركتِ000



توقيع أم أســامة
:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »
سنن ابن ماجه .


قـال ابـن رجب ـ رحمـه الله ـ: «من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فـليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فليست الفضائل بكثـرة الأعمـال البدنية، لكن بكونها خالصة لله ـ عز وجل ـ صواباً على متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان بالله أعلم، وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحب وأرجى؛ فهو أفضل ممن ليس كذلك وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح».


" لا يعرف حقيقة الصبر إلا من ذاق مرارة التطبيق في العمل , ولا يشعر بأهمية الصبر إلا أهل التطبيق والامتثال والجهاد والتضحية "

:
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-06, 12:42 PM   #4
أم البراء
~ وقــف لله ~
حفيدة خديجة رضي الله عنها
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقال رائع فعلا ..فيه من الفوائد الكثير ..

وفقك الله لطاعته ورضوانه..
أم البراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-08-06, 03:46 PM   #5
سمية بنت إبراهيم
|مديرة معهد أم المؤمنين خديجة|
افتراضي

أم هشام00بارك الله فيكِ أختي الحبيبة

ولا حرمنا الله من قيم موضوعاتك



توقيع سمية بنت إبراهيم
.................

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) (الإسراء-82)

قال أويس القرني رضي الله عنه :
لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان.


أم عمـــر .. أسعدكِ ربي يا حبيبة .. وجمعني بكِ في أعالي الجنان
سمية بنت إبراهيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-08-06, 07:06 PM   #6
عائشة صقر
معلمة بمعهد خديجة
افتراضي

بوركـــــــــتِ يا أخية

وجزيتِ الفردوس



توقيع عائشة صقر
لَو طَهُــرَتْ قُلُوبُكُےـمْ مَا شَبِعْتُمْ مِنْ كَےـلاَمِ رَبِّكُےـمْ
عائشة صقر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-06, 10:03 PM   #7
الليثية
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 24-07-2006
المشاركات: 53
الليثية is on a distinguished road
افتراضي

بارك الله فيك على ما نقلت لنا من درر رائعة
فكم هي عظيمة لغتنا
الليثية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-09-06, 12:30 AM   #8
أم هشام
نفع الله بك الأمة
افتراضي

[blink]وبارك الله فيكنّ عزيزاتي ، فيكفي العربية شرفًا أنّها لغة القرآن.[/blink]
أم هشام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-12-07, 06:28 PM   #9
غُربة
~نشيطة~
 
تاريخ التسجيل: 08-12-2007
المشاركات: 342
غُربة is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
ضبط هذا الحديث: «ذكاة الجنين ذكاة أمه»،
قضيةٌ مهمة وهي ضبط الأحاديث وهو الموضوع الذي تنيرنا به معلمتنا المزدانة بدينها ،، ربما كانت الفكرة من هنا ،، مقالك يا معلمتي جدّ مهم ، أجد فيها جموع الفوائد ،،
.
.
قصة الكسائي والعبارات ،،
الجملة الثانية "هذا قاتلٌ أخي".. كيف استنبط منها أنها للتهديد ؟
حاولت التفكير بها ، ولاأدري مالصواب هل باعتبار الجملة الخبرية المكونة من المبتدأ والخبر تنتهي هكذا وكلمة أخي بمعنى النداء أي كلام للقاضي مثلاً ،،
.
.
دمتِ لنا يا دافعة الخير



توقيع غُربة
[CENTER][COLOR="DarkSlateBlue"]

يــَا إخْوَةً عَهِدْتُكُمْ أَنْتُمْ بَقَايَا يَعْرُبِ ،، مُدُّوا يَدَ الْعَوْنِ لِطــالِبٍ غَدَا فِي الْطَّلَبِ ،، هَيّا فَوَفِّرُوا لَهُ مَالِ الفتَى من مَطْلَبِ ،،[/COLOR][/CENTER]
غُربة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-03-09, 07:12 AM   #10
مروة عاشور
|نتعلم لنعمل|
افتراضي

اقتباس:
وما قيل بصدد المشتغلين بالقرآن وتفسيره، يقال مثله للمشتغلين بالسنة وبيانها وشرحها، ذلك أن القرآن والسنة نصّان عربيان يتسنّمان الذروة في البلاغة والفصاحة، ويشتركان في احتياج المشتغل بهما إلى فقه اللغة التي جاءا بها، والإحاطة بأسرارها ودقائقها وشورادها. وقد مر على ذلك مثال من القرآن.


صدقتِ

مقالة رائعة اسأل الله ان يرزقنا العلم النافع آمين



توقيع مروة عاشور

إذا انحدرت في مستنقع التنازلات في دينك
فلا تتهجم على الثابتين بأنهم متشددون . .
بل أبصر موضع قدميك
لتعرف أنك تخوض في الوحل
مروة عاشور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خاطبي أبناءك بالفصحى فاطمة أم معاذ روضة اللغة العربية وعلومها 22 12-04-15 03:23 PM
اللقاء الأول : لدرس العلوم العربية . أم هشام روضة اللغة العربية وعلومها 14 25-08-07 08:38 PM
ماذا قال علماء المسلمين عن اللغة العربية..؟؟!! المزدانة بدينها روضة اللغة العربية وعلومها 2 29-05-07 04:07 PM


الساعة الآن 09:54 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .