العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . معهد العلوم الشرعية . ~ . > ๑¤๑ أقسام معهد العلوم الشرعية الدراسية ๑¤๑ > || المستوى الأول || > حلية طالب العلم > أرشيف الفصول السابقة

الملاحظات


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-03-15, 12:09 AM   #1
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
Note التفريغات الكتابية للدروس الصوتية من مادة حلية طالب العلم




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكنَّ الله طالبات العلم الشرعي


|| ستكون بإذن الله هذه الصفحة خاصة بالتفريغات الكتابية لدروس مادة حلية طالب العلم ||

وفق الله الجميع



توقيع صوفيا محمد
اللهم آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة
صوفيا محمد غير متواجد حالياً  
قديم 26-03-15, 12:18 AM   #2
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
افتراضي


[frame="10 10"]
✿الدرس الأول ✿


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد: فنحمد الله سبحانه جل وعلا، الذي وفقنا لحضور مثل هذه المجالس، ومن أعظم ما تُبذل فيه الأوقات، ومن أنفس ما تُصرف فيه الطاقات، طلب العلم، وتحصيله، وتدريسه، وقد رفع الله شأن أهل العلم، وقرن شهادتهم بشهادة الملائكة، وأشهدهم على أعظم أمر وأجله، وهو ألوهيته جلّ وعلا، فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[ آل عمران 18].
ورفع الله درجتهم في الدنيا و الآخرة، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. } [المجادلة11]. ويكفينا قوله صلى الله عليه وسلم: (خيرُكم مَنتعلَّمالقرآنَ وعلَّمه). [ صححه البخاري. الراوي:عثمان بن عفان المحدث:البخاري - المصدر:صحيح البخاري]
فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خير الناس وأفضلهم، والذي حكم بذلك هو المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم. وجاء في السنن:" فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم وكفضل القمر على سائر الكواكب". ومن ناحية النظر أشرف الناس وأعلاهم منزلة، من استودع الله العلم في صدورهم، وأشغلهم بالنظر فيه، حفظًا و تعلّمًا و تعليمًا، فإنه يودع علم الوحي، أهل الصدق و العدالة.ولذلك كان العلماء ورثة الأنبياء.
وقد اعتاد أهل العلماء على قراءة كتب في آداب طلب العلم، وآداب التعلم، ولا نريد أن نطيل الكلام في المقدمات، فنحيل ذلك إلى حين الوصول إلى موضعها من هذا الكتاب.

يقول المصنف: "مقدمة".
هذا الكتاب الذي سنقرؤه مختصر لكتاب مهم ونفيس اسمه:" حلية طالب العلم". وحلية طالب العلم يتكلم على سبعة أمور.
الأمر الأول: آداب الطالب في نفسه
الأمر الثاني: كيفية طلب العلم
الأمر الثالث: أدب لطالب مع شيخه
الأمر الرابع: آداب الزمالة
الأمر الخامس: آداب الطالب في حياته العلمية
الأمر السادس: التحلي بالعمل
الأمر السابع: المحاذير
يقول مختصِر هذا الكتاب: " الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديمًا وحديثًا، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرًا حثيثًا، وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم – العلماء ورثة الأنبياء – أكرم بهم وارثًا وموروثًا.أما بعد: فهذا مختصر لكتاب حلية طالب العلم"
هذا الكتاب، حلية طالب العلم، له مختصران- فيما أعلم- المختصر الأول للدكتور محمد بن فهد الودعان، و الثاني هذا المختصر الذي سنقرؤه، و هذا المختصر أجود وأحسن سبكا وانتقاءً في نظري الضعيف. و العلم عند الله.
يقول: "فهذا مختصر لكتاب حلية طالب العلم للشيخ العلامة أبي عبد الله بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله" مؤلف الأصل الذي اختُصر منه هذا الكتاب، الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد- رحمه الله- من علماء الجزيرة المعاصرين، تُوفي قبل ست سنوات تقريبا، و هو عضو في هيئة كبار العلماء، أخذ العلم عن شيوخ كُثر، لكن أشهر مشايخه سماحة الوالد ابن بز رحمه الله، وكان الشيخ بكر يُجله كثيرا، ويُثني عليه، وكذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي)صاحب أضواء البيان( والشيخ بكر تأثر بالشيخ الشنقيطي كثيرا، وصحبه عشر سنين، والشيخ بكر من العلماء المتضلعين، وكان يحب التأليف أكثر من التدريس، وممّا يُؤثر عنه:" الكتاب يبقى، و تنتفع به أجيال". ولذلك كان يحب التأليف و الكتابة، ويُقدمها على التدريس. وهذه ليست قاعدة لكل الناس، لكن هو يرى نفسه، يعني يرى مجال التأليف أنفع له؛ مجال التأليف و التحقيق.
وقد طُلب منه مرارا التدريس في الحرم، درّس لكن قليلا، وفي كثير من الأحيان كان يمتنع، طُلب منه الإفتاء في برنامج" نور على الدرب" لكنه امتنع، وأيده الشيخ بن باز رحمه الله، وقال لهم: الشيخ بكر صاحب قلم.
قال المُختصِر: "وهو كتاب نافع عظيم في بابه، ولما كانت عباراته جزلة وكلماته قوية يصعب على صغار الطلاب فهمها واستيعابها..."
نعم الشيخ بكر متضلع في علم اللغة و الأدب، كان يحفظ كثيرا من الأشعار ومقامات الحريري، ومهتما بكُتب العالم الأديب الشيخ محمد الخضر حسين. وهذا كله ينعكس في طريقة كتابته، فألفاظه تبدو للعوام غريبة، بل حتى بعض طلبة العلم، يحتاج لمراجعة بعض كتب اللغة حتى يعرف بعض معاني المفردات التي يستعملها في كتبه.
قال: "ارتأيت – مع قلة البضاعة والزاد في العلم – أن أختصر هذا الكتاب ليصبح كالمتن، تحفظ عباراته بشكل سهل وميسر، فأبقيت على العناوين الرئيسية والفرعية وحذفت الشواهد الكثيرة والعبارات الاستطرادية للمؤلف، ثم قيدت بعض الفوائد من شرح فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين حفظه الله وفوائد أخرى مما سمعناه من كلام أهل العلم في هذا المقام، ولقد سرني كثيرًا أن الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد اطلع عليه وصححه وأجازه بقوله: «وجدته وافيًا مناسبًا للمبتدئين» فجزاه الله خيرًا.أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.كتبه الفقير إلى عفو ربه طه بن حسين بافضل غيل باوزير حضرموت" هذا مقدمة المُختصَر.
قال:
"أولاً: آداب الطالب في نفسه"
كُتب آداب طلب العلم كثيرة ومتنوعة، وتوجد آداب طالب العلم، في ثنايا علوم أخرى، كعلوم الحديث، وتوجد في كتب مفردة، من أشهرها:
كتاب "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر، ومنها "كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي، ومنها كتاب" التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي...غيرها الكثير. ومن أنفس كتب المعاصرين مما اطلعت عليها: "حلية طالب العلم". وكذلك كتاب للشيخ المنجد، وكذلك "السبل المرضية" لأبي فهر السلفي وهو من أكثرها فوائد ، وكذلك كتاب "معالم في طريق طلب العلم" للشيخ السدحان...وغيرها كثير مما لا يحضرني الآن.
قال المصنف رحمه الله: "العلم عبادة." هذا أمر مُتفق عليه عند جميع العلماء، بل العلم من أعظم العبادات، حتى قال العلماء:العلم أشرف نوعي الجهاد، وهو جهاد الأنبياء.
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[ الفرقان 52]
فجعل تعليم القرآن، و الدعوة إليه، جهادًا كبيرا، وهذه الآية في سورة الفرقان، وهي سورة مكية كما هو معلوم، يعني قبل فرضية القتال.
قال المصنف رحمه الله: "اعلم أيها الطالب المجدّ أن العلم عبادة؛ فلابد من إخلاص النية لله عز وجل..."
الإخلاص: إفراد الله بالقصد في الطاعة. هكذا يُعرفه العلماء. يعني ألا يريد شيئا سوى طاعته، هذه حقيقته، والإخلاص درجات.
قال المصنف:" فلابد من إخلاص النية لله عز وجل لقوله سبحانه:}وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ{ [البينة: 5]،وقوله صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات...»، وقال بعض العلماء: «العلم صلاة السر وعبادةُ القلبِ».
بما أن العلم عبادة، فلا بد من النية، لأن الله أمر بالإخلاص في العبادة، }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ{ [البينة: 5]،والنية شرط في كل العبادات، وكما هو معلوم، كل عبادة لابد من توفر شرطين فيها، وإلا لم تكن مقبولة.
الشرط الأول: الإخلاص لله.
الشرط الثاني: المُتابعة، المُتابعة فيها للنبي صلى الله عليه وسلم، فتكون على وفق الشرع، و المصنف سيُشير للشرط الثاني بعد قليل.
قال:" فاحذر من كل ما يصيب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور والتفوق على الأقران..."
الأقران جمع قرين، وهو الصاحب، قال تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ.} [ق23 ]. و المقصود به هنا: الصاحب في الطلب، المُساوي له في مرتبة العلم، و المنافسة بين الأقران أمر مشهور جدًا، كتب فيه العلماء. والمنافسة بين الأقران قد تكون محمودة أو مذمومة، متى تكون محمودة؟ إذا كانت دافعا للاجتهاد و التحصيل، وبلوغ الكمال النسبي، مع تمني الخير للجميع، وهذا جاء الأمر به في القرآن، قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ.} [المطففين 26] وقال تعالى: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ.} [البقرة 148]ومشهور عندكم الأخبار التي جاءت في منافسة عمر لأبي بكر رضي الله تعالى عنهما، وعن الصحابة أجمعين.والمذموم منه ما كان الدافع له حب الظهور و الارتفاع بفوات ما عند القرين، أو بنقص علم القرين، ليتفوق عليه، وللحصول على محمدة عند الناس؛ الناس مردهم للفناء،لا ينفعون ولا يضرون، فالحاصل أن الذي يتوجه لحب الظهور، تراه يتمنى نزول قرينه وانحطاطه ليعلو عليه، وهذه صفة ذميمة، نسأل الله أن يعافينا جميعا.
قال المصنف رحمه الله: "فاحذر من كل ما يصيب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور والتفوق على الأقران، أو جعل العلم سلمًا للحصول على جاهٍ، أو مالٍ، أو تعظيم، أو سمعة، أو صرف وجوه الناس إليك." يعني يُصفّي عمله عندما يعمل، يُصفيه من ملاحظة المخلوقين، و النظر فيما عندهم. وجماع هذه الأمور أن يُقال: على طالب العلم أن يكون هدفه وغايته ومقصده تعظيم الله ومحبته وعبادته، وصرف الناس إلى رب العزة و الجلال، فيكون سببا في ذلك، ويكون قدوة للناس. في هذا المقصود، وهو الذي يسمونه الإمامة في الدين، ولذلك قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء 73 ]هذا هو المقصود في قوله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان74 ]أما الذي يسعى لصرف الناس إليه، فهذا في الحقيقة مُعظِّم لنفسه، داع إلى نفسه لا إلى الله، فلابد من الحذر.
قال المصنف: "وابذل الجهد في الإخلاص، وكن على خوف شديد من نواقضه؛..."
يعني من مُفسداته، من مفسدات الإخلاص.
قال: "فقد قال سفيان الثوري رحمه الله: «ما عالجت شيئًا أشد عليَّ من نيتي»."
وقد سُئل الإمام أحمد رحمه الله عن كيفية الإخلاص فقال: "يعالج نفسه إذا أراد عملا لا يريد به الناس."
قال: "ومع إخلاص النية فاعمر قلبك بمحبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بمتابعته واقتفاء أثره؛ فقد قال تعالى: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ{ [آل عمران: 31]." هذا هو الشرط الثاني المُتابعة.
ثم قال:
2"- كن على جادة السلف الصالح: وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أمور الدين"، قفا من القفو، بمعنى إتباع الشيء، ومنه قوله تعالى :{ لا تقف ما ليس لك به علم} . يعني لا تتبع ما لا تعلمه. قال:" وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة..." يعني وهم من يتبعون الكتاب والسنة، بفهم سلف هذه الأمة، يسمون أهل السنة لأنهم يقبلونها ولا يردونها، ويسمون بأهل الجماعة لأنهم على ما عليه الصدر الأول وجماعة المسلمين.
قال: "فكن متميزًا بالتزام آثار رسول الله صلى الله وترك الجدال والمراء والخوض في علم الكلام، وما يجلب الآثام ويصد عن الشرع."
"علم الكلام" يعنون به العلم الذي يتضمن الحُجج لإثبات العقائد فيما يتعلق بالله و اليوم الآخر و الرسل، والملائكة و الرد على المخالفين...الخ ، وهو بهذه الصورة الموجودة في غالب الكتب دخيل على علوم الإسلام؛ جاء من الفلاسفة، ومن علوم اليونان، مع بعض التعديلات.وسُمي علم الكلام بعلم الكلام، لأنه أكثر العلوم خلافا وكلاما، وليس تحت أكثر خلافهم عمل، ولأن من أكبر مباحثهم مسألة القرآن هل هو كلام الله.وأهل السنة ولله الحمد لا يحتاجون لهذه الطرق العقيمة. بل عندنا طريقة القرآن و السنة، وهي كافية ووافية. ولهذا كان السلف يذمون علم الكلام، ويعنون به هذه الطرق الدخيلة.


ثم قال المصنف:
"3- الزم خشية الله: عليك بعمارة ظاهرك وباطنك بخشية الله تعالى؛ محافظًا على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها والدعوة إليها؛ فكن دالاً على الله بعلمك وسمتك وعملك، واعلم أن أصل العلم خشية الله تعالى- كما قال الإمام أحمد – فالزمها في السر والعلن؛ فإن خير البرية من يخشى الله تعالى، وما يخشاه إلا عالم..."
الخشية أخص من الخوف، هذا هو المشهور، وهو كلام بن القيم رحمه الله، في مدارج السالكين، يقول: الخشية للعلماء، قال تعالى: " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ".[فاطر 28]. وقال هو خوف مع علم، الخشية خوف مع علم، وضرب له أمثلة، قال: الخوف فيه معنى الحركة والهروب، و الخشية فيها معنى الخضوع و السكون، وضرب مثالا بالسيل، شخص إذا رأى السيل هرب، وشخص إذا رآه سكن وثبت في مكان لا يصله السيل، استقر فيه، قال فالأول الذي هرب هذا يسمى خوفًا، و الثاني يسمى خشية. فملخص كلام بن القيم رحمه الله: أن صاحب الخوف يلجأ إلى الهرب، وصاحب الخشية يلجأ إلى الاعتصام بالعلم، هذا ملخص كلامه. وبعض العلماء يقول: الخوف يتعلق بالفعل المكروه، يعني يتعلق بالفعل المرهوب نفسه، يتعلق بالعقاب، وأما الخشية فتتعلق بمُنزل ذاك الفعل وموقِعه، فالخوف يتعلق بالعقاب، و الخشية تتعلق برب العزة و الجلال، هكذا قال بعضهم."
قال المصنف رحمه الله: "والعالم لا يعد عالمًا إلا إذا كان عاملاً،..."يعني لا يُعدّ عالما على الحقيقة، و إنما هو صاحب معلومات فقط، لأن العالم من خشي الله، هكذا قال الله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}.[فاطر 28 ]فمن قاده علمه إلى خشية الله، هذا هو العالم، فإن لم ينتفع بهذه المعلومات، لم يكن عالما إلا مجازا، ولذلك قال تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله - :" كل عاص لله فهو جاهل."وصدق رحمه الله، معصية الله من أعظم أسبابها الجهل و الهوى.
قال: " والعالم لا يعد عالمًا إلا إذا كان عاملاً ،ولا يعمل العالم بعلمه إلا إذا لزمته خشية الله، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل»."هذا أثر يعني من ناحية الإسناد فيه كلام، فيه مطعن لا يثبت، لكن معناه صحيح، فمن ترك العمل بالعلم، نسيه وسُلب بركته، و العلم أصلا يُراد به العمل، هذا في الأصل.
ونكمل إن شاء الله هذا القدر والله تعالى أعلم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
[/frame]
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx تفريغ الدرس الأول من مادة الحلية.docx‏ (123.5 كيلوبايت, المشاهدات 583)

التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 03-04-15 الساعة 11:57 AM
صوفيا محمد غير متواجد حالياً  
قديم 26-03-15, 12:27 AM   #3
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
افتراضي

[frame="10 10"]
✿الدرس الثاني ✿


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجميعين أما بعد :
شرع المصنف في الكلام على الأمر الأول وهو ما يتعلق بـ "آداب الطالب في نفسه" وذكر منها في المرة الماضية أدبين:
الأدب الأول : عنون لها بقوله "العلمُ عبادة" وعلى هذا فلا يملّ الطالب من طول طريق التعلم و لا يتشوّف إلى الانتهاء منه لأنه عبادة ؛فبقدر مُكثِه في هذا السبيل هو في عبادة يتعبد الله ويتقرب إلى الله عزوجل.

ثم ذكر الأدب الثاني وقال : "كن على جادة السلف الصالح " يعني به القرون الأولى الصحابة و التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ فطريقتهم هي الطريقة المرجوة ،إذا ثبتَ شيء عنهم فينبغي للطالب أن لا يتركه و أن لا يتجاوزهُ إلى غيره.. لماذا ؟
لأن طريقتهم هي الطريقة المرضية التي رضي الله عنها ، وبِسببها حَل عليهم الرضوان وكانوا من أهل الجنة .
ثم تكلم على لزوم خشية الله وعلقنا عليها سريعا في المرة الماضية ثم قال المصنف رحمه الله بعد ذلك قال في الأدب الرابع المندرج تحت آداب الطالب في نفسه قال : "دوام المراقبة"
المراقبة من راقب ، هذه المادة الراء و القاف و الباء تدل على مراعاة الشيء و على ملاحظته ،و لذلك يعرّف العلماء المراقبة بأنها ملاحظة الرقيب و تيقن العبد بأن الله مطلعٌ عليه ظاهراً و باطناً،يسمع كلامه ويرى أفعاله و يعلم ما في نفسه و قد فُسرت المراقبة
بقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم : "أن تعبد الله كأنك تراه " في حديث جبريل المشهور في الصحيح ، سأله عن الإحسان :"قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
قال المصنف: " تحلَّ بدوام المراقبةِ لله تعالى في سرك وعلانيتك"
لماذا ؟

لأنه سبحانه وتعالى مطلع على باطنك و ظاهرك يستوي عنده السر و العلانية قال تعالى {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }، وقال تعالى:{سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}"آيات تقرع القلوب ، ولذلك بعض العلماء فسر السر هنا بما لم يتحدث به بلسانه ؛ فقط ما خطر على قلبه قال السر هو ما خطر على القلب "{يَعْلَمُ السِّرَّ} " و بناء على هذا ما هو الأخفى ؟
قالوا الأخفى هو ما لم يخطر بعدُ على قلب العبد ، يعلم ربُّ العزة و الجلال صفته ويعلمُ وقته ، و إذا تأمل العبدُّ هذا العلم وسعته امتلأ قلبه إجلالا و عظمة وهيبة ،و لنا أن نتخيل لو كُشِف لنا الحجاب ورأينا الملائكة من حولنا ، يعني ترى الكَتبة و نرى الحافظين معنا في الغرف ومعنا إذا ركبنا على الدواب ، ومعنا إذا أكلت وإذا شربت وإذا تكلمت و إذا ذهبت إلى مكان العمل و إذا دخلت إلى منزلك و إذا كنت مع أهلك و أولادك الملائكة معك في كل مكان تراهم بعينك ، كيف سيكون حالنا هل سنجرأ على معصية الله ؟!!
الجواب : لا ! إذن فلنعلم أن الله لا يخفى عليه شيء، و أنه يحصي أعمالنا و أعمال الملائكة فهو لايحتاج إليهم أصلا .
قال :"تحلَّ بدوام المراقبة لله تعالى في سرِّك و علانيتك و سِرْ إلى ربك بين الخوف و الرجاء" يمثّل العلماء لها بجناحي الطائر، قالوا الطائر لا يطير إلا بجناحين ، فكذلك العبد عليه أن يسير بهذين الجناحين فيرجو رحمة الله و يخاف عقابه. وعلامة ذلك أن يعمل لأنه بدون العمل لا يسمى رجاءً ، بل كما ورد يقال له تمنى و هو الذي يتمنى حصول المطلوب من النجاة والجنة و لكن مع ترك العمل .الذي يتمنى حصول ذلك مع ترك العمل هذا اسمه تمنّي ؛ يترك العمل و يُصِّر على المعصية و يعطي نفسه شهواتها ولا يردعها ولا يتوب ومعَ هذا يقول: أنا أرجُو رحمة الله! هذا عاجز وليس راجيا
قال : " و سر إلى ربك بين الخوف و الرجاء "
الخوف و الرجاء في الحقيقة مُتلازمَان؛ فالمؤمنُ يرجو رحمة الله ويعمل ويخاف من فوات هذا المطلوب ولذلك يقولون: الخوف يستلزم الرجاء والرجاء يستلزم الخوف لأن الراجي يترقب و ينتظر و هذا فيه تعلق بمن يرجوه و فيه انكسار له ، وهذا من معاني الخوف و لوازمه .

قال : "و أقبل عليه بكُلِّيتك و املأ قلبك بمحبته و لسانك بذكره ، و استبشر بأحكامه وحكمه سبحانه"
يعني افرح بها فالله سبحانه و تعالى رحيم و حليم وعليم وهذا مما يوجب حمده و يوجب شكره لكمال حكمته و جميل صنيعه و لطيف فعله و يسر أمره .

قال :" خفض الجناح و نبذ الخيلاء و الكبرياء "
النبذ: بمعنى الطرح و الترك ، لكنه مع الإهانة و الاستغناء عنه ، ومنه
.قوله تعالى :" فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ "يعني طرحوه استهانة منهم
.
قال :" إياك و الخيلاء " هذا يسمونه تحذير يعني احذر الخيلاء . قال :" و هي الإعجاب بالنفس مع إظهار ذلك بالبدن". هذا تفسير الخيلاء عند جمع من العلماء ، يقولون الفرق بين الخيلاء و الفخر هو القول و الفعل ، الفخر يُغلب فيه جانب القول ، والخيلاء غلب فيه جانب الفعل و لذلك قال المصنف "مع إظهار ذلك بالبدن "، فتظهر هذا في التصرفات؛ يظهره طالب العلم في تصرفاته أو في مشيته و نحو ذلك . قال :" فإنه نفاق وكبرياء " نفاق لأنه خلاف الحقيقة و لذلك الخيلاء في الأصل مشتق من الخيال صورة مجردة لاحقيقة لها يتصنع. .
قال : "و احذر داء الجبابرة الكِبر،و هو بطر الحق و غَمطُ الناس " .
هذا تفسير
النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم للكبر كما جاء في الصحيح قال: " الكبر بطر الحق وغمط الناس " . " بطر الحق " بمعنى دفعه ورد الحق وعدم قبوله وعدم الانقياد له. ومعنى "غمط الناس" : يعني احتقارهم.

قال :" وهو مع الحرص و الحسد أول ذنب عُصِيَ الله به" . يشير إلى قصة إبليس لعنهُّ الله مع أبينا آدم عليه الصلاة والسلام لما أبى أن يسجد له ، و حسدَ أبَانا أدم على ما حَباه الله من إكرام ،فالله خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه و أسجد له ملائكته فتكبر إبليس و قال أنا خير منه .
وقوله :"أولُّ ذنب عصي الله به" . يعني مما أخبرنا به على وجهِ التفصيل و الإخبار و إلا فقد جاء في القرآن إشارة إلى وجود المعاصي قبل ذلك في قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }قال بعض أهل العلم أن الجن كانت تعصي الله قبل الإنسان قبل خلقِ آدم عليه الصلاة والسلام .
قال :"فلا تتطاول على معلمك ولاتستنكف عمن يفيدك ممن هو دونك " التطاول بمعنى التفاخر و الترفع و التكبر يعني يظهر ذلك ؛يظهر أنه أطول و أرفع منه ، ومعنى قوله : "ولا تستنكف عمن يفيدك" يعني لا تأنف و تمتنع استكبارا ومنه قوله تعالى :{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ.} يعني لايمتنع ويرغب عنها ،أن يكون عبد الله استكبارا و إعراضا .
قال :" ولا تقصِّر في العمل بالعلم ، فكل ذلك كبر وعنوان حرمان " صدق رحمه الله فمن لم يعمل بالعلم ولم ينتفع به فقد حرم ؛هذه علامة الحرمان ، نسأل الله السلامة والعافية ، و أن يجعلنا و إياكم من العالمين العاملين، فهذه أعلى درجة، هذه من الدرجات العالية أن يكون الإنسان عالمًا عاملا بعلمه ،وهذا الذي يسمونه " العالم الرباني".
قال :"فعليك أن تلتصق بالأرض" . يعني يشير إلى التواضع و التذلل و الخضوع .
قال :" وأن تهضم نفسك "،يعني تضع من قدرها تواضعا ،"و ترغمها عند الاستشراف لكبرياء" ترغمها أي تكرهها هذا يقال كناية على الإذلال لأن الرَغام بمعنى التراب فقولهم :أرغم الله أنفه يعني ألصقه بالتراب إهانة وجبرا .
قال : "وترغمها عند الاستشراف لكبرياء أو غطرسة"
الغطرسة بمعنى الإعجاب و التكبر و التطاول على الأصحاب .

قال: "أو حب ظهور أو عجب فإن هذه آفات العلم القاتلة له" يعني أنه يكره نفسه على التواضع و الخضوع و يجبرها على ذلك . ووصف هذه الصفات بأنها قاتلة للعلم لماذا ؟
لأن العلم نور من الله وهذه الصفات مما توجب غضب رب العزة و الجلال فوجب اجتنابها.
قال : "وتحلَّ بآدابِ النفس من العفافِ و الحلم و الصَّبر و التواضع للحقِ ذليلا له مع الوقار و الرزانة" .
العفاف: في الأصل الكفّ عما لا ينبغي ولا يليق ،و المراد به هنا الكف عن الحرام و عن مطامع الدنيا و عن سؤال الناس وعن خوارم المروءة ونحو ذلك ، و الحلم بمعنى العقل والتثبت و الأناة و عدم العجلة ، ويقول الحكماء : الحلم زينة العبد. وقوله :الوقار هي السكينة، لكن الوقار يكون في الهيئة كغض البصر وعدم الالتفات و خفض الصوت ونحو ذلك ، و الرزانة : بمعنى الوقار و الثقة ، ونقول رجل رزين بمعنى ثقيل ، لكنهم يقولون الرزانة أعم ؛ الرزانة تستعمل في الإنسان وفي غير الإنسان بخلاف الوقار .

قال :"متحملا ذل التعلم لعزةِ العلم "
أولا لماذا قال المصنف: " تحلَّ بأداب النفس مع العفاف والحلم إلى أن قال مع الوقار و الزانة "؟ لأن الكلام السابق أراد أن يدفع فهما خاطئًا، و توهما قد يتوهمه القارئ ! قد يظن أن معنى تواضع و
اهضم نفسك .و التصق بالأرض قد يفهم معنى ذلك أن يكون ذليلا مهينا ،ينظر إلى سفاسف الأمور ، ويتشوَّف لما في أيدي الناس ، فنفى هذا التوهم فقال:" مع العفاف والحلم والصبر" و ذكر الوقار و الرزانة ، قال : "متحملا ذل التعلم لعزة العلم" ، لأن العلم عزيز، فمن أراد العلم فلا بد أن يتذلل له ويصبر حتى يناله وفي ذلك يقول الحكيم:
حياة الفتى والله بالعلم و التقى*** إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته .
ومن لم يذق التعلم ساعة *** تجرَّع ذل الجهل طول حياته .
وفي بعض الروايات :
ومن لم يذق ذل التعلم ساعة*** تجرع كأس الذل طول حياته
.

وقال آخر :
إن المعلم والطبيب كلاهما ***لاينصحان إذا هما لم يكرما .
فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه*** و اقنع بجهلك إذا جفوت معلما.
وهذا كلام صحيح و مجرب لأنهم بشر، نفوس بشرية وهذه طبيعتها وفي الحقيقة هناك كلام كثير حول معنى العفاف؛ طالب العلم لابد أن يكون عفيفا لا ينظر إلى ما في أيدي الناس ولا يتشوق إلى الدنيا وزينتها ، وتأملوا معي
قول الله جل وعلا " تأملوا قول الله لنبيه صلى الله عليه وعلى اله وسلم في سورة الحجر: {
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} .طالب العلم يتعلق بما عند الله و يعلم أن الخلق كلهم فقراء ضعفاء و أن الله عنده خزائن كل شيء هو الغني وهو الكريم ، أما الإنسان فقد وصفه الله في القرآن بصفات تستحق أن يتأملها الإنسان و أن يتدبرها :{ وكان الانسان قتورا} يعني بخيلا ". وظلوما وجهولا"، فالإنسان لا ينظر إلى ما في أيدي الناس ولا يتعلق بالخلق و إنما يتعلق بالخالق.

ونقف عند هذا الحد ونكمل في المرة القادمة إن شاء الله .
هذا والله تعالى أعلم وصلَّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
[/frame]
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx تفريغ الدرس الثاني من الحلية.docx‏ (169.7 كيلوبايت, المشاهدات 588)

التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 01-04-15 الساعة 12:30 AM
صوفيا محمد غير متواجد حالياً  
قديم 26-03-15, 12:30 AM   #4
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
افتراضي


[frame="10 10"]✿الدرس الثالث ✿
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
تكلم المصنف- رحمه الله- في المرة الماضية ومازال في" أدب الطالب مع نفسه" على:
الأدب الأول في قوله: " العلم عبادة".
والأدب الثاني: " كن على جادة السلف الصالح".
والأدب الثالث: الزم خشية الله.
والأدب الرابع: دوام المراقبة.
والأدب الخامس: خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء.
قال في الأدب السادس: القناعة والزهادة.
القناعة: الرضا بما قسم الله لك من قليل أو كثير ، ولذلك يسمون الراضي قانعاً، والزهادة مصدر مثل الزهد . والزهادة والزهد واحد لكن بعضهم فرَّق بينهما فقال: الزهد في الدين والزهادة أعم من ذلك فتكون في الدنيا . يعني ليس تعبداً ويكون في الدين وسيأتي بيانه بعد قليل..
قال المصنف- رحمه الله- : (اقنع بما آتاك الله عز وجل وتحل بالزهد، واعلم أن حقيقته الزهد بالحرام، والكف عن المشتبهات وعن التطلُّع إلى ما في أيدي الناس؛ فكن معتدلاً في معاشك بما لا يشينك، ولا ترد مواطن الذلة والهون(.

قوله "الكفّ عن المشتبهات " قال بعدها: "فكن معتدلا في معاشك " يعني الزهد في الحقيقة عمل قلبي كمافسره السلف ..
انتبه السلف يقولون: الزهد بين كلمتين في القرآن ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم( لايحزن ولاييأس على مامضى ولايفرح بالآتي..
الإمام أحمد رحمه الله يقول:" الزهد قصر الأمل واليأس ممافي أيدي الناس" فهو في الحقيقة لا تعلق له بالظاهر.لا تستطيع أن تشهد لأحد بالزهد ؛فقد يكون الإنسان غنياً ذا مال وهو من الزاهدين ككبار الصحابة ؛عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين ، والعكس صحيح قد يكون المرء قليل المال لكن قلبه متعلق بالدنيا متشوِّف لمافي أيدي الناس، فهذا من أهل الدنيا ولو كان فقيراً !! فالزهد عمل قلبي. وقد نقل الخلال عن الإمام أحمد- رحمه الله- أنه سُئل عن الزاهد؛ قيل له: هل للمرء أن يكون زاهداً ومعه ألف دينار من الذهب ؟ هذا المبلغ كبير جداً ! فقال الإمــام أحمد : نعم ،إذا لم يفرح إذا زاد ت ولم يحزن إذا نقصت. حتى قال بعض العلماء:
لايُتصور الزهد ممن لامال له ولاجاه ! هذا القول ضعيف فالإنسان قد يكون زاهداً ولو لامال له ولاجاه لكن المقصود أن الزهد عمل قلبيّ
يعني لايتشوَّف العبد للدنيا ولاتكون الدنيا همه مستحوذةً على فكره..
قال واعلم أنّ حقيقته الزهد بالحرام ،و الكفّ عن المشتبهات وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس ( هذا تعريف الزهد ،وذكر المصنف له ثلاثة أركان:
الزهد بالحرام: يعني ترك الحرام ، بل أشدّ من ذلك وهو ترك الميل إلى الحرام.
الركن الثاني: قال الكف عن المشتبهات وعن التطلع إلى مافي أيدي الناس ..
ماهي المشتبهات؟ فيه كلام كثير لأهل العلم ذكرها ابن حجر في الفتح؛ كثير منها لايسلم من الاعتراض لكن أجود ماوقفت عليه في تعريف المشتبهات أن يقال فيه الآتي:
يقال في المشتبهات هو: ما خفي حكمه .
والذي يخفى حكمه له صورتان:
1- ماخفي حكمه على العامي: ومثل العامي هذا يجب أن يقف وأن يجتنبه حتى يسأل أهل العلم عن حكمه .
قد يقول قائل: لماذا لانُعمِل قاعدة" الأصل الحل" ويكون هذا الأمر حلالاً حتى يتبين خلافه ؟ !
الجواب: هذه القاعدة " الأصل هو الحِلّ" في حق من أعمل الأدلة وأراد الترجيح، وأما الذي لا يعلم حكمه لجهل فهذا لابدّ أن يسأل لأنه قد يكون محكوماً عليه من قبل الشارع حكماً صريحاً بيّناً ولكنه جهل هذا الحكم لتقصير وتفريط فلابدّ أن يسأل ليكون على بصيرة ..
2 - الصورة الثانية من المشتبهات في حق أهل العلم : والمشتبه في حق أهل العلم ماتعارضت فيه الأدلة ولم يتبين له فيه لقوة الأدلة وتعارضها فهؤلاء يتوقفون في المسألة ويزهدون فيها ولايقعون فيها لأنها من المشتبهات..
الركن الثالث: الكف عن التطلع إلى ما في أيدي الناس: وهذا في ظاهره يدل على أن المقصود به القناعة وهو كذلك ظاهر السياق قال (الكف عن المشتبهات وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس ) وأورده في باب القناعة ، لكن قد يقال أراد بذلك أيضا أن لا يشابههم ولا يميل إلى مشابهة الناس العوام يعني ممن يشتغل بالدنيا وفضول المباح لأن هذا هو الزهد ؛ الزهد ترك الفضول، فضول المباحات وأما الاقتصار على المعنى الأول إذا قلنا أن المقصود "الكف عن المشتبهات "فقط أن يكون قانعاً هذا يعني تعريف الورع ، ولهذا يقولون مرتبة الزهد أعلى من مرتبة الورع. قاله ابن تيمية رحمه الله وبيَّن ذلك فقال رحمه الله : "الزهد المشروع ترك ما لا ينفع في الدار الآخرة" .وهو فضول المباح .هناك أشياء مباحة ليست محرمة لكن لاتنفع في الآخرة فتركها زهد لأنه لايستعان بها على طاعة الله . وقال:" الورع المشروع ترك ما قد يضر في الدار الآخرة" إذن هو أقل مرتبة لا يترك المباحات إنمايترك مايضر في الآخرة وهو المحرمات والشبهات التي لايستلزم تركها ترك مافعله أرجح منها ، هذه عبارة ابن تيمية رحمه الله وتأمل دقة عبارة الإمام ولولاضيق الوقت لتكلمنا في تدبر هذه العبارة العظيمة ..
قال المصنف- رحمه الله- : ( فكن معتدلاً في معاشك بما لا يشينك ولاتَــرِدْ مواطن الذلة والهون ) هذا بيان واحتراز من المصنف ليدفع توهمًا فاسداً؛ فبعدما أوصى بالقناعة والزهادة بيَّن الحدّ المطلوب لئلا يزيد العبد ويغلو فيقع فيما يشينه، فيُقصِّر في حق من يعوله ومن يعاشره ويلبس مثلا مايزدريه في أعين الناس وألا يكون غريب الشكل والمنظر .لذلك يقول العلماء: هناك فرق بين التواضع والذلة ،فالتواضع : تذلل لأجل الله؛ فلايظلم الخلق ولايتكبر عليهم . وأما الذ ليل:فهو من يهين نفسه لنيل شهواتها ولينال حظًا من الدنيا، ففرق بينهما. ولهذا جاء في وصف سفيان الثوري رحمه الله قال: وكان شديد التواضع في غير ذل. وسيأتي مزيد من البيان بعد قليل .
خلاصة هذا الأدب: أن طالب العلم والمسلم لاينشغل قلبًا وقالبًا بالدنيا بل يجعل مقصده الله والدار الآخرة؛ فيترك راحة الدنيا لماذا ؟ طلبا لراحة الآخرة ..يترك راحة الدنيا طلبا لراحة الآخرة..
قال- رحمه الله- : ) التحلي برونق العلم(
الرونق: بمعنى حسن الشيء ، فقوله" التحلي برونق العلم" يعني بحسن وجمال العلم ..
قال رحمه الله - : )رونق العلم هو حسن السمت والهدي الصالح بدوام السكينة والوقار والخشوع والتواضع(
الهدي: يعني السمت، لما قال "بحسن السمت" : يعني حسن الهيئة، والهدي: يعني الطريقة والمسلك..
قال : ) بدوام السكينة والوقار والخشوع والتواضع(
وقد شرحنا هذه الألفاظ في الدرس السابق .
قال: )فقد كان السلف كما قال ابن سيرين رحمه الله يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم. (
إذاً المصنف -رحمه الله -يُنبه إلى مسألة "الأدب قبل الطلب" مسألة مشهورة عند السلف وعند العلماء كانوا يتعلمون الأدب قبل العلم ولذلك كانوا يقولون : كاد الأدب أن يكون ثلثي العلم. لأن طالب العلم إذا لم يتحلَّ بالأدب كانقد وقع في منكرينشنيعين:
**الأول: لم يعمل بالعلم، لأن من أهم مقاصد العلم العمل ومن لم يلزم الأدب لم يعمل بعلمه ..
**الثاني: قالوا يُنَفِّرِ الناس وينفُر الناس منه ومن هذا العلم؛ فلا يقبلون ما عنده ولا يُقبِلون على العلم ، وهذه مفاسد عظيمة..
قال -رحمه الله - : ) فيــا طالب العلم تجنَّب اللعب والعبث والتبذُّل في المجالس بالضحك والقهقهة وكثرة التــنادر)
قوله "تجنب اللعب والعبث والتبذل" اللعب معروف معناه والعبث قريب منه لكنهم يقولون العبث ليس لصاحبه الإرادة ولا لذة يعني لا لذة له فيها. هكذا يفرق بعضهم بين اللعب والعبث. والتبذل: بمعنى الامتهان في المجالس ، يمتهن نفسه بالضحك والقهقهة .
قال" وكثرة التنادر" التنادر يعني الإتيان بالنوادر والغرائب في الحديث أو في الفعل كذلك..
قال- رحمه الله- : ) فإن المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة، ويوغر الصدر، ويجلب الشر(.
ذكر آفات اللعب والعبث و التبذل وكثرة الضحك
ذكر منهاأربع آفات :
أولًا : يضع من القدر، و من وزنه وحرمته ووقاره والمسلم مطالب بأن يصون نفسه من الرذائل وسفاسف الأمور كما سيأتي .
الأمرالثاني: يزيل المروءة. المروءة لها عدة تعاريف من أوضحها قول الدرديري- رحمه الله- "المروءة كمال النفس بصونها عما يوجب ذمها" نفس كاملة يصونها عما يوجب ذمها..
ويعرِّفها جد ابن تيمية المجد بأنه " استعمال ما يجمِّله ويزينه واجتناب مايدنِّسه ويشينه"فكثرة الضحك والعبث يزيل مروءة الإنسان..
الأمرالثالث: الذي ذكره من آفات اللعب والعبث قال يوغر الصدر يعني يملؤه غيظًا وغضبًا ، وهذا أمر مجرب ومشاهد؛ فكثرة الضحك والمزاح يوغر صدور الجالسين على هذا الذي يضحك كثيرا ويأتي بوساوس وشرور ، لذلك قال ويجلب الشر،كالخصام وسوء الظن وغير ذلك من الآفات فعلى المسلم أن يجتنبها ..
قال -رحمه الله - )وقد قيل: «من أكثر من شيء عرف به») يعني من أكثر من اللعب عُرف باللعب، ومن أكثر من العبادة عُرف بالعبادة وهكذا ، تقرؤون في كتب التراجم: " وفلان كان من أهل الصلاة" أو يقولون: " فلان كان من أهل الصلاح" لماذا ؟ لأنه أكثر منها فعُرِف بها.
وليس معنى هذا الذين معه أو في زمانه لا يصلون ....لا... ،لكنه اشتُهر وعرف بهذا؛ أكثر من الصلاة فعُرف واشتُهر بالصلاة ..
قال- رحمه الله- : )وقال عمر من تزين بما ليس فيه شانه الله ( يعني يُشينه الله فيخرج ما في باطنه. وهنا سؤال لماذا يُشينه الله ؟
قالوا: لأنه يُظهر خلاف ما يُبطن فعاقبه الله بنقيض قصده ؛ فكما أنّ المخلص يعجل الله له البشرى في الدنيا بثناء الناس عليه كذلك الذي يتزين بما ليس فيه يعجل لهذا المتزين شيئاًمن العقوبة ذكر هذا المعنى ابن القيم- رحمه الله- .
قال المصنف : (تحلّ بالمروءة )
المروءة: مضى معنا أنّ له عدة تعريفات من أسهلها قول الدرديري- رحمه الله- " كمال النفس بصونها عما يوجب ذمها " ويعرِّفها المجد أبو البركات جد تقي الدين ابن تيمية في كتابه "المحرر"- كتاب حنبلي فقهي- يقول: " استعمال ما يُجمله ويُزينه واجتناب ما يُدنسه ويشينه".
وسيعرفها المصنف بقوله : (المروءة فعل ما يجمِّل الإنسان ويزينه عند الناس، واجتناب ما يقبحه ويشينه) هذا قريب من تعريف المجد ابن تيمية .
قال: ( فعليك بها وما يحمل إليها من مكارم الأخلاق وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام وتحمل الناس وغير ذلك) هذه كلها من كمال النفس ومن صونها عما يذمها .
قال : ( وابتعد عن خوارمها في طبع أو عمل )
الخوارم ، الخرم: في الأصل بمعنى الثقب والقطع من خرم الشيء إذا انشق ، فمعنى قوله "خوارم المروءة" يعني مايبتر ويقطع وينقص المروءة، هذا هو المقصود .
قال : ( وابتعد عن خوارمها في طبع أو عمل من حرفة مهينة )
الحرفة بمعنى الكسب العمل الذي يكتسب به، هناك أعمال مشينة لا يليق بطالب العلم أن يعمل فيها لأن فيها ماينقص المروءة وقد كتب فيها العلماء وألَّفوا فيها ومن أجمعها كتاب معاصر للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان – حفظه الله - عنوانه "المروءة وخوارمها" جمع فيها بعض الحرف وهي تختلف باختلاف الزمان والمكان وأعراف الناس وأماكنهم وكتب فيها قواعد جيدة ..
قال- رحمه الله- : (من حرفة مهينة، أو صفة رديئة؛ كالعجب والرياء، واحتقار الآخرين، وغشيان مواطن الريب والتهم، فرحم الله امرئً كفِّ الغيبة عن نفسه. (
المسلم مطالب بالاستبراء لدينه وعرضه كماجاء في "الصحيح" " ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" ، قال العلماء يجتنب كل ما يعاب عليه عند أهل الصلاح ولا يضع نفسه موضع التهمة والريبة. تعرفون القصة مرّ رجلان بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف مع زوجته صفية فأسرعا ، لمارآه أسرعا فقال صلى الله عليه وسلم "على رسلكما إنها صفية" استبرأ صلى الله عليه وسلم لعرضه. وقال العلماء: هذا شفقة عليهما حتى لا يقعا في سوء الظن ويلعب بهما الشيطان وفي آخر الحديث قال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".
وهنا مسألة قد يقول قائل كيف يطلب العبد السلامة من الناس وينظر إليهم ويترك المشتبهات ومواطن الريبة لأجل الناس ألا ينافي هذا قصد وجه الله في الأعمال؟قد يقول قائل هذا الكلام.
الجواب منأوجه:
أولاً: هذا الاستبراء مما طلبه الشارع وهو من المروءة والحياء،وقد جاء في الحديث: " أن الحياء من الإيمان" فما تقوم به من هذا الاستبراء أمر من الشارع نفسه.
الأمرالثاني: إعانة الناس على قطع سبل الوساوس وسوء الظن مطلب شرعي فإن وقوعهم فيك بسبب مجيئك لمواطن الريبة يجلب لهم الآثام ويوقعهم في المعاصي من غيبة ونميمة وغيرها.
الأمرالثالث: إذا تكلم الناس فيك جرَّ ذلك ردود فعل أخرى وأشغلك فيما لاينفع، ولهذا كله قطع الشارع هذا الطريق من أوله وأمرنا بترك وتجنب مواطن الريبة وأن ندفع التهم عن أنفسنا باجتناب مواطنها وأماكنها ومواقعها وهذا كله مالم يكن في هذا الاستبراء معصية لله ؛ وأما ما فيه معصية لله فلا يُرتكب ولا يُنظر فيه لأي مخلوق، وإنما المقصود فيما قد يُشتبه على الناظر فهذا يُجتنب فيما يُشتبه على الناظر أو السامع مما ليس حراما و لا معصية .
قال المصنف- رحمه الله- : (التمتع بخصال الرجولة(
الخصال : بمعنى الأخلاق .
قال : (كالشجاعة، وشدة البأس في الحق( يعني القوة والعزيمة في الحق قولًا وعملًا.
قال : (وشدة البأس في الحق ومكارم الأخلاق، والبذل في سبيل المعروف من مال أو جاه أو علم( البذل بمعنى العطاء مع طيب نفس و"سبيل المعروف" يعني به وجوه الخير وطرق المعروف ، والمعروف ماعرفه الشارع .
قال : "من مال أو جاه أو علم" إذن البذل يشمل المال وكذلك الجاه وكذلك العلم وله صور كثيرة لولا ضيق الوقت لتدارسناها
قال : (واحذر نواقضها من ضعف الجأش، وقلة الصبر، وضعف المكارم؛ فإنها تهضم العلم وتقطع اللسان عن قول الحق(.
" واحذر نواقضها" يعني مفسداتها.
" من ضعف الجأش" ضعف الجأش يعني ضعف النفس والقلب، والجأش يطلق ويُراد به النفس والصدر والقلب ، يقولون رابط الجأش يعني رابط النفس ساكن القلب ثابت ..
قال- رحمه الله- (واحذر نواقضها من ضعف الجأش، وقلة الصبر، وضعف المكارم؛ فإنها تهضم العلم وتقطع اللسان عن قول الحق(.
أما "هضم العلم" فيعني به نقصان قدره ونزول منزلته، وكلامه هذا صحيح -رحمه الله- فمن اتصف بضعف الجأش وقلة الصبر وضعف المكارم؛ قلَّت قيمته ،وقيمة ما يحمله من علم ، وطالب العلم صورة للشرع والإسلام ، وهذه الصفات : ضعف الجأش والمكارم تجعله خائفًا يهاب كلمة الحق. لأن كلمة الحق تُغضب أهل الباطل، فإذا لم يكن شجاعًا هاب كلمة الحق وسكت ، وهذا الوصف لا يشمل من سكت حكمة ومراعاة لمصالح أخرى أكبر تعود بالخير على الإسلام والمسلمين
والكلام على هذا يطول ونقف عند هذا الحد والله تعالى أعلم..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين


[/frame]
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx تفريغ الدرس الثالث من الحلية.docx‏ (169.6 كيلوبايت, المشاهدات 599)

التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 01-04-15 الساعة 12:30 AM
صوفيا محمد غير متواجد حالياً  
قديم 26-03-15, 12:42 AM   #5
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
افتراضي




[frame="10 10"]

✿ الدرس الرابع ✿

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد ،
يقول المصنف- رحمه الله- : هجر الترف :
و الهجر بمعنى الترك ، و الترف بمعنى سعة العيش ، يقولون هذا مترف يعني منعم ، و سيذكر المصنف هنا أدبا ينبغي لطالب العلم أن يتصف به .
قال- رحمه الله -: (لا تكثر من التنعم و الرفاهية ، فإن البذاذة من الإيمان كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم) قوله" و لا تكثر من التنعم و الرفاهية" ، التنعم التكلف و السرف في النعم و الاعتياد عليها و الرفاهية لين العيش و التوسع فيه و نحو ذلك من المعاني ؛ يقول : (لا تكثر من التنعم و الرفاهية فان البذاذة من الايمان) ، البذاذة فسرها الامام أحمد ببعض صورها فقال التواضع في اللباس ، و هذا لا يستلزم المذلة وإنما المقصود عدم التبجح باللباس و تكلفه. و العلماء يقولون البذاذة رقة الهيئة و ترك الترفه و ترك إدامة التزين و التنعم في البدن و الملبس ، و هذا لا ينافي و لا يعارض لبس الثياب النظيفة و لا التجمل في الأعياد و عند لقاء الضيوف و الأهل و إنما النهي منصب على أمرين :

- الأول : الاعتياد عليه بحيث لا يصبر المرء عنه و لا يستطيع غير هذه العيشة .
-الامر الثاني : ما كان على وجه المفاخرة و التبجح و نحو ذلك ، و إلا بالنسبة للتزين و التجمل فقد جاءت النصوص بإظهار نعمة الله على عبده ، قال رحمه الله : فإن البذاذة من الإيمان كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم ، يشير إلى حديث أبي أمامة و هو في السنن ، و هذا الحديث اختلف العلماء في صحته ، ابن عبد البر يضعفه و بعضهم يصححه ، قال :" و قال عمر رضي الله عنه : إياكم و زي العجم و تمعددوا و اخشوشنوا " تمعدد الشيء يعني غلُظ و قيل إن عيشة معد بن عدنان كانت خشنة فقيل تمعددوا ، و قول اخشوشنوا من الخشونة و هو أمر بلزوم الخشونة و الاعتياد عليها ، و هذا كله حتى يصبر الجسم و حتى يصير صلبا فإذا ما احتاج الرجل لنفسه وجد نفسه و استطاع الصبر و تحمل ذلك ، و أما أهل التنعم و الترف يكون ذلك شاقا عليهم و يركن للدنيا خوفا من انقطاع هذا اللذة و التنعم ، و حينئذ تتعلق قلوبهم بالدنيا الفانية و ينقطعون عن التهيؤ للاخرة بالعمل و المجاهدة ، و هذه كلها مفاسد عظيمة
- قال -رحمه الله- : (فالحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص و تحديد له ، بل هو وسيلة من وسائل التعبير عن الذات ) هذا صحيح ، فمن معايير الحكم و التقييم لدى كل ناظر من الوهلة الأولى لباس المرء و هيأته .
قال: ( فخذ من اللباس ما يزينك و لا يشينك و اجعل ملبسك و كيفية لبسك يلتقيان مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي .
و كان عمر يقول : أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب) و هذا البيان منه لدفع توهم ، لأن القارئ الذي يقرأ هذه الحلية قد يظن أن المراد لبس الثياب المرقعة و ترك التنعم و النظافة !... لا ...هذا ليس مرادا ، فالبذاذة و القناعة بالدون من الثياب لا تنافي النظافة التي أمرت بها الشريعة ؛ بل على المرء أن يلبس حسب حاله من غنى أو فقر و بحسب بيئته ، فيقنع بالقليل عند الفقراء و يلبس ما يزينه و لا يشينه عند الأغنياء و هكذا ، و على هذا حملوا فعل عمر رضي الله عنه ، كان يلبس لباسا عليه رقعة ، و قيل فعلها لحكمة ، خاف أن يقتدي به عماله بعد ذلك بالديْن أو بالأخذ من مال المسلمين ، و قول عمر "أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب "، يقصد بالقارئ أهل العلم لأن أهل القرآن قديما هم أهل العلم و المعرفة به ، و يحتمل أن المراد به أهل العبادة ، و المهم أن المراد بالتجمل هنا يعني في أعين الناس صيانة للعلم ؛ و الزهد ليس في لبس الخشن و ترك النظافة .
قال- رحمه الله- : (و اعلم الناس يصنفونك من لباسك ، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من الرصانة و التعقل و التمشيخ و الرهبنة و التصابي و حب الظهور ) الرصانة: تعني الثبات و عدم الطيش ،و التمشيخ: يعني الانتساب للمشيخة ، و الرهبنة: يعني الترهب و هو الانقطاع للعبادة ، و التصابي: تكلف الصبى .
قال -رحمه الله -: ( فإياك ثم إياك من لباس التصابي و اللباس الافرنجي الذي لا يخفى عليك حكمه ) لباس التصابي يعني بأن يتكلف كبير السن لباس الصبيان ، فيصبح كأنه صبي و يتصنع بأنه صغير سن في الهيئة و الشكل ؛ هذا كله من الأمور المعيبة الجالبة للازدراء ، و اللبس الافرنجي :يعني لباس أهل الإفرنج و المقصود ما كان من خصائصهم في اللبس بحيث يظن لابسه منهم ؛ ثم قال ( الذي لا يخفى عليك حكمه) حكمه التحريم ؛ قال : (و ليس معنى هذا أن تأتي بلباس مشوه ) المشوه بمعنى القبيح .
قال :( لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع) ، يعني باللباس الذي أمر به الشرع بلا إفراط و لا تفريط

قال- رحمه الله- :( الإعراض عن مجالس اللغو )
الإعراض من العرض و منه قوله تعالى :" خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين " يعني تول عنهم و أعطهم عرضك ، و مجالس اللغو سياتي بيانها في كلام المصنف .
قال -رحمه الله- :( ابتعد عن مجالس اللغو التي لا فائدة فيها )
اللغو: في الأصل يطلق على ما لا يعتد به لأنه كلام يقال بدون رويَّة و تفكر ، هذا في الأصل و لذلك صار يطلق على الكلام القبيح و أخلاط الكلام و ما لا يهتم به العاقل لكونه مما لا يعنيه ، فمجالس اللغو يكثر فيها الباطل ، فإن لم يخرج العبد منها بإثم و شر، كان عدم الفائدة أقل ما يجد من هذه المجالس فتضيع عليه الأوقات ويندم عليها .

قال -رحمه الله- :( و اعلم أنها تهتك أستار الأدب ، فإن فعلت ذلك فإن جنايتك على العلم و أهله عظيمة) هذا تشبيه بليغ من المؤلف ، كأن الأدب ستار يستر العيوب و الآفات و يتجمل به المرء ، فاذا جلس في مجالس اللغو هتك هذا الستار ، و ينكشف القبح و يكون جانيا على العلم و أهله بتصويرهم بهذه الصورة القبيحة لأنه يمثلهم!
- قال- رحمه الله -: (الإعراض عن الهيشات )
الهيشات: بمعنى الاختلاف و التنازع و الاضطراب و نحو ذلك مما ينتج عنه ، و قد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم " إياك و هيشات الأسواق " يعني الخصومات و الفتن التي تحدث في الأسواق ؛.
قال -رحمه الله- : (صن نفسك أيها الطالب من اللغط و الهيشات لأنها تشتمل على السب و الشتم و غير ذلك من الأخلاق القبيحة و هذا ينافي أدب الطلب
)

كلامه صحيح ، فالهيشات و مواطن الخصومة تجر المرء إلى السباب و الشتم و لا بد ، فيقع في المحظور ، و كونه يحضرها و لو لم يقع منه شيء كاف لسلب المروءة منه في أعين الناظرين و هي في الحقيقه أماكن غفلة فينبغي لطالب العلم أن يجتنبها .
قال- رحمه الله- :( التحلي بالرفق :
تجنب الكلمة الجافية في خطابك و اجعله لينا)
جافية: يعني غليظة التي فيها فظاظة .
قال :( و كذا تجنب الفعل الجافي حتى تتألف النفوس الناشزة )
الرفق و اللطف يألف الناس صاحبه ، و النفوس الناشزة يعني به المستعصية الجافية ، نفرت عن الحق و ثقل عليها ، و منه قوله تعالى في معنى النشوز هنا " و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا "
قال- رحمه الله- :( و الأدلة في ذلك كثيرة ، و كما يقولون الكلم اللين يغلب الحق البين) .

صدق -رحمه الله- فمن الأدلة على التحلي بالرفق قوله تعالى : " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" ، تأملوا المخاطب أشرف الخلق هم الرسل ، صادقون مصيبون للحق طُلب منهم هذا الرفق مع أكفر الخلق و أشدهم عنادا و عتوا و هو فرعون ، فلا نحن أفضل من موسى عليه السلام حتى نترك اللين و الرفق ، و لا المخاطبون بأخبث من فرعون ، و من الأدلة كذلك فعل النبي مع الأعرابي ، جاء فبال في المسجد و الصحابة ينظرون إليه ، فلما قاموا ينهرونه نهاهم النبي صلى الله و تركه حتى قضى حاجته ثم دعاه و بين له برفق و لين ، و لكم أن تتخيلوا لو فعل هذا الآن رجل مثله في مساجدنا وماذا سنفعل ، الله المستعان !!
قال -رحمه الله -: (فكن أيها الطالب رفيقا من غير ضعف عنيفا في مواضع العنف)
دفع توهما فاسدا و هذا من مميزات هذا الكتاب ، الوضوح و الدقة في العبارة و دفع ما قد يتوهم من الباطل ؛ فقوله: " من غير ضعف" دفع لما قد يتوهم أن الرفق يستلزم الضعف ، و هذا غير صحيح بل الرفق صفة محبوبة مرغب فيها و هي الأصل دائما و أما الضعف فهو ذلة و خسة و باعثها حظ النفس دائما و طلب منافع الدنيا ، و أما الذي يرفق و يلين فهمه قبول الناس للحق و انقيادهم لله و دخول محبة الله في قلوبهم هذا همه ، ثم قال المصنف :( و إذا دار الأمر بينهما فالأولى الرفق) .

الرفق هو الأصل ، و هو المقدم عند التردد و الاشتباه ، ففي بعض المواقف وهي قليلة تحتاج إلى الحزم و الشدة ، كمن عنده علم بالحكم الشرعي مع استعداد و قبول للحق ، هذا قد يكون أحيانا من المصلحة أن تشد عليه ، كما في قصة الثلاثة الذين خلفوا و قد يكون عالما بالحكم لكنه ضعيف الإيمان ، كما في قصة الشاب الذي جاء و استأذن الرسول صلى الله عليه و سلم في المعصية ، فقال له النبي :" هل ترضاه لأمك بعد أن دعاه و أجلسه عنده ، قال لا قال:" الناس لا يرضونه كذلك لأمهاتهم ، قال هل ترضاه لأختك؟" قال لا و هكذا بدأ يعدد عليه ثم مسح على صدره و قال اللهم ... إلى آخر الحديث .
و قد يكون كما في حديث ابن عباس في الصحيح رجل وضع في يده خاتما من ذهب فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم و طرحه و قال:" أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده ؟ !". لكن انظروا إلى الاستعداد الذي عند هذا الرجل ، لما ذهب النبي قال خذ الخاتم و انتفع به ، مع أن الانتفاع بالخاتم حلال ، يبيعه أو يهديه لاهله ، لكن الرجل قال :و الله لا آخذه و قد طرحه رسول الله ، يعني انظر إلى الحال ، لكن الأصل هو الرفق و اللين هذا هو الأصل و هذه هي القاعدة؛ متى ما اشتبه عليك الأمر فعليك بالرفق ، هذا من دقيق جمل المصنف .
قال- رحمه الله- : التأمل
التأمل: بمعنى التثبت في النظر مرة بعد مرة و تدبر الأمر و هي من الصفات المهمة التي تفتقد عندنا .
قال -رحمه الله- :( عليك بالتريث و التأني في كلامك و أفعالك) التريث :بمعنى التأني و البطء لحكمة التأمل ، (و تأمل عند الكلام بماذا تتكلم و ماهي عائدته) ، يعني انظر في عاقبة كلامك الذي ستقول هل سيعود بالخير أم غيره ، و قد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم " من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت " وهذا يقتضي من المتكلم أن ينظر في كلامه قبل أن يتكلم إن كان خيرا فليقله و إن استوى الطرفان أو لم يكن قطعا من الخير فاسكت .
قال -رحمه الله-: ( و تأمل عند المذاكرة (المناظرة) كيف تختار القالب المناسب للمعنى المراد)
هذا له فن مستقل وهو فن المناظرة لكن المقصود هنا الإشارة إلى أهمية اختيار اللفظ الحسن المؤدي للمقصود ، فكل مقصود ممكن تصل إليه بقالب حسن أو سيء ، و يمكن أن تصل له بطريق طويل أو قصير ، يمكن أن تصوره بتصوير سليم أو قبيح و هكذا ، فانظر إلى المناسب المؤدي للمعنى المراد.

ثم قال : (تأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل وجهين )
لأن بعض الأسئلة محتملة ، فتفهم منه معان و صاحب السؤال يريد معنى آخر ، فلا بد أن تتفهم السؤال و لا بأس أن تستفصل من السائل حتى تفهم السؤال على وجهه المرد .
قال- رحمه الله-( و أيضا تأمل كذلك عند الجواب) هذا في غاية الأهمية و إجادة هذا فن موهبة و مِن أتقن من يتقن هذا ابن تيمية -رحمه الله- في القيود و المحترزات و دقة الألفاظ التي يوردها في إجاباته لا ترى لها مثيلا ، و ذك فضل الله يؤتيه من يشاء
.
ثم قال- رحمه الله-: الثبات و التثبت
الثبات بمعنى الدوام و الاستقرار و الاستقامة على الشيء . و الثتبث تكلف ثبوت الشيء و صحة نسبته و صوابه .
قال : (عليك بالصبر و التباث في التلقي لا تمل و لا تضجر ، و اطو الساعات في التلقي عن الأشياخ و كذلك التثبت فيما يصل إليك من أخبار و فيما ينقل عنك من أحكام )
خلاصة هذا الأدب ثلاثة أمور :

أولا : الصبر و الثبات في الطلب فلا بد أن يكون الطالب صاحب ثبات و صبر ، لأن العلم شاق و طويل ، و قد قال تعالى " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " لذلك حين قيل للإمام مالك العلم سهل ، قال ليس في العلم شيء سهل!! ، و لذلك يحتاج طالب العلم أن يسأل الله التوفيق و الثبات و أن يزرقه الصبر و العلم ، إذن طالب العلم لا يكون كثير التنقل و الملل بل يصبر و يحتسب.
الأمر الثاني: الذي جاء في هذا الادب التثبت فيما يصل إليك من أخبار ؛ جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " ، و ما أحوجنا إلى هذا الأدب في هذا الزمان مع كثرة وسائل التواصل الاجتماعي" فيس بوك تويتر و غير ذلك ، ينقل فيها كل ساقط و لاقط و كلما جاء خبر تلقفه الناس ؛ و ما رأيت الناس أشد شغفا بالأخبار مثلهم في هذ الزمن مع أن أكثرهم لا يقدم في الأخبار و لا يؤخر ، يتعرض للفتن و السيل الجارف و ينقد الفكرة و نفسه ووقته و يتشتت همه فلا علما حفظ و لا ناسا علم و لم يشتغل فيما ينفعه و لا عبادة اجتهد فيها ، لذلك لا بد أن يتثبت الإنسان من الأخبار و لا ينقل كل خبر و لا يتعرض لها أصلا ، يكفي من الأخبار الخطوط العريضة ؛ و قد كان السلف يجمعون همهم على الأمور النافعة و يتركون أخبار الناس ؛ هذه فتن تأتي ثم تزول فإذا لم يشتغل العبد فيها بالأمر الصالح انكشفت و قد ضاع وقته و لم يحصل شيئا و لم ينفع أحدا لا نفسه ولا غيره .
الأمر الثالث : قال التثبت فيما ينقل عنك من أحكام ، فلا بد لطالب العلم أن يتأمل كلامه و أن يعرف كيف سينقل عنه و قد عرفنا بعض العلماء إذا أفتى سأل متلقي الفتوى ماذا فهمت من كلامي ، حتى يرى كيف سينقل كلامه هل على وجه صحيح أم غير ذلك .
و الله تعالى أعلم ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد .
[/frame]



الملفات المرفقة
نوع الملف: docx تفريغ الدرس الرابع من الحلية.docx‏ (170.3 كيلوبايت, المشاهدات 557)

التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 01-04-15 الساعة 12:20 AM
صوفيا محمد غير متواجد حالياً  
قديم 26-03-15, 02:29 AM   #6
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
افتراضي

[frame="10 10"]


✿ الدرس الخامس ✿



بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيقول المصنف- رحمه الله –( ثانيا :كيفية الطلب والتلقي.)
انتهى المؤلف –رحمه الله- من الكلام عن الأصل الأول وهي التي تتعلق بآداب الطالب في نفسه وشرع –رحمه الله –في الأمر الثاني ,أو الأصل الثاني وهوكيفية الطلب والتلقي.
بمعنى كيف يبدأ الطالب والمنهج الذي يسلكه في تحصيله ليتقن العلم
قال –رحمه الله-:(كيفية الطلب والتلقي ومراتبه:
لابد من التـأصيل والتأسيس آخذا في ذلك بالتدرج, كما قال تعالى:[وقُرآناً فَرَقْنَاهُ لتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاس عَلىَ مُكْث ونَزَّلْنَاهُ تَنْزيلاَ][الاسراء:107])

لماذاقال لا بد من التأصيل والتأسيس؟ لأن العلم طويل وفروعه كثيرة ومسائله مترابطة ومتشابهة ولها صور وضوابط ...الخ .
فإذا لم يأخذ بالتأصيل والتأسيس حصل للطالب شيئان:
الأمر الأول:الانقطاع لعجزه عن جمع شتات هذه المعلومات .
الأمر الثاني:التشتت وضعف المدارك فتجد المعلومات عنده متناثرة يخلط بينها ولا يأتي بها على وجهها
-وقوله تعالى: [وقُرآناً فَرَقْنَاهُ لتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاس عَلىَ مُكْث ونَزَّلْنَاهُ تَنْزيلاَ][الاسراء:107] يعني على مهل وعلى طول مدة .لماذا؟
قال العلماء: حتى يتدبروه ويتأملوه وينظروا في معانيه ويثبت في نفوس سامعيه وهذا فيه إشارة إلى أن القرآن ينبغي أن يفهم على هذا الوجه وأن يدرس على هذه الطريقة.
قال- رحمه الله-( فلابد أيها الطالب من مراعاة الأمور الآتية في كل فن تطلبه.)
سيدخل المصنف هنا أمورا هي خلاصة وزبدة كل ما ستجده من كلام حول المنهجية والطريقة المعروفة عند العلماء, وما سيذكره -رحمه الله- يتفاوت في الأهمية :
قال- رحمه الله- :(الأمر الأول :حفظ مختصر فيه)
هذا الأمر الأول لابد من حفظ مختصر أو لا بد من كثرة قراءته على الأقل حتى تستحضر مواضع مسائله وتستحضر الإطارالعام لترتيبه والخطوط العريضة لمسائله,لماذا ؟
الجواب بالتفصيل يطول لكن الخلاصة لأن المختصرات نعمة من الله جمعت مسائل كثيرة وصورا عديدة بترتيب عجيب وبطريقة مبتكرة تبني طالب العلم على قاعدة صلبة وهي الجادة التي سلكها كبارالعلماء ,سلكوا هذه الطريقة ,كانوا يحفظون في كل فن مختصرا أو يكثرون من قراءته حتى يستحضروا جلّ مسائله
قال –رحمه الله -:(الأمر الثاني :ضبطه على شيخ متقن أمين .)
هذا الأمر الثاني ,ولماذااشترط الإتقان والأمانة ؟
الإتقان :حتى يعلمك الشيخ العلم الصحيح فلا يخلط في المسائل أو يصورها لك على غير صورتها .
ولماذا اشترط الأمانة ؟
حتى يعني –قال العلماء- حتى ينقلها لك على وجهها ولو كانت تخالف توجهك أو توجه ذلك الشيخ فلا يلبس عليك.
وقوله –رحمه الله –: (على شيخ ).
يعني ولوكان طالب علم متقدم عليك ولم يبلغ مرتبة الشيوخ بعد,فلا بأس به, لكن يقصد بالشيخ يعني بالنسبة لك. بل أكثر علمائنا الذين أعرفهم درسوا على طلبة علم قبل شيوخهم أو بأمر من شيوخهم ,كالشيخ ابن عثيمين وغيره هذا أمر من شيوخه.

قال –رحمه الله -:(الأمر الثالث:عدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط والاتقان لأصله .)
التفاريق يعني أجزاء من مصنفات ,هذا أمر مجرب من اشتغل بالمطولات وتفاريق المصنفات يلتقط منها نتفا ؛ من فعل هذا قبل ضبط الأصل لم يحصل إلا نُتفاً لايستطيع البناء عليها .
قال –رحمه الله –( الأمر الرابع : لا تنتقل من مختصر إلى آخر فتضجر.)
يمكن يقصد الانتقال من مختصر إلى آخرتَضَجُّرا –على كل حال- يعني الضجر في الأصل ضيق النفس ,هذه الصفة لا تنبغي لطالب العلم كونه ينتقل من مختصر إلى آخر معناه أنه: لا صبر عنده – ضيق النفس – ملول,هذه الصفات الثلاثة يعني لا تليق بطالب العلم
قال- رحمه الله –( الأمر الخامس: اقتناص الفوائد والضوابط العلمية .)
هذه الضوابط والفوائد العلمية تختصر على الطا لب المسافات وتفيده في حل المشكلات ,وللعلماء في طريقة كتابتها طرق كثيرة , فعند جردك وقراءتك لكتاب مثلا ضع الفائدة على غلاف الكتاب مثلا ثم انقلها في دفتر للفوائد مقسم إلى أقسام : قسم للعقيدة، وقسم للفقه، وقسم للأصول، وقسم للحديث ؛وكل قسم فيها أقسام ,قسم العقيدة مقسم إلى الإيمان بالله وما يندرج تحته من وجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ,الإيمان بالكتب ,وتضع أقسام لها : الأنبياء السابقين,القرآن المنزل ....الخ
هذه إحدى الطرق .
ويبقى السؤال ماهو ضابط الفائدة ؟

الجواب :هذا أمر نسبي ,لكن غالبا بعد دراسة الباب؛ مثلا باب :كتاب الطهارة –باب الحديث المرسل أو باب الإعلال بالقلب ونحو ذلك ,واستيفاء دراسة هذا الباب تأتي بعدها نتف ويأتي بعدها كلام قليل الوُرُود لكنه يحلّ إشكالات كثيرة أو يحل إشكالات لم تجد لها جوابًا قبل قراءتك لهذه الفائدة ولم تجد لها جوابا في القراءات الأولى والدراسات الأولى فمثل هذا يعتبر فائدة بالنسبة لك .
قال – رحمه الله - :(الأمر السادس : جمع النفس للطلب والترقي فيه مع الاهتمام والتحرق للتحصيل والبلوغ لما فوقه .)
التحرق يعني كأنه يحترق هما وعزيمة لأجل التحصيل والبلوغ للرتبة التي فوقه ,فذكر هنا صفتين:
الأولى :جمع النفس بمعنى جمع الهم وتركيزه للعلم .
ثانيا:التحرق للتحصيل : ولذلك يقولون كان أبو حنيفة يقول لما سئل بماذا يستعان لحفظ الفقه ؟ قال بجمع الهم . والكلام على هذا الباب طويل جدا .
قال –رحمه الله – واعلم أن المقدم على ذلك كله هو حفظ القرآن الكريم ودوام مراجعته حتى يثبت .
وهذا صحيح فالقرآن رأس العلوم وأ صل ينابيع المعرفة والعلم وهو نور فقراءته فقط منقبة عظيمة ,كل حرف عشر حسنات ,وهو حبل الله المتين ويصلح اللسان ,لأنك تحفظ وتقرأ أفضل الكلام وأقوى الحجج ويكفي أنه كلام رب العزة والجلال ومن لم يستطع حفظه كله فليحفظ منه ما يستطيع .
قال-رحمه الله -:(أما الخلط في التعليم بين علمين فأكثر فهذا يختلف باختلاف المتعلمين في الفهم والنشاط .)
هذا صحيح وبالتجربة وجدنا أغلب الناس وأكثرهم إنجازا في الغالب من يعكف على فن وينهيه ثم ينطلق للآخر ولا يشتت نفسه .
قال –رحمه الله – (وإليك أيها الطالب نماذج للكتب التي ينبغي للطالب أن يتدرج عليها في رحلته لطلب العلم .)
هذه الكتب التي سيذكرها الآن طريق مسلوك وجادة معروفة من سلكها وصل باذن الله.
ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد طريق غيرها ,لا . هناك طرق أخرى وهناك كتب أخرى والأمر ليس توقيفيا ,وما سيذكره من الكتب لا يعلق عليه لأن الأمر سيطول ,لكن أحيلكم إلى كتاب نافع جدا سأذكره لكم في آخر كلامه.
قال –رحمه الله –(ففي توحيد العبادة :ثلاثة الأصول وأدلتها والقواعد الأربع ,وكشف الشبهات ,ثم كتاب التوحيد, أربعتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-)
هذه ولله الحمد مشروحة بشروحات كثيرة جدا فلعلّ الأنسب أن يبدأ الطالب بشروحات الشيخ ابن عثيمين ثم عبد الله بن صالح الفوزان ,وهذا الأخير الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان صاحب تآليف نافعة مباركة فاهتم بجميع كتب الشيخ .
قال-رحمه الله – (وفي توحيد الأسماء والصفات : الواسطية والحموية والتدمرية ثلاثتها لابن تيمية ثم الطحاوية مع شرحها .)
نعم ومن أراد الإقتصار فتكفيه الواسطية والطحاوية بشروحها .
ثم قال- رحمه الله - :(وفي النحو : الأجرومية ثم ألفية ابن مالك مع شرحها لابن عقيل .)
والنحو بالذات فالعبء الكبيرعلى الشيخ المعلم ,ومثله في غالب علوم الآلة .
ثم قال – رحمه الله - :(وفي الحديث :الأربعون النووية ثم عمدة الأحكام للمقدسي أو بلوغ المرام لابن حجر ,فالدخول في الأمَّات الست .)
هذه كتب مشهورة ,وهناك منهجية أخرى لكن المقصود والمؤدى واحد .المهم أن يبدأ طالب العلم .
قال- رحمه الله – (وفي المصطلح :نخبة الفكر لابن حجر ثم ألفية العراقي .)
هذا في فن المصطلح وأوصي المبتدئ أن يقرأكتاب الشيخ طارق عوض الله [المدخل إلى علم الحديث ] ,جمع بين السهولة والعمق وفيه فوائد جليلة وهو للمبتدئ سهل نافع .
ثم قال –رحمه الله - :(وفي الفقه :آداب المشي إلى الصلاة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ثم زاد المستقنع رحمه الله تعالى أو عمدة الفقه ,ثم المقنع للخلاف المذهبي ,فالمغني للخلاف العالي ,ثلاثتها لابن قدامه رحمه الله تعالى .)
هذا للمتفقه على المذهب الحنبلي
ثم قال – رحمه الله –( وفي الأصول :الورقات للجويني ثم روضة الناظر لابن قدام
ة )
الأنسب أن يكون بعد الورقات ,قواعد الأصول ومعاقد الفصول أو كتاب الشيخ العثيمين الأصول من علم الأصول لأن الروضة كتاب كبير وترتيبه ليس بذاك .
قال –رحمه الله –( وفي الفرائض :الرحبية للرحبي) أو البرهانية ,ودراسة علم الفرائض على الفقهاء عندي أجود والله أعلم وللكلام على هذا موضع آخر .
ثم قال –رحمه الله – (وفي السيرة: مختصرها لمحمد بن عبد الوهاب ثم سيرة ابن هشام وكذا زاد المعاد لابن القيم .)
الزاد كتاب كبير جدا فيه علم غزير في سائر الفنون ,ومن أفضل كتب السيرة المعاصرة كتاب [اللؤلؤ المكنون للشيخ موسى العازمي .
ثم قال –رحمه الله – (وفي لسان العرب :العناية ب الأشعار كالمعلقات السبع والمرور على القاموس للفيروز آبادي .)
الله المستعان – المعلقات قصائد مشهورة من أشعار العرب قديما ,فيها إبداع فني وتصوير الناس لحياتهم ومن عادة أهل العلم دراستها وتعلمها لأنها تعلمك اللسان العربي وطريقة العرب تركيبا وأسلوبا .
وسبب تسميتها بالمعلقات فيها أقوال ثلاثة راح نتركها اختصارا .
ثم قال –رحمه الله – وهكذا في مراحل الطلب .
فهذه هي أصالة الطلب ,وذلك من خلال دراسة المختصرات المعتمدة وحفظها ,لا على الفهم فحسب ,فلا بد من الأمرين معا.
هذا صحيح حفظا وظبطا للأصول .وفهم الشروح وكلام أهل العلم ,وقد كان معنا من كان ينهانا عن الحفظ والآن ليس معه شيء سوى نتف من المعلومات .
قال –رحمه الله – (ولا بد من خلو التلقين من الزغل والشوائب والكدر سيرا على منهاج السلف .)
الزغل : الغش ,والكدر :عكس الصفو ,يعني تغير اللون بسبب النجاسة ونحوه,والشوائب :الشيء الغريب الذي يختلط بالشيء كالقاذورات تختلط بماء ونحوه .
ومقصود المؤلف أن يكون التلقين والتلقي خاليا من هذه العيوب صافيا من منابعه وأصله .
أحيلكم على كتابين نافعين جدا في مسألة المناهج وكيفية الطلب ،وكافيين في هذا الباب :
الكتاب الأول :[الدليل إلى المتون العلمية ] للشيخ عبد العزيز ابن القاسم .
يذكر المتن ويذكر طباعته ويذكر شروحه المكتوبة وشروحه الصوتية .
الكتاب الثاني : [السبل المرضية ]لأخينا العزيز الأستاذ أحمد سالم .
جمع فيه فوائد كثيرة تستطيع أن تنظر فهرس الكتاب وتختار ما تشاء ,وهذا الكتاب الثاني كتب منهجية لكل فن مع فوائد لا تجدها في غيره من الكتب .
قال المصنف –رحمه الله– (17- تلقي العلم على الأشياخ :
طريقة التلقين والتلقي عن الأسانيد والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب هي الأصل في الطلب .)

إذن الأصل في طلب العلم أن يؤخذ من أفواه الرجال وبطريق التلقين والتّلقي ,يعني يلقنك ويعلمك هذا هو الأصل .
وهل العلم لا ينال إلا بهذه الطريقة ؟
يعني من لم يكن عنده شيوخ أولم يستطيع أن يدرس عند شيوخ أولم يستطع أن يجلس عند العلماء , هل نقول انقطع الطريق أمامك وسدّ الباب في وجهك ؟
الجواب: لا , هناك طرق كثيرة يتحصل العلم منها .لكن الأصل هو ما ذكر الشيخ المؤلف.
لماذا قلنا الأصل ؟ الكلام على هذا سيأتي إن شاء الله .
قال المصنف –رحمه الله – (فقد قيل:[ من د خل في العلم وحده خرج وحده])
يعني يخرج وحده بدون علم معه لأنه دخل وحده دون شيخ,وينقل عن الشافعي أنه قال [من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام]
هل هذا يعني عدم التفقه من بطون الكتب ؟ لكن كل مايعنيه ويراد به أمران فقط
الأمر الأول: لا تستغني بالكتب عن الشيوخ إذا كنت قادرا على الشيوخ هذا الأمر الأول الذي يريدونه .
الأمر الثاني : إذا لم تستطع التعلم على يد الشيوخ وتفقهت وتعلمت من الكتب فلا تظن نفسك عالما وتناطح أهل العلم أوتفتي بإجتهادك أوتعترض باعتراضات شاذة لم يقل بها أهل العلم ,لا! .اعرف قدرك أنك بمرتبة أدنى من مرتبة الأخذ عن الشيوخ في نفسك ,يعني لو أخذت عن الشيوخ لبلغت مبلغا آخر غير هذا المقام الذي أنت فيه وإلا لا أحد يقول لاتقرأمن الكتب ,هذا لم يقل به أحد.
قال المصنف –رحمه الله- (إذ العلم صنعة وكل صنعة تحتاج إلى صانع ,فلا بد إذن لتعلمها من معلمها الحاذق .)
لتعلم النجارة مثلا والسباحة والطبخ وغيرها لابد من معلمها فالقراءة في الكتب لا تكفي لوحدها مهما قرأت عن السباحة لن تستطيع السباحة حتى تتدرب من مدرب ماهر –والنادر لا حكم له- لأن أخذ العلوم من الكتب يوقع في أخطاء كثيرة يطول ذكرها .
فمع فائدة القراءة من الكتب فإنه لابد من شيخ أو طالب علم متقدم ترجع إليه ليوضح ويصحح ويبين .
قال المصنف – رحمه لله – (والدليل على ذلك : أن آلاف التراجم و السير على مدارالتاريخ مشحونة بتسمية الشيوخ والتلاميذ ومستقل من ذلك ومستكثر.)
في الحقيقة من أجمل العبارات التي تقال في هذا المقام – انتبهوا لهذه العبارة -:[ كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب وصارت مفاتيحه بأيدي الرجال ] هذه من أصدق العبارات وأوفاها معنى ً ,
انتقل إلى الكتب صحيح لكن مفاتيحها أين ؟بأيدي الرجال ,فآل الأمر إلى ضرورة القراءة على الشيوخ والمدرسين والمعلمين وطلبة العلم المتقدمين .
كأنك مع رجل عارف بأرض معينة وتريد أن تسلك طريقا مختصرا آمنا من مخاطرالطرق ,فكيف إذا مشيت بخارطة أو مشيت مع رجل خريط يعرف الأرض؟ تعرفون الفرق بين هذا وهذا ,من طلب العلم دون الشيوخ ومن طلب العلم على أيدي الشيوخ .
والله تعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
[/frame]


التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 04-04-15 الساعة 01:08 AM
صوفيا محمد غير متواجد حالياً  
قديم 01-04-15, 12:28 AM   #7
فاطمة سالم
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني1 بمعهد لعلوم الشرعية|
افتراضي

[frame="10 10"]
الـــدرس الســادس ✿


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
فيقـول المصنف رحمه الله تعالى:
" ثــالثًا: أدب الطالب مع شيخه"
شـرع المصنف رحمه الله تعالى فـي الأدب الثــــالث بعــد فـــــراغه من أدب الطالب مع نفسه. وبعـد بيانه لبعض القـواعـــــد التي تتعلق بالتلقــي وطريقة الطلب. قـــــال:" رعـاية حرمة الشيخ"
حرمة الشيء : يعني الأمــور التي يحرم عليك ان تعتدي عليها وأن تنتهكها. الحرمة: المهابة والاحتـرام .


قال: (ليكن شيخك ومعلمك محل إجلال منك وتقدير وتلطف) ، وفي ذلك يقول الحكيــم:
إن المُعلِمَ والطبيبَ كـــــلاهما ** لا ينصحانِ إذا هما لم يُكـــرَما

فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه ** واقنع بجهلك إن جفوت مُعلِّمـا

قد يُقـــال على المعلم والطبيب ألا ينتظرا الإكرام!!
هذا صحيح.. لكن الكــــلام الآن موجه للطالب فيقال له: أكرم هؤلاء فإنهم بشر وأنت بحاجة إليهم ، وأما المعلم فيقــال له كـــلام آخر ليس هذا محله.
قـــال: (فتأدب في جلوسك معه، والتحدث إليه، وحسن السؤال) السؤال قد يقع على وجه حسن وقد يكـــون على وجه مشين؛ فالزم الحسن.
قــــــال: (وحسن الســؤال والاستماع وحسن الأدب في تصفح الكتــــاب أمامه ومع الكتاب) يعني حسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه وكذلك حسن الأدب مع الكتاب نفسه، هذا كتاب علم لا يُمتهن. قــــال: (ولا تتقدم عليه بكلام أو مسير، أو إكثار الكــلام عنده، أو المداخلة أثناء حديثه ودرسه بكلام منك أو إلحاح عليه في جواب) هذا يقع كثيرا الله المستعان يعني يُقــــاطع باعتراضات ويُلقَّن الآيات والأحـاديث ليس هذا من باب الأدب.
قال رحمه الله: (متجنبًا الإكثــــار من السـؤال؛ خاصة مع كثــرة الناس؛ لئلا تفتر أنت ويمل هو)
في بعض الأوقات لا يكون السؤال مناسبا يكـــون وقت أكل أو مؤانسة، إذا تتابعت الأسئلة على الشيخ وهـــو واحــــد والأسئلة من العشرات تعِب وملَّ.
قال رحمه الله:( ولا تناده باسمه مجردًا بل قل يا شيخنا أو أستاذنا) كــــانوا يعني يعدون لفظة يا شيخ من الجفاء كـانوا يعدون هذا من الجفاء.
قـال: (ولا تناده من بعد من غيـــــر اضطرار، والتزم توقيـــر المجلس وإظهار السرور من الدرس والإفادة به، وإذا بدا لك خطأ من الشيخ فـــلا يسقطه ذلك من عينيك؛ فإنه سبب لحرمانك من علمه)
هذا صحيح، فالشيـــخ بشـر يعتريه مـا يعتري البشــر من الغضب والجـــــــوع والإرهاق والمرض والسهو والخطأ فإذا اطلعت على عيب وهذا غالبا يكون من الشيطان فلا يكون ذلك سببا لسقوطه هذا سد باب الانتفاع.
قــــال رحمه الله: (واحذر من امتحــــان الشيخ على القــدرة العلمية والتحمل؛ فـــإن هذا يضجره) الله المستعان، هذا موجود وهذا الصنف رأيناهم كثيرا يفعلون هذا ورأيناهم فيما بعد ضاعوا وابتلوا، يعني يضع نفسه في مأزقٍ وهو في غنىً عن ذلك!! مَالَكَ ومَالِ هذا العبد الذي اختاره الله لنشر دينه تُضجِرُهُ.
قال: (وإذا أردت الانتقــال إلى شيخ آخــر فاستأذنه بذلك وأعلمه لأنه بقـدر رعـــــاية حرمته يكون النجاح والفلاح، وبقدر الفوت يكون الإخفاق) يعني وبقدر ما يفوته من هذه الآداب ومن رعاية حرمة المعلم يكون الإخفاق يعني الخيبة.
قــــال: (رأس مالك أيها الطــالب من شيخك: القدوة بصالح أخــلاقه وكريم شمائله) ولذلك كان السلف يتعلمون الهدي والسمت والأخلاق ويأخذونه من مشايخهم كما يأخذون العلم وأما الآن فكثير من الطلبة يقصد علم الشيخ فقط دون خُلُقِه وهذا له أسباب كثيرة ليس هذا مجال مُباحثتها.
قـال: (فإذا أحببته فلا يدفعك حبه أن تقلده بصوت، أو نغمة أو مشية أو حركة أو هيئة) لأن هذا غيــر مقصـود ولا مراد المراد تعلم الأخــلاق والهدي والعلم لا تقليـده بصوته ونغمته ومشيته وفي الحقيقة قلَّ من لم يقع في هذا ومنهم مُحَدِثُكُم فقد كنت أُقلد شيخي في حركاته ونغماته وكان السبب صغر سني وشدة محبتي له، هذا يقع كثيرا حتى زملائي فقلَّ من سَلِم من هذا.
قال: (إلا إذا كانت مشيته تشبه مشية النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس أن تقلده فيها فإن ذلك من الاتبــاع) لأن الأمر رجع إلى الاتبــاع فأنت في الحقيقة تُقلِد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم قــال رحمه الله:( نشـــــاط الشيخ في درسه: ويكون على قدر مدارك الطــالب في استماعه، وجمع نفسه) قوله "مدارك الطـــالب" يعني حواس الطالب وانتباهه، يقول "وجمع نفسه" يعنـي التركيــز وعـدم التشتت. قــــــال: "وتفــاعل أحاسيسه مع شيخه في درسه" تفاعـــل الأحاسيس مثل النظر إليه وسؤاله عما أشكل عليه وتأمل عباراته والتفاعل معه ونحو ذلك بخلاف المتبلد.
قـــــال: (فلا تكن وسيلة قطع لعلمه بالكسل والفتور والاتكاء وانصراف الذهن وفتوره) جمل المصنف دقيقة وجميلة فهــو أديب رحمه الله، يقول: كسل الطالب وفتوره وظهــور عــلامة الملل والاتكــاء وانصراف الذهن هـذه كلها تقطع عليك تدفق معلومـــات الشيـخ فيصاب الشيخ بالكسل كذلك وتفتر همته، هذا أمر مُجرب ومُشــاهد؛ قِلةٌ من المعلمين من يستوى عندهم المنتبه والكسول . ثم قال رحمه الله: (الكتابة عن الشيخ حال الدرس والمذاكرة: وهي تختلف من شيخ إلى آخر) نعم هذا صحيح هناك شيوخ كلامهم كالإملاء بمعنى أنه حضَّر ما سيقـــــوله وحرره ثم ألقاه بعد ضبطه للألفاظ فكأنه يقرأ على طلبته تأليفا من تآليفه، ومن هذا الصنف من المعـــاصرين الشيــــخ محمد بن محمد بن مختـــار الشنقيطي -عضو هيئة كبــــــار العلماء حفظه الله-، ومنهم كذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، هذا من المعاصرين. وكذلك الشيخ الشثري حفظه الله. وممن قبلنا من كان يُملي كأهل الحديث ومثل شرح ابن دقيق على عمدة الأحكام فقد كان إملاءً كأنه يكتب يُملي والطالب يكتب. بعض العلماء كلامه تقرير ومناقشة ومباحثة وردود وفوائد وعلوم كثيرة واستطـرادات كالشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله، قلَّ نظيره عمـــلا وعلمــا. المهم أن طريقة الكتــــابة بحسب الشيخ فبعضهم تكتب عنه كل لفظة لدقته، وبعضهم تكتب بعض كلامه لاستطراده.
قال رحمه الله: (وهي تختلف من شيخ إلى آخــــر، ولها آداب وشروط.. أمــا الآداب فينبغي لك أن تُعلِمَ شيخك أنك ستكتب أو كتبت ما سمعته مذاكرة) نعم إن كــان قبل الكتــــــابة فتستأذنه بالكتابة، وإن كان بعد الدرس والكتـــابة فتُخبره أنك كتبت عنه وتستأذنه فإن أَذِن لك وإلا تركتها، هذا من الأدب. ولا يحــــل لك أن تنشر ما لم يأذن لك به. وأين هذا من الذين يُسجِّلون أصوات من يفتونهم بــدون إذنهم وينشرونه، قـد يكــــون الكــــلام خاصا ، هذا ليس من الأدب في شيء.
قــــــال رحمه الله: (أما الشرط فتشيـــــر إلى أنك كتبته من سماعه من درسه) حتى يعلم القارئ أو السـامع أن هذا من السمـاع يعني ليس من تحريــر قلم الشيخ؛ هنــــــــاك فرق بين جملة خرجت وليدة لحظة وبين جملة كُتبت بعــــد تأمل وتحليـــل؛ فالمأخـــوذ من السماع يُتساهل فيه قـد يكــــون فيه سبق لسان بل يكثـر ذلك بخــلاف المكتوب المحرر باليد.
ثم قـــــال رحمه الله: (التلقي من المبتدع)
المبتدع هو الذي يُحدث البدعة ويدعــــو إليها، والبِدع نوعــــــان: بِدع مُكفِرة وبِدع غير مُكفِرة.
قـــــال رحمه الله: (احذر [أبا جهل]) .
هكذا في المطبوع هذه الصيــــــاغة لست جيدة ليست حسنة وفـــي الأصل المختصر منه:
[احـذر أبا الجهل] يعني صاحب الجهل هذا أفضل. قال: (احذر أبا الجهل المبتدع، الذي مسه زيغ العقيدة) الزيغ: الميل عن الاستقامة والصواب إلى الباطل.
قـــــــال: (وغشيته سحب الخــــرافة)
الخـــرافة: أحـــــاديث الكذب الموضوعة مما يُذكر أحيانا في الليل فمَثَّل الشيخ هذا المبتدع برجل تغشته سحابة من هذه الصفة فصار صاحب خرافة ودجل.
قــــــال: (يحكم الهوى ويسميه العقل) يعني يجعل هواه وما يرغبه هو الحكم ولا ينقــــاد للنص ثم يسمي هذا الهوى عقلا. والعاقل حقيقةً من أطاع الله العليم الخبير الحكيم وقدَّم النص على عقله وهـــــواه ولا تعـــارض بين العقل السليم والنص الصحيح أصلا لكن الجاهل قد يظن الهــــوى عقلا.
قـــــال: (ويعـدل عن النص) يعني ينصرف عن النص ويميل عنه. قـــال: (ويستمسك بالضعيــف، ويبعـــد عن الصحيح، هذه من صفـات المبتدع ولقـد بلغ السلف مبلغا في التحذيـــر من المبتدعة فكــــــانوا رحمهم الله يحتسبـون الاستخفـــــاف بهم وتحقيــرهم ورفض المبتدع وبدعته) يحتسبون يعنـــي يقومون به احتسابا للأجر وتعبدا لله، فالاستخفاف بالمبتدع لزجره وتوبيخه صيانةً للدين، هـذا الأمــــــر ليس على إطــــلاقه له ضـوابط لكن لا يتسع المقـــــام لذكرها.
ثم قـــــــال رحمه الله: (بل يحذرون من مخـــالطهتم ومشــــاورتهم ومؤاكلتهم، وكــــان منهم من لا يصلــي على جنــــــازة مبتدع فينصرف) يعنـي لأجل ردع غيــــــره وزجره.
قــــــال: (ومنهم من ينهى عن الصـــــلاة خلفهم وينهى عن حكاية بدعهم؛ لأن القلــوب ضعيفة والشبه خطافة) يعني كثيرة الخطف والخطف الأخذ بسرعة واختــــــلاس، فالشُبه تخطف القلـــوب عـن طريــــــق الحـق والصواب فينبغي لنا ألا ننشغل بالباطل، لا لأنه قوي لكن لضعفنا نحن، ففي البداية نتحصن.
قال: (بل كانوا يطرودنهم من مجالسهم كما في قصة الإمام مالك مع من سأله عن كيفية الاستـــواء). هـذا الأسلــــــوب أي الطرد قـــد يكون نافعا أحيــانا لكن ليس غالبا هذا قليل فهــو استثناء فأحيانا تركه أنسب لعله ينتفع ويتـــوب.
ثم قـــــــال رحمه الله: (وأخبـــــار السلف متكـــــــاثرة في النفرة من المبتدعة وهجرهم؛ حذرًا من شـرهم وتحجيمًا لانتشــــــــار بدعهم وكســـــــــرًا لنفوسهم؛ حتى تضعف عن نشر الشـــــــر)، إذن العلة والمقصــود ردهم عن هذا الشر وعن نشره فالأمر يدور مع هذا. قال: (ولأن معــــــــاشرة السني للمبتدع تزكية له لـدى المبتدئ والعـــــــــامي) يرونك جــــالسا عنـده وتأخذ منه العلم فيظنونه ثقةً لأنك ائتمنته على دينك هذه تزكيةٌ منك.
قــــال: (وقـد كــان ابن المبارك رحمه الله يسمي المبتدعة [الأصاغر]، ويقــال لهم أيضًا: أهل الشبهات وأهل الأهواء. قال: فإن كنت في السعة والاختيــــار فــلا تأخذ عن مبتدع) السعة والاختيــــار يعني عندك مجـال للاختيــــار ولسـت مضطرا. قال: (رافضي، أو خارجي) الرافضي هـم الذين يسبـون الصحـــــــابة من غـــــلاة الشيعة بل يُكفِّـرون الصحــــابة هؤلاء شر الطوائف، والخـــارجي هم الذين يُكفِّرون المسلمين ويستبيحون دمائهم ويخرجون على الأمراء ســـواء بالسيف أو حتى بتأليب النـــــاس وتهييجهم. قـــال:( أو مرجىء)، هم الذين يُخرِجون العمل من مسمى الإيمان. وقـــال: (أو قدري) يعني ممن يُنكر القدر. قــــال: (أو قبوري) يعني الذين يتوسلون بالقبـــــور ويدعون الأموات ويستغيثـون بهم، هؤلاء الفِرق أقسام وأنواع كثيرة.
قــــال: (فإنك لن تبلغ مبلغ الرجــــال صحيح العقد في الدين ، متين الاتصـــــال بالله صحيح النظر تقفو الأثر- إلا بهجر المبتدعة وبدعهم) صحيح النظر يقصد بالنظـر النظر في نصوص الشرع، تقفو الأثر يعني تتبع الأثر والنص والدليل.
قـــــال: (إلا بهجر المبتدعة وبدعهم؛ وأمـــــا إن كنت في دراسة نظـــــامية)، يقصد بها الجامعات والمدارس.
قال: (لا خيـار لك فاحذر منه) يعني إن كنت في مدارس وجامعات نظامية ليس عندك اختيــار ولا تستطيع أن تختار معلمك وشيخك بل هو يُفرض عليك من الجامعة جبرا.
قـــــال: (وأمــــــا إن كنت في دراسة نظامية لا خيار لك فاحذر منه)، سيُدَرِّسك حينئذٍ فماذا تفعل؟ قال: (فاحذر منه مع الاستعـــاذة من شره باليقظة من دسائسه) يعني احذر من المبتدع هــذا بالانتباه والدعــاء لأنه مجبور عليك.
قــــــال: (على حد قولهم: «اجن الثمار وألق الخشب في النار») يعني خذ النـــافع منه وشبَّه هذا النافع بالثمار وألق غير النافع من كلامه أو تصرفاته، وشبَّه غير النـــافع هنا بالخشب، قال ألقه في النار يعني لا تأبه به. قــــال: (والأمر في هجر المبتدع يبنى على مراعاة المصالح وتكثيرها، ودفع المفــاسد وتقليلها، وعلى هذا تتنزل المشروعية كما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مــــواضع). إذن ليس الهجر دائما هو الأنسب هناك تفصيل وضوابط، إن كان الهجــر يردع شره ويردعه وإلا فيُنظر في الوسيلة التي ترده وترد شره، قـد يكــــــون في مداراته أو في نصحه أو في الإتيــان ببعض أهل العلم إليه أو في إكرامه أو ..........الخ من الصور التي يذكرها أهل العلم.

والله تعالى أعلـــــم وصلى الله وسلم على سيـــــدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعيـــن والحمدلله رب العالميــــــــن.
[/frame]


الملفات المرفقة
نوع الملف: docx تفريغ الدرس السادس من مادة الحلية.docx‏ (319.8 كيلوبايت, المشاهدات 589)



توقيع فاطمة سالم



التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 13-04-15 الساعة 08:19 PM
فاطمة سالم غير متواجد حالياً  
قديم 10-04-15, 06:14 PM   #8
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
افتراضي

[frame="10 10"]
الـــدرس الســابع ✿

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلىآله وصحبه أجمعين..
أما بعد..
يقول المصنف رحمه الله تعالى:
رابعا: آدابالزمالة، الزميل بمعنى الرديف والصاحب المرافق.
وسيتكلم المصنف هنا على مسألةمهمة ينبغي لنا جميعا أن نتأملها ومن أهمية هذه المسألة نص الشارع عليها في نصوصكثيرة.
قال رحمه الله:"احذر قرين السوء" يعني صاحب السوء، قال:"إن الطبيعةنقالةٌ والطباع سراقة والصاحب ساحب" الطبيعة نقالة يعني كثيرة الانتقال، والطباعسراقة والصاحب ساحبٌ يعني يسحبك إلى طبعه وإلى خلقه.
ثم قال:"والناس مجبولون علىتشبه بعضهم ببعض" والناس مجبولون يعني مخلوقون على تشبه بعضهم ببعض هكذا خُلِقواوهكذا فُطِروا، قال على تشبه بعضهم ببعض هذه المعاني التي ذكرها المؤلف جاءت فينصوص الشرع قال تعالى:" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْبِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"، وقال تعالى:" الْأَخِلَّاءُيَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" وجاء في الصحيح أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال:"مثَل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخالكير، فحامل المسك إما أن يحذِيَك –يعني يعطيك- وإما أن تبتاع منه –يعني تشتريمنه- وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منهريحا مُنْتِنَة" وجاء كذلك في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصاحب إلامؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقيٌّ" لان أكل الطعام كناية عن طول الصحبة فمن يصاحبكصحبة طويلة ويكون معك من الأخلاء يشاركك في طعامك، وكذلك جاء في السنن حديث النبيصلى الله عليه وسلم قال:"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" تأملوا قوله "على دين" المرء على دين خليله هذا يدل على أن التأثير فيه شيء من القهر والجبربسبب طبيعة الانسان في الصحبة، وفي ذلك يقول الحكيم: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينهفكل قرين بالمقارن مقتدي.
ثم قال رحمه الله:"عليه فتخير من يعينك على مطلبك" ماهو مطلبك أيها المسلم؟ مطلبك الحصول على رضي الله وتتعلمالعلم لتعمل به هذا هومطلوبك، قال:"ويقربك إلى ربك ويوافقك على شريف غرضك ومقصدك فإن الصديق أقسام: صديقمنفعة وصديق لذة وصديق فضيلة فالأولان –يعني صديق المنفعة واللذة- منقطعان بانقطاعموجبهما"يعني صديق المنفعة ينقطع بانقطاع موجب صداقته وهي المنفعة فإذا انقطع نفعكله انقطعك وتركك قد تكون هذه المنفعة مالاً او جاهاً يستفيده بصداقته لك إلى غيرذلك من النافع الدنيوية الزائلة، وصديق اللذة يعني بها صديق الشهوة يصاحبك ماداميتلذذ بالحصول على شهواته ورغباته سواء كانت هذه الشهوات من المحرمات أو منالمكروهات قد يجد لذته معك في الحديث يحادثك عن بعض الامور التي يتحدث بها أهلالدنيا من سفاسف الامور التي لا تعود بالنفع عليه ولاعليك ولا على أحد من المسلمينهذا إن سلِم من الاثم، هذان الصنفان –صديق المنفعة وصديق اللذة- يقطعونك بمجردانقطاع المنفعة واللذة، والاهم من انقطاعهم ليس المقصود في عدم صحبتهم ليس المقصودفقط انقطاع صحبتهم بانقطاع موجبها –لا- هناك شيء أكبر وهو مضرتهم ضررهم عليك صحبتهمإن لم تُنقِص إيمانك لم تزدك إيماناً ولم تقربك من ربك ولا من مقصدك الشريف ولا منغرضك الذي اتخذته لك هدفاً.
ثم قال رحمه الله:"أما الثالث فالتعويل عليه"يعنيبالثالث صديق الفضيلة التعويل عليه يعني الاعتماد عليه فالمؤلف يقول الاعتماد فيالصحبة على الثالث على صديق الفضيلة، قال:"وهو الذي باعث صداقته تبادل الاعتقاد فيرسوخ الفضائل لدى كل منهما" كل واحد منهم يعطي الاخر رسوخا في التحلي بالفضائل وفياعتقادها واهميتها ونِعْم الصحبة هذه، ثم قال:"هذا النوع عملة صعبة يعز الحصولعليها" لكن بحمدالله موجودة هذا النوع موجود، وليس المقصود أن تتحصل على الكامل-لاهذا صعب- حتى أنت أنا وأنت ناقص انا ناقص وانت ناقص لكن نبحث عن الافضل وكلمااقتربت هذه الصفات من درجة الكمال والعلو كلما كان ذاك الصاحب هو الأوْلى وينبغي أننكون عليه أحرص.
ثم قال رحمه الله:"وفي ذلك يقول هشام بن عبدالملك: مابقي منلذّات الدنيا شيء إلا أخٌ ارفع مؤونة التحفظ يني وبينه".
خلاصة هذا الفصل أنالانسان بحسب من يصاحب، فمن جلس مع أهل الغيبة وانتقاد أهل العلم أشغلوه حتما عنالعلم النافع وأشغلوه عن ذكر الله وأشغلوه عن نفع نفسه ونفع أمته وهكذا، ومن صاحبأهل الايمان زادوه إيماناً، فاختر لنفسك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"فلينظرأحدكم" الامر مهم يحتاج إلى تأمل "فلينظر" يحتاج إلى اختيار "فلينظر أحدكم منيخالل".
ثم قال رحمه الله:
خامساً: آداب الطالب في حياته العلمية: هذا الفصلمن أهم فصول الكتاب وهو الذي يغفل عنه كثير من الطلبة ويفتقده كثير منا وهي كمايقولون مربط الفرس.
قال رحمه الله:"كِبَر الهمة في العلم" الهمة الباعث والدافععلى الفعل، والمقصود من قوله كِبَر الهمة يعني به علو الهمة، يقول العلماء علوالهمة: أن تستصغر النهاية من معالي الامور فمثلا العلم عالي الهمة يرى الوصول إلىأعلى درجات العلم ويرى مادون ذلك صغيرا فيسلك كل طريق يوصله إلى ذلك لايريد فقط أنيكون طالب علم مثقف –لا- يريد أن يكون إماما في الفقه وإماما في الحديث وإماما فيالتفسير وهذا إذا سلك الطالب السبل الموصلة إلى العلم تحصل على خير عظيم، وكثير منالعلماء بدأوا في سن متأخر ولكن بعزيمة وعلو همة فبلغوا مابلغوا، الامام أبوحنيفةكلكم تعرفونه- بدأ في طلب العلم متأخرا، ابن حزم –وكلكم تعرفونه- بدأ متأخرا وكثيرمن أهل العلم بدأ متأخرا في العلم وبلغ ما بلغ بسبب علو الهمة وسلوك السبلالموصلة.
قال رحمه الله:"ارسم لنفسك كبر الهمة لترقى إلىدرجات الكمال" صاحبالهمة هو الذي يترقى ومن رضي بالدون توقف، قال:"فيجري في عروقك دم الشهامة والركضفي ميدان العلم والعمل" يريد أن يكون كالائمة الكبار، الهمة مرغّب فيها بل جعلالشارع ورتب عليها أجرا وجاء في الحديث:"من هم بحسنة ولم يعملها كتبها الله عندهحسنة كاملة" فالانسان يكون لديه الهمة كل واحد منا لابد أن تكون همته أن يصل الغايةفي العلم والعمل، يكون عالما عابدا تقيا ورعا لايرضى إلا بجنة الفردوس الأعلى معالانبياء والشهداء.
قال رحمه الله:"فلا يراك الناس إلا واقفا على أبواب الفضائلولا باسطا يديك إلا لمهمات الامور" هكذا ينبغي أن يكون المسلم لايتشوّف ولاينظر إلىسفاسف الامور ولا إلى حطام الدنيا الزائل ولغو المجالس وتحليلات أهل الظنونوالاخبار الكاذبة ويتلقّف كلام وسائل الاعلام المزورة والمغشوش منها وتذهب أوقاتهلا علما تعلم ولا أمة نفع، الذي يتعلم العلم ويدرس الناس العلم هذا هو الذي انشغلباحوال المسلمين أما الذي يتتبع الاخبار والظنون الكاذبة وهذا يكذب على هذا وهذايحلل وهذا يظن ثم يقول انا مهتم باحواله هو لم يهتم ولم ينفع المسلمين بشيء.
قالرحمه الله:"وردد مقولة امام اهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله من المحبرة إلىالمقبرة"-الله أكبر- انظروا إلى همة الامام احمد، الامام احمد رحمه الله بلغ مابلغحتى صار امام اهل زمانه في جميع الفنون كان رحمه الله كما قال الشافعي كان اماما فيثمانية أمور –يقول الامام الشافعي يقول عن الامام احمد- اماما في الزهد اماما فيالورع اماما في العلم وهكذا بدأ يعدد، فالامام احمد رحمه الله حاز جميع الفنونالفقه والحديث وكان اماما في اللغة بشهادة الامام الشافعي ومع ها لم يفكر الامامأحمد في الاكتفاء ولم يتوقف عن التحصيل بل يقول من المحبرة وهي آلة الحبر الىالمقبرة يعني سيستمر في التعلم وفي طلب العلم إلى أن يدخل المقبرة ويموت ومما كانيقوله رحمه الله عن المحابر كان الامام احمد يقول: هذه سُرُج الاسلام يعني بالعلميظهر الاسلام ويشع نوره.
ثم قال رحمه الله:"ولا تغلط فتخلط بين كِبَر الهمةوالكِبْر فان بينهما من الفرق مابين السماء ذات الرجع والارض ذات الصدع" يقولون بينكبر الهمة والكبر فرق كبير كما ان هناك فرقا بين السماء والارض، وقوله السماء ذاتالرجع يعني ذات المطر والارض ذات الصدع يعني الشقوق والتصدعات، ثم قال: "فالاولحلية ورثة الانبياء والثاني داء المرضى بعلة الجبابرة البؤساء" –نعم صحيح- كبرالهمة تدفع الانسان لمزيد من العلم والعمل والحفاظ على الوقت يريد ان يكون اماما فيالدين مطيعا لربه ينفع نفسه وامته اما المتكبر فنظره الى نفسه ويزدري الناس –بينهمافرق كبير-.
ثم قال رحمه الله:"النَّهْمة في الطلب" اي الولوع في طلب العلموالتعلق به يقولون هذا منهوم بالعلم يعني لا يشبع من العلم شهوته ولذته متعلقةبالعلم، قال رحمه الله:"عليك بالاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم" ماهوميراث النبي صلى الله عليه وسلم؟ ميراثه العلم، "الانبياء لم يورثوا ديناراولادرهما وإنماورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"، قال رحمه الله:"وابذل الوسع فيالطلب والتحصيل والتدقيق" تطلب وتحصل حفظا وفهما وتدقق لمعرفة الصواب من الخطأ، ثمقال:"ومهمابلغت في العلم فتذكر قول القائل كم ترك الأول للاخر" يعني اذا خالجتكنفسك وغرتك بانك وصلت وبلغت مرتبة عالية وحزت على علم غزير فتذكر قول القائل كم تركالاول للاخر ترك علما كثيرا أليس كذلك؟ فكذلك انت تركت علما كثيرا وفاتك علم كثير "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا "وقال تعالى:" وَفَوْقَ كُلِّذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ "، ثم قال: "وقول الشافعي -يعني تذكر قول الشافعي رحمهالله-كلما ازددت علما زادني علما بجهلي" هكذا الانسان كلما اطلع على العلم وعرف سعةالعلم وعرف عمقه وعرف كثرة فنونه وفروعه احس بالقصور والجهل وعلم ان العلم واسعوانه لم يحط به وكلما قل علمه احس بالكمال لانه لايعرف الا القليل فيظن ان العلومهذه فقط ويظن نفسه عالما.
ثم قال رحمه الله:"الرحلة للطلب" هذه من آداب الطالبفي حياته العلمية يعني الارتحال وقصد أماكن العلم، قال:"إذا أردت أيها الطالب أنتتأهل في العلم فلابد من رحلة الى اهل العلم لان هؤلاء العلماء الذين مضى وقت فيتعلمهم وتعليمهم والتلقي عنهم لديهم من التحريرات والضبط والنكات العلمية والتجاربمايعز الوقوف عليه وعلى نظائره في بطون الاسفار" –هذا صحيح- وقد تكلم العلماء علىالرحلة لاجل طلب العلم كلاما كثيرا لكن الخلاصة هذه الاشرطة والاتصالات الحديثةتؤدي جزءا كبيرا من مهمة الرحلة لاتحل محله لكن تمتاز الرحلة بالتفرغ والبعد عنالملهيات وكذلك تمتاز الرحلة بالمشاهدة تعلم السمت وغير ذلك لكن عموما هذهالاتصالات الحديثة سدت مسدّا كبيرا ومن استغلها مع توجيه صحيح من طالب علم متقدمعليه في الطلب اقول يكاد يبلغ الغاية المرجوّة من الرحلة وقوله في بطون الاسفارالاسفار جمع سفر يعني الكتاب الكبير.
قال:"واحذر القعود عن هذا على مسلكالمتصوفة البطالين الذين يفضلون علم الخِرق على علم الورق"يعني علم التصوف والتربيةوالعبادة التي تؤخذ عندهم بالاجازة بالخرق كما سيأتي الاشارة إليه، وعلم الورق يعنيبه العلم الشرعي كتابا وسنة، قال:"فإنهم لا للاسلام نصروا ولا للكفر كسروا بل فيهممن كان بأسا وبلاءً على الاسلام" هناك فرقة تسمى الصوفية وهذا الاسم يطلق تارة يرادبه فئة من أهل الحق وتارة يراد به فئة من أهل الضلال وغالب من يسمون بالصوفية فيهذا العصر والزمن من أهل الضلال غالبهم، انحرفت عن مفهومها عند السلف وفسدت وعلى كلحال وباختصار عندهم مقامات ودرجات يكون البلوغ إليها بأخذ خرقة يدعون أنها من عليرضي الله عنه وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم عليا أعطاه هذه الخرقة فصاروايتوارثونها وهي بمرتبة الاجازة عند أهل العلم يعني اجازة في التربية والتزكيةوالسلوك وهم طبقات الصوفية طبقات وفرق وأنواع لكن أكثر كلامهم خرافات لاصحة له وقدأضروا بالاسلام كثيرا والان كثير منهم في الفضائيات يحلل ويحرم تارة ويفسر أحلاماتارة اخرى ويتعبدون لله بما لم يشرعه بل وقعوا في كفريات وشركيات، والخلاصة لايوجدعبادة بغير علم أهل الجهل لا يؤخذ منهم دين ولاحكم تجدهم يقولون أنتم تأخذون منالاموات تدرسون على أيدي البر والبشر يموتون " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْمَيِّتُونَ" ونحن نأخذ العلم من الحي الذي لايموت نتلقاه من رب العزة والجلالمباشرة الكلام على هذه الخرافات والضلالات يطول والله المستعان، لونشر أهل العلمالعلم لقل هذا الشر لكن التقصير في الحقيقة من جانب طلبة العلم قلة من العلماءانظروا كم عدد الامة وكم عدد العلماء فيها قلة، لذلك من اوجب الواجبات في هذا الزمنتعلم العلم ونشر العلم يتعلمه ويعلمو هكذا كان الصحابة رضي الله عنهم كانوامايتعلمونه في النهار يعلمونه في اخر النهار.
قال رحمه الله:"حفظ العلم كتابة،اعلم ان تقييد العلم بالكتابة امان من الضياع وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج" الذيلايكتب ولايدون المسائل ترتيبا وتلخيصا يفوته العلم هذا امر مجرب، قال:"لاسيمامسائل العلم التي تكون في غير مظانها" يعني في غير اماكنها مثلا قد تجد كلاما دقيقافي علم الحديث فائدة في علم المصطلح يذكرها ابن مصلح في الاداب الشرعية دوِّن هذاعلى طرة كتابك، وانت تقرا في تفسير الحيان في تفسير القران قد تمر عليك فائدة تتعلقبعلم الصرف او بعلم النحو دوِّنها وانقلها في الدفتر المخصص لفوائد النحو وانت تقرامثلا في شرح ابن رجب على البخاري قد تمر عليك قائدة في المذهب في الفقه خذها ودونهافي موضعها في المتن الفقهي وهكذا.
يقول رحمه الله:"ومن أجلّ فوائده أنه عند كبرالسن وضعف القوى يكون لديه مادة تأخذ منها مادة تكتب فيها بلا عناء في البحثوالتقصي ويكون ذلك بأمرين-يعني يكون تقييد الفوائد على طريقتين-"يعني يدون الفوائدفاذا كبر في السن وأراد أن يبحث أو يكتب وجد عنده من الفوائد واللطائف مايستحق انيدوّن جمعها على طرة كتبه على طرة كتابه، قال:"يكون ذلك بأمرين: الاول اجعل لكمذكرة مذكرة تقييم الفوائد –يمكن هنا فيه خطأ مطبعي- مذكرة لتقييم الفوائد والفرائدوالابحاث المنثورة في غير مظانها، الثاني استعمال غلاف الكتاب لتقييد مافيه من ذلكثم تنقل مايجتمع لك في مذكرة مرتبا على الموضوعات مقيدا اسم المسألة واسم الكتابورقم الصفحة والمجلد واكتب على ماقيدته نُقِلَ حتى لايختلط مع غير مانقل" لماذاتكتب بعد النقل نُقِل؟ لانك احيانا قد تكتب استدراكا او تعليقا من عندك أو تأملاظهر لك فاذا لم تكتب بعد المنقول نُقِل سيختلط عليك حينئذ ماكان من تعليقك وماكانمنقولا من عند غيرك، قال:"قال الشعبي اذا سمعت شيئا فاكتبه ولو في الحائط" اذن ذكرطريقتين الاولى ان تجعل في جيبك –هذا عندما قال اكتبه ولو في الحائط من بابالمبالغة يعني من باب الحرص على عدم ترك اي فائدة.
هذا الفصل ذكر فيه المصنفطريقتين الاولى ان تجعل في جيبك مذكرة تكتب فيها مايعترضك من الفوائد والطريقةالثانية على غلاف الكتاب ثم تنقله على مذكرة مرتبة على اقسام العلوم هناك طريقةثالثة بعضهم يكتب الفوائد على غلاف او في غلاف كل كتاب يقرأه، اذا قرأ مثلا في كتابمدارج السالكين مثلا او قرأ في شرح الحلية كتب على أول صفحة في الحلية صفحة 45 قيدمهم في تعريف العدالة او يكتب صفحة 70 تصوير لمسألة التورق ونحو ذلك هذا معروف منالقديم إلى زماننا هذا، حتى الشيخ ابن العثيمين له كتاب كان يقيد فيه الفوائد اسمهافوائد الفرائد او شيء من هذا القبيل والشيخ الرجحي له كتاب في تقييد الفوائد والشيخالعباد له كتاب في تقييد حتى المعاصرين هذه طريقة مسلوكة ومعروفة.
قال رحمهالله:"حفظ الرعاية" يعني حفظ اهتمام وملاحظة واداء حقوق، قال:"اجعل حفظك للعلم حفظرعاية لا حفظ رواية" حفظٌ مع أداء الحق من العمل والتصديق والتبليغ لافقط رواية دونفقه وعمل هذا ليس مقصودا، قال:"فان رواة العلوم كثير ورعاتها قليل" هذا صحيح فمنيعطي العلم حقه قليل والله المستعان-اللهم اجعلنا من اهل العلم العاملين- قال رحمهالله:"ولايكون ذلك الا بالعمل والاتباع"يعني كيف تعطي العلم حقه؟ كيف تحفظه حفظرعاية؟ قال: "بالعمل والاتباع و والبعد عن المفاخرة والمباهاة به والا يكون القصدفي ذلك نيل الرئاسة واتخاذ الاتباع وعقد الجمالس" عقد المجالس يعني بها اقامةالمجالس ليجلسوا حوله ويعظمونه ويعظموه ويظهر علمه وليقصده الناس لاجل هذه المقاصدالسيئة، قال:"وسبيلا إلى نيل الاغراض واخذ الاعواض" الاعواض جمع عوض المقصود به هناالمعنى العام قد يكون عوضا ماديا او معنويا مقابل علمه كأن يتحصل على جاه أو علىمنصب و نحو ذلك، قال:"فالاخلاص الاخلاص في الطلب وحسبك به" يعني حسبك وكافيك انتطلب العلم بالاخلاص، لمن؟ لرب العزة والجلال.
وللواحد منا ان يتأمل لنفرض انجميع البشرية بل جميع المخلوقات من انس وجن وملائكة وجميع ماخلق الله لو كلهم رضواعنك واثنوا عليك لكن رب العزة والجلال لم يرض عنك وكنت عنده مذموما، هل استفدناشيئا؟ لم نستفد شيئا فان البشر لايملكون لانفسهم نفعا ولاضرا فضلا عن ان يملكوالغيرهم، ولو ان البشر كلهم لم يعرفوا مقدارك ولم يعطوك حقك ولكن رب العزة والجلاليثني عليك في الملا الاعلى تعرفك الملائكة ويعرفك ملك الملوك، هل خسرت ولا ربحت؟ لاربحنا ربحا عظيما وقد تكلمنا عن شيء من هذا في اول الكتاب.
قال رحمه الله:"تعاهدالمحفوظات" يعني ماتحفظه من النصوص والمتون، قال:"تعاهد علمك من وقت الى اخر" يعنيراجعه وكرره وتعاهد المحفوظات يختلف من محفوظ لاخر بعضها بقراءته يعني كمراجعةالصحيحين مثلا او البلوغ وبعضه بتكراره كبعض المواضع التي فيها ضعف في الحفظ وبعضهابالنظر للتلخيص كبعض مسائل الفقه وبعضها بسرد المحفوظ غيبا كبعض المنظومات وكمراجعةالقران الكريم وهكذا، وللناس في ذلك طرائق فمنهم من يراجع يوميا بمقدار ساعة اوساعتين فقط للمحفوظات والباقي للدراسة ومنهم من يجعلها كل اسبوع فيسرد يوم الجمعةصباحا مثلا محفوظاته وينظر فيها اربع ساعات ومنهم من يجعلها يومين في الاسبوع لكليوم ساعتان الى آخره منهم من يسجلها بصوتع ويسمعها في طريقه عندما يقود سيارتهواثناء مهنته في البيت او اثناء الطبخ وهكذا.
قال رحمه الله:"فان عدم التعاهدعنوان الذهاب مهما كان" هذا صحيح من كان فقط يحفظ ويستمر في الحفظ ويذهب دون مراجعةلم يستفد ولهذا كانوا يقولون اجعل الوقت قسمين قسم للمراجعة وقسم للجديد،قال:"وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم انما مثل صاحب القران كمثل صاحب الابل المعقلةان عاهد عليها امسكها وان اطلقها ذهبت" هذا الحديث في الصحيحين هذا حديث ابن عمررضي الله عنه، وصاحب القران اي الحافظ له عن ظهر قلب شبهه النبي صلى الله عليه وسلمبصاحب ابل مربوطة بالعقال العقال الحبل الذي تربط به الابل، وجه الشبه بينهما هو فيالتعاهد فصاحب الابل اذا تعاهدها بالربط امسكها وبقيت عنده وانتفع بها وان اطلقهاوفك عقلها انفلتت منه وذهبت فكذلك صاحب القران ان تعاهد القرءان وراجع القرءان ثبتالقرءان وكان عنده وامسك به واستفاد منه تاملا وتدبرا وقياما بالليل ومراجعة فياوقات الانتظار ونحو ذلك وان اهمله تفلت منه القرءان وصارت القراءة فيها مشقة عليهتصعب عليه فان احتاجه لم يستطعه.
قال رحمه الله:"فاذا كان القرءان الميسر يذهباذا لم يتعاهد فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة" القرءان ميسر ومحفوظ قالتعالى:""يسرناالقرءان للذكر سهلناه للحفظ وللاداء عمل تجد الملايين من العجم ممنلايعرف كلمة واحدة من كلام العرب ولايفهم كلام العرب تجده يحفظ القران من الفاتحةالى سورة الناس لايخلو منه حرفا مع هذا اوصى المصطفى صلى الله عليه وسلم بمعاهدتهفكيف بغيره من العلوم التي فيها شيء من الصعوبة.
قال رحمه الله:"وخير العلومماضبط اصله واستذكر فرعه وقاد الى الله تعالى ودل على مايرضاه" هذه الجملة لابنعبدالبر رحمه الله ذكر ثلاثة صفات الاولى ضبط الاصل بالحفظ والتقسيم بخرائط ذهنيةوتلخيص مثلا فرائض الوضوء ستة يحفظها ويكتبها ويجعلها في خريطة ذهنية هذه اول خطوةثم يستذكر الفرع ماهي ادلته هذه الفرائض وماهو خلاف العلماء فيها، اذا كان ضابطاللفرائض في الاصل سيسهل عليه البناء واذا لم يضبط الاصل لم يستذكر الفرع ثم قالوقاد الى الله ودل على مايرضاه-الله اكبر- هذا الذي لايقرب الى الله ليس بخيرالعلوم، العلم ماقرب الى الله عملا فمثلا بعدما عرفت فرائض الوضوء وصفة الوضوءالكاملة اذا لم تفعل ولم تطبق ماتعلمته مالفائدة؟ واذا تعلمت ان سنن الوضوء كذاوكذا فقمت وعملت بها وعلمت احكام الصلاة فصليت، كنا قديما اذا راينا طالب العلم منبين الناس نعرف انه طالب علم من خلال سمته وصلاته وخشوعه لايترك شيئا من السنناقباله على الله عنده المراقبة يعرف عظمة الله ويعرف علم الله وحلمه وحفظه لهذهالشريعة واذا تعلم احكام العفو والصفح قام بها واذا احكام النصوص والايات التيتتكلم عن التهجد وقيام الليل قام بها هذا هو خير العلوم ماضبط اصله ةاستذكر فرعهوقاد الى تعالى ودل على مايرضاه المولى جل وعلا.
ثم قال رحمه الله:"التفقهبتخريج الفروع على الاصول" المقصود بتخريج الفروع على الاصول عرض الاصول والقواعدبعد ضبطها وتفريع المسائل عليها يذكر تحت كل قاعدة مايتفرع عنها من مسائل سواء كانذلك على اكثر من مذهب اوعلى مذهب واحد، قد الفت كتب كثيرة في ذلك منها مفتاح الوصولللتلمسان المالكي منها التمهيد في تخريج الفروع للاسنوي الشافعي ومنها القواعدوالفوائد الاصولية لابن اللحام الحنبلي وغيرها، وهذا الفن لا يقرا الا بعد المرورعلى متن فقهي يتصور فيه الطالب الفروع الفقهية ومن ولج في هذا الفن تخريج الفروععلى الاصول قبل دراسة الفقه بالتصوير والتقرير والتدليل وقع حينئذ في تناقضاتوشذوذات، هذا العلم مع اهميته وجلالته الا انه يحتاج لحصيلة علمية جيدة من النصوصومن اقوال العلماء وتصرفاتهم ومن اكبر واعظم اسباب الفتاوى الشاذة في هذا الزمن هوولوج واقتحام صغار طلبة العلم لهذا الفن دون ان يتهيأوا له هذا العلم زبدة وخلاصةعلم اصول الفقه وهو تطبيق عملي لعلم اصول الفقه.
ثم قال رحمه الله:"تحلى بالنظروالتفكر والفقه والتفقه" يعني الكلام على هذا يطول لكن يجمعها تأمل الكلام ثم النظرفي كلام اهل العلم ثم المقارنة بينها بالتقليب والتبصر فيه، قال رحمه الله:"لتصلباذن الله الى مايسميه الفقهاء فقيه النفس وهو الذي يعلق الاحكام بمداركها الشرعية" فقيه النفس يعنون به الاستعداد الفطري للفهم يعني له قوة وتبصر في الجمع بينالنظيرونظيره والتفريق والترتيب ومن احسن ماعرّف به-يعني فقيه النفس- قول الغزاليرحمه الله: اذا تكلم فقيه النفس اذا تكلم في مسألة لم يسمع بها من قبل فكلامه فيهاككلامه في مسألة درسها من قبل، يجري بها على قواعد اهل العلم، قال:"فعليك بتخريجالفروع على الاصول وتمام العيانة بالقواعد العامة" هذا العلم هو الفقه حقيقة لكنكما قلت يتجاسر عليه الطالب في بداية علمه فيقع في اشكالات كثيرة فيضر نفسه ويضرغيره، لذلك لايتجاسر عليه الطالب الا بعد مايحصل جملة من العلوم ومانراه الان عندبعض الطلاب يسمى فوضى، يفتي في مسائل فيها نصوص من الشرع نص الشارع عليها حلا اوحرمة فيفتي بخلاف النص وبخلاف كلام اهل العلم ويأتي بمسالك وبعلل لم يسلكها اهلالعلم الكبار بسبب قلة تحصيله لم ينتبه للفروق ولم يعرف مقصود الشارع.
قال رحمهالله:"واجمع للنظر في فرع مابين تتبعه وافراغه في قالب الشريعة العام من قواعدهاواصولها المطردة" هذه القراعد والضوابط تجعل الطالب مطردا غير متناقص يجري في مضمارالفقهاء، قال:"كقواعد المصالح ودفع الضرر والمشقة وجلب التيسير وسد باب الحيل وسدالذرائع فان هذا يسعفك في مواطن المضائق" الكلام على هذا يأتي في مرحلة متقدمة بعددراسة شيء من المختصرات شرح هذه المصطلحات يصعب في هذا الموضع لكن الخلاصة العلملايقتصر على دراسة فروع الفقه واصول الفقه النظري بل هذه قاعدة واساس ينطلق منهاالطالب بعدها لضبط هذه القواعد واستنباط الاحكام من نصوص الشرع بواسطتها واذا تعرضتله نازلة عرض النازلة على نصوص الشرع وعلى هذه القواعد وعلى مقاصد الشريعة حينئذيتحصل على نتيجة صحيحة سليمة على طريقة الفقهاء هذا في الحقيقة مستوى عالي.
قالرحمه الله:"فالفقيه هو من تعرض له النازلة لانص فيها فيقتبس لها حكما" هذا مايسمونه بالنازلة والنوازل تحتاج الى فقهاء، قال:"ولشيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذهابن القيم رحمهما الله فصول مهمة في ذلك من نظر في كتب هذين الامامين سلك به النظرالى التفقه طريقا مستقيما" صدق رحمه الله ابن تيمية افقه بكثير من ابن القيم كلاهافقيه لايشق له غبار، قال رحمه الله:"اللجوء الى الله في الطلب والتحصيل" هذا اولالاصول في اداب الطلب والتحصيل هذا هو الاول وهذا الذي نغفل عنه كثيرا ومن ولج منهسبق غيره وقد تأثرت من قصة لتلميذ للامام احمد يقولون لما مرض الامام احمد ودنااجله التف حوله تلامذته وقالوا يااما من نسأل بعدك؟ فقال اسألوا عبدالوهاب بنالوراّق فقالوا له: ياامام يعني هذا الرجل ليس باعلمنا، كانهم تقالّوا علمه فقاللهم الامام احمد كلة عظيمة قال رحمه الله: انه رجل صالح مثله يوفق لاصابة الحق،اترككم مع هذه الجملة لتأملها انه رجل صالح ليس باعلمهم لكن رجل صالح مثله يوفقلاصابة الحق، هذا باب نغفل عنه.
قال رحمه الله:"لا تفزع او تكترث اذا لم يفتح لكفي علم من العلوم" يعني اذا لم تتقن علما من العلوم وتسهل عليك طرقه قال:"فقد تعاصتبعض العلوم على بعض الاعلام المشاهير" هذا مشهورجدا كانوا يصرحون بهذا، قال:"فضاعفالرغبة"يعني العزيمة قال:"وافزع الى الله في الدعاء واللجوء اليه والانكسار بينيديه" فمن الذي عنده علم كل شي؟ ومن الذي بيده كل شيء؟ رب العزة والجلال، فاذاسألته اعطاك ولذلك قال الله لنبيه:" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا "
ونكتفي بهذاالقدر.. والله تعالى أعلم.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعينوالحمدلله رب العالمين
[/frame]
صوفيا محمد غير متواجد حالياً  
قديم 21-04-15, 02:53 AM   #9
فاطمة سالم
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني1 بمعهد لعلوم الشرعية|
افتراضي

[frame="10 10"]
الدرس الثــــــامن


بسم الله الرحمن الرَّحيم


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فوصلنا عند قول المصنف – رحمه الله- الأمانة العلمية .

قال -رحمه الله- : (يجب على طالب العلم فائق التحلي بالأمانة العلمية في الطلب والتحمل والبلاغ والأداء.)

ذكر المصنف -رحمه الله- خمسة أمور حث على الالتزام بالأمانة فيها:
- أولها : الطلب : اطلب العلم عند عالم أو طالب علم متقدم عليك يعرف مفاتيح العلوم ويُصور لك المسائل تصويراً صحيحاً.
- ثانيا: التحمل يعني في أخذ المعلومة عن الشيخ فبعض الطلبة يتكاسل و لا ينتبه و لا يأخذ الصورة الكاملة من الشيخ وهذه ليست من الأمانة.
- الثالث: العمل فمن الأمانة أن يعمل الطالب بما علم.
- الرابع: البلاغ : بأن يُبلغ ما تعلمه بالحكمة والموعظة الحسنة.
- وخامساً: الأداء ويشمل شيئين:
1- أداء ما تعلمه دون زيادة أو نقصان .
2- وكذلك نسبته إلى صاحبه .
وهذا يسمون فاقدها بالسارق الذي يسوق الفوائد و اللطائف والاستنباطات دون عزوها لأصحابها ،يسمون هذه "سرقة علمية". والمقصود بالعزو: يعني في الأمور غير المشهورة أما الأمور المشهورة جداً فلا يشترط فيها العزو مثل قولك : صلاة الظهر واجبة بالإجماع هذا مثلا لا يحتاج إلى عزو وإلا فستصبح ثلاثة أرباع الكتب عزوا.

قال- رحمه الله -: (كن أمينا فيما تروي وتصف فلا تروِ ما لا تسمع ولا تصف مالم تعلم .)
من أسباب عدم الأمانة العلمية: عدم تجرد الناقد للحق فلا يذكر كل القائلين ولا يذكر جميع حججهم وهناك أسباب أخرى يطول ذكرها.
قال- رحمه الله- (الصدق: تعلم رحمك الله الصدق قبل أن تتعلم العلم) .هذه الصفة من أعظم الصفات بل قدمها الله جل وعلا فجعلها بعد النبيين مباشرةً ،قال تعالى : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا }.
وصاحب الصدق أكثر الناس طمأنينة "فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" كما رُوي، ومن جرب وجد.
قال -رحمه الله- : (والصدق إلقاء الكلام على وجه مطابق للواقع والاعتقاد). هذا تعريف الصدق ،و مطابق للواقع هذا مفهوم لا إشكال فيه لكن ما معنى قوله مطابق للاعتقاد؟ يمثلون بقول المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم :أنت رسول الله ،فهذا مطابق للواقع لكنه لا يطابق ما يعتقدونه.
فقال تعالى رداً عليهم {والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون }
قال- رحمه الله-: (ونقيضه الكذب) يعني نقيض الصدق (وهو ضروب وألوان وأودية يجمعها ثلاثة) يعني له تفاصيل كثيرة
لكن أصولها ثلاثة أمور:
قال: كذب المتملق، التملق التودد بإظهار ما ليس في الباطن هذا هو التملق فهو ضرب من الخداع.

قال: (وهو ما يخالف الواقع والاعتقاد كمن يتملق لمن يعرفه فاسقاً أو مبتدعاً فيصفه بالاستقامة.) يعني مثلا يذهب عند غني أو قوي ، فاسق أو مبتدع فيقول له أنت رجل صالح ما شاء الله ويثني عليه ويقول أنت رجل لك يد في الخير وأنت رجل لولاك لم تكن هذه الأشياء من فواتح الخير التي حصلت وهكذا يتملق عنده كذبا فهذا يسمونه تملقا.
ثم قال: (كذب المنافق وهو ما يخالف الاعتقاد و يطابق الواقع كالمنافق ينطق بما يقوله أهل السنة و الهداية). وهذا مضى التمثيل عليه .
قال (وكذب الغبي بما يخالف الواقع ويطابق الاعتقاد. كمن يعتقد صلاح صوفي مبتدع فيصفه بالولاية) .هذا الجاهل المسكين يصف صوفيا مبتدعا فاسقا بالولاية والصلاح وهو في الحقيقة على خلاف ذلك لكن هذا ما يظنه .
قال: ( واحذر أن تحوم حولك الظنون فتخونك العزيمة في صدق اللهجة فتسجل في قائمة الكذابين)الله المستعان !! اللهم احفظنا جميعًا .
قال : (والضمان لهذا إن نازعتك نفسك بكلام غير صادق فيه فذكرها بمنزلة الصدق وشرفه ورذيلة الكذب وأن صاحبه من قريب ينكشف). لذلك يقول العامة "الكذب حبله قصير" .وهذا صحيح لابد أن ينكشف الكاذب يوماً ويكفي أنه سينكشف يوم القيامة ؛هذا يكفي .
قال: ( وكذا احذر الإكثار من المعاريض فتنزلق إلى الكذب). المعاريض :يعني بتعريف سهل أن تتكلم بكلام لتُفهِم السامع خلاف ما في نفسك أيها المتكلم.
والمعاريض: جمع معراض له تعريف دقيق لكن يحتاج لشرح، لذلك لعل المثال يوضحه قد تقول لابنتك مثلًا أنا مسافر يعني تقصد أنك في هذه الدنيا، فكلنا مسافرون إلى الآخرة وهذه البنت المسكينة تظن أنك مسافر من بلدك لبلد آخر.
المؤلف يحذر من الإكثار من المعاريض ،وللفقهاء فيها مذاهب لكن الذي عليك جمع من أهل التحقيق، أن المعاريض لا تجوز إلا لحاجة وضرورة فقط.
قال –رحمه الله-: ( ومن تطلع إلى سمعة فوق منزلته فليعلم أن في المرصاد رجالاً يحملون بصائر نافذة وأقلامًا ناقدة فيزنون السمعة بالأثر فتعرى عن ثلاثة معان:

1- فقد الثقة من القلوب.
2- ذهاب علمك وانحسار القبول.
3- أن لا تُصدَّق ولو صدقت.




يحذر المصنف – رحمه الله- الطالب من الكذب خصوصا ما يراد به السمعة بأن يُظهر نفسه عالماً فاهماً ونحو ذلك. فقال هناك رجال علماء ينقدون كلامك ويُظهرون كذبك وحينئذ تفقد ثلاثة معان :
1- الثقة من قلوب الناس
2- تفقد ذهاب علمك وينحسر قبولك حينئذ
3- لا يصدقك الناس فيما ستقوله بعد ذلك، ولو كنت صادقاً في كلامك الذي قلته بعد ذلك، لأن الكذب صار سمة لك لا يثق فيك الناس بعد ذلك .

قال -رحمه الله- : (جُنة الطالب)
الجُنة بالضم ما يستتر به ولذلك سُميت الجن جناً لأنها لا تُرى ،و البستان جَنَّة لأنها تستر من بداخلها .والمقصود هنا ستر الطالب وحجابه من الهلاك .
قال قولك : (لا أدري جُنة لك ووقاية ويهتك حجابها أن تستنكف منها) يعني الذي يترفع عن قول "لا أدري" فإنه يرفع هذا الستر عن نفسه، و هذه الوقاية ومما يرفعها استنكافك ، يعني امتناعك عن قولها ، فمتى ما رأيت نفسك تأباها فاعلم أنك هتكت وقايتك من الهلاك.
قال: (وقولك "يقال) العلم لا يساق بهذا المساق، يقال كذا وبُقال كذا إلا إذا كــان في مجلس مدارسة أو مذاكرة ،وأما في الفتوى فهذا الأمر ممنوع لأن العلم ليس بالظنون والاحتمالات .
قال : ( فإن نصف الجهل يُقال وأظن ) صدق ثم قال (ونصف العلم لا أدري) .هذا من أمتع ما يكون لطالب العلم إذا اعتاد عليها ؛ مباشرة يقول" لا أدري".
أُدرِّس الناس "الأربعين" فإذا سُئلت سؤالًا في فن آخر لا أعرفه قلت "لا أدري" الأمر سهل .أعلِّم الناس مثلًا "صفة الصلاة" فإذا سألني سائل في أحكام الربا أقول:" لا أدري" ،أنا أعلمك ما أدري والذي لا أعرفه لا أدري.
ولذلك جاء عند الدارمي وغيره أن عليًّا بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" ما أبردها على الكبد " إذا سُئلتُ عما لا أعلم قلت " الله أعلم". ومن أكثر المعاصرين قولا لهذه الكلمة فيما أعرفه هو الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله- واسمعوا لفتاواه ؛موجودة في المواقع؛ نصفها يقول فيها لا أدري.
ومثله سماحة الوالد الشيخ بن باز رحمه الله بكل سهولة. هناك مقاطع كثيرة أرسلتها للمشرف ممكن أن تطلبوا من المشرف سماعها؛ مقاطع فيها فتاوى لعلماء جهابذة يسألون أسئلة سهلة يتجاسر الواحد منا على الجواب بها في قوله "يُقال" "ورد كذا "والشيخ لأنه لم يجزم فيها بقول يقول مباشرة لا أدري ،أو يحتاج منها لبحث ودراسة. يقولها بكل سهولة لأن همَّهم نشر العلم الصحيح لا دعوة الناس إلى أنفسهم، وهذا ما زادهم إلا رفعة وعزا .
قال رحمه الله: ( المحافظة على رأس مالك ساعات عمرك الوقت: الوقت للتحصيل فحافظ عليه بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومزاحمة الأشياخ بالركب والاشتغال بالعلم قراءةً و مطالعةً وتدبراً وحفظاً و بحثاً لا سيما في أوقات الشباب ومقتبل العمر لقلة الشواغل والصوارف عن التزامات الحياة والترؤس ولخفة الظهر والعيال، وإياك و التسويف على نفسك فلا تسوف لنفسك بعد الفراغ من كذا وبعد التقاعد من العمل هذا....بل البدار قبل أن تفوت ساعات عمرك ).

خلاصة هذا أن الطالب يهتم بالوقت و لا يسوف لأن ما بعد يومك ولحظتك غيب، والغيب لا يعلمه إلا الله. وكلما تقدم بك العمر كثرت الصوارف والمشاغل وهذا أمر مجرب ومشاهد ومعلوم ،فالطالب يبدأ من يومه و يشغل وقته بالقراءة والمطالعة والحفظ و التعليم كما ذكر المؤلف قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين:{ بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم }
والله يقول : {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } ويقول :{فاستبقوا الخيرات }
قال -رحمه الله-: ( إجمام النفس ) يقصد إراحتها. انتبهوا الراحة تكون بعد ماذا؟ بعد التعب لا اللعب !! بعض الناس يلعب ثم سيقول آخذ إجمام للنفس !...لا ...إجمام النفس بعد التعب .

قال: (خذ لنفسك سويعات تُجم بها نفسك في رياض العلم من كتب المحاضرات (الثقافة العامة)
العلم المتين في الحقيقة ثقيل كما قال تعالى :{ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} خاصة علوم الآلة ودقائق الفقه ففيها صعوبة وكدٌّ للذهن، فحينئذ يأخذ الطالب راحة ً بانتقاله في قراءة علوم سهلة كالمحاضرات ،والتواريخ، والأدب ونحوه...
فتكون راحة للذهن وكذلك فائدة أيضا ؛ راحة وفائدة معاً.
قال : (فإن القلوب يروح عنها ساعة فساعة ،كما قال علي رضي الله عنه :{أجموا هذه القلوب وابتغوا لها طرائف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان } يعني تتعب كما تتعب الأبدان .
قال : (ولشيخ الإسلام كلام مفيد في هذا فليراجع ولهذا أيضًا كانت العطل الأسبوعية للطلاب منتشرة منذ أمدٍ بعيد).
ثم قال – رحمه الله – : (قراءة التصحيح والضبط : احرص على هذا الأمر) يعني حرص على قراءة التصحيح و الضبط لنسختك.

قال: (احرص على هذا الأمر ولكن على شيخ متقن لتأمن التحريف و التصحيف والغلط والوهم ).
ذكر صور الخطأ التي تحصل في النسخ فقد يكون :
-بعمْدٍ مع سوء نية هذا هو: التحريف .
-أو عمد عن جهل هذا هو : التصحيف .
وقد يكون بغير عمد و هو : الغلط والوهم.
وهذا كله يُؤمن بقراءتنا على شيخ متقن فيكون العلم صافيا.

قال: (فإن من سبق قد قرأ المطولات في مجالس أو أيام قراءة ضبط على شيخ متقن كما فعل ابن حجر –رحمه الله – فقد قرأ صحيح البخاري في عشرة مجالس ، كل مجلس عشر ساعات و صحيح مسلم في أربعة مجالس نحو يومين وشيء من بكرة النهار إلى الظهر).
الأخبار في هذه كثيرة جدا جدا ولذلك سماع الكتب على الشيوخ فيها فوائد عظيمة، وكل متن تريد ضبطه لابد أن تصححه أولا.

قال: (جرد المطولات) يعني قراءتها كاملة مع العناية .وأصل كلمة "جرد" لها معنى لكن نتركه اختصارا. والمطولات: الكتب الكبار الموسعة كــ : "فتح الباري" في شرح الحديث و كـــ : "الفروع" و "البيان و التحصيل" في الفقه وكــ : "التفسير" لابن جرير الطبري و كــ : "سير أعلام النبلاء" في التاريخ و نحو ذلك .

قال- رحمه الله- : (عليك بهذا السبيل لكي تتعدد معارفك وتتوسع مداركك وتستخرج الفوائد والفرائد وتزداد خبرة في الأبحاث والمسائل ومعرفة طرائق المصنفين واصطلاحهم فيها).هذا الأمر لا يخاطب فيه المبتدئ أبدا ، ولا أول المتوسط بل يخوضه من قرأ جملة صالحة من الفنون؛ مر على جُلِّ أبواب العلم من نحو و صرف و بلاغة و منطق و أصول فقه و مصطلح حديث...الخ.
المصنف ذكر خمس فوائد قال:
1- تعدد المعارف: يكون عارفًا بأشياء و فنون كثيرة جدا، لأن المطولات تحوي معارف كثيرة .
2- توسع المدارك: فيكون إدراكه للصور و الاحتمالات ومناقشة الدليل أوسع من ذي قبل .
3-استخراج الفوائد و الفرائد: فقد تجد في المطولات من الفوائد والقواعد مالا تجده في غيرها .
4-زيادة الخبرة في الأبحاث و المسائل ومظانها: فمن يجرد المطولات يمر على مسائل كثيرة وتحقيقات ونقولات ليست في مظانها، أعطيكم مثالًا :من قرأ تفسير "ابن جرير الطبري" يمر على مسائل نحوية وفقهية من علم القرآن ما لا يجده في مظانها من كتب الفقه وعلوم القرآن .
قد تجد في "سير أعلام النبلاء" -وهو كتاب في التاريخ و التراجم- ذكرا لمسألة عقدية وتجد نسبتها مالا تجده في كتب العقائد وهكذا.
قد يقول قائل: البرامج الحاسوبية تغني في البحث ! الجواب :لا تغني في البحث؛ فكم من مسألة بحثنا عنها بالبرنامج ولم نجدها إلا بعد الجرد .لأن المؤلف قد يصيغها بصيغة لا تخطر على بالك .

قال رحمه الله-: ( حسن السؤال:التزم أدب المحادثة من حسن السؤال ،فالاستماع ،فصحة الفهم للجواب ،وإياك إذا حصل الجواب أن تقول: لكن الشيخُ فلانٌ قال لي كذا -ويجوز ضبطها بــ :لكنَّ الشيخَ فلانًا- قال لي كذا أو قال كذا ).
إذن سؤال حسن بأدب ثم حسن في الاستماع بفهمه وضبطه وإعادة طلب الجواب بأدب إن لم تفهمه .كذلك لا تعارض أقوال العلماء وتناطح بينهم .
وكان شيخنا الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي – حفظه الله –سأله سائل عن قول الشيخ البسام في شرح "العمدة" فقال له الشيخ بما أنك ذكرت اسمه فلن أجيبك عقابا لك ؛اذكروا القول فقط دون ذكر لقائله؛ فالعلماء لهم حرمة وهم بشر .
ينقل رجل في المجلس كلاما لذلك العالم على غير وجهه فيزيد وينقص فيحصل في النفوس ما يحصل. ثم إنه لا فائدة من ذكر الاسم فنحن نناقش الأقوال لا أصحابها .
قال -رحمه الله-: ( لئلا تضرب أهل العلم بعضهم ببعض فاحذر هذا وان كان لا بد فكن واضحا في السؤال وقل : إن قال قائل أو ما رأيك في الفتوى بكذا و لا تسمِّ أحدا) .
يعني الأفضل لو قيل كذا ،لو قال قائل كذا ، أو القول بأنه كذا ،ما رأيك في قول كذا ......
دون أن يقول فتوى أو غيرها ،لأن في ذكره أنها فتوى ؛فيه مقابلة بين العلماء قطعا هذا في الأحياء المعاصرين أما الأموات فالأمر فيه أهون.
قال -رحمه الله-: ( المناظرة بلا مماراة : إن المناظرة في الحق نعمة لما فيها من إظهار الحق على الباطل و الراجح على المرجوح ، مبنية على المناصحة والحلم و نشر العلم). "على المناصحة" يعني الصدق في الكلام ،الحلم :سعة البال وعدم الغضب قال "ونشر العلم" .
ثم قال: ( وإياك والمماراة فهي نقمة و تحجج ورياء ولغط وكبرياء ومغالبة واختيال وشحناء ومجاراة للسفهاء فاحذرها واحذر فاعلها وأعرض تسلم) .

المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن يقصد منها ظهور الحق وبيانه سواء كان على لساني أو على لسان غيري -من أناظره- هذا ممدوح .
وأما المراء : فالمقصود منه إظهار عجز الخصم وإفحامه والظهور عليه ،فآل الأمر حينئذ إلى دعوة الناس لنفسي أنا لا إلى الحق ! والكلام إذا كان لحظ نفسه هذا خذلان. وهذه المسألة فيها نصوص كثيرة وفيها صور ولكن الوقت لا يسمح بالتفصيل.
قال -رحمه الله- :( عليك بمذاكرة العلم :عليك بها فهي في مواطن تفوق المطالعة وتشحذ الذهن وتقوي الذاكرة والتزمِ الإنصاف والملاطفة مبتعدا عن الحيف و الشغب ).
الحيف: أي الظلم، الميل عن الحق.
والشغب: معناه تهييج الخصام و الاضطراب .
المؤلف يوصي بالمذاكرة وأهل العلم يقولون المذاكرة نوعان :
·1- مذاكرة مع النفس: بالتلخيص والتشجير والترتيب وحفظ رؤوس المسائل.

·2- مذاكرة مع الغير: بطرح الأسئلة على بعض، والإشكالات وتصوير المسائل الصعبة ونحو ذلك.
ثم حذَّر من بعض آفات المذاكرة مع الغير كالحيف والشغب .
قال: (وكن على حذر فإنها تكشف عوار من لا يصدق) .
قوله هذا يحتمل أكثر من معنى لكن الذي يظهر لي -والعلم عند الله- أنه يحذِّرنا من قول على غير الحقيقة ،؛كأن أقول لصديقي أنهيت "مختصر التحرير" فدعنا نتدارسه ،أو يقول لي هل تعرف صور سجود السهو كلها، أو تعرف شروط الخيار في البيع .فأقول: نعم. ولست صادقا في كوني متقنا لها. فإن المذاكرة تكشف هذا .
قال: (وأما مع قاصر في العلم بارد الذهن) "مع قاصر" يعني المذاكرة (مع قاصر في العلم بارد في الذهن فهي داء و منافرة) هذا مجرب نهايتها سيئة غالبا .
قال: (مذاكرتك مع نفسك أمر لا يسوغ أن تنفك عنه) قد يعتذر المرء بأنه لم يجد من يتدارس معه العلم، وقد يتساهل في هذا الأمر لأن فيها بعض السلبيات، لكن المذاكرة مع النفس أمر لا عذر للطالب في تركه .
قال : وقد قيل :{ إحياء العلم مذاكرته }
ثم قال -رحمه الله- : (طالب العلم يعيش بين الكتاب والسنة وعلومهما :فهما له كالجناحين للطائر فاحذر أن تكون مهيض الجناح) يعني مكسور الجناح ونعم الوصية هذه.رأينا في هذا العصر من أفنى وقته كله في دراسة النحو و الصرف وعلم المصطلح؛ أهمل التفسير والحديث والفقه وهذا خطأ .وكذلك إهمال علوم الآلة خطأ فادح، فالواجب أن يستعين بعلوم الآلة ما يوصله للعيش بين الكتاب والسنة فهما المقصد .
قال- رحمه الله-: ( استكمال أدوات كل فن) يعني مفاتيحه وأصوله هذا يشمل تاريخ نشأة ذاك العلم وأهم كتبه؛ فإذا أردت أن تدرس الفقه أدرس تاريخ نشأته مرورا سريعا وأهم كتب الفقه وأهم علماء الفقه وأهم علماء ذاك الفن ومباحث ذاك الفن ومسائله.
(قال تعالى : {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} دلت هذه الآية على أن الطالب لا يترك علما حتى يتقنه ويستكمل أدواته ،ففي الفقه بين الفقه وأصوله وفي الحديث بين علمي الرواية والدراية... وهكذا ).

فقه بلا أصول هذا فقه ما يصلح وعلم الحديث رواية بلا دراية أو العكس كذلك لا يصلح،كالنجار أو الحداد كلما حدَّ وسنَّ آلته واتخذ الأدوات اللازمة أتقن مهنته وأجادها ،وصنع على الهيئة الصحيحة السليمة مما تعارف عليه أهل تلك المهنة .

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

والحمد لله رب العالمين .


[/frame]
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx الدرس الثامن من الحلية.docx‏ (80.0 كيلوبايت, المشاهدات 536)

التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 21-04-15 الساعة 03:07 AM
فاطمة سالم غير متواجد حالياً  
قديم 29-04-15, 03:11 PM   #10
صوفيا محمد
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني 1 |
افتراضي

[frame="10 80"]

الدرس التاسع

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد؛ فقـال المصنف رحمه الله تعالى:
سادسًا: التحلي بالعمل. سيتكلم المصنف هنا على بعض الآداب التي مردها العمل بالعلم. وأكثر ما ذكره هنا بعد الأدبين الأول والثاني، في الحقيقة لا يظهر لي تعلقه بهذا الفصل لكن لعل له مغزى آخر لم يظهر لي، وسأنبه على ذلك عند الوصول إليها. يقول المصنف رحمه الله: من علامات العلم النافع: العمل به. في قوله العلم النافع يدل بمفهومه على وجود قسم آخر وهو العلم غير النافع، وهذا صحيح وقد جاء في بعض الآثار المرفوعة والصحيح أنه موقوف ليس مرفوعا جاء عن الحسن أن العلم علمان: علم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم على اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم. وهذا يفسره قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك" وقول المصنف العمل به هذه الجملة تشمل في عمومها جميع ما سيذكره بعدها، ويدخل فيها العمل المباشر كأداء الحقوق وفعل الواجبات والمحافظة على السنن والمندوبات وسائر الطاعات. فمن لم يعمل بما علم لم يحقق المقصود من تعلمه. قال رحمه الله: كراهية التزكية والمدح والتكبر على الخلق. وفي الحقيقة من وقع في هذا لم يعمل بعلمه، قال تعالى: [فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى] النجم32، تأمل هذه الآية [هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى] لا نمدح أنفسنا ولا نفرح بمدحنا فإنه أعلم بنا. وقال تعالى: [أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً (67)] مريم، فعلام التكبر. ثم قال رحمه الله: الهرب من حب الترؤس والشهرة والدنيا. هذا الأمر يعترض طالب العلم كثيرا، أعني الدنيا وزينتها تعترض طالب العلم وتتزين له، فمن انتفع بعلمه أعرض عن هذا الحطام الفاني الذي حلالها حساب وحرامها عقاب، فطالب العلم يستعين بالله ولا يتشوف لها. وهنا مسألة: لو أقبلت عليه بنفسها، هذه المسألة فيها تفصيل؛ لكن الأصل والقاعدة أن طالب العلم يهرب من الدنيا والشهرة وعليه ألا يطلبها ولا يلتفت لها. قال رحمه الله: هجر دعوى العلم. يعني لا يدعي العلم، ولا يعني هذا أن يجحد فضل الله عليه وأن يجحد نعمة الله، لا، لكن المقصود الدعوة وحب التصدر، جاء أن الصحابة رضي الله عنهم إذا سُئِلَ أحدهم وهم من هم في العلم أحب أن يكفيه صاحبه. ثم قال رحمه الله: إساءة الظن بالنفس وإحسانه بالناس تنزهًا عن الوقوع بهم. وهذه صفة المسلم، صفة كل مسلم فضلا عن طالب علم، فهي في طالب العلم أوكد. قال رحمه الله: زكاة العلم: أد (زكاة العلم) صادعًا بالحق، أمارًا بالمعروف، نهاءً عن المنكر، موازنًا بين المصالح والمضار، ناشرًا للعلم وحب النفع وبذل الجاه والشفاعة للمسلمين في نوائب الحق والمعروف، ولشرف العلم؛ قال: فإنه يزيد لكثرة الإنفاق وينقص مع الإشفاق، يبين المصنف هنا في هذا الفصل مسألة زكاة العلم. هذا العلم أعلى وأنفس من المال وعليه زكاة؛ والعلماء يقولون زكاته بطريقين: الأول: العمل به، ويدخل في العمل صور كثيرة. الأمر الثاني: تعليمه للناس،.ينحصر زكاة العلم في هذين الأمرين بجميع فروعها وما يدخل تحتها، نقول يرجع إلى هذين الأصلين: العمل به وتعلميه للناس. وقوله رحمه الله: وينقص مع الإشفاق، يعني مع قلة الإنفاق والعطاء، وهذا صحيح تجدون أكثر الناس علما أكثرهم عطاءً. قال رحمه الله: وآفته الكتمان، يعني مرضه الذي لا دواء له هو الكتمان. فكتم العلم بمثابة الآفة والمصيبة في حق العالم. قال: ولا تحملك دعوى فساد الزمان وغلبة الفساق وضعف إفادة النصيحة عن واجب الأداء والبلاغ؛ فإن ذلك مما يفرح الفساق ليتم لهم الخروج عن الفضيلة ورفع لواء الرذيلة. أورد شبهة ومقولة يرددها بعض المقرضين وبعض من جَهِل، فيقولون لقد فسد الزمان وانحلت الأخلاق وذهب أهل الخير ولم يعد الناس قابلين للإصلاح ولا الصلاح فلا تضيع وقتك ولا تضيع جهدك في محاولة نشر الخير والعلم لأن الأرض لم تعد صالحة للزراعة، هذا الكلام نسمعه كثيرا والجواب من أوجه: أولا: نقول ما زالت الأمة بخير وما زال فيها من أهل الصلاح والإستقامة والورع والتقوى أقوام كثر، وقد رأينا بأعيننا مشاهد وسمعنا بآذاننا أخبارا في ذلك، بل أعرف مدينة لا يوجد فيها بيت مسلم ليس فيه حافظ لكتاب الله تعالى، مع ثرائهم واشتغالهم في أسبابهم الدنيوية، وقد زرت هذه المدينة مرارا وهي مدينة ديربل، ويكفي ما رُوِي: الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة. هذا الأثر لا يصح ولا يثبت ولكن معناه صحيح فقد جاء في الصحيحين: "لا يزال أناس من أمتي ظاهرين على الحق". الأمر الثاني: الداعي لا ييأس ولا يفتر بل يدعو ويُعَلِّم حتى آخر رمق من حياته، هذه وظيفته بل مقصده، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك دعوة المشركين مع أن الله قال له: [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6)] البقرة، ومع هذا لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة ولا تكاسل ولم يفتر صلى الله عليه وآله وسلم. بل الأمر أعلى من ذلك وفي هذه الأخبار آثار كثيرة. الأمر الثالث: ليس المقصود كثرة الأتباع ولا حصول النتيجة الملموسة في الحياة، بل المقصود التعبد بهذه المهمة وهي وظيفة الأنبياء، فكلما قام بها العبد على الوجه الأكمل من الإتقان والصدق كان له الحظ الأوفر. وفي الصحيحين من حيث ابن عباس: "يأتي النبي ومعه الرهط والرهيط ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي ليس معه أحد" وهذا النبي الذي ليس معه أحد قطعا هو أفضل من أبي بكر الصديق ومن عمر بن الخطاب ومن علي بن أبي طالب ومن عثمان بن عفان ومن الأئمة الأربعة ومن جميع دعاة هذه الأمة، أليس كذلك؟ مع أن هؤلاء في صحائفهم وأسلم على أيديهم وانتشر الخير في زمانهم بصور ظاهرة بينة، ومع هذا هؤلاء الأنبياء يأتون يوم القيامة ليس معهم أحد وهم قطعا أرفع درجة من سائر الخلق ممن ليسوا بأنبياء، لماذا؟ قال العلماء لأنهم أدوا ما عليهم على الوجه الأكمل من الإتقان والجمال. الأمر الرابع: القيام على الدعوة والتعليم فيه نجاتك أنت، أنت أيها المعلم، فلا يشملك العذاب والهلاك، قال تعالى: [وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)]هود، ولم يقل صالحا. وفي الصحيح من حديث عائشة (يا رسول الله – قالت -: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كَثُر الخبث"). فقيام العبد بأمر التعليم والدعوة هذه نجاة له ووقاية؛ والأوجه كثيرة. ثم قال رحمه الله:عزة العلماء: صن العلم وعظمه واحم جناب عزِّه وشرفه، فبقدر ما تبذله في هذا يكون الكسب منه ومن العمل به، وبقدر ما تهدره يكون الفوت؛ يعني بقدر صونك له يكون كسبك من هذا العلم ويكون قد عملت به على هذا الوجه. ثم قال رحمه الله: فلا تسع به إلى أهل الدنيا، ولا تقف به على أعتابهم، أعتابهم جمع عتبة وهي الخشبة التي تُوطأُ عند الباب. ومقصود المصنف يقول لا تقف كأنك سائل تنتظر إحسانهم ودنياهم، ثم قال: ولا تبذله إلى غير أهله وإن عظم قدره، يعني بقول غير أهله ممن يمتهنونه ويسهزءون به ولا يريدونه، ولابد أن نفرق بين مقام التعليم ومقام الدعوة، فالتعليم في الأصل للراغبين للمقبلين، والدعوة مرحلة قبل العلم غالبا، فهي غالبا تكون للمعرضين والغافلين والمستهزءين، فالشيخ رحمه الله لا يعني لما قال لا تبذله لغير أهله لا يعني تركهم ولكن يقول لا تبذل له العلم وهو يمتهنه، بل ادعه أولا ثم تأتي مرحلة أخرى بعد ما يزداد عنده الإيمان ويكون عنده الإستعداد لتحمل هذا العلم. قال رحمه الله: وإياك أن يمتطيك السفهاء ويتمندل بك الكبراء فتلاين في فتوى أو قضاء أو بحث أو خطاب، يتمندل يعني يجعلونك كالمنديل يتمسحون بك من أوساخهم وقاذوراتهم، ومقصوده في فتلاين في فتوى أو قضاء أو بحث أو خطاب، يعني تحلل الحرام أو العكس تحرم الحلال أو تحكم في قضية بغير الحق إلى آخره، وفيها صور كثيرة. ثم قال: وإن أردت الشواهد على ذلك فعليك بقراءة التراجم والسير، واحفظ قصيدة القاضي الجرجاني في ذلك. وهي أبيات أشار إليها في الأصل. قال رحمه الله: صيانة العلم: إن بلغت منصبًا فاعلم أنما وصلت إليه بفضل الله ثم بسبب علمك بلغت ما بلغت من ولاية في التعليم أو الفتيا؛ فلا تجعل الأساس حفظ المنصب؛ فتطوي لسانك من قول الحق، ولا يحملك حب الولاية على المجاراة؛ يقصد أن تجري معهم في الحديث والمنهج ولو كان على باطل. قال: فحافظ على قيمتك بحفظ دينك وعلمك وشرف نفسك بحكمة ودراية وحسن سياسة. خلاصة هذا الأدب أن طالب العلم لا ينشغل بما يحصله من بركات العلم ومنافعه، ولا يجعلها نقضا وآفة على أصلها. ما هو أصلها؟ أصل هذه البركات العلم، العلم هو أصلها والسبب ما وصل إليه، فكيف يعود عليه بالنقض؟! ثم حَذَّر من آفة يقع فيها بعض طلبة العلم يحمله حب منصبه على المجاراة في الباطل، هذ راجع إلى ضعف الإيمان والركون للدنيا، وما هو علاجها؟ علاجها بأن يتذكر العبد يتذكر بأن الأمور كلها في قبضة الخالق العظيم فيخشاه ولا يخشى غيره، ويتذكر أن الله سبحانه جل وعلا هو الرازق هو المعطي المانع القابض، لا رازق سواه، هذه الأمور تحتاج لحكمة كذلك في مواطن كثيرة، تُكتسب بالدعاء وصحبة الحكماء ولذلك قال بحكمة، والمقام لا يتسع إلى التفصيل. ثم قال رحمه الله: المداراة لا المداهنة: قال: المداهنة خلق منحط؛ أما المداراة فلا، لكن لا تخلط بينهما فتحملك المداهنة إلى خلق النفاق مجاهرة، والمداهنة هي التي تمس دينك. في الحقيقة هذا الكتاب فيه علم غزير، لكن يحتاج لبسط في الكلام والمدارسة وضرب أمثلة، والوقت محدد ضيق فنكتفي بالإشارة. المداهنة يقول بعض العلماء: هو التنازل عن شيء من الدين لأجل الدنيا، والمداراة عكسه يتنازل عن شيء من دنياه لأجل الدين. ولها تعريف آخر أوضح يقولون الفرق بين المداراة والمداهنة في القصد، فإذا أظهرت الرضا بفعل الفاسق وقصدت بذلك الدنيا فهذا مداهنة, وإذا كان قصدك حفظ الدين فهذه مداراة، فإن كان مثلا إظهارك للرضا لأجل مصلحتك أنت مُداهن، إن كنت ترفق في تعليمه وفي دعوته لأجل حفظ الدين فهذه مداراة. هذه له أدلة وله أمثلة كثيرة لكن هذه هي الخلاصة. ثم قال رحمه الله:الغرام بالكتب: لقد اشتد غرام الطلاب بجمع الكتب مع الانتقاء؛ لمعرفتهم لأهمية طلب العلم وحصول اللذة والسرور بقدر تحصيله، هذا صحيح، فاقتناء الكتب لها لذة وفي هذا أخبار وطرائف كثيرة. ثم قال: وظهور النقص بقدر نقصه، يعني بقدر ما يظهر النقص في اقتناء الكتب يكون النقص في طلب العلم وفي حصول اللذة. هذا الحقيقة فيه تفصيل. ثم قال رحمه الله: وفي هذا أخبار تطول، هناك كتاب لطيف جدا ونافع وُفِّقَ فيه صاحبه هو كتاب اسمه المُشَوِّق إلى القراءة وطلب العلم للشيخ علي العمران، هذا أوصي بالإطلاع عليه، كتاب نافع جدا. قال: وإياك أن تشحذ مكتبتك بكتب المبتدعة؛ فهي غثاء وتشويش على الفكر وسم ناقع فاحذرها. هذا هو الأصل وهو الغالب في كتب أهل البدع، لكن استثنى من هذا من كان مُشتغلا بالرد والتأليف والبحث ونحو ذلك. ثم قال رحمه الله: قوام مكتبتك: عليك بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، كتب ابن تيمية أمتن وأغزر لكنها صعبة خصوصا أول المجلدات تحتاج لآلة من علم المنطق وعلم اللغة والصرف وعلوم العقائد إلى آخره. كتب ابن القيم أوضح قليلا، ويمكن أن يُبدأ بمختصرات كتبهم ثم يُقرأ الأصل. هناك مختصر لمنهاج السنة، هناك مختصر لاقتضاء الصراط المستقيم، هناك مختصر لمدارج الساكين، هناك مختصر لإغاثة اللهفان، هذه المختصرات تساعد على فهم الأصل. ثم قال رحمه الله: وكذا كتب ابن عبد البر وابن قدامة والذهبي وابن كثير وابن حجر وابن رجب والشوكاني والصنعاني ومحمد بن عبد الوهاب ومحمد الأمين الشنقيطي. طبعا هؤلاء متفاوتون لا يُخاطب بها طبقة واحدة، على كل حال كتب هؤلاء نافعة، والكتب وأهل التحقيق يُعرفون من طريق أهل العلم، دائما إِسأل من تقدمك وبلغ مرتبة أعلى منك في العلم بلغ مرتبة لا بأس بها يدلك على الكتب النافعة على مظان الكتب وعلى المحققين من أهل العلم. وكثير منها ذكر في كتاب الذي أشرت لكم أو ذكرت لكم اسمه في دروس سابقة لأبي فهر السلفي. قال: التعامل مع الكتاب: عليك بمقدمة الكتاب؛ فإنها كاشفة عن اصطلاح مؤلفه، وبذلك تحصل الفائدة من الكتاب. سيأتي مزيد بيان بعد قليل. قال: ومنه: أن لا تدخل في مكتبتك الكتاب حتى تمر عليه جردًا بقراءة مقدمته "هذا واحد"، وفهرسه"اثنين"، ومواضع منه "ثلاثة". قال: فربما مر زمان وفات العمر دون النظر فيه، وهذا مجرب. خذوها قاعدة: كل كتاب قبل وضعه في مكتبتك أوقبل شراءه لابد من ثلاثة أشياء: أولا: إقرأ مقدمة الكتاب، ثانيا: إقرأ فهرس الكتاب؛ حتى تطلع على مباحثه، ثالثا: إذا قرأت فهرس انظر إلى فصل من فصوله التي تعرفها وقرأتها سابقا في كتاب غير هذا الكتاب أو بحثتها ودرستها؛ إذا وقعت على فصل من هذه الفصول في الفهرس افتح هذا الفصل واقرأه حتى تعرف منهجه وتعرف طريقته وتعرف كيفية عرضه وجودته عندما تقرأ هذا المبحث، هذه أمور مهمة جدا. ثم قال رحمه الله: إعجام الكتابة: يعني إزالة العجمى، العجمى يُقصد بها الإبهام وعدم التبيين. قال: ويكون بأمور: وضوح الخط. يعني حتى تفهمه إذا قرأته بعد زمن. قال: رسمه على ضوء قواعد الرسم – الإملاء. فما كان حقه أن يُكتب بالألف الممدودة كُتب بها، كذلك مسائل الهمزة، مسائل التاء المربوطة، ما يُكتب ولا يُلفظ، إلى آخره، يتعلم هذه القواعد ليكتب على مقتضاها. ثم قال:النقط للمعجم والإهمال للمهمل. قديما كانوا لا ينقطون لأنهم يعرفون ويفهمون الكلمات بالسياق، فمثلا يكتبون "اشترى" بدون نقط هكذا "اسرى" فالمصنف يقول المعجم ضع عليه نقطا والمهمل بدون نقط. المعجم يعني المنقوط مثل التاء، الثاء، الذال، الغين، الجيم، وغيره من الحروف. ولذلك تجدهم قديما يقولون مثلا في كلمة"مؤذن" يكتب "مؤذن" ثم يقول "بالدال المعجمة" لأن الذال والدال واحدة، دال معجمة يعني دال عليها نقطة (ذال)، أو يقول بالدال المهملة يعني بدون نقطة، مثلا يقول " الدليل بالدال المهملة ". ويقولون مثلا "يسري بالسين المهملة"، "يشري" يقولون "بالسين المعجمة مثلثة الفوقية" يعني عليها ثلاثة حروف فوق. وكذلك يقولون "بتثليث الفوقية"، "بتثنية التحتية" يعني ياءً، وهكذا؛ هذا قديما. الآن الحركات تقوم مقام ذلك إلا في بعض الكلمات إذا خفت أن يختلط عليك الخط فلك أن تستعمل ضبطها بالحروف. قال: الشكل لما يشكل. هناك كلمات تحتاج للشكل يعني الحركات مثل كلمة "شذى العَرف" ضع فتحة فوق العين لأن كثيرا من الناس يقرأها "شذى العُرف"، مثلا لو كتبت كلمة "يُعَظِّم" ضع شدة على الظاء لأنها قد تُقرأ "يَعظُمُ" وهكذا. ثم قال رحمه الله:تثبيت علامات الترقيم في غير آية أو حديث.. علامات الترقيم تُعين على الفهم وهي ترجع إلى ذوق الكاتب، وأهل الإملاء يختمون كتبهم بذكر علامات الترقيم، ومن أرادها ميسرة مختصرة فسيجدها في آخر كتاب المنهاج المختصر في علمي النحو والصرف للشيخ عبد الله الجديع. ثم قال: في غير آية أو حديث. أما الآية والحديث فتُنقل كما هي بلا زيادة أو نقصان. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمدلله رب العالمين.
[/frame]
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx تفريغ الدرس التاسع من الحلية.docx‏ (200.6 كيلوبايت, المشاهدات 561)

التعديل الأخير تم بواسطة صوفيا محمد ; 29-04-15 الساعة 03:14 PM
صوفيا محمد غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:53 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .