|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
21-03-14, 03:43 PM | #1 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
~ مِن شَرح [ القواعِـدِ الأربَع ] للشيخ : عُمَر العِيد ~
~ مِن شَرح [ القواعِـدِ الأربَع ] للشيخ : عُمَر العِيد ~ إنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمدَه، ونستعينُ بِهِ، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ تعالى مِن شرور أنفُسنا وسيئاتِ أعمالِنا. مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له. وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسُولُه. وبعــد.. أيًّامًا عِشناها هُنا و هُنا بين العِلم والعَقيدة. وهُنا سنعيشُ- بإذن الله- مع شيءٍ من: ~ شرح ( القواعِـد الأربَـع ) للشيخ : عُمر بن سعود العِيد ~ فأسألُ اللهَ- تعالى- أن ينفعني وإيَّاكُنَّ بما سيأتي مِن كَلِماتٍ هنا، وأن يَرزُقنا العِلمَ النَّافِعَ والعَملَ الصَّالِحَ ويُوفِّقنا لِمَا يُحِبُّ ويَرضى. وحيَّاكُنَّ اللهُ مُتابعاتٍ ومُستفيداتٍ () مما راق لي نقله .. |
21-03-14, 03:45 PM | #2 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
مُؤلِّفُ مَتن (القواعِد الأربع) هو الإمام مُحمد بن عبد الوهَّاب. وُلِدَ هذا العالِم (محمد بن عبد الوَهَّاب) في بلدة العُيَيْنَة، سنة ألفٍ ومائة وخمسة عشر، في بيتِ عِلمٍ وشَرَفٍ ودِين. حَفِظَ القُرآنَ قبل بُلوغِهِ عَشر سنواتٍ رَحِمَه الله، ودَرَسَ الفِقهَ، وقرأ في كُتُبِ الحديثِ والتَّفسير، وجَدَّ في طلبِ العِلمِ ليلاً ونَهارًا، وكان مِن دُعاة الإصلاح. ومُنذُ نُعومةِ أظفاره كان يُفكِّرُ في إصلاح أُمَّتِهِ ومُجتمعِهِ. ولهذا عَلِمَ أنَّ الإصلاحَ لا يكونُ إلَّا بعِلم؛ فأَسَّسَ نَفْسَهُ عِلميًّا، بل ورحل في طلبِ العِلمِ إلى نَجْد (نواحي نَجْد التي عاش فيها)، ثُمَّ انطلق إلى مكة، ثُمَّ سار إلى المدينةِ وقرأ على عُلمائِها، ثُمَّ انطلق إلى العِراق ودِمشق وغيرها، وإلى الشامِ يستفيدُ عِلمًا، ويقرأ كُتُبًا، ويُؤسِّسُ نَفْسَه. ثُمَّ بعدها رَجَعَ مُنطلِقًا بعد أن حَصَّلَ العِلمَ؛ لِيُصلِحَ أُمَّتَه. وواجه ما واجه مِن الوقوفِ في وَجهه مِن أقربِ الناسِ إليه مِمَّن يُحيطُ به، سَواءً مِن أُسرتِهِ أو مِن المُجتمع الذي هو فيه، ولكنْ يَسَّرَ اللهُ له ما لم يُيَسِّر لغيره، فانطلق بعد أن اتَّفَقَ مع الإمام محمد بن سعود رَحِمَه الله، فاتَّحَدا جميعًا على قضية الإصلاح، فذاكَ بسِلاحِهِ وسِنانِهِ، والشيخُ- رَحِمَه اللهُ- بعِلمِهِ وبَيانِهِ، فخرجت لنا هذه الدعوةُ المُباركة؛ وهِيَ دعوةُ الشيخ محمد بن عبد الوَهَّاب رَحِمَه الله. لا نرتضي أن نُسَمِّيها "الدَّعوة الوَهَّابية"، وكان الأَوْلَى أن تُسَمَّى "الدَّعوة المُحَمَّدِيَّة"، فعبد الوَهَّاب لم يكن هو الدَّاعِيَة لهذه العقيدة، ولا هو الذي جاهَدَ ونافَحَ عنها. وهذا مِن جَهل مَن يَنسِبُ الدعوةَ إلى غيره، وهذا لا شَكَّ بأنَّه مُصطلَحٌ غيرُ صحيح، وليس عليه دليل، لا مِن عقلٍ ولا مِن أصلٍ عِلميٍّ حتى يُقالَ إنَّ الشيخَ محمد بن عبد الوَهَّاب- رَحِمَه الله- هو الذي أَسَّسَ هذه الدعوةَ الوَهَّابيَّة. وَوُصِمَت هذه الدَّعوة بشُبُهاتٍ، وأُلْحِقَ بها أمورٌ لسنا بِصَدَدِ الدِّفاعِ والكلامِ عنها، حتى أصبحَ كُلُّ مَن يُنكِرُ التَّوَسُّلَ والطَّوافَ بالقُبُورِ ودُعاءَ الأمواتِ والذَّبْحَ لهم وغيرَه، مُجرَّد أن يَنطِقَ الإنسانُ بتوجيهٍ يُقالُ عنه: "أنتَ وَهَّابِيٌّ" مُباشرةً، بل أَعْجَبُ مِن ذلك حين يُتَرجَمُ. تقولُ إحدى الطوائِف حين ترجمَت لشيخ الإسلام ابن تيمية: "ويُعتَبَرُ ابنُ تيمية أحدَ الدُّعاةِ الكِبار للوَهَّابية". والعَجَبُ: أين ابنُ تيمية- رَحِمَه الله- مِن الشيخ محمد بن عبد الوَهَّاب؟! هذا يَدُلُّ على أنَّ التَّعَصُّبَ يُعمِي. ولو سألتَهم: ماذا تَقصِدون بالوَهَّابية؟ وما المُرادُ بهذا المُصطلح؟ لا يعرفون إلَّا أنَّه وَصْفُ ذَمٍّ يُطلَقُ على كُلِّ مَن دَعَا إلى العقيدةِ الصحيحةِ المُوافِقَةِ لِكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. وُفِّقَ شيخُ الإسلامِ محمد بن عبد الوَهَّابِ- رَحِمَه الله- لِمُؤلَّفاتٍ جميلةٍ عجيبة، وليست غريبةً على الشيخ محمد بن عبد الوَهَّاب، فقد سار على مَنهجِ السَّلَف. وما أحوَجَنا إلى القراءةِ في كُتُبِ السَّلَفِ المُتقدِّمةِ في مسائل الاعتقاد! وحين تتأمَّلُ في الكُتُبِ المُتقدِّمةِ ترى أنَّها لا تَعدو عن آيةٍ وحديثٍ وعن فائدةٍ واستنباط، ليست مُشقشقةً ولا مُلِئَت بعِلم الكلام وتعقيداتِهِ، وإنَّما تَجِدُ دليلاً مِن كِتابٍ وسُنَّةٍ، ثُمَّ استنباط. ومِن الَّلطائِفِ: أنَّ بعضَ العُلَماءِ كانوا في حلقاتِهم ودروسِهم رُبَّما دَعَوا على الشيخ محمد بن عبد الوَهَّابِ، ورُبَّما نَفَّروا الناسَ منه. وكان بعضُ الحُكماءِ والعُقلاءِ يقول: ذهبتُ إلى بعضٍ مِن هؤلاءِ العُلَماءِ بكِتابِ التَّوحيدِ، جَرَّدتُه مِن غِلافِهِ، فطلبتُ منه أن يقرأ في الكِتابِ وأن يُقَيِّمَه ، وبعد يومين أو ثلاثةٍ إذا هو يُثني على الكِتابِ وعلى مُؤلِّفِهِ، فيقولُ: ليس فيه شئٌ إلَّا دليلٌ مِن كِتابٍ وسُنَّة. قال: فأعطيتُه الغِلافَ، فلَمَّا قرأ عَجِبَ، وأصبحَ بدلاً مِن أن يَدعُوَا على الشيخ- رَحِمَه الله- يدعوا له في بدايةِ كُلِّ درسٍ وفي نهايتِهِ. وهذا يُعطينا- أيُّها الأحبةُ- أنَّ التَّعَصُّبَ يُعمِي عن الحَقِّ، ورُبَّما التقليدُ لأئمةِ الضلالِ دُونَ المعرفة والبَيِّنة، هذا سَبَبٌ للصَّدِّ عن الكِتابِ والسُّنَّة، وعَمَّا كان عليه سَلَفُ الأُمَّةِ. كُتُبُ الشيخ محمد بن عبد الوَهَّابِ- رَحِمَه الله- تَتَمَيَّزُ بأنَّها تُوحِي عن واقعٍ يَعيشُه، وكأنَّها مُعالَجةٌ لِمَا وُجِدَ في عصره مِن الانحرافات، ولا يعني أنَّها لا تُناسِبُ عُصورًا جاءت بعد، وإنَّما هِيَ أُسُسٌ اعتقاديةٌ لا بُدَّ أن يتعرَّفَ عليها المسلمُ، وأن يتعلَّمَها؛ لِتُصبِحَ عقيدتُهُ صحيحةً مُوافِقةً لِكتابِ اللهِ ولِسُنَّةِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. مِن أعظمِ كُتُبِه: (كِتابُ التَّوحيد)؛ ذلك الكِتابُ العظيمُ الذي سار على طريقةِ السَّلَفِ في التأسيس، مُجَرَّد أن يَذكرَ البابَ مُستنبِطًا، كطريقةِ الإمام البُخاريِّ- رَحِمَه الله- حين يَستنبِط مسائلَ الفِقه والأحكام، فيُصَدِّرَها في بِدايةِ أحاديثِ النبيِّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بالأبواب، ثُمَّ كان الشيخُ- رَحِمَه الله- يَسرِدُ بعد ذلك آيةً أو حديثًا، ثُمَّ يَذكُرُ المسائلَ، وهذه المسائلُ هِيَ لُبُّ الكِتاب، وهِيَ الاستنباطاتُ مِن الآياتِ والأحاديثِ التي ذكرها المُؤلِّفُ. كثيرٌ من الناس- أيُّها الأحِبَّةُ- يقرأون (كتابَ التَّوحيد)، ويَنسون أن يقرأوا المسائلَ التي بعدها، ويحفظون (كتاب التَّوحيد) ولا يُريدون أن يَحفظوا تلك المسائل، نعتبِرُ ذلك جَهلاً منهم، فالأَوْلَى أن تُقرأ هذه المسائلُ وتُربَطَ بالآيةِ والحديث؛ حتى يَعلمَ الإنسانُ كيف استنبطَ الشيخُ- رَحِمَه اللهُ تعالى- هذه الفوائِدَ والدُّرَر مِمَّا ذَكَرَه من النصوص الشرعية. وله كُتُبٌ مُتعدِّدة، مِنها: "كَشْفُ الشُّبُهات"، و "مُختصَر الكبائِر"، و "ثلاثة الأصول"، و "مُختصَر زاد المَعاد"، و "مُختصَر سِيرة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم"، وغيرها من كُتب، وله فتاوى. تُوفِّيَ- رَحِمَه الله- بعد أن قام بجِهادٍ عَجيبٍ، وبذلٍ وتضحيةٍ، وتعرَّضَ للقَتل مِرارًا رَحِمَه الله. تُوفِّيَ عام ألفٍ ومائتين وسِتَّةٍ مِن الهِجرة، رَحِمَه الله رحمةً واسعة، وغَفَر اللهُ له، وجَمعنا وإيَّاكم وإيَّاه في جَنَّاتِ عَدْنٍ. |
21-03-14, 03:47 PM | #3 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
أيُّ عَملٍ لا ينطلِقُ مِن عقيدةٍ يُصبِحُ عَملاً خَواءً، أو عَملاً بلا رُوح، ولا يَستفيدُ الإنسانُ منه الفائدةَ الكُبرى. لكنْ إذا انطلق الإنسانُ بعقيدته، نفعه اللهُ بها نَفعًا عَظيمًا. ولِهذا نحتاجُ أن نُبيِّنَ أنَّ هذه العقيدة لها منزلةٌ عظيمةٌ بالنسبةِ للفنون الأخرى والعلوم الأخرى. ولِهذا يقولُ العُلماءُ رَحِمَهم اللهُ تعالى: ‹‹ إنَّ عِلمَ الاعتقاد وتعلُّمَه أعظمُ وأفضلُ مِن تعلُّم الفنون الأخرى ›› . والسَّببُ: قالوا: ‹‹ شَرَفُ العِلم بشَرَفِ المَعلوم ›› . كُتُب الاعتقادِ تُعرِّفُنا بربِّنا الذي خَلَقَنا ورَزَقَنا ويُحيينا. ولن يَعبُدَ الإنسانُ رَبَّه عن طريق الهَوَى، ولا عن طريق الذَّوْق، كما تعملُه بَعضُ طوائِف الصُّوفيَّة، ولا بالاستنباطاتِ، وإنَّما نأخُذُها مِن كِتابٍ وسُنَّةٍ. ولن يَستطيعَ الإنسانُ أن يَعبُدَ رَبَّه بدونِ أن يكونَ له مَرْجِعٌ ومُستنَدٌ مِنَ الشَّرع مِن كِتاب الله وسُنَّةِ رَسُوله صلَّى الله عليه وسلَّم. ثُمَّ يقولُ العُلماءُ رَحِمَهم اللهُ تعالى: ‹‹ كُلُّ فَنٍّ يَشرُفُ بما يتعلَّقُ به ›› . الحَديثُ يُعرِّفُنا بما جاء عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، التَّفسيرُ يُعرِّفُنا بالقُرآن، العقيدةُ تُعرِّفُنا بالرَّبِّ سُبحانه وتعالى. فشَرَفُ العِلمِ بشَرَفِ المَعلوم. ولِهذا، اللهُ- سُبحانه وتعالى- قَدْرُهُ في نُفُوسنا أعظمُ وأجلُّ مِن كُلِّ شيءٍ في هذا الكون. ولِهذا- أيُّها الأحِبَّة- والِدُكَ منزلتُه يَجِبُ أن تكونَ أعظمَ مِن عَمِّكَ، مِن خالِكَ، وعَمُّكَ يَجِبُ أن تكونَ منزلتُه أعلى في نَفْسِكَ مِن ابن عَمِّكَ؛ لأنَّه كُلَّما كان الشيءُ أقربَ، كان أعظمَ وأعلى وأجلَّ. ثُمَّ إذا تأمَّلتَ مسائلَ الاعتقادِ تأمُّلاً سريعًا تَعجَب. العَقيدةُ هِيَ التي يَدخُلُ بها الإنسانُ في الإسلام. العَقيدةُ هِيَ أولُ ما يَجِبُ عليكَ أيُّها الحبيب. فأولُ ما يَجِبُ علينا: شهادةُ أن لا إلهَ إلَّا الله وأنَّ مُحمَّدًا رَسُولُ الله. ليس الواجِبُ علينا أن نقرأ القُرآنَ، أو أن نُصلِّيَ، أو نتعلَّمَ التَّفسيرَ أو التَّخريج أو حِفظَ المُتون والحَديث، وإنَّما أولُ ما يَجِبُ علينا "التَّوحِيد". ومِن اللطائِف- أيُّها الأحِبَّة- أنَّ عِلمَ الاعتقادِ لا يستغني عنه الإنسانُ طَرفةَ عَيْن. المَسائِلُ الأُخرى؛ الصلاة، الصيام، صلَّيْنا الفَجرَ، ليس أحدٌ يُطالِبُنا بالصلاة، انتهَى. ننتظِرُ الظُّهرَ بالنسبةِ للوجوب، لكنَّ العقيدةَ، ما أقولُ: مِن الفجر عِندي عقيدة وفي الضُّحَى لا أحتاجُ إلى عقيدةٍ أصلاً، بل هِيَ تستمِرُّ معكَ، فما تنقطِع عنكَ طَرفةَ عَيْن، ولِهذا جاءت في قول اللهِ تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (*) لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ الأنعام/162-163. حياتُكَ كُلُّها يَجِبُ أن تكونَ للهِ تعالى، في مَطعَمِكَ، ومَشربكَ، ومَلبسكَ، وفي مَسكنكَ، بل في نومِكَ واستيقاظِكَ. ولِهذا قال أحدُ السَّلَفِ: ‹‹ إنِّي لأَحتسِبُ نَوْمَتي كما أحتسِبُ قَوْمَتي في مِيزاني يَوم القِيامة ››. ومِن هذا نقولُ: مَن يَستغني عن التَّوحيد ؟! بل قال العُلماءُ: ‹‹ إنَّ العقيدة هِيَ أولُ الأمرِ وآخِرُه ›› ، (( أُمِرتُ أن أُقاتِلَ الناسَ حتى يقولوا: لا إله إلَّا الله )) رواه مُسلِم. فأولُ ما يُبدَأ بلا إله إلَّا الله، وآخِرُهُ: (( مَن كان آخِرُ كلامِه لا إله إلا اللهُ، دخل الجنَّةَ )) صحيح الجامع. ولِهذا سمَّاها اللهُ رُوحًا، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ﴾ الشورى/52. هذا الإيمانُ هو الرُّوح، ﴿ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ ﴾ الشورى/52. سُمِّيَت العقيدةُ نُورًا؛ فإنَّ الإنسانَ إذا آمَن أصبح يُبصِرُ بنُور اللهِ تعالى، ويرزُقه اللهُ بصيرةً يُميِّزُ فيها بين الحَقِّ والباطِل، ويُميِّزُ بين الشِّركِ والتَّوحيد، ويُميِّزُ كذلك بين الكُفر والإلحادِ والإيمان، يُصبِحُ عند الإنسان بَصيرة، والنُّورُ هذا نحتاجُه أن يُوجَدَ في قلوبنا، في زَمَنٍ وُجِدَ عند الناس عَمَىً، فأصبحوا لا يُميِّزونَ بين حَقٍّ وباطِلٍ، وانحرافٍ وضلال، ما ندري ما نهايتُه. وتُصبِحُ العقيدةُ من المسائل العُظمَى التي يَحتاجُها الإنسانُ طِيلةَ حياتِهِ، ولن يَستغنيَ الإنسانُ عن العقيدةِ أبدًا. |
21-03-14, 03:48 PM | #4 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
تعريفُ العقيدة في اللغة: يقولُ العُلماءُ: إنَّ العقيدةَ مأخوذةٌ مِن الشَّدِّ والجَزْمِ والرَّبْطِ، وجاءت في قول اللهِ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ المائدة/1، ﴿ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ﴾ المائدة/89؛ بمعنى أنَّه مُوثَّق. ولِهذا جاء عَقدُ البيع، وعَقدُ النِّكاح، وعَقدُ التِّجارة. وتأتي العقودُ تدلُّ على شيءٍ مِن الإلزام، ليس الأمرُ أن يأتيَ الإنسانُ يتعاقَدُ مع غيره، ثُمَّ يتركه مُباشرةً، ليس له خِيارٌ في ذلك. وبالنسبةِ للمعاني الاصطلاحِيَّة، فهِيَ مُتعدِّدة. ولِهذا يقولُ العُلماءُ: مِنها حُكمُ الذِّهنِ الجازِم، إذا طابَقَ الواقِعَ كان صحيحًا، وإذا خالَفَ الواقِعَ كان فاسِدًا. ومسائِلُ الاعتقادِ ما هِيَ مسائل تردُّدٍ. وبَعضُ العُلماءِ يُعرِّفُها، فيقولُ: أمورٌ وقضايا لا تقبَلُ الجِدالَ ولا المُناقشة. العقيدةُ: ما يَدِينُ الإنسانُ به رَبَّه مِمَّا يتعلَّقُ بأصول الإيمان السِّتَّة وما يُلحَقُ بها. * مَزايا العَقيدة الإسلامِيَّة: 1- الوضُوح: نحنُ نقولُ: سَل عن كُلِّ شيء، وإذا لم يُفسِّر لكَ الشيخُ شيئًا، فلا تقبَل منه شيئًا. ودليلُ هذه المزيَّة: قولُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (( تركتكم على البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بَعدي إلَّا هالِك )) صحيح الجامع، وحين قال النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- في آخِر حياته في حَجَّة الوداع: (( وأنتم تُسألون عَنِّي، فما أنتم قائِلون؟ )) قالوا: نشهَدُ أنَّكَ قد بلَّغتَ وأدَّيْتَ ونَصحتَ. رواه مُسلِم، بل ثبت عن النبيِّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- بسندٍ صحيحٍ أنَّه قال: (( إِنَّهُ لم يكنْ نبيٌّ قبلي، إلَّا كان حقًّا عليْهِ أنْ يَدُلَّ أمتَهُ على ما يعلَمُهُ خيرًا لهم، ويُنْذِرَهُمْ ما يعلَمُهُ شرًا لهم )) صحيح الجامع. ومحمدٌ- صلَّى الله عليه وسلَّم- هو أفضلُ الأنبياءِ والرُّسُل، فما وُجِدَ شيءٌ تركه النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- مِن مسائل الاعتقاد إلَّا وقد بيَّنه. 2- العَقيدةُ الإسلامِيَّةُ عَقيدةٌ فِطريَّة: وسُبحان الله! مسائِلُ العقيدةِ تُناسِبُ فِطَر الناس. إذا كانت الفِطرة ليس فيها شُبُهات، وليست مُختلطة بالشَّهَوَاتِ، وليس فيها شُكوك، فإنَّها تقبلُ العقيدةَ مُباشرةً. والدليلُ على ذلك قولُه تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ البقرة/22. هذه كُلُّها تُحرَّك في الفِطرة في نُفوس الناس. بَعدَها: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة/22؛ يعني كأنَّه يُقال: إذا عَرفتَ أنَّ اللهَ خَلَقَكَ ورَزَقَكَ ويُطعِمُكَ ويَسقيكَ، فلماذا تعبُد غيرَه؟! مَن المُخاطَب؟ إنَّها الفِطرة. وحِين يقولُ الأعرابيُّ: ‹‹ البَعرةُ تدُلُّ على البَعير، والأثرُ- يعني مواطئ الأقدام- تدُلُّ على المَسير ›› ، فيقولُ: ‹‹ سماءٌ ذاتُ أبراج، وأرضٌ ذاتُ فِجاج، أفلا تدُلُّ على اللطيف الخبير؟! ›› ، نقولُ: بلَى. هذه هِيَ الفِطرة. ولهذا النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- ما كان يَعقِدُ مع المُشركين مُناظراتٍ ومُناقشاتٍ وجلساتٍ طويلةً ليُقنِعَهم، بل تأتي الأسئلة: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ لقمان/25، ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ الزخرف/87، ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ﴾ الواقعة/68-69، ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ﴾ الواقعة/71-72، ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾ الواقعة/58-59. ولهذا قال النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الصحيح: (( كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه )) رواه البُخاريّ ومُسلِم واللفظ للبُخاريّ. لم يَقُل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (أو يُسلِمانه) ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّه على الإسلام. ومِن هُنا انبنى على هذه المسألة: أطفال المُشركين إذا ماتوا صِغارًا، أين يكونُ مصيرُهم؟ أإلى الجنَّةِ أم إلى النار؟ أصَحُّ الأقوالِ أنَّهم من أهل الجنَّة، وهذا رَجَّحه شيخُنا العلَّامة ابن باز رَحِمَه الله، على أطفال المُشركين إذا ماتوا فهم إلى الجنَّة. ويستدلُّ لذلك بما ثبت في الصحيح، أنَّ النبيَّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- رأى إبراهيم ليلة الإسراء والمِعراج، وحولَه أطفالُ المُسلمين والمُشركين. ويقولُ العُلماءُ: السَّببُ أنَّهم وُلِدُوا على الفِطرةِ، وإذا بلَغوا تميَّز؛ ذَهَبَ هذا يَهوديًّا، وذاك نصرانيًّا، وذاك بُوذِيًّا، وذاك هُندوسِيًّا، إلى غيره. فعند ذلك يُحكَمُ عليهم إنْ ماتوا على ما هم عليه إمَّا بجنَّةٍ أو نارٍ إذا كانت بلَغَتهم دعوةُ الإسلام. 3- العَقيدةُ الإسلامِيَّةُ عَقيدةٌ ثابتةٌ على مَرِّ العُصورِ والدُّهور: أصولُ الإيمانِ السِّتَّة عندنا جاءت في حديث عُمر- رَضِيَ الله عنه- الذي رواه حِين جاء جِبريل عليه الصَّلاةُ والسَّلام. (أخبِرني عن الإيمان)، فإذا به يُجيبُ بالأصول السِّتَّة. نحنُ في زمننا أصولُنا سِتَّة، لا نحتاجُ زيادةً ولا نُقصانًا، ولسنا كالعقائِد الأخرى- كالنصرانيَّة- كُلَّما مَرَّ قرنان أو ثلاثة، اجتمع المَجْمَعُ الكنائسيُّ في العالَم لتطوير العقيدة لتُناسِبَ العَصرَ الذي هم فيه. نحنُ ما عندنا شيءٌ نأتي به من عندنا، ما لم يكُن على ما كان عليه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم. ودليلُ ذلك قولُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (( مَن عَمِلَ عَملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ )) الحَديثُ المُتواتِرُ الصَّحيح، (( مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ )). ولهذا قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (( قدْ تركتُكم على البيضاءِ، ليلُها كنهارِها ، لا يزيغُ عنها بَعدي إلَّا هالِكٌ )) صحيح الجامع. ومِن هُنا نَصِلُ ونقولُ: ليس لعالِمٍ من العُلماء، ولا لحَاكِمٍ من الحُكَّام، ولا لمَجْمَعٍ من المَجامِع الدِّينيَّةِ، أن يَزيدَ في مسائل الاعتقاد، أو يُنقِصَ منها، ولو قاله مَن قاله فلا نقبل. وقال الإمامُ مالك: ‹‹ كُلٌّ يُؤخَذُ من قولِهِ ويُرَدُّ إلَّا صاحب هذا القبر ›› صلَّى الله عليه وسلَّم. وكان أئمةُ الإسلام يُحذِّرون من الزيادةِ في مسائل الاعتقاد. ونُربَطُ دائمًا بما كان عليه سَلَفُ الأُمَّة. 4- عَقيدةُ الإسلام عَقيدةٌ مُبَرْهَنَةٌ: بمعنى أنَّها تُتبِعُ قضاياها وجُزئيَّاتِها بنُصوصِ الكِتاب والسُّنَّة، وهذا مِن نِعمةِ الله تعالى. نستطيعُ أن نصِلَ إلى نتيجةٍ- أيُّها الأحِبَّة- فنقولُ: أيُّ مسألةٍ اعتقاديَّةٍ لا تَجِدُ لها مُستندًا من كتابٍ ولا سُنَّةٍ، فلا تأخُذ بها. ويُعطينا أنَّنا على قُوَّةٍ ومتانةٍ، ما نأتي به مِن هَوَى، ولا نقولُ: هذا ما قاله الشيخُ، ولا هذه عقيدةُ الشيخ، بدُون أن يأتيَ ببيِّنةٍ وبُرهان. وجاءت في قول الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ البقرة/111، أعطونا دليلاً. الجنَّةُ والنَّارُ مربوطةٌ بمسائل العقيدة، لن يدخُل أحدٌ الجنَّةَ أو النَّارَ دُونَ أن يكونَ له عقيدةٌ، إمَّا اتِّباعًا أو تَركًا. ومُجمَلُ هذه المَزيَّة: العَقيدةُ الإسلاميَّةُ توقيفيَّةٌ. ويُقصَدُ بالتَّوقيفيَّةِ: أنَّ مَدارها على الكِتاب والسُّنَّة. ما الفائدةُ من هذه المَزيَّة؟ أنَّه لا نقبَلُ اجتهاداتِ العُلماءِ في مسائل الاعتقاد. 5- مسائِلُ العَقيدةِ لا تدخُلها العقول: لأنَّ العقلَ إطارُه مَحدودٌ وضعيف، ولا يُمكنُ أن يَصِلَ إليه أصلاً. 6- العَقيدةُ الإسلامِيَّةُ عَقيدةٌ وَسَط: وَسَطٌ بين العقائِدِ المُنحرفة، وَوَسَطٌ بين المِلَل والنِّحَل والإديان، وهذا نِعمةٌ مِن اللهِ تعالى. |
21-03-14, 03:56 PM | #5 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
يقولُ العُلماءُ: القاعِدةُ: هِيَ ما يُبنَى عليها غيرُها. ويقولون في معناها الاصطلاحِيِّ: الأصلُ الذي يتفرَّعُ منه مسائل كثيرة. هذه القواعِدُ التي يُريدُ أن يذكُرها المُؤلِّفُ، ليست قواعِدَ الاعتقادِ كُلِّيَّةً، وإنَّما هِيَ قواعِدُ أربع فقط، وإلَّا فإنَّ قواعِدَ الاعتقادِ كثيرة. بدأ المُؤلِّفُ- رَحِمَه اللهُ- هذه القواعِد بهذا الدُّعاءِ العَظيم. وما أحوجَنا إلى أن ندعُوَا اللهَ تعالى أن يتولَّانا في الدُّنيا والآخِرة! وجاءَت بسُؤال الله، ثُمَّ وُصِفَ الرَّبُّ- سُبحانه وتعالى- بهذه الصِّفاتِ العَظيمة؛ [ أسألُ اللهَ الكَريمَ رَبَّ العَرشِ العَظيم ]. الإنسانُ في حاجةٍ إلى أن يكونَ اللهُ وَلِيَّه، ولن يكونَ ذلك إلَّا إذا بَحثتَ أنتَ عَمَّا يُحِبُّه اللهُ تعالى، واستقمتَ على دِينه، وسِرتَ على صِراطه المُستقيم. • نتيجةُ هذه الوِلاية: - أنَّ الإنسانَ لا يُصابُ بما يَكرهُه أبدًا، ولا يَحزَن لِمَا أصابَه، ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ آل عمران/139. - مَن تولَّاه اللهُ، فإنَّه يَسعَدُ في الدُّنيا والآخِرة، ويُصبِحُ في سعادةٍ لا يَشقَى بَعدها، كما قال إبراهيمُ بن أدهم: ‹‹ واللهِ إنَّا لَفي سعادةٍ، لو عَلِمَ عنها المُلوكُ وأبناءُ المُلوكِ، لَجَالَدُونا عليها بالسّيوف ››. - مَن تولَّاه اللهُ تعالى، فإنَّه يَهدِيه صِراطَه، ويُوفِّقه للعَمل الصَّالِح، بل ويَجعَل أعمالَه كُلَّها في مَرضاتِهِ. • ثَمرةُ الوِلايةِ في الآخِرة: - أنَّه يُسهِّلُ عليه العَرضَ على اللهِ تعالى. - يُرحَمُ يَومَ القيامةِ. - أنَّ اللهَ يَغفِرُ له. - أنَّ اللهَ يَقيه مِنَ النَّار. - العُبُورُ على الصِّراطِ كاللحظة. - دُخُولُ الجنَّةِ. |
21-03-14, 03:58 PM | #6 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
ثُمَّ قال المُؤلِّفُ بَعدها: [ وأن يَجعلَكَ مُباركًا أينما كُنتَ ] . هذه نعتبِرُها غايةَ المَطلَب؛ أن يكونَ الإنسانُ مُباركًا أينما كان. أن يكونَ وقتُ الإنسان كُلُّه في طاعةِ الله. تَجِده في بِرٍّ، وصِلةِ أرحامٍ، وفي إحسانٍ للجِيران وزيارةٍ، وفي دَعوةٍ ونُصحٍ، وفي ذِكرٍ وعِبادةٍ وقيامٍ وغيره. ويقولُ العُلماءُ: إنَّ البركةَ أينما كان، تكونُ بَركةً في العُمُر، فيُصبِحُ وقتُ الإنسان يَعملُ فيه ما لا يَعمل في غيره. وسُبحان الله، تمثَّلَت في شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَه الله. قالوا: إنَّ شيخَ الإسلام- رَحِمَه الله- لو قُسِّمَت كُتُبُه على عُمُره، وُجِدَ أنَّه يَكتُبُ يوميًّا مائة صفحة. قالوا: ومِن البَركةِ: البَركةُ في رِزْقِ العَبدِ. ليست العِبرةُ بكَثرةِ المال. كم من إنسانٍ أُعطِيَ من الأموال الطائلةِ، ولكنَّه منزوع البَركة! قالوا: ومِن المُباركة: أن يُباركَ اللهُ في عِلم الإنسان. قالوا: ومِن البَركةِ كذلك: أن يُباركَ في عَمل العَبد. قالوا: ومِن البَركةِ: أن يَجعلَ اللهُ للعَبدِ بَركةً في ذُرِّيَّتِهِ. ثُمَّ دَعَا لنا بدُعاءٍ آخَر: [ وأن يَجعلَكَ مِمَّن إذا أُعطِيَ شَكَرَ ] . يقولُ العُلماءُ: إنَّ الدُّعاءَ مِن العُبُوديَّة، ومِن مَظاهِرها. أُمِرنا أن لا نَذِلَّ لأحدٍ كائنًا مَن كان، إلَّا للهِ سُبحانه وتعالى، ولا ندعوا أحدًا، ورِزْقُ اللهِ تعالى بيدِهِ لا بيدِ الخَلْقِ إطلاقًا. ولهذا يقولُ العُلماءُ: إنَّ السُّؤالَ مَذَلَّةٌ. مِن مَظاهِر العُبُوديَّةِ: هذه الثَّلاث التي ذَكَرَها المُؤلِّفُ: [ إذا أُعطِيَ شَكَرَ، وإذا ابتُلِيَ صَبَرَ، وإذا أذنَبَ استغفَرَ ] . هذا يَدُلُّ على أنَّ الإنسانَ عَبدٌ للهِ تعالى. يقولُ العُلماءُ قاعِدةً جَميلةً: ‹‹ كُلَّما أحدَثَ اللهُ لَكَ نِعمةً، فأَحدِث له شُكرًا وزيادةً في العِبادة ›› . ضِدَّ الشُّكر أن يَكفُرَ الإنسانُ النِّعمة، وأن يُنكِرَها، وأن يَصرِفَها لِغَير اللهِ تعالى. ولهذا مَن تنكَّرَ، كانت سببًا لِشَقاوتِهِ في الدُّنيا وفي الآخِرة، واللهُ يقولُ: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ إبراهيم/7. ولهذا يَجِبُ على الإنسان أن يَزيدَ الشُّكرَ للهِ تعالى دائمًا. ولا يكونُ الشُّكرُ فقط بالِّلسانِ، وإنَّما: أفادتكمُ النَّعماءُ مِنِّي ثلاثةً .. يَدي ولِساني والضَّميرُ المُحَجَّبَا يَجِبُ أن يكونَ الشُّكرُ من القلب، فتعترِفَ أنَّها من اللهِ وليست منكَ، واللهُ يقولُ: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ النحل/53. ويكونُ الشُّكرُ بلِسانِكَ: (( إن اللهَ ليَرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكلةَ، فيحمدَه عليها )) رواه مُسلِم. ويكونُ الشُّكرُ بكلامِكَ وجَوارحكَ؛ بالعِبادةِ والطاعةِ، فيُصبِحُ الإنسانُ على خَيرٍ في الدُّنيا والآخِرة. شُكرُ النّعمةِ يكونُ عند العَطاءِ، كما قال اللهُ لآل داود: ﴿ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ سبأ/13، واللهُ يقولُ: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ الزمر/7. وشُكرُ النّعمةِ- كما قُلنا- يكونُ بالقلبِ: بالإقرارِ والاعترافِ، وبالِّلسانِ: بالذِّكرِ والحَمْدِ، وبالجَوارحِ: بالعَملِ بطاعةِ اللهِ تعالى. |
21-03-14, 03:59 PM | #7 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
ثُمَّ يقولُ المُؤلِّفُ رَحِمَه الله: [ وإذا ابتُلِيَ صَبَرَ ]. وكأنَّ حالَ الناسِ إمَّا أن يكونَ الإنسانُ مُنعَّمًا ومُعطَى مالاً ومُعطَى نِعمًا، وإمَّا أن يكونَ غيرَ مُعطَى (مَحرومًا)، أو أنَّه يَعصي، فلا يَخلو الإنسانُ من أحدها، كأنَّها أمران: إمَّا مالٌ وخَيرٌ وإمَّا ضِدُّه. وتُصبِحُ المسألةُ في قضيَّةِ ما يُعطيه اللهُ للعَبدِ قاعِـدة: "إعطاءُ اللهِ للعَبدِ، ليس دليلاً على حُبِّ اللهِ تعالى للعَبدِ". * ما الذي يُبتلَى به النَّاسُ؟ = يُبتلَى النَّاسُ بالمَصائِبِ؛ حوادِث، أمراض. ويُبتلَى النَّاسُ بالمَكارِه (يعني: بما يكرهونه). ومِن الابتلاءِ كذلك: اعتداءُ الكُفَّار والمُنافقين. * مَوقِفُنا من هذه المَصائِب: الصَّبرُ. وليس العِلاجُ في المُواجهةِ مُباشرةً، ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواأَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ النساء/77. ونحتاجُ أن نعلَمَ- أيُّها الأحِبَّةُ- قاعِـدةً: ما يُمكنُ أن يَحدُثَ لأُمَّةِ الإسلامِ من هذا الواقع أيًّا كان بجميع وسائله، يُشعرنا بأنَّ عندنا خَللاً من الدَّاخِل، لكنْ مُشكلتنا التزكية. لِمَ تسلَّطَ الكُفَّارُ على أُمَّةِ الإسلام؟ عندنا الخلل. هل نحنُ مِمَّن يُفتِّشُ عن الخلل الذي عنده؟ أم نقولُ: يا رَبَّنا، لماذا ندعوكَ واتَّبعناكَ ونُصلِّي لكَ، لماذ يَحدُث لنا هذا؟ ويُبتلَى سيِّدُ الخَلْقِ على الإطلاق، يَسقُطُ في الحُفرة، وتدخلُ حلقتا المِغفر في وَجْنَتَيْه، ويُشجُّ في جَبينه صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُنزِلُ اللهُ لَمَّا قال الصحابةُ: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ﴾ آل عمران/165؛ يعني: كيف يكونُ وفينا رسولُ اللهِ- صلَّى الله عليه وسلَّم- والعَشرة المُبشَّرونَ بالجنَّةِ، وفينا أهلُ بَدرٍ الذين قال اللهُ فيهم: ((اعملوا ما شِئتم، فقد غَفرتُ لكم)) مُتفقٌ عليه؟! فيهم هؤلاء، ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ آل عمران/165. هل نحنُ نقولُ: هذا مِن عند أنفُسنا؟! أم نقولُ: نحنُ قد كَمُلَ الإيمانُ عندنا وليس عندنا خلَلٌ؟! مَوقِفُنا من هذا البَلاءِ هو الصَّبرُ. والصَّبرُ- يقولُ العُلماءُ- هو حَبْسُ النَّفْسِ عن التَّسَخُّطِ والقنوطِ، وحَبْسُ اللسان عن الشكوى، وحَبْسُ الجَوارح عَمَّا يُنافي الصَّبرَ. |
21-03-14, 04:00 PM | #8 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
[ اعلَم أرشدكَ اللهُ لِطاعتِهِ ] والرَّشادُ ضِدّ الغَيّ، ويُقالُ: فُلانٌ راشِد، وفُلانٌ غاوٍ. ولا شَكَّ أنَّ الرَّشادَ يُحصِّلُ الإنسانُ به الخيرَ والنَّفعَ في الدُّنيا وفي الآخِرة. وهو سألَ اللهَ تعالى لنا أن يُرشِدَنا لطاعته؛ فإنَّ الخيرَ أن يُستعمَلَ العَبدُ في طاعةِ الله تعالى، وإلَّا فإنَّه لا يُوجَدُ أحدٌ ليس له عَمل، بل كُلُّ الناسِ يعملون، لكنْ مِن الناسِ مَن يعملُ بطاعةِ الله تعالى ويجتهِدُ فيها، ومِن الناسِ مَن يعملُ ويجتهِدُ في المعاصي، كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (( كُلُّ الناسِ يَغدُو، فبايِعٌ نفسَه، فمُعْتِقُها أو مُوبِقُها )) رواه مُسلِم. ثُمَّ ذَكَرَ المُؤلِّفُ [ أنَّ الحنيفيَّةَ مِلَّةُ إبراهيم ] عليه الصَّلاةُ والسَّلام. وقد ذَكَرَ اللهُ تعالى هذه الحنيفيَّةَ وأمرنا بها، ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ النحل/123. ونَجِدُ أنَّ مُحمدًا- صلَّى الله عليه وسلَّم- أُمِرَ باتِّباعِ إبراهيم، وإبراهيمُ- عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- هو أبو الأنبياء، والأنبياءُ- عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- بَعدَه كُلُّهم مِن نَسْلِهِ، إلى نهايتهم مُحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم. وإبراهيمُ- كما ذَكَرَ اللهُ تعالى- ليس يَهوديًّا ولا نَصرانيًّا، ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ آل عمران/67. وإبراهيمُ- عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- هو سَيِّدُ الحُنفاءِ وأبو الأنبياءِ. والمقصودُ بالحَنيفِ: المائِلُ عن الشِّركِ، والمُقبِلُ على اللهِ تعالى، المُعرِضُ عَمَّا سِواه. وإبراهيمُ- عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- تميَّزَ بهذه الحنيفيَّة. والإقبالُ على اللهِ تعالى كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ الأنعام/162. الإقبالُ بأن تكونَ أعمالُكَ كُلُّها خالِصةً لوَجه اللهِ تعالى. [ مِلَّةُ إبراهيم ] عليه الصَّلاةُ والسَّلام: كأنَّ المِلَّةَ يُقصَدُ بها الدِّين. ومِلَّةُ إبراهيم عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: [ أن تعبُدَ اللهَ وَحدَه مُخلِصًا له الدِّينَ ] . هذا هو الذي جاء به إبراهيم، وهذا الذي جاء به مُحمد، بل ونستطيعُ أن نقولَ: وهو الذي جاءت به الأنبياءُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ. |
21-03-14, 04:03 PM | #9 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
العِبادةُ في اللغة: هِيَ الذُّلُّ والخُضُوعُ. ومِن هُنا قيل: طريقٌ مُعبَّد؛ يعني: طريقٌ مُذلَّل. وفي الاصطلاح لها تعريفان: التعريفُ الأولُ ذَكَرَه شيخُ الإسلام ابن تيمية رَحِمَه الله: ‹‹ كمالُ الذُّلِّ مع كمال المَحبَّة ››. والتعريفُ الثاني كذلك ذَكَرَه شيخُ الإسلام: ‹‹ أنَّها اسمٌ جامِعٌ لِكُلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَرضاه ››. وجاءت "كُلّ" لتشملَ كُلَّ ما أمر اللهُ تعالى به، وما يأمُرُ اللهُ به هو الذي يُحِبُّه سُبحانه وتعالى ويَرضاه. ‹‹ اسمٌ جامِعٌ لِكُلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ››. والشيءُ الظاهِر: كالصَّلاة، والَّلفظ (التسبيح والتهليل والدُّعاء والتعليم). وبالنسبةِ للأفعال: الركوع، والسجود، والطواف، والجِهاد، وتعليم العِلم، والسَّفر في طلب العِلم. قالوا: إنَّ الأقوالَ الباطنة هِيَ النيَّات. والأعمال الباطنة قالوا: هِيَ أعمالُ القلوب. ويُقصَدُ بأعمال القلوب هُنا: المَحبَّة والخَوف والرَّجاء والتَّوكُّل. يقولُ العُلماء: العُبوديَّةُ للهِ تعالى ليس الناسُ فيها سَواسية، بل هم درجات. ثُمَّ يقولُ العُلماءُ رَحِمَهم اللهُ تعالى: إنَّ العُبوديَّةَ تنقسِمُ في أصلِها إلى قِسمين: عُبوديَّة خاصَّة: وهِيَ التي تكونُ لأهل الإيمان، وعُبوديَّة عامَّة: وهِيَ التي يدخلُ فيها الخَلْقُ كُلُّهم. العُبوديَّة الخاصَّة كما في قول الله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ الفرقان/63، ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ الأنبياء/26، ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ ﴾ الجن/19، ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ الإسراء/1. هذه عُبوديَّةٌ خاصَّة، وهِيَ تشريفٌ من اللهِ تعالى للعَبدِ أن يُعطيَه اللهُ هذه العُبوديَّة. ولهذا مَن كان عَبدًا للهِ، فإنَّ اللهَ يَرفَعُ منازلَه دُنيا وآخِرة. أمَّا العُبوديَّة العامَّة فيدخُل فيها المُسلِم والكافِر. واللهُ قال في كتابه: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ مريم/93. هل يَخرجُ أحدٌ عن العُبوديَّةِ العامَّة؟ عن التَّصريفِ والمُلكِ والقَهر والتَّدبير؟ ما يَخرُج أحدٌ عنها. حتى الكافِر ما يستطيعُ أن يتصرَّفَ من نَفسِه، لا يستطيعُ أن يَرزُقَ نفسَه، ولا أن يُحييَ نَفسَه، ولا أن يَشفِيَ نَفسَه، ولا أن يُعطِيَ نَفسَه شيئًا، بل كُلُّ ذلك للهِ وَحدَه لا شريكَ له. ذَكَرَ العُلَماءُ هُنا في مسألة "العَبوديَّة" أنَّ أشرفَ ما يُطلَقُ على الإنسان أنَّه " عَبدٌ" . وإذا اعترفَ الإنسانُ بالعُبوديَّةِ، رَفَعَهُ اللهُ تعالى بها. بل كُلَّما حَقَّقَ العُبوديَّةَ للهِ تعالى، فإنَّ له منازلَ دُنيا وآخِرة. ولهذا مُحمدٌ- صلَّى الله عليه وسلَّم- أليس هو أفضلُ الخَلْقِ على الإطلاق؟ بلَى، ومع ذلك وَصَفَه اللهُ بأنَّه عَبْدٌ، ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ الإسراء/1. في قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ الذاريات/56. لا شَكَّ بأنَّ هذا هو الهَدف مِن خَلْقِ العِباد. يقولُ العُلماءُ: إنَّ الأنبياءَ- عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- جميعًا دَعَوا إلى عِبادةِ اللهِ وَحدَه، ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ الأعراف/85، ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ الأعراف/73. محمد- صلَّى الله عليه وسلَّم- دَعَا إلى العُبوديَّة. مِن عَهدِ آدم إلى قيام السَّاعةِ والناسُ يُطالَبون بالعُبوديَّةِ للهِ تعالى. ولكنْ تلك العُبوديَّة يَجِبُ أن تُفهَمَ بمفهومِها الواسِع، ليس بمفهومها الضَّيِّق الذي يَعيشُه الناسُ في واقعنا. الناسُ يقولون: أهَمُّ شيءٍ الصَّلاة، وكأنَّنا لا نعرفُ العُبوديَّةَ إلَّا في المَسجد وإذا أذَّنَ المُؤذِّنُ. ولكنْ بمفهومها الشامِل يأتينا المفهوم العامُ المطلَق. أنتَ يَجِبُ أن تكونَ عَبدًا للهِ بسَمعِكَ، عَبدًا للهِ ببَصرِكَ، عَبدًا للهِ بلِسانِكَ، عَبدًا للهِ بجَوارِحِكَ، بل بكُلِّ شيءٍ عندكَ يَجِبُ أن تكونَ عَبدًا للهِ تعالى. وإذا عِشنا هذا المفهومَ العام للعُبوديَّةِ، ستجِدُكَ في بيتِكَ أنتَ عَبدًا للهِ تعالى، في غُرفتِكَ التي تنامُ فيها أنتَ عَبدًا للهِ تعالى، في سُوقِكَ، في سَفَرِكَ، في حَضَرِكَ، في صِحَّتِكَ، في مَرَضِكَ، ما تخرُج عن مفهوم العُبوديَّةِ إطلاقًا. |
21-03-14, 04:03 PM | #10 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
يقولُ العلماءُ: مسائِلُ العُبوديَّةِ ومسائل التَّوحيدِ لا يَحدُثُ فيها نَسخٌ أبدًا. أمَّا مسائلُ الحلال والحرام والأوامِر والنَّواهي والواجبات والمُستحبَّات، فالأنبياءُ- عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- يختلفون فيها. ولهذا نحنُ في شريعتِنا جُعِلَت لنا الأرضُ مَسجِدًا وطَهورًا، أمَّا في الشَّرائِع السابقة فليس لهم هذا الأمرُ، لا يُمكن أن يُصلَّيَ إلَّا في الكنيسةِ أو في مَواطِن التَّعبُّدِ عندهم. ثُمَّ قال المُؤلِّفُ رحِمَه الله: [ فإذا عَرفتَ أنَّ اللهَ خَلَقَكَ لِعِبادتِهِ ]. فاللهُ- سُبحانه وتعالى- قد خلَقَنا للعُبوديَّة، والمقصودُ بها العُبوديَّة الخاصَّة، وأنَّكَ ما خُلِقتَ لأجل أن تأكُلَ وتشربَ وتتوظَّفَ وتبنيَ بيتًا وتشتريَ أرضًا إلى غيره، إنَّما خُلِقتَ لتحقيق هذه العُبوديَّةِ. هذه الأمورُ سَخَّرَها اللهُ تعالى للعَبدِ؛ ليَصرِفَها في عِبادةِ اللهِ تعالى. ثم يقولُ: [ العِبادة لا تُسمَّى عِبادةً إلَّا مع التَّوحيد ]. وكأنَّه يقولُ: هذا من شروطِ قبول العِبادة. ولن تكونَ عَبدًا للهِ تعالى العُبوديَّةَ الخاصَّةَ التي فيها التَّشريفُ للعَبدِ، إلَّا أن تكونَ مبنيَّةً على التَّوحيد. قال العُلماءُ رَحِمَهم اللهُ تعالى: العِبادةُ لا تُقبَلُ من العَبدِ إلَّا بشَرطين، ومنهم مَن قال: لا تُقبَلُ إلَّا بثلاثةِ شروطٍ: - الشرطُ الأول: أن تكونَ العِبادةُ خالِصةً لوَجه اللهِ تعالى؛ بمعنى ألَّا يكون فيها شِرك. فأنتَ حين تُصلِّي، أتُريدُ أن ينظُرَ اللهُ إليكَ، ويَعلمُ ما في قلبِكَ من الصِّدق؟ أم تقومُ تُزيِّنُ صلاتَكَ من أجل أن يَراكَ الناسُ؟ أقرأتَ القُرآنَ ليُقالَ: قارئ؟ أأنفقتَ المالَ ليُقالَ: هذا جَواد؟ أجاهَدتَ في سبيل اللهِ ليُقالَ: هذا جَريءٌ (يعني: شُجاع)؟ أم أنَّكَ عمِلتَ هذا العَملَ خالِصًا لوَجه اللهِ تعالى؟ ولهذا العِبادةُ إذا قارنها شيءٌ من الشِّركِ، أفسدَها مُباشرةً. واللهُ قد قال لرسولِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ الزمر/65. فإذا كان مُحمدٌ- وهو أفضلُ الخَلْقِ- سيَحبَطُ عَملُهُ بالشِّركِ، فمَن دُونَه مِن بابِ أَوْلَى أن تحبَطَ أعمالُهم. - الشرطُ الثاني: المُتابعةُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: وأيُّ عِبادةٍ لا يُتأسَّى فيها بالرسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلَيست مقبولةً. (( وصلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي )) رواه البُخاريُّ، (( خُذُوا عَنِّي مناسِكَكم، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد عامِي هذا )) صحيح الجامع. - الشرطُ الثالث: أن يكونَ العَملُ مبنيًّا على عَقيدةٍ صحيحةٍ. وهُنا يقولُ المُؤلِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالى: [ كما أنَّ الصَّلاةَ لا تُسمَّى صلاةً إلَّا مع الطَّهارة ]، ولذلك إذا أحدَثَ الإنسانُ في أثناءِ صلاتِهِ فَسَدَت صلاتُه. المُؤلِّفُ- رَحِمَه الله تعالى- بعد أن بيَّنَ العِبادةَ والتَّوحيدَ، جاء لَكَ بالمُقابِل. ويُقالُ: وبِضِدِّها تتبيَّنُ الأشياءُ. والمُؤلِّفُ- رَحِمَه الله تعالى- أرسَى لنا قاعِدةً؛ وهِيَ: أنَّكَ خُلِقتَ للعِبادةِ. وأعظَمُ ما يَجِبُ أن يُهتمَّ به هو التَّوحِيد. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
▒ ◄ جدول طالب العلم ► ▒ | أم حذيفة المصرية | روضة آداب طلب العلم | 40 | 14-04-13 06:41 PM |
أنا عضوة جديدة وعندي أروع موضوع يخص المرأة على الإطلاق هدية قدومي لكم | أمة الرقيب | روضة الأسـرة الصالحة | 11 | 14-05-10 11:21 PM |
*مكتبة الشيخ صالح بن عواد المغامسي -حفظه الله - وسيرته الذاتيه* | الشهيدة بإذن الله | مكتبة طالبة العلم الصوتية | 19 | 13-04-09 05:23 PM |
الفرق بين الأحرف السبعة والقراءات السبعة | عبد السلام بن إبراهيم الحصين | روضة القرآن وعلومه | 23 | 17-02-09 11:19 AM |