|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
20-06-11, 06:42 AM | #21 |
|نتعلم لنعمل|
|
الحلقة السادسة :)
الحلقة الخامسة حينما يكون الإنسان في عافية.. لا يشعر بالزمن وهو يمر عليه.. وهذا يكون من جهة نعمة ويكون نقمة عليه من جهة أخرى.. حينما نضب مالدي من نفقة .. .. أدركت أنني وقعت في خطأ قاتل .. فأنا أمام خيارين إما أن أعود للبيت وهذا مالم يكن واردا على الإطلاق حينها.. أو أن أحاول تدارك نفسي بأي وسيلة ممكنة!! ولكن كيف ومع من...؟؟ مرت علي تلك الليلة كدهر فقد استغرقت في التفكير والبحث عن مخرج.. أعيتني الحيل وضاقت علي السبل.. توجهت للخالق سبحانه بكل صدق وإخلاص.. سألته سؤال المضطر .. لم يكن في مخيلتي أي سبيل أو أي منفذ.. ولكن ثقتي به تعالى هي سبيلي الوحيد.. في اليوم التالي توجهت للنادي الرياضي فقد شعرت بالاختناق من بقائي في الغرفة كان النادي شبه خال على غير العادة.. وكانت الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا.. رأيت في حوض السباحة شخصا يحاول العوم بمشقة ظاهرة.. حينما رآني ابتسم ابتسامة عريضة.. وقال لي: هل تعرف السباحة ؟؟ قلت له قليلا وأحذرك من التقدم إلى الماء العميق..!! ابتسم وتهلل وجهه وقال إن غرقت ستنقذني أنت!! ضحكت وقلت له ابحث عن غيري.. وحكيت له الموقف الذي مر علي قبل فترة من الزمن مع صاحبنا الأعرابي!! سألني عن الكدمات التي على وجهي .. فقد كانت ظاهرة وعميقة!! لم أرد أن استرسل في تفاصيلها .. فقلت له سقطت !! عرفني باسمه وصافحني وقال أنا أخوك سعود المعاشي من منطقة حائل وأنا من قبيلة شمر.... هل سمعت بحائل وأجا وسلمى؟؟ عرفته باسمي .. سألني عن عملي .. قلت له أنا لا اعمل .. قال لي أين تقيم ..؟ قلت له هنا في الفندق!! قال ألست من سكان الرياض؟؟ قلت لا أنا من سكان الطائف!! قال لي ماذا تفعل هنا في مدينة الرياض إذا ؟؟ هل تدرس ؟ قلت له أنا جئت لطلب العلم ..!! قال وعند من تدرس من العلماء .؟ لم اجبه فأنا لم أبحث عن شيخ حتى تلك اللحظة.. لا أدري لماذا استرسل الأخ سعود معي في الحديث ولكنه أصر علي أن أرافقه للغداء سويا.. شكرته وتعذرت منه ولكنه ألح بشكل كبير حتى رضيت.. قال لي ونحن نمشي .. أنا أملك تسجيلات إسلامية في حائل .. واعرف عددا من المشائخ في الرياض فإن كنت ترغب في أن أعرفك عليهم فعلت..!! صمت ولم أجبه..!! ونحن قعود ننتظر الغداء قال لي سعود: أسمع أخي أنت لك قصة وأكيد لديك مشكلة وأنا اقرأ ذلك في وجهك!! ولو ترغب في ذكرها لي ولا يحرجك الأمر فأرجو أن تخبرني بها .. فما يدريك لعلي أستطيع مساعدتك ..!! خجلت والله من كرمه وسماحة نفسه.. إن الأخ سعود حينما يقول لي هذا الكلام فهو رجل صادق غير متكلف أو متصنع.. ولقد اكتشفت بعد مخالطتي للأخ سعود أن معدن هذا الرجل معدن أصيل كالذهب .. لقد كان الأخ سعود رحمة ساقها الله لي فإن مجرد إنصاته وسماعه لقصتي هو أمر يشكر عليه بارك الله فيه.. حدثته بمشكلتي وأنصت إلي لأكثر من ساعة حتى برد الطعام ولم يأكل منه شيء!! لم يقاطعني طوال حديثي.. وحينما استكملت قصتي .. صمت قليلا ثم قال لي.. أسمعني جيدا .. أنا رحلتي بعد قليل على حائل وسوف ترافقني للمنطقة وستكون في ضيافتي.. ومن هناك سوف نتدبر حلا لمشكلتك... ما رأيك؟؟ بالنسبة لي أنا لا أعرف الخ سعود ولكني كالغريق يبحث عن أي شيء ينقذه.. قلت له ثم ماذا ؟؟ قال ثق تماما سنجد حلا لمشكلتك موضوعك بسيط وسأجد له حلا.. أرجوك اصعد لغرفتك ووضب أمتعتك وانتظرني عند الاستقبال.. لم يعطني الفرصة- وقد تعمد هذا – حتى أفكر في الموضوع.. وحينما صعدت لغرفتي أخذت تجول بخاطري الأفكار: ياترى هل الرجل صادق ؟؟ ماذا لو كان .؟؟؟ ولكن سيماه الخير !! أسئلة تتردد ولكن لا خيار لي !! لم اخبر الأخ سعود بوضعي المادي.. ولكن كرمه غير المصطنع.. جعله يحاسب الفندق دون مشاورتي..!!! طلب سعود من سائق التاكسي أن يسرع .. فقد كان يعلم أنه ليس لدي حجز لمقعد في الطائرة.. وبعد قليل التفت إلي وقال : إن سألك أحد من تكون فقل لهم أنك أحد أقربائي وتقيم في الطائف.. قلت له ولكن لقب العائلة ؟؟ قال لهم أنت فلان الشمري!! قصد الأخ سعود من ذلك حمايتي من ألسنة الناس وتحقيقاتهم.. ولكن لقد دفعت أنا ثمن تلك الغلطة الشرعة والاجتماعية ثمنا غاليا..!! وصلنا للمطار واجتهد الأخ سعود حتى حصل لي على مقعد في الطائرة.. كان الأخ سعود يلتفت إلي كل فترة ويطمنني بقوله: لا تقلق سوف تحل المشكلة.. لقد كنت متأكدا أن سعود ليس لديه عصى سحرية لحل وضعي.. ولكن طيبته وسماحته ورطته في هذا المقلب .. وصلنا لمدينة حائل وكان منظر جبالها وهضابها يسحر الناظر.. يابعد حيي كلمة تسمعها عشرات المرات يوميا.. أهل حائل كرماء وأسخياء بشكل عجيب.. والطبيعة البدوية والفطر السليمة هي الغالب على الناس.. توجهنا فورا من المطار لمكان عمل الأخ سعود .. لأخذ بعض أوراقه.. اكتشفت أنه ضابط صف في المرور.. سلمت على أصحابه وعرفني لهم بأنني فلان الشمري!! خجلت من ذلك أيما خجل فأنا لم اعتد على ذلك اللقب.. لقد كان ذكاء الناس الفطري وأسئلتهم البسيطة تكشف بسهولة بطلان هذا الانتساب ..بالإضافة للكنة الحجازية فقد كان الأمر برمته مفبركا !! لم تعجبني الحال فلم اعتد الكذب ولكن إرضاء لمضيفي تغاضيت.. وصبرت لاحظت أن في المنطقة أمنا عجيبا فالناس ينامون في بيوتهم.. ومفتاح السيارة على المقود.. هذا ما رأيته بنفسي في عدة مواقف.. تعرفت على إخوة سعود في منزله في حي المطار .. كانا شابين نسيت أسماءهما ولكن طيبة هذه العائلة والمواقف الجميلة التي عشتها في بيتهم هي ذكريات عطرة تبقى معي أينما حللت.. |
21-06-11, 03:25 PM | #22 |
|نتعلم لنعمل|
|
الحلقة السادسة
الحلقة السادسة لقد قضيت في حائل حوالي العشرين يوما أعتبرها من أجمل أيام حياتي.. الكرم الحاتمي .. والسماحة وعلوم الرجال كما يقولون.. أشياء متجذرة في هذا المجتمع النبيل.. لقد سرني والله أن أنتسب لهم وليتني كنت غصنا من أغصانهم.. ولكن الحقيقة تبقى هي الفيصل وهي قدر الإنسان الذي كتبه الخالق جل في علاه عليه.. لن استرسل في تفصيل يومياتي في حائل وفي ضيافة الشهم النبيل سعود المعاشي..وإخوته. لا أنسى رحلات الصيد في وديان حائل في شمالها وشرقها.. وفي منطقة جبه وحيه وبقعا وغيرها... أذكر أننا زرنا بيوتا قديمة يقول مرافقنا أنها منازل حاتم الطائي العربي الكريم المشهور يوجد في المنطقة مسجد قديم للغاية لم يبق منه سوى بعض أسواره وله محرابان !! أحدهما متجه لبيت المقدس والآخر متجه للكعبة.. ويزعم أهل المنطقة أنه كان كنيسة وحول لمسجد ..منذ مئات السنين.. ولا أدري عن صحة هذا الكلام... لكن الصلاة في هذا المسجد وتذكر الأجداد قبل مئات السنين الذين قد صلوا وركعوا في هذا المسجد إن تلك الذكرى تثير في النفس السكون والخشوع .. ولقد سجدنا عدة ركعات فيه وكان بعض الإخوة يبكي تأثرا بالروحانية فيه.. أذكر زيارتنا لمنطقة أسمها حية وكان برفقتنا شخص نسيت اسمه و يظهر أن لديه خلفية أدبية وشعرية وتاريخية لا بأس بها.. استغرقت الرحلة للمنطقة حوالي الساعتين .. والطريق إليها جلد و غير معبد.. ونحن نسير في الطريق صدنا عددا من طيور الحبش أو ما يسمى الحجل.. وكانت هي غداءنا في تلك الرحلة.. حينما وصلنا للمنطقة أشار لنا دليلنا لجهة الوادي وقال هناك تقع حية!! لم نشاهد سوى صخور ضخمة قد تساقطت من سفوح الجبال بفعل السيول والأمطار..؟؟ أوقفنا سيارتنا وترجلنا وصعدنا على الصخور.. مشينا حوالي ربع كيلو بين الصخور والأنقاض.. وكنا كلما تعمقنا في الوادي تزداد المنطقة بهاء واخضرارا!! حينما وصلنا لحية سحرنا بتلك الطبيعة الخلابة المحشورة بين الجبال.. هي واحة خضراء مليئة بالأعشاب والحشائش.. وفي وسطها برك ماء وجداول صغيرة تصب من أعلى الوادي.. أخذ محدثنا يروي لنا أشعارا وقصائد لامرئ القيس حينما كان سيد هذا الوادي ويغازل الفتيات اللاتي يأتين لسقي البهائم من تلك البرك.. لقد ترسخت صورة حية كجنة وبساتين في ذاكرتي وأتمنى لو أعود لها وأصور للناس تلك المشاهد.. كنا ننطلق كل يومين أو ثلاثة برفقة سعود وأصحابه للنزهة والصيد وزيارة الآثار.. فقد وافق وجودي معهم وقت عطل وإجازات.. أهل حائل فخورون جدا بأرضهم وطبائعهم ويعتزون بذلك أيما اعتزاز.. وحينما يقدم عليهم ضيف يشبعوه كرما وأنسا حتى يتمنى أن لا يفارقهم.. أما السمر والحديث في البراري والنوم أحيانا فتلك متعة لا يمكن وصفها.. لقد تناسيت كل ما أنا فيه من إشكالات وانغمرت في تلك الرحلة الانتقالية!! سميتها انتقالية لأنها والله أعلم كانت تهيئة لي لأيام ووجوه ومنطقة أخرى تختلف اختلافا جذريا عما أنا فيه وعما كنت قبل فترة بسيطة عليه!! كيف تغيرت بي الأحوال كنت قبل أيام قليلة أعيش كالمشرد .. وهاأنذا أستمتع برفقة يضن الزمان بمثلهم..!! سمها مراحل أو قفزات من أوضاع سيئة إلى وضع جديد يصعب على المرء توقعه أو تخيله ولذلك يقول تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب).. الإنسان بطبعه عجول وطماع ويريد أن تسير أوضاعه على هواه ورغباته.. ولكن القدر بحكمة إلهية يقود الإنسان إلى الأفضل والأحسن لحاله .. حتى ولو كرهها وجهل عاقبتها.. ولذلك يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لو كشف الله لخلقه ستر القدر لما وجدوا خيرا لهم مما قدره الخالق عليهم سبحانه.. كاشفني الخ سعود برغبته في أن يتصل على والدي لكي يطلب أن يصلح بيننا.. لم تناسبني الفكرة وطلبت منه أن يتأنى قليلا.. فأنا ما زلت أبحث عن قاعدة صلبة اتكئ عليها .. فأنا ابحث على استقرار وليس من المعقول أن يستمر حالي هكذا.. احترم رغبتي ولم يحاول أن يضغط علي لكي لا يجعلني أظن أنه تململ مني.. كنت أنام في ملحق منفصل برفقة إخوة سعود الذين هم في سن قريبة مني.. وكان لدي حرية واسعة في الخروج بالسيارة التي وضعت تحت تصرفي.. لم اتصل حينها بأي مخلوق .. من قريب أو بعيد.. حضرت دروس الشيخ حمد الغاوي في شرح بلوغ المرام وأعجبني أسلوبه الميسر في التدريس .. قال لي أحد طلابه هذا أسلوب تعلمه عن شيخه ابن عثيمين.. عرض علي الأخ سعود أن نسافر لمنطقة القصيم .. وذلك برفقة احد أصحابه الذي لديه عمل هناك ليوم واحد .. فرحت بذلك أيما فرح فالمتعة في اكتشاف مكان جديد هي مما فطر عليه الناس.. بانتظار الحلقة السابعة ............نصيحة أخواتي الحبيبات لا تتركن القصة للنهاية فهي بحق قد تطول |
29-06-11, 11:42 AM | #23 |
|طالبة في المستوى الثاني1 |
|
[align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('http://www.t-elm.net/moltaqa/backgrounds/11.gif');border:3px double red;"][cell="filter:;"][align=center]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك وفي نقلك ياغالية [/align][/cell][/tabletext][/align] |
30-06-11, 06:58 AM | #24 | |
|نتعلم لنعمل|
|
اقتباس:
وفيك بارك الرحمن يا حبيبة |
|
30-06-11, 07:01 AM | #25 |
|نتعلم لنعمل|
|
الحلقة السابعة
الحلقة السابعة توجهنا لمنطقة القصيم ... وكانت وجهتنا مدينة بريده.. كانت بريدة في تلك الأيام مركز التعليم الشرعي في المملكة .. ويسميها منافقو بلادنا مركز تفريخ الإرهاب!! وكان حينها الشيخ سلمان العودة هو جديلها المحكك .. في الطريق آنسنا صاحبنا أبو آدم الذي كنا برفقته بسواليفه والقصص الذي يرويها.. ومن رواياته ما قصه من مواقف مرت عليه خلال ابتعاثه للدراسة في لندن.. مما أذكره ... يقول : كنت ذات مرة أتجول في مكتبة الجامعة التي ادرس فيها وابحث عن كتاب وكان حينها رجلا وسيما تملأ الرجولة والفحولة عين ناظره منه!!! كانت تراقبه فتاة انجليزية ذات عيون زرقاء وأهداب سحرية.. وهو يتصفح الكتب وينسخ في الأوراق التي بين يديه .. ولم يلاحظ هو تلك العيون المتوهجة ولا تلك القطة المتوحشة التي تراقبه!!! يبدوا أنها امتلاءت منه فقررت أن تملك فؤاده.. لحقته إلى مطعم الجامعة واحتالت أن تتعرف عليه؟؟ وبعد قصة طويلة وظريفة لا يصلح ذكرها هنا وقع الرجل في النهاية في حبائلها!! أغرم الفتى بها و أ غرمت به.. فتزوجا وعاشا معا طوال فترة الدراسة.. ولكن ....!! كانت أم الفتاة نصرانية متعصبة لدينها .. فضغطت على ابنتها وحولت حياتها لجحيم ، حتى تفرقا ولم يلتقيا بعدها أبدا.. تألم كثيرا لفراقها ولكنه لم يكن لديه خيار .. التفت صاحبنا لولده الصغير وكان معنا!! وقال له: انتبه تعلم أمك!!! أضحكنا وآنسنا بطرافته المفرطة وسعة صدره .. حينما وصلنا لبريده كنت أتأمل وجوه الناس..!! كنت أتصور بريدة في مخيلتي مليئة بل قل كل أهلها متدينون !! لا شك أن الدين هو الغالب في الناس ولكن لا تسلم أي مدينة من مظاهر السفور والفساد أو الرجال غير المتمسكين بالهدي الظاهر الواجب!!! الملاحظ كثرة العمالة الآسيوية هناك.. فالشوارع منهم غاصة حتى يخيل إليك انك في بومباي أو نيودلهي!! كنت أتصور بريدة قبل أن أراها كأنها مثل الجامعة تعج بطلبة العلم الذين يحملون كتبهم وقراطيسهم.. و أسواق المدينة مهجورة سوى من السوقية أو كبار السن والأشياخ... حينما قطعنا طريق بريده الرئيسي والذي يشق المدينة لشقين.. لم ألاحظ أي فرق يذكر عن مدن المملكة الأخرى.. أسواق ومحلات مليئة بل غاصة ودخان وشباب طائش .. الملاحظ هو قلة أو انعدام السفور وقلة الجهر بالمعاصي .. وهذا ترسخ لدي بالإقامة الطويلة في القصيم لاحقا.. توجهنا فورا لشغل الرجل وانقضى سريعا.. فقال سعود ما رأيكم لو نذهب لمسجد الشيخ فلان وذكر اسمه ونسيته.. هذا المسجد مبني على الطراز القديم وما زال أهله يعيشون حياة الأولين!! لم نتردد في الذهاب فهذا شيء لم نسمع به من قبل!! دخلنا للحي ... الحي حديث وبيوته مبنية من الخراسان وعلى أجمل واحدث طراز.. !! وفي وسط الحي مسجد قديم متهالك البناء وأظن أصل بناءه من الطين ولكنه صبغ حديثا.. وكان وقت صلاة العصر .. أذن المؤذن ولم نسمعه لأن الآذان بلا ميكرفون.. المسجد مفروش بالرمل والناس تصلي على الرمل .. غالب من في المسجد هم من الشيوخ وكبار السن وفيهم مجموعة من متوسطي الأعمار والصغار تسننا وجلسنا لانتظار الإمام ... توقعت أن يدخل علينا شيخ معمم كعمائم السلف وعليه قلنسوة قد أرخي طرفاها ومشدود وسطه بمشد ويتدلى منه سيفه!! فهذا ما نعرفه عن السلف ولا يخلو الأمر من مبالغة طبعا!! دخل شيخ نحيل لحيته مصبوغة بالكتم الأسود.. ومشيته عليها السكينة والتواضع والخضوع لله تعالى.. ووجهه أبيض مضيء بنور الطاعة.... وعليه عباءة سوداء وشماغ احمر.. طلب من المؤذن أن يقيم.. قام شيخ كبير محني الظهر لا يكاد أن يرى وأقام للصلاة.. و صلى بنا الإمام صلاة مريحة لم تكن بالطويلة أو العجلة.. وحينما سلم التف حوله مجموعة من الصبية بأيديهم كتب صغيرة .. وقعدوا خاضعين كأن على رؤوسهم الطير ينتظرون من الشيخ إشارة البدء سحب الإمام مهفة من القصب كانت بجواره وقال لأحدهم سم.. بدأ الفتية كل واحد منهم على حده. بقراءة فصول قصيرة من مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.. من كشف الشبهات ومن الأصول الثلاثة وقرأ أكبرهم من كتاب التوحيد.. كانوا يقرؤون بصوت خافت وخاشع ملحن وجماعة المسجد مطرقون بإنصات ولا تسمع لهم همسا لم يعلق الشيخ سوى بتصحيح النطق والعبارات.. استغرقت القراءة حوالي عشرين دقيقة .. وبعدها انصرف الجميع وقام الإمام من محرابه.. تقدم أصحابي إليه وصافحوه .. وبقيت أنا أراقب الموقف.. أحببت القصيم من يومها وأحببت أهلها فأهلها أهل دين وصلابة في الحق والتزامهم بالإسلام خير التزام.. عدنا لحائل وفي الطريق عرض علي سعود عرضا كان هو الباب الذي منه ولجت للسعادة والنور إن شاء الله تعالى |
30-06-11, 07:02 AM | #26 |
|نتعلم لنعمل|
|
الحلقة الثامنة
الحلقة الثامنة سمعت عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أول مرة عن طريق جارنا في الحي القديم في الطائف الأخ صالح الأسمري.. والذي أصبح الآن من أنشط الدعاة ونشرا للعلم وتعليمه.. حينما هداني الله تعالى خصني الشيخ صالح وكان حينها في المرحلة الأخيرة من الثانوية خصني بعناية واهتمام فكنت أصحبه دوما للمسجد.. حيث أن باب بيتنا يجاور باب منزله مباشرة.. وكان يحدثني عن الشيخ بن عثيمين وعن دروسه في الحرم في العشر الأواخر.. وبعد انتقالنا للحي الجديد.. في ذلك العام 1410 للهجرة نزلت برفقة شباب المكتبة للبقاء بجوار بيت الله الحرام طوال فترة العشر الأواخر... وحضرت في سطح الحرم درس الشيخ العلامة ابن عثيمين عليه سحائب الرحمة والغفران.. كانت تلك أول مرة أرى بها هذا العلم الجليل.. في اليوم التالي أخذتني الحماسة فاقتربت من كرسي الشيخ فدفعت ثمن اقترابي غاليا.. فلقد أوقفني الشيخ كعادته في دروسه وسألني سؤالا عما كان يتحدث عنه ؟؟ وكنت حينها شارد الذهن ..!! فما استطعت أن أجيبه.. !! فأمرني بالجلوس فشعرت بالخجل والخيبة حيث فشلت في أول امتحان معه!! وما عدت لذلك المكان مرة أخرى.. بل بقيت خلف ظهره أو في صفوف بعيدة.. وفي إحدى رحلاتنا لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حضرت درس الشيخ أبي بكر الجزائري ... وبكرت بالحضور لأكون قريبا من الشيخ فكنت في الصف الثاني أمامه مباشرة.. سمعت الطلبة يتهامسون بين بعضهم.. فسمعت احدهم يذكر اسم ابن عثيمين..؟؟ وبعد دقائق جاء شيخ مسن قصير ورقيق البنية لحيته بيضاء وشعره ابيض ووجهه أبيض.. وثوبه ابيض عليه غترة بيضاء..!! وجبهته ناصعة عليها أثر السجود.. وحاجباه عريضان ومليئان بالشعر الأبيض يجر عباءته خلفه .. ويشق الصفوف نحو المقعد المخصص للشيخ أبي بكر الجزائري..!! إنه الشيخ ابن عثيمين!! هممت أن أقوم ولكن كيف ؟؟ فعندما رفعت رأسي ونظرت خلفي .. رأيت ارتالا من البشر تحدق في الشيخ ابن عثيمين والذي أصبح خلفي مباشرة..!! عندما استوى الشيخ على المقعد أشار إلي بعنف وسخط وقال : أجلس فقد آذيت إخوانك..!! جلست مطرقا .. ثم بدأ الشيخ حديثه بالحمد والصلاة .. فأنصت لكل حرف وكلمة يقولها.. فما يدريني لعله سيفعلها مرة أخرى ويسألني..؟؟ ولقد فعلها والله مرتين .. في ذلك الدرس!! فأجبته وأنا أتتعتع وأرتجف خوفا منه .. ولكن أجبته بما يريد.. فكافأني بكلمة واحده قال لي : أحسنت..!! هذا الرجل تحبه من النظرة الأولى.. أحبته ملايين المسلمين في كل مكان.. وسمعت من الناس ما زاد حبي له.. من زهده في معاشه وهيئته ومسكنه.. فلقد سمعت حينها أنه يعيش في بيت من طين..!! ولقد زاره الملك في عنيزة فاستقبله في هذا البيت من الطين .. وجلسا سويا على الأرض!! وأنه يأكل مما يحرثه ويزرعه بنفسه!! كانت تلك الصور في الذهن إن صحت أو لم تصح... تثير الإعجاب والمحبة للشيخ مع ما وهبه الخالق سبحانه من علم راسخ وفقه وفهم للشريعة قل نظيره في زماننا.. كانت فصاحة الشيخ وقوة حجته تبهر مستمعيه.. مع ما يثيره الشيخ من دعابة ومزاح مع من يسألهم .. في تلك الجلسة في المدينة سأل الشيخ سؤالا .. ثم نظر حوله بنظرة تذكرك بالصقر حينما يلتفت بحثا عن فريسة!! وأخذت نبضات قلبي تزيد فقد ظننته سيلتفت إلي ويسألني.. فأشار للشخص الذي بجواري.. وكان رجلا بدينا فيه سمرة ويلبس المرآة على عينيه.. أشار له الشيخ وقال له: قم..؟؟ بقي الرجل فاغرا فاه ينظر للشيخ كالأبله!! فكرر الشيخ كلامه وقال :أنت قم ،وطقطق بأصبعيه وأشار بسبابته إليه!! فقال له أنا؟؟ وأشار لنفسه!! قال: نعم أنت!! تزحزح الرجل وحاول القيام بتثاقل حتى دفع من بجواره !!! وحينما علا لم يستطع أن يرفع رأسه وبقي في هيئة كالراكع!! كان مشهد جاري ذلك يثير الضحك والشفقة معا!! فالظاهر انه لم يعتد الوقوف أمام الجموع وبين يدي إمام من أئمة السنة كابن عثيمين!! أغلق الشيخ الميكرفون وناداه ليقترب منه .. فدنا الرجل من الشيخ وهو منحني!! فاقترب الشيخ من أذنه فهمس فيها بكلمات لم نسمعها!! فكان الشيخ يهمس في أذنه والرجل يهز رأسه ويضحك..!! ثم أمره الشيخ بالرجوع والجلوس في مكانه واستأنف درسه.. إن ذلك الموقف والتواضع والسماحة من رجل في مكانة الشيخ يجعل محبته تسري للقلب كما تسري النار في الهشيم.. |
30-06-11, 07:15 AM | #27 |
|نتعلم لنعمل|
|
الحلقة التاسعة
الحلقة التاسعة حينما التفت إلي سعود قال لي.. ما رأيك في الالتحاق بحلقة الشيخ ابن عثيمين!! ظننت الرجل يسخر مني !! ثم أكمل حديثه وقال.. أنا اعرف شخصا مقربا من الشيخ محمد ويمكنه أن يتصل به مباشرة ليشفع لك!! قلت له: أنا سمعت أن شروط قبول الطلاب عند الشيخ قاسية للغاية!! فلا بد أن يكون حافظا للقرءان ولصحيح البخاري عن ظهر قلب!! بلع سعود ريقه ثم صمت!! وصلنا لحائل... ولم أنم تلك الليلة.. لقد كان ثني الركب بين يدي هذا العالم الجليل أمنية كل طالب علم.. لقد اشغل سعود تفكيري بتلك العبارة.... بعد صلاة الفجر قلت ياسعود.. وين رفيقك اللي يعرف الشيخ.. قال الليلة فيه عرس وسيحضر الرجل وبعرفك عليه.. انتظرت بفارغ الصبر ذلك اللقاء ولكن الرجل غاب ولم يحضر العرس.. في اليوم التالي صلينا العصر في مسجد ذلك الرجل .. نسيت اسمه ولكنه رجل وقور وهادئ الطبع .. درس عند الشيخ لأربع سنوات وكان محل ثقة الشيخ فعينه مشرفا على سكن الطلبة.. دخلنا منزله وجلسنا في مجلس الضيوف.. لم يكن يعلم الرجل عن الموضوع.. قال له سعود .. هذا الأخ فلان الشمري!! يا الله ما أثقل تلك العبارة على قلبي ولكنه قالها سامحه الله.. قال : يرغب في الدراسة عند الشيخ محمد ونريدك تشفع له عند الشيخ.. رحب الأخ بذلك وتهللت أساريره وقال :بكل سرور.. وسأكتب له توصية عند الشيخ .. سألته هل من شروط القبول حفظ القرءان أو صحيح البخاري كما سمعت؟؟ قال : أبدا هذا ليس بصحيح ويمكنك الدراسة عند الشيخ بدون شيء.. أما إذا أردت الالتحاق بالسكن فلا بد من توصيه.. وسوف اكتبها لك..متى ستذهب؟؟ التفت لسعود فأنا ضيفه ، ومعنى ذلك هو أنني سأغادر حائل وأهل حائل.. ويعلم الله تعالى صعوبة ذلك على نفسي.. ولكن لابد من عمل شيء.. فوالداي لا بد أنهما قلقان علي فلو علما أنني لدى عالم ادرس والدراسة على الأبواب فلا بد أن أكمل دراستي الثانوية.. لو علما بأن أموري جيده فلا شك أن ذلك سيخفف من وقع المصيبة عليهما.. قال سعود: سوف اذهب في نهاية الأسبوع لتبوك وسوف أصحبك للقصيم.. ومن هناك سأسافر لتبوك.... وفعلا فقد كتب الأخ الكريم تلك التوصية مشكورا .. ولكن ما كدر خاطري أنه نسبني لقبيلة أخرى غير قبيلتي .. لقد كان خطئا فادحا سأدفع ثمنه غاليا من سمعتي لاحقا!!! وضعت التزكية في جيبي وذهبنا للمنزل.. رآني سعود كئيبا فسألني عن سبب ذلك .. أخبرته بأن من أسباب زعلي هو أنني سأفارق أناسا أحببتهم من كل جوارحي.. كما أحب إخوتي بل وأكثر.. سأفارق الأنس والكرم والجود والسماحة واللطف .. ماذا لو لم تصلح أموري هناك.. وما يدريني ماذا ينتظرني في عنيزة والقصيم.. ألم أزل شابا غرا صغيرا لم تصقله الحياة ماذا لو وقعت في يد أناس لا يخافون الله.. لقد كانت حالي استثنائية بكل المعايير وفيها من المغامرة والطيش شيء غير يسير.. دمعت عين سعود وقال لي : والله إن بقاءك يسرني ويسر إخوتي .. وإنني والوالدة والزوجة وجميع الأقارب الذين عرفوك يعدوك كواحد منا.. فلو شئت أن تمكث معنا فهذا يسرنا ويسعدنا ولو مكثت في بيتي عشر سنين.. ولكن إن مصلحتك تهمني ولا بد أن تتصل بعائلتك ووالديك .. فهما مهما غضبا عليك فسيبقيان اهلك واقرب الناس لك.. وأنت شاب ما زلت في مقتبل العمر وتحب العلم والتحصيل فهذه فرصة ثمينة لك.. وثق تماما حتى لو انتقلت للعيش في القصيم فسأبقى قريبا منك تعودني وأعودك وبخصوص تكاليف دراستك وإقامتك فسأتكفل لك بكل فلس تنفقه.. فانظر ماذا ترى والله يقدر لك الصالح.. لا شك أن كلام الأخ سعود هو حق ومع التأمل والتفكير فالمصلحة تقتضي أن أتدارك حل مشكلتي بكل السبل الممكنة.. لقد قدم لي سعود الكثير الكثير.. فيكفي انه آواني وفرج كربتي جزاه الله عني خير الجزاء.. أخذني في اليوم التالي لسوق السيارات.. فرأيته يبحث عن سيارة ليشتريها.. قلت له ياسعود أنت لا تحتاج لسيارة أخرى!! فلديك اثنتان وإخوتك غير محتاجين.. قال أريد أن اشتري لك سيارة.. أقسمت بالله عليه ورفضت رفضا قاطعا وجلست أتجادل معه أكثر من ساعة حتى أقنعته بالعدول عن ذلك.. لم يكن سعود رجلا غنيا فهو متوسط الحال والذي لا اشك فيه أنه سيقترض ذلك المال.. وحتى لو لم يقترضه وكان غنيا فكفاني منه جوده وسخاؤه .. فقد كان كل يوم أو يومين يضع في جيبي مبلغا جزيلا دون أن أطلبه والله.. قال لي مرة لقد زوجت أختي الصغرى قبل أن تأتيني بشهر واحد.. والله لو كنت أعرفك حينها وكنت موجودا معنا لزوجتك إياها!! بارك الله في سعود وفي ماله وولده وكثر الله من أمثاله.. وليس هذا غريبا على أهل تلك المنطقة فمع أن انتشار الجهل بالأحكام الشرعية بين أهل الشمال عموما هو الغالب ..إلا أنك تجد فيهم من الكرم والجود مالا تجده في مناطق أخرى.. حدثني مرة سعود يقول تعطلت سيارتي مرة وأنا على طريق عام .. فتوقف رجل أعرابي معه سيارة وانيت داتسن ذات باب واحد.. .. دون أن أشير له.. ومعه زوجته في داخل السيارة.. فعرف أنه لا يمكن إصلاح السيارة في الحال.. ولا بد من إحضار مهندس .. أمر ذلك الرجل زوجته بالركوب في صندوق السيارة.. قال سعود: أبدا أنا سأركب في الصندوق.. ودع الأهل في مكانهم..!! قال الرجل: هي طالق إن لم تركب أنت في الأمام وهي في الخلف..!! ولقد رأيت من كرمهم وجودهم وافتخارهم بذلك ما يعز نظيره والله.. إن ميزة الكرم لدى الناس هناك أنه جود غير متكلف .. فهذه سليقتهم وهذه طباعهم توارثوها من أجدادهم وما زالت راسخة لديهم.. |
10-09-11, 09:50 PM | #28 |
|نتعلم لنعمل|
|
انقطعنا في رمضان ،،،، وعدنا للبقية : )
الحلقة العاشرة مرت الأيام التالية علي سريعا .. وحرصت أن استمتع بالجلوس فيها بالقرب من سعود..وأولاده وإخوته.. ذهبنا سويا أنا وسعود للمكتبة واشترى لي مجموعة من الكتب.. لقد أراد سعود أن يعدني إعدادا شاملا للدراسة عند هذا الحبر.. لقد كان سعود أشبه بوالد يزف ولده ... ولم أكن اعلم أنا أو سعود ما يخبئه القدر لي.. قبل يوم السفر قدم قريب لسعود وكان قريب عهد بعرس .. تلفظ معي هذا الرجل بكلام فهمت منه أنني غير مرحب بي.. قال لي: أنت لست من شمر وأريدك أن تخرج هويتك من جيبك لتثبت عكس ذلك.. كان متكئا على وسادة ومقابلا لي ..ويشير بيده بكل تيه وغرور.. قام أخو سعود إليه فأراد أن يلطمه على وجهه فدفعته وقلت له دعه ليقل ما يقل.. لم يكن من اللائق بي أن أحرج الأخ سعود في بيته فسكت .. لكن أخا سعود استدعاني للمختصر وقال لي.. دعك من هذا السفيه وأنا أعرف كل شيء عنك وأنت أكرم عندي منه.. خفف ذلك علي كثيرا ففكرة الانتساب تلك مع خطئها الشرعي لم تكن فكرتي و هي شيء مخالف لأعراف الناس وتقاليدهم وفيها ما فيها!!! في اليوم التالي سافرنا صباحا للقصيم.. ودعت إخوة سعود ثم انطلقنا لرحلة الطلب .. لم يكن إخوة سعود على استقامة تامة بالدين مع محافظتهما على الصلاة في المسجد إلا أنهما رجلان شهمان طيبان وفيهما من الخلال الحميدة ما يفوق كثيرا ممن رايتهم من المحافظين على الشعائر الظاهرة.. لقد أتصل علي سعود بعد أربع سنوات من ذلك اللقاء الأخير.. واخبرني بخبر اليم عن أخويه فلقد حدث لهما حادث بالسيارة على الطريق العام في أحد طرق الشمال السيئة .. فتوفيا على الفور رحمهما الله رحمة واسعة.. وخلف على سعود فيهما خيرا في ذريته وأولاده.. مر علي منذ أن خرجت من بيتنا من الطائف حوالي ثلاثة شهور تقريبا.. وهاأنذا أنتقل لمنطقة جديدة والله أعلم مالذي ينتظرني.. كنا وسعود في تلك السفرة صامتين .. فليس في مخيلتي أي كلمات أو حوار دار بيننا.. سعود هذا رجل .. ويكفي أن اسميه رجل.. إن من الناس من هو كمعدن الحديد ومنهم من هو كالفضة ومنهم من هو كالذهب.. سعود في نظري معدنه أثمن من الذهب والله .. أنا لا احكم على الرجل من خلال موقفه هذا معي هذا اتركه للقراء الكرام.. وصدقوني يا معاشر القراء الكرام إن سعود لا يعلم عما أكتبه عنه الآن..شيئا والله.. ولو علم لغضب من ذلك وكرهه.. فهو يرى عمله ذاك شيئا يتقرب به لربه ولا يريد أن يخالطه مدح الناس.. إن سعود لا ينتظر من عمله ذاك أن أكتب عنه أو أن أمجده فهو لم يكن يعلم ولا أنا كنت أعلم أين تسير بنا الأمور وما هي خاتمتها.. إنني أكتب هذا الكلام وهذه المواقف لأسجل لأبنائي ما حل بوالدهم.. لأروي لهم عمن رويت ومن خالطت ليعرفوا قدر الرجال وليعرفوا الدب مع الناس إنني يا أبنائي وأنتم الآن أطفال صغار وستكبرون إن شاء الله.. اقتطع لكم من جسدي قطعا صغيرة مليئة بالمآسي والأحزان والأتراح والعذاب والآهات فأنسجها لكم بهذه العبارات لكي تستمتعوا بها.. وتكون أنيسا لكم في دهاليز وظلمات ومضائق الحياة.. وأسجل للقراء الكرام ما حدث معي حتى يكون للناس فيها عبرة لمن أراد ذلك.. إنني أطلب من إخوتي القراء الكرام أن يشاركوني هذا الدعاء.. اللهم جازي سعود عني خير الجزاء اللهم بارك له في ولده وذريته اللهم واغنه من فضلك واجعله من عبادك الصالحين واختم له بخاتمة صالحة يا ارحم الراحمين .. اللهم اجعله من أهل فردوسك الأعلى ووالديه وإخوانه وذريته يارب العالمين.. وصلت أنا وسعود إلى عنيزة .. تلك المدينة الصغيرة الجميلة الهادئة.. مدينة العلم والعلماء.. دفن فيها من العلماء والصالحين على قرون مالله بهم عليم.. سماها أمين الريحاني باريس نجد.. شوارعها جميلة ونظيفة وأهلها كمجمل أهل القصيم فيهم العلم والدين والأدب الرفيع.. دخلت عنيزة وأنا فقير مشرد احمل معي حقيبة ملابس وكرتون كتب.. وكنت احمل قبل هذا في جعبتي تجارب قاسية وخبرة بسيطة في الحياة وسذاجة وقلة حيلة .. دخلت عنيزة وأنا حائر و رأسي متلبد بغيوم الشك والارتياب والضياع .. لم أكن أعلم وأنا أدخل عنيزة هل سأمكث فيها يوما أو أسبوعا أو شهرا.. فما يدريني فأنا منذ شهور أتنقل في البلاد من مدينة لأخرى .. ومن يد ليد أخرى ولكن رعاية الكريم ورحمته سبحانه هي التي ترعاني دخلت وأنا ابلغ السادسة عشر عاما فقط.. وبقيت في عنيزة أكثر من اثنتي عشرة عاما.. حافلة بالتجارب والمواقف الرائعة مع إمام الدنيا وفقيهها شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين عليه سحائب الرحمة والغفران.. |
11-09-11, 01:57 AM | #29 |
|نتعلم لنعمل|
|
الحلقة الحادية عشره
الحلقة الحادية عشره أكتب هذه المقالة وأنا مطرق وصامت.. أضع يدي على رأسي .. لكي أنظم ذاكرتي.. تمر أمام عيني الآن مئات المواقف .. والخواطر.. أشبه بحاسوب أدخلت إليه آلاف البيانات في وقت واحد..!! إنني بهذه المقالة يا إخوتي وأخواتي أندب نفسي ..!! إنني بها أنكأ جرحا غائرا.. قد خيطته بغرز منسوجة من الحديد .. أحكي لكم عن أبي عبد الله !! لكي تستمتعوا وتستأنسوا بعطره الجميل.. وبذكريات لا يعرف تفاصيلها من البشر سواي... أما أنا فإنني أشق جروحا عميقة من جسدي وروحي لأقول لكم خذوا هذه الذكرى الجميلة الموجودة في أعماقي، دونكم الدليل والبرهان..!! عندما وصلنا لعنيزة أنا وسعود كان الوقت ضحى.. اذكر تلك اللحظات جيدا وما زالت في مخيلتي.. أوقفنا سيارتنا أمام الجامع الكبير في عنيزة.. عليه لوحة صغيرة خضراء.. مكتوب عليها جامع الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي رحمه الله رفعت رأسي لأنظر لتلك المنارة الشاهقة والتي بنيت بجوارها منارتان حديثتان.. كأنهما فتاتان ذواتا قوام جميل ودلال وبهاء.. تنظران بشفقة وتشف لتلك المنارة القديمة البناء المبنية بالطين واللبن.. تغنى أحد أدباء عنيزة بها قائلا..على لسان تلك المنارة.. وهي تخاطب الناس عن الشيخ ابن عثيمين قالت: أنا المئذنة وهو المنارة..!!! نعم والله هي المئذنة وهو المنارة .. هذه المئذنة بناها بناء محترف قبل عشرات السنين وكلف بناؤها عشرون ريالا..!! ولكن أمير عنيزة زاد البناء عشرة ريالات مكافأة له على إتقان صنعته!! وهي حتى هذه الساعة مازالت شامخة تفخر وتشرف على ضرتيها!! وتغني وتقول .. أنا المئذنة وهو المنارة... اقتربت من باب المسجد فشاهدت لوحة صغيرة مكتوب عليها تسجيلات إسلامية.. دخلت للتسجيلات فرأيت رجلا ملتح ابيض وسيم الطلعة قصير وممتلئ على وجهه لحية قد اختلط سوادها ببياضها.. سلمت عليه .. فرد علي بصوت فيه بحة !! قلت له أين أجد الشيخ محمد ؟؟ قال الشيخ الآن في الجامع وعنده درس حتى الساعة العاشرة والنصف.. قلت : وبعد ذلك .. قال : يذهب ماشيا لبيته.. هل أنت طالب جديد أم تريد الفتوى؟؟ قلت : لا، أنا أريد الالتحاق بحلقة الشيخ.. رحب بي .. وقال أهلا بك في عنيزة ... ثم عرفني باسمه ، وقال أنا أخوك عبد الرحمن الخليفي .. قلت له وهل أنت قريب الشيخ الخليفي إمام الحرم..؟ قال هو أحد أقاربنا.. قلت : أريد التحق بسكن الطلاب من أقابل؟؟ قال: قابل الشيخ مباشرة وتحدث معه فهو صاحب الحل والربط!!! منذ ذلك التاريخ أصبحت لي مع أبي صالح علاقة طيبة.. بارك الله فيه خرجت من عنده فسمعت صارخا يصرخ على الميكرفون .. بسم الله ونصلي على رسول الله... عشرة ،عشرة، عشرة !! ظننتها محاضرة !!! ولكن حينما أنصت له عرفت أنه صوت البائع في سوق الخضار المقابل للمسجد...!!! قلت لسعود ماذا ترى؟؟ قال : دعنا لنذهب نفطر وتصلي مع الشيخ صلاة الظهر.. وتقابله.. توجهنا لأطراف عنيزة في المزارع المحيطة بها.. حيث تنتشر البساتين الخضراء والمزروعة بالنخيل على مد البصر.. جلسنا تحت ظلال شجرة واخرج سعود عدة الطبخ .. وصنعنا الشاي.. والإفطار.. كانت آخر جلسة لي مع سعود في مثل هذه الحال.. قلت لسعود : أنت لديك سفر طويل ، فهيا قم وأوصلني للجامع وسوف أتدبر أمري.. وفعلا توجهنا للجامع .. وأوقفني أمامه .. ودخلت أنا وسعود لصرحة المسجد .. حينما فتحنا الباب وجدنا الجامع خال من الطلاب ..والشيخ قد طلع من الدرس!! وضعت متاعي في زاوية المسجد قريبا من رفوف النعال.. ثم خرجت مع سعود.. أردت أن يكون وداعا سريعا!! حتى لا ينفطر فؤادي والله.. حزنا وكمدا.. قبلته بين عينيه ودعوت له وانصرفت وأنا تخنقني العبرة.. دخلت للمسجد فتنهدت وصليت على رسول الله.. تجولت بنظري في الجامع .. لمن لا يعرف الجامع يظن ذلك الجزء هو كل الجامع.. استصغرته في البداية .. ولكن بعد حين عرفت أن ذلك تقسيم متعمد وهو تقسيم معهود في المنطقة كلها.. في وسط المسجد يقع محراب خشبي مقوس ارتفاعه حوالي نصف ذراع .. وبجوارة علبة خشبية صغيرة لوضع النعال!! وفرشت سجادة من الفرش الرخيص .. قد بليت مواضع السجود منها وموضع الركبتين!! وألقيت بجواره مهفة ليروح بها الإمام عن نفسه من الحر.. وقعت عيني على مقعد على يسار الداخل للجامع ارتفاعه ذراع ويتسع لجالس واحد فقط ولا قوائم له، يتكئ من يجلس عليه على جدار المسجد.. وأمام المقعد اسطوانة حدية مدهون مثبت بالأرض بمسامير قوية عرضت عليه خشية طولها نصف متر تقريبا فيها فتحات صغيرة.. لوضع الميكرفونات عليها.. وأمام ذلك المقعد قد ألصقت بالأرض علامات منحنية كقوس لترتيب صفوف الطلاب.. حول شيخهم... عرفت أن ذلك هو موقع الدروس.. صليت تحية المسجد واتكأت على الجدار ووضعت خدي على كف يدي أفكر في حالي.... فتح الباب بشدة ودلف منه شخص كبير في السن!! .. وعليه مرآة عريضة وبشت ثقيل !! حينما رآني نظر لي نظرة حادة .. فصرفت وجهي عنه خوفا من نظراته.. فلم يعرني كثير انتباه!! كأنه يقول واحدة بواحدة..!! وضع نعله خلف موقع الإمام ثم خرج من المسجد!! |
13-11-13, 10:20 PM | #30 |
|تواصي بالحق والصبر|
|
رحم الله الشيخ المرَّبي العلّامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين
وتلميذه النجيب وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة القصة رائعة .. بل أكثر من رائعة! ليتكِ تتابعين نقلها أختي محبة كتاب الله |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|