العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة العقيدة

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-07-22, 04:08 AM   #11
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Books

المجلس العاشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
المتن: ومن السُّنَّةِ الَّلازِمةِ الَّتِي مَنْ تَرَكَ مِنْهَا خَصْلَةً -لم يَقْبَلْهَا ويُؤْمِنْ بِهَا -لَم يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا:الإيمَانُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ،وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-.
الشرح:
سبق أن :الإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع وهي
:
العلم،ثم الكتابة، ثم المشيئة ، ثم الخلق والإيجاد، هذه مراتب القدر الأربع التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر "العلم، والكتابة، والمشيئة والإرادة، والخلق والإيجاد
".
بمعنى أن الله يعلم بأن سيوجد فلان ثم يكتب هذا في اللوح المحفوظ ثم إذا جاء وقت وجوده شاء الله أن يكون ثم بعد ذلك يخلقه جل جلاله وعظم سلطانه
.
* الاستفصال في كون الإنسان مخير أم مسير:

إطلاق كلا هذين اللفظين: مسير ومخير في وصف الإنسان لفظ محدث ،فليس في كتاب الله تعالى ولا في السنة المطهرة وصف الإنسان بأنه مسير مجبور ولا فيهما أنه مخير تخييرًا يخرج به عن علم الله وقدرته وإرادته.
فمثل هذه الألفاظ المطلقة المتقابلة لم يكن السلف والأئمة يطلقونها بل كانوا يستفصلون فيها وينكرون إطلاقها
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: 8/293 "وسلف الأمة وأئمتها ينكرون هذه الإطلاقات كلها لا سيما كل واحد من طرفي النفي و الإثبات على باطل، وإن كان فيه حق أيضًا بل الواجب إطلاق العبارات الحسنة وهي المأثورة التي جاءت بها النصوص والتفصيل في العبارات المجملة المشتبهة".
وقد أنكر سلف الأمة إطلاق وصف الإنسان بالجبر وعدمه
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:8/461:
"
حتى في لفظ الجبر أنكروا على من قال: جبر، وعلى من قال: لم يجبر. والآثار بذلك معروفة عن الأوزاعي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم من سلف الأمة وأئمتها

وقال في موضع آخر من مجموع الفتاوى 16/237:
"
ولهذا نص الأئمة كالإمام أحمد ومن قبله من الأئمة كالأوزاعي وغيره على إنكار إطلاق القول بالجبر نفيًا وإثباتًا فلا يقال: إن الله جبر العباد. ولا يقال: لم يجبرهم. فإن لفظ الجبر فيه اشتراك وإجمال
.
فإذا قيل: جبرهم أشعر بأن الله يجبرهم على فعل الخير والشر بغير اختيارهم
.
وإذا قيل: لم يجبرهم أشعر بأنهم يفعلون ما يشاءون بغير اختياره وكلاهما خطأ".
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى" مراتب ذلك –أي القدر- أربع لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتكميلها : الإيمان بأنه بكل شيء عليم , وأن علمه محيط بالحوادث ، دقيقها وجليلها ، وأنه كتب ذلك باللوح المحفوظ ، وأن جميعها واقعة بمشيئته وقدرته . ما يشاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنه مع ذلك مكَّن العباد من أفعالهم فيفعلونها اختيارا منهم بمشيئتهم وقدرتهم كما قال الله تعالى "أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ"الحج: 70.وقال "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ *وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"التكوير:28-29.ا.هـ
. سؤال وجواب في أهم المهمات :.67
*وأصدق ما يوصف به الإنسان مما يتعلق بهذا المعنى ما جاء به الكتاب والسنة من وصف الإنسان بأنه مُيَسَّر.
ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا، ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له" ثم قرأ "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
" الليل:5-7. الراوي : علي بن أبي طالب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4949 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
والله تعالى أعلم
.المصدر: موقع الشيخ خالد المصلح
.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:فالإنسان مُخيَّرٌ ومُسَيَّرٌ، أعطاه الله عقلًا، وأعطاه الله إرادةً، وأعطاه مشيئةً، فهو مُخيَّرٌ من هذه الحيثية، يعمل عن مشيئةٍ، وعن إرادةٍ، كما قال تعالى" تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ "الأنفال:67، وقال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" وقال" إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"النور:30، خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"آل عمران: 153
"
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ"يونس:36، فلهم فعلٌ، ولهم مشيئةٌ، ولهم اختيارٌ، ولكن لا يشاؤون إلا ما شاءه الله، كما قال تعالى"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ"التكوير:29.
"
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ" يونس:22.
فهو مخيَّرٌ من جهة أنَّ له إرادةً، وله مشيئةً، وله اختيارًا، يعرف الضَّارَّ من النافع، والطيبَ من الخبيث، يأكل ويشرب باختياره، يزور إخوانه باختياره، ينام باختياره، يقوم باختياره، له اختيار، يأتي الطاعة باختياره، ويأتي المعصية باختياره، لكن هذا له مشيئة سابقة، وله قدر من الله سابق ، لا يخرج عن مُلك الله، ولا عن إرادته جلَّ وعلا" إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" يس:82.
فهو مُخيَّرٌ من جهة ما أعطاه الله من المشيئة والقُدرة والاختيار والفهم، ومُسَيَّرٌ من جهة أنه لا يخرج عن قدر الله.الشيخ ابن بازرحمه الله .
فالإنسان تارة مخير وتارة ميسر. فما يقع في الإنسان- مثل حركة القلب والأمعاء والدورة الدموية ....وأي شيء واقع فيه - وما يقع عليه- مثل من يعتدي عليه بضرب أو يصاب بمرض ، أو يموت .... وأي شيء واقع عليه -هو مسير فيه ولا اختيار له فيه ولا يحاسب عليه.
أما ما يقع منه بإرادتهوهو بالغ رشيد قادر، فهو مخير فيه ومجازى عليه ،وهو بقدر الله وعلمه الأزلي ومشيئته ورحمته وحكمته سبحانه.ولذلك فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف إذا فُقِد ارتفع التكليف. ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا سلب ما وهب أسقط ما أوجب.

إن الله - تعالى - حَكَمٌ عدل، علي حكيم ،لا يظلم مثقال ذرة، جَوَاد كريم ،يضاعف الحسنات، ويعفو عن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجؤون وعليه مُكْرَهُون، وإذًا فَقَدَر اللهِ المحكم العادل وقضاؤه المبرم النافذ من عقائد الإيمان الثابتة التي يجب الإذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهم على تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص من التسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإنسان لإدراك السر في ذلك فليحمد الله على توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائق فذلك شأنه في كثير من الشؤون، ولا يتهم ربه في قَدَرِه وقضائِهِ وتشريعِهِ وجزائِهِ فإنه - سبحانه - هو العلي القدير الحكيمالخبير، قال تعالى"سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ"180" وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ"181 *وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"الصافات:182.وليكف عن الخوض في ذلك الشأن خشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابهرضي الله عنهم - لما حاموا حول هذا الحمى، فقالوا: يا رسول الله ، أفلا نتكل؟ فقال لهم "اعملوا فكل مُيَسَّر لِمَا خُلِقَ لَهُ"رواه البخاري :4949.

*وسئل شيخنا العلامة ابن عثيمين –رحمه الله تعالىمثل هذا السؤال : هل الإنسان مسير أو مخير ؟ فأجاب رحمه الله تعالى:
"
على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها‏ ؟‏ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير؟
‏ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره‏ ؟‏هل يصيبه المرض باختياره‏ ؟‏ هل يموت باختياره ‏؟‏ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير ‏. والجواب‏:‏ أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى"فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا"النبأ:39- وإلى قوله تعالى " مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ"آل عمران :152. وإلى قوله تعالى ‏"وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا"الإسراء:19.
وإلى قوله تعالى " فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ "البقرة :196.حيث خير الفادي فيما يفدي به‏ .‏ ولكن العبد إذا أراد شيئًا وفعله علمنا أن الله -تعالى -قد أراده -لقوله -تعالى" لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"التكوير:28-29. فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى ‏، وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة ‏.‏ والله الموفق‏."ا.هـ

وقال –رحمه الله تعالى – " هل الإنسان مسير أو مخير ؟ وهل له إرادة وهل له إرادة أو ليس له إرادة ؟ فنقول : الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر بمعنى أن له الاختيار وإن كان ليس سواءً لا يستوي الكفر والإيمان لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن بل الكافر كفر باختياره والمؤمن آمن باختياره كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره ويرجع إليه باختياره وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره ويدخل الجامعة الفلانية باختياره وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان كحوادث تحدث للإنسان من انقلاب سيارة أو صدم أو سقوط بيتٍ عليه أو احتراق أو ما أشبه هذا هذا لا شك أن لا اختيار للإنسان فيه بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر ولهذا عاقب الله سبحانه وتعالى الكافرين على كفرهم لأنهم كفروا باختيارهم ولو كان بغير اختيارٍ منهم ما عوقبوا ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفرًا ،أو على القول ولو كان كفرًا فإنه لا يُعَاقب عليه لأنه بغير اختيارٍ منه، ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر وقد يرى نفسه ساجدًا لصنم وهو نائم ولا يؤاخذ بهذا لأن ذلك بغير اختياره فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل لأنه فعل السيئ باختياره , وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء وهذا الإنسان من أهل السعادة فإن هذا لا حجة فيه وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله سبحانه وتعالى إذ أن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غدًا وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلاً فالإنسان الذي يصلي لا يعلم أن الله كتب له أن يصلي إلا إذا صلى والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق وهو لم يجبر على السرقة ولم يجبر المصلي على الصلاة بل صلى باختياره والسارق سرق باختياره ولما حدث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بأنه " ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " قالوا : يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل ؟ قال " لا اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له " فأمر بالعمل والعمل اختياري وليس اضطراريًا ولا إجباريًا فإذا كان يقول - عليه الصلاة والسلام"اعملوا فكلٌ مُيسر لما خلق له" نقول للإنسان اعمل يا أخي صالحا اعمل صالحًا حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملاً صالحًا وإن شاء عمل عملاً سيئًا ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول هذا أمرٌ مكتوب علي، يترك الصلاة مع الجماعة ويقول هذا أمر مكتوب علي، يشرب الخمر ويقول هذا أمر كتب علي ،يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول هذا أمرٌ مكتوبٌ علي ،ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته , أنت لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة , وأما قول السائل هل للإنسان إرادة ؟ نقول : نعم له إرادة بلا شك قال الله تبارك وتعالى" مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ "آل عمران : 152- وقال تعالى " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ"الإسراء . 19- وقال تعالى "مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ"الشورى :20- والآيات في هذا معروفة وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه قال الله تعالى " رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا"البقرة :28- فقال الله : قد فعلت . وقال تعالى " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ"الأحزاب :5- وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة , والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول على الحق وقد خرج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فتأثر من ذلك عليه الصلاة والسلام لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك وإلا فالأمر واضح ولله الحمد." ا.هـ-صيد الفوائد -
قال صلى الله عليه وسلم"إنَّ اللَّهَ خلقَ كلَّ صانعٍ وصنعتَهُ"الراوي : حذيفة بن اليمان - المحدث : الوادعي- المصدر : الصحيح المسند-الصفحة أو الرقم: 305 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فهو خالِقٌ للفِعلِ وللفاعلِ، ولِقُدرةِ الفاعلِ وقُوَّتِه التي حصَلَت الصَّنعةُ بها، فلا يستطيعُ الصانعُ أنْ يَصنَعَ شيئًا إلَّا إذا أرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ إيجادَ هذا الشيءِ؛ فالمرادُ بالصَّنعةِ هنا: العمَلُ الذي يعملُهُ العبدُ، حركاتُه وسكونُه، سواء كانَ عمَلًا جَسديًّا أو كانَ عمَلًا قلبيًّا.الدرر

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي تراب ; 28-07-22 الساعة 04:10 AM
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-22, 04:13 AM   #12
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Mmm

المجلس الحادي عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
*سبق وقلنا :والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع وهي:
العلم،ثم الكتابة، ثم المشيئة ، ثم الخلق والإيجاد
، هذه مراتب القدر الأربع التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر "العلم، والكتابة، والمشيئة والإرادة، والخلق والإيجاد".
بمعنى أن الله يعلم بأن سيوجد فلان ثم يكتب هذا في اللوح المحفوظ ثم إذا جاء وقت وجوده شاء الله أن يكون ثم بعد ذلك يخلقه جل جلاله وعظم سلطانه .
وتم شرح المراتب الثلاثة الأُوَل .
المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد:

وهو الخالق للأشياء كلها عن مشيئة وعن حكمة وعن علم سابق، هو الخالق لكل شيء كما قال تعالى" اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ "الزمر:62، "هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ "فاطر:3، فهو موجد للأشياء من سماء وأرض وأنهار وبحار وجبال ودواب ومعادن وغير ذلك، فالله الذي أوجدها بمشيئته سبحانه وتعالى قال لها: كوني، فكانت بأمره سبحانه" إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "يس:82. فعلى العبد رجلًا كان أو امرأة على العبد أن يؤمن بهذه الأشياء وأن يعلم أنها حق، ثم يستفيد من ذلك فيعمل ويكدح وهو يعلم أنه لن يخرج من قدر الله، وأن الفضل لله فيما يوفقه له من الخير، وأن له الحكمة فيما يصيبه من الشر، فإن أصابه خير حمد الله وشكره وجد في الخير وسارع إلى الخيرات، وإن أصابه ما يكره قال: قدر الله وما شاء فعل، إن لله وإنا إليه راجعون، وصَبَرَ واحتسب، وعَلِمَ أن هذا ليس عبثًا، بل وقع عن حكمة بالغة، وعن قدر سابق من ربه ؛ فعندها يطمئن ويتعزى، ويقول"إنا لله وإنا إليه راجعون، كما قال سبحانه" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "البقرة:155-157.

ثم قد يكون هذا الشيء الذي وقع وهو يكرهه خيرًا له وهو ما يدري، رُب ضارة نافعة، فكم من مصيبة كرهها وصار فيها الخير له والعاقبة الحميدة، كما قال تعالى"فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا "النساء:19، وقال تعالى" كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "البقرة:216، ويقول صلى الله عليه وسلم"الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ." صحيح مسلم.
احرص على ما ينفعك يعني في الدنيا والآخرة، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء يعني مما تكره فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان إن أصابك شيء يعني فات المحبوب أو حصل المكروه الذي أنت فار منه فلا تجزع ولا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا وكذا، لو أني عرضته على الطبيب كان يمكن شفي من هذا المرض، لو أنه ما سافر يمكن ما مات في هذا البلد اللي سافر إليها، لو أنه ما راح مع فلان كان كذا وكذا، لا، الأمر قد مضى في علم الله فلا تجزع، ولا تقل: لو، كل شيء بقضاء الله وقدره، اطمئن، واعلم أن الأمر قد فرغ منه، وأن ما شاءه الله كان وإن لم يشأ الناس، وبهذا يحصل للمؤمن الطمأنينة والراحة وراحة الضمير ما لا يحصيه على الكمال إلا الله سبحانه وتعالى، ويحصل له من الخير من الطمأنينة والراحة والفرح ما لا يحصيه إلا الله ؛ فيشكر الله على إنعامه وعلى فضله وإحسانه ويتعزى بعزائه ويصبر على ما أصابه ويعلم أن ذلك من عنده" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "التوبة:51.

فالمؤمن هكذا عند المكروه صبور، وعند المحبوب شكور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كل له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، هكذا المؤمن صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء؛ لأنه يعلم أن الرخاء والنعمة من فضل الله عليه فيشكر الله هو الذي ساق ذلك إليه، ويعلم أن ما أصابه من البلاء عن حكمة بالغة من الله لا عن عبث ولا عن ظلم، فالله لا يظلم مثقال ذرة، بل له الحكمة البالغة في ذلك، فيقول" إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا "التوبة:51.
ويعلم أن لله أسرارًا وحكمًا لا يدريها العبد فله الحكمة البالغة في كونه جعل الصلوات خمسًا، وجعل الفجر ثنتين، والمغرب ثلاثًا، والعشاء والظهر والعصر أربعًا، له الحكمة في ذلك . ولو شاء لجعلها غير ذلك، هكذا له الحكمة في كون الصيام شهرًا واحدًا في رمضان خاصة بين شعبان وبين شوال ولو شاء لجعله غير ذلك، له الحكمة فيما شرع من جهة الحج وأعمال الحج، ولماذا صار في مكة ولماذا صار في البقاع المعروفة له الحكمة البالغة في أعمال الحج وفي مشاعر الحج وفي جميع ما شرعه هناك، وهكذا في الزكاة ونُصبها في المال كذا والواجب كذا في السَّنة كذا وفي الزرع كذا له الحكمة البالغة فيها سبحانه وتعالى، وهكذا إذا فكر المؤمن في جميع الأمور رأى العجب العجاب مما يعطيه مزيدًا من الإيمان مزيدًا من البصيرة لحكمة الله تعالى، وعظيم علمه وكمال حكمته جل وعلا وكمال إحسانه.
فعلى العبد أن يفكر كثيرًا في هذه الأمور ويتدبر كثيرًا حتى يزداد علمًا وبصيرة، وحتى يعلم أن الله له الحكمة البالغة؛ فيشكره على إحسانه، ويصبر على ما أصابه من الأذى، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويزداد شكرًا لله في أداء ما شرع من الطاعات، وفي الحذر مما حرم من المعاصي، والوقوف عند حدود الله، هكذا الواجب عليه أن يكون شكورًا مسارعًا للطاعات، مؤديًا لما أوجب الله عليه، نشيطًا في ذلك، حذرًا من كل ما يعوقه عن ذلك، وأن يكون أيضًا حريصًا على ترك المعاصي بعيدًا عنها وعن أسبابها ووسائلها، سائلًا ربه أن يعينه على ذلك، وأن يعيذه من شر نفسه وشيطانه، وأن يعيذه من جلساء السوء وشياطين الإنس والجن، ويصبر على ما شرع الله له وما حرمه الله عليه، فيبتعد عن المحارم، ويسارع إلى الطاعات والخيرات، ويقف عند حدود الله مؤمنًا بالله مؤمنًا بشرعه ، وبهذا يعلم أن الخير كله فيما شرع، وأن البلاء والمحن فيما حرم عليه، فيحذر ذلك ويقف عند حدود الله شاعرًا بأنه عبده وابن أمته وابن عبده يتصرف فيه سبحانه كيف يشاء، فهو الحكيم العليم شرع له ما في النجاة والسعادة ونهاه عما يضره في الدنيا والآخرة، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.الشيخ ابن باز رحمه الله.
الذي ينسب إلى الله الخلق والإيجاد وهذا مبني على الحِكْمَة، فيكون خيرًا بالنسبة لله؛ لأنه خُلِقَ لحكمةٍ لكنه شرٌ بالنسبة للعبد، الكفر والمعاصي شر بالنسبة للعبد الذي باشر المعاصي وفعلها فيتضرر ويعذب عليها، والذي ينسب إلى الله الخلق والإيجاد فهو مبني على الحكمة.
الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب، بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع، وهو حاصل بالقدر، لأن الأسباب تنتج عنها مسبباتها، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، ذكر له في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم، هل يستمر ويمضي في سيره، أو يرجع إلى المدينة؟ فاختلف الناس عليه، ثم استقر رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة، ولما عزم على ذلك، جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح، وكان عمر رضي الله عنه يجله ويقدره، فقال: يا أمير المؤمنين، كيف ترجع إلى المدينة، أفرارًا من قدر الله؟ قال رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله.
وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان غائبًا في حاجة له، فحدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الطاعون " إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه"
قال صلى الله عليه وسلم"
إنَّ هذا الوباءَ رِجزٌ أهلكَ اللهُ بهِ الأممَ قبلَكم ، و قد بقيَ منه في الأرضِ شيءٌ ، يَجيءُ أحيانًا و يذهَبُ أحيانًا ، فإذا وقَعَ بأرضٍ فلا تخرُجُوا منها فِرارًا ، و إذا سَمعتُم بهِ في أرضٍ فلا تأتُوها
"الراوي : أسامة بن زيد - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 2253 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
"أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، خَرَجَ إلى الشَّأْمِ، حتَّى إذَا كانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأجْنَادِ، أبُوعُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأَصْحَابُهُ، فأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بأَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لي المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وأَخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قدْ خَرَجْتَ لأمْرٍ، ولَا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عنْه، وقَالَ بَعْضُهُمْ: معكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وأَصْحَابُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لي الأنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ، واخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لي مَن كانَ هَا هُنَا مِن مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِن مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ منهمْ عليه رَجُلَانِ، فَقالوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بالنَّاسِ ولَا تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصَبِّحٌ علَى ظَهْرٍ فأصْبِحُوا عليه. قَالَ أبُوعُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أفِرَارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ، أرَأَيْتَ لو كانَ لكَ إبِلٌ هَبَطَتْ وادِيًا له عُدْوَتَانِ، إحْدَاهُما خَصِبَةٌ، والأُخْرَى جَدْبَةٌ، أليسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ - وكانَ مُتَغَيِّبًا في بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إنَّ عِندِي في هذا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ.صحيح البخاري.


الحاصل قول عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، فهذا يدل على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله عز وجل، ونحن نعلم أن الرجل لو قال: أنا سأؤمن بقدر الله، وسيرزقني الله ولدًا بدون زوجة، ولو قال هذا لعد من المجانين، كما لو قال: أنا أؤمن بقدر الله ولن أسعى في طلب الرزق، ولم يتخذ أي سبب للرزق، لعد ذلك من السفه.
فالإيمان بالقدر إذن لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك، فهذه لا عبرة بها، ولا يلتفت إليها.
ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكال وليس بإشكال في الواقع، وهو أن يقول قائل: إذا كان فعلي من قدر الله عز وجل فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله عز وجل؟
والجواب على ذلك أن يقال: لا حُجَّة لك على المعصية بقدرِ الله، لأن الله عز وجل لم يجبرك على هذه المعصية، وأنت حين تقدم عليها لم يكن لديك العلم بأنها مُقَدَّرة عليك، لأن الإنسان لا يعلم بالمقدور إلا بعد وقوع الشيء، فلماذا لم تُقَدِّر قبل أن تفعل المعصية، أن الله قدر لك الطاعة، فتقوم بطاعته، وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أنه خير، وتهرب مما ترى أنه شر، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة، أنا لا أعتقد أن أحدًا يقال له: إن لمكة طريقين: أحدهما: طريق مأمون ميسر، والثاني: طريق مُخَوّف صعب، لا أعتقد أن أحدًا يسلك الطريق المخوف الصعب، ويقول: إن هذا قد قُدِّرَ لي، بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر، ولا فرق بين هذا وبين أن يقال لك: إن للجنة طريقًا وللنار طريقًا، فإنك إذا سلكت طريق النار، فأنت كالذي سلك طريق مكة المخوف الوعر، وأنت بنفسك تنتقد هذا الرجل الذي سلك الطريق المخوف الوعر، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم، وتدع طريق النعيم، ولو كان للإنسان حُجة بالقدر على فعل المعصية، لم تنتف هذه الحجة بإرسال الرسل وقد قال الله تعالى"رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل" النساء: 165.كتابفقه العبادات للعثيمين

قال الشيخ الألباني: أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبا وعملًا وقدرة وإرادة، وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة أو النار.
هذا؛ ويجب التنبه إلى البعد عن الخوض في القدر، عملًا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذُكِرَ القدرُ فأمْسِكُوا. رواه الطبراني وصححه الألباني. إسلام ويب.
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 04:24 AM   #13
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Mo

المجلس الثاني عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
*المتن"والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ، وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-."
الشرح:
*والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ:
التصديق بكل ما ورد في القدر من نصوص.
"أَدْرَكْتُ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولونَ كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، قالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ:كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الكَيْسِ وَالْعَجْزِ."الراوي : طاووس بن كيسان اليماني - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم.
يَحكي طاوسٌ أنَّه أَدركَ ناسًا منْ أَصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِنهُم عبدُاللهِ بنُ عُمرَ يَقولون: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، أي: لا يَقعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ عزَّ وجلَّ ومَشيئتُه وتَقديرُه؛ حتَّى "العَجزُ"، وهوَ عَدمُ القُدرةِ، وقيلَ: هوَ تَركُ ما يَجبُ فِعلُه والتَّسويفُ بِه وتَأخيرُه عنْ وَقتِه؛ "والكَيْسُ"، وهوَ النَّشاطُ والحِذقُ بالأُمورِ؛ أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ قدَّرَ العَجزَ والكَيْسَ وكُلَّ شيءٍ- لا يقَعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ ومَشيئتُه.
في الحديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخلْقِه، وهوَ عِلمُه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابتُه لَها قَبلَ بَرئِها.

*وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-
لا يقال لِمَ في الأفعال،وَلاكَيْفَ في الصفات، فلا تقل: لِمَ فعل الله كذا ما تعترض على الله، سَلِّم لقضاءِ اللهِ وقدرِهِ، ما تقول: لِمَ أعطى الله هذا العلم ولم يعط هذا؟ لِمَ كان هذا عالم وهذا جاهل؟ لم هذا فقير وهذا غني؟ لم كان هذا طويل وهذا قصير؟ لم كان هذا عمره يعيش مائة سنة وهذا يموت شابًّا وهذا يموت شيخًا؟
هذا سر الله في القدر، لا تسأل عن هذا بلِمَ؛ ولهذا يقول الطحاوي: والقدر سر الله في خلقه حجبه عن أنامه -حجبه عن الناس- ونهاهم عن مرامه، فمن سأل لِمَ فعل فقد رَدَّ حُكمَ الكتابِ، ومن رد حُكم الكتاب كان من الكافرين قال الله تعالى" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" الأنبياء:23. فلا تسأل ؛ هذا سر الله في خلقه. واعلم أن ربك حكيم، جعل هذا طويل وهذا قصير، وهذا غني وهذا فقير، وهذا عالم وهذا جاهل لحكم، هذا سر الله، مبني على الحكمة لكنا لا نعلم.
يعني لا يقال: لِمَ في الأفعال؛ يعني لا يعترض على الله في أفعاله ويقال: لم فعل كذا قال الله تعالى" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء:23. لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، لا لأنه يفعل بالقدرة والمشيئة كما يقول الجبرية، يقولون: لا يُسأل لِمَ يفعل لأنهم أنكروا حكمة الله قالوا: إن الله يفعل بالإرادة، يفعل بالإرادة وليس له حكمة، وهذا باطل، الجبرية ومنهم الأشاعرة والجهمية، أنكروا حكمة الله، وقالوا: إن الله يفعل بالإرادة فقط.
أما أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله يفعل بالحِكْمَةِ- أي إرادة بحكمة-، كل شيء بحِكمة، أمره بحكمة، ونهيه بحكمة، وقَدَره بحكمة، وخلقه بحكمة" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" يوسف:6.فلا يقال: لم، لا يُسأل عما يفعل لم؛ لأنه حكيم سبحانه وتعالى.
*وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا:
كذلك لا تَسأل عن الكيفية، لا تقل: كيف الصفات، لا تقل:كيف استوى. تؤمن بالاستواء ولا تسأل، والاستواء معناه معلوم لكن لا تسأل عن الكيفية، يجب أن تؤمن بأن الله استوى على العرش وتفوض الكيف لعلمه سبحانه وتعالى، كما قال الإمام مالك -رحمه الله- لما سُئِلَ عن الاستواء قال "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".
كذلك أيضًا النزول، معلوم في اللغة العربية لكن لا تسأل عن الكيف، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، الصفات معلوم معانيها في اللغة العربية، والإيمان بها واجب ولا يُسأل عن الكيفية والسؤال عنها بدعة، لا تقل: كيف عِلْم اللهِ، كَيفَ سَمْع اللهِ، كيف بصره كيف رؤيته، لا تسأل؛ الكيفية لا يعلمها إلا الله، فالسؤال عنها بدعة، كما أنك لا تعترض على الله في أفعاله، فلا تسأل عن كيفية الصفات، فلا يعلم كيفية صفاته إلا هو كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو سبحانه وتعالى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ بِهَا .
ولهذا روى الخلال في السنة، والدارقطني في الصفات، والآجري في الشريعة عن الوليد بن مسلم أنه قال: سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث -أي أحاديث الصفات- فقالوا: مِرُّوها كما جاءت" وهذا سنده صحيح كما قال المحقق.
وروى ابن عبد البر في جامع بيان العلم، من طريق عبد الوهاب بن نجدة، قال: حَدَّثَنا بقية عن الأوزاعي قال، كان مكحول والزهري يقولان "أمِرُّوا هذه الأحاديث كما جاءت" وسنده صحيح، وقال ابن عبد البر وقد روينا عن مالك بن أنس والأوزاعي، وسفيان بن سعيد، وسفيان بن عيينة، ومعبد بن راشد في الأحاديث في الصفات أنهم كلهم قالوا: أمِرُّوها كما جاءت، وروى عبد الله بن الإمام أحمد -رحمه الله- في السنة بسند صحيح عن وكيع بن الجراح قال: نسلم لهذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول: كيف كذا، ولا لم كذا؛ يعني مثل حديث ابن مسعود
"إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ علَى إصْبَعٍ، وَالأرْضِينَ علَى إصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى علَى إصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ علَى إصْبَعٍ"الراوي : عبدالله بن مسعود -المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2786 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر.-
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ".الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2654 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.الدرر-
ونحوه من الأحاديث.
وروى اللالكائي بإسناده عن محمد بن الحسن، فقيه العراق قال: اتفق الفقهاء من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه؛ يعني من غير تفسير كتفسير الجهمية، فمن فسر شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، ومن قال بقول جهم، فقد فارق الجماعة؛ فإنه وصفه بصفة لا شيء؛ يعني الجهم نفى الأسماء والصفات، ووصفه بصفة المعدوم.
وروى الدارقطني في الصفات بسند صحيح عن العباس بن محمد الدوري: قال: سمعت أبا القاسم -أبا عبيد القاسم بن سلام- وذكر الباب الذي يروى في الرؤية والكرسي ووضع القدمين، وضحك ربنا من قنوت عباده وقرب غيره، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك عز وجل قدمه فيها فتقول قط قط،
"يُقالُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلَأْتِ، وتَقُولُ هلْ مِن مَزِيدٍ، فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالَى قَدَمَهُ عليها، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ"صحيح البخاري.
وأشباه هذه الأحاديث فقال: هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه وكيف ضحك؟ قلنا: لا يُفَسر هذا، ولا سمعنا أحدًا يفسره.
وكلام السلف في هذا كثير، قال أبو بكر الخلال في السنة: حدثنا أبو بكر المروزي -رحمه الله- قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تَرُدَّها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء، والعرش وصححها أبو عبد الله وقال: قد تلقتها العلماء بالقبول نُسَلِّم بالأخبارِ كما جاءت، قال: فقلت له: إن رجلًا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت، فقال: يخفى، وقال: ما اعتراضه في هذا الموضع؟! يُسَلِّم بالأخبار كما جاءت، فأقوال العلماء في هذا كثيرة
ولهذا قال المؤلف رحمه الله "ومن لم يعرف تفسير الأحاديث ويبلغها عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان والتسليم مثل: أحاديث الصادق المصدوق" يعني مقصوده بـ"حديث الصادق المصدوق" هو حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- الذي رواه أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد قال:
"حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قالَ"إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3208 - خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر =
يعني الكتاب الذي كُتب عليه وهو في بطن أمه.
"فيَسْبِق عليه كِتَابُه" أي:فيَكون قد كُتِب عليه سابقًا في بَطْنِ أمِّه أنَّه سعيد، فيُختَم له بالسعادة ،فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فيَدخُلها.اللهم اختم لنا بالصالحات في عافية دنيا وأخرى.
*ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر:
-الاعتماد على الله وحده، لأن كل شيء بقدر الله.
-أن الإيمان بالقدر يعصم الإنسان بإذن الله من البطر والطغيان إذا أصابه الخير، ومن الحزن والأسى إذا أصابه الشر؛ لأن ما حدث قد جرت به المقادير وسبق به علم الله. وما أحسن ما قاله إبراهيم الحربي / حين قال "من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيشه".
-فلا يُعْجَب المرء بنفسه عند حصول مراده؛ لأن حصول ذلك المراد نعمة من الله الذي قدَّر حصولَها، وإعجاب المرء بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
-القوة والثبات في الحق، لأن الأرزاق والآجال مقدرة، ولا يملك أحد سوى الله تغييرها بالنقص أو الزيادة.
-الإيمان بالقدر يغرس القناعة في نفس المؤمن.
-أن الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف بالمجتمعات وتزرع الأحقاد بين الناس، وذلك مثل رذيلة الحسد؛ فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لأنه يدرك أن الله هو الذي رزقهم وقدر لهم ذلك بحكمته وقدرته، وهو يعلم أنه عندما يحسد غيره؛ فإنه يعترض على ما قدره الله.
-الصبر على المصائب، قال صلى الله عليه وسلم "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له."صحيح مسلم.
- الألوكة-ومصادر أخرى.

*الحذر من الخوض في القدر دون قيود شرعية :
"أَدْرَكْتُ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولونَ كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، قالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الكَيْسِ وَالْعَجْزِ."الراوي : طاووس بن كيسان اليماني - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2655 - خلاصة حكم المحدث :صحيح -الدرر-
شرح الحديث:
يَحكي طاوسٌ أنَّه أَدركَ ناسًا منْ أَصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِنهُم عبدُاللهِ بنُ عُمرَ يَقولون: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، أي: لا يَقعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ عزَّ وجلَّ ومَشيئتُه وتَقديرُه؛ حتَّى "العَجزُ"، وهوَ عَدمُ القُدرةِ، وقيلَ: هوَ تَركُ ما يَجبُ فِعلُه والتَّسويفُ بِه وتَأخيرُه عنْ وَقتِه؛ "والكَيْسُ"، وهوَ النَّشاطُ والحِذقُ بالأُمورِ؛ أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ قدَّرَ العَجزَ والكَيْسَ وكُلَّ شيءٍ- لا يقَعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ ومَشيئتُه.
في الحديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخلْقِه، وهوَ عِلمُه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابتُه لَها قَبلَ بَرئِها. - الدرر -
فلا ينبغي الكلام في القدر إلا بالتزام كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ذلك متوافق، فلا يضرب كلام الله بكلام الله، ولا بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
فالإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي يجب على المسلم أن يؤمن بها، ومعلوم أنه لا يتحقق هذا الإيمان الواجب إلا بعد العلم به. وأما الخوض في القضاء والقدر بالظن وعدم العلم ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته فإنه لا يجوز.

"خرجَ رسولُ اللهِ ذاتَ يومٍ والنَّاسُ يتَكلَّمونَ في القَدَرِ قالَ: فكأنَّما تفقَّأَ في وجْهِهِ حبُّ الرُّمَّانِ منَ الغضَبِ قالَ: فقالَ لَهم: ما لَكم تضرِبونَ كتابَ اللهِ بعضَهُ ببعضٍ ؟ بِهذا هلَكَ من كانَ قبلَكم قالَ: فما غَبطتُ نفسي بمجلِسٍ فيهِ رسولُ اللهِ لم أشْهَدْهُ بما غبطتُ نَفسي بذلِكَ المجلِسِ إنِّي لم أشْهدْهُ"الراوي : جد عمرو بن شعيب - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية -الصفحة أو الرقم: 259 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
وهذا النهيُ في مُجرَّدِ الجدالِ والاختلافِ فيه، وأمَّا المذاكرةُ والمناقشةُ في تَعليمِ مسائلِ القَدرِ وكيفيَّةِ الإيمانِ الصَّحيحِ به؛ فليس داخلًا في هذا النَّهي، بل هو من العِلمِ المأمورِ بتَعلُّمِه وتَعليمِه.
وفي الحديثِ:التَّحذيرُ مِن التَّنازُعِ في القضاءِ والقدَرِ.
وفيه:الأمرُ بالاتِّباع وعدَمِ الخوضِ فيما فيه الهلاكُ.الدرر=
ومن حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا ، و إذا ذُكِرتِ النجومُ فأمسكوا ، و إذا ذُكِرَ القدرُ فأمسكوا"الراوي: عبدالله بن مسعود و ثوبان و عمر بن الخطاب -المحدث: الألباني -المصدر: صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم:545-خلاصة حكم المحدث: صحيح الدرر -
فمعنى الإمساكِ عن الحديث في القدر، هو النهيُ عن الخوض في القدر بالآراء والأهواء والمنطق والعقل، وإنما يلتزم المؤمن بالآيات والأحاديث فقط، وكذلك عند الحديث عن الصحابة وما حصل بينهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا خضنا بآرائنا وعقولنا في هذه الأمور على وجه الخصوص، ضللنا طريق الهداية.
فالمنهي عنه في هذه الأحاديث هو الخوض فيها بالباطل والظن -كما أسلفنا -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الخوض في ذلك - أي في القضاء والقدر - بغير علم تام، أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنازع فيه. وفي الحديث الذي ذكرناه أخيرًا ما يدل على ذلك، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا فليس معناه - كما هو معلوم - الإمساك عن ذكر فضائل الصحابة وجهادهم، إنما معناه الإمساك عن ذكرهم بالباطل، وكذلك يقال في القدر. أما ما يؤثر عن بعض العلماء من أن القدر سر الله في خلقه، فهذا صحيح يجب إدراكه لكل من يبحث في القدر، لكن هذا محصور في الجانب الخفي من القدر، ألا وهو كونه سبحانه وتعالى أضل وهدى، وأمات وأحيا، ومنع وأعطى، وقسم ذلك بين عباده بقدرته ومشيئته النافذة، فمحاولة معرفة سر الله في ذلك لا تجوز؛ لأن الله حجب علمها حتى عن أقرب المقربين، أما جوانب القدر الأخرى وحِكَمُه العظيمة ومراتبه ودرجاته وآثاره، فهذا مما يجوز الخوض فيه، وبيان الحق للناس فيه، بل بيانه مما يندب إليه، وينبغي شرحه وإيضاحه للناس؛ إذ الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي ينبغي تعلمها ومعرفتها. والله أعلم.
فالقدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا ، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده.
والعقل لا يمكنه الاستقلال بمعرفة القدر فالقدر سر الله في خلقه فما كشفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم علمناه وصدقناه وآمنا به، وما سكت عنه ربنا آمنا به وبعدله التام وحكمته البالغة ، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون .
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 04:29 AM   #14
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Books

المجلس الثالث عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
*المتن"والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ، وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-.":
الشرح
*الفرق بين القضاء والقدر:
اختلف العلماء في الفرق بينهما فمنهم من قال: إن القدر "تقدير الله في الأزل"، والقضاء "حكم الله بالشيء عند وقوعه"، فإذا قدر الله تعالى أن يكون الشيء المعين في وقته فهذا قدر، فإذا جاء الوقت الذي يكون فيه هذا الشيء فإنه يكون قضاء، وهذا كثير في القرآن الكريم مثل قوله تعالى "قُضِيَ الْأَمْرُ" يوسف: 41، وقوله"وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ"غافر20. وما أشبه ذلك، فالقدر تقدير الله تعالى الشيء في الأزل، والقضاء قضاؤه به عند وقوعه. ومنهم من قال: إنهما بمعنى واحد. والراجح أنهما إن قرنا جميعًا فبينهما فرق كما سبق، وإن أفرد أحدهما عن الآخر فهما بمعنى واحد، والله أعلم.العثيمين -
ذهب بعض العلماء إلى أن القضاء والقدر مترادفان .
وهذا موافق لقول بعض أئمة اللغة الذين فسروا القدر بالقضاء .
جاء في "القاموس" المحيط للفيروزآبادي :ص 591:
"
القدر : القضاء والحكم" انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما الفرق بين القضاء والقدر ؟
فأجاب " القضاء والقدر، هو شيء واحد، الشيء الذي قضاه الله سابقًا ، وقدره سابقًا، يقال لهذا القضاء ، ويقال له القدر "انتهى من موقع الشيخ ابن باز
*وذهب آخرون من العلماء إلى التفريق بينهما .
فذهب بعضهم إلى أن القضاء سابق على القدر .
فالقضاء هو ما علمه الله وحكم به في الأزل ، والقدر هو وجود المخلوقات موافقة لهذا العلم والحكم .
قال الحافظ ابن حجر في :فتح الباري11/477:
" قال العلماء : القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله " انتهى .
وقال في موضع آخر:11/149 :القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل ، والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل" انتهى.
وقال الجرجاني في "التعريفات" ص174:
"
القدر : خروج الممكنات من العدم إلى الوجود ، واحدًا بعد واحدٍ ، مطابقًا للقضاء .
والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال .
والفرق بين القدر والقضاء : هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة، والقدر وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها"انتهى.
ورأى فريق آخر من العلماء عكس هذا القول ، فجعلوا القدر سابقا على القضاء ، فالقدر هو الحكم السابق الأزلي ، والقضاء هو الخلق .
قال الراغب الأصفهاني في "المفردات" ص675.
"
والقضاء من الله تعالى أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع
وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المُعَدِّ للكيل ، والقضاء بمنزلة الكيل ، ويشهد لذلك قوله تعالى" وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا" مريم : 21، وقوله" كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا "مريم:71. وقوله" وَقُضِيَ الأَمْرُ"البقرة : 210. أي فصل ، تنبيهًا أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه " انتهى .
ومن العلماء من اختار أنهما بمعنى واحد إذا افترقا ، فإذا اجتمعا في عبارة واحدة : صار لكل واحد منهما معنى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"
القدر في اللغة ؛ بمعنى : التقدير؛ قال تعالى" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"القمر: 49، وقال تعالى"فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ"المرسلات: 23- وأما القضاء ؛ فهو في اللغة : الحكم.
ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل: هذا قدر الله؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعًا؛ فلكل واحد منهما معنى.
-
فالتقدير: هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه.
-
وأما القضاء؛ فهو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقًا.
فإن قال قائل: متى قلنا: إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"الفرقان: 2؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟
فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
-
إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذِّكْرِي لا المعنوي، وإنما قُدِّمَ الخلقُ على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة"فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى"طه: 70؛ لتتناسب رؤوس الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
-
أو نقول : إن التقدير هنا بمعنى التسوية ؛ أي : خلقه على قدر معين ؛ كقوله تعالى"الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى"الأعلى: 2؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.
وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تمامًا لقوله تعالى "الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى" الأعلى: 2، فلا إشكال"انتهى، من "شرح العقيدة الواسطية" 2/189.
والخطب في هذه المسألة يسير جدًا ، وليس وراءها كبير فائدة ، ولا تتعلق بعمل ولا اعتقاد ، وغاية ما فيها اختلاف في التعريف ، ولا دليل من الكتاب والسنة يفصل فيها ، والمهم هو الإيمان بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان ، والتصديق به .
قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" 2/323: بعد أن ذكر أن القدر هو التقدير السابق وأن القضاء هو الخلق ، قال "جماع القول في هذا الباب - أي القضاء والقدر - أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر ؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس ، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه" انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ : ما الفرق بين القضاء والقدر؟
فأجاب " القضاء والقدر؛ من العلماء من يسوي بينهما، ويقول القضاء هو القدر، والقدر هو القضاء، ومنهم من يأتي بفرق ويقول: القدر أعم ، والقضاء أخص، فالقدر عمومًا والقضاء جزءٌ من القدر .
والكل واجب الإيمان به، بأن ما قدّر الله، وقضى الله لابد من الإيمان به والتصديق به " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت - هنا -
وقال الشيخ عبد الرحمن المحمود :
"
لا فائدة من هذا الخلاف ؛ لأنه قد وقع الاتفاق على أن أحدهما يطلق على الآخر... فلا مشاحة من تعريف أحدهما بما يدل عليه الآخر " .
انتهى من " القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة " ص 44 .
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
*الخلاصة:
من العلماء من فرق بينهما ، ولعل الأقرب أنه لا فرق بين " القضاء " و " القدر " في المعنى فكلٌ منهما يدل على معنى الآخر ، ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما ، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر ، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر ورودًا في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن .والله أعلم . الإسلام سؤال وجواب .


الإيمانُ بما جاءَ في الأحاديثِ الشريفةِ
*المتن:ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيْرَ الحَدِيثِ ويَبلُغْهُ عَقْلُهُ؛ فَقَد كُفِيَ ذَلِكَ وأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ.
الشرح: أي من لم يعرف تفسير شيء من هذه الأحاديث ، فقد كفاه الله ذلك بأن لا يبحث عنها-فليس مطلوب منه البحث والتنقيب عن ما قصر عليه عقله ؛ وإنما يجب عليه أن يؤمن وأن يسلم بها ، فلا يجوز للعقل الإنساني أن يتعمق فيها بالبحث لأنه لا يستطيع استيعابها .



*المتن:ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ،وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا ،وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ.
الشرح:
على المسلم أن يُسَلِّم بالأحاديث ويؤمن بها ؛ولا يعترض ولا يسأل عن الأفعال" بلِمَ ، ولَا" وعن الصفات بكيف - مثلما صَدَّقَ بالقَدَرِ ، مثل حديث الصادق المصدوق في القدر هذا؛ يُسَلِّم بأن هذا قَدَره، إن الله تعالى كتب الرزق والأجل والعمل، والشقاوة والسعادة، فلا تسأل ، فالله حكيم الله عليم بالذوات التي تصلح لغرس الكرامة، فلا تسأل لماذا قدر على هذا الشقاوة، ولماذا قدر على هذا السعادة، ولماذا قدر الفقر على هذا، ولماذا قدر الغنى على هذا، ولماذا كان رزقُهُ هكذا، هذا عامل، وهذا بَنَّاء وهذا تاجر وهذا مُزَارع، ربك حكيم عليم، فلا تعترض على الله بل عليك الإيمان والتسليم.
"
ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ" يعني كذلك كل ما كان في القدر فلا تسأل، سلِّم لله؛ ولهذا قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: فمن سأل لِمَ فَعَلَ فقد رد حكم الكتاب،قال: القدر سر الله في خلقه، لا يُسأل عما يفعل فمن سأل لِمَ فَعَلَ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
"وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا ،وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرِهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ "
يعني على الإنسان المسلم أن يسلِّم بأحاديث الرؤية؛ والمراد بأحاديث الرؤية يعني يؤمن بما ورد في أحاديث رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ؛ عرفنا أن من لم يؤمن بالقدر كافر، كذلك من لم يؤمن برؤية الله يوم القيامة فهو كافر؛ كفَّرَه الأئمةُ؛ الإمام أحمد وغيره، قالوا: ومن لم يؤمن بأن اللهَ يُرَى في الآخرةِ فهو كافر.
والمراد الكفر على العموم هذا الحكم على العموم -دون تعيين المعين-. أما فلان بن فلان الذي أنكر الرؤية لا يُكَفَّر إلا إذا قامت عليه الحُجة؛ فالشخص المعين لا يُكَفَّر إلا إذا قامت عليه الحُجَّة؛يعني بَلَغَهُ الدليل - واستتاب من قبل أولي الأمر- ثم عاند يكفر في هذه الحالة.فلابد لتكفير المعين من توافر شروط ، وانتفاء الموانع.
فالمعتقدُ الصحيحُ ما أجمعَ عليه أهلُ الحقِّ واتفقَ عليه أهلُ التوحيد والصِّدْقِ أنّ اللهَ تعالى يراه المؤمنون بأبصارهم كما يرون القمرَ ليلةَ البَدْرِ.
فنصوص الرؤية وردت في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة. ففي الكتاب العزيز: قال الله تعالى"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" سورة القيامة آية رقم:22 - 23 .
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ"سورة القيامة ؛ آية رقم:22.أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح.
"
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" أي: تنظر إلى ربها ....فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالًا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.تفسير الشيخ السعدي رحمه الله .
قال سبحانه"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ"سورة يونس ؛ آية رقم:26. جاء في صحيح مسلم في حديث صهيب تفسير الزيادة بأنها النظر إلى وجهه الكريم.
"في قولِه تعالى " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " قالَ : إذا دخلَ أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ نادى مُنادٍ : إنَّ لَكُم عندَ اللَّهِ موعِدًا يريدُ أن يُنْجِزَكموهُ ، قالوا : ألَم يبيِّض وُجوهَنا ويُنْجِنا منَ النَّارِ ويدخِلَنا الجنَّةَ ؟ قالَ : فيُكْشفُ الحجابُ قالَ : فواللَّهِ ما أعطاهمُ شيئًا أحبَّ إليهم منَ النَّظرِ إليهِ ." الراوي : صهيب بن سنان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3105 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -
وقال سبحانه"كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ "سورة المطففين ؛ آية رقم:15. استدل الإمام الشافعي -رحمه الله- بهذه الآية على وجوب رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة- بمفهوم المخالفة ، قال: لما أن حجب هؤلاء في حال السُّخْط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، ولو كان المؤمنون لا يرون ربَّهم لاستووا هم والكفار في الحجب، فلما حجب هؤلاء عن الرؤيا دل على أن المؤمنين يرونه.بمفهوم المخالفة-
وأما في الأحاديث الصحيحة:فهي متواترة، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الروح: متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين صحابيًا كلها تُثْبِت رؤية المؤمنينَ لربِّهم عز وجل ، منها:حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
"كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ نَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: أما إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُّونَ - أوْ لا تُضَاهُونَ - في رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا ثُمَّ قَالَ" وسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا "طه: 130.الراوي : جرير بن عبدالله - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 573 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
شرح الحديث:
حَثَّ الشرعُ على شُهودِ الصلواتِ عامَّةً في الجَماعةِ - للرجال، وعلى شُهودِ صَلاةِ العَصرِ والفَجْرِ خاصَّةً؛ وإنَّما خصَّ هاتَينِ الصَّلاتينِ لاجتِماعِ الملائِكةِ فيهِما ولرَفْعِهِم أعمالَ العِبادِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ جريرُ بنُ عبدِ اللهِ: كنَّا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فنَظرَ إلى القَمرِ ليلةً- يعني البدْرَ- هي ليلةُ الرَّابعَ عَشرَ مِن الشَّهرِ، فقالَ: إنَّكُمْ-أيُّها المؤمِنونَ- ستَرَونَ، يعني ستُبْصِرونَ ربَّكُمْ، كما ترونَ هذا القَمَرَ؛ يعني كما تَرونَ هذا القَمرَ رُؤيةً لا شكَّ فيها ولا تَضامُّون- بفَتْحِ التاءِ والميمِ المُشدَّدة- ومعناه: لا ينضمُّ بعضُكم إلى بعضٍ في وقتِ النظرِ كما تَفعلونَ في وقتِ النَّظرِ إلى الهلالِ، ويُروَى تُضامُونَ- بضمِّ التَّاء وتخفيفِ الميمِ- في رُؤْيتِهِ، أي:لا يُصيبُكمْ ظُلمٌ في رُؤيتِهِ ولا تَعَبٌ، فلا يَراهُ بعضُكُمْ دُونَ بعْضٍ، بلْ كلُّكُمْ تشتَرِكونَ في الرُّؤيةِ. قال" فإنِ استطعْتُمْ ألَّا تُغلَبوا" بأنْ يكونَ لكُم استِعدادٌ لتَلافِي أسبابِ الغَلَبةِ التي تُنافي الاستطاعةَ من نومٍ أو الاشتِغالِ بالأشْياءِ التي تَمنعُ عنِ الصَّلاةِ، فلا تغْفُلُوا عن صلاةِ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وهِيَ الفَجرُ، وقبلَ غُروبِها وهيَ العصر، فافْعلُوا؛ يعني: أن تُصَلُّوا هاتينِ الصَّلاتينِ في هذَيْنِ الوَقْتَينِ، ثمَّ قرأَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم"وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"ق: 39.
الدرر-
قال ابن حجر في فتح الباري:فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم ، والشغل ، ومقاومة ذلك بالاستعداد له .
وقوله " قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا" قال في عون المعبود: يعني الفجر والعصر ، وخص بالمحافظة على هاتين الصلاتين الصبح والعصر لتعاقب* الملائكة في وقتهما ، ولأن صلاة الصبح وقت النوم ، وصلاة العصر وقت الفراغ من الصناعات ، وإتمام الوظائف ، فالقيام فيهما أشق على النفس. والله أعلم. هنا =
*"يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ،....
-وهذا يدل على أن المحافظة على هاتين الصلاتين الفجر والعصر لها مدخل في رؤية الله يوم القيامة.والمحافظة عليهما من دلائل قوة الإيمان وكمال الإيمان مع بقية الصلوات ، والأعمال الصالحة.
"لَا يَلِجُ النَّارَ مَن صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"الراوي : عمارة بن رؤيبة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 634 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
"يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 555 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

*ومن ذلك حديث صهيب قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ"لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ"يونس: 26.الراوي : صهيب بن سنان - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 181 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
فالحُسنى: هي الجَنَّةُ التي أدخلهم الله إيَّاها، والزِّيادة: هي النَّظرُ إلى ربِّهم.
وفي الحديث: بيانُ فَضْلِ الله على المؤمنِينَ بإدخالِهم الجَنَّةَ.
وفيه: إثباتُ نَظرِ المؤمنين إلى اللهِ يومَ القِيامةِ في الجَنَّة. الدرر -
ومن ذلك حديث أبي موسى الأشعري الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إنَّ في الجَنَّةِ خَيْمَةً مِن لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُها سِتُّونَ مِيلًا، في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنْها أهْلٌ ما يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عليهمُ المُؤْمِنُونَ، وجَنَّتانِ مِن فِضَّةٍ، آنِيَتُهُما وما فِيهِما، وجَنَّتانِ مِن كَذا، آنِيَتُهُما وما فِيهِما، وما بيْنَ القَوْمِ وبيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إلى رَبِّهِمْ إلَّا رِداءُ الكِبْرِ علَى وجْهِهِ في جَنَّةِ عَدْنٍ." الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 4879 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

"قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : الكبرياءُ ردائي ، والعظمةُ إزاري ، فمَن نازعَني واحدًا منهُما ، قذفتُهُ في النَّارِ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4090 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
الشرح:من صفات الله تعالى: العز والعظمة والكبرياء.
وأما الإزار والرداء : فليسا صفتين، وإنما المراد بذلك : أن الله جل جلاله متصف بالعظمة والكبرياء ، لا ينازعه أحد منهما، كما أن الإزار والرداء يختصان بلابسهما، لا ينازعه فيهما أحد.
وأيضًا فالكبرياء حجاب يمنع من رؤية الله تعالى، كما أن الرداء يمنع من رؤية ما سُتر به.
*سؤال: جاء في الحديث القدسي"العظمة إزاري والكبرياء ردائي" هل يستدل بهذا على إثبات صفة الإزار والرداء؟
الجواب:لا، هذا لا يثبت منه صفه الإزار ولا الرداء - لله، وإنما هذا فيه بيان اختصاص الله عز وجل واتصافه بهما، يعني: مثلما أن الإنسان يستعمل الإزار والرداء - أي: كما لا يشرك الإنسانَ في ردائه وإزاره أحدٌ ؛ فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق . والله أعلم" انتهى من "معالم السنن" 4/ 196- هنا .
فالله عز وجل موصوف بالكبرياء والعظمة وهما إزاره ورداؤه، لكن لا يقال: إن من صفات الله الإزار أو الرداء، وإنما يقال: العظمة والكبرياء إزاره ورداؤه، وهذا من جنس قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الأنصار
"
الأنْصَارُ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ"الراوي : عبدالله بن زيد - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4330 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
معناه:قربهم منه، والتصاقهم به كالتصاق الشعار بالإنسان، والناس الذين وراءهم مثل الثوب، فالمقصود من ذلك التشبيه، وليس المقصود من ذلك أن الله عز وجل له إزار ورداء، وأن من صفاته الإزار والرداء، وإنما اختص الله عز وجل بالعظمة والكبرياء، وأنه اتصف بهما، وأنه لا يشاركه فيهما أحدٌ، فهذا هو الذي يوصف الله تعالى به، ولكن لا يجوز أن يقال: إن الله عز وجل من صفاته الإزار، ومن صفاته الرداء، ويوضح ذلك حديث "الأنصار شعار، والناس دثار" ومعلوم أن الأنصار ليسوا شعارًا، وإنما هذا تشبيه لقربهم منه، والتصاقهم به، كما يحصل من الشعار الملاصق بالجسد، فالأنصار مثل الشعار، وغيرهم كالدثار، وهو الذي وراء الشعار.فضيلة الشيخ عبد المحسن العبّاد حفظه الله.
وأقوال أهل العلم في وجوب الإيمان والتصديق لرؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة أكثر من أن تحصى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله"ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ،وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا "
نَبَتْ: أي : نَفَرَتْ .اسْتَوحَشَ :أي لم يستأنس بها .
فيجب علينا أن نؤمن بالأحاديث وإن لم تقبلها أسماع الناس وإن استنكرها واستغربها المستمع .
آمِن بالنصوص من الكتاب والسنة لا ترد حرفًا، مَن رَد حرفًا من القرآن كفر، وكذلك السنة.
يعني كل الأحاديث التي أُثرت ورويت عن الثقات الأثبات يجب الإيمان بها.
من الذي يستوحش منها؟ أهل البدع. "وإنما عليه الإيمان بها، وأن لا يرد منها حرفًا واحدًا"
يقول الإمام أحمد:وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرِهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ.
آمِن بالنصوصِ مِنَ الكتابِ والسنةِ لا ترد حرفًا، مَن رَد حرفًا من القرآن كفر، وكذلك السنة.
يعني كل الأحاديث التي أُثرت ورويت عن الثقات الأثبات يجب الإيمان بها.
والذي يستوحشها أهل البدع: من الجهمية والمعتزلة ،أنكروا رؤية الله يوم القيامة مع أن الآيات صريحة والنصوص واضحة، وأولوها وقالوا: المراد بالرؤية العلم؛ يقول المعتزلة "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا"إنكم تعلمون ربكم كما تعلمون هذا القمر أنه قمر، لا تشكون في العلم به، تعلمون ربكم كما تعلمون أن هذا القمر قمر، كيف يفسر بهذا؟!! X

فالرؤية عندهم معناها العلم، مثل" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ " يعني ألم تعلم.
والحق أن العلمَ زائلٌ عن جميعِ الناسِ يومَ القيامةِ، حتى الكفرة الذين ينكرون وجود الله يؤمنون يوم القيامة، ولكن بعد فوات الأوان .
فالأحاديث صريحة " إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ"
هذا عِلْم ولا رُؤية بصر؟ رؤية بصر،ومع ذلك أنكرها المعتزلة أنكروا رؤية الله وأنكروا علوه، أنكروا كونه فوق السماوات وفوق العرش، وأهل السنة آمنوا بعلو الله وأن الله فوق العرش، وآمنوا برؤية الله يوم القيامة.
والأشاعرة مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
الأشاعرة أرادوا الجمع بين رؤية الله وبين نفي الصفات عن الله فوقعوا في تناقضٍ ظاهرٍ .
قال شيخ الإسلام: حتى إن أئمة أصحاب الأشعري المتأخرين؛ كأبي حامد الغَزَالِي، وابن الخطيب ؛وغيرهما لما تأملوا ذلك عادوا في الرؤية إلى قول المعتزلة أو قريب منه وفسروها بزيادة العلم كما يفسرها بذلك الجهمية والمعتزلة وغيرهم ،وهذا في الحقيقة تعطيل للرؤية الثابتة بالنصوص والإجماع المعلوم جوازها بدلائل المعقول بل المعلوم بدلائل العقول امتناع وجود موجود قائم بنفسه لا يمكن تعلقها به .بيان تلبيس الجهمية :2|435.
ملتقى أهل الحديث.

دائمًا الأشاعرة تجدهم وسط بين المعتزلة وبين أهل السنة؛ هم يريدون أن يكونوا مع أهل السنة، أرادوا أن يكونوا مع أهل السنة في الرؤية، ومع المعتزلة في إنكار العلو، فصاروا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فأثبتوا رؤية الله يوم القيامة؛ أثبتها الأشاعرة كما أثبتها أهل السنة، لكن أنكروا علو الله، أنكروا أن يكون الله فوق العرش، أين يُرى ربنا ؟ قالوا: يُرى لا في جهة، أين يرى من فوق؟ قالوا: لا. من تحت؟ لا. أمام؟ لا. خلف؟ لا، يمين؟ لا، شمال؟ لا. أين يُرى؟ يقولون: يرى لا في جهة، فأنكر عليهم أهل السنة وبدَّعوهم لقول الأشاعرة: إن الرؤية تكون بلا مقابلة، قالوا: ما يمكن أن تكون الرؤية إلا بمقابلة من المرئي، فالمرئي لا بد أن يكون مقابلًا للرائي مواجهًا له مباينًا له، أما رؤية بدون جهة، بدون مقابلة، ما يمكن؛فنفوا الجهة وهذا يلزم نفي الرؤية بزعمهم .
مع ملاحظة الآتي:لفظ " الجهة"من الألفاظ المجملة ، فمن قصد بها إثبات جهة العلو لله تعالى ، فهو إطلاق صحيح ، ومن قصدبها حصر الله تعالى في جهة ، بحيث إنه يحيط به شيء من مخلوقاته : فإطلاقه الجهة على الله بهذا المعنى باطل..موقع الإسلام سؤال وجواب .
قال الشيخ الفوزان في تعليقه على الطّحاوية"وأهل السنة يقولون: يُرى سبحانه وتعالى وهو في جهة العلو من فوقهم،فالجهة إن أريد بها الجهة المخلوقة فالله ليس في جهة؛ لأنه ليس بحال في خلقه سبحانه وتعالى.
وإن أريد بها العلو فوق المخلوقات فهذا ثابت لله عز وجل، فالله في العلو فوق السماوات، فالجهة لم يرد إثباتها أو نفيها في كتاب الله، ولكن يقال فيها على التفصيل السابق.ملتقى أهل الحديث -
ولهذا سمى بعض أهل العلم - منكري العلو -خناثى كالخنثى لا أنثى ولا ذكر ليسوا من أهل السنة، وليسوا من المعتزلة، أرادوا أن يكونوا مع المعتزلة في إنكار العلو، وأرادوا أن يكونوا مع أهل السنة في الرؤية فعجزوا عن ذلك، فلجئوا إلى حجج سوفسطائية وهي التي مموهة وهي التي تشبه الحجة وليست حجة.
*
وخلاصة القول: في هذه المسألة أن رؤية الله تعالى تعتبر عند السلف أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة لا يماري فيها أحد منهم-موسوعة الفرق-
فائدة:
أبو الحسن الأشعري كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
المرحلة الأولى:مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عامًا يقرره ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم"مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيميه ص72 جـ4..
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاب"مجموع الفتاوى" ص556 جـ5.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه ص471 من المجلد السادس عشر من مجموع الفتاوى، لابن قاسم :
"والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلامًا صحيحًا ومن هؤلاء أصولًا عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة".ا.هـ.
المرحلة الثالثة:مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتديًا بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: "الإبانة عن أصول الديانة" وهو من أواخر كتبه أو آخرها.
قال في مقدمته"جاءنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى، وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال عز وجل"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"الحشر: 7.. إلى أن قال: فأمَرَهُم بطاعة رسوله كما أمَرَهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمَرَهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله "قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ "الأنعام: 140.
ثم ذكر - رحمه الله -أصولًا من أصول المبتدِعَة، وأشار إلى بطلانِها ثم قال"فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والجهمية، والحرورية، والرافضة والمرجئة فعرفونا قولَكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟
قيل له:قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا - عز وجل - وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبلقائلون، ولمن خالف قولَه مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل" ثم أثنى عليه بما أظهر الله على يده من الحق وذِكر ثبوت الصفات، ومسائل في القدر، والشفاعة، وبعض السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية.
والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت:
حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذاك السمع والبصر
على خلاف بينهم وبين أهل السنة في كيفية إثباتها.
ولما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه ما قيل في شأن الأشعرية ص359 من المجلد السادس من مجموع الفتاوى لابن قاسم قال:
"ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما من قال منهم بكتاب"الإبانة" الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة.وقال قبل ذلك في ص310:وأما الأشعرية فعكس هؤلاء وقولهم يستلزم التعطيل، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وكلامه معنى واحد، ومعنى آية الكرسي وآية الدين، والتوراة، والإنجيل واحد، وهذا معلوم الفساد بالضرورة". ا.هـ.
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ العثيمين رحمه الله.

أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 04:30 AM   #15
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
^

المجلس الرابع عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
المتن:وأَنْ لا يُخَاصِمَ أَحَدًا ولا يُنَاظِرَهُ،ولا يَتَعَلَّمُ الجِدَالَ،فإنَّ الكَلامَ في القَدَرِ والرُّؤْيةِ وَالقُرْآنِ وغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنهِيٌّ عَنهُ، وَلا يَكُونُ صَاحِبُهُ- إِنْ أَصَابَ بِكَلامِهِ السُّنَّةَ-مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الجِدَالَ ويُسَلِّمَ،وَيُؤْمِنَ بِالآثَارِ.
والقُرآنُ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ...................
الشرح:
الخصومة والجدال في الدين منهي عنه، حينما يخاصم الإنسان ويناظر في النصوص فهذا يؤدي به إلى الإنكار وإلى التأويل، وهذه طريقة أهل البدع.
والجدال والمراء بغير حقٍّ والدفاعِ عن الباطل وأهلِهِ من كبائرِ الإثمِ وعظائمِ الذنوب.كما سبق بيانه." إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2457 - خلاصة حكم المحدث :صحيح -.الألَدُّ:وهو الأعوج في المناظرة الذي يروغ عن الحق، وهو المعوج عن الحق المولع بالخصومة والماهر بها.
الخَصِمُ:مبالغة من المخاصمة ،الخَصِمُ : الذي يغلب الناس بحُجَّتِهِ وهو مُبْطِل ليس على الحق .الشرح:في هذا الحديثِ تَحذيرٌ شديدٌ مِن المتَّصفِ باللَّدد في الخُصومةِ، وأنَّه أبغضُ الرِّجالِ إلى اللهِ تعالى، والألدُّ الخَصِمُ هو المُولَعُ بِالخُصومِة الماهرُ فيها والدائمُ فيها كذلِك، وإنَّما كان هذا الرَّجلُ هو أبغضَ الرِّجالِ إلى اللهِ تعالى؛ لأنَّه يُجادلُ عَنِ الباطلِ، وذلِك يَحمِل على ضَياعِ الحقِّ، والمطْلِ بالحقوقِ وظُلمِ أصحابها، ونُصرةِ الباطلِ، وقدْ قال تعالى"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ"البقرة: 204. "وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ"البقرة: 204. أي: إذا خاصمته، وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب, وما يترتب على ذلك، ما هو من مقابح الصفات، ليس كأخلاق المؤمنين، الذين جعلوا السهولة مركبهم، والانقياد للحق وظيفتهم، والسماحة سجيتهم.تفسير السعدي.
"
أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ ألْحَنُ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ أخِيهِ شيئًا، بقَوْلِهِفإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فلا يَأْخُذْهَا."الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2680 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ :يعني تتحاكمون إليَّ في الخصومة." سَمِعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عليهم فَقالَ: إنَّما أنَا بَشَرٌ، وإنَّه يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أنْ يَكونَ أبْلَغَ مِن بَعْضٍ أقْضِي له بذلكَ، وأَحْسِبُ أنَّه صَادِقٌ، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما هي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أوْ لِيَدَعْهَا."الراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7185 - خلاصة حكم المحدث :صحيح -"ألا أخبرُكم بمَن يُحرَّمُ على النَّارِ ، وبمَن تُحرَّمُ علَيهِ النَّارُ ؟ علَى كلِّ قَريبٍ هيِّنٍ سَهلٍ"الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 2488 - خلاصة حكم المحدث : صحيح

"علَى كلِّ قَريبٍ "أي:قريب من النَّاس بحسن ملاطفته لهم." هيِّنٍ سَه"
وهَيِّنٌ، أي: سَهْلٌ ، سَهْلٌ: يقضي حوائجهم ويسهل أمورهم وينقاد للشارع في أمره ونهيه.
*وأَنْ لا يُخَاصِمَ أَحَدًا ولا يُنَاظِرَهُ،ولا يَتَعَلَّمُ الجِدَالَ،فإنَّ الكَلامَ في القَدَرِ والرُّؤْيةِ وَالقُرْآنِ وغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنهِيٌّ عَنهُ،مَكْرُوهٌ : مكروه كراهة تحريم.مَنهِيٌّ عَنهُ.أي من السنن اللازمة التي يجب علينا أن نؤمن بها .فالكلام في القدر كما سبق مذموم ، الإنسان يتكلم في القدر، يسأل، يعترض على الله لِمَ فعل كذا؟ ويسأل عن الكيفية، وكذلك عن الكلام في الرؤية، كونه يجادل في النصوص وتأويل النصوص بالعلم كما يفعل المعتزلة أو إنكار العلو، وكذلك الجدال في القرآن مكروه ومنهي عنه.
، يقول: وَلا يَكُونُ صَاحِبُهُ- إِنْ أَصَابَ بِكَلامِهِ السُّنَّةَ-مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الجِدَالَ ويُسَلِّمَ،وَيُؤْمِنَ بِالآثَارِ..
أي لا يكون صاحبه ؛أي صاحب هذا الجدال ، وإن أصاب بكلامه السنة لا يكون من أهل السنة بسبب هذا الجدال، حتى يدع الجدال ويؤمن بالآثار.
الآثار:أي النصوص، كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك آثار الصحابة والتابعين، لا يكون الإنسان من السنة حتى يترك الجدال ويؤمن بالنصوص والآثار، ويدع الخصومات.
ومن عظمة منهج أهل السنة في التلقي أنهم يعتصمون بالكتاب والسنة في كل شؤونهم، متَّبِعون للمُحْكَمِ، مؤمنون بالمُتشابه، ولا يُعارضون النصوص بالعقول البشرية.
قال ابن تيمية -رحمه الله"وقد أمر الله بطاعة رسوله في أكثر من ثلاثين موضعًا من القرآن، وقرن طاعتَه بطاعتِه سبحانه، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يُذكر الله إلاَّ ذُكِرَ معه"قال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ" النساء:59.
"
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" التغابن: 12.فلا يُذكر الله إلاَّ ذُكِرَ معه:
"أَشْهَدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"

*وأَنْ لا يُخَاصِمَ أَحَدًا ولا يُنَاظِرَهُ،ولا يَتَعَلَّمُ الجِدَالَ،فإنَّ الكَلامَ في القَدَرِ والرُّؤْيةِ وَالقُرْآنِ وغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنهِيٌّ عَنهُ،أي من السنن اللازمة التي يجب علينا أن نؤمن بها .وخصَّ الإمام أحمد رحمه الله تعالى الإيمان بالقدر بالذكر لأن أهل البدع في زمانه من القدرية والجبرية أنكروه .. فأراد رحمه الله تعالى أن يرد عليهم،وكذلك الرؤية كما سبق تفصيله.لا يجوز للمسلم أن يخاصم أحدًا في دين الله سبحانه تعالى ، وإنما عليه الاستسلام والانقياد لدين الله سبحانه وتعالى.
الْقُرْآنُ كَلَامُ اَللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ
المتن :والقُرآنُ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلا يَضْعُفُ أَنْ يَقُولَ:لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ،قَالَ:فإنَّ كَلامَ اللهِ مِنْهُ وَلَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ،وَلَيْسَ مِنْهُ شَيءٌ مَخْلُوقٌ،وإيَّاكَ ومُنَاظَرَةُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ:لا أَدْرِي،مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وإنمَا هُوَ كَلامُ اللهِ فَهَذَا صَاحِبُ بِدْعَةٍ مِثْلَ مَنْ قَالَ:هُوَ مَخْلُوقٌ وإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
الشرح:
والقُرآنُ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ، وَلا يَضْعُفُ أَنْ يَقُولَ:لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، :يعني أن هذا القرآن الذي نقرأه بألسنتِنا، ونحفظه في صدورِنا ونكتبه في ألواحِنا وكُتُبِنا ؛ كلام الله حقيقة لفظه ومعناه وليس بمخلوق ، لا يَضْعُف:أي يكن قويًّا نشيطًا في معتقدِهِ وفي إعلانِهِ وإظهارِهِ معتقد أهل السنة.
وأهل السنة لا يبحثون عن كيفية تكلمه تعالى به، لأننا نؤمن به سبحانه ، ولا نحيط به علمًا، قال تعالى"يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا"طه:110. وقال تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الشورى :11.
هذا هو موقف السلف من صفة الكلام بإيجاز،لما دلت عليه النصوص، فالتكلم من أوصاف الكمال ، وضده من أوصاف النقص،قال تعالى " فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ* أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا"طه: 89/88 .
قال الشيخ السعدي في تفسيره لهذه الآية:
أي: لا يتكلم ويراجعهم ويراجعونه، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعًا، فالعادم للكمال والكلام والأفعال لا يستحق أن يُعبد وهو أنقص من عابديه، فإنهم يتكلمون ويقدرون على بعض الأشياء، من النفع والدفع، بإقدار الله لهم.
فالله تعالى تكلم بكلام بحرفٍ وصوتٍ يُسمع، فلا بد من الإيمان بأن كلام الله حرف وصوت، لفظ ومعنى، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة بدلالة النصوص.ومن أقوى الأدلة على أن القُرآنَ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ؛قوله تعالى"وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ"الأعراف:143.
وقوله تعالى "وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ"التوبة:6.قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية الكريمة:وفي هذا حُجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآنَ كلامُ اللّهِ غير مخلوقٍ، لأنه تعالى هو المُتَكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفِهَا، وبُطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم‏:‏ أن القرآن مخلوق‏.‏ا.هـ.
ومن أقوى الأدلة على أن الله يتكلم حقيقة باللفظ والمعنى، قوله تعالى "وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا"سورة النساء آية: 164. حيث أكد الكلام بالمصدر المثبِت للحقيقة النافي للمعنى المَجَازِي، وهو أسلوب معروف عند أهل اللغة، فمن قال: قتلتُ العدوَّ قتلًا؛ لا يُفْهم من كلامه إلا القتل الحقيقي الذي هو إزهاق الروح، بخلاف ما لو قال: قتلتُ العدوَّ؛ فسكت، فإنه يحتمل القتل الحقيقي، ويحتمل الضرب الشديد المؤلم جدًا.
هذه الصفة - صفة الكلام - من الصفات التي ضل فيها كثير من الناس عن الصواب.
فصفة الكلام صفة ذاتية فعلية ،صفة ذاتية قائمة بذاته تعالى كأصل للصفة،لأن الله لم يزل ولا يزال متكلمًا أزلًا وأبدًا،لم يحدث له شيء من ذلك بعد أن لم يكن، ولن ينفك عن شيء منه، كما أن الله لم يزل حيًّا ولا يزال حيًّا، لم يزل عالمًا ولا يزال عالمًا، ولم يزل.
وهي صفة فعل باعتبار أفراد وآحاد الكلام، لأن الكلام يتعلق بمشيئته سبحانه .
آحاد الكلام مثل قوله تعالى "وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" النساء/ 164.
*كلام الله نوعان: مسموع من الله بواسطة:كما سمع الصحابة كلام الله بواسطة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكما يسمع كلام الله بواسطة قراءة القارئ.
والنوع الثاني:كلام بلا واسطة كما سمع جبرائيل من الله،
لا خلاف أن القرآن نزل من الله تعالى بواسطة جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله كان يُنزل جبريل به شيئًا فشيئًا، وأن جبريل سمعه منه سبحانه ، وأن جبريل ما كان ينزل إلا بأمر الله، لقوله تعالى" قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ"النحل:102.رُوحُ القُدُسِ:هو جبريل عليه السلام.قال تعالى "وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ"الشعراء:194:192.

قال شيخ الإسلام في الفتاوى:وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَخَلَفِهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ الْقُرْآنَ مِنْ جِبْرِيلِ وَجِبْرِيلُ سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
مجموع الفتاوى/ صفحة2093 / 16874 .مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - ج 5 -
قال ابن حجر في فتح الباري :21/69 : ...وَالْمَنْقُولُ عَنِ السَّلَفِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ وَبَلَّغَهُ جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبَلَّغَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمَّتِهِ.ا.هـ.كتاب فتح الباري لابن حجر.

وكما سمع موسى كلام الله بدون واسطة ،قال تعالى " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" النساء/ 164 ، وقال عز وجل"وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ"الأعراف/ 143، وقال سبحانه " يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي"الأعراف/ 144 .
وكما سمع نبينا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج كلام الله بدون واسطة:
كما ورد في حديث الإمام مسلم الطويل" .....فأوْحَى اللَّهُ إلَيَّ ما أوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: ما فَرَضَ رَبُّكَ علَى أُمَّتِكَ؟ قُلتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فإنِّي قدْ بَلَوْتُ بَنِي إسْرائِيلَ وخَبَرْتُهُمْ، قالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَبِّي، فَقُلتُ: يا رَبِّ، خَفِّفْ علَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى، فَقُلتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، قالَ: فَلَمْ أزَلْ أرْجِعُ بيْنَ رَبِّي تَبارَكَ وتَعالَى، وبيْنَ مُوسَى عليه السَّلامُ حتَّى قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَواتٍ كُلَّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذلكَ خَمْسُونَ صَلاةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ له حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ له عَشْرًا، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها لَمْ تُكْتَبْ شيئًا، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ سَيِّئَةً واحِدَةً، قالَ: فَنَزَلْتُ حتَّى انْتَهَيْتُ إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرْتُهُ، فقالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فَقُلتُ: قدْ رَجَعْتُ إلى رَبِّي حتَّى اسْتَحْيَيْتُ منه."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 162 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.فهذا الحديث : نص واضح على حصول الكلام بين النبي صلى الله عليه وسلم ، ورب العزة جل جلاله ، فقد رجع إلى ربه ، وقال له "فَقُلتُ: يا رَبِّ"ثم قال له رب العزة بعد ذلك" يا مُحَمَّدُ" وهذا كله بيِّن واضح في حصول التكليم المباشر ليلة الإسراء والمعراج.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " فإن الله كلم موسى وأمره بلا واسطة ، وكذلك كلم محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمَرَهُ ليلة المعراجِ ، وكذلك كلَّم آدم وأَمَرَهُ بلا واسطة ، وهي أوامر دينية شرعية "، انتهى من "مجموع الفتاوى" 2/ 320.وقال ابن القيم رحمه الله" كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء " انتهى من"زاد المعاد" 1/ 79.قال " الحافظ ابن حجر" في "الفتح" 7/ 216 " هذا من أقوى ما استُدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلَّم نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بغير واسطة " .الإسلام سؤال وجواب ."كنَّا معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في سفرٍ فتفاوتَ بينَ أصحابِهِ في السَّيرِ فرفعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صوتَهُ بِهاتينِ الآيتينِ" يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ "إلى قولِهِ - وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ"فلمَّا سمعَ ذلِكَ أصحابُهُ حثُّوا المطيَّ وعرفوا أنَّهُ عندَ قولٍ يقولُهُ فقالَ" هل تدرونَ أيُّ يومٍ ذلِكَ" قالوا اللَّهُ ورسولُهُ أعلمُ قالَ" ذاكَ يومٌ يُنادي اللَّهُ فيهِ آدمَ فيُناديهِ ربُّهُ فيقولُ يا آدمُ ابعَث بعثَ النَّارِ، فيقولُ أي ربِّ وما بَعثُ النَّارِ، فيقولُ من كلِّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةٌ وَتِسْعونَ إلى النَّارِ وواحدٌ إلى الجنَّةِ "فيئِسَ القومُ حتَّى ما أبدَوا بضاحِكَةٍ فلمَّا رأى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الَّذي بأصحابِهِ قالَ" اعمَلوا وأبشِروا فوالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ إنَّكم لمعَ خَليقتينِ ما كانتا معَ شيءٍ إلَّا كثَّرَتاهُ يأجوجُ ومأجوجُ ومن ماتَ من بَني آدمَ وبَني إبليسَ" قالَ فسُرِّيَ عنِ القومِ بعضُ الَّذي يجدونَ قالَ "اعمَلوا وأبشِروا فوالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ ما أنتُمْ في النَّاسِ إلَّا كالشَّامةِ في جنبِ البعيرِ أو كالرَّقْمةِ في ذراعِ الدَّابَّةِ"الراوي : عمران بن الحصين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3169 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-"يقولُ اللَّهُ تَعالَى: يا آدَمُ، فيَقولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ في يَدَيْكَ، فيَقولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قالَ: وما بَعْثُ النَّارِ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وتَرَى النَّاسَ سُكارَى وما هُمْ بسُكارَى، ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وأَيُّنا ذلكَ الواحِدُ؟ قالَ " أبْشِرُوا، فإنَّ مِنكُم رَجُلًا ومِنْ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألْفًا. ثُمَّ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي أرْجُو أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرْنا، فقالَ: أرْجُو أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرْنا، فقالَ: أرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرْنا، فقالَ: ما أنتُمْ في النَّاسِ إلَّا كالشَّعَرَةِ السَّوْداءِ في جِلْدِ ثَوْرٍ أبْيَضَ، أوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضاءَ في جِلْدِ ثَوْرٍ أسْوَدَ."الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3348 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.الشرح:
يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث القدسِيِّ عن ربِّ العِزَّة: "يقول اللهُ تعالى: يا آدَمُ، فيقول: لبَّيْك"، أي: إجابةً لَك بعدَ إِجَابةٍ ولزُومًا لطاعتِك "وسَعْدَيك" أي: أَسْعِدْني إسعادًا بَعْد إِسْعادٍ"والخَيْر في يدَيك................
في الحديث: عِظَم هَوْل يومِ القِيامة.
وفيه: إخباره صلَّى الله عليه وسلَّم عن الغَيْبيَّات.
وفيه: رحمة الله عزَّ وجلَّ بأمَّة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم. الدرر السنية.ودلت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة أن الله تعالى يكلم أهل الجنة ويكلمونه ، وأنهم يتنعمون بسماع كلامه .
قال الله تعالى"إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ *سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ" يس/55-58 .
ففي هذه الآية الكريمة : أن الله تعالى يسلم على أهل الجنة.
قال القاسمي :
"
سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ" أي : ولهم سلام ، يقال لهم قولًا كائنًا منه تعالى.
والمعنى : أنه تعالى يسلم عليهم تعظيمًا لهم . كقوله"تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ" الأحزاب/44" انتهى من " محاسن التأويل " 8/190 .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
"
ولهم أيضًا "سَلامٌ" حاصل لهم" مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ" ففي هذا : كلام الرب تعالى لأهل الجنة وسلامه عليهم ، وأكده بقوله" قَوْلًا " وإذا سلم عليهم الرب الرحيم ، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه ، وحصلت لهم التحية، التي لا تحية أعلى منها، ولا نعيم مثلها، فما ظنك بتحية ملك الملوك ، الرب العظيم، الرءوف الرحيم، لأهل دار كرامته ، الذي أحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدًا، فلولا أن اللّه تعالى قدر أن لا يموتوا، أو تزول قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور، لحصل ذلك.
فنرجو ربنا أن لا يحرمنا ذلك النعيم ، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم " .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص697. موقع الإسلام سؤال وجواب.
وكلم الله سبحانة جبريل عليه السلام:، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلمإِذَا أحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3209 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدررالسنية-وفي الحديثِ: أَنَّ مَحَبَّةَ قُلُوبِ النَّاس عَلَامَةُ مَحَبَّةِ اللَّهِ.
"يَحشُرُ اللهُ العبادَ أو قال يَحشُرُ اللهُ الناسَ قال وأوْمَى بيدِه إلى الشامِ عُراةً غُرْلًا بُهْمًا قال قلتُ ما بُهْمًا قال ليس معهم شيءٌ فينادِي بصوتٍ يسمعُه من بَعُدَ كما يسمعُه من قَرُبَ أنَا الملِكُ أنَا الدَّيَّانُ لا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنةِ أن يَدخلَ الجنةَ وأحدٌ من أهلِ النارِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ ولاينبغي لأحدٍ من أهلِ النارِ أن يَدخلَ النارَ وأحدٌ من أهلِ الجنةِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ قالوا وكيف وإنَّا نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا قال بالحسناتِ والسيئاتِ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج كتاب السنة- الصفحة أو الرقم: 514 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية.الشرح:
الظُّلمُ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ، ولن يَترُكَ اللهُ عزَّ وجلَّ المظلومَ؛ حتى يَأخُذَ له حَقَّه ممَّن ظلَمه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن هذا المَشْهَدِ العَظيمِ، ألَا وهو مَشهَدُ يَومِ القِيامَةِ، فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يَحشُرُ اللهُ العِبادَ -أو قال: يَحشُرُ اللهُ النَّاسَ-"، أي: يَومَ القِيامَةِ "وأَوْمَأَ بيَدِه إلى الشَّامِ"، أي: يُخرِجُهم اللهُ عزَّ وجلَّ ويَجمَعُهم في أرضِ المَحشَرِ بالشَّامِ، "عُراةً غُرْلًا"، أي: غيرَ مَخْتونينَ "بُهْمًا" وفسَّر البُهْمَ، قال: ليس معهم شَيءٌ، "فيُنادي"، أي: اللهُ عزَّ وجلَّ، "بصَوتٍ يَسمَعُه مَن بَعُدَ" وقَولُه "فيُنادي بصَوتٍ"؛ لأنَّ النِّداءَ لا يكونُ إلَّا بصَوتٍ، وهذا في غايَةِ الصَّراحَةِ والوُضوحِ في أنَّ اللهَ يَتكلَّمُ بكَلامٍ يُسمَعُ منه تَعالى، وأنَّ له صَوتًا، ولكنَّ صَوتَه لا يُشبِهُ أصواتَ خَلْقِه، فليس كمِثْلِه شَيءٌ؛ ولذلك قال "يَسمَعُه مَن بَعُدَ كما يَسمَعُه مَن قَرُبَ"، أي: إنَّ هذا الصَّوتَ يَسْتوي في سَماعِه القَريبُ والبَعيدُ، فيقولُ "أنا المَلِكُ، أنا الدَّيَّانُ"، والدَّيَّانُ مَأْخوذٌ من "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" الفاتحة: 4، أي: هو المُحاسِبُ والمُجازي، ولا يُضيعُ عَمَلًا، "لا يَنبَغي لأحَدٍ من أهلِ الجَنَّةِ أنْ يَدخُلَ الجَنَّةَ، وأحَدٌ من أهلِ النَّارِ يُطالِبُه بمَظلِمَةٍ"، أي: لن يُؤذَنَ لعَبدٍ من أهلِ الجَنَّةِ أنْ يَدخُلَها إلَّا بعدَ أنْ تُقتَصَّ منه المظالِمُ، إنْ كان قد ظلَم أحَدًا وإنْ كان هذا المظلومُ مِن أهلِ النارِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه لا يُغفِلُ له حقَّه حتى وإنْ أُكِّدتْ للمَظلومِ الجَنَّةُ وأُكِّدتْ للظالمِ النارُ، وهذا للتنبيهِ والتشديدِ على تحقُّقِ الجزاءِ والحِسابِ، "ولا يَنبَغي لأحَدٍ من أهلِ النَّارِ أنْ يَدخُلَ النَّارَ، وأحَدٌ من أهلِ الجَنَّةِ يُطالِبُه بمَظلِمَةٍ"، أي: وكذلك أهلُ النَّارِ سوف تُقتَصُّ منهم المظالِمُ؛ ليَأخُذَ اللهُ عزَّ وجلَّ للمَظلومِ حَقَّه من ظالِمِه، وهذا مِن عَدْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ بين العِبادِ، "قالوا: وكيف، وإنَّا نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا"، أي: كيف يُقتَصُّ للمَظلومٍ، ونحن عُراةٌ ليس معنا شَيءٌ نَدفَعُه له، ليس معنا مالٌ، ولا أيُّ شَيءٍ آخَرُ؟
"
قال: بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ"، أي: إنَّ إعطاءَ الحُقوقِ يَومَ القِيامَةِ سوف يكونُ بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ، فيأخُذُ المَظلومُ من حَسَناتِ مَن ظلَمه بقَدْرِ مَظلِمَتِه، فإذا فَنِيَتْ حَسَناتُ الظالِمِ، أُخِذَ من سيِّئاتِ المَظلومِ وأُضيفَتْ إلى سيِّئاتِه إلى أنْ يَستوفِيَ كُلُّ إنسانٍ حَقَّه.
وفي هذا تَذكيرٌ لكُلِّ إنسانٍ أنْ يَبتَعِدَ عن ظُلْمِ النَّاسِ، وإنْ كان قد ظلَم أحَدًا، فلْيَتَحلَّلْه اليَومَ قَبلَ أنْ يأتيَ يَومٌ لا دِينارٌ فيه ولا دِرهَمٌ.
وفي الحديثِ:إثباتُ الصَّوتِ للهِ عزَّ وجلَّ على ما يَليقُ بجَلالِه.
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 04:35 AM   #16
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Color

المجلس الخامس عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
المتن:وإيَّاكَ ومُنَاظَرَةُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ:لا أَدْرِي،مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وإنمَا هُوَ كَلامُ اللهِ فَهَذَا صَاحِبُ بِدْعَةٍ، مِثْلَ مَنْ قَالَ:هُوَ مَخْلُوقٌ ،وإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
الشرح:
وإيَّاكَ ومُنَاظَرَةُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ: يحذر الإمام أحمد رحمه الله من مناظرة من يحدث ويبتدع في القول بخلق القرآن، فالحق أنه غير مخلوق. لا تجادل، إياك ومناظرة من أجدل فيه لا تجادل أهل الباطل؛ لأن الجدال والخصومات قد تؤدي إلى ما لا تُحْمَد عقباه، فلا تجادل أهل البدع، أبلغهم أن القرآن كلام الله ولا تجادل ..
وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ :يقصد الإمام من قال لفظي بالقرآن مخلوق ،هذه العبارة لا يجوز إطلاقها نفيًا ولا إثباتًا؛وإنما يفصل فيها، لأن اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد، وبين الملفوظ به الذي هو القرآن.اللجنة الدائمة:من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كلام مجمل يحتمل الحق والباطل، فالواجب أن يستفصل منه ويسأل عن قصده، فإن قصد باللفظ الصوت فهو صحيح، أما إن قصد بالملفوظ به وهو القرآن فهو باطل، وهو قول الجهمية والمعتزلة. فالواجب ترك هذا اللفظ المجمل، وأن يعتني المتكلِم بالتفصيل، حتى لا يقع فيما وقع فيه أهل البدع.وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. " فتاوي اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية : 3 / 18 .
قال الشيخ محمد صالح بن عثيمين:
الكلام في هذا الفصل يتعلق بالقرآن فإنه قد سبق أن القرآن كلام الله غير مخلوق، لكن اللفظ بالقرآن هل يصح أن نقول: أنه مخلوق، أو غير مخلوق، أو يجب السكوت؟
فالجواب أن يقال: إن إطلاق القول في هذا نفيًا أو إثباتًا غير صحيح، وأما عند التفصيل فيقال:إن أريد باللفظ التلفظ الذي هو فعل العبد فهو مخلوق، لأن العبد وفعله مخلوقان، وإن أريد باللفظ الملفوظ به فهو كلام الله غير مخلوق، لأن كلام الله من صفاته، وصفاته غير مخلوقة، ويشير إلى هذا التفصيل قول الإمام أحمد رحمه الله " من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي " فقوله: يريد به القرآن يدل على أنه إن أراد به غير القرآن وهو التلفظ الذي هو فعل فليس بجهمي. والله أعلم. "مجموع فتاوي بن عثيمين " 4 / 65 . حق المتسنن ، أي الذي يعمل ويتبع السنة أن يَدَعه، أي يترك هذا اللفظ، فلا يقول: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، فيترك هذا اللفظ ولا يتفوه به ولا بمثله، ويقتصر على ما قاله السلف من الأئمة المُتّبعَة، من العلماء والأئمة الذين قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. ولا يزيد، لا يقول: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، ولا يزيد عليه إلا أنه يُكَفِّر من قال بخلق القرآن.الشيخ الراجحي.
*وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ: لا أَدْرِي،مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ:
وأيضًا لا نناظر هؤلاء الوقفية المبتدعة الذين توقفوا وقالوا لا ندري القرآن مخلوق أو ليس بمخلوق ،فهؤلاء الوقفية أصحاب بدعة مثل من قال:هُوَ مَخْلُوقٌ.والحق أنه كلام الله كما قال الإمام أحمد :
*
وإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

المتن:وَالإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا رُوِيِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ.
وأَنَّ النَّبِيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَدْ رَأَى رَبَّهُ،فَإِنَّهُ مَأْثُورٌعَنْ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحٌ،-قَدْ-رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَرَوَاهُ الحَكَمُ بنُ أَبَانَ عَن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَرَوَاهُ عَلِيٌّ بنُ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الشرح:
سبق الكلام في الرؤية والإيمان بالرؤية يوم القيامة يعني رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، يعني من عقيدة أهل السنة والجماعة ومن أصول السنة عند أهل السنة الإيمان بالرؤية يوم القيامة، يعني برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وأن المؤمنين يرون ربهم كما يرون القمر ليلة البدر، فالمؤمن يرى ربه بعيني رأسه، يراه من فوقه، ترون ربكم كما ترون القمر، ونحن نرى القمر من فوقنا، فنحن نرى الله من فوقنا ترون ربكم كما ترون القمر هذا تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس تشبيها للمرئي بالمرئي، ليس تشبيها لله بالقمر، الله لا يشبه أحدا من خلقه، وإنما تشبيه للرؤية يعني ترون ربكم رؤية واضحة من فوقكم كما ترون القمر رؤية واضحة من فوقكم، وليس المراد أن الله مثل القمر تعالى الله.
فالمعتقدُ الصحيحُ ما أجمعَ عليه أهلُ الحقِّ واتفقَ عليه أهلُ التوحيد والصِّدْقِ أنّ اللهَ تعالى يراه المؤمنون بأبصارهم كما يرون القمرَ ليلةَ البَدْرِ.
فنصوص الرؤية وردت في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة. ففي الكتاب العزيز: قال الله تعالى"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" سورة القيامة آية رقم:22 - 23 .
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ"سورة القيامة ؛ آية رقم:22.أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح.
"
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" أي: تنظر إلى ربها ....فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالًا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.تفسير الشيخ السعدي رحمه الله .
قال سبحانه"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ"سورة يونس ؛ آية رقم:26. جاء في صحيح مسلم في حديث صهيب تفسير الزيادة بأنها النظر إلى وجهه الكريم.

"في قولِه تعالى " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " قالَ : إذا دخلَ أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ نادى مُنادٍ : إنَّ لَكُم عندَ اللَّهِ موعِدًا يريدُ أن يُنْجِزَكموهُ ، قالوا : ألَم يبيِّض وُجوهَنا ويُنْجِنا منَ النَّارِ ويدخِلَنا الجنَّةَ ؟ قالَ : فيُكْشفُ الحجابُ قالَ : فواللَّهِ ما أعطاهمُ شيئًا أحبَّ إليهم منَ النَّظرِ إليهِ ."الراوي : صهيب بن سنان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3105 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
ومنها:حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
"كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ نَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: أما إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُّونَ - أوْ لا تُضَاهُونَ - في رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا ثُمَّ قَالَ" وسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا "طه: 130.الراوي : جرير بن عبدالله - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 573 - خلاصة حكم المحدث : صحيح

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جَريرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا عِندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنَظَرَ إلى القَمَرِ لَيلةَ البَدرِ، وهي لَيلةُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الهِجريِّ، فقال: إنَّكم -أيُّها المُؤمِنونَ- ستُرَونَ رَبَّكم يَومَ القيامةِ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ رُؤيةً مُحقَّقةٌ لا شَكَّ فيها، وقوله"لا تَضامُّونَ" رُوِيَ بفَتحِ التاءِ والميمِ المُشدَّدةِ، ومَعناه: لا يَنضَمُّ بَعضُكم إلى بَعضٍ في وَقتِ النَّظَرِ، كما تَفعَلونَ في وَقتِ النَّظَرِ لإشكالِه وخَفائِه كما تَفعَلون عندَ النَّظَرِ إلى الهلالِ ونحْوِه، ويُروَى"تُضامُونَ" بضَمِّ التَّاءِ وتَخفيفِ المِيمِ، أيْ: لا يُصيبُكم ظُلمٌ في رُؤيَتِه ولا تَعَبٌ، فلا يَراه بَعضُكم دُونَ بَعضٍ، بل كُلُّكم تَشتَرِكونَ في الرُّؤيةِ، ويُروَى"تُضامُّونَ" بضَمِّ التاءِ وتَشديدِ الميمِ، أي: لا تَتزاحمون ولا تَختلِفون.ثمَّ حَثَّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه"فإنِ استَطَعتُم ألَّا تُغلَبوا"، بأنْ يَكونَ لكمُ استِعدادٌ لِتَلافي أسبابِ الغَلَبةِ التي تُنافي الاستِطاعةَ؛ مِن نَومٍ، أو الاشتِغالِ بالأشياءِ التي تَمنَعُ عنِ الصَّلاةِ، فلا تَغفُلوا عن صَلاةٍ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ، وهِيَ الفَجرُ، وقَبلَ غُروبِها، وهي العَصرُ، فافعَلوا؛ يَعني: أنْ تُصَلُّوا هاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ في هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ، ثمَّ قَرأَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"ق: 39.وفي الحَديثِ: فَضلُ أداءِ صَلاتَيِ الصُّبحِ والعَصرِ.

المتن:وَالحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَالكَلامُ فِيهِ بِدْعَةٌ،وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ كَمَا جَاءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلا نُنَاظِرُ فِيهِ أَحَدًا.
الشرح:
سبق وقال الإمام أحمد:ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيْرَ الحَدِيثِ ويَبلُغْهُ عَقْلُهُ؛ فَقَد كُفِيَ ذَلِكَ وأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ.
الشرح: أي من لم يعرف تفسير شيء من هذه الأحاديث ، فقد كفاه الله ذلك بأن لا يبحث عنها-فليس مطلوب منه البحث والتنقيب عن ما قصر عليه عقله ؛ وإنما يجب عليه أن يؤمن وأن يسلم بها ، فلا يجوز للعقل الإنساني أن يتعمق فيها بالبحث لأنه لا يستطيع استيعابها .مثل أحاديث القدر.ويجب إجراء نصوص القرآن والسنة على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.يقصد بظاهر النصوص مدلولها المفهوم بمقتضى الخطاب العربي.ودليل ذلك: السمع، والعقل أما السمع: فقوله تعالى" نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ "الشعراء:193. وقوله" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"يوسف:2. وقوله" إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"الزخرف:3.وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهرُهُ باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبيَّن أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان فقال" أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ "البقرة:75. وقال تعالى"مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا"النساء:46. الآية.
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة .
والمراد بالظاهر: الظاهر الشرعي، وذلك بإثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة على حقيقة الإثبات، وتنزيه الخالق عن مشابهة الخلق له في تلك الصفات ، مع قطع الطمع عن إدراك الكيفية – ... – وبهذا يعلم أن معاني نصوص الصفات مفهومة، وأن إدراك كيفية الصفات شيء ممتنع. فما يتبادر إلى الذهن من المعاني الشرعية هو المراد بالظاهر.
وأما ترك التحريف، فالمراد به عدم التسلط على نصوص الصفات بصرف معانيها المتبادرة بأصل الوضع أو السياق إلى معاني أخرى غير متبادرة، وهذا الذي يسميه أهله تأويلًا،. .... الدرر-

ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق؛ وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق. وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.
*مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "ما يضاف إليه الكلام"
تقول: صنعت هذا بيدي- هنا أُضيفت اليد للمخلوق-
فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى"لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ"سورة ص: 75.
وإذا قلت جاءني طالب علم كبير ؛وأنا أوزع كُتُبًا فقال أنا أريدُ كتبًا فقلتُ لوكيلي على المخزن؛ أعطه مايليقُ به، وعنده الفتاوى والمُغني والمهذَّب وكتب السنة إيش يعطيه؟ يعطيه كل هذا لأنه طالب علم.وجاءني واحد في الابتدائي؛ طلب كتبًا فقلتُ لوكيلي أعطيه مايليقُ به إيش يعطيه؟ يُعطيه من الأشياء الصغيرة هذا مايليق به. كلمة مايليق به لفظها واحدٌ لكن اختلفت بسحب ما أضيفت إليه و لا بحسب السياق. السياق واحد"أعطيه مايليقُ به"فاختلفت بحسب ما أضيفت إليه.فالذي يليق بهذا غير الذي يليق بهذا.
*مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "السياق" لفظ القرية معناه يختلف بختلاف السياق فلفظ "القرية"، يراد به القوم تارة، ومساكن القوم تارة أخرىبحسب السياق:
قوله تعالى"وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا" الإسراء 58.
قَرْيَةٍ : في هذا السياق يكون المعنى المتبادر للذهن لهذا اللفظ " القوم"أي أهلها لأن القرى التي هي المساكن ماتُعذب الذي يُعذب الساكن دون المساكن،فالسياق يقتضي أن ظاهر النص المراد به الأهل وليس المساكن.
ومن الثاني قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم"إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَة"العنكبوت: 31.الْقَرْيَة في هذا السياق يكون المعنى المتبادر للذهن لهذا اللفظ " المساكن وليس القوم .

أي أهل هذه المساكن لأنه قال"أهل"فلا يمكن أن يُراد بالقريةِ هنا أهلها لأننا لو قلنا المرادُ بالقريةِ أهل القرية لكان التركيب إنا مُهلكوا أهل هذه الأهل. ماتستقيم.
*مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "التركيب"
ماعندك إلا زيد، ومازيد إلا عندك،
-
ماعندك إلا زيد المعنى لايوجد أحد عندك إلا زيد فقط،حصر في الكائن ،أي ليس عندك أحد سوى زيد.
- ومازيد إلا عندك المعنى زيد غير موجود في أي مكان إلا عندك ولكن هذا لا يمنع أن يكون عندك أحد آخر غير زيد في وجود زيد.أي زيد غير موجود في مكان آخر أي ينفي أن يكون زيدٌ في مكان آخر ، لكن ماينفي أن غيره عندك ؛فهنا الحصر في المكان .فتفيد الجملة الثانية معنى غير ما تفيده الأولى مع اتحاد الكلمات، لكن اختلف التركيب فغير المعنى به.القوعد المثلى للعثيمين -
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 06:46 PM   #17
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Mmm

المجلس السادس عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
*وَالإِيمَانُ بِالمِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ،كَمَا جَاءَ -يُوزَنُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ -،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،وِالإيمَانُ بِهِ والتَّصْدِيقُ - بِهِ-وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
الشرح:

إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم ، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها.
فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له ، وهو الناجي المسرور يوم القيامة قال الله تعالى "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا " القيامة /7-9 .
أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم قال الله تعالى " وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا *وَيَصْلَى سَعِيرًا" القيامة/10-12 . نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثميوضع الميزان لوزن أعمال العباد، قال القرطبي " فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها " اهـ .
وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان ، توزن به أعمال العباد . وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ هَذَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ:بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ بِطَاقَةً فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، وَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ "الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2639 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
"إنَّ اللهَ سيُخلِّصُ"، أي: يُميِّزُ ويَخْتارُ، "رجُلًا مِن أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ"، أي: يُنادَى به لِيُحاسَبَ، "فيَنشرُ عليه"، أي: فيَفتَحُ ويَعرِضُ عليه، "تِسعةً وتِسعين سِجلًّا"، أي: كُتبَ وصَحائِفَ أعمالِه السَّيِّئةِ الَّتي كان يَعمَلُ بها في الدُّنيا، "كلُّ سِجلٍّ مِثلُ مَدِّ البصَرِ"، وهذا بيانٌ لِمِقدارِ طولِ وعَرضِ السِّجلِّ، "ثمَّ يقولُ"، أي: اللهُ عزَّ وجلَّ لهذا الرَّجلِ"أتُنكِرُ مِن هذا"، أي: مِن المكتوبِ في تلك السِّجِلَّاتِ،"شيئًا؟"،أي: هل تَجِدُ فيها شيئًا لم تَفعَلْه؟ "أظَلَمَك كتَبَتي الحافِظون؟"، والمرادُ الملائكةُ الحفَظةُ الكتَبةُ لكلِّ إنسانٍ في الدُّنيا، فيقولُ الرَّجلُ"لا يا ربِّ"، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ"أفَلَك عُذرٌ؟"، أي: ألَك عُذرٌ تُعذَرُ به ممَّا قدَّمتَ مِن أعمالٍ سيِّئةٍ في الدُّنيا، أو لك مِن الحسناتِ الَّتي قد تَغفِرُ لك مِن بعضِ تلك الأعمالِ؟ فيقولُ الرجلُ"لا يا ربِّ"، أي: ليس له عذرٌ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ"بلى، إنَّ لك عِندَنا حسَنةً"، أي: لك حسَنةٌ لم تَظهَرْ بتلك السِّجلَّاتِ،"وإنَّه لا ظُلمَ عليك اليومَ"، أي: إنَّ اليومَ يومٌ يُحاسَبُ فيه المرءُ دونَ ظُلمٍ يقَعُ عليه أو أن يُبخَسَ في حقِّه.
قال "فيُخرِجُ بِطاقةً"، أي: صَحيفةً صغيرةً، وهذا إشارةٌ إلى المفارَقةِ الَّتي بينَها وبينَ السِّجلَّاتِ، مكتوبٌ "فيها: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه"، قيل: هي كَلمةُ التَّوحيدِ الَّتي آمَن بها وأوَّلُ نُطقِه لها، وقيل: إنَّها الوحيدةُ الَّتي جاءَت مَقبولةً عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ "احضُرْ وزنَك"، أي: ميزانَك الَّذي يَزِنُ لك سِجلَّاتِك الَّتي بها عمَلُك السَّيِّئُ وضَعْ فيه تلك البطاقةَ، فيقولُ الرَّجلُ "يا ربِّ، ما هذه البطاقةُ؟! ما هذه السِّجلَّاتُ؟!"، أي: يَتعجَّبُ الرَّجلُ بمُقارنَتِه بينَ وزنِ تلك البطاقةِ الصَّغيرةِ وبينَ عِظَمِ السِّجلَّاتِ الَّتي نُشِرَت له، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ"فإنَّك لا تُظلَمُ"، أي: لن يقَعَ عليك ظلمٌ، إشارةً إلى أنَّ الأعمالَ كلَّها ستُعرَضُ على الميزانِ حتَّى وإن كانت قليلةً.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "فتُوضَعُ"، أي: في الميزانِ، "السِّجلَّاتُ في كِفَّةٍ، والبطاقةُ في كِفَّةٍ؛ فطاشَت"، أي: خَفَّت الكِفَّةُ الَّتي بها "السِّجلَّاتُ، وثَقُلت"، أي: ووُزِنَت الكِفَّةُ الَّتي بها "البِطاقةُ، ولا يَثقُلْ مع اسمِ اللهِ شيءٌ"، أي: إنَّ ثِقلَ كلمةِ التَّوحيدِ أكبرُ وأعظمُ من أن يَبلُغَها ويُساوِيَها شيءٌ في الميزانِ، فلا يَرجُحُ ولا يَغلِبُ "مع اسمِ اللهِ شيءٌ"، ولا يُقاوِمُه شيءٌ من المعاصي، بل يتَرجَّحُ ذِكرُ اللهِ تعالى على جميعِ المعاصي.
ويَحتمِلُ أنْ يوزَنُ السِّجلُّ الَّذي كُتِب فيه الأعمالُ، وهذا يَختَلِفُ باختلافِ الأحوالِ، أو أنَّ اللهَ يُجسِّمُ الأفعالَ والأقوالَ، فتُوزَنُ فتَثقُلُ الطَّاعاتُ وتَطيشُ السَّيِّئاتُ؛ لثِقَلِ العبادةِ على النَّفسِ وخفَّةِ المعصيةِ عليها؛ ولذا ورَد "حُفَّت الجنَّةُ بالمكارهِ، وحُفَّت النَّارُ بالشَّهواتِ"،والواجبُ هو الإيمانُ بأنَّ اللهَ يُقيمُ الميزانَ بالقِسْطِ والعدلِ، وبالكيفيَّةِ الَّتي يَشاؤُها سبحانه، ولا تُقاسُ أمورُ الآخرةِ بأمورِ الدُّنيا.
*حقيقة الموزون يوم القيامة :
ومع وضوح قيام الوزن كإحدى الحقائق الغيبيّة التي وردت بها النصوص، وأجمع السلف عليها، إلا أن خلافًا قد ورد بينهم حول طبيعة ما سيوضع في تلك الموازين وفقًا لبعض الألفاظ الواردة فيما يوزن فيها، وكانت أقوال أهل العلم على النحو الآتي:
القول الأول:أن الله تعالى يضع في الموازين أعمال العباد، فهي وإن كانت معانٍ مجرّدة، إلا أن الله تعالى –وهو القادر على كل شيء-، يحوّلها إلى أجسامٍ حقيقيّة، فتوضع الحسنات في إحدى كفّتي الميزان، والسيئات في الكفّة الأخرى.
والدلائل على وزن الأعمال يوم القيامة كثيرةٌ جدًا، منها قوله تعالى"فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ"المؤمنون: 102-103.
ويدل على وزن الأعمال ما صح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ"مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ" صحيح سنن الترمذي 1629.
القول الثاني:أن العامل نفسه يوزن كذلك، فيكون مقياس تفاضلهم في الميزان على الأعمال لا على الأبدان، فيثقل المرء بثقل أعماله، ويخفّ بخفّتها وقلّتها.
واستدلّ القائلون لهذا القول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ اقْرَءُوا" فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا" رواه البخاري 4729 .

وكذلك يدل عليه ما ثبت من أن ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مِمَّ تَضْحَكُونَ" قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ" حسن إسناده الألباني في شرح الطحاوية برقم 571 ص 418 .
نسأل الله تعالى أن يثقل موازيننا .
بعد هذه الأقوال يمكن أن نتساءل: ما الذي يوضع في الميزان يوم القيامة؟ والجواب هو بالعودة إلى المعنى الذي تمّ ذكره في بداية الموضوع، بأن المقصود من وضع الموازين هو بيان أثر الأعمال في نجاة الشخص أو خسارته يوم القيامة، فوزن الأعمال هو الأصل في ذلك، ولا إشكال في كونِ الأعمال الموزونة أصلها معانٍ، فالله القادر على كلّ شيء، وسعت قدرتُه في تحويل المعاني إلى أجسامٍ لها وزن، وقد ضرب الله لنا مثلاً بتحويل الموت إلى كبشٍ يوم القيامة ثم يُذبح بين الجنّة والنار –كما ثبت في الحديث الصحيح-.
"يُؤْتَى بالمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُنادِي مُنادٍ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: هلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنادِي: يا أهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: وهلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، فيُذْبَحُ ثُمَّ يقولُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ويا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ"وَأَنْذِرْهُمْ يَومَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وهُمْ في غَفْلَةٍ"، وهَؤُلاءِ في غَفْلَة أهْلُ الدُّنْيا "وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4730 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
ولا إشكال في إمكانِ وزنِ العاملين يوم القيامة فقد وردت النصوص السابقة في حقّهم، إلا أنه يبدو -والله أعلم- أنهم في الغالب لن يوزنوا يوم القيامة، بمعنى: لن يوضع كلّ مكلّفٍ في الميزان فيُوزن مع عمله، لأن المقصود الأعظم من وضع الميزان هو إجراء التفاضل بين الأعمال، وبالأعمال يظهر حال المكلّف ويتحدّد مصيره، أما النصوص التي ذكرتْ وزن الرجل العظيم وبأنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، فليس صريحًا في كون المكلّفين جميعًا يوضعون في الميزان كما توضع الأعمال، بل إن سياق الحديث يبيّن معنى حقارةِ قدره، فلا يُعتدّ به، ولا يكون له عند الله منزلة، فكأنّه بيانٌ عن حالةٍ تبيّن طبيعة الوزن، لا أنها تُثبت حقيقته وحصوله كحالةٍ مستقرّة.
قال السفاريني" هذا ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلًا للذي يغترّ ببعض الأجسام، وهو كنايةٌ عن عدم اكتراث الله بالأجساد؛ فإن الله لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى الأعمال والقلوب.
قال صلى الله عليه وسلم"إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم.
فكم من جسمٍ وسيمٍ وهو عند الله من أصحاب الجحيم، فهذا محمل الحديث الصحيح".

"إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ."، فَاللهُ سبحانه وتعالى لا ينظرُ إلى أَجسامِ العباد؛ هلْ هي كبيرةٌ أو صغيرةٌ، أو صحيحةٌ أو سقيمةٌ، ولا ينظرُ إلى الصُّورِ؛ هل هي جميلةٌ أو ذميمةٌ؛ كلُّ هذا ليس بِشيءٍ عندَ اللهِ، وكذلكَ لا يَنظرُ إلى الأنسابِ؛ هلْ هي رفيعةٌ أو دنيئةٌ، ولا ينظرُ إلى الأموالِ ولا ينظرُ إلى شيءٍ مِن هذا أبدًا، لَيسَ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ خلْقِه صلةٌ إلا بِالتَّقْوى؛ فمَنْ كان للهِ أتقى كان مِنَ اللهِ أقربَ وكان عندَ اللهِ أكرمَ؛ إذَنْ فعلى المَرْءِ ألَّا يَفخرَ بِمالِه ولا بِجَمالِه ولا بِبدنِه ولا بِأولادِه ولا بِقُصوره ولا بِسيَّارتِه، ولا بِشيءٍ مِن هذه الدُّنْيا أبدًا، إنَّما إذا وفَّقه اللهُ لِلتَّقوى؛ فهذا مِن فضلِ اللهِ عليه؛ فَلْيحمدِ اللهَ عليه، وإنْ خُذِلَ فلا يَلومَنَّ إلَّا نفْسَه.الدرر السنية.
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فكذلك، فنصّ الحديث"لهما أثقل في الميزان من أحد"فلو وُزن ابن مسعودٍ رضي الله عنه يوم القيامة لكان وزنُ ساقيه تثقلان على جبل أحد، وما كان ثقلهما إلا بسبب فعل صاحبهما من الحسنات الكثيرة التي بسببها فاقت وزن جبلٍ كامل، أما القدر الزائد من الفهم، وهو أن العاملين سيوزنون مع أعمالهم، فيحتاج إلى نصٍّ أكثر وضوحًا، كمثل الحديث الذي رواه أحمد، وقد تقدّم، وفيه"توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة" فهو نصٌّ في بابه، إلا أن الحديث فيه ضعفُ من جهة راويه أبي لهيعة.
والحق أن القول بوزنِ العاملين له قوّة، وقال به عددٌ كبير من العلماء، إلا أن القول بوزن الأعمال فقط هو الأظهر، وهو رأي السفاريني والقرطبي وابن عبد البر وغيرهم، ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، والعلم عند الله تعالى.
-هنا -
*وَالإِيمَانُ بِالمِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ،كَمَا جَاءَ -يُوزَنُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ -،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،وِالإيمَانُ بِهِ والتَّصْدِيقُ - بِهِ-وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
يعني يجب على المسلم الإيمان بالميزان والإيمان به يعني بالميزان والتصديق به والإعراض عمن رد ذلك، وترك مجادلته، من هو الذي رد ذلك؟ المعتزلة ردوا النصوص فلا نجادلهم ، لأن الجدال معهم عقيم ، كيف نجادل من رد النصوص ، لا نخاصم ولا نجادل ولكن نبين لهم النصوص، فإن قبلوها فالحمد لله وإن تركوها فلا نجادلهم؛ ولهذا قال: وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
مقتبس من موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية.
ينبغي على العبد المسلم أن يحرص أن يكون ميزانه ثقيلاً يوم القيامة؛ لأن هذا فيه الفلاح والنجاح، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعاءه إذا أخذ مضجعه من الليل: باسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخسئ شيطاني، وفك رهاني، وثقل ميزاني، واجعلني في الندي الأعلى[رواه الحاكم في المستدرك: 1982، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 4649] يعني: الملأ الأعلى.
قال المناوي: "بِسمِ اللهِ"، أي: مُستَعينًا باللهِ، ومستصحِبًا لقُدرتِه في حِفْظي، "وضَعتُ جَنْبي"، أي: باسمِ اللهِ وضَعتُ بدَني على الفِراشِ، وباسمِ اللهِ وضَعتُ جَنبي على حالٍ يُقوِّيني ويُمكِّنُني مِن عبادتِه، مصاحبًا لاسمِه أو متبرِّكًا به، "اللَّهمَّ اغفِرْ لي ذَنْبي"، ولعلَّ مَقصودَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن ذلك تَعليمُ أمَّتِه التَّوبةَ مِن الذُّنوبِ وطلَبَ المغفرةِ مِن اللهِ؛ لأنَّ اللهَ قد غفَر له ما تقَدَّم مِن ذَنبِه وما تأخَّر، وناسَبَ أن يَختِمَ يومَه بسُؤالِ الغُفرانِ؛ فيَكونَ خَتْمُ صحيفةِ عمَلِه طلَبَ المغفرةِ.
"
وأَخْسِئْ شَيطاني"، أيِ: ادفَعْه بالذِّلَّةِ واطرُدْه عنِّي، "وفُكَّ رِهاني"، والرِّهانُ هو ما يُجعَلُ وثيقةً في الدَّينِ، والمرادُ: خلِّصْ نَفْسي مِن عِقالِ ذُنوبي، وخلِّصْ رقَبتي عن كلِّ حقٍّ عليَّ، ومن عقابِ ما اقتَرَفتُ مِن الأعمالِ الَّتي لا تَرْضاها بالعَفوِ عنها، أو خلِّصْها مِن ثِقَلِ التَّكاليفِ بالتَّوفيقِ للإتيانِ بها، والرِّهانُ مِن الحبسِ؛ لأنَّ نفسَ الإنسانِ مرهونةٌ ومحبوسةٌ بعَمَلِها؛ لقولِه تعالى"كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ"الطور: 21.
"
وهذا دعاء يجمع خير الدنيا والآخرة، فتتأكد المواظبة عليه كلما أُريد النوم، وهو من أجل الأدعية المشروعة عنده على كثرتها" فيض القدير: 1/225.
"ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ"الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي.
"ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ".الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود.
في هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ما مِن شَيءٍ، أي: ما مِن ثَوابِ لِعملٍ من الأعمالِ، أثقلُ في الميزانِ، أي: عِندَما تُوزَن الحسناتُ، مِن حُسن الخلقِ؛ لأنَّه لا يقدِرُ عليه إلَّا أصحابُ العزائمِ القويَّةِ؛ فيُحسن خُلقَه مع اللهِ عزَّ وجلَّ بالرِّضا بقضاءِ اللهِ وقَدرِه، والصَّبرِ والحمدِ عندَ البَلاءِ، والشُّكرِ له عندَ النِّعمةِ والعطاءِ، ويكونُ حَسَنَ الخُلقِ مع الناسِ بكفِّ الأذى عنهم، وبَذْلِ العطاءِ لهم، وطلاقةِ الوَجهِ مع الصَّبرِ على آذاهم.الدرر.

"كَلِمَتانِ حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري .
وفي هذا الحديثِ: بيانُ سَعةِ رحمةِ اللهِ بِعبادِه، حيثُ يَجزي على العملِ القليلِ بِالثَّوابِ الجزيلِ.

عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ"رواه مسلم :2726.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ"خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ.." رواه أحمد :6616- وأبو داود:5065- والترمذي:3410- والنسائي:1331. وابن ماجه:926. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب

عَنْ أُبَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِهِ مِنْ أُحُدٍ" رواه الإمام أحمد :20256- وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي تراب ; 27-04-23 الساعة 07:01 PM
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 07:02 PM   #18
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
افتراضي

المجلس السابع عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
* وَأَنَّ اللهَ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-يُكَلِّمُ العِبَادَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانُ،والإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح:سبق وتكلمنا عن هذه الصفة - صفة الكلام -عند قول المؤلف:والقُرآنُ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
وصفة الكلام من الصفات التي ضل فيها كثير من الناس عن الصواب.
فصفة الكلام صفة ذاتية فعلية ،صفة ذاتية قائمة بذاته تعالى كأصل للصفة،لأن الله لم يزل ولا يزال متكلمًا أزلًا وأبدًا،لم يحدث له شيء من ذلك بعد أن لم يكن، ولن ينفك عن شيء منه، كما أن الله لم يزل حيًّا ولا يزال حيًّا، لم يزل عالمًا ولا يزال عالمًا.
وهي صفة فعل باعتبار أفراد وآحاد الكلام، لأن الكلام يتعلق بمشيئته سبحانه .
آحاد الكلام مثل قولِهِ تعالى "وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" النساء/ 164.قال صلى الله عليه وسلم"يَحشُرُ اللهُ العبادَ أو قال يَحشُرُ اللهُ الناسَ قال وأوْمَى بيدِه إلى الشامِ ، عُراةً غُرْلًا بُهْمًا، قال قلتُ:ما بُهْمًا؟ قال: ليس معهم شيءٌ، فينادِي بصوتٍ يسمعُه من بَعُدَ كما يسمعُه من قَرُبَ أنَا الملِكُ أنَا الدَّيَّانُ لا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنةِ أن يَدخلَ الجنةَ وأحدٌ من أهلِ النارِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ ولاينبغي لأحدٍ من أهلِ النارِ أن يَدخلَ النارَ وأحدٌ من أهلِ الجنةِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ. قالوا وكيف وإنَّا نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قال:بالحسناتِ والسيئاتِ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج كتاب السنة- الصفحة أو الرقم: 514 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية.
فعلينا الإيمان والتصديق بأن الله جل في علاه يتصف بصفة الكلام أزلًا وأبدًا ،وهي صفة ذاتية كأصل لا تنفك عنه سبحانة، وباعتبار آحاد الصفة فهي صفة فعل ، ومن آحاد صفة الكلام: يُكَلِّمُ العِبَادَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانُ.كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة الصريحة ، كما هو في الحديث السابق وذلك على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر للأدلة المثبِتَة لذلك.



*وَالإيمَانُ بِالحَوْضِ،وَأَنَّ لِرَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حَوْضًَا يَوْمَ القِيَامِةِ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ،عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ،آنِيَتُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ عَلَى مَا صَحَّتْ بِهِ الأَخْبَارُ مَنْ غَيْرِ وَجْهٍ،وَالإيمَانُ بِعَذَابِ القَبْرِ،وَأَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُفْتَنُ في قُبُورِهَا وَتُسْأَلُ عَنِ الإيمَانِ وَالإِسْلامِ،وَمَنْ رِبُّهُ؟وَمَنْ نَبِيُّهُ؟،وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-،وَكَيْفَ أَرَارَدَ،وَالإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " قال القرطبي في المفهم تبعًا للقاضي عياض: مما يجب على كل مُكَلَّفٍ أن يعلمَهُ ويصدقَ به؛ أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيَّهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفتِه وشرابِه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي.ومن أدلة ذلك:"سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ:وَهو بيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ إنِّي علَى الحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَن يَرِدُ عَلَيَّ مِنكُمْ، فَوَاللَّهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ، فَلأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فيَقولُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما عَمِلُوا بَعْدَكَ، ما زَالُوا يَرْجِعُونَ علَى أَعْقَابِهِمْ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - صحيح مسلم."أنا فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إلَيَّ رِجالٌ مِنكُمْ، حتَّى إذا أهْوَيْتُ لِأُناوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فأقُولُ: أيْ رَبِّ أصْحابِي، يقولُ: لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 7049- خلاصة حكم المحدث: صحيح -الدرر-"إنَّ حَوْضِي لأَبْعَدُ مِن أيْلَةَ مِن عَدَنٍ والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لأَذُودُ عنْه الرِّجالَ كما يَذُودُ الرَّجُلُ الإبِلَ الغَرِيبَةَ عن حَوْضِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وتَعْرِفُنا؟ قالَ: نَعَمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ ليسَتْ لأَحَدٍ غيرِكُمْ."الراوي : حذيفة بن اليمان- صحيح مسلم."لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ ناسٌ مِن أصْحابِي الحَوْضَ، حتَّى عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فأقُولُ: أصْحابِي، فيَقولُ: لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ."الراوي : أنس بن مالك - صحيح البخاري.في هذا الحَديثِ يَحكي النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم مَوقِفًا مِن مَواقفِ القِيامةِ، فيَقولُ "لَيَرِدَنَّ عليَّ ناسٌ مِن أَصْحابي الحَوضَ"، أي: سَيأتيني أُناسٌ كَانوا أَصْحابَهَ أو مِن أتْباعِ دِينِه على حَوضِهِ الَّذي أَعْطاهُ اللهُ، حتى إذا عَرفَهمْ "اخْتُلِجُوا دُوني"، أي: أَبعدَتْهُم الملائِكةُ عنهُ وعنْ حَوضِهِ، فيُنادِي علَيهِمْ ويقولُ أُصَيْحابي؟! أي: يَستغرِبُ أنَّهم مِن أصْحابِهِ ومعَ هذا يُبعَدُونَ عنِ الحوضِ، فيُجابُ عَليه ويُقالُ له: "لا تَدْري ما أَحدَثوا بعدَكَ"........، فاستَحقُّوا الإبعادَ عنكَ وعنْ صُحبَتِكَ.وفي الحديثِ:خَطورةُ الابتِداعِ في الدِّين وتَبديلِه، ويَدخُل في هذا: جميعُ أهلِ البِدع، وكذلك أهلُ الظُّلمِ والجَورِ؛ فكلُّهم مُحْدِث مُبدِّل. عند التأمل في الأحاديث السابقة نجد أن الكلام قد انحصر في مجموعات ترِد حوض النبي صلى الله عليه وسلم لتشرب منه ، فتردهم الملائكة ، ويناديهم النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ هي " أمتي" ،"أصحابي"، "أصيحابي"، وليس بينها اختلاف تضاد ، بل هي محمولة على أناس تشملهم معاني تلك الكلمات ، ويمكننا أن نجملهم بهذه الطوائف :
1. مرتدون عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أسلموا في حياته ورأوه وهم على الإسلام
2. مرتدون عن الإسلام في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يعلم بكفرهم .
3.أهل النفاق ممن أظهر الإسلام ، وأبطن الكفر .
4. أهل الأهواء الذين غيَّروا سنَّة النبي صلى الله وسلم وهديه ، كالروافض ، والخوارج .
5. وبعض العلماء يُدخل فيهم : أهل الكبائر ، وله ما يؤيد من السنَّة ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده : 9 / 514 : عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا يَفْعَلُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ"وصححه المحققون .الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : شعيب الأرناؤوط - المصدر : تخريج المسند-الصفحة أو الرقم : 5702 - خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره .الدرر السنية.
ولفظ " أمتي " في الأحاديث يصدق على أهل القول الرابع ، والخامس ، ولفظ " أصحابي " و " أصيحابي " على الأقوال الثلاثة الأوَل .
ومما يدل على أنهم من أمته صلى الله عليه وسلم : أنه عرفهم بالغرة والتحجيل ، وهي سيما خاصة بهذه الأمة ، ويكون تعرف النبي صلى الله عليهم وسلم هناك بصفاتهم ، لا بأعيانهم ؛ لأنهم جاءوا بعده .
ومما يدل على دخول المنافقين في اسم "أصحابي" قوله صلى الله عليه وسلم " لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"رواه البخاري : 3518 ، وهذا معنى لغوي بحت للصحبة ، ليس أنهم استحقوا شرفها ؛ لأن تعريف الصحابي الاصطلاحي لا يصدق على هؤلاء .الإسلام سؤال وجواب. "إنَّ لِكلِّ نبيٍّ حَوضًا وإنَّهم يتباهونَ أيُّهم أَكثَرُ واردةً ، وإنِّي أرجو أن أَكونَ أَكثرَهم وارِدةً"الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2443 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.أي: كما أنَّ لي حوضًا سوف تَشْربونَ منه، فإنَّ لكُلِّ نبيٍّ مِنْ الأنبياءِ حوضًا تَشْرَبُ منه أُمَّتُه وتَرِدُ عليه.الدرر-إذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم ذهبوا إلى أرض المحشر ، ثم يقومون في أرض المحشر قيامًا طويلًا ، تشتد معه حالُهم وظمؤُهُم ، ويخافون في ذلك خوفًا شديدًا ؛ لأجل طول المقام ، ويقينهم بالحساب ، وما سيُجري الله - عز وجلعليهم .
فإذا طال المُقام رَفَعَ الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم أولًا حوضه المورود ، فيكون حوض النبي صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة ، إذا اشتد قيامهم لرب العالمين ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
فمن مات على سنّته ، غير مًغَيِّرٍ ولا مُحْدِثٍ ولا مُبَدِّلْ : وَرَدَ عليه الحوض ، وسُقِيَ منه ، فيكونُ أول الأمان له أن يكون مَسْقِيًّا من حوض نبينا صلى الله عليه وسلم ،ثم بعدها يُرْفَعُ لكل نبي حوضه ، فيُسْقَى منه صالح أمته .ترتيب أحداث يوم القيامة .

* هل الحوض هو الكوثر أو غيره؟اختلف في ذلك العلماء ولعل أظهر أقوالهم وأصحها دليلًا وتعليلًا هو أن الحوض غير الكوثر وهو خارج الجنة أما الكوثر فداخلها وهذا ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وقد سبق أن ذكرت جملة منها والحوض يتغذى من الكوثر إذ يصب ميزابان من الكوثر على الحوض كما في حديث أبى ذر رضي الله عنه قال"قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما آنِيَةُ الحَوْضِ قالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِن عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، أَلَا في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ المُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الجَنَّةِ مَن شَرِبَ منها لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ ما عليه، يَشْخَبُ فيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ، مَن شَرِبَ منه لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، ما بيْنَ عَمَّانَ إلى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ".الراوي : أبو ذر الغفاري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2300 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-اللؤلؤ والجوهر المستخرج من سورة الكوثر.
"
المُصحِيَةُ"، وهي الصَّافيةُ الَّتي ليسَ فيها سَحابٌ.
"
يَشخَبُ" أي: يَتدَفَّقُ ويَسيلُ فيهِ مِيزابانِ منَ الجنَّةِ، "والميزابُ" ما يُركَّبُ في السَّقفِ ويُمَدُّ منهُ ليَسيلَ منهُ الماءُ؛ مَن شَرِبَ منهُ لم يَظمأْ، عَرضُه مِثلُ طولِه، ما بَينَ عَمَّانَ، وهيَ عاصِمةُ الأُردُنِّ اليومَ إِلى "أَيلةَ" وهِي مَدينةٌ بطَرَفِ الشَّامِ كانتْ عامرةً، وهيَ الآنَ خَرابٌ يمُرُّ بها حُجَّاجُ مِصرَ وغَزَّةَ وغَيرُهم، ماؤُه أشدُّ بَياضًا منَ اللَّبنِ، وأَحلى منَ العَسلِ.وهو حوض عظيم ـ والحوض هو : مجمع الماء ـ يوضع في أرض المحشر يوم القيامة ترد عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا الحوض يأتيه ماؤه من نهر الكوثر الذي في الجنة ، ولذا يسمى حوض الكوثر والدليل على ذلك ما ورد بهذا الحديث السابق ذكره "يَشْخَبُ- يصب - فيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ"
وورد في حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وَسُئِلَ عن شَرَابِهِ فَقالَ: أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، يَغُتُّ فيه مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الجَنَّةِ، أَحَدُهُما مِن ذَهَبٍ، وَالآخَرُ مِن وَرِقٍ. "الحديث. الدرر -
صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2301.

مِن وَرِقٍ أي من فضة .الميزاب: قَنَاةٌ أَوْ أُنْبُوبٌ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ مِنِ المواضع العالية.
"
والميزابُ" ما يُركَّبُ في السَّقفِ ويُمَدُّ منهُ؛ ليَسيلَ منهُ الماءُ؛ "يَمُدَّانِه" أي: يَزيدانه ويُكثِرانِه "منَ الجنَّةِ"، أي: مِن أَنهارِها.
*مقطع صوتي للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى.يجيب فيه على السؤال الآتي:

ما الفرق بين الكوثر والحوض؟ ما صفة حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟
يَتَلَخَّص في صفة الحوض من الأحاديث السابقة ما يلي:
سعته:مسيرة شهر، وهذا تحديد بالزمان، ومَن أراد التحديد بالمسافة فليتأمل المسافة بين البلدان السابقة.
لونه:أبيض من اللبن، وأبيض من الوَرِق؛ أي: الفضة.
طعمه:أحلى من العسل، ومَنْ يشرب منه لا يظمأ أبدًا.
رائحته:أطيب من ريح المسك.
آنيته: كنجوم السماء في العدد والنور واللمعان.
يصب فيه: مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الجَنَّةِ:أحدهما من ذهب، والآخر من فضة.هنا-



توقيع أم أبي تراب
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 10:56 PM   #19
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
^

المجلس الثامن عشر

شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
*وَالإيمَانُ بِعَذَابِ القَبْرِ،وَأَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُفْتَنُ في قُبُورِهَا وَتُسْأَلُ عَنِ الإيمَانِ وَالإِسْلامِ،وَمَنْ رِبُّهُ؟وَمَنْ نَبِيُّهُ؟،وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-،وَكَيْفَ أَرَارَدَ،وَالإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح:الحياة التي يعيشها الإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام :-الحياة الدنيا ، والتي تنتهي بالموت .- حياة البرزخ ، وهي التي تكون بعد الموت إلى قيام الساعة .- حياة الآخرة ، وهي التي تكون بعد قيام الناس من قبورهم إما إلى جنةٍ ، نسأل الله من فضله ، وإما إلى نار والعياذ بالله .فالحياة البرزخية هي التي تكون بعد موت الإنسان إلى بعثه ، وسواء قُبِر أو لم يُقبر أو احترق أو أكلته السباع ، والذي يدل على هذه الحياة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت بعدما يوضع في قبره يسمع قرع نعال أهله ، كما جاء في الحديث ."إنَّ المَيتَ إذا دُفِنَ ، سمِعَ خَفْقَ نعالِهِم إذا ولَّوْا عنهُ مُنصَرِفينَ"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم1967- خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-وهذه الحياة البرزخية إما أن تكون نعيمًا وإما أن تكون جحيمًا ، والقبر فيها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران .إنَّما القبرُ روضةٌ من رياضِ الجنَّةِ أو حفرةٌ من حفرِ النَّارِ" الراوي : أبو سعيد الخدري- المحدث : ابن حجر العسقلاني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح -الصفحة أو الرقم: 5/74 - خلاصة حكم المحدث : حسن كما قال في المقدمة.واختلف العلماء في صحة نسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه صحيح المعنى .
"كانَ عُثمانُ بنُ عفَّانَ إذا وَقفَ على قَبرٍ يبكي حتَّى يبَلَّ لحيتَهُ ، فقيلَ لَهُ : تذكرُ الجنَّةَ والنَّارَ ، ولا تبكي ، وتَبكي مِن هذا ؟ قالَ : إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، قالَ : إنَّ القبرَ أوَّلُ مَنازلِ الآخرةِ ، فإن نجا منهُ ، فما بعدَهُ أيسرُ منهُ ، وإن لم يَنجُ منهُ ، فما بعدَهُ أشدُّ منهُ قالَ : وقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ما رأيتُ مَنظرًا قطُّ إلَّا والقَبرُ أفظَعُ منهُ"الراوي : هانئ مولى عثمان -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم- 3461 خلاصة حكم المحدث : حسن.
فقال عُثمانُ رَضِي اللهُ عنه مُفسِّرًا لسبَبِ بُكائِه عِندَ القبرِ "إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: إنَّ القبرَ أوَّلُ مَنزِلٍ مِن مَنازِلِ الآخِرةِ"، أي: أوَّلُ مَنازِلِها في السُّؤالِ والحِسابِ والثَّوابِ أو العِقابِ، "فإنْ نَجا مِنه" أي: مِن الحسابِ والعقابِ فيه، "فما بَعْدَه"، أي: مِن الْمَنازِلِ مِن حشْرٍ وعرْضٍ، ومُرورٍ على الصِّراطِ ونحْوِه، "أيْسَرُ مِنه"، أي: لو أنَّه كان مِن الْمُنَعَّمين في القبرِ ففي ذلك دَلالةٌ على نَجاتِه مِن باقي المنازِلِ الأُخْرى حتَّى يَدخُلَ الجنَّةَ، أو بمعنًى آخَرَ: كان ضَمانًا واستِبْشارًا في دخولِ الجنَّةِ، "وإن لم يَنجُ منه"، أي: شَمِلَه عذابُ القبرِ ونال مِنه، "فما بَعْدَه أشَدُّ مِنه"، أي: كان لذلك دَلالةٌ على أنَّه لن يَنجُوَ مِن باقي مَنازِلِ الآخرةِ.
ويغني عنه أيضًا حديث البراء المشهور في عذاب القبر ونعيمه .والذي يدل على النعيم والعذاب فيها ، قول الله تعالى عن قوم فرعون " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"سورة غافر/46.
فبيَّن الله تعالى أن آل فرعون يُعرضون على العذاب صباحًا ومساءً مع أنهم ماتوا ، ومن هذه الآية أثبت العلماء عذاب القبر .قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور .تفسير ابن كثير " 4 / 82 . هنا -
*قال صلى الله عليه وسلم "
ما من شيءٍ لمْ أكُنْ أُرِيتُهُ ، إلَّا رأيتُهُ في مَقامِي هذا ، حتى الجنَّةَ والنارَ ، ولَقدْ أُوحِيَ إليَّ أنَّكمْأنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في قُبُورِكُمْ، مِثلَ أوْ قرِيبًا من فِتنةِ المسيحِ الدَّجالِ ، يُؤتَى أحدُكمْ فيُقالُ لهُ : ما عِلْمُكَ بِهذا الرجلِ ؟ فأمّا المؤمِنُ أوِ المُوقِنُ ، فيَقولُ : هوَ مُحمدٌ رَسولُ اللهِ ، جاءَنا بِالبيِّناتِ والهُدَى ، فأجَبْنا وآمَنّا ، واتَّبَعْنا ، هوَ مُحمدٌ - ثلاثًا - ، فيُقالُ لهُ: نَمْ صَالِحًا، قدْ علِمْنا إنْ كُنتَ لَمُوقِنًا به ، وأمَّا المنافِقُ أو المُرتابُ ، فيَقولُ : لا أدْرِي ، سمِعتُ الناسَ يَقولونَ شيئًا فقُلتُهُ"الراوي : أسماء بنت أبي بكر-المحدث : الألباني-المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 5722 خلاصة حكم المحدث : صحيح

في الحديثِ: إثباتُ سؤالِ القبرِ للمؤمِن والمنافقِ والكافرِ.وفيه: إثباتُ عذابِ القبرِ، وهو مذهبُ أهلِ السنَّةِ والجماعة."أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ أحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّارِ، فيُقَالُ: هذا مَقْعَدُكَ حتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ."الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- - الصفحة أو الرقم: 1379 - خلاصة حكم المحدث :صحيح


"إذا خَرَجَتْ رُوحُ المُؤْمِنِ تَلَقَّاها مَلَكانِ يُصْعِدانِها. قالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِن طِيبِ رِيحِها وذَكَرَ المِسْكَ. قالَ: ويقولُ أهْلُ السَّماءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْضِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وعلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ، فيُنْطَلَقُ به إلى رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يقولُ:انْطَلِقُوا به إلى آخِرِ الأجَلِ. قالَ: وإنَّ الكافِرَ إذا خَرَجَتْ رُوحُهُ، قالَ حَمَّادٌ وذَكَرَ مِن نَتْنِها، وذَكَرَ لَعْنًا، ويقولُ أهْلُ السَّماءِ رُوحٌ: خَبِيثَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْضِ. قالَ فيُقالُ:انْطَلِقُوا به إلى آخِرِ الأجَلِ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَيْطَةً كانَتْ عليه، علَى أنْفِهِ، هَكَذا."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2872 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
الشرح:
هَذا حديثٌ عَظيمٌ في خُروج رُوحِ المُؤمنِ والكافرِ وعُروجِهما إلى السَّماءِ، وما في رُوحِ المُؤمنِ من طِيبٍ، وما في رُوح الكافرِ مِن خُبثٍ.
فيُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بمبدأِ خُروجِ الرُّوحِ؛ فإنَّه إذا خَرجَتْ رُوحُ المؤمنِ تَلقَّاها مَلكانِ يُصعِدانِها، قال حمَّادٌ: وهوَ أَحدُ رُواة هذا الحديثِ، فذَكر مِن طيبِ رِيحها، وذِكرِ المِسكِ، يَعني أنَّ ريحَها طَيِّبٌ، ويَقولُ أَهلُ السَّماء: رُوحٌ طيِّبةٌ جاءتْ مِن قِبَلِ الأرضِ، صلَّى اللهُ عليكِ وعلى جَسدٍ كنتِ تَعمُرينَه، أي: أَثنى عَليك في الملأِ الأَعلى عندَ المَلائكةِ المُقرَّبين. فيَنطلِقُ به إلى رَبِّه عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يَقولُ: انطَلِقوا به إلى آخرِ الأَجلِ.يَعني: اذهَبوا برُوحِه إلى المَكانِ الَّذي أُعدَّ لَها إلى وقتِ القيامةِ، ثُمَّ أَخبرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن رُوحِ الكافرِ، فَقال: وإنَّ الكافرَ إذا خَرجتْ رُوحُه- قالَ حمَّادٌ: وذَكرَ مِن نَتْنِها، وذَكر لَعْنًا- ويَقولُ أهلُ السَّماء: رُوحٌ خبيثةٌ جاءتْ مِن قِبَلِ الأرضِ. قال فيُقال: انطَلِقوا به إلى آخِرِ الأَجلِ، يَعني:اذهَبوا برُوحِه إلى المَكانِ الَّذي أُعِدَّ لَها إلى وقتِ القيامَةِ. ثُمَّ قال أَبو هُريرةَ: فردَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ريطةً، كانتْ عليهِ، وهي مِلاءةٌ، وقيلَ: كلُّ ثوبٍ رقيقٍ، فردَّها على أَنفِه، فكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كوشفَ لَه، وشَمَّ مِن نَتنِ رِيحِ رُوحِ الكافرِ، ففَعلَ ذلكَ هَكذا، أي: يُمثِّلُ أبو هُريرةَ ذلكَ الفعلَ .- الدرر -

"مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَبْرَيْنِ، فَقالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ واحِدَةً، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عنْهما ما لَمْ يَيْبَسَا"الراوي : عبدالله بن عباس- المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 218 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -الشرح:القَبْرُ هو أولُ مَنازِل الآخِرَةِ، والعذابُ والنعيمُ فيه حقٌّ.
وفي هذا الحديثِ: يُخبِرُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأحدِ الأعمالِ المُوجِبة لعَذابِ القَبْرِ، حيث مَرَّ على حائطٍ من حِيطَانِ المَدِينَةِ أو مَكَّةَ، والحائِطُ: هو البُسْتان إذا كان له سُورٌ، فسَمِع صوتَ إنسانَيْن يعذَّبان في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "يُعَذَّبانِ، وما يعذَّبان في كَبِيرٍ" يعني: لا يعذَّبان في أمرٍ كبيرٍ في نَظرِكم، وإنْ كان هو في الحقيقةِ كَبِيرًا عند اللهِ تعالى؛ ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم"بَلَى"، أي: إنَّه كَبِيرٌ في الحقيقةِ.
وسببُ عذابِهما كما أَخْبَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ أحدَهما كان لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه، يَعنِي: لا يَسْتَبْرِئُ منه ولا يَتَحفَّظُ مِن أن يُصِيبَه منه. والآخَرُ كان يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ بين الناسِ، أي: يَنقُل كلامَ غيرِه بقَصْدِ الإضرارِ وإيقاعِ الخِلافِ والوَقِيعَةِ بين الناسِ.
ثُمَّ دَعَا صلَّى الله عليه وسلَّم بِجَرِيدَةٍ، فكَسَرها نِصفَيْن، ووَضَع على قَبْرِ كلِّ واحدٍ منهما جزءًا منها، فقيل له: لِمَ فعلتَ هذا؟ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم"لَعَلَّهُ أن يُخَفَّفَ عنهما ما لم يَيْبَسَا، أو إلى أنْ يَيْبَسَا"، أي: لعلَّ الله تعالى أن يُخَفِّفَ عنهما العذابَ إلى أن يَجِفَّ الجَرِيدُ الذي وَضَعه صلَّى الله عليه وسلَّم على قبرَيْهما.
وفي الحديثِ:إثباتُ عذابِ القبرِ، وأنَّه حقٌّ يَجِبُ الإيمانُ والتَّسليمُ به.
وفيه:التَّحذِيرُ مِن مُلابَسةِ البَوْل، ويَلتحِق به غيرُه مِنَ النَّجاساتِ في البَدَن والثَّوْب.
وفيه:النَّهيُ عن النَّمِيمَةِ.الدرر -فوائد هامة :وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاس الْجَرِيد وَنَحْوه فِي الْقَبْر عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيث وَقَال عن هذا الحديث : هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّة بَقَاء النَّدَاوَة , لا أَنَّ فِي الْجَرِيدَة مَعْنًى يَخُصّهُ , وَلا أَنَّ فِي الرَّطْب مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِساهـ . وعلى هذا ، يكون ذلك خاصًّا بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلا يستحب لأحد أن يضع جريدة ولا غيرها على القبر . جاء في فتاوى اللجنة الدائمة : " إن وضع النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم الجريدة على القبرين ورجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبريهما واقعة عين لا عموم لها في شخصين أطلعه الله على تعذيبهما ، وأن ذلك خاص برسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم ، وأنه لم يكن منه سنة مطَّرَدة في قبور المسلمين وإنما كان مرتين أو ثلاثًا على تقدير تعدد الواقعة لا أكثر ، ولم يعرف فعل ذلك على أحد من الصحابة ، وهم أحرص المسلمين على الاقتداء به صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم ، وأحرصهم على نفع المسلمين ، إلا ما روي عنبُرَيْدة الأسلمي : أنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان ، ولا نعلم أن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم وافق بُرَيْدة على ذلك "اهـ . وهكذا لا تجوز الكتابة على القبور ولا وضع الزهور عليها للحديثين المذكورين ؛ وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها والكتابة عليها "اهـ. مجلة البحوث الإسلامية :68/50. الإسلام سؤال وجواب.
"عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ القَبْرِ، فَقالَتْ لَهَا:أعَاذَكِ اللَّهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَذَابِ القَبْرِ، فَقالَ: نَعَمْ، عَذَابُ القَبْرِ قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إلَّا تَعَوَّذَ مِن عَذَابِ القَبْرِ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1372 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-وفي الحديثِ:أنَّ عذابَ القبرِ حقٌّ، وأنَّه ليسَ بِخاصٍّ بِهذه الأمُّة.
وفيه:التَّحدُّثُ عَن أهلِ الكتابِ إذا وافقَ قولَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه:التَّوقُّفُ عَن خبرِهم حتَّى يُعرفَ أَصِدْقٌ هو أم كذِبٌ.
وفيه:التَّعوُّذ مِن عذابِ القبرِ عَقيبَ الصَّلاةِ؛ لأنَّه وقتُ إجابةِ الدَّعوةِ.الدرر-

"اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ والهَرَمِ، وأَعُوذُ بكَ مِن عَذابِ القَبْرِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6367- خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-"كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْعُو ويقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 1377 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-
*يَحكي زيدُ بنُ ثابتٍ رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بينما كان في حائطٍ"بيْنَما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، علَى بَغْلَةٍ له وَنَحْنُ معهُ، إذْ حَادَتْ به فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وإذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ، أَوْ خَمْسَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ، قالَ: كَذَا كانَ يقولُ الجُرَيْرِيُّ، فَقالَ: مَن يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِه الأقْبُرِ؟ فَقالَ رَجُلٌ: أَنَا، قالَ:فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟ قالَ: مَاتُوا في الإشْرَاكِ، فَقالَ: إنَّ هذِه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِن عَذَابِ القَبْرِ الذي أَسْمَعُ منه ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقالَ:تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِقالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ."الراوي : زيد بن ثابت - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2867 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-إنَّ هذه الأمَّةَ تُبتَلى: أي: تُمتحنُ ثُمَّ تُنعَّمُ أو تُعذَّبُ.في الحديثِ: ثبوتُ سماعِ البهائمِ لِأصواتِ المعذَّبِينَ في القبورِ.
وفيه: الأمرُ بِالاستعاذةِ مِن عذابِ القبرِ والفتنِ والنَّارِ وفتنةِ الدَّجَّالِ.
وفيه:ثبوتُ عذابِ القبر.

صفة نعيم القبر وعذابه
حديث البراء بن عازب
"خرَجْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازةِ رجلٍ منَ الأنصارِ، فانتَهينا إلى القبرِ ولمَّا يُلحَدْ، فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وجَلَسنا حولَهُ كأنَّما على رءوسِنا الطَّيرُ، وفي يدِهِ عودٌ ينْكتُ بِهِ في الأرضِ، فرفعَ رأسَهُ، فقالَ:استَعيذوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ مرَّتينِ، أو ثلاثًا، زادَ في حديثِ جريرٍ ها هنا وقالَ: وإنَّهُ ليسمَعُ خفقَ نعالِهم إذا ولَّوا مدبرينَ حينَ يقالُ لَهُ: يا هذا، مَن ربُّكَ وما دينُكَ ومن نبيُّكَ ؟ قالَ هنَّادٌ: قالَ:ويأتيهِ ملَكانِ فيُجلِسانِهِ فيقولانِ لَهُ: مَن ربُّكَ ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللَّهُ، فيقولانِ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: دينيَ الإسلامُ، فيقولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم ؟ قالَ: فيقولُ: هوَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدريكَ ؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنتُ بِهِ وصدَّقتُ ،زادَ في حديثِ جريرٍ: فذلِكَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ "يُثبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا" فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ قالَ:فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ .
قالَ: وإنَّ الْكافرَ فذَكرَ موتَهُ قالَ: وتعادُ روحُهُ في جسدِهِ، وياتيهِ ملَكانِ فيُجلسانِهِ؛ فيقولانِ: من ربُّكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ لَهُ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُم ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فُينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن كذَبَ، فأفرشوهُ منَ النَّارِ، وألبِسوهُ منَ النَّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النَّارِ، قالَ: فيأتيهِ من حرِّها وسمومِها ،قالَ:ويضيَّقُ عليْهِ قبرُهُ حتَّى تختلِفَ فيهِ أضلاعُهُ، زادَ في حديثِ جريرٍ قالَ: ثمَّ يقيَّضُ لَهُ أعمى أبْكَمُ معَهُ مِرزبَةٌ من حديدٍ لو ضُرِبَ بِها جبلٌ لصارَ ترابًا، قالَ:فيضربُهُ بِها ضربةً يسمَعُها ما بينَ المشرقِ والمغربِ إلَّا الثَّقلينِ فيَصيرُ ترابًا، قالَ:ثمَّ تعادُ فيهِ الرُّوحُ"الراوي : البراء بن عازب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 4753 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.قال اللهِ عزَّ وجَلَّ"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ"إبراهيم: 27، أي: يُوفِّقُ اللهُ الذينَ آمَنوا به في الدُّنيا ويَهديهِم إلى صَوابِ الجَوابِ والحَقِّ في الدُّنيا، وعندَ السُّؤال في القَبرِ، وعِند اللهِ تعالى."إلا الثَّقلَين"، أي: يَسمَعُ صُراخَه كُلُّ الخَلائقِ إلَّا الإنسَ والجِنَّ؛ فإنَّ اللهَ جعَلَ بينهما وبين هذا العذابِ حِجابًا فلا يَسْمعونَه.
"فَيصيرُ تُرابًا"، من شِدَّة الضَّربةِ التي تَسحَقُه فَيتَحوَّلُ إلى تُرابٍ، قال"ثُمَّ تُعادُ فيه الرُّوحُ"؛ وذلك لِيعادَ له العَذابُ.
وفي الحديثِ: التَّنبيهُ إلى فَضلِ الإيمان ومَغبَّةِ الكُفرِ في القَبرِ وبَعدَ المَوتِ.
وفيه: بيانُ أنَّ في القَبر نَعيمًا للمُؤمنِ، وعَذابًا للكافِرِ.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة الاطمئنان إلى ما أخبر به الله عز وجل ، وأخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام ، وأن يصدق بذلك على الوجه الذي أراده الله عز وجل ، وإن خفي على العبد بعض المعنى ، فلله الحكمة البالغة سبحانه
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 10:58 PM   #20
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Ah11

المجلس التاسع عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل

*وَالإيمَانُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا؛فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ،كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،كَيْفَ شَاءَ اللهُ وَكَمَا شَاءَ،إِنَّمَا هُوَ الإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرحاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حَيَاتَنَا هَذِهِ زَائِلَةٌ لا مَحَالَةَ وَأَنَّنَا إِلَى رَبِّنَا صَائِرُونَ، وَإِلَى خَالِقِنَا رَاجِعُونَ، إِنَّنَا سَوْفَ نُحْشَرُ جَمِيعًا إِنْسًا وَجِنًّا، عَرَبًا وَعَجمًا، مُسْلِمِينَ وَكُفَّارًا، بَلْ حَتَّى الدَّوَابُ واَلْهَوَامُ وَالْوُحُوشُ وَالطُّيُورُ تُحْشَرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"الأنعام:38.إِنَّهُ مَوْقِفٌ عَصِيبٌ؛ إِنَّهُ يَوْمٌ يَشِيبُ فِيهِ الصَّغِيرُ، وَيَخَافُ فِيهِ الْكَبِيرُ"فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا"المزمل:17.إِنَّهُ يَوْمٌ تُسْقِطُ الْحَامِلُ فِيهِ حَمْلَهَا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَتَنْشَدِهُ الْمَرْأَةُ عَنْ طِفْلِهَا مِنْ عِظَمِ الْكَرْبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ"الحج:1-2.إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَحْصُلُ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ الْكُرُوبِ وَالأَهْوَالِ، وَلا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَوَحَّدَهُ، وَأَطَاعَهُ، وَاتَّبَعَ رُسَلَهَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ، وَآخِرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.ثُمَّ إِنَّ اللهَ يُرِيحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ.هنا-الشفاعة في لغة العرب:مشتقة من الشفع الذي هو غير الوتر، أي أن الشفع هو الزوج الذي هو عكس الوتر عند الإطلاق، تقول: أعطيتك كتابًا ثم شفعته بآخر، أي صار ما معك زوجًا بعد أن كان وترًا.


الشفاعة في الشرع:
هي التوسط للغير في جلب المنفعة أو دفع المضرة.
وهي قسمان :
القسم الأول:الشفاعة التي تكون في أمور الدنيا .
فالشفاعة في أمور المعاملات التي تكون بين الناس تنقسم إلى قسمين باختصار:
الأول:شفاعة جائزة: وهي ما يكون في مقدور العبد واستطاعته القيام به ؛ فهذه جائزةبشرطين : أن تكون في شيء مباح، أن لا يعتمد بقلبه في تحقيق المطلوب ودفع المكروه إلا على الله وحده ،وهي الشفاعة الحسنة التي يتم التوصل بها إلى إيصال الحق لصاحبه دون أن يكون في ذلك ظلم لطرف آخر،بصيغة أخرى الشفاعة الحسنة هي الوساطة في إيصال الخير أو دفع الشر سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا.
وأن يعلم أن هذا الشافع لا يعدو كونه سببًا أَذِنَ الله به، وأن النفع والضر بيد الله وحده.

"اشْفعوا تُؤجَروا فإنِّي لأريدُ الأمرَ فأؤخرَه كيما تَشْفعوا فتُؤجَروا , فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ قال : اشْفعوا تُؤجروا"الراوي : معاوية بن أبي سفيان- المحدث : الوادعي- المصدر : الشفاعة- الصفحة أو الرقم:306- خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح

وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم "كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أوْ طُلِبَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللَّهُ علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شَاءَ".الراوي : أبو موسى الأشعري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1432
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَؤُوفًا رحيمًا بالنَّاسِ، وكان يَسعى في قَضاءِ الحَوائجِ والتَّوسُّطِ للنَّاسِ فيها بالحقِّ والعدلِ؛ ليُعلِّمَ أُمَّتَه التعاوُنَ على البِرِّ والتقْوى.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أبو موسى الأشعريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا جاءَه السَّائلُ المحتاجُ لطلبِ الصَّدقةِ، أو جاءَه صاحبُ الحاجةِ يَطلُبُ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قضاءَها له، ومساعدتَه عليها، يقولُ: اشفَعُوا تُؤجَروا، أي: يكُنْ لكم في ذلك الأجرُ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، والمرادُ بالشَّفاعةِ هنا: هي التي تَكونُ في أمورِ الدُّنيا، وفي إعانةِ الإنسانِ على ما فيه خَيرٌ له في دُنْياه، فيَسعى المسلِمُ لأخيه المسلِمِ في حاجتِه وطلَبِها له، والتَّوسُّطِ فيها طالَما فيها خيرٌ يُعينُه على دِينِه ودُنياه، ما لم تكُنْ تلك الحاجةُ مَعصيةً أو إسقاطَ حدٍّ مِن حدودِ اللهِ تعالَى، أمَّا مَا عدا ذلك مِن الحاجاتِ -كإنظارِ المُعسِرِ، وإعانةِ المَدِينِ، والإصلاحِ بيْنَ متخاصِمَينِ- فبادِروا إلى السَّعي عِندي في ذلك.
وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"ويَقْضي اللهُ على لِسانِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شاءَ" يعني: أنَّ ما قدَّره اللهُ وقَضاهُ واقعٌ؛ فإنْ قدَّر تحقيقَ الرَّغبةِ فإنَّها ستقَعُ، وإنْ قدَّر عدَمَ تحقيقِها فإنَّها لا تقَعُ، وكلُّ شَيءٍ بقضاءِ اللهِ وقدَرِه، والأجرُ للشَّفيعِ لا يَتوقَّفُ على تَحقُّقِ الغرَضِ مِن الشَّفاعةِ؛ فهو مأجورٌ لِمُجرَّدِ السَّعيِ.
وفي الحديثِ: التَّرغيبُ في الشَّفاعةِ والسَّعيِ في قَضاءِ حَوائجِ النَّاسِ.
وفيه: إثباتُ القَضاءِ والقدَرِ.الدرر.

ومعنى الحديث إذا جاءكم المحتاج ولديكم القدرة على تقديم المساعدة بالمال أو الطعام أو النفس أو الكلمة التي تقولها تبتغي بها وجه الله فافعلوا فلكم الأجر سواء أقضيت أو لم تُقْضَ.هنا-
هذا يدل على أن الشفاعة مندوبة، وقوله صلى الله عليه وسلم" تُؤْجَرُوا"موافق لقوله -تبارك وتعالى" مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا"النساء:58"، فهو يؤجر سواء كان الأمر المطلوب قد تحقق تحصيله أو لم يتحقق، فأجره على الله، ويكون قد بذل الأسباب، وأعان أخاه المسلم، وحصل بذلك على الأجر.
*ضروب من الشفاعة الحسنة:وتَنتظِم الشفاعة الحسنة بالتحريض على الصَّدقات للفقراء والمساكين، وتفريج الكربات عن المكروبين، وقضاء الحاجات لأصحابها ولا سيما العاجزين.ومن ذلك التوسُّط في الإقالة من بيع لمضطرٍّ- وهي رفع العقد وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين -، والإنظار إلى ميسرة في دَين على مُعسِر، وأما التوسُّط في تخفيف الدَّين عن المدين، أو إبرائه منه، أو تأديته عنه من غير مَنٍّ ولا أذى - فذلك من كرائم الشفاعات وعظائم المروءات -هنا.ومن الشفاعات الجائزة: شفاعته - صلى الله عليه وسلم في بريرة:وهي أَمَةٌ كانت تخدُم أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وكانت عائشة تُعينها على تحريرها من الرقِّ، فلما عُتِقت وهي تحت زوجها مُغيث، وكان عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم - أضحى لها الخيار شرعًا، أن تُفارِقه، وقد فعلت.
عن عبد الله بن عباس"أنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كانَ عَبْدًا يُقَالُ له مُغِيثٌ، كَأَنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي ودُمُوعُهُ تَسِيلُ علَى لِحْيَتِهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِعبَّاسٍ: يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، ومِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا !فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو رَاجَعْتِهِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قالَ:إنَّما أنَا أشْفَعُ ،قالَتْ: لا حَاجَةَ لي فِيهِ. صحيح البخاري .وفي الحديث:أنَّ مَن يَسألُ مِن الأُمورِ ممَّا هوَ غير واجِبٍ عليه فِعلُه فَلَهُ رَدُّ سائِلِه، وَتَرْكُ قَضاءِ حاجَتِه، وإنْ كانَ الشَّفيعُ سُلطانًا أو عالِمًا أو شَريفًا.الدرر.

الثانيشفاعة غير جائزة:وهي ما لا يكون في مقدور العبد ، وطاقته ووسعه كطلب الشفاعة من الأموات وأصحاب القبور وهذا

و تكون في أمر غير شرعي، أو فيها ظلم لطرف آخر، وقد انتظم هذين القسمين قوله تعالى"مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا"النساء:85.
ومن أمثلة الشفاعة السيئة :
"أنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُها إلى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، قالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسامَةُ فيها، تَلَوَّنَ وجْهُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أتُكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، قالَ أُسامَةُ: اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسولُ اللَّهِ خَطِيبًا، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتِلْكَ المَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُها، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذلكَ وتَزَوَّجَتْ قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَأْتي بَعْدَ ذلكَ فأرْفَعُ حاجَتَها إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ."الراوي : عروة بن الزبير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4304 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.في الحَديثِ: النَّهْيُ عن الشَّفاعةِ في الحُدودِ إذا بَلَغَت السُّلطانَ.
وَفيه: تَركُ الرَّحمةِ فيمَن وجَبَ عليه الحَدُّ.
وَفيه: أنَّ أحكامَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَستَوي فيها الشَّريفُ والوَضيعُ. الدرر.أما الشفاعة في الحدود التي لم تبلُغ الحد، أو في الحد قبل أن يبلُغ الحاكم، ولا سيما الشفاعة لأرباب المروءة والحياء، الذين لم يستمرئوا العيوب، ولم يُصِرُّوا على الذنوب، فإنها تدخل في سَتر العورات، وإقالة العثرات، والإصلاح بين الناس، وتلك من مكارم الأخلاق.
قال صلى الله عليه وسلم " "تعافُّوا الحدودَ فيما بينَكُم ، فما بلغَني مِن حدٍّ فقد وجبَ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4376 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
الشرح:حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على إرْساءِ مبْدأِ العفْوِ بين المسلِمين فيما يقَعُ بيْنهم من ظُلْمِ بعْضِهم لبعْضٍ، فأمَرَ بالعفْوِ، ورغَّبَ فيهِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "تَعافوا الحُدودَ فيما بيْنكم"، أي: تَجاوزوا عنها، فلا ترْفَعوها إليَّ للتَّقاضِي، "فمَا بلَغَني"، أي: وصَلَ إليَّ "مِن حدٍّ فقدْ وجَبَ"، أي: لازِمٌ عليَّ إقامَتُه.
وفي الحَديثِ:أنَّ الحدودَ إذا رُفِعتْ للحاكِمِ أو للقاضي؛ فإنَّها تلزمُ وتجبُ، ولا يصحُّ العفوُ فيها.الدرر-
فإذا تاب الجاني قبل القدرة عليه، وقبل بلوغ الحاكم الأمر، سقط عنه الحد الواجب لله، ولزمه الحق الواجب للآدمي من قصاص أو مال مسروق، أو قذف، أو دية ونحو ذلك؛ لأن التوبة تَجُبّ ما قبلها من حقوق واجبة لله تعالى.
قال الله تعالى"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ*المائدة: 33- 34.كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي/ حكم توبة الجاني - هنا -وإذا كانت التوبة قبل القدرة عليه، تمنع من إقامة الحد في الحرابة، فغيرها من الحدود -إذا تاب من فعلها، قبل القدرة عليه- من باب أولى.تفسير الشيخ السعدي رحمه الله.



أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أحداث السيرة فى شهر شوال .. غزوة الخندق مسلمة لله روضة السنة وعلومها 6 08-10-08 01:11 PM
متن الأربعين النووية (مقسم على أسبوعين) مسلمة لله المتون العلمية 3 26-03-08 08:29 AM
الدليل إلى المتون العلمية أمةالله المتون العلمية 58 17-01-08 10:11 PM


الساعة الآن 03:19 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .