|
دورات بين دفتي كتاب (انتهت) بَيْنَ دِفَّتَي كِتَابٍ مشروع علمي في قراءة كتاب مختار |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
24-07-07, 02:42 PM | #11 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
*
* * الحصة الحادي عشرة الثلاثاء 24/07/2007 في ’’صحيح البخاري’’ من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : {{ من كانت عنده لأخيه مظلمة في مال أو عرض فليأته ، فليستحلها منه قبل أن يؤخذ وليس عنده دينار ولا درهم ، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته فأعطيها هذا ، وإلا أخذ من سيئات هذا فطرحت عليه ثم طرح في النار }}. وفي ’’الصحيح’’ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : {{من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين}}. وفي ’’الصحيحين’’ عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم }} قالوا : والله إن كانت لكافية ، قال : {{ فإنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها }} . وفي ’’المسند’’ عن معاذ قال : أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : {{لا تشرك بالله شيئا ، وإن قتلت أو حرِّقت ، ولا تعقن والديك ، وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك ، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا ،فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ، ولا تشربن خمرا ، فإنه رأس كل فاحشة ، وإياك والمعصية ، فإن المعصية تحل سخط الله }} . والأحاديث في هذا الباب أضعاف أضعاف ما ذكرنا ، فلا ينبغي لمن نصح نفسه أن يتعامى عنها ، ويرسل نفسه في المعاصي ، ويتعلق بحسن الرجاء وحسن الظن . قال أبو الوفاء بن عقيل : أحذره ولا تغتر به ، فإنه قطع اليد في ثلاثة دراهم ، وجلد الحد في مثل رأس الإبرة من الخمر ، وقد دخلت المرأة النار في هرة ، واشتعلت الشملة نارا على من غلها وقد قتل شهيدا . وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال : {{دخل رجل الجنة في ذباب ، ودخل رجل النار في ذباب }} قالوا : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : {{مرّ رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا ، فقالوا لأحدهما : قرب . قال : ليس عندي شيء . قالوا : قرب ولو ذبابا ، فقرب ذبابا فخلو سبيله فدخل النار ، وقالوا للآخر : قرب . فقال : ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل ، فضربوا عنقه فدخل الجنة ، وهذه الكلمة الواحدة يتكلم بها العبد يهوي بها في النار أبعد مابين المشرق والمغرب }}. *وربما اتكل بعض المغترين على ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا وأنه لا يغير ما به ، ويظن أن ذلك من محبة الله له ، وأنه يعطيه في الآخرة أفضل من ذلك ، وهذا من الغرور . وقال الإمام أحمد :حدثنا يحي بن غيلان حدثنا رشد بن سعد عن حرملة بن عمران التجيبي عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : {{إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج }} ثم تلا قوله عز وجل : {{فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون }} الأنعام44. وقال بعض السلف : إذا رأيت الله عز وجل يتابع عليك نعمه وأنت عاصيه فاحذره ، فإنما هو استدراج منه يستدرجك به . وقد قال تعالى : {{ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين }} الزخرف33-35. وقد رد سبحانه على من يظن هذا الظن بقوله : {{فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا }} الفجر15-17. أي : ليس كل من نعمته ووسعت عليه رزقه أكون قد أكرمته ، ولا كل من ابتليته وضيقت عليه رزقه أكون قد أهنته ، بل أبتلي هذا بالنعم وأكرم هذا بالابتلاء . وفي ’’جامع الترمذي’’ عنه - صلى الله عليه وسلم - : {{إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب }}. وقال بعض السلف : رب مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم ، ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم ، ورب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم . * * |
25-07-07, 01:16 PM | #12 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
*
* * الحصة الثاني عشرة الأربعاء 25/07/2007 فصل الاغترار بالدنيا وأعظم الخلق غرورا من اغتر بالدنيا وعاجلها ، فأثرها على الآخرة ، ورضي بها من الآخرة ، حتى يقول بعض هؤلاء : الدنيا نقد ، والآخرة نسيئة ، والنقد أحسن من النسيئة . ويقول بعضهم : ذرة منقودة ، ولا درة موعودة . ويقول آخر منهم : لذات الدنيا متيقنة ، ولذات الآخرة مشكوك فيها ، ولا أدع اليقين بالشك . وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله ، والبهائم العجم أعقل من هؤلاء ، فإن البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت ، وهؤلاء يقدم أحدهم على ما فيه عطبه وهو ينظر إليه وهو بين مصدق ومكذب . فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء ، فهو من أعظم الناس حسرة ، لأنه أقدم على علم ، وإن لم يؤمن بالله ورسوله فأبعد له . وقول هذا القائل : النقد خير من النسيئة ، فجوابه أنه إذا تساوى النقد والنسيئة ، فالنقد خير ، وإن تفاوتا وكانت النسيئة أكثر وأفضل ، فهي خير ، فكيف والدنيا كلها من أولها إلى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة ؟ كما في ’’مسند الإمام أحمد’’ والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع }} فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل ، وإذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الآخرة ، فما مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة ؟ فأيما أولى بالعاقل ؟ إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة ، وحرمان الخير الدائم في الآخرة ، أم ترك شيء حقير صغير منقطع عن قرب ، ليأخذ مالا قيمة له ولا حظر له ، ولانهاية لعدده ، ولا غاية لأمده ؟ فأما قول الآخر : لا أترك متيقنا لمشكوك فيه. فيقال له : إما أن تكون على شك من وعد الله ووعيده وصدق رسله ، أو تكون على يقين من ذلك ، فإن كنت على يقين من ذلك فما تركت إلا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب ، لأمر متيقن لا شك فيه ولا انقطاع له . وإن كنت على شك فراجع آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته ومشيئته ، ووحدانيته ، وصدق رسله فيما أخبروا به عن الله وتجرد ، وقم لله ناظرا أو مناظرا ، حتى يتبين لك أن ما جاءت به الرسل عن الله هو الحق الذي لاشك فيه ، وأن خالق هذا العالم هو رب السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنـزه عن خلاف ما أخبرت به رسله عنه . ومن نسبه إلى غير ذلك فقد شتمه وكذبه ، وأنكر ربوبيته وملكه ، إذا من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليمة ، أن يكون المالك الحق عاجزا أو جاهلا ، لا يعلم شيئا ، ولا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يتكلم ، ولا يأمر ولا ينهى ، ولا يثيب ، ولا يعاقب ، ولا يعز من يشاء ، ولا يذل من يشاء ، ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها ، ولا يعتني بأحوال رعيته بل يتركهم سدى ويخليهم هملا . وهذا يقدح في ملك آحاد ملوك البشر ولا يليق به ، فكيف يجوز نسبة الملك الحق المبين إليه . وإذا تأمل الإنسان حاله من مبدأ كونه نطفة إلى حين كماله واستوائه ، تبين له أن من عني به هذه العناية ، ونقله في هذه الأحوال ، وصرفه في هذه الأطوار ، لا يليق به أن يهمله ويتركه سدى ، لا يأمره ولا ينهاه ولا يعرفه حقوقه عليه ، ولا يثيبه ولا يعاقبه. ولو تأمل العبد حق التأمل لكان كل ما يبصره وما لا يبصره دليلا له على التوحيد والنبوة والمعاد ، وأن القرآن كلامه ، وقد ذكرنا وجه الاستدلال بذلك في كتاب ’’إيمان القرآن’’ عند قوله : {{ فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون إنه لقول رسول كريم }} الحاقة 38-40. وذكرنا طرفا من ذلك عند قوله : {{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون }} الذاريات 21 ، وأن الإنسان دليل نفسه على وجود خالقه وتوحيده ، وصدق رسله ، وإثبات صفات كماله . فقد بان أن المضيع مغرور على التقديرين ، تقدير تصديقه ويقينه وتقدير تكذيبه وشكه . كيف يجتمع اليقين بالمعاد ، والتخلف عن العمل ؟ فإن قلت : كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل ؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غدا إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة ، أو يكرمه أتم كرامة ، ويبيت ساهياً غافلاً ، لا يتذكر موقفه بين يدي الملك ، ولا يستعد له ، ولا يأخذ له أهبته . قيل : هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر الخلق ، فاجتماع هذين الأمرين من أعجب الأشياء ، وهذا التخلف له عدة أسباب : أحدها : ضعف العلم ونقصان اليقين ، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت ، فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها . وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ، ويصير المعلوم غيبا شهادة . وقد روى أحمد في ’’مسنده’’ عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : {{ ليس المخبر كالمعاين }} فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده وانضم إلى ذلك تقاضي الطبع ، وغلبات الهوى ، واستيلاء الشهوة ، وتسويل النفس وغرور الشيطان واستبطاء الوعد ، وطول الأمل ، ورقدة الغفلة ، وحب العاجلة ، ورخص التأويل وإلف العوائد ، فهناك لا يمسك الإيمان في القلب إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ، وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال ، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب . وجماع هذه الأسباب يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر ، ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين ، وجعلهم أئمة في الدين فقال تعالى : {{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون }} السجدة 24 * * |
12-08-07, 12:38 PM | #13 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
*
* * الحصة الثالث عشرة فصل الفرق بين حسن الظن والغرور : فقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور ، وأن حسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح ، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور ، وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه هاديا له إلى الطاعة ، و زاجرا له عن المعصية ، فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء ، ورجاؤه بطالة وتفريطا ، فهو المغرور . ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فأهملها ولم يبذرها ولم يحرثها ، وحسن ظنه بأنه يأتي من مغلها ما يأتي من غير حرث وبذر وسقي وتعاهد الأرض لعده الناس من أسفه السفهاء . وكذلك لو حسن ظنه وقوى رجاءه بأنه يجيئه ولد من غير جماع أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم وحرص تام عليه ، وأمثال ذلك . فكذلك من حسن ظنه وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات العلا والنعيم المقيم ، من غير طاعة ولا تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه . وبالله التوفيق. وقد قال الله تعالى : {{إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله }} البقرة218 . فتأمل كيف جعل رجاءهم بإتيانهم بهذه الطاعات ؟ و قال المغرورون : إن المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين لأوامره الباغين على عباده المتجزئين على محارمه ، أولئك يرجون رحمة الله !! وسر المسألة : أن الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته ، فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ، ويرجوه أن لا يكله إليها وأن يجعلها موصلة إلى ما ينفعه ويضرب عما يعارضها ويبطل أثرها . فصل الرجاء والأماني : ومما ينبغي أن يُعلم أن من رجا شيئا رجاؤه ثلاثة أمور : أحدها : محبته ما يرجوه . الثاني : خوفه من فواته . الثالث : سعيه في تحصيله بحسب الإمكان . وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني ، والرجاء شيء والأماني شيء آخر ، فكل راجٍ خائف ، والسائر على الطريق إذا خاف ، أسرع السير مخافة الفوات. وفي ’’جامع الترمذي’’ من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة }}. وهو سبحانه كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الصالحة ، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة ، فعلم أن الرجاء والخوف النافع هو ما اقترن به العمل . قال الله تعالى : {{إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون }} المؤمنون57-61 وقد روى الترمذي في ’’جامعه’’ عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية ، فقلت : أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون ؟ فقال : {{ لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، ويخافون أن لا يتقبل منهم ، أولئك يسارعون في الخيرات }} وقد روي من حديث أبى هريرة أيضا . والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف ، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن . خوف الصحابة من الله : من تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ، ونحن جميعا بين التقصير ، بل التفريط والأمن : فهذا الصديق رضي الله عنه يقول : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن .ذكره أحمد عنه . وذكر عنه أيضا أنه كان يمسك بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد ، وكان يبكي كثيرا ويقول : ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا . وكان إذا قام إلى الصلاة ، كأنه عود من خشية الله عز وجل . وأتى بطائر فقلبه ثم قال : ما صيد من صيد ، ولا قطعت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح . فلما احتضر قال لعائشة : يا بنية ، إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب وهذا العبد ، فأسرعي به إلى بن الخطاب . وقال : والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتُعْضد . وقال قتادة : بلغني أن أبا بكر قال : ليتني خضرة تأكلني الدواب . وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور حتى بلغ : {{ إن عذاب ربك لواقع }} الطور7 فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه . وقال لابنه وهو في الموت : ويحك ضع خدي على الأرض ، عساه أن يرحمني ، ثم قال : بل ويل أمي ، إن لم يغفر الله لي - ثلاثا - ثم قضى . وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه ، فيبقى في البيت أياما يُعاد ، ويحسبونه مريضا. وكان في وجهه رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء . وقال له ابن عباس : مصَّر الله بك الأمصار ، وفتح بك الفتوح ، وفعل و فعل فقال : وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر. وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تبل لحيته ، وقال : لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي ، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير . وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وبكاؤه وخوفه ، وكان يشتد خوفه من اثنتين طول الأمل واتباع الهوى ، قال : فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة ، والآخرة مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل . وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه ، كان يقول : إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي : يا أبا الدرداء ، قد علمت ، فكيف عملت فيما علمت ؟ وكان يقول : لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة ولا شربتم شرابا على شهوة ، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه ، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم ، وتبكون على أنفسكم ، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل . و كان عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع. وكان أبو ذر يقول : يا ليتني كنت شجرة تعضد ، وودت أني لم أخلق . وعرضت عليه النفقة فقال : ما عندنا عنز نحلبها وحمر ننقل عليها ، ومحرر يخدمنا وفضل عباءة ، وإني أخاف الحساب فيها . وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية ، فلما أتى على هذه الآية : {{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات }} الجاثية21 ، جعل يرددها ويبكى حتى أصبح . وقال أبو عبيدة بن الجراح : وددت أني كبش فذبحني أهلي وأكلوا لحمي وحسوا مرقي . وهذا باب يطول تتبعه . قال البخاري في ’’صحيحه’’ : ( باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر ). وقال إبراهيم التيمي : ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا . وقال بن أبي مليكة : أدركت ثلثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول : إنه على إيمان جبريل و ميكائيل . ويذكر عن الحسن : ماخافه إلا مؤمن ، ولا أمنه إلا منافق . وكان عمر بن الخطاب يقول لحذيفة : أنشدك الله هل سماني لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ يعني في المنافقين ، فيقول : لا ، ولا أزكي بعدك أحدا . فسمعت شيخنا رضي الله عنه يقول : ليس مراده : لا أبرىء غيرك من النفاق ، بل المراد لا أفتح على نفسي هذا الباب ، فكل من سألني هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأزكيه . قلت : وقريب من هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله أن يدعو له أن يكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ’’ سبقك بها عكاشة ’’ ، ولم يرد أن عكاشة وحده أحق بذلك ممن عداه من الصحابة ، ولكن لو دعا لقام آخر وآخر وانفتح الباب ، وربما قام من لم يستحق أن يكون منهم ، فكان الإمساك أولى والله أعلم . * * |
15-08-07, 02:25 AM | #14 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
*
* * الحصة الرابع عشرة فصل ضرر الذنوب في القلب كضرر السموم في الأبدان : فلنرجع إلى ما كنا فيه من ذكر دواء الداء الذي إن استمر أفسد دنيا العبد وآخرته . فمما ينبغي أن يعلم : أن الذنوب والمعاصي تضر ، ولا بد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر ، وهل في الدنيا والآخرة شر و وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي ؟ فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب ؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها ، وباطنه أقبح من صورته وأشنع ، وبدل بالقرب بعدا ، وبالرحمة لعنة ، وبالجمال قبحا ، وبالجنة نارا تلظى ، وبالإيمان كفرا ، وبموالاة الولي الحميم أعظم عداوة ومشاقة ، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش ، وبلباس الإيمان لباس الكفر و الفسوق والعصيان ، فهان على الله غاية الهوان ، وسقط من عينه غاية السقوط ، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه ، ومقته أكبر المقت فأرداه ، فصار قواداً لكل فاسق ومجرم رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة ، فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك . وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رءوس الجبال ؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ، ودمرت ما دمرت عليه من ديارهم وحروثهم و زروعهم ودوابهم ، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ، ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها ، فأهلكهم جميعا ، ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم ، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم ، ولإخوانهم أمثالها ، وما هي من الظالمين ببعيد ؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ، فلما صار فوق رءوسهم أمطر عليهم نارا تلظى ؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق ، والأرواح للحرق ؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ، ودمرها تدميرا ؟ وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم ؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ، وقتلوا الرجال وسبوا الذرية والنساء ، وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبَّروا ما علوا تتبيرا ؟ وما لذي سلط عليهم أنواع العقوبات ، مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ، ومرة بجور الملوك ، ومرة بمسخهم قردة وخنازير ، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى : {{ ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب }} الأعراف167. قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمر وحدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض ، فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي ، فقلت : يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال : ويحك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره ، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك ، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى . وقال علي بن الجعذ : أنبأنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا البختري يقول : أخبرني من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : {{ لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم }} وفي ’’مسند الإمام أحمد’’ من حديث أم سلمة قالت : سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : {{إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده }} فقلت : يا رسول الله ، أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟ قال : {{ بلى }} قلت : فكيف يصنع بأولئك ؟ قال : {{ يصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان }}. وفي مراسيل الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم – : {{ لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفى كنفه ما لم يمالئ قراؤها أمراءها وما لم يزك صلحاءها فجارها وما لم يهن خيارها شرارها ، فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ، ثم سلط عليهم جبابرتهم فيسوموهم سوء العذاب ، ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر }} وفي ’’المسند’’ من حديث ثوبان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه }} وفيه أيضا عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق ، كما تداعى الأكلة على قصعتها }} قلنا : يا رسول الله ، أمن قلّة يومئذ ؟ قال : {{ أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، تنزع المهابة من قلوب عدوكم ، ويجعل في قلوبكم الوهن }} قالوا وما الوهن ؟ قال : {{ حب الحياة وكراهة الموت }} وفي ’’المسند’’ من حديث أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوهم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم }} وفى ’’جامع الترمذي’’ من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{يخرج في آخر الزمان قوم يختلون الدنيا بالدين ويلبسون للناس مسوك الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله عز وجل : أبي تغترون ؟ وعليّ تجترئون ؟ فبي حلفت ، لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيرانا }} وذكر أبن أبي الدنيا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ، قال : قال علي : (يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى ، علماؤهم أشر من تحت أديم السماء ، منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود ) وذكر من حديث سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : (إذا ظهر الربا والزنا في قرية أذن الله عز وجل بهلاكها ) وفى مراسيل الحسن : إذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل ، وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب ، وتقاطعوا بالأرحام ، لعنهم الله عز وجل عند ذلك ، فأصمهم وأعمى أبصارهم . وفي ’’سنن ابن ماجة’’ من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب ، قال : كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه ، فقال : {{ يا معشر المهاجرين خمس خصال وأعوذ بالله أن تدركوهن : ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم ، فأخذوا بعض ما في أيديهم ، وما لم تعمل أئمتهم بما انزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم }} وفي ’’المسند’’ و’’السنن’’ من حديث عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{إن من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم الخطيئة جاءه الناهي تعذيرا ، فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه ، كأنه لم يره على خطيئة بالأمس ، فلما رأى الله عز وجل هذا منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد السفيه ، ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم ليلعنكم كما لعنهم }} وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال : (أوحى الله إلى يوشع بن نون : إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم ، وستين ألفا من شرارهم ، قال : يارب ، هؤلاء الأشرار ، فما بال الأخيار ؟ قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي ، وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم ) وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران ، قال : (بعث الله عز وجل ملكين إلى قرية ، أن دمراها بمن فيها ، فوجدا رجلا قائما يصلي في مسجد ، فقالا : يا رب ، إن فيها عبدك فلانا يصلي ، فقال الله عز وجل : دمراها ودمراه معهم ، فإنه ما تمعَّر وجهه فيّ قط ) وذكر لحميدي عن سفيان بن عيينة ، قال : حدثني سفيان بن سعيد عن مسعر أن ملكا أُمر أن يخسف بقرية ، فقال : يا رب ، إن فيها فلانا العابد ، فأوحى الله عز وجل إليه : أن به فابدأ ، فإنه لم يتمعّر وجهه فيّ ساعة قط ) وذكر ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه ، قال : (لما أصاب داود الخطيئة قال : يا رب اغفر لي ، قال : قد غفرت لك و ألزمت عارها بني إسرائيل ، قال : يارب ، كيف وأنت الحكم العدل لا تظلم أحدا ، أنا أعمل الخطيئة وتلزم عارها غيري ؟ فأوحى الله إليه : إنك لما عملت الخطيئة لم يعجلوا عليك بالإنكار ) * * |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|