العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . معهد العلوم الشرعية . ~ . > ๑¤๑ أرشيف الدروس العلمية في معهد العلوم الشرعية๑¤๑ > أرشيف الأنشطة الإثرائية > قسم الدورات العلمية المكثفة

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-12-09, 04:57 PM   #1
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث السادس والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏إن الله قال‏:‏ من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب‏،‏ وما تقرب إلى عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه‏،‏ وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه‏،‏ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها‏،‏ ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه‏،‏ وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن‏:‏ يكره الموت، وأكره مساءته‏،‏ ولا بد له منه)‏)[رواه البخاري‏].
هذا الحديث حديث أبي هريرة في حق الأولياء في مالهم عند الله -جل وعلا-، وفي أوصافهم، وهذا الحديث عند أهل العلم يسمى القدسي، الحديث الإلهي، الحديث الرباني؛ لأنه مضاف إلى الله -جل وعلا-، يقول: ((إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) والولي: هو الذي يتقرب بالفرائض ويتبعها بالنوافل، هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، والمؤمنون كلهم أولياء لله، فليحذر المسلم من معاداة ولي الله؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) إذا عادى المؤمن المطيع لربه المجتنب عن محارم الله المتقرب إلى الله بالفرائض والنوافل فقد آذنته بالحرب، والعداوة قد تكون قلبية، ولا شك أن سبب هذا خلل إما في قلب الشخص وعدلاً من سلامته، أو فساد في تصوره وإلا فكيف يعادي المسلم أخاه المسلم بغير جريرة وبغير عداوةٍ منه أو اعتداءٍ عليه؟ باعث على هذه العداوة إما فساد في قلب الشخص أو خلل في تصوره، أو وجود حسد، ولا شك أن بعض الناس يعتدي على غيره حسداً، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [(54) سورة النساء] وإلا فكيف تتصور شخص مطيع لله -جل وعلا- مؤدي ما افترض الله عليه، مجتنب لما نهى الله عنه فتعتدي عليه في يدك أو في لسانك وتعاديه وتهجره لغير سبب؟ فلينته المسلم لا سيما طالب العلم أن يعادي الأولياء بسبب لأنه إذا كان هناك سبب يقتضي العداء فإنه ليس بولي، إذا كان هناك سبب حقيقي يقتضي العداء فمثل هذا ليس بولي، على أن المسلم لا سيما من كانت عنده موافقة ومخالفة، تجده مطيع لله -جل وعلا-، مؤدي الفرائض، مجتنب لبعض المحرمات، مرتكب لبعضها، مثل هذا يحب بقدر ما عنده من إيمان، بقدر ما عنده من إسلام، بقدر ما عنده من طاعات؛ لكنه يبغض بقدر ما عنده من مخالفات ومعاصي، يجتمع في المسلم موافقة ومخالفة.
((فقد آذنته بالحرب)) ومن لديه قدرة على مبارزة الله -جل وعلا- بالحرب؟ وجاء في آكل الربا {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحب إليّ مما افترضته عليه)) لا شك أن أداء الواجبات واجتناب المحرمات أولى من الانشغال بالمستحبات، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إلي مما افترضته عليه)) يعني على الإنسان أن يؤدي ما افترض الله عليه، فإذا حصل فيها خلل غير مقصود وتنفل الإنسان بعدها جبر النافلة هذا الخلل، أما أن يعنى بالنوافل وهو مخل مصر على الخلل في الفرائض يخل بالفرائض عن قصد يقول: نكملها بالنوافل، ((وما تقرب إليّ عبدي أحب إلي مما افترضته عليه)) هنا مسألة يحتاجها كثير من الإخوان المشايخ وطلاب العلم، تجد بعضهم باذل في وجوه الخير والنفع لكن هذا البذل له أثر في عمله الأصلي الذي استؤجر عليه ووجب عليه، تجد مثلاً مدرس مقصر في التدريس الواجب وعنده في آخر النهار حلقة تحفيظ، أو أستاذ في جامعة أو في غيره عنده دروس لكنه يتخلف عن المحاضرات الواجبة عليه، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إلي مما افترضته عليه)) عليه أن يؤدي هذا الواجب الذي يأخذ مقابله أجرة، ثم إذا تنفل بما زاد على ذلك نور على نور، وبعضهم يتسامح في مثل هذا الأمر، ويقول: ما دام العمل الثاني يحقق الهدف الذي من أجله استؤجر على العمل الأصلي هذا يجبر هذا، وعلى كل حال كل له نظرته؛ لكن ينبغي العناية بما أوجب الله عليك، احرص على أن تؤدي ما أنيط بك من عمل، وأخذت عليه أجرة كاملاً، وما زاد على ذلك لك أجره -إن شاء الله تعالى-، وعلى كل حال على الإنسان أن يؤدي ما اؤتمن عليه، وما استؤجر من أجله، وعليه أيضاً أن يبذل، ((وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) لكن هل الشخص الباذل الذي يبذل قدر زائد على ما أوجب عليه، هذا إذا حصل خلل فيما أوجب عليه يجبر بهذه النوافل، كما أن الصلوات المفروضة تجبر بالرواتب؛ لكن الإشكال إذا قال: أنا من أهل التحري والتثبت وأؤدي العمل الواجب، ولا أستطيع أن أتنفل، ويحرم من النفع العام الذي يؤديه إلى غيره، يحرم الناس بسبب أنه يريد أن يتحرر، ويؤدي الواجب، ويخشى أن يكون هذا العمل المندوب له أثر على الواجب فيحرم من ما يكمل هذا الواجب، فعلى الإنسان أن يحرص على الواجب ويؤدي المستحب.
((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) يتقرب بالنوافل: وأعظم النوافل طلب العلم، طلب العلم ابتغاء وجه الله -جل وعلا-، هذا أعظم وأفضل من نوافل العبادة، فعلى الإنسان أن يحرص عليه ويتقرب بوجوه الخير الأخرى اللازمة والمتعدية من صلاةٍ وزكاةٍ وصيام وحج وعمرة، ونفع لإخوانه المسلمين، وإعانة للمحتاجين، وسعي في قضاء حوائجهم، ((وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)) وفي هذا إثبات المحبة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته ((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به)) وإذا كان الله -جل وعلا- سمع الإنسان فإنه لن يسمع إلا ما ينفعه في أموره ودنياه، وسوف يحمي سمعه عن سماع المحرم من غيبة ونميمة وأغاني وفحش وإسفاف ((وبصره الذي يبصر به)) وقل مثل هذا فيما يرى، فإذا أحب الله -جل وعلا- العبد حماه عن مزاولة المنكرات المسموعة والمرئية، وكنت يده التي يبطش بها، فلا يمد يده إلا إلى شيءٍ مشروع، أو على أقل الأحوال مباح ((ورجله التي يمشي بها)) فلا يمشي إلا إلى عبادة أو إلى شيءٍ مباح يستعين به على عبادته، ((ولئن سألني لأعطينه)) ومع ذلك يكون مجاب الدعوة، ومع ذلك يكون مجاب الدعوة، ((ولئن سألني لأعطينه)) لأن من حافظ على الواجبات، وتقرب بالنوافل عصمه الله -جل وعلا- عن المحرمات، لا سيما ما يدخل في جوفه من مأكولٍ ومشروبٍ، وما يلبسه على بدنه مما يقتضي رد الدعوة، فمثل هذا إذا عصم من الأكل الحرام، وشرب الحرام، وغذاء الحرام، وكسوة الحرام، مثل هذا يكون مجاب الدعوة؛ لأن من موانع الدعوة هذه الأمور، مزاولة المحرمات، ذكر الرجل ((يطيل السفر، أشعث أغبر، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)) لكن هذا الولي ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني...)) سألني شيء ينفعه في دينه ودنياه لأعطينه، وإن استعاذني من شيء يضره في دينه ودنياه لأعيذنه.
((وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه)) إذا وجد أمر ينتابه أمران، أمر يحث عليه، وشيء يحذر منه، يحصل هنا التردد، هل يفعل أو يترك؟ يفعل نظراً إلى ما يحث عليه، يترك نظراً إلى ما يحذر وينفر منه؟ هذا بالنسبة لتردد المخلوق، تردد المخلوق في شيء لما ينتابه مما يأمره بالإقدام ويعارضه من الإحجام، هذا يورث التردد بالنسبة للمخلوق، وهذا الباعث على تردد المخلوق؛ لكن بالنسبة للخالق؟ هذا التردد يليق به -جل وعلا- ما لا يشبه تردد المخلوق، ويكره عبده الولي الموت فالله -جل وعلا- يكره قبض روحه؛ لأن الموت يسوء هذا الولي؛ لكنه أمر مكتوب محتوم عليه لا بد من وقوعه، فلا بد من نفاذه حينئذٍ.



توقيع أم الخطاب78
كيف يكون هذا الود؟ وما هي أسبابه؟ وثمراته؟

أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-12-09, 04:57 PM   #2
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث السابع والثلاثون: عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا‏، فإن صدقا وبيَّنا‏‏ بورك لهما في بيعهما‏،‏ وإن كذبا وكتما‏‏ محقت بركة بيعهما‏)‏) [متفق عليه]‏.
نعم هذا الحديث في البيع وإثبات للخيار، وهو خيار المجلس بين الطرفين المتعاقدين، ما داما في مجلس العقد، هما بالخيار لكل واحدٍ منهما أن يمضي العقد أو يفسخ العقد، فكل منهما له أن يختار بين إمضاء البيع أو فسخه، ما لم يتفرقا بأبدانهما، كما يفيده هذا الحديث، لا بالأقوال كما يقوله بعضهم، كالحنفية والمالكية، لكن إثبات خيار المجلس هو الصحيح لهذا الحديث، وما جاء في معناه، فإذا تفرقا بأبدانهما عن مكان العقد لزم البيع، فلا خيار لأحدهما، ثم بين النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ينبغي أن يتحلى به المتعاقدان، ((فإن صدقا)) ولم يكذب أحدهما على الآخر لا في السلعة وقيمتها، ولا فيما طلبت به وسيمت، لا يجوز للبائع أن يقول: اشتريتها بكذا، بل عليه أن يصدق إذا أراد أن يخبر إذا قال له المشتري: بكم اشتريت هذه؟ لا يجوز له أن يكذب في ثمنها، له أن لا يخبر؛ لكن إذا أخبر يجب عليه أن يصدق، إذا قيل له: كم سيمته؟ لا يجوز له أن يخبر بخلاف الواقع، بل يخبر ما سميته بدقة، وعن السوم الذي قريب من المجلس، قد تكون السلعة السيارة سيمت في العام الماضي لكن هذه السنة كم تسوى؟ تسوى ثلاثين مثلاً، تقول: كم سميت السيارة؟ يقول: والله سميت خمسين ألف، متى سميت خمسين ألف؟ هذا كذب بلا شك، لا بد من الصدق من المتعاقدين، وبين لا بد من بيان حقيقة السلعة، لا بد من بيان حقيقة السلعة ووصفها بالوصف الدقيق وما فيها من عيوب، لا بد من البيان، فلا يجوز أن يكتم عيباً تشتمل عليه مما لا يراه المشتري، فإن حصل منهما ذلك حصل الصدق والبيان ((بورك لهما في بيعهما)) والبركة في هذا البيع يبارك السلعة للمشتري المثمن، ويبارك في القيمة للبائع، فيستفيد منه على أكمل وجه، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما، لو جاء شخص لصاحب سيارة وقال له: كم تسام هذه السيارة؟ قال: خمسين ألف، بالفعل قبل مدةٍ يسيرة بنفس اليوم سيمت خمسين ألف، قال: سميت خمسين ألف، وهو يبي ستين ألف، قال: ماني زائدك أكثر أزيدك ألف واحد وخمسين، النسبة للفضل والأجر والثواب والعقاب معروف مفروغ منه، لكن بالنسبة لأمور الدنيا؟ سميت خمسين ألف قال: هذه واحد وخمسين قال: هات، واحد وخمسين مع الصدق والبيان يبارك به -إن شاء الله-، لكن لو قال: سميت تسعة وخمسين على شان يقول له: ستين وليس بصادق أيهما أبرك؟ الواحد والخمسين وإلا الستين؟ شواهد الأحوال في الواقع تدل على أن الصدق والبيان مثل هذا يضمن البركة، فيستفيد البائع من القيمة على أكمل الوجوه، وأما إذا كذب أو غش ولم يبين وكتم، يمكن أن ترتفع قيمة السلعة، ويحصل على أعظم مبلغ لكن مع ذلك الشواهد تدل على أنه لا يستفيد من هذا المال البتة، والله المستعان.
((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما)) والبركة تكون في الثمن والمثمن، إذا صدق الطرفان، وأما إذا صدق أحدهما دون الآخر حصلت لهما البركة بمفرده، والمحق للطرف الآخر، ((وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) فلا البائع يستفيد من الثمن، ولا المشتري من المثمن، والله المستعان.
أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-12-09, 04:58 PM   #3
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الثامن والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغَرر"‏ [رواه مسلم]‏.‏
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة، هذا نوع من البيوع كانوا يتعاملون به في الجاهلية، يأتي من يريد السلعة إلى صاحبها وعنده حصاة يقول: خذ حصاة واضرب بها أي شيءٍ تريده وما وقعت عليه هذه الحصاة فهو عليك بكذا، أو ارم هذه الحصاة فالحد الذي تصل إليه من الأرض عليك بكذا، هذا غرر لأن الناس يتفاوتون في دقة الإصابة، إصابة المراد، بعض الناس يرمي يريد أمامه، تروح يمين وإلا يسار، وبعض الناس يصيب بدقة، فإذا راحت يميناً وشمالاً لا شك أنها ستقع على سلعةٍ إما أن تكون بأكثر من الثمن أو بأقل، فيتضرر أحدهما، وفي هذا غرر وجهالة، وإن كان الرامي دقيقاً في رمي ما يريد وأصاب سلعةً قيمتها أكثر مما حددت به يتضرر البائع، وفي هذا من الغرر والجهالة ما لا يرد الشرع بمثله، هذا بيع الحصاة، وقل مثل هذا في البيوع التي تشتمل على الغرر، والصور كثيرة جداً، كل ما فيه غرر بحيث لا يتبين البائع والمشتري السلعة والثمن بدقة؛ لأن من شرط صحة البيع أن يكون الثمن معلوماً، وأن يكون المثمن الذي هو السلعة معلوماً، وأما الجهالة المفضية إلى النزاع والخصومة، مثل هذا ممنوع، والمراد ما من شأنه أن يفضي إلى النزاع والخصومة، بمعنى أنه لو تراضيا قال: أنا مستعد آخذ السلعة بكم؟ أي سلعة تقع عليها هذه الحصاة علي بمائة ريال، اتفقنا اتفقنا، رضيت رضيت، يأخذ الحصاة ويضرب ما قيمته ألف، قال: احنا متراضيين، قال: خلاص متراضيين متراضيين، ولو تراضيا، مثل هذا ما يجزئ، ما يكفي فيه الرضا، وإلا كان الميسر والرهان كان جائز، وأنه حصل برضا الطرفين، لكن الشرع جاء بتحريمه، القمار والميسر كلها غرر وجهالة، ما في بطون الأنعام، نهى عن بيع الحبلة، ونهى عن بيع حبل الحبلة، لك ما في بطن هذه الناقة بكذا، لك ما في بطن هذه الناقة هذا غرر وجهالة، ما تدري وش تلد؟ ذكر أنثى، مكتمل ناقص ما تدري، ميت لا تدري، كل هذا من بيوع الغرر والجهالة، في الأسواق وفي المحلات صور كثيرة للغرر، فلا بد أن يكون الثمن معلوم، والمثمن معلوم، طيب؟ صور التأمين الصحي وغير الصحي تدفع كذا مبلغ ألف ريال وتعالج في هذا المستشفى لمدة سنة أنت وأسرتك، هذا احتمال أن لا تراجع هذا المستشفى البتة، واحتمال أن تراجع هذه المستشفى بما قيمته عشرة آلاف بدل ألف هذا غرر وجهالة، ولذا حرم أهل العلم التأمين، الضمان، إذا كان مقابله له وقع في الثمن، غرر وجهالة، تشتري السيارة مضمونة لمدة سنتين، كيف مضمونة؟ إذا خربت يجوا يصلحونها لك؟ لكن ما مقابل هذا الضمان من الثمن؟ إن كان صاحب السلعة يقول: الثمن مائة ألف تبي ضمان نضمن، ما تبي بكيفك؟ ما يتغير الثمن، نقول: هذا تبرع بالإصلاح سهل؛ لكن إذا كانت مضمونة بمائة ألف وغير مضمونة بأقل بتسعين ألف مثلاً؟ نقول لا، هذا غرر وجهالة؛ لأنه يمكن هذه العشرة الآلاف التي دفعتها ما تستغرق منها شيء خلال السنتين، ويمكن أن تستغرق ضعف قيمة السيارة، هذا غرر وجهالة، وقل مثل هذا في ضمان الجوال مثلاً، إذا كان هذا الضمان يقابله نسبة من الثمن شيء له وقع في الثمن، الجوال والله بألفين، هذا بألفين، ضمان وإلا بألف وخمسمائة بدون ضمان، نقول: لا ما يجوز لأن هذا غرر وجهالة، يمكن يخرب كل يوم هذا الجوال، ويمكن ما يخرب، ولذلك تجدون في صور الضمان المشاكل كثيرة جداً، المشاكل كثيرة، تأتي إلى الوكالة وكالة السيارة تقول: والله الآن السيارة ما لها إلا شهر وخربت، تجي للمهندس يعني الأصل أن يصلح لك السيارة، يقول: لا هذا غير داخل تحت الضمان، أنت ما تدري عن شيء، تجي مرة ثانية يقول: لا هذا ناتج عن سوء استعمال، إيش معنى سوء استعمال؟ فمثل هذه المنازعات والخصومات الذي أوقعنا فيها إقدامنا على هذا الغرر والجهالة، بعض الغرر والجهالة قد يتجاوز عنه لندرته وقلته، أو لعدم الوصول إلى حقيقته، اشتريت بيت، ومن اللازم أن تشوف القاعدة كم عرضها مترين مترين، متر متر، ثلاثة أمتار، يا أخي غرر القاعدة ما تشوفها أنت، هذا غرر لكنه يسير، ولا يمكنه الوصول إليه، الأصل أن القاعدة المبنى ما دام على مخطط صادر من مهندس ومدروس الأصل فيه أن قواعده ماشية، الصور في هذا الباب كثيرة، يسأل كثيراً عن البيع الذي يسمونه تأجير منتهي بالتمليك، وهو صورة من صور الغرر، كيف؟ تشتري هذه السيارة لمدة ثلاث سنوات تدفع كل شهر ثلاثة آلاف ثم تدفع القيمة الأخيرة التي هي البيع عشرة آلاف، إذا انتهت الأقساط، إذا انتهت الأجور تدفع القيمة، هما عقدان في عقدٍ واحد، وواقع السلعة عند بيعها إذا انتهت الأقساط مجهولة، احتمال أن تسوى السلعة عشرين ألف السيارة، واحتمال ما تسوى إلا خمسة ألف، ولهذا أفتى العلماء بتحريم مثل هذا، من جهةٍ أخرى هذا العقد الضمان فيه عائر، لا يدرى هل هو على صاحب السلعة أو على دافع القيمة والأجرة؟ اشترى سيارة بهذا العقد، تأجير منتهي بالتمليك، بعد ستة أشهر احترقت السيارة، يأتي المستأجر يذهب إلى صاحب الوكالة يقول: أنا أجير، أمين ما أضمن، ما عليه ضمان، السيارة لك وأنا مستأجر أجرة، ولا تعديت ولا فطرت، إذاً من ضمانك؟ لكن الثاني يقول أنا بايع عليك، والضمان على المشتري، ما الذي يحل مثل هذا الإشكال؟ قد يقول قائل: يحله التأمين، كل وكالات السيارات مؤمنة، نقول: يا أخي الحلول لا ندري نتائج شرعية على مقدمات ممنوعة، لا بد أن تكون مقدماتنا شرعية؛ لأن بعض الناس يقول: سهل هذه مسألة محلولة، احترقت التأمين، نقول: لا يا أخي ما دام قلنا: أن التأمين حرام، إذاً كيف نبني عليه الحلال، فمثل هذا العقد الذي لا يعرف ضامنه لا يأتي الشرع بجوازه، ولذا أفتى العلماء بتحريم مثل هذه الصورة.
أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-12-09, 04:58 PM   #4
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث التاسع والثلاثون: عن عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ((الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً‏،‏ والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً‏))[رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.‏
هذا الحديث فيه الكلام عن الصلح {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] كما قال الله -جل وعلا- بجميع أنواعه وأشكاله وأطرافه، الصلح بين المتبايعين، الصلح بين المتخاصمين، الصلح بين أخوين، صلح بين زوجين، هو خير على كل حال، إلا ما استثني، الصلح الذي يحرم الحلال أو يحل الحرام لا يجوز بحال، ارتكاب ما حرم الله -جل وعلا- لا يجوز بحال، حصل نزاع وشقاق بين غاصبين، تحصل بينهما أو بين سارقين، أو بين مرتبطين بوعد محرم على شيءٍ محرم، ثم تخاصما وتشاجرا لا يكون بحال، إنما الصلح في المباحات والمشروعات من باب أولى، فالصلح جائز بين المسلمين، وهو من أفضل الأعمال، تصلح بين اثنين صدقة، والله -جل وعلا- يقول: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] بم يكون الصلح؟ يكون بتقريب وجهات النظر، بتنازل الطرفين، بهذا يكون الصلح، يعني إذا وجد خصومة بين شريكين، لا بد من أن يتنازل هذا عن بعض الشيء، وهذا عن بعض الشيء، ليتم تقريب وجهات النظر بينهما والإصلاح بينهما، ويكون بمساعي المصلحين، إذا حصل نزاع وشقاق بين زوج وزوجته يبعث حكم من أهله وحكم من أهلها، وتقرب وجهات النظر، ويصلح بينهما، ويتنازل الزوج عن بعض حقوقه، والمرأة عن بعض حقوقها، فالمرأة إذا رأت من زوجها إعراضاً عنها وتنازلت عن بعض ما أوجب الله لها لها ذلك، الأمر لا يعدوها، وإذا تنازل الزوج عن بعض حقوقه الأمر لا يعدوه، ولا يتم الصلح إلا بالتنازل، أما كل واحد يريد حقه كاملاً عند المشاحة لا يمكن أن يتم صلح؛ لكن عند المسامحة وينبغي أن يكون المسلم سمحاً في جميع تصرفاته، إلا إذا انتهك الحرمات، وإذا تحلى المسلم بهذا الخلق العظيم السماحة فإنه يكون قريباً من هذا الخير الذي هو الصلح؛ لكن إذا تضمن الصلح حرام من إحلال الحرام أو تحريم حلال فلا يصح، ولا يجوز بحال، أو تنازل عن واجب، حصل نزاع بين زوج وزوجته وبذلت المساعي للصلح بينهما فقال: نعم أنا أرضى وأتنازل عن حقوقي على أن لا تصلي الفجر مثلاً، أو لا توقضني لصلاة الفجر، نقول: لا هذا لا يجوز، أو تسمح له بأن يرتكب بعض المحرمات، نقول: لا، لا يجوز، وقل مثل هذا في الشركاء وغيرهم.
((والمسلمون على شروطهم)) إذا اشترط المسلم على أخيه، أو اشترط له والتزم له لا بد أن يفي، وأحق ما يوفى به من الشروط ما استحلت به الفروج، ما كان بين الزوجين، ((إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)) كسابقيه؛ لكن إذا لم يتضمن ذلك فالأصل أن الوفاء بالشروط واجب، من الشروط بين الزوجين تشترط المرأة على الزوج أن تواصل التعليم، وأن تعمل بعد التخرج، بعد سنة سنتين تضايق الزوج قال: أنا لا أريد هذا الشرط، نقول: يا أخي المسلمون على شروطهم؟ يقول: أنا بيدي خيار أنا أملك خيار ثاني، تبي تتنازل عن هذا الشرط وإلا ما صار شيء، تذهب لأهلها، نقول: ارتكب محرم وإلا ما ارتكب محرم؟ لأنه يملك الخيار الثاني، كونه شرط يجب الوفاء به من جهة أنها لو أصرت لا يستطيع إلزامها؛ لكن هو يملك الخيار الثاني تروح لها، لا يملك إجبارها في البقاء في بيته مع ترك الشرط، أما يملك الخيار الثاني يملك؛ لكن هي إذا رأت أن المصلحة بالتنازل عن هذا الشرط في مقابل أن تبقى عنده زوجة، الأمر لا يعدوهما، فمثل هذه الشروط هي مثلما يقال في حياة الناس: عرض وطلب، هو لما التزم بالشرط يعني إن كان في نيته أن لا يفي بهذا الشرط من الأصل لا يجوز له ذلك؛ لكن في نيته أن يفي لكنه تضرر من هذا الشرط، ويملك خيار آخر، نقول: هي أيضاً بالخيار، إن شاءت تبقى بدون عمل، تبقى في الخدمة في البيت، وعليه أن يوفر جميع ما تطلبه مما هو لائق بها، وإن أصرت على لزوم هذا الشرط على أن ينفذ ما له تنفيذه الأمر لا يعدوهما، طيب شخص اقترض من زيد مبلغ من المال، قال: الآن أنا والله محتاج عشرة آلاف على أن أسددها لك في كل شهر ألف لمدة عشرة أشهر، قال: تفضل، هذا عشرة ألف، بعد شهر نزلت بالمقرض حاجة، المقترض اشترط أن تسدد في كل شهر ألف، المقرض نزلت به حاجة واضطر إلى هذا المبلغ، هل له أن يلزم المقترض بدفعه فوراً، أو نقول: المسلمون على شروطهم؟ نعم، كيف؟ بمعنىً آخر هل القرض يقبل التأجيل أو لا يقبل؟ الجمهور على أنه لا يقبل التأجيل، بمعنى أنك لو اشترطت عليه، هو محسن، وليست حاجتك بأولى من حاجته، يلزمك أن تسدد فوراً، إذا احتاج إليها، متى طلب يلزمك تسدد؛ لأن القرض لا يقبل التأجيل، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: لا المسلمون على شروطهم؛ لأن المقترض قد يتضرر، اقترض منك عشرة آلاف تصرف بها، فأنت تلجئه إلى ما فيه ضرر عليه، ((والمسلمون على شروطهم)) وهذا يرجحه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، المسلمون على شروطهم.
قلت: مثل هذا في القروض المؤجلة ذات الأمد الطويل، لو احتاج المقرض مثلاً هل له أن يلزم المقترض؟ صندوق التنمية العقاري وغيره وكذا، ناس قدموا على هذا القرض على أساس أنه على خمسة وعشرين سنة، فهل للدولة أن تلزم الناس بالدفع فوراً؟ على الخلاف؛ لكن الذي رجحه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: المسلمون على شروطهم؛ لأنه يتضرر المقترض بهذا، وينقلب الإحسان إساءة، وحينئذٍ يكون هذا القرض على خلاف الهدف الشرعي من القرض وهو الإحسان.

أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-12-09, 04:59 PM   #5
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الأربعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏مَطْل الغنيِّ ظلم‏،‏ وإذا أُتْبع أحدكم على مَلِئٍ فليَتْبع)‏)‏ [متفق عليه]‏.
هذا الحديث يقول فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مطل الغني ظلم)) وفي لفظ: ((لي الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) مطل الغني: يعني تأجير التسديد من قبل الغني للدائن ظلم، والظلم كما تقدم ظلمات يوم القيامة، تجد الأموال عنده والأرصدة في البنوك فإذا جاء الدائن تأتينا بعد شهر -إن شاء الله-، إذا جاء بعد شهر قال: اصبر أسبوع، اصبر عشرة أيام، اصبر شهر ثاني، وهكذا، هذا لا يجوز حرام؛ لأنه ظلم، فلا يجوز للملي –الغني- أن يماطل بدفع الدين، بل عليه أن يسارع لإبراء ذمته، ولو لم يحضر صاحب الدين، إذا كان حالاً فهذا الظلم يجعل مثل هذا المطل محرم، وجاءت الأحاديث الأخرى أنه يبيح العرض والعقوبة، بحيث إذا رفع أمره إلى الإمام يعزر حتى يدفع؛ لكن ليس للشخص الممطول أن يعاقبه، يضربه أو يعتدي عليه، لا؛ لأن العقوبات منوطة بولي الأمر، وإلا صارت المسألة فوضى، عليه أن يرفع أمره إلى ولي الأمر فيعزره على هذا.
((يبيح عرضه وعقوبته)) يقول أهل العلم: ماذا يبيح من العرض؟ يبيح أن يتحدث الشخص بقوله: فلان مطلني فقط، لأن بعض الناس إذا سمع إباحة العرض خلاص الآن الفاكهة جاهزة مقدمة: الخبيث المخبث الفاعل التارك، نقول: لا، لا، لا يبيح لك أن تقول: مطل فلان مطلني، هذه إباحة العرض هنا، إباحة العقوبة يعزر من قبل الإمام، ومفهوم الحديث أنه إذا كان مطل الغني ظلم فالمعسر مطله وترديده ليس بظلم، بل يجب إنظاره {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}
[(280) سورة البقرة] يعني فالواجب نظرة إلى ميسرة، ((وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع)) الملي الواجد بحيث إذا طلب منه المال يدفع، بخلاف المفلس، فإذا أحيل صاحب الدين على واجد مليء عنده المال بحيث يسدد الدين متى طلب منه مثل هذا عليه أن يتبع، عليه أن يتبع، فإذا كان لك على زيدٍ من الناس مبلغ من المال وله نظير هذا المبلغ أو أكثر منه عند عمرو فأحالك على عمرو فإن كان عمرو مفلساً لا يلزمك القبول، وإن كان ملياً بحيث إذا طلبت منه المال أعطاك يلزمك أن تقبل، وحينئذٍ تبرأ ذمة المحيل، والجمهور على أن قبول الحوالة على المليء الباذل واجبة، وقال بعضهم: باستحبابها؛ لكن الجمهور على أنها واجبة للأمر بها ((فليتبع)) أما إذا كان معسراً أو في حكم المعسر مماطل أو لا يقدر استخراج الحق منه أحالك على ظالم، نقول: لا يا أخي لا قبول، أحالك على أبيك وأنت محرج من أبيك مثلاً، أحالك على أخيك وفي حرج عليك أو صهرك أو ما أشبه ذلك، يقول: لا يا أخي لا تحرجني، فهذا في حكم غير المليء.
أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-12-09, 05:00 PM   #6
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الحادي والأربعون: عن سمرة بن جُنْدب -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيَه‏)‏) [رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.
هذا الحديث يقول فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)) والمقصود باليد الحيازة يعني إذا أخذ مالاً من غيره أو متاعاً سواء كان بيده أو بواسطة شخص؛ لأن اليد هي الأصل في الأخذ فنص عليها، عليها أن ترد حقوق الناس، وسواء كانت أخذت غصباً وقهراً أو طوعاً واختياراً، إذا كانت بغصبٍ أو سرقة يلزمه الرد، يلزمه أن يردها، وإن كانت طوعاً واختياراً بعارية مثلاً يلزمه أن يردها متى انتهى منها، فعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه، أحياناً يكون الرد فيه شيء من الحرج، شخص غصب مال أو سرق مال وتاب توبة نصوح يلزمه أن يرد هذا المال؛ لكن يقول: لو ذهبت إلى فلان وقلت له: أنا والله سرقت هذا المال أو غصبته منك فيه حرج شديد، وقد يترتب على ذلك مفسدة عظيمة أعظم من المال، نقول: عليك أن تؤدي بأي طريقة لا يكون فيها ضرر عليك، ولا يكون فيها منّة لك عليه؛ لأن بعض الناس سرق من فلان مبلغ من المال، ثم تاب منه يذهب إلى صاحب المال ويقول: والله هذا المال هدية اقبلها يا أبو فلان، ليش؟ تقول: هدية أنا ما أقدر أقول سرقت، لك فيه منّة عليه ما يجوز، وما أديت، إنما تؤديه وتوصله إلى صاحبه بأي طريقة لا يكون فيها حرجاً عليك، ولا ضرر، ولا يكون فيها أيضاً منّة لك عليه بالطرق المناسبة، ولو كانت بواسطة شخصٍ آخر، المقصود أن المال يصل إلى صاحبه، على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وهذا في الأخذ المحرم كالغصوب، والسرقات، وأيضاً لو كان أخذه بطريقةٍ مباحة كالعواري مثلاً، استعار والقروض فالعارية ترد، وجحدها حرام، والمماطلة بها ظلم، ومجرد ما ينتهي الإنسان من هذه العارية يردها؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، وعليه أن يبيّن أن هذه العارية لفلان، وهذه من الوصايا الواجبة، لأنها من حقوق الناس، لا تبرأ ذمته إلا بإعادتها إلى صاحبها، يترتب على التأخير أمور قد يموت مثلاً، وهي ما أعيدت إلى صاحبها يبوء بها، وشخص استعار كتاب، الكتاب ما عليه إثم، الأصل أن الكتب ما يكتب عليها أسماء، استعار وطالت المدة فتصور أن الكتاب له، تصور أن الكتاب له، مع طول المدة عشرين أو خمسة وعشرين سنة، وصاحب الكتاب يعرف أن كتابه عند فلان؛ لكن محرج أن يطلبه منه، فبلغ المعير عن المستعير أن الكتاب له، بل حمّل شخصاً السلام له وقال: بلغ فلان منه السلام، وقل له: فلان يدعو لك وكل ما رأى هذا الكتاب تذكرك ودعا لك هذا كتابه أخذته أنت جزاك الله خير ووديته في المجلد جلدته ورجعته لك يعني صار له، يعني مع طول المدة يحصل مثل هذا ينسى الإنسان، فمثل هذه الأمور الواجبة لا بد من الاحتياط فيها، أحياناً الكتاب يكون عليه الاسم –اسم صاحبه- وصاحبه أحياناً يبيع كتب، فيدخل عليه صاحب الاسم هذا إلى مكتبة فلان ويجد كتابه بمكتبة فلان، لا يدري هل باعه عليه؟ ما يدري هل أعاره إياه؟ ما يدري كيف وصل إليه؟ تسأل صاحب المكتبة يقول: شلون جاءك هذا الكتاب؟ يقول: والله ما أدري هذا عندي من عشرين سنة ما أدري شلون، صحيح عليه اسمك ما أدري هل أنا استعرته منك أو اشتريته منك؟ ما أدري، وهذا يحصل كثيراً بين طلاب العلم، وحينئذٍ يتعارض الأصل مع الظاهر، الأصل إيش؟ أنه لفلان، الذي عليه اسمه، هذا الأصل، لكن الظاهر -ظاهر الحال- أنه لمن هو بيده، وحينئذٍ نحتاج إلى مرجح، فإذا عرفنا أن فلان صاحب الاسم معروف ببيع الكتب إذا استغنى عن كتابه باعه، هذا مرجح، يمكن باع الكتاب، وإذا عرفنا من حاله أنه لا يبيع الكتب البتة، غلب على ظننا أنه إعارة فنحتاج حينئذٍ إلى مرجح، وعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ما يقول: هذا كتاب، والكتاب علم، والعلم مشاع، ولا يملكه أحد، نقول: لا هذا كتاب فلان أخذته عليه أن تؤديه، وقد استجاز بعضهم، بعض من لا يعتد بقوله استجاز سرقة الكتب؛ لأن العلم مشاع والكتب...، لا، لا، هذا قول لا يلتفت إليه، هذا قول باطل؛ لأنها مال، وسرقة الأموال معروف حكمها.
أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-12-09, 05:01 PM   #7
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الثاني والأربعون: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال‏:‏ "‏قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم‏،‏ فإذا وقعت الحدود، وصُرفت الطرق فلا شفعة" ‏[رواه البخاري]‏.
قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني حكم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة، وهي استحقاق نصيب الشريك لشريكه بنفس الثمن الذي بيعت به، قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، (كل) من صيغ العموم، و(ما) أيضاً لم يقسم يعني مما تقع فيه الشركة، فيدخل في ذلك العقار والمنقول من متاع وسيارات وغيره، لكن قوله: فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، هذا مخصص للعموم، وأن الشفعة لا تكون إلا في العقار، ولا تكون في غيره، اشترك اثنان في سيارة، اثنان اشتركا في سيارة، كل واحد دفع خمسين ألف واشتروا هذه السيارة، استغنى أحدهم عن حصته فباعه على ثالث، الشريك له أن يشفع؟ ليس له أن يشفع، المشتري ينزل منزلة صاحب ولا ضرر في ذلك، من الطرائف يذكر عن شخصين اشتركا في سيارة أول ما جاءت السيارات، الناس ما يعرفون حقيقة هذه السيارات، اشتركا في سيارة فاختصما وتنازعا، وأحضرا المنشار يقتسمانها، هذا إتلاف للمال، المقصود أن مثل هذه لا شفعة فيها، إنما الشفعة في العقار فقط، لقوله: "فإذا وقعت الحدود" والحدود لا تقع إلا في العقار، "وصرفت الطرق فلا شفعة" يعني إذا تميز نصيب كل واحدٍ منهما لا شفعة، بحيث يعرف نصيب فلان وبينهما طريق ومعروف الحدود حينئذٍ يكون الشريك كغيره، فإذا تميز ارتفعت الشركة، إذا تميز نصيب كل واحدٍ منهما ارتفعت الشركة، فليس بشريك، إنما يكون حينئذٍ شريك وإلا جار؟ جار، الشريك حال الشركة له شفعة، فإذا باع شريكه نصيبه بمائتي ألف على زيد من الناس وأراده صاحبه الشريك هو أحق به، هو أحق به، فيلزم المشتري أن يتنازل ويلزم الشريك بأن يدفع نفس المبلغ، ما يقول: والله أنا شريك مانا بدافع، مشتريه بمثل بعطيك خمسين ليش أعطيك مائة ألف كاملة؟ يلزم بدفع ما باعه به، وعندئذٍ لا ضرر ولا ضرار، أنت للك حق في الشرع؛ لكن أيضاً شريكك له حق في المكسب، فهذه الشفعة، إذا قسمت الأراضي، وعرفت الحقوق، ووجدت الطرق، وعرفت الحدود، وقعت الحدود، صرفت الطرق صاروا جيران، ما صاروا شركاء، وجاء في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) وأثبت بعض أهل العلم الشفعة للجار، والجمهور على عدم ثبوتها لهذا الحديث؛ لأن الجار وقعت بينهما حدود وبينهما طرق، وجاء في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) والحنفية يرون الشفعة للجار لا سيما إذا كان الجار يتضرر، هما يشتركان في طريقٍ ضيق، يعني لو استطرق هذا الطريق الضيق فيه مضايقة لمن يخرج من هذا البيت من نساء من صغار من كذا، ويريده صاحبه يتوسع به الجار لا شك أن مثل هذا إذا تضرر أحق به من غيره، وإلا فالأصل أن الجار لا شفعة له؛ لأنه قد وقعت الحدود وعرفت، وحديث: ((الجار أحق بسقبه)) محمول على مثل هذه الصورة إذا كان يتضرر.
أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-12-09, 05:15 PM   #8
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الثالث والأربعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏يقول الله تعالى‏:‏ أنا ثالث الشريكين، ما لم يَخُن أحدهما صاحبه‏،‏ فإن خانه خرجت من بينهما‏)‏) [رواه أبو داود‏].
الشركات باختلاط الأموال والأبدان لا شك أن الناس يحتاجونها، فبعض الناس عنده مال لكن لا يستطيع أن يعمل، وبعض الناس عنده فراغ يود أن يعمل لكن ما عنده مال يعمل به، بعض الناس عنده مال لا يفي بهذا المشروع فيضطر ويحتاج إلى أن يشارك غيره للدخول في مثل هذا المشروع المباح، فالشركة بأنواعها المباحة مما تقرر جوازه في الشرع، وحينئذٍ إذا حصلت هذه الشركة لا بد من الصدق، ولا بد من البيان، يعني إذا كان يجب البيان والصدق والوضوح مع المشتري وإن كان بعيداً أجنبياً فالخليط لا شك أنه أولى بهذا، ((ما لم يكن أحدهما صاحبه)) فإذا وقعت الخيانة وقع الاختلاس، وقع التغطية والتدليس على شريكه، حينئذٍ فيخرج الله -جل وعلا- من بينهما، ((أنا ثالث الشريكين)) فهذان الشريكان إذا تعاملا بوضوح ونصح بينهما وصدق وحرص على مصلحة الطرفين على حدٍ سواء فالله -جل وعلا- معهما، وإذا كان معهما بارك في هذه الشركة، فإنه يبارك في هذه الشركة، أما إذا خان أحدهما الآخر خرج الله -جل وعلا- من هذه الشركة، والدخول والخروج أمر يضاف إلى الله -جل وعلا-، كما جاءت في مثل هذا الحديث، وعلى كل حال على ما يليق به -جل وعلا-، ودخوله في البركة، وخروجه بنزل البركة، كما قرر أهل العلم، ((خرجت من بينهما)) سوف يكون مآل هذه الشركة إلى الخسران والاضمحلال والزوال، أما إذا قارن ذلك الصدق والأمانة والبيان والنصح لكل واحدٍ منهما فليبشرا بهذه البركة.
أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-12-09, 05:15 PM   #9
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الرابع والأربعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث‏:‏ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)‏)[رواه مسلم]‏.‏
العبد في هذه الدنيا من بلوغه الحلم والتكليف يجري عليه القلم، فيكتب ما له وما عليه، لكنه إذا مات انقطع تكليفه، فلا يجري عليه شيء، ولا يجري له شيء، إلا ما كان بسببه، إلا ما كان له يد فيه، ويستوي في هذا الطرفان، إن كان مما يكتب له مما تسبب به دخل في هذا الحديث، وإن كان مما يكتب عليه مما تسبب به ولو بعد موته كما تقدم في حديث: ((من سن سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها)) والميت يعذب ببكاء أهله عليه؛ لأنه له يد في هذه الأمور، أيضاً إذا ألف كتاب فيه بدع وضلالات وشكوك وشبه هذا لا شك أن كل من قرأ هذا الكتاب وتأثر به عليه وزره إلى يوم القيامة، وبالمقابل إذا ألف كتاباً ينتفع به الناس يستفيدون منه في فهم كلام الله، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- هذا علم ينتفع به فله أجره، وفي هذا يقول: ((إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث)) لأنه الأصل أن ينقطع البتة، التكليف منوط بالحياة، ولا تكليف بعد الحياة؛ لكن باعتباره سبباً لهذه الأعمال، إما أن تكون حسنة أو سيئة، فيكبت له الحسنات ويكتب عليه السيئات لما كان سبباً فيه.
((صدقة جارية)) وقف مثلاً أو وصية؛ لأنه لا بد من تحقيق الهدف الشرعي من الوقف؛ لأن الأصل فيه أن يكون صدقة جارية، يعني مستمرة، فإذا كان الوقف لا يحقق الهدف الشرعي من مشروعية الوقف فلا فائدة فيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن بعض الناس يوقف أوقاف وتترتب هذه الأوقاف، نعم فيها أمور حسنة، ويداخلها أمور سيئة، يكون فيها شيء من الحيف، شيء من الجور، شيء من دعم الحق، وشيء من دعم باطل مثلاً، مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي؛ لأن الإنسان يبتغي بهذا الوقف وجه الله، وما يقرب منه، فلينتبه الإنسان لهذا، قد يوقف وقف عظيم، ويجعل الصدقة أجره أو مثلاً غلته لواحد من أولاده، يحرم عليه هذا، فمثل هذا الوقف باطل وملغى؛ لأنه لا يحقق الهدف الشرعي من الوقف، يورد الضغائن والشحناء بين الأخوة، فالمسلم مأمور بالتعديل بين أولاده في حياته وبعد مماته، ولذا جاء في الحديث: ((لا وصية لوارث)) على ما سيأتي، ((صدقة جارية)) من أفضل الصدقات تسبيل وتوقيف ما يرفع حوائج المحتاجين، وما يعين على طاعة الله -جل وعلا-، من إعانة لمجاهدين، أو طلاب علم، وعباد يتفرغون لطاعة الله -جل وعلا-، أو يتصدق لما يعين على حياة الناس مثلاً وبقائهم من مأكولٍ ومشروب، يتصدق بمزرعة فيها ماء، فيها طعام، لتستمر ويستمر ريعها، ((أو علم ينتفع به)) بحيث يعلم الناس ويستمر نفعه باستمرارهم واستمرار تلاميذهم، أو بمؤلفاته النافعة، كل هذا علم ينتفع به بعد موته ((أو ولد صالح يدعو له)) وعلى هذا ليحرص المسلم على تربية ولده على الخير والفضل والاستقامة والصلاح ليكون مجاب الدعوة إذا دعا لوالده، ولذا ما قال: (ولد يدعو له) قال: ((ولد صالح)) فلنحرص على هذا الوصف، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-12-09, 12:59 PM   #10
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

شرح جوامع الأخبار (7)
شرح حديث: (ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم..) وحديث: (من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ..) وحديث: (المسلمون تتكافأ دماؤهم..) وحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه..) وحديث: (يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة..) وحديث: (لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً..) وحديث: (يحرُم من الرَّضاعة..) وحديث: (ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم..) وحديث: (إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقَّه..) ‏وحديث: (ألحَقوا الفرائض بأهلها..) وحديث: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له..)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير





الشيخ/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال المؤلف العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-:




الحديث الخامس والأربعون: عن أسمر بن مضرس‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏((‏من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له‏))[رواه أبو داود]‏.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم هذا الحديث فيه الدلالة على أن من تقدم غيره إلى شيءٍ مباح مشاع بين الناس كلهم فهو أحق به، ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)) يعني هو أحق به من غيره، جئت إلى المسجد ما فيه أحد تجلس في أي مكان تريد، وليس لأحدٍ كائناً من كان أن يأمرك بأن تقوم من هذا المكان أبداً، إذ أنك سبقت في الأمور العامة المشاعة إلى ما لم يسبق إليه، وقل مثل هذا في المباحات، في البراري مثلاً، سبقت إلى الكلأ، سبقت إلى الماء، سبقت إلى الأمور العامة، فإذا كان هذا في المباحات فمن باب أولى في مواطن العبادة، ولذا قال الله -جل وعلا- في بيته الحرام {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [(25) سورة الحـج] العاكف المقيم الملازم للمسجد، المجاور يستوي هو والبادي صاحب البادية الذي يأتي ليؤدي فرض واحد ويرجع، ما في فرق، ثم قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحـج] يعني كونك تعتدي على شخصٍ جالس في أي مكان من المسجد الحرام أو غيره من المساجد؛ لكن الأمر فيه أشد لأنه سماه إلحاد تعتدي عليه وتأمره بأن يقوم من مكانه لا هذا إلحاد، فليحذر الإخوة الذين يحجزون أماكن ويضيقون على الناس، وجد بعض التصرفات في أقدس البقاع مشينة، وصل فيها إلى حد الضرب، يعني في آخر لحظة من رمضان بقي على أذان المغرب خمس دقائق، آخر لحظة من رمضان في آخر يوم مضاربة في صحن الحرم، هذا أبعد هذا مكاني، على أي أساس؟ سبقت خلاص هذا مكانك، ((من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له)).
كذلك في الأراضي البور البيضاء، سبق إليها فلان وأحياها هو أحق بها، المشاعر سبق إلى مكان في منى أحق به، سبق إلى مكان في عرفة أحق به، مواطن العبادة الناس فيها سواء، لا يجوز الاحتجار والتضييق على الناس البتة، أما التعدي عليهم هذا ظلم لهم، بعض الناس يستأجر الأجراء ليحجزوا له الأماكن، هذا موجود في المواسم تجد مثلاً أجراء يحجزون أماكن لمن يتخلفون، ويأتي الناس قبلهم، لا من تقدم أولى به، ولا تجوز الأجرة في مثل هذه الأماكن، في كثير ٍمن المساجد أو في كثير من بلدان المسلمين تعارف الناس على موضع الإمام وموضع المؤذن، مسألة عرفية؛ لكن لو جاء شخص وجلس في موضع المؤذن وأصر أن يبقى فيه، وقد دخل المسجد قبل المؤذن له ذلك، شيخ يعلم الناس العلم وله عمود واضح بيّن جاء ووجد فيه شخص جالس الأصل أن هذا الشخص سبقه؛ لكن أهل العلم يستثنون مثل هذا للمصلحة الراجحة.





الحديث السادس والأربعون: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ألحَقوا الفرائض بأهلها‏،‏ فما بقى فهو لأوْلى رجل ذكر‏))[متفق عليه]‏.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث ابن عباس المتفق عليه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) الفرائض: الأنصبة المقدرة المحددة شرعاً التي تولى الله -جل وعلا- قسمتها بين أصحابها ومستحقيها من قرابة الميت التي لم يترك فيها اجتهاداً لأحد، ولذا صار الخلاف في مسائل الفرائض وهو الأقل من بين سائر أبواب الدين، فالخلاف في الفرائض لا يكاد يذكر في مسائل يسيرة جداً تولى الله -جل وعلا- قسمة هذه الحقوق، لم يتركها لاجتهاد أحد، وبيّن أصحاب الفرائض، بين حقوقهم، وجاء الأمر بتطبيق ما جاء في كتاب الله -جل وعلا- من هذه الفرائض والحقوق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) طبقوا ما جاء في كتاب الله -جل وعلا-، وأعطوا كل ذي حقٍ حقه، ومعلوم أن الإرث متعلق بتركة الميت، وقبل الإرث هناك حقوق تتعلق بالتركة منها: ما يتعلق بحق الميت نفسه ومؤونة تجهيزه، وهذا هو المقدم على كل حق، ومنها الديون المتعلقة بعين التركة، الديون التي فيها رهن لشيءٍ من الموروث، ثم الديون المطلقة التي لا تتعلق بعين التركة من حقوق الله وحقوق عباده، ثم بعد ذلك الوصايا، ثم الإرث، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) مقتضى ذلك أن يقدم أصحاب الفروض المقدر على غيرهم، فيقدم صاحب الفرض فإذا استوفى صاحب الفرض حقه وبقي من التركة شيء يكون حينئذٍ لأولى رجلٍ ذكر، فإذا مات الميت عن زوجة وأم وأخت وعمّ مثلاً تعطى الزوجة النصيب كامل لعدم الحاجب، تعطى الربع، والأم كم؟
لماذا الثلث؟ لعدم وجود الفرع الوارث وجمع من الأخوة، والأخت؟ النصف، لماذا؟ لعدم الفرع الوارث وعدم المعصب، وعدم الأصل من الذكور الوارثة، كم يبقى للعم؟ يبقى للعم شيء؟ يبقى له شيء وإلا ما يبقى؟ فما بقي، ما له إلا ما يبقى، والآن ما يبقى شيء، فالمسألة تعول، لو قدر أنه ليس هناك أخت، زوجة وأم وعمّ أو أخ؟ للزوجة الربع، وللأم الثلث، وللعم الباقي، ((فما بقي فلأولى رجلٍ ذكر)) والأصل في التعصيب أنه للذكور، لهذا الحديث ولغيره، هم العصبات في الأصل، هم المتعصبون بأنفسهم، هناك عصبة للغير ومع الغير، ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) والفرائض فيها النصف، ونصفه ونصف نصفه، النصف والربع والثمن، وفيها الثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، الثلثان والثلث والسدس، هذه الفروض المقدرة، وأصحابها معروفون بينوا بالنصوص ولم تترك لاجتهاد أحد، ((فما باقي فلأولى رجلٍ ذكر)) أولى: هذه أفعل تفضيل والأولوية هذه تكون بأحد أمور ثلاثة، بالجهة، بالقرب، بالقوة.

فبالجهة التقديم ثم بقربه *** وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
هذه منظومة إيش؟
طالب: الجعبري.
الجعبري صحيح؛ لأن الإخوان ما يعرفون جلهم إلا الرحبية، والرحبية من الرجز، ومنظومة الجعبري على زنة إيش؟ الشاطبية؟ ما يطلع علينا واحد يقول: هذا البيت من الشاطبية ما يمكن، والفرائض له كتبه ومؤلفاته وهو علم مستقل يدرس على جهة الاستقلال، كما أنه فرع من فروع علم الفقه، والاهتمام به والعناية بِشأنه أمر لا بد منه، لا بد من ذلك؛ لأن الناس يتعرضون لهذه المسائل، ما فيه بيت يخلو من مسألة من مسائل الفرائض، ما في بيت يخلو من ميت، فعلى طلاب العلم أن يعنوا به، الحديث الذي يليه حديث أبي أمامة.





الحديث السابع والأربعون: عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال‏:‏ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏((‏إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقَّه، فلا وصية لوارث‏))[رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه].‏
حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي -رضي الله عنه- يقول: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه، فلا وصية لوارث)) هذا الحديث مخرج في السنن، وفيه كلام لأهل العلم؛ لكنه متلقىً بالقبول، إيش معنى تلقي بالقبول؟ يعني عمل به الأئمة، وأهل الحديث يرون أن تلقي الحديث بالقبول أقوى من مجرد نظافة الأسانيد وكثرة الطرق، تلقي الأمة للخبر بالقبول أقوى من مجرد نظافة الأسانيد وتعدد الطرق، فتلقي الأمة بالقبول يدل على أن الخبر محكم، واتفاقهم على العمل به يعطيه قوة، هناك مسائل يبحثها أهل الحديث في عمل العالم بالحديث، أو فتواه على مقتضى حديث، أو مخالفة العالم لحديث، هل له أثر في حكم الحديث؟ فتواه على مقتضى الحديث، أو عمله بالحديث، هل يدل على ثبوته وصحته؟
طالب:.......
لا يلزم؛ لأنه قد يكون معه أحاديث أخرى، قد يكون عمل العالم بمقتضى هذا الحديث لما يؤيده من قواعد، كما أن مخالفة العالم للحديث لا تدل على ضعفه لاحتمال أن يكون عمله بمعارضٍ يراه أرجح، الأمة تلقت هذا الخبر بالقبول ((فلا وصية لوارث)) لقوله -جل وعلا-: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180] لمن الوصية؟ للوالدين، والوالدان من الوارثين، وهنا يقول: ((لا وصية لوارث)) في القرآن إثبات الوصية للوالدين وهما من الورثة؟ وهنا يقول: ((لا وصية لوارث)) هل نقول: أن الآية منسوخة بهذا الحديث؟ يجرؤ أحد أن يقول: أن الآية منسوخة بهذا الحديث؟
طالب:........
نعم، تخصيص؟ لا هو رفع كلي للحكم، بالنسبة للوصية للوارث منسوخة؛ لكن هل نسختها آيات المواريث كما يقول أهل العلم؟ ولا يدخلون هذا فيها؛ لأن الجمهور عندهم أن الآحاد لا ينسخ المتواتر، على كل حال: ((لا وصية لوارث)) هو الأمر الذي تقرر عليه العمل، وهو الذي عليه عامة أهل العلم.
((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه)) بين حق الوالدين في كتابه، حق الزوجات مبين، حق الأزواج مبين، حق الأولاد، كل شيء مبين، ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)) تولى إعطاءه -جل وعلا- بنفسه، ولم يترك في ذلك المجال لأحد، وحينئذٍ لا وصية لوارث؛ لأنه لا جمع بين الإرث والوصية، الوصية معروف أنها لا تنفذ إلا بعد موت الموصي، فإذا أوصى الموصي لوارث فبان عند الموت غير وارث، شخص له أخ لو مات ورثه فأوصى له بثلث ماله، نقول: هذه وصية؟ وصية لكنها لوارث باطلة، افترض أن هذا الأخ ولد لأخيه قبل وفاته بيوم ولد، تنفذ الوصية وإلا ما تنفذ؟ فبان عند الموت غير وارث، يعني إن كانت الوصية في حال عدم الحاجب، والموصي على علمٍ بذلك، الموصي عنده خبر، وأنه لا وصية لوارث، ومع ذلك يوصي له لأنه وارث، فالوصية من أصلها باطلة؛ لكن لو كان هذا الأخ أوصى له أخوه في آخر عمره، وبعد أن ظهرت النتائج وأن الزوجة حامل، فعرف أنه محجوب بهذا الحمل، ثم مات هذا الحمل قبيل الوفاة، أثناء الوصية هو غير وارث لوجود الحمل؛ لأن الحمل يحجب، لا سيما إذا كان ذكراً، هو يتوقع أنه ذكر فأوصى له لئلا يحرم من الأخ، ثم مات هذا الحمل، أو ظهر هذا الحمل أنثى، تستحق نصف المال والأخ له الباقي، ماذا يكون؟ تنفذ الوصية وإلا ما تنفذ؟ يعني هل العبرة بالحال أو بالمآل؟ العبرة بالحال وإلا بالمآل؟ أو نقول: أن الوارث وصف مؤثر فإن كان وارثاً بالفعل لا تصح الوصية، وإن كان غير وارث بالفعل تصح الوصية؟ مع أنهم يلاحظون المقاصد؛ لأنه إذا قصد الوصية لوارث ظلم بقية الورثة، وحينئذٍ يعامل بنقيض قصده عندهم، طيب أوصى لوارث بالوصف لا بالقرب، يعني عنده أولاد، واحد من هؤلاء الأولاد يطلب العلم، فقال: ثلث مالي لمن يطلب العلم لولده، وهو يعرف ولده ما في إلا واحد، فكونه يوصي بالوصف يختلف عن كونه يوصي بالتعيين من الورثة، وفي هذه الوصية، ومثل هذه الوصية حث على تعلم العلم، وما قصد التمييز وارث من وارث، هو قصد حث هؤلاء الورثة على الاهتمام بشأن العلم، ولذا يصححها أهل العلم، وإن كان وارثاً؛ لأنه ليس مقصوداً لذاته؛ لكن لو قال: ثلث مالي لابني فلان، لولدي فلان لأنه يطلب العلم قلنا: لا، أنت أوصيت لولدك، فإذا قال: لمن يطلب العلم من ولدي، قلنا: ما شاء الله صيغة صحيحة، فالأمور بمقاصدها، الفروع كثيرة جداً، وتحتاج إلى شيءٍ من البسط؛ لكن الالتزام بتكميل الكتاب يعوق عن ذلك.





الحديث الثامن والأربعون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم‏:‏ المُكاتب يريد الأداء، والمتزوج يريد العَفاف، والمجاهد في سبيل الله‏))‏ [رواه أهل السنن إلا النسائي]‏.‏
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث الذي يرويه من طريق أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة حق على الله عونهم)) لما يترتب على هذه الحمالات التي تحملوها من نفعٍ عظيم، وأثرٍ بالغ، ((ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد الأداء)) المكاتَب يريد الأداء، يعني ينوي الأداء، فإذا كانت هذه نيته، وكاتبه سيده بطلبٍ منه يريد الحرية ليتعبد من غير تقييد فالله -جل وعلا- يعينه، فإذا أراد العبد أن يتحرر بالكتابة من قيود الرقّ ليعبد الله -جل وعلا- ولينفع نفسه وغيره، وهو مع ذلك يريد أداء نجوم هذه الكتابة فإن الله -جل وعلا- يعينه، ومثله من تحمل بعض الديون لحوائجه الأصلية وهو يريد أداءها، بخلاف من أخذ أموال الناس تكثراً، ومع الأسف الشديد لا يحسب أي حساب للدين، فتجده يتخبط ويضطر إلى أن يستدين، ويرهق نفسه بالديون ونيته -والله أعلم- بها عاد كونه يريد الأداء أو لا يريد، هو تسبب في إغراق نفسه بالديون، نعم يختلف الأمر فيما إذا كان يريد الوفاء أو لا يريد الوفاء، يريد إتلافها أتلفه الله؛ لكن إذا لم يكن هناك سبب لتحمل هذه الديون فالدين خطر، شغل الذمة خطر، فإذا كانت الشهادة وهي القتل في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، فالدين شأنه عظيم، وقد امتنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصلاة على المدين حتى ضمن الدين، وعلى هذا من تحمل الدين لحاجة مع نية الوفاء حكمه حكم هذا المكاتب، ومثل ذلك المتزوج يريد العفاف، وذلك لما في الزواج من مصالح دينية ودنيوية، وهو من سنن المرسلين، وأوجبه بعض أهل العلم مطلقاً، وإن كان حكمه تنتابه الأحكام الخمسة عند جمعٍ من أهل العلم، وعلى كل حال فمن رغب عنه فقد رغب عن السنة، ولو قال: ليتفرغ للعلم، ولو قال: ليتفرغ للجهاد، ليتفرغ للعبادة هذا عبادة، ((وفي بضع أحدكم صدقة)) وهو أيضاً تعاون على البر والتقوى، وهو أيضاً إبقاء للنوع الإنساني، وهو أيضاً تحقيق لأمره -عليه الصلاة والسلام- بالتكاثر، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالزواج، ولا يتحقق هذا الأمر بمجرد العقد، ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) هذا أمر، ويختلف العلماء في حقيقة الزواج وحقيقة النكاح، هل هي العقد أو الوطء أو هما معاً أو حقيقة أحدهما مجاز في الآخر؟ الخلاف طويل؛ لكن الذي قرره شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن امتثال الأمر لا يتحقق إلا باجتماع الأمرين، ((فليتزوج)) لو قال شاب: نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) أنا عقدت، حققت الأمر وخرجت من عهدة هذا الأمر إذاً أطلق قبل الدخول، نقول: لا يا أخي، لا بد من تحقق الأمرين، وهذا في النكاح المأمور به كما يقول شيخ الإسلام لا بد من الأمرين معاً، أما النكاح المنهي عنه فالنهي ينصرف إلى العقد وحده، وإلى الوطء وحده، وإلى الأمرين من باب أولى، فمثلاً {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [(22) سورة النساء] قد يقول: المراد به العقد؛ لأن حقيقة النكاح العقد، إذاً العقد هل يتصور أن الشرع يحرم العقد ويبيح الوطء؟ أو يقول مثلاً: المراد حقيقة النكاح الوطء إذاً أعقد، لا بد من اجتناب الأمرين معاً، وتيمور لما أعلن الدخول في الإسلام، وهو ظالم باغي معتدي أعلن الإسلام وتحته نساء أبيه، فقال علماء الإسلام: لا يجوز أن تبقى نساء أبيه في عصمته بعد إسلامه، فخشوا من سطوته وردته -إن كان أسلم حقيقة والله يتولى السرائر- وبطشه وانتقامه من المسلمين، فقام واحد من أهل العلم قال: نجد له مخرج لأن الضرر متحقق، وهو أن نقول: أن عقد أبيه على هؤلاء النسوة باطل، كانوا كفار، فعقد أبيه على هؤلاء النسوة باطل؛ لكن هل يسوغ له أن يطأ هؤلاء النسوة اللاتي وطأهن أبوه ولو بعقدٍ باطل؟ لا يجوز هذا بحال، هذا رأى من المصلحة العامة للأمة أنه يترك، مفسدة خاصة به وبنسائه أسهل من مصلحة عامة جائحة بالأمة، وبعض أهل العلم يصير عندهم من الجرأة مثل هذا، ويتفاوتون في تقرير المصالح والمفاسد؛ لكن لا شك أن مثل هذه الفتوى إن لم يكن الضرر متحققاً والبلى متعدياً على الأمة وإلا فهي فتوى باطلة، وإن قال بعضهم أنها عين الفقه.
المقصود أن النكاح المنهي عنه يقع على العقد وحده، ويقع على الوطء وحده، ويقع عليهما من باب أولى معاً كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية، على كل حال ((المتزوج يريد العفاف)) الممتثل للأوامر الشرعية، لا بد من أن يجمع بين الأمرين ما يقول: أنا والله عقدت إذاً تزوجت؛ لأن الزواج والنكاح حقيقته العقد، يعني على قول ما يلزم أن يطأ، ويطلق قبل الدخول ليسترد نصف المهر، نقول: لا أخي أنت ما حققت الأمر الشرعي، وإذا كان هذا هدفك من الأصل فالله -جل وعلا- لن يعينك على هذا؛ لأنك ما امتثلت الأمر، ونظراً لعظم المصالح في الزواج والنكاح جاءت الأوامر به، وجاء الوعد بعون هذا المتزوج؛ لكن في حياة الناس اليوم ما هو بعيد كل البعد من الهدي النبوي في النكاح والزواج، فهل من يخسر في ليلةٍ واحدة خمسمائة ألف مثل هذا يدخل في الحديث؟ قاعة وإلا فندق تستأجر بخمسمائة ألف ليلة واحدة؟ مثل هذا هل هو يرجو لمثل هذا العون من الله -جل وعلا-؟ المقصود أنه المتزوج المحقق للهدف الشرعي من الأمر بالزواج الممتثل للتوجيهات الشرعية، والوصايا النبوية في الزواج، أما شخص عنده مخالفات عظيمة في الزواج، ويريد العون من الله -جل وعلا-، ومن المبذرين {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [(27) سورة الإسراء] فأخو الشيطان لا يستحق العون، ((المتزوج يريد العفاف)) لهذه النية، يريد أن يعف نفسه، ويعف زوجته، ويحصل بينهم من الأولاد من يدعو لهم بعد وفاتهم.
((والمجاهد في سبيل الله)) المجاهد في سبيل الله الذي يتحمل ما يعينه على الجهاد، فهذا الذي يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، لصد العدوان على عباد الله، مثل هذا الله -جل وعلا- يعينه في تسديد ما تحمله من أجل الجهاد، والله المستعان.




الحديث التاسع والأربعون: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏يحرُم من الرَّضاعة ما يحرم من الولادة‏))[رواه البخاري ومسلم‏].
يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، المحرمات في النكاح إما أن تكون بالنسب، أو بالمصاهرة، أو بالرضاع، فالمحرمات بالنسب مفصلة في سورة النساء {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [(23) سورة النساء].. إلى آخره، فيحرم من الرضاع ما حرم في هذه الآية من المحرمات بالنسب، أيضاً حرم بسبب المصاهرة، وهي غير النسب، فهل يحرم من الرضاعة مثل ما حرم من المصاهرة؟ أخت الزوجة من الرضاعة مثلاً، زوجة الابن من الرضاعة، بنت الزوجة من الرضاعة، بنت الزوجة من الرضاعة بنت، بنت الزوجة من الرضاعة ربيبة؛ لكن زوجة الابن من الرضاعة تحرم وإلا ما تحرم؟ {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [(23) سورة النساء] هل مثل هذا يخرج زوجة الحفيد لأنه ليس ولد صلب إنما هو ابن ابن؟ يخرج وإلا ما يخرج؟ لا يخرج زوجة الحفيد؛ لأن ابن الابن ابن، زوجة الابن من الرضاعة تخرج بقوله: {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [(23) سورة النساء] المسألة خلافية بين أهل العلم، ولولا قوله: {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} لدخلت في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)) لكن هذا القيد {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} قيد اعتبره بعض العلماء، ومنهم من قال: تحرم بهذا الحديث، والقيد {مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} يخرج الولد بالتبني فقط، أما ولد الرضاعة فهو ولد، طيب يمكن الاحتياط في مثل هذا الباب وإلا ما يمكن؟ ((هو لك يا عبد بن زمعة، واحتجبي منه يا سودة)) فالاحتياط لمثل هذا الباب أن لا يتزوج زوجة ابنه من الرضاعة، كما أن الاحتياط في مثل هذا الباب أن لا تكشف له زوجة ابنه من الرضاعة، هذا احتياط، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هو لك يا عبد بن زمعة)) هذا حق شرعي؛ لكن لما رأى الشبه البيّن بعتبة قال: ((احتجبي يا سودة)) وإلا فالأصل أنه أخوه، الاحتياط في مثل هذا وارد؛ لكن من ترجّح عنده شيء بدليله ويدين الله -جل وعلا- بهذا القول الراجح لا يلام في فعله؛ لكن يبقى أن الاحتياط مطلوب.
((يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)) الأم من الرضاعة حرام، الأخت من الرضاعة حرام، البنت من الرضاعة حرام، ويختلفون في ما كان من الرضاعة له نظير مما حرم بالمصاهرة، يختلفون في مثل هذا والاحتياط أيضاً أن الحكم واحد، حتى من المصاهرة، أخت الزوجة من الرضاعة الاحتياط منعه، والله المستعان.
{وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] عموم هذا اللفظ، {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} مثلاً يتناول الأخوة من النسب بأن تكون أخت شقيقة أو لأم أو لأب، وكذلك من الرضاع، فهذا العموم، هذا النص بعمومه يتناول الأخت من الرضاعة، وهو الأحوط، وهو قول جمهور العلماء.






الحديث الخمسون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر‏))‏ [رواه مسلم‏].‏
هذا الحديث فيه مقياس ونبراس للتعامل بين الزوجين، فالمؤمن لا يستعجل في أموره؛ لأنه قد يرى من أخلاق زوجته ما يسوءه فيقلاها ويبغضها بسبب هذا ثم يتركها، تكون النهاية الترك، وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من الزوجات في العصور المتأخرة، ونسب الطلاق مرتفعة جداً في الأيام الأولى من الزواج، والسبب أن هذا الزوج متوقع شيء بهذه الزوجة، ولديه أحلام يتوقع أن هذه الزوجة تفي بجميع ما يريد، ثم يفاجئ من أول يوم أن لديها خلق لا يرضاه، التوجيه النبوي لا يتعجل، وإذا وقف منها على خلقٍ ذميم فلينظر إلى الأخلاق الأخرى، إن كره منها خلقاً رضي آخر، وهل يتصور أن المرأة مبرأة من كل عيبٍ ونقص؟ مشتملة على كل فضل؟ ما هو صحيح، لو كان في نساء الدنيا من هذه صفتها ما صار للجنة مزية، ونساء الجنة مزية، بل لا بد من العيب والنقص، وليس هذا خاص بالنساء، أيضاً الرجال كذلك، امرأة أقدمت على قبول زوج لما تسمع عنه، تسمع عنه أنه صاحب علم، صاحب فضل، صاحب خلق، صاحب كرم، صاحب كذا، ثم تقبل، تفاجئ أول يوم أن المسألة أقل مما توقعت، فتنشز أيضاً هي مطالبة بأن لا تستعجل، إن كرهت منه خلق ترضى منه آخر؛ لكن يخاطب الأزواج في مثل هذا لأن الأمر بأيديهم، هم أهل القرار في مثل هذه الأمور، وإلا فالمرأة أيضاً مطالبة ومخاطبة بهذا، لا تستعجل، نعم هناك أخلاق لا يمكن الصبر عليها، هناك أمور ومعايب يرتكبها بعض الرجال ليس للمرأة أن تصبر عليها، وهناك أيضاً معايب في بعض الناس لا يمكن للرجال الصبر عليها، لكن هناك أمور محتملة، تمشي بالتدريج، مثل هذه هي التي جاء التوجيه بالصبر عليها، وغض البصر عنها، غض الطرف عنها، والنظر إلى الصفات الحميدة في هذه المرأة، وفي هذا الرجل، كم من امرأة أقدمت على شخص بسبب انتشار سمعته؛ لكن هي ما تعرف إلا الظاهر، تسمع السمعة ولا تدري عن شيء من معاملته في بيته، قد يكون من أسوأ الناس خلقاً؛ لكن الناس تعاملوا معه على الظاهر، فالإقدام لا بد أن يكون على بينة، ولذا لا بد من التحقق والتأكد من الطرفين في شأن الآخر، ولذا أمر الرجل في أن ينظر إلى المرأة، أذن له أن ينظر، ((اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) لئلا يفاجئ بما لا يتوقعه ثم يحصل نتيجة الفراق، فإذا حصل النظر، وركن إليها وركنت إليه فإنهم في الغالب لا يحصل بينهم شيء إلا عادة في الأخلاق الخفية، والإذن بالرؤية، الإذن برؤية المخطوبة دليل على أن الأصل هو المنع، يعني في حديث جابر لما أذن له أن ينظر إليها فكان يختبأ لينظر إليها، هل معنى هذا أنها تخرج إلى الأسواق سافرة كاشفة عن وجهها؟ أو كانت تتغطى وتتحجب؟ يعني لو كانت تخرج إلى الأسواق كاشفة عن وجهها ما احتاج إلى أن يختبأ إليها، ولا يحتاج إلى أن يقال له: انظر إليها، هو ينظر إليها باستمرار، هذا من أدلة الحجاب عند أهل العلم، والأدلة كثيرة متضافرة متظاهرة، وفي حديث قصة الإفك تقول: "كان يعرفني قبل الحجاب" لو رآها ما احتاجت إلى مثل هذا الكلام، وفي حديث عائشة أيضاً في الحج: "فإذا دنا الرجال سدلت إحدانا جلبابها" المقصود أن الأدلة كثيرة جداً متضافرة ولا يطالب بنزع الحجاب، لا يطالب بنزع الحجاب إلا من أتبع بآية الأمر بالحجاب، في آخر سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(59) سورة الأحزاب] الذي أتبع به، شوف العلاقة وثيقة بين الآيتين، {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب] فليحذر الذين يطالبون بنزع الحجاب، نعم قد يوجد أهل علم وأهل فضل بحثوا المسائل وترجح عندهم شيء، هذا شيء آخر؛ لكن يبقى أن كثير ممن ينبش في مثل هذه المسائل في قلبه شيء، فليحذر المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة، مثل هؤلاء يحذرون، إن كان الناس على خير وفضل وستر كيف يأتي من يطالب بنزع حجاب الوجه مثلاً؟ في بلد الفتوى على هذا، والأمة توارثت هذا، وتواطأت عليه، وفيه نصوص شرعية صحيحة صريحة، ومن يأتي من ينادي بنزع هذا الحجاب، هذا على خطر عظيم، ومن أوائل المعاصي التي زاولها إبليس، سوّل لآدم وأملى له أن يأكل من الشجرة، لماذا؟ ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، فهذه وظيفة إبليس وأتباعه، نسأل الله السلامة والعافية.
على كل حال المؤمن هل يدخل في هذا الوصف؟ ((لا يفرك مؤمن مؤمنة)) الخطاب لمن؟ للمؤمنين، وجد منها خلق لا يحتمله، تساهل في عرض مثلاً، نقول: هذه من الأصل ما دخلت؛ لأن الوصف بالإيمان له شأنه، وكذلك لو وقفت منه على أمرٍ رديء، دياثة ونحوها، مثل هذا لا قرار معه، ولا صبر معه، ((إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) لا بد أن تشتمل على آداب ومحاسن وأمور وأخلاق قد يظهر بعضها بالأيام الأولى، وقد لا تتكشف كثير منها إلا بعد حين.
أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
برنامج تفريغ الأشرطة (الإصدار الذهبي) أم خــالد الأرشيف 19 01-02-14 07:09 PM


الساعة الآن 01:22 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .