العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة القرآن وعلومه

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-10-06, 08:13 PM   #1
طـريق الشـروق
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 13-06-2006
المشاركات: 21
طـريق الشـروق is on a distinguished road
افتراضي نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به


نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به


إعداد
الدكتور محمد عمر حويه
مدير مركز الدراسات القرآنية
بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
المقدمة:
من مقتضيات النزول
إن ما يسمى بعلوم القرآن الكريم مندرج تحت نزول القرآن الكريم ولازم له، وعليه فلا بد من الإلمام في الأسطر التالية بالأمور التالية إجمالًا من غير تفصيل في الدقائق، فذلك شأن الموضوعات الخاصة بالنزول الذي هو موضوع البحث.
التعريف بعلوم القرآن فنًا مستقلًا وبداية ظهور هذا الاصطلاح
هو علم ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله وترتيبه وكتابته وجمعه وقراءاته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه إلى غير ذلك من المباحث التي تذكر في هذا العلم (1) ، وقد يسمى هذا العلم بأصول التفسير لأنه يتناول العلوم التي لا بد للمفسر منها (2) .
وأول ظهور هذا المصطلح لعلوم القرآن فنًّا مستقلًا كان على يد الحوفي المتوفى 430 هـ في كتابه "البرهان في علوم القرآن"، ثم تبعه ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ في كتابه "فنون الأفنان في عجائب القرآن" ثم جاء بدر الدين الزركشي المتوفى سنة 794 هـ بكتاب واف سماه "البرهان في علوم القرآن" ثم جاء البلقيني المتوفى سنة 824ه فألف كتابه "مواقع العلوم من مواقع النجوم" ثم جاء خاتمة الحفاظ وفارس الميدان جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911ه بكتابه "الإتقان في علوم القرآن"، وصار الناس بعده عيالًا عليه، كلٌّ يأخذ منه، والبعض يلخص والبعض يختصر.
_________
(1) المدخل 1 / 25 ومابعدها
(2) مباحث في علوم القرآن 1 / 16

متى بدأ النزول وكم كانت مدة النزول
ـــــــــــــ
إن بحث نزول القرآن وتاريخ نزوله، لمن أهم المباحث إذ به تعرف تنزلات القرآن الكريم، ومتى نزل، وكيف نزل، وعلى من نزل وكيف كان يتلقاه جبريل من الله تبارك وتعالى؟ ولاشك أن العلم بذلك يتوقف على كمال الإيمان، بأن القرآن من عند الله، وأنه المعجزة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم، كما أن كثيرًا من المباحث التي تذكر في هذا الفن يتوقف على العلم بنزوله، فهو كالأصل بالنسبة لغيره.
أنزل الله القرآن الكريم على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فكان نزوله حدثًا جللًا مؤذنا بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السماء والأرض.
فإنزاله الأول في ليلة القدر نبه العالم العلوي على شرف هذه الأمة، وأنهاالقائدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.

قال تعالى { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } (البقرة الآية 185 ) ، فقد مدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأنه اختاره من بينها لإنزال القرآن العظيم فيه، قال ابن كثير (1) : "وكما اختصه بذلك فقد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء ".
قال الإمام أحمد بن حنبل (2) رحمه الله حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة - يعني ابن الأسقع - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان » .
وقد روى من حديث جابر بن عبد الله وفيه أن الزبور أنزل لثنتي عشرة خلت من رمضان والإنجيل لثماني عشرة والباقي كَمَا تقدم رواه ابن مردويه (3) .
_________
(1) 1 / 309
(2) أحمد 4 / 107، الطبراني في الكبير 22 / 75، والبيهقي في شعب الإيمان: 2 / 414
(3) ابن كثير 1 / 217، قال: رواه ابن مردويه

ـــــــــــــــــــــــ
أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة وأما القرآن فكان نزوله الأول جملة واحدة إلى بيت العزة من سماء الدنيا، كما تدل عليه الآيات: { شَهْرُ رَمَضَانَ } ... (البقرة: 185) { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } (الدخان : 3) .

أما تاريخ نزول القرآن منجمًا وهو النزول الثاني، فقد كان بعد الأربعين من عمره صلى الله عليه وسلم حينما بعث في يوم الاثنين وكان أول ما نزل عليه صدر سورة اقرأ كما ذكر ذلك محققو أهل العلم من أهل التفسير والحديث والسير، قال العلامة الفاسي في نظمه قرة الأبصار في سيرة المشفّع المختار (1) صلى عليه أشرف العباد من بعد أربعين عاما غبرا صلى عليه الله فالق الفلق توحيد رّب العالمين مرسلا إحصاءه من معجزات كالمطر نورا ورفعة مع ابتهاجى كما أتت بذلك الأخبار لو شاء لكن جاد بالتأخير منهم ومن أصلابهم أبناء وأيّد الحق به وأظهره بيان مبعث النبي الهاد وجاءه جبريل في غار حرا في يوم الاثنين بسورة العلق فقام يدعو الإنس والجن إلى مؤيّدًا منه بِرا أعْيا البشر نفعًا وكثرة وكالسراج ومع ذا حاصره الفجّار وكان قادرا على التدمير حتى هدى الله به من شاء ثم أعز دينه ونصره قال في الإتقان (2) :
_________
(1) مخطوطة، منظومة في السيرة ص 3
(2) 1 / 116

"أما إنزاله الثاني مفرقًا على حسب الوقائع خلافا لما كان معهودًا عندهم في الكتب السابقة فقد أثار الضجة عند القوم حتى حملهم على المحادّة والمساءلة حتى ظهر لهم الحق فيما بعد من أسرار الحكم الإلهية في إنزاله منجما على حسب الوقائع حتى أكمل الله الدين".
هذا وقد يظن البعض أن الآيات من قوله { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } (البقرة:185) الخ وقوله { حم }{ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ }{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } (الدخان:1-3) الخ وقوله { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } (القدر : 1). بينها تعارض والواقع أنه لا تعارض بينها، فالليلة المباركة هي ليلة القدر من شهر رمضان، وإنما يتعارض ظاهرها مع الواقع العملي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن القرآن نزل عليه خلال ثلاث وعشرين سنة.

وقد روى من غير وجه عن ابن عباس كما قال إسرائيل عن السدي عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود فقال وقع في قلبي الشك من قول الله تعالى { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وقد أنزل في شوال وذي القعدة وفي ذي الحجة ومحرم، وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس وجمهور العلماء:إن المراد بنزول القرآن في تلك الآيات الثلاث، نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا تعظيما لشأنه عند الملائكة، ثم أنزل بعد ذلك منجما على مواقع النجوم ترتيلًا في الشهور والأيام في ثلاث وعشرين سنة، حسب الوقائع والأحداث منذ بعثه صلى الله عليه وسلم إلى أن توفى حيث أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وهذا المذهب هو الذي جاءت به الأخبار الصحيحة عن ابن عباس في عدة روايات منها: عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا (1) ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة ثم قرأ { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } (الفرقان : 33). وقوله { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ }
_________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2 / 242 رقم 2878، البيهقي 4 / 306
(الإسراء : 106).
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم.
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه إثر بعض. رواه الحاكم والبيهقي (1) .
4- وعنه رضي الله عنه قال أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجومًا "رواه الطبراني ".
2- المذهب الثاني هو المروي عن الشعبي أن المراد بنزول القرآن في الآيات الثلاث ابتداء نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ابتدأ نزوله في ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة، ثم تتابع نزوله بعد ذلك مندرجًا مع الوقائع والأحداث في قرابة ثلاث وعشرين سنة.
_________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2 / 241 وصححه ووافقه الذهبي وابن الملقن وصححه أيضًا الحافظ ابن حجر في الفتح 8 / 620 ورواه البيهقي في دلائل النبوة 3 / 131
قال: فليس للقرآن إلا نزول واحد هو نزوله منجما على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الذي جاء به القرآن قال تعالى { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ } (الإسراء:106)، ولهذا جادل فيه المشركون لكون الكتب السماوية نقل إليهم نزولها جملة واحدة قال تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا }{ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } (الفرقان:32-33).
قال: ولا يظهر للبشرية مزية لشهر رمضان وليلة القدر التي هي الليلة المباركة إلا إذا كان المراد بالآيات الثلاث نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يوافق ما جاء في قوله تعالى في غزوة بدر { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (الأنفال:41). وقد كانت غزوة بدر في رمضان، ويؤيد هذا ما عليه المحققون في حديث بدء الوحي.
عن عائشة قالت "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" (1) فالمحققون على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبئ أولًا بالرؤيا في الشهر الذي ولد فيه وهو شهر ربيع الأول، وكانت المدة بين الرؤيا والوحي إليه يقظة ستة أشهر ثم أوحي إليه يقظة بـ { اقْرَأْ } .
قال الشيخ مناع القطان رحمه الله (2) "وبهذا تتآزر النصوص على معنى واحدٍ".

3- المذهب الثالث يرى أن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا في ثلاث وعشرين ليلة قدر في كل ليلة منها ما يقدر الله إنزاله في كل السنة، وهذا القدر الذي ينزل في ليلة القدر إلى السماء الدنيا لسنة كاملة ينزل بعد ذلك منجمًا على رسول صلى الله عليه وسلم في جميع السنة.
ولاشك أن هذا المذهب اجتهاد من بعض المفسرين فليس هناك ما يدل عليه، أما المذهب الثاني فإنه لا تعارض بينه وبين المذهب الأول الذي هو مذهب ابن عباس والجمهور.
فالراجح أن القرآن الكريم له تنزّلان، كما علمت:
الأول:- نزوله إلى بيت العزة من سماء الدنيا جملة.
_________
(1) رواه البخاري رقم 2 كتاب بدء الوحي ومسلم كتاب الإيمان 160
(2) مباحث في علوم القرآن ص100 في بعدها
وقد نقل القرطبي (1) الإجماع على هذا النزول عن مقاتل بن حيان وممن قال بقوله الخليمي والماوردي (2) . الثاني نزوله من السماء الدنيا مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة.
_________
(1) 2 / 297
(2) الإتقان في علوم القرآن تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ص116

الحكمة في إنزال القرآن جملة إلى السماء
1- تفخيم أمره وأمر مَن نزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم.قال السيوطي : نقلًا عن أبي شامة في المرشد الوجيز " لولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين: إنزاله جملة ثم إنزاله مفرّقًا تشريفًا للمنزل عليه" (1) .
2 - وقال السخاوي في جمال القراء:" نزوله إلى السماء الدنيا جملة تكريم لبني آدم وتعظيم لشأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم ".
والقرآن بالاستقراء كان ينزل حسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل، وصح نزول عشر آيات في قصة الإفك جملة.
ونزول عشر آيات من أول سورة المؤمنون جملة، كما صح نزول { غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ } وحدها وهي بعض آية وكذا قوله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } إلى آخر الآيات.
_________
(1) الإتقان في علوم القرآن 1 / 116 وما بعدها، مباحث في علوم

ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري (1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل "لاتزنوا" لقالوا لا ندع الزنا أبدا.
اعلم أن القرآن الكريم له وجودات ثلاثة:-
1 - وجوده في اللوح المحفوظ.
2 - وجوده في السماء الدنيا.
3 - وجوده في الأرض.
بنزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقترن النزول إلا بالوجود الثاني والثالث وقد دل القرآن الكريم أنه كان قبل نزوله في اللوح المحفوظ حيث يقول الله تعالى { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ }{ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } (البروج : 21-22).
_________
وهذا اللوح المحفوظ هو الكتاب المكنون الذي قال الله عنه { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }{ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ }{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }{ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الواقعة: 77-80) والذي عليه جمهور المفسرين أن الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ هو السجل العام الذي كتب الله فيه في الأزل كل ما كان وكل ما يكون، والواجب علينا أن نؤمن به وأنه موجود ثابت، أما البحث فيما وراء ذلك فلسنا مطالبين به.

أما كيف كان جبريل يتلقى الوحي، فلا يركن إلى شيء مما قيل في ذلك إلا ما أومأ له الدليل، وأولى قول في هذا المجال هو ما ذكره البيهقي في تفسير قوله تعالى { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال: يريد والله أعلم "إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إيّاه وأنزلناه بما سمع، وهذا القول يشهد له ما رواه الطبراني من حديث النواس بن سمعان " مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجدًا، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله بوحيه بما أراد فينتهي به حيث أمر » والحديث وإن لم يكن نصًا في القرآن إلا أن الوحي يشمل وحي القرآن وغيره (1) .
_________
(1) المدخل 1 / 255، الاتفاق 1 / 45، مباحث في علوم القرآن ج1، ص105 وما بعدها

أما قول من قال إن جبريل أخذ القرآن من الكتاب، لم يسمعه من الله، فهذا قول باطل كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه (1) وقد أخبر تعالى بأنه منزل منه قال تعالى { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } (الأنعام : 114) وقال تعالى { حم }{ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } (فصلت : 1-2). وقال تعالى { حم }{ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } (الأحقاف: 1-2). فجبريل رسول الله من الملائكة جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البشر والله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس. وكلاهما مبلغ له.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه (2) :" وهو مع هذا كلام الله ليس لجبريل ولا لمحمد فيه إلا التبليغ والأداء كما أن المعلمين له في هذا الزمان والتالين له في الصلاة أو خارج الصلاة ليس لهم فيه إلا ذلك لم يحدثوا شيئًا من حروفه ولا معانيه ".
قال الإمام السيوطي (3) قال الجويني : كلام الله المنزل قسمان:
_________
(1) الفتاوى 12 / 127 فما بعدها
(2) الفتاوى 12 / 260
(3) الإتقان 1 / 128
أ - قسم قال الله لجبريل قل للنبي صلى الله عليه وسلم -الذي أنت مرسل إليه إن الله يقول افعل كذا وكذا، ففهم جبريل ما قاله ربه، ثم نزل على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ما قاله ربه ولم تكن العبارة تلك العبارة، كما يقول الملك لمن يثق به: قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع جندك للقتال. فإن قال الرسول بقول الملك لا تتهاون في خدمته ولا تترك الجند تتفرق وحثهم على المقاتلة لا ينسب إلى كذب ولا تقصير في أداء الرسالة.
ب - قسم آخر قال الله لجبريل اقرأ على النبي هذا الكتاب فنزل جبريل بكلمة من الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتابا ويسلمه إلى أمين ويقول له اقرأه على فلان فهو لا يغير منه كلمة ولا حرفًا.
قال السيوطي : القرآن هو القسم الثاني، والقسم الأول هو السنة، وقد ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن قال: ولهذا جازت رواية السنة بالمعنى بخلاف القرآن الكريم فإنه نزل جبريل بألفاظه ومعانيه فلا تجوز روايته بالمعنى. والسر في ذلك أن القرآن يقصد التعبد بألفاظه وهو كذلك معجز فلا يمكن لأحد مَهْمَا أوتي من البلاغة والفصاحة أن يأتي بلفظ يقوم مقامه.

كما أن فيه تخفيفًا على الأمة حيث جعل المنزل إليهم على قسمين قسم يروونه بلفظه الموحي به وقسم يروونه بالمعنى، ولو جعل كله مما يروي باللفظ، لشق، أو بالمعنى لم يؤمن التبديل. قال صاحب المدخل (1) : "وكذلك ليس للنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن شيء إلاّ مجرَّد التبليغ فقط وهذا هو الحق الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده ويؤمن به ".
قال: ولا يلتفت إلى ما زعمه بعض من يعرف بما لا يعرف، أو من يفتري ويختلق من أن جبريل أوحي إليه المعنى، وأنه عبّر بهذه الألفاظ الدالة على المعاني بلغة العرب، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أو أن جبريل أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم عبر عن هذه المعاني بلفظ من عنده فهذا القول زعم وَخَرْصٌ لم تقم عليه إثارة من علم.
وهو خلاف ما تواتر عليه القرآن والسنة، وانعقد عليه إجماع الأمة من أن القرآن لفظه ومعناه كلام الله ومن عند الله مِنهُ بدأ وإليه يعود.
إلى أن قال: وهذا الزعم لا يقول به إلا جاهل استولى الجهل والغفلة عليه أو زنديق قد يدس في الدين والعلم ما ليس منه.
_________
(1) الدكتور محمد محمد أبو شهبة رحمه الله 1 / 62
ولا يغتر بوجوده في بعض الكتب الإسلامية، فأغلب الظن أنه مَدْسوسٌ على الإسلام والمسلمين هذا وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير لشيء منه ولا كتمان له، ولو كان كاتمًا شيئًا [ حاشاه من ذلك ] لكتم تبليغ الآيات التي عوتب فيها ويكفي أن تقرأ قول الحق تبارك وتعالى { يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } (المائدة، : 67.) وقوله { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (يونس : 15.) وقوله { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ }{ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ }{ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ }{ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } (الحاقة : 44-47)
كيف كان يتلقى النبي صلى الله عليه وسلم الوحي من جبريل
1 -أحيانا يأتي جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم في صفة رجل من البشر وكان كثيرًا ما يأتي في صورة دحية الكلبي.
2-وأحيانًا يأتي ولا يراه الحاضرون، وقد يسمعون له دويًّا وصلصلة كصلصلة الجرس.
ودل على هاتين الحالتين من الوحي ما رواه البخاري في صحيحه (1) بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه « سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي؟ فقال: أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليَّ، فيقصم عَنّي وقد وعيت منه ما قال: وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي مايقول ... الخ » هذا والقرآن الكريم لم ينزل منه شيء إلا عن طريق جبريل عليه السلام ولم يأت منه شيء عن تكليم أو إلهام أو منام، بل كله أوحي به في اليقظة وحيا جليًّا (2) .
_________
(1) البخاري رقم 2 كتاب بدء الوحي، ومسلم رقم 2333
(2) المدخل 1 / 58
نزول القرآن مفرقا -منجما-
نزول الكتب السماوية الأخرى
الصحيح المشهور بين العلماء أن الكتب السماوية غير القرآن نزلت جملة واحدة ولم تنزل متفرقة، ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان، وهي قوله تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } (الفرقان : 32).
فهذه الآية دليل على أن الكتب السماوية غير القرآنية نزلت جملة واحدة كما على ذلك جمهور العلماء.
1- الحكمة الأولى تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتطمين خاطره وقلبه وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذه الحكمة في قوله { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } (الفرقان : 32. )ويندرج تحت هذه الحكمة كثير.
لقد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته إلى الناس فوجد منهم نفورًا شديدًا وقلوبًا قاسية، قابله قومه بقلوب قاسية فطرت على الأذى، وقابلوه بصنوف الأذى والشتم مع رغبته الصادقة وسعيه المشكور في إيصال الخير الذي جاء به إليهم حتى قال الله تعالى في حقه { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } (الكهف : 6) فكان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة بعد فترة ليثبت فؤاده على الحق ويقوي عزمه على المضي في الخير.

المحور الأول: النصوص الدالة على نزوله على سبعة أحرف:
اعلم أيها القارئ الكريم أن حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف جاء عن كثير من الصحابة حتى ذكر بعض العلماء عنه التواتر، وممن قال بذلك أبو عبيد القاسم بن سلام ، وقد ذكر السيوطي في الإتقان أنه جاء عن واحد وعشرين من الصحابة (1) .
منهم على سبيل المثال: أبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وحذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم ، وسمرة بن جندب ، وسليمان بن صرد ، وابن عباس وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان ، وعمر بن الخطاب ، وغير هؤلاء وأخرج الحافظ أبو يعلى في مسنده أن عثمان قال على المنبر "أذكر الله رجلًا سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها (2) كاف شاف » لما قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك فقال: وأنا أشهد معهم، قال في المدخل:" وهذا يدل على أن الحديث كان معروفًا مشهورًا غاية الشهرة في زمن الصحابة، ولكن هل نقله عنهم في كل طبقة جماعة كثيرون ممن يثبت بهم التواتر قال هذا ما يحتاج إلى إثبات وإلا فغاية أمره أنه مشهور من الأحاديث الدالة على نزول القرآن على سبعة أحرف ".
_________
(1) الإتقان في علوم القرآن 1 / 45
(2) البخاري رقم رقم 2419، مسلم رقم 818





توقيع طـريق الشـروق
[url=http://www.kshcool.com][img]http://www.kshcool.com/Agif/image/021.gif[/img][/url]

[url=http://www.sa66.com/alshorok][img]http://127.0.0.1:6666/1A0764B294E2EA2F0AB32786F8D9FB92F8143385/توقيع%20الشروق.bmp[/img][/url]
طـريق الشـروق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي مسلمة لله روضة آداب طلب العلم 31 02-08-16 12:15 PM
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين أم خــالد روضة القرآن وعلومه 15 14-02-10 02:56 AM


الساعة الآن 07:19 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .