العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة الفقه وأصوله

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-11-07, 08:10 PM   #1
مفكرة إسلامية
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الإذن في إجراء العمليات الطبية أحكامه وأثره

الإذن في إجراء العمليات الطبية أحكامه وأثره.
الشيخ هاني الجبير
9/10/1424
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة



بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أمّا بعد :-
فإنَّ أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النَّار .
وإن ديننا الإسلامي أتى بعلاج كل المشكلات بالعلاج الأمثل مهما كان شأنها . وهذا من روائع الإعجاز في هذا الدين وآية من آيات عمومه وخلوده وصلاحيته لكل زمانٍ ومكان.
فهو لم يدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانيّة إلاّ كان له فيه موقف . ولم يدع طوراً من أطوار حياة الإنسان إلا ورسم له فيه المنهج الأمثل .

ومن جملة ما رسم منهاجه وحدّد قيوده الإجراءات العلاجيّة والعمليّات الطبيّة.
وكان من ذلك إيضاح حق المريض في الإجراء الطبي عليه وحد الطبيب في ما يمكنه إجراؤه وما لا يمكنه والمسئولية المترتبة على العمل الطبي إذا توافر الإذن به وإذا لم يتوافر. ومن هنا جاء هذا الموضوع :-
( الإذن في إجراء العمليّات الطبيّة أحكامه وأثره ) .
موضحاً هذه الجوانب بما يعطي نظرة متكاملة حولها .




تمهيد :

المبحث الأول : التعريف بمفردات العنوان .
الإذن في اللغة مصدر أَذِنَ يَأْذَنُ .
والأصل في استعماله أن يكون بمعنى العلم والإعلام . تقول العرب : قد أذنت بهذا الأمر أي: علمت .
كما يكون الإذن بمعنى إباحة الشيء وإجازته والرُّخصة فيه .
يقال أذن له في الشيء إذناً : أباحه له واستأذنه طلب منه الإذن(1).قال تعالى:{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }(التوبة: من الآية45) .

ويتناول الفقهاء معنى الإذن ومدلوله – أحياناً – في باب مستقل يسمّونه باب المأذون(2) .
ومرادهم بالمأذون : المحجور إذا أُذِنَ له بالتصرّف .
و يتناولونه أيضاً بمعنى إباحة تصرّف شخص ما في أَمْرٍ ما بعد أن كان ممنوعاً منه فلا تقتصر مسائله على باب الحجر بل يكون في سائر أبواب الفقه . فيعرّف بأنّه إباحة التصرّف(3) أو الإعلام بإجازة الشيء والرخصة فيه(4).
ولعل التعريف المناسب للإذن بهذا الاعتبار هو : إباحة التصرّف للشخص فيما كان ممنوعاً منه(5) .
والعمليات : جمع عمليّة .
والعمليّة : كلمةٌ محدثةٌ تُطلَق على جملةِ أعمال تُحدثُ أثراً خاصاً . يقال: عمليّة جراحيّة أو حربيّة أو مالية(6) .
وأمّا الطب فيُطلق على علاج الجسم والنفس(7) .
وعرّفه جالينوس وابن سينا بأنّه : علم بأحوال بدن الإنسان يحفظ به حاصل الصّحة ويستردّ زائلها (8) .
وعليه فالمراد بالعمليّات الطبيّة : جملة الأعمال التي يقوم بها العالم بعلاج الأمراض لأجل حفظ الصحّة أو استردادها .

فتشمل سائر التطبيبات من إجراء الكشف والتحاليل ووصف الدواء وأنواع الجراحات .
وهذا التعريف هو مرادي بالعمليات الطبيّة .
فيكون تعريف الإذن في إجراء العمليات الطبيّة أنّه : رضى الشخص وقبوله بأن يجرى له – أو لمن هو ولي عليه – جملة الأعمال التي يراد منها حفظ الصحّة أو استردادها .


المبحث الثاني : حكم الإذن الطبي :
حكم إذن المريض بإجراء العمل الطبي عليه راجع لنوع هذا العمل فإذا كان الإجراء مباحاً فإنَّ الإذن به مباح وإن كان الإجراء محرماً فالإذن به محرم .
وقد اختلف أهل العلم في حكم التداوي على أقوال أشهرها ما يلي :
القول الأوّل : أن التداوي مباح وهو قول جمهور أهل العلم(9) من الحنفيَّة(10)والمالكية(11) والشافعية(12) والحنابلة(13) . وإن اختلفوا هل الأولى فعله أو تركه .
القول الثاني : أنه واجب وهو قولٌ لبعض الحنابلة (14). وحصره بعض أهل العلم فيما إذا علم تحقق الشفاء (15).

الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول على إباحة التداوي بأدلّة منها :
النصوص الشرعيّة المتكاثرة الدالة على عدم المنع من التداوي :
1- كقوله تعالى : {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (النحل: من الآية69) .
2- وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) (16).
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن فعل التداوي غير محظور ولا ممنوع (17).
واستدلوا على عدم الوجوب بعدة أدلة منها :
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي . قال : إن شئتِ صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك . فقالت : أصبر . فقالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشّف فدعا لها (18). ولو كان دفع المرض واجباً لم يكن للتخيير موضع (19).
2- عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) (20).

ولو كان التداوي واجباً لم ينه صلى الله عليه وسلم عن الفرار من الطاعون .

وأما القول الثاني فاستدل أصحابه بأدلة منها :
1- أن ترك التداوي إلقاء بالنفس إلى التهلكة وهو منهي عنه فيكون نظير ترك الطعام والشراب المفضي للموت. وقد قال تعالى : { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: من الآية195).
2- عن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم بالطاعون في أرضٍ فلا تدخلوها وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها) (21)
ففي الحديث دليل على أنه ينبغي على المسلم أن يتعاطى الأسباب الموجبة لنجاته من الهلاك والتداوي والإذن به منها (22).
ويمكن مناقشة الدليلين بما يلي :
أولاً : أن النصوص الشرعيّة دلت على أن الشفاء يحصل بغير التداوي المعتاد قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } (الاسراء: من الآية82). فليس الدواء هو المتعين لرفع المرض وعليه فلا يكون تركه إلقاء بالنفس للتهلكة وهو بهذا يفارق الطعام والشراب .

ثانياً : أنّ الحديث لم يعمّ جميع الأمراض وإنما خصّ الطاعون كما أنّه يأمرُ باجتناب الأسباب التي قد تفضي إلى المرض وحديثنا عمّن وقع في المرض . فلا يشمله الحديث .
بل وأبلغ من ذلك أنّ آخر الحديث ينهى عن الفرار من الطاعون ولو صَحّ استدلالهم بالحديث لأمرهم بالخروج من هذه الأرض ولم يأمرهم بالبقاء .
الترجيح ..
بتأمل ما سبق فإنه يظهر لي رجحان القول الأول ففعل النبي صلى الله عليه وسلم للتداوي دليل على أصل الإباحة .
وتخيير النبي للمرأة التي كانت تصرع دليل على عدم الوجوب كيف وقد اعتضد هذا بفعل جملة من السلف تركوا التداوي .
وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي بأن التداوي يختلف حكمه باختلاف الأحوال والأشخاص . فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره كالأمراض المعدية .
ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق في الحالة الأولى .

ويكون مباحاً إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين .
ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها (23).
وهذا التقسيم يعارضه حديث المرأة التي كانت تصرع ووعدها النبي صلى الله عليه وسلم الجنة على صبرها وهذا دليل تفضيل الصبر على المرض على رفعه . ويعارضه ما رواه سعيد الخدري رضي الله عنه أن أبي بن كعب قال : يا رسول الله ما جزاء الحمى قال : تجري الحسنات على صاحبها فقال : اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجاً في سبيلك فلم يمس أبي قط إلا وبه الحمى (24).
قال الذهبي : "ملازمه الحمى له حَرَّفت خلقه يسيراً ومن ثم يقول زر بن حبيش كان أُبيٌ فيه شراسة" (25). فأبي لم يترك التداوي بل استجلب المرض لنفسه بدعائه . وكأن مرضه سبب حدته وشراسته وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على فعله كما هو الظاهر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولست أعلم سالفاً أوجب التداوي وإنما كان كثير من أهل الفضل والمعرفة يفضل تركه تفضّلاً واختياراً لما اختار الله ورضى به وتسليماً له .." (26).

ثم إن ترك الكي لاشك أنّه أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب : ( هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) (27).

ولقوله : ( من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكّل ) (28).
ومعلوم أن الكي قد يتفرد طريقاً لعلاج مرض متلف وذلك كمن أصيب بقطع في عرق من عروقه (29).
وقد رمى سعد بن معاذ في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده (30).
ورمي أبي يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم (31).
فمن ترك الكي –والحال ما ذكر- أيكون تاركاً لواجب يأثم به أم فاعلاً لفضيلة يؤجر عليها ؟ .
مع أن الذهبي –رحمه الله– قد نقل الإجماع على عدم وجوب التداوي (32).
هذا ما ظهر لي في حكم أصل التداوي . وبه يعرف أن الأصل في الإذن بالتداوي أنّه مباح .ولكن قد يعتري التداوي ما يخرج عن كونه مباحاً كما إذا تناول إجراءً محرماً كعمليات تغيير الجنس أو قطع الأطراف لغير غرض مشروع فيكون الإذن بهذا الإجراء محرماً .



المبحث الثالث : متى يجرى الإذن الطبي .
لابدَّ أن يكون الإذن بإجراء العمليات الطبية قبل وقوعها وإلاّ لم يكن إذناً وصار إجازة وإمضاءً ؛ فإن الإذن والإجازة كلاهما يدل على الموافقة على الفعل إلا أنَّ الإذن يكون قبل الفعل والإجازة تكون بعد وقوعه (33).
والحاجة داعية إلى تقدم الإذن عن العمل الطبّي وذلك من وجهين :
الأول : أنَّه لا يحقُّ لأي إنسان أن يتصرّف في جسم إنسانٍ آخر بغير إذنه ؛ فإنّه اعتداء عليه .
وقد قرّر الفقهاء أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في ملك الغير أو حقه بلا إذن (34)
ومنافع الإنسان وأطرافه حق له .
الثاني : أنّه قد يحصل أثناء هذه العملية تلف لنفسٍ أو عضوٍ أو منفعةٍ أو تحصل سراية فإن لم يكن مأذوناً له ضمن كما سيأتي مفصلاً –إن شاء الله تعالى- .
وعَمَلُ الأطباء الآن على أنَّ الإذن قد يكون كتابياً وقد يكون شفوياً حسب العمل المتخذ ؛ فالإذن الكتابي يجرى في حالات لعلّ الجامع لها هو وجود الخطورة أو خشية حصول آثار جانبية للمريض . أمّا ما كان الإجراء فيه عادياً فيكتفى فيه بالإذن الشفوي .




المبحث الرابع : أنواع الإذن الطبي
للإذن الطبّي أنواعٌ متعددة باعتبارات مختلفة فهو من حيث دلالته يتنوّع إلى صريح وغير صريح وباعتبار موضوعه إلى مطلق ومقيّد ويتنوّع باعتبار طريق التعبير عنه إلى إذن لفظي وإذن بالإشارة كما يتنوّع باعتبار كتابته إلى كتابي وشفوي . وقد تناولت كل نوع منها في أصل هذا البحث .
وإذا كان المقصود من الإذن وجود الرضا والموافقة من المريض على الإجراء الطبّي فكل ما يدل على الرضا والموافقة فهو كافٍ في حصول الإذن .
ومعلوم أن التعبير عن الإرادة يكون بعدة طرق (35). والنطق باللسان ليس طريقاً حتمياً لظهور الإرادة بصورة جازمة في النظر الفقهي بل النطق هو الأصل في البيان ولكن قد تقوم مقامه كل وسيلة أخرى مما يمكن أن تعبّر عن الإرادة الجازمة تعبيراً كافياً مفيداً (36).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "إن الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرّف بطريق الوكالة كالإذن اللفظي فكل واحدٍ من الوكالة والإباحة ينعقد بما يدل عليها من قولٍ وفعل والعلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضى" أ.هـ (37).

وعليه فلا مانع من اعتبار الأنواع السابقة ما دامت دالّةً على الإذن دلالةً واضحة.
ويدلّ على اعتبار الإشارة طريقاً من طرق التعبير عن الإذن الطبّي ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار أن لا تلدوني فقلنا : كراهية المريض للدواء فلمّا أفاق قال : ألم أنهكم أن لا تلدوني لا يبقى منكم أحدٌ إلاّ لُدَّ ) (38).
فإن في هذا الحديث أن الإشارة المفهمة كصريح العبارة في هذه المسألة (39).
وأمّا السكوت فالأصل أنّه لا يعتبر إذناً ؛ وذلك لقاعدة : لا ينسب لساكت قول (40). فلو سكت المالك حين يرى الغير يبيع ملكه . لم يكن هذا السكوت إذناً بالبيع وهذا محل اتفاق (41).





يتبع بإذن الله...


المصدر:
موقع المسلم




توقيع مفكرة إسلامية
نرجو من الجميع الإطلاع عليها , والالتزام بها -بارك الله فيكن-
وَأَرْجُوهُ رَجَاءً لا يَخِيْبُ ~
مفكرة إسلامية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:49 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .