18-06-06, 12:12 PM | #1 |
أم مالك المصرية
|
***المعالم في نقد العالم***
السلام عليكن و رحمة الله و بركاته
أنقل إليكن هذه المقالة النافعة عن أدب تخطئة العالم أو رد رأيه، حيث أن هذه الآفة مما تعم به البلوى. و لا خير في طلبة علم تطاولوا على علمائهم. -------------------------------------------------------------------------------------------------------- المعالم في نقد العالم عبد الله بن سليمان العبدالله ( ذو المعالي ) فإنَّ كلاًّ منَّا يعلمُ مقام العالم في الإسلام ، و ما أولاه الله إياه من سَمِيِّ المناقب ، و ما حباه من رفيع المناصب ، و ما ذاك إلا دلالةٌ واضحةٌ بيِّنة على عِظَمِ حُرْمَتِه ، و تمام صيانته . و لا زال احترامُ العلماءِ سائراً مسيْرَه عبر الأزمان تتناقله أنفسُ الفضلاء الشرفاء ، و تعافه أنفس الدُنآء الوُضعاء . فكان من تلك الأنفس أنفسُ أهل هذا الزمان الغابر المُدْبِرُ ، حيث تكالبتْ أنفسٌ مدسوسةٌ في صف أهل الفضيلة و المنقبة فجعلوا أعراض العلماء فاكهةً لهم يأنسون بنهشها ، و يسمرون على عظامها ، و يُنهون المجالس باللعقِ لها ، و هم في كلِّ ذلك بين إدبارٍ عن فضيلة ، و نحو سعايةٍ لرذيلة ، اتخذوا من الآيات أسنمةً للسبِّ و القدح ، و من السنة مناشيرَ للبتر و الذبح ، يتزعمون دعوة المناصحة ، و ينادون برفع رايات الصدع بالحق ، و هم في الغرور سامدون ، و في اللهو مغمورون . فكم قد تجرَّعَ العلماءُ منهم الأذى ، و نالوا من صنائعهم الأسى ، و العذر : لم يقلْ بما قلتُ ، بل لم يعتقد رأيي وهو الحق الذي لا يجادل فيه إلا صاحبُ هوى . و ما هكذا ربانا الإسلام ، و لا على الحال تركنا علماءُ الإسلام ، و لكن لا عجبْ فأنت في زمن مدبرٍ مولٍّ ، استأسدَ فيه الفأر ، و استنسرَ فيه البُغاث . و حتى نُوْجِدَ ضمانات للعلماء الأساطين ، و حُماةُ حِمى الدين فإنني أنثر في الأسطرُ معالماً تستسيغها نفوس كريمة ، و تتفيؤها أرواح عظيمة ، و ليس لي فيها سوى التسطير و التأليف . المَعْلمُ الأول : لا عِصمةَ للعالم . قال النبي ( صلى الله عليه و سلم ) : " كلُّ ابنُ آدمَ خطَّاء ، و خيرُ الخطائين التوابون " رواه الحاكم و صححه . يقولُ الإمامُ الحافظُ ابنُ عبد البرِّ _ رحمه الله _ : لا يسلمُ العالمُ من الخطأ ، فمن أخطأ قليلاً و أصابَ كثيراً فهو العالم ، و من أصاب قليلاً و أخطأ كثيراً فهو الجاهل . ا,هـ [ جامع بيان العلم ] . المَعْلمُ الثاني: الحقُ هو البُغْيَةُ . قال شيخ الإسلام _ رحمه الله _ : ( وليُعْلَم انه ليس أحد من الأئمة-المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً- يتعمد مخالفة رسول لله-صلى الله عليه وسلم- في شيء من سنة,دقيق ولا جليل . فانهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول –صلى لله عليه وسلم- ,وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ ) أ.هـ . [رفع الملام ص :4]. المَعْلمُ الثالث: { فتثبتوا }. يقولُ الله _ تعالى _ : { يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجاهلة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } . وعلى القراءة الأخرى { فتثبتوا } . و التثبتُ في خطأِ الشيخ من جانبين : الأول : صحةُ وقوعه منه ، فإن كثيراً مما يُنْسَبُ إلى أهل العلم و الفضل من الكلامِ اللا مقبول _ حقيقةً _ عند أهل النظر و التمحيص ، فإنه لا يخلو الكلام من أحوالٍ ثلاثة : الحال الأولى : كونه واقعاً صحيحاً عنه ، فهذا يأتي الحديث عنه _ إن شاء الله _ . الحال الثانية : كونه مختلَقاً مكذوباً ، وما أكثر ذلك في النقل و الإسناد إلى العلماء . الحال الثالثة : كونه مما يُلْزَمُ به كلامُ العالم المُوْهم ، و القاعدة : أن لازم القولِ ليس قولاً ، و لازم المذهب ليس مذهباً . و هاتين الحالتين _ الأخيرتين _ لا يجوزُ التعويلُ عليهما إطلاقاً ، و من ثَمَّ فلا يجوز توجيه النقد على العالم بهما ، لأنه مما يدخل تحت البُهتان و الفِرْيَة . الثاني : التثبتُ من كونه خطأً في الشرع ، و هذا مما لا يستطيعُ أحدٌ أن يجزمَ به ، قال الإمام زكريا الأنصاري _ رحمه الله _ : إياكم أن تُبادروا إلى الإنكار على قول مجتهد أو تخطئته إلا بعد إحاطتكم بأدلة الشريعة كلها ، و معرفتكم بمعانيها و طرقها ، فإذا أحطتم بها _ كما ذكرنا _ و لم تجدوا ذلك الأمر الذي أنكرتموه فيها فحينئذٍ لكم الإنكارُ ، و الخيرُ لكم ، و أنى لكم بذلك ؟ . ا,هـ . و من الغلطِ أن ترى أُناساً من الذين عصفت بهم الغَيْرة يمنةً و يسرة يسارعون في الحكم على العلماءِ بأنهم خالفوا أصول الإسلام ، و هدموا أعمدةَ المِلَّة ، و هدُّوا بُنيانَ الدين ، و هذا الهذرُ منهم من أقبحِ ما يكون ، و من أفحشِ ما يصدرُ من العقلاء ، فأنى لهم بتلك الأحكام التي أصدروها ؟ رُبِّيَ كثيرٌ من الناسِ اليومَ على أن ما يقولُه أشياخهم هو الحقُّ الذي لا مريةَ فيه ، و أن ما تعلموه في مدارسهم ، و ما تلقوه في حِلَقِ الذكر هو الصوابُ الذي خلافهُ باطل _ يقيناً _ و هذا لا يجوزُ القولُ به ، و لا يتفوَّه به من في قلبهِ شيءٌ من الورع و الخوف من ربه _ تعالى _ ، لأن ذلك يلزمُ منه القولُ بالغيب و ادِّعاؤه و هذا أمره إلى الله _ تعالى _ ، و متى هذَّبَ المرءُ نفسه على الترفُّقِ بإصدار الأحكام ، و عدم إطلاقها فهو خيرٌ له و أزكى عند ربه و الناس . المَعْلمُ الرابع: لا زالَ للشيخ قدرُه. خطأُ العالمِ ليس سالباً منه مقامه في الإسلام ، ولا نافياً عنه منقبةَ الفضيلة و العالِمية ، و إنما يبقى عليه لباسها ، و يُحفظ له حقه في الإسلام . قال الإمام الذهبي _ رحمه الله _ : و لو أن كلَّ مَن أخطأ في اجتهاده _ مع صحةِ إيمانه ، و تَوَخِّيْهِ لاتباع الحق _ أهدرناه و بدَّعناه ، لقلَّ من يسلمُ من الأئمة معنا ، رحمَ الله الجميعَ بمنه و كرمه . ا،هـ . و لو نظرنا في كتبِ التراجُمِ لرأينا كثيراً من العلماء وَقَعَ في أخطاء كثيرةٍ لم يُسْقَطْ مقامهم بسببها ، و لم يُحذَّر الناس منهم لأخطائهم ، و إنما كانوا بين أنفسهم عقلاء ذوي محبةٍ وَ وِداد ، و ليتَ لنا مثلهم في هذا الزمان السيء . المَعْلمُ الخامس: لعله وَ لعله . سبقَ _ في المعلم الثاني _ أن بُغْيَةَ العالِم هو الحق ، و أن قصده الوصول إلى الصواب من الرأي ، و لكن يعتريه الخطأ ، و يزاولُه الزلل ، و الواجبُ هنا هو أن نعتذرَ له ، و نتأولُ خطأه باحثين عن مخرجٍ حسَنٍ لائقٍ به . قال الإمام السُبْكي _ رحمه الله _ : فإذا كان الرجلُ مَشهوداً له بالإيمان و الاستقامة ، فلا ينبغي أن يُحملَ كلامه ، و ألفاظه و كتاباته على غير ما تُعُوِّدَ منه و من أمثاله ، بل ينبغي التأويل الصالح ، و حُسْنُ الظن الواجبِ به و بأمثاله . ا،هـ . و يقولُ ابنُ النحاس _ رحمه الله _ : يجبُ أن يُتأوَّلَ للعلماء ، و لا يُتَأوَّلَ عليهم الخطأ العظيم ، إذا كان لما قالوه وَجه . ا،هـ . المَعْلمُ السادس: تَجَنَّبْ زلة العالم . إذا ثَبتَ لنا _ يقيناً _ أن العالمَ أخطأ في شيءٍ و لم يكُنْ ثَمَّةَ وَجهُ صِحةٍ يَعتذرُ له به فإنه لا يجوزُ لأحد أن يسلك طريقه في زلته ، للعلمِ بأنها زلةٌ و خطأٌ منه . قال شيخ الإسلام _ رحمه الله _ : و ليس لأحد أن يتبعَ زلات العلماء ، كما ليس له أن يتكلمَ في أهل العلم و الإيمان بما هم ليسوا به بأهل ، ... ، و هذا أمرٌ واجبٌ على المسلمين في كلِّ ما يُشْبِه هذا من الأمور . ا،هـ . المَعْلمُ السابع: مُناصحةُ الشيخ . إذا تمَّ كثيرٌ مما سبق _ من المعالم _ فإننا نسلُك درب المناصحة للشيخ بأدبٍ جَمٍّ ، و خُلُقٍ عظيمٍ ، دون تنقُصٍ و تعيير ، و دون إساءة أدبٍ . ولابدَّ من مناصحةِ الشيخ في خطأه من لزوم أدبين : الأول : مُلاطفةُ الشيخ في بيان الخطأ و الزلل ، فإن لها أثراً كبيراً في نفس الشيخ و قبوله لها ، و أثرٌ على الناصحِ حيثُ عرفَ للعلم قدره و مكانه . قال الإمام ابنُ جماعة _ رحمه الله _ : و لا يقول لما رآه الشيخُ و كان خطأً : هذا خطأ ، و لا : هذا ليس برأي ، بل يُحسنُ خطابه في الرد إلى الصواب ، كقوله : يظهرُ أن المصلحةَ في كذا ، و لا يقول : الرأي عندي كذا ، و شِبْهَ ذلك . ا،هـ . الثاني : الإسرارُ في النُصْح ، و أحقُّ الناسِ بإسرارِ النصحِ له هو العالم ، لأن في تشهيرِ النصح مفسدتين : الأولى : إساءةُ أدبٍ معه ، و قد يكون الصوابُ حليفَه ، و _ أيضاً _ تهوينٌ لقدره عند العامةِ مما يُجرؤهم على انتقاصه و الإساءة إليه . الثانية : تشهيرٌ للخطأ و الزلّة . قاعدة : قال الحافظُ ابنُ رجبٍ _ رحمه الله _ : و المُنْكَرُ الذي يَجبُ إنكارُه : ما كان مُجْمَعاً عليه ، فأما المُخْتَلَفُ فيه فَمن أصحابنا من قال : لا يجبُ إنكارُه على مَنْ فعلَه مجتهداً فيه ، أو مُقَلِّداً مجتهداً تقليداً سائغاً . ا،هـ [ جامع العلوم و الحِكم 2/270 ، و انظر : شرح النووي على مسلم 2/23 ]. هذه معالمُ ذاتُ بالٍ ، لا يُسْتغنى عنها تُجاه زلةِ العالم و خطئه ، و مراعاتها من أهم المهمات على المسلم حيثُ بها : صيانةُ مقامِ الشريعة من تجرؤ السافلين على كبارها ، و محفظاً لقدرِ العالم و تقديراً له و تعظيماً بتعظيم الدين له . و هي كما أنت راءٍ إنما هي من منثور كلام الأئمة الأعلام ، و الفضلاء الفقهاء تمَّ تقييدُها و رَصْفُها جمعاً لمتفرَّقها ، و لَمَّاً لشتاتها . الاثنين _ 10/2/1424 هـ الرياض |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
[بحث] فوائد من فقه الصيام | لبنى أحمد | فقه الصيام | 12 | 11-12-13 02:23 AM |
الدليل إلى المتون العلمية | أمةالله | المتون العلمية | 58 | 17-01-08 10:11 PM |