العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة التزكية وآداب الطلب > روضة سير الأعلام

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-10-07, 12:04 AM   #1
بداية مشرقة
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي قصة الورقة الضائعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يقول الألباني رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه (فهرس مخطوطات المكتبة الظاهرية) :

( ولم يكن ليخطر ببالي، وضع مثل هذا الفهرس، لأنه ليس من اختصاصي، وليس عندي متسع من الوقت ليساعدني عليه، ولكن الله تبارك وتعالى إذا أراد شيئاً هيّأ أسبابه، فقد ابتليت بمرض خفيف أصاب بصري، منذ أكثر من اثني عشر عاماً، فنصحني الطبيب المختص بالراحة وترك القراءة والكتابة والعمل في المهنة (تصليح الساعات) مقدار ستة أشهر.

فعملت بنصيحته أول الأمر، فتركت ذلك كله نحو أسبوعين، ثم أخذت نفسي تراودني، وتزين لي أن أعمل شيئاً في هذه العطلة المملة، عملاً لا ينافي بزعمي نصيحته، فتذكرت رسالة مخطوطة في المكتبة، اسمها (ذم الملاهي) للحافظ ابن أبي الدنيا، لم تطبع فيما أعلم يومئذ، فقلت: ما المانع من أن أكلف من ينسخها لي؟ وحتى يتم نسخها، ويأتي وقت مقابلتها بالأصل، يكون قد مضى زمن لا بأس به من الراحة، فبإمكاني يومئذ مقابلتها، وهي لا تستدعي جهداً ينافي الوضع الصحي الذي أنا فيه، ثم أحققها بعد ذلك على مهل، وأخرج أحاديثها، ثم نطبعها، وكل ذلك على فترات لكي لا أشق على نفسي! فلما وصل الناسخ إلى منتصف الرسالة، أبلغني أن فيها نقصاً، فأمرته بأن يتابع نسخها حتى ينتهي منها، ثم قابلتها معه على الأصل، فتأكدت من النقص الذي أشار إليه، وأقدره بأربع صفحات في ورقة واحدة في منتصف الكراس، فأخذت أفكر فيها، وكيف يمكنني العثور عليها؟

والرسالة محفوظة في مجلد من المجلدات الموضوعة في المكتبة تحت عنوان (مجاميع)، وفي كل مجلد منها على الغالب عديد من الرسائل والكتب، مختلفة الخطوط والمواضيع، والورق لوناً وقياساً، فقلت في نفسي، لعل الورقة الضائعة قد خاطها المجلد سهواً في مجلد آخر، من هذه المجلدات! فرأيتني مندفعاً بكل رغبة ونشاط باحثاً عنها فيها، على التسلسل.
ونسيت أو تناسيت نفسي، والوضع الصحي الذي أنا فيه!

فإذا ما تذكرته، لم أعدم ما أتعلل به، من مثل القول بأن هذا البحث لا ينافيه، لأنه لا يصحبه كتابة ولا قراءة مضنية!

وما كدت أتجاوز بعض المجلدات، حتى أخذ يسترعي انتباهي عناوين بعض الرسائل والمؤلفات، لمحدثين مشهورين، وحفاظ معروفين، فأقف عندها، باحثاً لها، دارساً إياها، فأتمنى لو أنها تنسخ وتحقق، ثم تطبع، ولكني كنت أجدها في غالب الأحيان ناقصة الأطراف والأجزاء، فأجد الثاني دون الأول مثلاً ، فلم أندفع لتسجيلها عندي، وتابعت البحث عن الورقة الضائعة، ولكن عبثاً حتى انتهت مجلدات (المجاميع) البالغ عددها (152) مجلداً، بيد أني وجدتني في أثناء المتابعة أخذت أسجل في مسودتي عناوين بعض الكتب التي راقتني، وشجعني على ذلك، أنني عثرت في أثناء البحث فيها على بعض النواقص التي كانت من قبل من الصوارف عن التسجيل. ولما لم أعثر على الورقة في المجلدات المذكورة، قلت في نفسي: لعلها خيطت خطأ في مجلد من مجلدات الحديث، والمسجلة في المكتبة تحت عنوان (حديث)!

فأخذت أقلبها مجلداً مجلداً، حتى انتهيت منها دون أن أقف عليها، لكني سجلت عندي ما شاء الله من المؤلفات والرسائل. وهكذا لم أزل أعلل النفس وأمنيها بالحصول على الورقة، فأنتقل في البحث عنها بين مجلدات المكتبة ورسائلها من علم إلى آخر؛ حتى أتيت على جميع المخطوطات المحفوظة في المكتبة، والبالغ عددها نحو عشرة آلاف (10000) مخطوط، دون أن أحظها بها!

ولكني لم أيأس بعد، فهناك ما يعرف بـ (الدست)، وهو عبارة عن مكدسات من الأوراق والكراريس المتنوعة التي لا يعرف أصلها، فأخذت في البحث فيها بدقة وعناية، ولكن دون جدوى.

وحينئذ يأست من الورقة، ولكني نظرت فوجدت أن الله تبارك وتعالى قد فتح لي من ورائها باباً عظيماً من العلم، طالما كنت غافلاً عنه كغيري، وهو أن في المكتبة الظاهرية كنوزاً من الكتب والرسائل في مختلف العلوم النافعة التي خلفها لنا أجدادنا رحمهم الله تعالى، وفيها من نوادر المخطوطات التي قد لا توجد في غيرها من المكتبات العالمية، مما لم يطبع بعد. فلما تبين لي ذلك واستحكم في قلبي، استأنفت دراسة مخطوطات المكتبة كلها من أولها إلى آخرها، للمرة الثانية، على ضوء تجربتي السابقة التي سجلت فيها ما انتقيت فقط من الكتب، فأخذت أسجل الآن كل ما يتعلق بعلم الحديث منها مما يفيدني في تخصصي؛ لا أترك شاردة ولا واردة ، إلا سجلته، حتى ولو كانت ورقة واحدة، ومن كتاب أو جزء مجهول الهوية!

وكأن الله تبارك وتعالى كان يعدّني بذلك كله للمرحلة الثالثة والأخيرة، وهي دراسة هذه الكتب، دراسة دقيقة ، واستخراج ما فيها من الحديث النبوي مع دراسة أسانيده وطرقه، وغير ذلك من الفوائد. فإني كنت أثناء المرحلة الثانية، ألتقط نتفاً من هذه الفوائد التي أعثر عليها عفواً، فما كدت أنتهي منها حتى تشبعت بضرورة دراستها كتاباً كتاباً، وجزءاً جزءاً.

ولذلك فقد شمرت عن ساعد الجد ، واستأنفت الدراسة للمرة الثالثة، لا أدع صحيفة إلا تصفحتها، ولا ورقة شاردة إلا قرأتها، واستخرجت منها ما أعثر عليه من فائدة علمية، وحديث نبوي شريف، فتجمع عندي بها نحو أربعين مجلداً، في كل مجلد نحو أربعمائة ورقة، في كل ورقة حديث واحد، معزواً إلى جميع المصادر التي وجدتها فيها، مع أسانيده وطرقه، ورتبت الأحاديث فيها على حروف المعجم، ومن هذه المجلدات أغذي كل مؤلفاتي ومشاريعي العلمية، الأمر الذي يساعدني على التحقيق العلمي، الذي لا يتيسر لأكثر أهل العلم، لا سيما في هذا الزمان الذي قنعوا فيه بالرجوع إلى بعض المختصرات في علم الحديث وغيره من المطبوعات!

فهذه الثروة الحديثية الضخمة التي توفرت عندي؛ ما كنت لأحصل عليها لو لم ييسر الله لي هذه الدراسة بحثاً عن الورقة الضائعة!

فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.)


منقول من موقع طريق الإسلام



توقيع بداية مشرقة
اليـوم شــيء وغداً مثله
من نُخب العـلم التي تُلتقط

يحصّــل المرء بها حكـمة
وإنما السـيل اجتماع النُّقط
بداية مشرقة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
° ~ علموا أولادكم قصة أهل الكهف ~ ° بُشريات مكتبة طالبة العلم الصوتية 0 30-08-13 03:52 AM
درس مفيــد : كيف تحفظ القرآن؟ أم أســامة روضة القرآن وعلومه 25 26-07-10 03:39 AM
قصة علي بن الجهم مع المتوكل: قصة لا تصح! أم عمر الأثرية روضة اللغة العربية وعلومها 4 13-10-06 08:49 PM
قصة مؤثرة salafia روضة سير الأعلام 3 23-08-06 07:47 PM


الساعة الآن 04:12 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .