المقرر الثاني : وعذرا عن التأخير .
-أخبر – تعالى – بأنه أرسل نبيه هود عليه السلام إلى قومه عاد ، وكان عليه السلام من الرسل الكرام الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه وإرشاد الخلق إليه ، ومع ذلك فإنهم أعرضوا وكذبوا بما جاءهم به من الحق واغتروا بقوتهم وجبروتهم وظنوا أنهم تمنعهم قوتهم من عذاب الله ، فكان عاقبتهم الهلاك والدمار في الدنيا ، وعذاب النار في الآخرة – والعياذ بالله ، وعليه فلا يغتر المجرمون بقوتهم فالله أقوى وأقدر وهو قادر على إهلاكهم كما أهلك من قبلهم حين ظلموا وبغوا وتعدوا حدود الله ، ولا ييأس المؤمنون والمظلومون من نصر الله لهم وإهلاكه الطغاة والفراعنة ، فالذي أهلك فرعون الأول قادر على إهلاك كل فرعون ، ولا يغتر المغترون بقوة الظالمين المجرمين فيسلموا لهم ويرضون بظلمهم ويقرون بحكمهم ولينظروا في عدل الله وحكمته ولا يسيئوا الظن بربهم – عز و جل - فمن ظن بأن الله لا ينصر عباده المؤمنين فقد أساء الظن بربه، فسنة الله في هلاك الظالمين باقية أبد الآبدين ،قال تعالى : ، " ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا" .
-أخبرتعالى عن حال الكافرين في الدار الآخرة أنهم يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض ، كما قال تعالى :" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "، وعليه فلنع هذه الحقيقة ولنعلم بأن الصديق لا ينفع صديقه إلا إن كان من المتقين ، والتقوى كما عرفها العلماء بأنها : الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل ، وذلك بالتعاون على طاعة الله والتواصي بالثبات على الحق وبالصبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الأقدار والمصائب التي لا بد منها في حياة المؤمن ، كما قال تعالى :" والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
أما صديق السوء فإنه يكون وبالا على صاحبه ، فكم من خليل جر خليله الى سخط الله وربما الى الكفر أيضا كما فعل عقبة بن أبي معيط من إيذاء لرسول الله – صلى الله عليه وسلم ،ـ وذلك إرضاءا منه لصديقه أبي جهل ، وفيه نزل قوله تعالى :" ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا".
-أمر الله نبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم – أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له ، وألا يزال داعيا لهم الى الله وأن يقتدي بصبرأولي العزم من المرسلين ، فامتثل صلى الله عليه وسلم لأمر ربه فصبر صبرا لم يصبره نبي قبله حتى رماه المعادون له عن قوس واحدة ، فقاموا جميعا بصده عن الدعوة إلى الله وفعلوا ما يمكنهم من المعاداوة والمحاربة ، فلم يزل صادعا بأمر ربه مقيما على جهاد أعداء الله صابرا على ما يناله من الأذى حتى مكن الله له في الأرض وأظهر دينه على سائر الأديان وأمته على سائر الأمم ،
فهذا هو طريق الدعوة مليء بالشوك والدماء والجراحات والآلام فعلى الدعاة الى الله أن يقتدوا به صلى الله عليه وسلم ، وألا يتركوا طريق الدعوة ولا يحيدوا عن الحق وألا يواطئوا الطغاة ولا يسكتون على ظلمهم وبغيهم ، فقد قال تعالى :" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون".