01-01-14, 11:14 PM | #1 |
|تواصي بالحق والصبر|
|
// الرفيــــــــق والطريــــــــــــق //
الرفيقُــــــــــــــــــ والطريقــــــــــــــــــــــــــــ إن القلب لما تحوَّل لسفر الهجرة إلى الله ورسوله طلب رفيقًا يأنس به في السفر فلا يجد إلا معارضًا مناقضًا أو لائمًا بالتأنيب مصرّحا أو فارغًا من هذه الحركة معرضًا وليت كل ما ترى هكذا، فلقد أحسن إليك من خلاكَ وطريقكَ ولم يطرح شره عليكَ كما قال القائل: إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال فإذا كان هذا المعروف من الناس فالمطلوب في هذا الزمان المعاونة على هذا السفر بالإعراض وترك اللائمة والاعتراض إلا ما عسى ان يقع نادرًا فيكون غنيمة باردرة لا قيمة لها ولا ينبغي أن يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة، بل يسير و لو وحيدًا غريبًا فانفراد العبد في طريق طلبه دليل على صدق المحبة ومن أراد هذا السفر - سفر الهجرة إلى الله ورسوله - فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء فإنه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده وليحذر من مرافقة الأحياء الذين هم في الناس أموات فإنهم يقطعون عليه طريقه فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة وأوفق له من هذه المفارقة فقد قال بعض السلف : "شتانَ بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم وبين أقوامٍ أحياء تموت القلوب بمخالطتهم " فما على العبد أضرُّ من عشائره وأبناء جنسه فنظره قاصر وهمته واقفة عند التشبه بهم ومباهاتهم والسلوك أين سلكوا حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍ لأحب أن يدخله معهم فمتى صرف همته عن صحبتهم إلى صحبة من أشباحهم مفقودة ومحاسنهم وآثارهم الجميلة في العالم موجودة استحدث بذلك همة أخرى وعملا آخر وصار بين الناس غريبًا وإن كان فيهم مشهورا ونسيبا ولكنه غريبٌ محبوب يرى ما الناس فيه و لا يرون ما هو فيه يقيم لهم المعاذير ما استطاع ويحضهم بجهده و طاقته سائرًا فيهم بعينين؛ عينٍ ناظرة الى الأمر والنهى بها يأمرهم وينهاهم ويواليهم ويعاديهم ويؤدي لهم الحقوق و يستوفيها عليهم وعينٍ ناظرة الى القضاء والقدر بها يرحمهم ويدعو لهم و يستغفر لهم ويلتمس وجوه المعاذير فيما لا يخل بأمر ولا يعود بنقض شرع وقد وسعهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته وقفًا عند قوله تعالى " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" متدبرًا لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق وأداء حق الله فيهم والسلامة من شرهم فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم فان العفو ما عفى من أخلاقهم وسمحت به طبائعهم ووسعهم بذله من أموالهم و أخلاقهم فهذا ما منهم إليه ... وأما ما يكون منه اليهم فأمرهم بالمعروف وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه وهو ما أمر الله به وأما ما يتقي به أذى جاهلهم فالإعراض عنه وترك الانتقام لنفسه والاقتصاص لها فأي كمال للعبد وراء هذا وأي معاشرة وسياسة لهذا العالم أحسن من هذه المعاشرة والسياسة فلو فكر الرجل في كل شر يلحقه من العالم أعني الشر الحقيقي الذي لا يوجب له الرفعة والزلفى من الله وجد سببه الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها وإلا فمع القيام بها فكل ما يحصل له من الناس فهو خير له وإن شرًا في الظاهر فإنه يتولد من الأمر بالمعروف ولا يتولد منه إلا خيرا وإن ورد في حالة شر وأذى كما قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" وقد تضمنت هذه الكلمات مراعاة حق الله وحق الخلق: فإنهم إما يسيئوا في حق الله وفي حق رسوله فإن أساءوا في حقك فقابل ذلك بعفوك عنهم وإن أساءوا في حقي فاسألني أغفر لهم وأستجلب قلوبهم واستخرج ما عندهم من الرأي بمشاورتهم فإن ذلك أحرى في استجلاب طاعتهم وبذل النصيحة، فاذا عزمت فلا استشارة بعد ذلك، بل توكل وامض لما عزمت عليه من أمرك فإن الله يحب المتوكلين. والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا أبدا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين منقول من كتاب " زاد المهاجر إلى ربه .. لابن القيم - رحمه الله -
التعديل الأخير تم بواسطة أروى آل قشلان ; 01-01-14 الساعة 11:18 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|