اللقاء الأول :
من كتاب الإيضاح على الآجرومية ( للشيخ : صالح الأسمري)
مُقَدِّمَة
وفيها فصلان :
الأول :
في تعريف موجز بابن آجروم - رحمه الله - ، وذلك في مقاصد عدة :
الأول : في اسمه ونسبه :هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصِّنهاجي ، المعروف بـ (ابن آجروم) ، وهنا فائدتان :
الأولى :
أنه يُقَال لابن آجروم : (الصِّنْهاجي) نسبة إلى قبيلة صِنْهاجة بالمغرب . قاله الحامدي - رحمه الله - في حاشية له على : [شرح الكفراوي للآجرومية].
الثانية :
أن كلمة : (آجروم) لها معنى ، وضبط .
فأما المعنى :
فهو : الفقير الصوفي ، وذلك بلغة البَرْبَر . قال ابن عنقاء ‘‘هي كلمة أعجمية ، بلغة البربر ، معناها : الفقير الصوفي ، على ما قيل . لكني لم أجد البرابرة يعرفون ذلك’’ انتهى . غير أن السيوطي وابن الحاج جزما بالمعنى السابق.
وأما الضبط :
فعلى أوجه :
• الأول : بفتح الهمزة مع مدّ ، وجيم مضمومة مُخَفَّفة ، وراء مهملة مضمومة مع تشديد وتثقيل ، هكذا : (آجُرُّوم) قاله ابن عنقاء ، وبه قطع السيوطي في : [بغية الوعاة].
• الثاني : كالأول ، غير أن الجيم تكون مفتوحة ، هكذا : (آجَرُّوم) وهذا هو المنقول عن الجمال المطيب .
• الثالث : بفتح الهمزة دون مَدٍّ ، وجيم ساكنة ، وراء مهملة مضمومة دون تشديد ، هكذا (أَجْرُوم) وهو منقول عن ابن أجروم نفسه ، قاله ابن الحاج في : [العقد الجوهري] .
• الرابع : ما حكاه السيوطي في [البغية] بقوله : ‘‘رأيت بخط ابن مكتوم في [تذكرته] ، قال : (محمد بن الصنهاجي أبو عبد الله ، من أهل فاس ، يعرف بـ أكروم …’’.
• الخامس : ما حكاه ابن عنقاء بقوله : ‘‘وقد كثر حذف همزته - يعني آجروم - فلا أدري أهي لغة أم هي من تلعب الناس’’ .
لطيفة :
قال ابن عنقاء : ‘‘في قبيلة البربر قبيلة تُسَمَّى بني آجروم ’’.
الثاني : في مولده ووفاته .فأما مولده :
فيقول ابن الحاج : ‘‘ولد سنة اثنتين وسبعين وستمائة بمدينة فاس في السنة التي توفي فيها ابن مالك’’ . وبذلك جزم ابن العماد في [شذرات الذهب].
وأما وفاته :
فيقول ابن الحاج : ‘‘توفي يوم الاثنين بعد الزوال لعشرة بقيت من صفر ، سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة’’ . وبه قال الحلاوي وابن العماد وغيرها .
لطيفة :
قال ابن الحاج : ‘‘توفي ابن آجروم وله إحدى وخمسون سنة ، ودفن بباب الجيزيين ، ويعرف الآن بباب الحمراء بفاس ’’.
الثالث : في مكانته العلمية .
قال السيوطي - رحمه الله - : ‘‘وصفه شرَّاح مقدمته كالمكودي والراعي وغيرهما ، بالإمامة في النحو والبركة والصلاح ، ويشهد بصلاحه عموم نفع المبتدئين بمقدمته’’ .
وقال ابن مكتوم عنه : ‘‘نحوي مقرئ ، وله معلومات من فرائض وحساب وأدب بارع ’’.
الرابع : في مصنفاته :كان له - رحمه الله - مصنفات أشار إليها ابن مكتوم في : [تذكرته] بقوله : ‘‘وله مصنفات وأُجيز في القراءات وغيرها ’’، والمعروف من كتبه كتابان : الأول : هو مقدمته النحوية . الثاني : هو فرائد المعاني في شرح حرز الأماني .
الثاني :
في تعريف موجز بـ (المقدمة) ، وذلك حسب المقاصد التالية :الأول : في اسمها
لم يسمِّ الْمُصَنِّف - رحمه الله - كتابه هذا باسمٍ ، إنما سُمِّيَ به فقيل : (الآجرومية) ، أو : (الجرّومية) وهذا من باب النسبة ؛ لأن المركب الإضافي كالمبدوء بـ (ابن) ، وهو هنا كذلك ، عند النسبة يُحذف صدره (ابن) وينسب إِلى عجزه (آجروم) وفيه يقول ابن مالك :
وانسُبْ لصدْرِ جُمْلةٍ وصدْرِ ما
إضافةً مبْدوءةً بِابْنٍ أَوْ أبْ
. رُكِّبَ مَزْجاً ولثانٍ تَمَّمَا
أوْ ما لَهُ التَّعْريفُ بِالثَّاني وَجَبْ
.
وربما قيل في التسمية : (مقدمة ابن آجروم) أو : (المقدمة الآجرومية). ودال (المقدمة) فيهما تفتح وتكسر ، والكسر أولى لما فيه من إشعار بتقدمها استحقاقاً أَوْ حقيقة ؛ ولأن الفتح لغة قليلة .
قال بعض الشراح : ‘‘إنما سُمِّيَت الآجرومية بـ (المقدمة) ؛ لأنها توصل المشتغل بها إِلى المطولات من كتب النحو والإعراب ، كمقدمة الجيش التي تتقدم أَمَامَه ، لتهيئ له في المحل الذي ينْزله ما يحتاج إليه’’. وهو معنى لطيف متَّجه .
الثاني : في وقت تصنيفها
لم يذكر ابن آجروم ولا غيره من المترجمين والشراح زمن تصنيف الآجرومية ، غير أن ابن مكتوم في : [تذكرته] - وهو عصري ابن آجروم - قال : ‘‘وهو إِلى الآن حي ، وذلك في سنة تسع عشرة وسبعمائة’’ ، وذلك بعد أن أشار إِلى مصنفاته وكونه نحوياً مقرئاً .
الثالث : في مكان كتابتها
ذكر الراعي وابن الحاج في [شرح الآجرومية] أن ابن آجروم ألَّف هذا المتن تجاه الكعبة الشريفة ، وقال الحامدي في [حاشيته على شرح الكفراوي للآجرومية] : ‘‘حكي أنه ألَّفَ هذا المتن تجاه البيت الشريف’’ .
الرابع : في منهج صاحبها فيها
كان له في ذلك طريقة حَيْثُ :
• اقتصر فيها على كبرى أبواب النحو وأصوله ، وقد أشار إِلى ذلك غير واحد ومنهم الأزهري في أول شرحه على الآجرومية .
• واتبع الكوفيين في عباراتهم ، يقول السيوطي في [بغية الوعاة] : ‘‘وهنا شيء آخر ، وهو أنَّا استفدنا من مقدمته أنه كان على مذهب الكوفيين في النحو ؛ لأنه عَبَّرَ بالخفض ، وهو عبارتهم ، وقال : الأمر مجزوم ، وهو ظاهر في أنه معرب وهو رأيهم . وذكر في الجوازم : كيفما ، والجزم بها رأيهم ، وأنكره البصريون ، فتفطّن’’ .
• وأورد فيها الأبواب بإيجاز وترتيب بديع ؛ حَيْثُ قدَّم الكلام وحقيقته على أقسامه ، والأقسام على علامات كل قسم ، وهَلُمَّ جراً ، مما يأتي في الشرح التنويه إِلَيْهِ - إن شاء الله - .
الخامس : في عناية الناس بها
لقد اشتهرت الآجرومية بين الطلاب قديماً وحديثاً ، وانتفع بها الدارسون . يقول السيوطي : ‘‘يشهد بصلاحه - أَيْ : ابن آجروم - عموم نفع المبتدئين بمقدمته’’ ، ويقول ابن الحاج : ‘‘ويدُلُّكَ على صلاحه أن الله جعل الإقبال على كتابه ؛ فصار غالب الناس أول ما يقرأ بعد القرآن العظيم هذه المقدمة ؛ فيحصل له النفع في اقرب مُدَّة’’ .
وقد تنوعت العناية بالآجرومية ، فمنهم من نظمها كعبد السلام النبراوي ، وإبراهيم الرياحي وعلاء الدين الآلوسي والعمريطي وغيرهم . ومنهم من تَمَّمها كالحطاب ، ومنهم من شرحها - وهم كثير ، عَدَّ صاحب [كشف الظنون] منهم أكثر من عشرة - كالمكودي والراعي والأزهري والرَّمْلي.
لطيفة :
قال الحامدي في حاشية له : ‘‘حُكي أَيْضاً أنه لما ألفه - يعني : ابن آجروم ومقدمته - ألقاه في البحر ، وقال : إن كان خالصاً لله تعالى فلا يبل ، فكان الأمر كذلك’’.
قال الْمُصَنِّف - رحمه الله - : (ببسم )بدأ الْمُصَنِّف - رحمه الله - هذا المتن النحوي بـ (البسملة) ؛ وذلك منه اقتداء بكتاب الله ؛ إِذْ هي أول آية على الصحيح ، حَيْثُ افتتح الصحابة المصحف العثماني بها وتلوها وتَبِعَهم جميعُ من كتب المصحف بعدهم في جميع الأمصار ، قاله الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في [فتح الباري] .
وكذلك اتباعاً لهدي النبي في مكاتباته ومراسلاته ، ككتابته إِلى هرقل عظيم الروم كما جاء ذلك في حديث أبي سفيان في أول صحيح البخاري .
ولما استقرَّ عليه عمل الأئمة الْمُصَنِّفين ، فقد قال الحافظ في [الفتح] : ‘‘وقد استقر عمل الأئمة الْمُصَنِّفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة ، وكذا معظم كتب الرسائل’’ .
ولعل الْمُصَنِّف - يرحمه الله - حَمِدَ وتَشهَّد نطقاً عند وضع الكتاب ، ولم يكتب ذلك اقتصاراً على البسملة ؛ لأن القدر الذي يَجْمع الأمور الثلاثة : ذِكْر الله ، وقد حَصَل بها .
قوله : (بسم )جار ومجرور ، وهما متعلقان بمحذوف تقديره (أؤلف) أَوْ نحوه من المعاني الصحيحة السائغة . والاسم من السُّمُو لغة على الصحيح ، وهو ما كان لْمُسَمَّى ، وسيأتي - بإذن الله - الكلام عنه في موضعه .
قوله : (الله)
مخفوض على الإضافة ، وهو مشتق من (أَلَهَ) ومنه قول رؤبة :
لِلَّهِ دَرُّ الغانِيَــات الْمُدَّهِ سبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي
والتَّأَلُّه هو : التعبُّد .
قوله : (الرحمن الرحيم)
نعت بعد نعت ، هذا هو المشهور ؛ لكن قال في [المغني] : ‘‘الرحمن : بدل لا نعت ، والرحيم بعده : نعت له’’ . وهما اسمان لله يتضمنان صفة الرحمة ، واخْتُلِفَ في التفريق بينهما ، وأحسن ما قيل : إن الرحمن دالٌّ على الصفة القائمة بالذات ، والرحيم دال على تعلُّقها بالمرحوم .
لطيفة :
كثيراً ما يعزو الشراح بدء الْمُصَنِّف بالبسملة إِلى حديث : (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) فهو أقطع) ، والحديث أخرجه عبد القادر الرُّهَاوِي في كتابه [الأربعين] ؛ لكنه ضعيف لا يصح ، وبذلك قطع أئمة، ومنهم : الحافظ ابن حجر ، والسخاوي وآخرون ، رحمة الله على الجميع .