02-01-10, 09:12 PM | #1 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
عدّة الداعية وصفاتها
: بسم الله الرحمان الرحيم
إن مقام الداعية مقام قيادي هام ينبغي للداعية أن تقدره قدره ، وتوليه عنايتها ، ولكي يتحقق ذلك لا بدّ لها من صفات وسمات تتصف بها ، وأخلاق تتحلى بها ، وكذلك عدّة تعتدّ بها ، لتكون ـ بعد مشيئة الله ـ الداعية الناجحة الصادقة والمؤثرة ، وتلكم الصفات والسمات هي :- 1. الإخلاص لله تعالى في قولها وعملها ، وسرّهاِ وجهرها ، وفي كل أمرها ، مع السير على نهج نبيها صلى الله عليه وسلم ، وسِيَر السلف الصالح والعلماء الربانيين ؛ فالإخلاص في العمل هو أساس النجاح فيه ؛ لذا فإن على الداعيات الإخلاص في دعوتهنّ ، وأن يقصدنّ ربّهنّ في عملهنّ ، ولسان الواحدة منهنّ يقول: { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿109﴾ } [ الشعراء ] ، يقول صاحب كتاب الآداب الشرعية – والكلام لابن عقيل – : ( ومن علم أن الدنيا دار سباق وتحصيل للفضائل ، وأنه كلما عَلَتْ مرتبته في علم وعمل زادت المرتبة في دار الجزاء ، انتهب الزمانَ ولم يضيع لحظة ولم يترك فضيلة تمكنه إلا حصلها ). ومن وفقت لهذا فلتبتكر زمانها بالعلم ، و لتصابر كلّ محنة وفقر ، على أنْ يحصل لها ما يريد ، ولتكن مخلصة في طلب العلم عاملة به حافظة له ، فأما أن يفوتها الإخلاص ، فذاك تضييع زمانٍ وخسرانُ الجزاء ، وأما أن يفوتها العمل به فذاك يقوي الحجةَ عليها والعقاب لها ، وأما جمعه من غير حفظ فإن العلم ما كان في الصدور لا في السطور ، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: ( ترك العمل من أجل الناس رياء , والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما). 2. العلم والإعتقاد الصحيح ، إذ تعتقد بدعوتها لله تعالى – أنها وارثة لنبيها محمد صلى الله عليه وسلم في نشر سنته وهديّه؛ ليكون ذلك حافزاً لها على اتباعه في الدعوة إلى الله تعالى ، ثم يكون اعتقادها تبعاً لاعتقاد أهل السنة والجماعة ، فلا تحيد عن الحق ، ولا تخشى في الله لومة لائم ؛ بل تكون منافحة عن الحق دالة عليه ، هادية إليه ، واثقة بنصر الله للمؤمنين ، وتؤمن أن الإسلام هو دين الحق . 3. أن تصبر وتصابر ، فتصبر في المُلِمات والمهمّات ، ومنه في تلقي العلم الشرعي ، وطيّ الساعات في الطلب على أهل العلم، فإن " من ثَبَتَ نَبَتَ "،فطالب العلم المجتهد لا يمل ولا يتضجر ، ولا يأخذ من كل كتاب وريقات وكلمات متقاطعة ، أو من كل فنّ قطعة ثم يترك ؛ بل حال طالب العلم التخلق بالصبر على طلب العلم والتلقي على أيدي العلماء الربانيين والتطبيق والدعوة ، فالصبر درجة عالية لا تنال إلا بالأسباب التي يتجرع بها العبد مرارة الصبر، ويتحمل منها مشقته قال تعالى : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿10﴾} [الزمر]، ولتصابر في بيان الحق، والدعوة إليه والمجادلة فيه ، وتتسم بطول النفس ،وبعد النظر حتى تتحق لها الغاية المنشودة . 4. الثبات في دعوتها إلى الله تعالى ، فتكون راسخة القدمين لا تزعزعها المضايقات، ولا يحطمها اليأس ؛ لأنها واثقة من سلامة المنهج المتبعة له ، وصحة الطريق الذي تسير عليه ، إذ أنها أيضاً واثقة من الحسنيين مؤملة للزيادة ، واثقة من بيان الحق وثواب الآخرة مع إخلاص النية وإصلاح العلم ، مؤملة لصلاح الخلق بدعوتها ولو بعد حين . (1) 5. أن تكون الحكمة مسلكها ، والموعظة الحسنة طريقتها، وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والسلف الصالح منهجها ، ولذا يجب أن تكون الداعية ذات قلب ينبض بالرحمة والحسنى ، ويميز المسلك السهل من الوعر ، فيبحر في نفوس العامّة في هدوء البحر ، وينزل الأشرعة حين تعلو الأمواج ؛ لأن في هذه الدعوة أساليب متنوعة ومتعددة ، ولتعلم الداعية أن الكلمة الطيبة تقع في القلب دون استئذان . 6. الشفاء من مرض الكبرياء : لا بد لنا أن نعرف حقيقة الكبر لكي نتجنبه ، جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وسلم : { الكبر بطر الحق ، و غمط الناس } ، أي رد الحق واحتقار الناس ، فحقيقة الكبر استعظام المتكبر نفسه واستصغار قدر غيره فيدفعه ذلك إلى رذائل ومهلكات ، ثم إن التكبر حماقة ، وجهل ، ودليل قاطع على جهل المتكبر بربه ونفسه ، فلو عرف ربه لعلم أن الكبرياء لله سبحانه وحده ، قال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل : { العز إزاري والكبرياء ردائي فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته } رواه مسلم ، ثم المتكبر لم يعرف نفسه حقاً ، إذ لو أنه علم أن أوله نطفة قذرة ، وآخره جيفة قذرة لخجل من نفسه ووقف عند حده ، قال محمد بن الحسين بن علي – رضي الله عنه وعن أبيه وجده – كما ذكر صاحب " الإحياء : " ما دخل قلب امرئ شيء من التكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك قل أو كثر ، ثم المتكبر مثله كمثل الواقف على رأس الجبل يرى الناس كالذر وهم لا يروه ". 7. الداعية الناجحة تكون متواضعة ، ولا بد للداعية أن تعرف حقيقة الكبر حتى تظهر لها حقيقة التواضع ، ولما عرفنا حقيقة الكبر أصبح مفهوم التواضع بالنسبة لنا واضحاً ، وبذلك نعرف أن المتواضع عارف بربه، وبحجم نفسه ، وإذا كان المتكبر محتقراً لغيره فإن المتواضع ينزل الناس أماكنهم من غير تنقيص ، ولا تجريح ، ولا استهزاء ، والداعية أحوج من غيرها إلى خُلق التواضع ، فهي تخالط الناس وتدعوهم إلى الحق وأخلاق الإسلام ، فكيف تكون عارية من التواضع ؟ ثم لا يعقل أن يقبلوا منها ، وهي تحتقرهم ، وتستصغرهم حتى إذا قالت حقاً وصدقاً ، هكذا جبلت طبائع الناس فإنهم ينفرون من المتكبر والشديد في الأمر كله . تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيـــع ولاتكن كالدخان يعلو بنفسه على طبقات الجــو وهـــو وضيع 8. التواضع للحق : ومما يجدر الإنفراد به أن تتواضع الداعية للحق ، وذلك بالإلتزام بالحق،والدليل، والبراهين ، بحيث متى بآن لها الحق خضعت له ، ولم تبتغ سواه بديلاً ، فهي تسير وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، ومعلوم إن منهاج النبي صلى الله عليه وسلم كان هو إظهار الحق، وبيان الدليل . 9. صفة الوقار في الشخصية ، والهيئة ، والقول ، والعمل لكي تكون أهلاً لتوقير ، فلا يطمع فيها المبطلون ، ولا يستخفها المخلصون ، تجدُّ في موضع الجد وتمزح في موضع المزاح ، فلا تكثر من القهقهة التي تُميتُ القلب وتذهب الوقار ؛ بل تكون خافضة للجناح متحلية بالآداب التي تليق بطالب العلم،فتتكلم إذا كان الكلام خيراً ، وتصمت إذا وجدت ذلك أفضل ، مع سعت الصدر ، والحلم ، وبشاشة الوجه ، ولين الجانب ليألفها الناس وتألفهم . 10. ترك المثاليات وفهم الواقع فهماً صحيحاً : مما هو ضروري في حياة الداعية أن تعيش الواقع الذي تحيا به ، مع ضرورة العلم أنها مقصرة كغيرها من الناس ، وأنها ليست بمعصومة عن الخطأ ، قال الله تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴿21﴾}[ النور 21] فهو الكامل – سبحانه وتعالى – وحده ، ذهب الله بالكمال ، وأبقى كل نقص لذلك الإنسان ، فإذا ما عرفت الداعية أن الإنسان خلق من نقص ، وضعف ، وخطأ ، ونسيان ، فعليها أن تتعامل مع من تدعوهم على هذا الاعتبار غاضة النظر عن جنسه أو عمره ( رجلاً ، شاباً ، طفلاً ، امرأةً .. ) ، ثم من الأهمية بمكان أن تحيط الداعية بالواقع ، وبما يجري حولها من أحداث ، ويكون على قدر كافٍ من المسؤولية والمعرفة والثقافة ، فالإسلام دين الرحمة ، والعالم أجمع ، فهو دين الحق بلا شك ؛ لذا كان جديرٌ بالداعية أن تلمَّ بما يدور من حوله . 11. عدم الهجوم على الأشخاص بأسمائهم ، وكذلك عدم القدح في الهيئات والمؤسسات، والجمعيات ، والجماعات بأسمائها ، ولكن مما ينبغي على الداعية أن تُبين المنهج الحق ، وتبيّن الباطل ، كما فعل قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول كما جاء في الصحيح : ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .. ) فيعرف صاحب الخطأ خطأه ، ولكن لا يشهر به . أما إن كان هناك رجل جاهر الله بكتاباته ، أو بانحرافاته ، أو بأدبه ، أو بدعته فهذا لا بأس أن يشهر به عند أهل العلم – مع ضرورة بيان أهل العلم في عصر الداعية في فجور ذلك الرجل وانحرافه . ثم ليس من الحكمة أن تتعرض الداعية للشعوب جملة ، ولا للقبائل أو الجمعيات أو المؤسسات أو غيرها من التجمعات ؛لأنها إذا ما تعرضت لهم وجدت الآلاف من المعارضين لها ، والمعرضين عنها ، فيتركوا دعوتها، ثم نفروا منها، وحذروا منها ، وهذا خطأ ، وفي الأدب المفرد مما يُروى عنه صلى الله عليه وسلم: { أن من أفرى الفِرى أن يهجو الشاعر القبيلة بأسرِها } أخرجه البخاري ، السلسلة الصحيحة 2 / 402 ، ولكن هناك صنف من الناس أرادوا الخير فاخطئوا ، وأناس زلت بهم أقدامهم ، وأناس أساؤوا في مرحلة من المراحل ، فهؤلاء لا يشهر بهم ؛ بل يرفق بدعوتهم ولا تحاولي أن تظهري أسمائهم في القائمة السوداء فقد يغريهم هذا إلى التمادي في الخطأ ، وقد تأخذهم العزة بالإثم ! ولا بدّ أن تكون الداعية لبقة في اختيار عباراتها حتى يكسب القلوب ، ولا تُثير عليها الناس ، وتظهر تقصيرها قبل غيره ، وأن تتواضع وتلتمس الستر من أخواتها ، وأن تبادلهم الشعور ، وأن تطلب منهم المشورة والاقتراح ، وأن تعلم أن فيهنّ من هي أعلم منها ، وأفصح وأصلح . 12. توقير العلماء والدعاة : لا بدّ للداعية أن توقر العلماء والدعاة خاصّة وهم ورثة الأنبياء، وحملة الرسالة من بعدهم ، ثم هم أهل الخير والفضل ، بهم يزيل الله الغمّة ،ويكشف الملمّة ، وينير الطريق بهم للعامّة ؛ لذا يجب على الداعية أن توقرهم وتنزلهم منازل لكي يوقرها الناس . ويجب عليها التحلي بصفات وأخلاق تجاه العلماء والدعاة من الذين هم أعلمَ منه ، ونختصر تلك الأخلاق في : • الأمانة في النقل عن العالم أو الداعية ، بحيث تتثبت في تفصيل وشرح الكلام الصادر عن العالم والداعية حتى تتبين لها الحقيقة ، خوفاً أن تصبح على ما فعلت من النادمين ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴿6﴾}[الحجرات] ، وقال ابن زيد ، ومقاتل ، وسهل بن عبدالله : الفاسق الكذاب ، وقال أبو الحسن الوراق: هو المعلن بالذنب، وقال ابن طاهر: الذي لا يستحي من الله . • تجنب الحسد والحقد فإياكِ ثم إياكِ أن تكوني ممن يسعى في تعبيد طريق الشيطان ، ويهدم ما بينه وبين الرحمن ، فبالحسد والحقد يزداد العبد بُعداً عن الله عز وجل ، ثم لماذا الداعية تحسد أختها وهي أولى الناس أن تبتعد عنه لمعرفته التامّة بمعناه ؟! ولكن كان أجدر بالحاقدة والحاسدة أن تغبط أخواتها – الداعيات – وأن تجتهد في مرضاة ربها جلَّ وعلا كي يمنّ عليها بالقبول، والتوفيق ، وتحصيل العلم النافع والعمل الصّالح ، وكما قيل: " لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله " . • لا يمكن توقير الداعيات في الأجواء المشحونة والمشبعة بالحزبية ، فالناظر بالتحزب البغيظ يجد العجب العُجاب ، فالحزبية صوّرت الآخر على أنه عدو لدود ، ومنافس يجب أن يُبعد عن الساحة وأن يُتخلص منه بأية وسيلة ؛ لتخلو الساحة من أي منافس ، وهذا سهمٌ قاتل ، ومرض خبيث ، يسعى أعداء الإسلام بكل ما أوتوا من قوة إلى المزيد من استفحاله في هذه الأمة ليُهلك بعضها بعضاً ، قال تعالى :( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿32﴾) [الروم ] ، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿2﴾}. [المائدة ] 13. وهذه مجموعة صفات مختصرة يجب على الداعية أن تحرص عليها : • أن تجعل لكل شيء قدراً . • الأدب مع معلميها. • الصدق والأمانة العلمية . • حسن السؤال ، وأدب الاستماع . • عدم اليأس من رحمة الله . • اللين في الخطاب ، والشفقة في النصح . • المداراة في الدعوة لا المداهنة . • ألا تسقط عيوبها على الآخرين. • أن تتمثل القدوة في نفسها . • الولاء والبراء النسبي في الحب والبغض . • مشاركة الناس والتآلف معهم . • مراعاة التدرج في الدعوة. • التميز في عبادتها ، ومحاسبة نفسها باستمرار. • الإعراض عن مجالس اللغو . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ننصح بقراءة سير الصحابة ومواقفهم الثابتة ، وكذلك سير العلماء الربانيين ، إذ والله أنها نبراس نفتخر به ونوراً نستضيء به ، فعليك مطالعة كتاب ( سير أعلام النبلاء – للإمام شمس الدين الذهبي / موسوعة روائع وطرائف – الشيخ إبراهيم النعمة ). بقلم : أ . مهنا نعيم نجم . |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|