الحديث الحادي والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحةً فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)) [متفق عليه].
يقول -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أسرعوا بالجنازة)) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب؛ لكن المراد بالإسراع يعني بعد التأكد من الوفاة، ولذا يستحب أهل العلم أنه في موت الفجأة ينتظر الميت ولا يسرع به، حتى يتأكد من وفاته، وحصل بعض القضايا النادرة التي كتب التقرير على أنه مات وانتهى، ثم يتبين أنه ما مات، فله أسرع بمثل هذا كان الأمر خطير، فمثل هذا يتأخر به، ومثله من له من أقرب الناس إليه كان غائب مثلاً، مثل هذا ينتظر إذا كان قريباً، نقله من بلد إلى بلد يكون أيسر إلى أهله ومعارفه وذويه إذا لم يترتب عليه تأخير ومشقة، أيضاً هذا يرخص فيه بعض أهل العلم، فالأمر بالإسراع نسبي، ((أسرعوا بالجنازة)) يعني في تجهيزها والصلاة عليها، وتشييعها ودفنها، والعلة في ذلك فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، جنازة المسلم الصالح العبد الصالح المؤمن مثل هذا تأخيره جناية عليه؛ لأنها إذا كانت صالحة فستقدم على ثواب ما قدمته، فتقدم إلى مثل هذا الخير، وحجبها وتأخيرها عن هذا الخير جناية عليها، ((إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك -يعني غير صالحة- فشر تضعونه عن رقابكم)) لأن مجالسة غير الصالحين وبال، في حال الحياة وفي حال الممات، لا خير في مجالسة غير الصالحين، لا خير في مجالستهم لا في حال حياتهم ولا في حال مماتهم، إلا من أجل نفعهم ودعوتهم وهدايتهم، ((وإن تك غير ذلك)) فلننظر لهذا الوصف المؤثر في التقديم إلى الخير أو ضده، وهو الصلاح، فعلى المسلم أن يسعى في إصلاح نفسه، يسعى جاهداً في إصلاح نفسه ليقدم على خير، ولا يجتنب الصلاح ويتنكب الصراط المستقيم، وطريق الصالحين، فيسلك به المسلك الآخر، فالصلاح لا شك أن أثره في الحياة وبعد الممات، وإذا كان المرء صالحاً واتصف بهذا الوصف كم يجني من أجور غيره؟ كل مصلٍ يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيدخل، وإذا حرم من هذا الوصف حرم من هذه الدعوة، ومع ذلك يَقْدم ويُقدم إلى خير، أما إذا لم يتصف بهذا الوصف حرم من ذلك كله، والله المستعان.
|