الحديث السادس عشر: عن أبي صِرْمَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضارَّ ضار الله به. ومن شاقَّ شَقَّ الله عليه)) [رواه الترمذي وابن ماجه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السادس عشر: وعن أبي حرمة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضار ضار الله به، ومن شاق شاق الله عليه)) الجزاء من جنس العمل، ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليه فاشقق عليه، من رفق بهم فارفق بهم)) هذه قاعدة مضطردة في الشرع: الجزاء من جنس العمل، الذي يعفو عن الناس ويسامحهم يعامل بالعفو والمسامحة، الذي يأخذ حقه بالقطمير يعامل بهذه المعاملة، وحديث الرجل من بني إسرائيل الذي كان يداين الناس معروف في الصحيح، والله -جل وعلا- أحق بالعفو، فمن آذى الناس وضار بالناس ضار الله به، وشق على الناس يشق الله عليه، من يسر على الناس يسر الله أمره في الدنيا، من يسر على معسر من أنظر معسراً، من أقال نادماً، نصوص كثيرة تدل على هذا الأصل العظيم، وأن الله -جل وعلا- أحق بالعفو من الخلق؛ لكن قد يفهم بعض الناس أن هذا عام فيمن يستحق الضرر ومن لا يستحق الضرر، لا شك أن هذا فيمن لا يستحق الضرر، أما من يستحق الضرر من الجناة لا بد أن يضار، يعني بالمقابل فإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه؛ لأن هذه الأمور أمور شرعية حدود شرعت لتحقق أهداف، وليس معنى هذا أننا نعطل الحدود من أجل أن لا نقع في مثل هذا، جزاء {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] والمماثلة في العقوبات شرعية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ماثل في القوم من عكل أو عرينة الذين اجتووا المدينة فأمر لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما أمر، قتلوا الراعي، وسملوا عينيه، فعل بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل ما فعلوا، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] لا نقول: أن هذا ضار، لا، هذا بفعله هذا وإن كان ضرراً على هذا الذي تسبب على نفسه بالضرر إلا أنه يردع غيره، ولذا جاء في قوله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] يعني شخص يقتل آخر فتقول: يا أخي إراقة دم مسلم اتركه، بدل ما نخسر اثنين خلينا نخسر واحد، نقول: لا يا أخي أنت لو ما خسرت هذا الواحد خسرت آلاف، من الذي يردع الثاني والثالث إلا معرفة أن هذا أقيم عليه الحد؟ يعني زيد قتل عمرو، فإذا أريد أقامة الحد القصاص على زيد يقول لك: الأمة ما هي بحاجة إلى كثرة دماء، وكذا خلي اللي راح راح، يغفر الله لنا وله، ولا نخسر اثنين، خلينا نخسر واحد وواحد يبقى، عضو فاعل في المجتمع ومنجز وعنده أعمال، لا يا أخي، هذا الشخص لو ترك لا شك أن القتل سوف يسود ويكثر وشواهد الأحوال معروفة في الشرق والغرب، جرائم القتل والاغتيالات والاغتصابات وأمور تشيب لها الذوائب، وعندنا -ولله الحمد- مع إقامة الحدود مثلما ترون، الأمور نسبية، ليس معنى هذا أنه لا يحصل شيء البتة؟ حصل هذا في عصره -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن المسألة نسبية، مسائل نسبية، فنحن -ولله الحمد- نعيش في أمن، حاول من حاول في إثارة الفتن والقلائل؛ لكن ما زلنا -ولله الحمد- في خير، نسأل الله -جل وعلا- أن يديم علينا هذا الخير، وأن يوفقنا للاستمرار في فعل الأسباب المثبتة، والتي تعين على بقاء هذا الخير، والله المستعان.
((من ضار ضار الله به)) تسعى للضرر بأخيك الجزاء من جنس العمل، لا بد وأن يحصل لك الضرر، والمثل يقول: "من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها" ((ومن شاق شق الله عليه)) تجد رئيس المصلحة ومدير الدائرة سمح وحبيب في حدود النظام بحيث لا يتسيب الناس، يعامل الناس معاملة حسنة، تجد هذا محل احترام وتقدير وتسامح وتجاوز ممن فوقه وممن دونه، ويعيش في راحة وطمأنينة بال لا يدركها أحد، وشخص يدعي الكيس والحزم ويريد أن يضبط الناس ويأطرهم؛ لكن وبعدين؟ لا شك أن اللين والرفق والليونة مع الناس التي تؤدي إلى تضييع أمور المسلمين هذا ضياع؛ لكن يبقى أنه يمكن أن تؤدى الحقوق مع الرفق واللين، مع طيب الاستقبال، مع طيب الكلام، مع حسن الخلق؛ لكن هذا الذي يريد أن يأطر الناس لا، لا، أبداً هون على نفسك، العوام يقولون: "ما يعطى الملك إلا من يحمله" يعني من يستطيع حمله، فمثل هذا من تحته من الموظفين كل يوم طالع واحد، يبحثون عن النقل يمين ويسار، ولا يصفي له أحد، تجد من فوقه يسلط عليه، ((من شاق شق الله به)) ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به)) لكن ليس معنى هذا التضييع، بل لا بد للأعمال العامة من القوي الأمين، قوي أمين، لا بد من توافر الشرطين، وإلا إذا كان قوي وليست معه أمانة ضاعت الأمور، وإذا وجدت الأمانة مع الضعف أيضاً تضيع الأمور، فلا بد من توافر هذين الشرطين لتولية الأكفاء، وإلا إن لم نسع لتحقيق هذين الشرطين وقعنا في ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) لا بد أن نسعى لاختيار الأصلح، الذي يستطيع أن يتعامل مع من دونه ومع من فوقه يحقق الهدف، ولا يترتب على ذلك تسيب ولا ضياع ولا تضييع لأمر الله -جل وعلا-، ولا تضييع لحقوق الناس.
|